مقدمة علّامة الجزيرة

الشيخ حمد الجاسر (١)

حضرموت : بلادها وسكّانها :

أتحفني الصّديق الحبيب ، الأستاذ هادون بن أحمد العطّاس (٢) بكتاب يتعلّق بتاريخ جزء عزيز من وطننا العربيّ (٣) ، من الجزيرة العربيّة نفسها ، يوشك أن يكون مجهولا أو منسيّا ، مع ما لكثير من أهله من الصّلات القويّة بمختلف الأقطار في أنحاء المعمورة ، وما لهم من نشاط متميّز في السّعي وراء اكتساب الرّزق بأذكى الطّرق وأنزهها وأشرفها ، حتّى حازوا بأمانتهم وصدقهم ثقة غيرهم.

وتميّز عدد منهم في مختلف النّشاطات الأخرى ؛ كالسّياحة والهجرة.

وبرز آخرون في المجالات الثّقافيّة ، فعرف منهم علماء وأدباء وشعراء ، وباحثون ومؤلّفون في مختلف العلوم ، قديما وحديثا ، ممّن كان لهم في التّعريف ببلادهم ما لم

__________________

(١) هذه المقدّمة كتبها الجاسر مع نشره لهذا الكتاب على حلقات في مجلّة العرب ، وقد استغرق نشره للكتاب حدود خمس سنوات ، ولعموم الفائدة .. فقد أعدنا كتابتها ، وعلّقنا عليها ، وقد قام بجهد مشكور في إخراج هذا العمل رحمه الله تعالى.

(٢) توفي بمكة صبيحة يوم عرفة الأربعاء التّاسع من ذي الحجّة عام (١٤١٧ ه‍). والسّيّد هادون مؤرّخ وباحث في التراث اليمني وممن يرجع إليهم في تاريخ حضرموت ، وله مؤلفات تاريخيّة ، وتحقيقات نشرت بعضها جامعة الرّياض ـ كليّة الآداب ، ولد بالمشهد بحضرموت سنة (١٣٣٧ ه‍) ـ كما أخبرني هو رحمه الله ـ ورحل إلى العراق لطلب العلم وعيّن في بعض المناصب الحكوميّة في عهد السّلطنة القعيطيّة بحضرموت ، وهاجر إلى الحرمين الشّريفين ، وقطن بمكّة المكرّمة منذ عام (١٣٧٠ ه‍) ، رحمه الله تعالى.

(٣) السّيّد هادون العطّاس أهدى الجاسر كتاب «حول مصادر التّاريخ الحضرمي» للمستشرق سارجنت ، الذي عرّبه د. سعيد النّوبان ، والّذي أهدى الجاسر نسخة من «إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت» هو السّيّد عبد الله بن محمّد الحبشي. فليتنبه لذلك.


يتهيّأ له من الانتشار ما ييسّر الاطّلاع عليه لكلّ راغب في الاستفادة منه في معرفة جميع أحوال ذلك الجزء من الوطن العربيّ.

من هنا كان لما أتحفني به (١) الأستاذ هادون ـ وقد تحدّثت عنه في «العرب» في هذا الجزء ـ الأثر العميق في نفسي ؛ لأنّه أحدث في القلب شجنا وتأثّرا ، لا لكون مؤلّف ذلك الكتاب غريبا عنّا وعن بلادنا ، وأنّه كان يعمل في دائرة البحوث في وزارة المستعمرات البريطانيّة ـ الّتي جثم كابوسها على تلك البقعة الحبيبة من بلادنا حقبة من الزّمن ـ فالحكمة ضالّة المؤمن ، والحقّ يتطلّبه العاقل ويقبله من كلّ أحد.

ولكنّني أحسست بكثير من الخجل حين أدركت أنّ هذا الباحث الغريب ـ الّذي لا تربطه ببلادنا رابطة من روابط الحبّ ، أو عاطفة من عواطف الصّلة والإخاء ـ يعرف من أحوال تلك البلاد أكثر ممّا يعرفه كثير من المهتمّين بالبحث والدّراسة في تاريخ الأمّة العربيّة كلّها ، ممّن يجب أن تكون صلتهم بها أعمق ، وعنايتهم بمعرفة أحوالها أشدّ ، ومعرفتهم بتاريخها أوسع ، وسعيهم لتقوية أواصر الأخوّة والارتباط بها أقوى وأشمل.

ولقد حفزني هذا إلى محاولة تحوير اتّجاه مجلة «العرب» ـ قدر استطاعة القائمين عليها ـ للإسهام بجهدها ـ على ضعفه وقلّة جدواه ـ فتقدّم لقرّائها ما تتمكّن من تقديمه من معلومات تتعلّق بتاريخ تلك البلاد وجغرافيّتها ، وتراجم مشاهيرها ، ممّا يمدّها به أولئك القرّاء من ثمرات قرائحهم ؛ فهم ذووا الفضل على مجلّتهم ، قرّاء وكتّابا :

__________________

(١) أي : كتاب المستشرق سارجنت السّابق الذّكر ، وسارجنت هو : مستشرق بريطاني ، ولد سنة (١٩١٥ م) تعلم في إدنبرا وكمبريدج ، وانتدب باحثا لشؤون الجزيرة العربية في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية سنة (١٩٤٠ م) ، ومحاضرا للغة العربية سنة (١٩٤١) ، وموظفا في الإذاعة البريطانية سنة (١٩٤٢ ـ ١٩٤٥ م) ، ومنقبا في حضرموت سنة (١٩٤٧ ـ ١٩٥٤ م) ، ومنقبا في جنوب الجزيرة العربية والخليج الفارسي سنة (١٩٥٣ ـ ١٩٥٤ م) ، له مؤلفات قيمة منها : «مختارات من الأدب العامي الحضرمي» طبع سنة (١٩٥١ م) بلندن ، وغيرها في مجالات متعددة أخرى.


كالبحر يمطره السّحاب وما له

فضل عليه لأنّه من مائه (١)

ولقد سبق أن قدّم لي الأستاذ الكريم عبد الله بن محمّد الحبشيّ (٢) نسخة مصوّرة لمؤلّف عالم حضرموت ومؤرّخها في عصرنا : السّيّد عبد الرّحمن بن عبيد الله السّقّاف ، المتوفّى سنة (١٣٧٥ ه‍) وصفه الأستاذ عبد الله بأنّه من الكتب القيّمة النّادرة في موضوع جغرافيّة حضرموت.

فرأيت في تقديم هذا الكتاب على صفحات المجلّة ما قد يكون من البواعث للاهتمام بما قد يتعرّض له من أبحاث ، أو يعرضه من معلومات ؛ ليتّسع المجال أمام الباحثين.

ويبدو أنّ مؤلّف السّقّاف هذا هو خلاصة ممّا كتب عن تلك البلاد ؛ فقد انتهى من تأليفه سنة (١٣٦٧ ه‍) قبل وفاته بثماني سنوات. وقال بأنّه ألّفه باقتراح من بلخير ـ ولعلّه الأستاذ عبد الله عمر بلخير ـ وقدّمه لسعود بن عبد العزيز حين كان وليّا للعهد قبل أن يتولّى الملك ، وكان بلخير مستشارا له.

ولقد خلا الكتاب ممّا شاب كثيرا من مؤلّفات بعض أحبابنا الحضارمة ، ممّا يتعلّق بطغيان العواطف في تقدير العلماء والسّادة ، بدرجة تقلّل الثّقة بكثير من تلك المؤلّفات من الوجهة التّاريخيّة البحتة.

ويبدو أنّه لخّصه (٣) من كتابه : «إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت» ، فكثيرا ما يختم بعض العبارات بقوله : (وهذا مفصّل في أصله) أو : (وقد أوردناه في الأصل) وهو يعني : ما لم يرد ذكره.

__________________

(١) البيت للمتنبي.

(٢) السّيّد عبد الله الحبشي : باحث موسوعيّ في التراث اليمني ، له جهود علميّة كبيرة وبارزة في مخطوطات التّراث الإسلامي ، وله مؤلّفات فريدة في هذا الباب ، وهو حاليّا في المجمّع الثقافي ب (أبو ظبي) ، مظهر من مظاهر النفع فيما يخرجه من الكتب المحقّقة والدراسات. حفظه الله تعالى.

(٣) اختلط الأمر هنا على الشّيخ الجاسر ، والصّحيح أنّ كتاب «إدام القوت» مختصر من الكتاب الكبير «بضائع التّابوت في نتف من تاريخ حضرموت» ويقع في ثلاثة مجلدات ضخام ، وقد اختصره المؤلّف بطلب من الشيخ عبد الله بلخير ، ومن ديباجة الكتاب يتضح كل ذلك.


السّيّد السّقّاف مؤلّف الكتاب (١) :

تعدّ أسرة السّقّاف من أشهر الأسر الحضرميّة ، وأكبرها ، وأوسعها انتشارا في البلاد العربيّة ، في المدينتين الكريمتين وفي القاهرة ، فضلا عن بلاد اليمن.

وهي تنمى إلى السّيّد سقّاف بن محمّد بن عمر الصّافي (٢) ، العلويّ النّسب.

واشتهر منها عدد من أهل العلم والأدب ، والوجهاء والأثرياء ، ومن فضليات النّساء ؛ حيث عرفت سيّدة جليلة من هذا البيت الكريم ممّن يقيم في القاهرة برعايتها للأدب ، فكان لها منتدى يرتاده المثقّفون (٣).

ومن مشاهير هذه الأسرة : السّيّد عبد الله بن محمّد بن عمر (٤) السّقّاف ، المتوفّى سنة (١٣٨٧ ه‍) ، من العلماء البارزين.

ومن مؤلّفاته : «تاريخ الشّعراء الحضرميّين» ، طبع سنة (١٣٥٣ ه‍) في خمسة أجزاء (٥).

__________________

(١) للتوسع في الاطلاع على ترجمة المؤلف انظر «التلخيص الشافي» وترجمته في كتاب «العود الهندي» من منشورات دار المنهاج.

(٢) بل تنمى إلى الشّيخ الكبير عبد الرّحمن السّقّاف المتوفّى بتريم سنة (٨١٩ ه‍) عن (٨٠) عاما.

أمّا السّيّد سقّاف بن محمّد المذكور : فهو سقّاف بن محمّد بن عمر بن طه بن عمر بن طه بن عمر (الصافي) بن المعلم عبد الرحمن بن محمّد بن عليّ بن الشّيخ الكبير عبد الرحمن السّقّاف ، مولده بسيون ، وبها وفاته سنة (١١٩٥ ه‍). أفرده بالتّرجمة ابنه العلّامة السّيّد حسن بن سقّاف (ت ١٢١٠ ه‍) وجاءت في مجلّد وسط ، سمّيت (نشر محاسن الأوصاف) ، صدرت مطبوعة في حلّة بهيّة عن (دار الحاوي) في (٣٥٧) صفحة. والحبيب سقّاف هذا هو الجدّ الثّالث للعلّامة ابن عبيد الله مؤلّف هذا الكتاب.

(٣) هي السّيّدة (خديجة) بنت السّيّد الأديب المؤرّخ عبد الله بن محمّد بن حامد السّقّاف صاحب «تاريخ الشّعراء الحضرميّين» الآتي ذكره عقبها.

(٤) صوابه : محمّد بن حامد بن عمر .. وليس كما ذكر الأستاذ الجاسر.

(٥) كان طبع الجزء الخامس بعد سنة (١٣٦٣ ه‍) ، وبقي جزء سادس ، يقال : إنّه لدى ابنته خديجة بمصر ، ترجم فيه لبعض أقرانه ومعاصريه.


و «تاريخ حضرموت السّياسيّ» وغيره (١).

ومنهم علماء وشعراء آخرون لا يتّسع المجال لذكرهم.

ومن مشاهير متأخّري هذه الأسرة : السّيّد عمر السّقّاف (٢) ، الّذي كان وزيرا لخارجيّة هذه البلاد حتّى توفّي.

والأستاذ أحمد زين السّقّاف (٣) ، الّذي استقرّ في الكويت منذ قبل نصف قرن من الزّمان ، مشاركا في إنماء الحركة العلميّة الثّقافيّة في تلك البلاد ، في مجالات مختلفة في التّعليم ، وفي إنشاء الصّحافة ، حيث أنشأ «مجلة كاظمة» في آخر السّتّينات من القرن الماضي ، وفي تنظيم حركة الأدب بالمشاركة بتأسيس رابطة الأدباء ، وفي غير ذلك من المجالات الحيويّة. وهو من كبار أدباء العصر وشعرائه.

وهناك كثيرون من مشاهير هذا البيت ، ليس المجال مجال الحديث عنهم.

أمّا مؤلّف هذا الكتاب : فعليه ينطبق نعت «السّقّاف الكبير» في العهد الأخير ؛ لما بلغه من الشّهرة داخل بلاده وخارجها في الأقطار العربيّة ؛ لما اشتهر به من علم وفضل.

ففضلا عمّا لأسرته في حضرموت من المكانة وعلوّ المنزلة في نفوس أهل تلك البلاد .. بلغ مرتبة من العلم أهّلته بينهم بأن يحلّ أرفع المقامات ، فعرف ب (عالم حضرموت) و (مفتي الدّيار الحضرميّة).

__________________

(١) منها كتاب هامّ أيضا ، يسمّى : «المعروضات النقيّة في الشّخصيّات الحضرميّة» ، أكثر من ذكره في «تاريخ الشّعراء» وفي «التعليقات على رحلة باكثير» ، ترجم فيه لغير الشّعراء من الشّخصيّات الحضرميّة علما وثراء واجتماعا وسياسة ، رآه شيخنا العلّامة السّيّد عبد القادر الجنيد عند مصنّفه في منزله بحضرموت ، عندما زاره بمعيّة شيخه العلّامة محمّد بن سالم بن حفيظ ، في ربيع الثّاني سنة (١٣٦٨ ه‍) ، كما ذكر في «العقود الجاهزة» ص (١٣٣) (مخطوط) ولا نعلم مصيره الآن.

(٢) السّيّد الوزير إبراهيم السّقّاف ، هكذا شهرته في الأوساط السعوديّة والحجازيّة وإنما هو من آل (العطّاس) ، واسم أبيه «سقّاف» ؛ فنسب إليه واشتهر بذلك.

(٣) الأستاذ الشّاعر الكبير ، أحمد بن زين السّقّاف أصله من آل السّقّاف سكّان الوهط ـ قرية قريبة من عدن ـ ونسبهم خارج أسرة آل السّقّاف الصّافي سكّان سيئون ، ويجتمعون في الشّيخ عبد الرّحمن الكبير.


وكان ذا نفوذ قويّ في الشّؤون العامّة في تلك البلاد ، وصلة قويّة بحكّام أقاليمها ، وإسهام بارز في السّعي لتوحيد أجزائها واستقلالها ، ورفع كابوس الاحتلال البريطانيّ الّذي كان جاثما عليها.

كما كان قويّ الصّلة بإمام اليمن يحيى بن حميد الدّين ؛ بحيث كان يرجع إليه في معالجة بعض القضايا العامّة المتعلّقة بالخلافات الّتي تقع بين حكّام تلك البلاد ، كما يتّضح من إشارات وردت في كتابه.

وقد ولد السّيّد عبد الرّحمن بن عبيد الله بن محسن بن علويّ بن سقّاف في بلدة سيون من حضرموت ، وفيها نشأ وتوفّي ، على اختلاف في تاريخ ولادته.

فالأستاذ الزركليّ يحدّده في «الأعلام» بعام (١٣٠٠ ه‍) ويشير إلى رأي آخر هو سنة (١٢٩١ ه‍) ، ولكنّه لا يأخذ به ، معلّلا بأنّ مظهر الرّجل عند وفاته لا يدلّ على أنّه بلغ من العمر (٨٤) عاما ؛ فقد توفّي سنة (١٣٧٥ ه‍).

وقد عرفه الأستاذ الزركليّ واجتمع به في صفر سنة (١٣٦٩ ه‍) في جدّة ، وأطلعه على بعض مؤلّفاته ، فطالعها واستفاد منها ، ووصفه بأنّه مؤرّخ بلدانيّ ، من شيوخ العلم بالأدب والأخبار ، وفقه الشّيعة والسّنّة ، له شعر حسن ، وأنّه كان مفتي الدّيار الحضرميّة.

وقد اجتمع به المستشرق البريطانيّ ، المعتني بالدّراسات الحضرميّة (سرجنت) SERJENANT.R.B ، فوصفه في مقاله عن المؤرّخين ، وكتابة التّاريخ الحضرميّ المعرّب في كتاب : «حول مصادر التّاريخ الحضرميّ» (١١) فقال عنه : (معروف أساسا كحجّة في الشّريعة ، ذو ذكاء حادّ ، ولقد استمتعت بمجالسه عدّة مرّات ، لقد كسب احترام حضرموت ، وهو لا شكّ عالم فذّ ، وقد درّب أبناءه على ذلك).

ويشير (سرجنت) إلى موقف من مواقف السّيّد السّقّاف جدير بالذّكر ؛ هو : موقفه في النّزاع الّذي حدث بين السّادة العلويّين وبين الإرشاديّين ، في آخر النّصف الأوّل من القرن الماضي ، في البلاد الأندونسيّة ، فيقول :


(لقد شارك (١) في النّزاع العلويّ الإرشاديّ في أندونيسيا ، وبحوزتي خطبة له قالها في أحد الجوامع في بتافيا عام (١٣٤٦ ه‍ ـ ١٩٢٨ م) ، وفي العام التّالي حاول أن يصلح بين الطّرفين ، وأخبرني أنّ الرّسائل المتبادلة ضمّت إلى مخطوطاته التّاريخيّة «بضائع التّابوت»).

ثمّ يضيف (سرجنت) : (لقد احترمه الكثيرون ، خصوصا عندما يتّخذ موقفا مخالفا لموقف العلويّين المتزمّتين) اه

ويتجلّى ما كان يتحلّى به السّقّاف من اعتدال في مواقفه فيما لقيه من تقدير وإجلال بين طبقات مثقفي عصره ، كما يبدو ذلك واضحا في احترامه واعتداده بآراء العلماء المحقّقين من مختلف المذاهب.

ولكنّ هذا المستشرق لم يفته غمزه بقوله : (والرّأي الحضرميّ عنه أنّه ساذج ، وغير مفرط في النّقد كمؤرّخ ، لكنّه عالم له صيته ، ولا بدّ أن يقدّم إسهاما هامّا لصياغة التّاريخ الحضرميّ).

ولعلّه يعني بهذا الغمز : أنّ السّيّد السّقّاف ـ فيما يبدو من أبحاثه التّاريخيّة ـ لا يكلّف نفسه عناء مناقشة ما يورده من نقول تغلب على كثير منها السّذاجة (٢) ، ولا سيّما حين ينقل عمّن يعتقد فيهم الصّلاح والتّقوى.

ومهما يكن .. فإنّ فيما قدّمه للباحثين عن تاريخ بلاده أوضح دليل على ما يتمتّع به من سعة الاطّلاع ، وشدّة الغيرة والحرص على الاهتمام بهذا الجانب ، وهو ـ بدون شكّ ـ ممّا لا غناء لكلّ معنيّ بدراسة التّاريخ العربيّ بصفة عامّة عن الرّجوع إليه.

__________________

(١) القول بأنّه شارك في النّزاع ، كلام يوهم خلاف الحقيقة ؛ لأنّه لم يكن متحيّزا إلى أحد الطّرفين كما يبدو ، لأنه إنّما قدم إلى جاكرتا بصفته داعية للصّلح بين الفريقين ، والحديث عن دوره في ذلك النزاع يطول ، ولديّ وثائق ورسائل تؤرّخ وتكشف بدقّة كلّ الملابسات الّتي لا تعرف عن بعض خفايا الموضوع ، يسّر الله جمعها ودراستها عمّا قريب.

(٢) ونحن نقف من هذا النبز المكشوف موقف الرادّ له ، لأنّ وصف فكر ابن عبيد الله ولو في بعض ما كتبه بالسّذاجة أمر نراه سخيفا ؛ فالرّجل كان من الجلالة بمكان ، وهلمّ إلى مناقشة بعض تلك السّذاجات المزعومة لتقف على حقيقة ما قيل بدلا من مجرّد النّبز والتّعريض.


ومع أنّ السّيّد السّقّاف لم يتلقّ العلم ـ فيما علمت عنه ـ خارج الجزيرة .. إلّا أنّ المرء حين يطالع أحد مؤلّفاته ؛ ككتابه عن المتنبيّ (١) .. يعجب من سعة اطّلاعه ، وقوّة استحضاره للشّواهد والنّصوص عند الحاجة ، وسرعة بديهته.

ولا شكّ أنّ دراسته الأولى كانت وفق الطّريقة المتّبعة في تلك البلاد ، وفي غيرها من البلدان الإسلاميّة ، من حيث الاتّجاه للدّراسات الدّينيّة. وبلاده في عهده عرفت بنوع من المحافظة والميل إلى ما يشبه الانقطاع أو الانعزال للعبادة والتّجرّد الرّوحيّ ، ويظهر أنّه تأثّر في أوّل مراحل حياته الدّراسيّة بمن تلقّى عليهم العلم واستفاد منهم بدرجة أحلّته منزلة رفيعة بينهم ، حتّى بلغ أعلى منصب دينيّ ، حيث عرف بمفتي حضرموت. ويلمح الباحث أثر هذا من خلال مؤلّفاته الّتي ذكر منها الأستاذ عبد الله بن محمّد الحبشيّ في كتابه : «مصادر الفكر العربيّ الإسلاميّ في اليمن» :

١ ـ «نسيم حاجر في مذهب الإمام المهاجر».

لعلّ المقصود ب «المهاجر» جدّ السّادة الحضرميّين ، الّذي هاجر إلى حضرموت ؛ فقد ألّف عنه السّيّد علويّ بن طاهر الحدّاد (١٢٩٠ / ١٣٨٠ ه‍) مفتي حضرموت كتابا دعاه : «إثمد المهاجر» ، حاول إثبات أنّه شافعيّ المذهب ، بينما يرى السّيّد صالح بن عليّ الحامد المتوفّى سنة (١٣٨٧ ه‍) أنّه إماميّ المذهب.

قال (سرجنت) بعد ذكر هذا : (وقد أضاف السّيّد ابن عبيد الله ملحقا يقال : إنّه نشر فيه ما يؤيّد رأي السّيّد صالح). (٢)

٢ ـ حاشية على «فتح الجواد».

٣ ـ حاشية على «تحفة المحتاج».

٤ ـ «صوب الرّكام في تحقيق الأحكام» (٣).

__________________

(١) أي كتاب «العود الهندي عن أمالي في ديوان الكندي» وهو عبارة عن مجالس أدبيّة تناولت نقد وتحليل وشرح بعض أشعار المتنبّي ، كتاب فريد في بابه ، وهو من منشوراتنا ولله الحمد والمنّة.

(٢) وهذا الملحق سمّاه ابن عبيد الله : «سموم ناجر» يوجد مسودة لدى أحفاده بسيئون.

(٣) طبع في مجلّدين.


٥ ـ «السّيف الحاد القاطع لأعناق الإلحاد» قال عنه الأستاذ الحبشيّ : (ألّفه في الرّدّ على كتاب «توحيد الأديان») (١) وطبع في عدن سنة (١٣٦٩ ه‍). ويبدو أنّه ألّف هذه الكتب في عهد مبكّر من حياته.

أمّا آثاره الأدبيّة ، فمنها :

١ ـ «الإماميّات» : قصائد في مدح الإمام يحيى ، طبعت في القاهرة سنة (١٣٤٥ ه‍).

٢ ـ «بلابل التّغريد في ما أفدناه في أيّام التّجريد». قال عنه الأستاذ الزّركليّ : (هو أشبه بكتب الأمالي في ثلاثة أجزاء) اه (٢)

على أنّه ورد في ذكره في «العود الهنديّ» (٣٧٦) بما نصّه : (وقد ذكرنا في تفسير الفاتحة في كتابنا : «بلابل التّغريد» ما تنشرح به صدور المؤمنين) ممّا يفهم منه أنّه في التّفسير ، ولكنّ كتب الأمالي قد تحوي تفسير بعض الآيات.

٣ ـ «ديوان شعر» طبع في مصر سنة (١٩٥٩ م) في (٥٥٢) صفحة. ذكره الزّركليّ وغيره.

٤ ـ «الرّحلة إلى دوعن» : أرجوزة طبعت في عدن سنة (١٩٤٨ م) على ما ذكر الحبشيّ.

٥ ـ رحلة تحوي بعض المعلومات التّاريخيّة ، طبعت في (القاهرة) سنة (١٣٤٥ ه‍) على ما ذكر (سرجنت) ، وأخشى أن تكون الّتي قبلها (٣).

٦ ـ «العود الهنديّ عن أماليّ في ديوان الكنديّ» : كذا ورد الاسم فيما أظنّه مسوّدة

__________________

(١) وكتاب «توحيد الأديان» تأليف السّيّد حسين الصّافي ، من أدباء جيزان في العصر الحديث ، وقد تراجع عنه فيما بعد ، كما أخبرني بذلك السّيّد جعفر السّقّاف الّذي اجتمع بالصّافي بعد تأليف ابن عبيد الله ل (السّيف).

(٢) الأعلام (٣ / ٣١٥ ـ ٣١٦).

(٣) وما خشي منه الجاسر هو الصّواب ، والسّيّد الحبشيّ أعرف بابن عبيد الله من سرجنت.


المؤلّف ، وسمّاه الأستاذ الحبشيّ : «العود الهنديّ عن مجالس في ديوان الكنديّ» يعني المتنبي.

وقال الحبشيّ : (في ثلاثة مجلّدات) ولكنّه أتحفني بنسخة مصوّرة منه تقع في (٥١٦) صفحة ، جاء فيها بعد المقدّمة :

(تنبيه : كنت بيّضت هذه الأمالي حسبما ذكرت في الخطبة ، ثمّ بعثت بها إلى مصر لتطبع بمعرفة الفاضلين الشّيخين : أحمد باغفّار وعليّ باكثير ، فلم يتيسّر الطّبع ، ولم يرجع الكتاب ، فاحتجت إلى استئناف الغاية ، مع إعادة النّظر في المراجع ؛ إذ كانت حاضرة ، بخلافها عند الأوّل ، فجاء وفيه نقص وفضل ، وصحة رواية ونضل (١) ، فليعلم ذلك ، وبالله التّوفيق).

وقال في المقدّمة : (وقد بيّضتها لولدي حسن ـ بارك الله فيه وفي إخوانه وأبيه ـ رجاء أن تكون له فاتحة تهذيب ، ولائحة تأديب ، وسميرا وجليسا ، وخليطا وأنيسا).

وانتهى من التّأليف مساء (١٧) جمادى الأولى ، سنة (١٣٥٢ ه‍) وقد قسّم الكتاب إلى ستّة عشر مجلسا وخاتمة. ويعدّ من أحفل كتب الأدب بالفوائد والفرائد من الأشعار والأخبار ، ممّا يدلّ على ما يتّصف به مؤلّفة من سعة الاطّلاع ، مع رحابة الصّدر في إيراد ما قد يتحاشى البعض من إيراده من النّكت والنّوادر ، وقد يسوق بعد ما يورد من الشّواهد طرائف من الشّعر أو القصص الحديثة.

٧ ـ «النّجم المضيّ ، في نقد كتاب عبقريّة الشّريف الرّضيّ» : انتقد به بعض ما جاء في : «عبقريّة الرّضيّ» للدّكتور زكي مبارك في جزء لطيف ، ويسمّى : «مفتاح الثّقافة» على ما ذكر الأستاذ الزركليّ.

أمّا مؤلّفاته المتعلّقة بتاريخ البلاد الحضرميّة ، ووصف قراها وموانئها وأوديتها وما يتعلّق بذلك .. فمنها :

__________________

(١) أي : غلبة.


١ ـ «إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت» ، قال عنه الزّركليّ : (في مجلد ضخم).

وقال الحبشيّ : (خطّ بمنزل المؤلّف بمدينة سيئون).

وقد اطّلع عليه الزّركليّ ، فنقل عنه في ترجمة عوض القعيطيّ في «الأعلام» ، ولا أستبعد أن يكون هو الأصل (١) الّذي يحيل إليه في الكتاب الّذي بين يدي القارىء مقدّمته ؛ حيث نجد النّصّ الّذي أورده الزّركليّ في ترجمة القعيطيّ منه في كتابنا ، إلّا أنّه في الكلام على حجر لا الشّحر كما في «الأعلام».

٢ ـ «بضائع التّابوت في نتف من تاريخ حضرموت». قال الزّركليّ : (ذكر أنّه زار اليمن ، وكان ضيفا على الإمام يحيى حميد الدّين ، فأبيح له الاطّلاع على خزانة كتبه ، فكان كلّما وقف على شيء يتعلّق بحضرموت ، أو يستظرفه .. نقله وألقى ما كتب في سلّة المهملات ، ويسمّيها «التّابوت» ، ثمّ جمعها في كتابه هذا (٢) ، وهو في ثلاثة مجلّدات ، جعله كالشّرح لقصيدة من شعره سينيّة ، عارض بها شوقي في معارضته للبحتريّ ، وأتى فيه بعلم غزير في تاريخ حضرموت وبيوتها ، وحكّامها وأعلامها ، إلى استطرادات في فنون مختلفة ، من أدب وحديث ونقد ، إلى وثائق سياسيّة ومعاهدات وملحوظات).

وقال عنه الحبشيّ : (خطّ بمنزل المؤلّف في سيئون).

وذكر (سرجنت) أنّه في المكتبة السّلطانيّة في المكلّا مع مخطوطات أخرى.

وأشار الزّركليّ إلى أنّ فهرس هذا الكتاب طبع في (٦٤) صفحة.

وذكر (سرجنت) أنّه جمع معجما جغرافيّا تاريخيّا لحضرموت ولم يذكره الزّركليّ ولا الحبشيّ ، ولا أستبعد أن يكون هذا المعجم هو كتابنا هذا ، وهو خلاصة ممّا

__________________

(١) يرجع إلى ما كتب عن ذلك في حاشية (٣) صفحة (٩) ، فقد وهم الجاسر رحمه الله في هذا.

(٢) إنما نقل عن كتب أهل اليمن لقلة المصادر والمراجع المتعلّقة والمختصّة بتاريخ حضرموت ، كما ذكر المصنّف في مقدّمة «البضائع» : ص (٢) (خ). وأمّا وصف التّابوت بأنّه «سلّة مهملات» فهذه لعلّها من (زيادة الرّاوي).


ألّفه ابن عبيد الله عن تاريخ حضرموت وجغرافيّة بلادها.

توفّي السّيّد السّقّاف في بلدته (سيئون) سنة (١٣٧٥ ه‍ ـ ١٩٥٦ م) على ما ذكر الأستاذ الزّركليّ ، وقال :

(وفي «البرقيّات» : يوم وفاته أنّه عاش (٨٤) سنة). ثمّ يضيف : (وكان مظهره دون ذلك. وفي «نيل الحسنيين» (١٣٨) : أنّه مات عن (٧٥) سنة ، وأخذت بهذه الرّواية ، و «مراجع تاريخ اليمن» (٢٤٥ ـ ٢٦١) اه.

على أنّ (سرجنت) قال ما تعريبه : (يحتمل أن يكون توفّي سنة (١٩٥٥ م) وقد ترجمه «فان درمولن» (١) ونشرت صورته في «المستمع»). ولا شكّ أنّ الزّركليّ

__________________

(١) فان در مولن ، رحّالة هولنديّ ، من المستشرقين المهتمّين بتاريخ حضرموت ، ينتسب إلى مدرسة المستشرق الشهير سنوك هرخرونيه ، قام برحلات عدّة إلى حضرموت في السنوات : (١٩٣١) ، (١٩٣٩) ، (١٩٤٥) م.

نشرت جامعة عدن الرّحلة الأولى ـ مترجمة ـ عام (١٩٩٨ م) ، وأتبعها بنشر الثّانية سنة (١٩٩٩ م).

وهذه الرّحلة الثّانية تعتبر التّجربة الأكثر نضجا من السّابقة ، قام بتعريبها د. محمد سعيد القدال ، واحتوت على ترجمة مولن لفضيلة العلّامة ابن عبيد الله .. ويحسن بناهنا أن نسوق ما كتبه ذلك الرّجل في تلك الرّحلة ؛ ففيها كلام هامّ يحسن ويجمل إيراده لعموم الفائدة.

قال (فان مولن) ص (٢٢٠) من رحلته المسمّاة : «رحلة في جنوب شبه الجزيرة العربيّة» .. الّتي قام بها سنة (١٩٣٩ م) ـ (١٣٦٠ ه‍) تقريبا : (في بداية إقامتنا في سيئون تفضّل السّيّد أبو بكر بتقديمنا لرجل كبير مقبول ، له لحية بيضاء ، السّيّد عبد الرّحمن بن عبيد الله ، الّذي سمّاه مفتي حضرموت ، سافر هذا العالم الإسلامي ثلاث مرّات إلى جاوة. وقابل هناك مستشار حكومة هولندا للشؤون الإسلاميّة ، بل ادّعى أنّه قابل الرّجل الّذي يعتبر المؤسّس للسّياسة الهولنديّة الإسلاميّة الحديثة ، البروفيسور سنوك هرخرونيه. وفيما بعد ، عند الحديث عن كتاب جمعت فيه كلّ أحاديث الرّسول صلّى الله عليه وسلم ويعتبر ذا قيمة كبيرة لأيّ متعلّم مسلم ، خطّأ ـ ابن عبيد الله ـ هذا الدّارس للإسلام بخلفيّته الواسعة ، والمعتبرة من وضع البروفسور (فينسنك) خليفة هورخرونيه.

ثمّ سأل بشكل غير متوقع : إن كنا أخذنا تاريخ وحياة ومعتقدات المسلمين المعاصرين على أنّها تمثّل الإسلام الحقيقيّ كما فعل غالبية المستشرقين؟ أم هل نعرف الإسلام الحقيقيّ في جوهره وتاريخه؟.

كانت إجابتنا : أننا حاولنا تحت التّوجيه الصّارم لسنوك هوخرونيه أن نقترب إلى الإسلام


والحبشيّ أوثق وأعرف بتاريخ الرّجل.

و «المستمع» هي : المجلّة الّتي يصدرها القسم العربيّ في (إذاعة لندن) (١).

ولا شكّ أنّه كتب الكثير عن ترجمة السّيّد السّقّاف ، ولكن ليس بين يديّ الآن سوى ما أوردت خلاصته.

ولقد عرفت من أبناء السّيّد السّقّاف ـ أثناء إقامتي في (مكّة) في أوّل النّصف الثّاني من القرن الماضي ـ : ابنه الأستاذ السّيّد حسن ، أديبا شاعرا ، لطيف المعشر ، فكها ، محبّا للبحث وكثرة المطالعة. ثمّ علمت بأنّه سافر إلى الحبشة ، وأنّه توفّي بعد ذاك.

__________________

الحقيقيّ ، وأننا نعي تماما حقيقة أن الدين والنّظرة العامّة للإسلام تمر هذه الأيّام بأزمة محرجة بشكل عامّ.

لم يكن المفتي مرتاحا أبدا لأوضاع الإسلام في الوقت الحاضر ، العديد من علماء الدّين الّذين سبقوه قلقون مثله ، وينظرون بأسى إلى الأيّام المثالية الذهبيّة لقرون الإسلام الأولى من أجل إعادة تأسيس الإسلام النّقيّ وانتصار الإسلام في العالم ؛ فإنّهم يتطلّعون إلى قدوم (المهدي) وهو رسول يرشده الله إلى الطّريق القويم ، شخص مسيح.

انتقلنا إلى مسائل ماديّة ، سأل زائرنا الموقّر (هيرمان) ـ مرافق للرّحّالة مولن ـ بعض الأسئلة عن جغرافيّة وجيولوجيا البلاد ، ثمّ قليلا قليلا بدأ يسألنا عن الأوضاع في الغرب :

كيف نفسر أنّ قارّة لها مثل هذا المستوى الحضاريّ الرّفيع تبرز فيها دائما أمّة يبدو أنّها على استعداد لإبادة الأخرى بوحشيّة؟

وكانت إجابتنا في نفس اتّجاه إجابتنا على تحسّره بتدهور الإسلام : الأمم والحكومات في الغرب فقدت مخافة الله والإيمان العميق في الاتكال على هداية الله ، لقد أصبحوا يعتمدون على قدرتهم فقط لتعزيز سعادة البشريّة. هذا الزّهوّ سيقود إلى كارثة مفجعة ، نرى كلّنا أنّها قادمة لا محالة. استأذن المفتي في الانصراف ، ووعد بالعودة لمواصلة الحوار) اه.

هذا هو الحوار الّذي دار بين علّامتنا الجليل وهذا المستشرق ، ولو لا ضيق نطاق هذا الهامش لعلّقت على بعض مواضع من هذا النّصّ أراها لازمة ، ولكني أرجىء هذا إلى موضع آخر في الترجمة الموسّعة الّتي لا زلت أجمع مادّتها عن حياة العلّامة ابن عبيد الله السّقّاف.

(١) واسمها : «المستمع العربيّ».


الكتاب :

كان في حاجة إلى بذل عناية ؛ لضبط كثير من الأسماء الّتي وردت فيه بدون إتقان لكتابتها ، بل قد يكون قد وقع تحريف في بعضها من النّاسخ ، مثل : (ريسوت) حيث كتب الاسم (ريبوت) وكثير من أسماء المواضع والقبائل ممّا لم يرد فيما بين يديّ من المراجع.

أمّا المؤلّفات الكثيرة الّتي رجع إليها المؤلّف .. فلم أعرف أسماءها قبله ، فضلا عن الاطّلاع عليها ، ولهذا وردت أسماء وعبارات ونصوص كثيرة يكتنفها الغموض.

ولا شكّ في أنّ الإخوة المثقّفين الحضرميّين يعرفون عن بلادهم ما لا يعرفه غيرهم (١) ، وأنّ منهم من يسرّ بالمشاركة في إفادة القرّاء تجاه ما يعرض لهم من إشكال ، أو حين يتطلّعون إلى مزيد استفادة من المعرفة بأحوال هذا الجزء من وطنهم ، ومن هنا كان عرض الكتاب كما هو بإضافة بعض الحواشي الموجزة.

__________________

(١) وقد حاولنا أن نصل إلى ما كان يطمح إليه الجاسر في عملنا في هذا الكتاب ، وذلك بوضع تراجم للشّخصيّات الواردة ، وكذلك للمواضع المذكورة ، وكذلك شرح لبعض الألفاظ الغريبة.


بين يدي الكتاب

بقلم الدكتور

محمد عبد الرحمن شميلة الأهدل

حمدا لمن أزاح حجب الغفلة عن أفئدة المخبتين ، وجعل تعاقب الجديدين عظة للمعتبرين.

وصلاة وسلاما على من أنزل عليه : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) وعلى آله وصحبه ، ومن اهتدى بهديه ، وبعد :

فإن السيد العلم السقاف جامعة من المعارف ، تتربع على قمة الفضل ، وطود من جهابذة المتأخرين ، لم تتقاصر مداركه العلمية عن مراتب المتقدمين .. فكأنه مرجع الضمير المتأخر لفظا المتقدم رتبة ، وما أقرأ له كتابا .. إلا وأزداد بعلو كعبه إعجابا ، والمتأمل في مؤلفات هذا الإمام يتحقق من صدق تلك المقولة : (إن الله تعالى تفضل على الخلف كما تفضل على السلف) ؛ فقد ذاع صيت هذا المفتي حتى أخمل القرناء ، وتكشفت بفتاواه غياهب الظلماء.

يرفعه إلى أوج العلا ورع طوى عليه ضميره ، واجتهاد كان فيه العلم ضجيعه وسميره.

بلغ الشّأو القصيّ في معارف الشريعة الغراء ، وكان المجلّي في التضلّع من معين الآداب ، فارتفعت في كافة الأنحاء منزلته ، وملأت مسامع الدنيا آثاره ، وصافحت كفّ العلا أمجاده ، فهو علم شامخ من أعلام النهضة الإسلامية البارزين.

فهو الّذي أجمع كلّ عالم

في عصره من ناثر وناظم

بأنّه الحبر نسيج وحده

في علمه ودينه وزهده


وبالأمس كنا نمتّع الأفكار بروضه النضير ، ونجني من فواكهه الجنية كل معنى خطير ، ونهلنا من أماليه على ديوان أبي الطيب .. فأفدنا وانتفعنا ، وقال حكيمنا : (لقد أعطي هذا السيد مقاليد الفصاحة).

وها نحن اليوم إزاء كتاب تاريخي لهذا النّحرير الألمعي ، تهش الأفكار إلى ما حوى من فرائد ، ويثني عليه لسان الزمان ، وتفرح بإخراجه جزيرة العرب ، وتتغنى به مطوّقات التاريخ ، وتتلو من فوائده صحفا (١).

ومن يعي التّاريخ في صدره

أضاف أعمارا إلى عمره

والمؤرخ الثقة الثبت ـ كهذا الإمام ـ تتميز كتابته بالصيانة عن الهذر ؛ إذ هي متزينة بحلل الإتقان ، مقبولة عند الخاص والعام ، مقدمة على ما سواها ، مبرأة من وصمة التحامل المرذول ، والتعصب الممقوت ، سالمة من نفثات الجهل.

إذا قالت حذام فصدّقوها

فإنّ القول ما قالت حذام

ولموقع هذا الكتاب وعظيم نفعه كان أحد اهتمامات علّامة الجزيرة حمد الجاسر رحمه الله تعالى (٢) ؛ إذ اندفع منجذبا إلى العناية به ، والإفادة من كتابته ، ونشره حلقات تترى في (مجلة العرب) على مدار خمس من السنين ، وما حداه إلى القطف من جناه الشهي والعبّ من منهله الرويّ .. إلا لأنه يسلط أضواء التاريخ على جزء من جزيرتنا المباركة ، ويرسم بخطوط يراعته لوحات ناطقة لناحية كانت قبل مهد الملوك من غابر الأزمان ، ومنبتا لعلماء وحكماء ، وحكام وأمراء.

واعترافا بفضل المتقدم ، ووفاء لعلامة الجزيرة .. فقد آثرت دار المنهاج أن تحلّي جيد الكتاب بعقود مقدمته ، وأن تزين الطروس بمذهّبات كلمه.

__________________

(١) مقتبس من قول ابن سنان الخفاجي في وصف قمرية :

ونائحة بالبان تملي غرامها

علينا وتتلو من صبابتها صحفا

ولو صدقت فيما تقول من الأسى

لما لبست طوقا ولا خضبت كفا

(٢) توفي (١٥ / ٦ / ١٤٢١ ه‍).


ـ ومما يزيد الكتاب أهمية : أنه يؤرخ لأرض هي مكنونة عذراء ، لم تعتورها أقلام الباحثين ، ولم تجلها يراعة المؤرخين ، فهي من الأبكار الحسان ، والمراتع المجفوة في الماضي والحاضر ، على ما بها من مآثر.

ـ وإن تعجب ... فعجب لأولئك الأجانب من مختلف الجنسيات من عشاق الآثار ، المغرمين بالتراث العربي ، والتراب الحضرمي ، فنراهم بين الفينة والأخرى يؤمون هذه المناطق على ما بها من مناخ مغاير لأجواء بلادهم التي غادروها ، وعلى تباين العادات والمطعومات والتضاريس.

ورغم ذلك نراهم في قمة النشوة مستمتعين بتلك المناظر والمآثر ، ويعتقدون أنّا لا نقيم لمآثر أجدادنا وزنا.

ـ ومما جعل الكتاب من الأهمية بمكان : أنه يترجم لأعلام موفقين وعلماء مجاهدين ، ساهموا في بناء الفكر الإسلامي ، بل وامتداد رقعته ، فحظوا بشرف الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، وتبيان محاسن الإسلام ، والتطبيق الفعلي لأحكامه ، وآدابه ، فهدى الله تعالى بهم في جنوب شرق آسيا خلائق لا تحصى ، بدون أن تراق قطرة محجم ، وهذا مصداق للحديث الصحيح : «والحكمة يمانية».

وكان من عوامل الدفع لدار المنهاج لاستخراج هذا السفر من مكامنه ما يلي :

أولا : أن من المقاصد الشرعية التي تجلت في مواضع عدة من التنزيل الحكيم العظة والاعتبار بمن مضى ، وتذكر من قضى ممن طواهم الزمان ، ولم تبق إلا مآثرهم الحسان.

وإنّما المرء حديث بعده

فكن حديثا حسنا لمن وعى

وهذا السفر يحقق هذا المقصد.


ثانيا : يقول الحافظ ابن الجوزي في «المنتظم» (١) : (للسير والتواريخ فوائد ؛ أهمها فائدتان :

إحداهما : إن ذكرت سيرة حازم ، ووصفت عاقبة حاله .. أفادت حسن التدبير ، واستعمال الحزم ، أو سيرة مفرط ، ووصفت عاقبته .. أفادت الخوف من التفريط ، فيتأدب المتسلط ، ويعتبر المتذكر ، ويتضمن ذلك شحذ صوارم العقول ، ويكون روضة للمتنزه في المنقول.

والثانية : أن يطلع بذلك على عجائب الأمور ، وتقلبات الزمن ، وتصاريف القدر ، وسماع الأخبار).

وفي «شذور العقود في تاريخ العهود» : (إن التواريخ وذكر السير راحة القلب ، وجلاء الهم ، وتنبيه للعقل ؛ فإنه إن ذكرت عجائب المخلوقات .. دلت على عظمة الصانع ، وإن شرحت سيرة حازم .. علمت حسن التدبير ، وإن قصت قصة مفرط .. خوفت من إهمال الحزم ، وإن وصفت أحوال ظريف .. أوجبت التعجب من الأقدار ، والتنزه فيما يشبه الأسمار) (٢).

ثالثا : ومما يفصح عن مكانة التاريخ الساحقة : قول ابن خميس في مقدمة تاريخ مالقة ـ وقد أجاد ـ : (إن أحسن ما يجب أن يعتنى به ويلم بجانبه بعد الكتاب والسنة : معرفة الأخبار ، وتقييد المناقب والآثار ؛ ففيها تذكرة بتقلب الدهر بأبنائه ، وإعلام بما طرأ في سالف الأزمان من عجائبه وأنبائه ، وتنبيه على أهل العلم الذين يجب أن تتّبع آثارهم ، وتدوّن مناقبهم وأخبارهم ؛ ليكونوا كأنهم ماثلون بين عينيك مع الرجال ، ومتصرفون ومخاطبون لك في كل حال ، ومعرفون بما هم به متصفون ، فيتلو سورهم من لم يعاين صورهم ، ويشاهد محاسنهم من لم يعطه السنّ أن يعاينهم ، فيعرف بذلك مراتبهم ومناصبهم ، ويعلم المتصرف منهم في المعقول والمفهوم ، والمتميز في

__________________

(١) الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ (ص ٢١).

(٢) المصدر السابق.


المحسوس والمرسوم ، ويتحقق منهم من كسته الآداب حليّها ، وأرضعته الرياسة ثديّها ، فيجدّ في الطلب ليلحق بهم ، ويتمسك بسببهم) اه

ولله در القاضي الأرجاني (١) إذ يقول :

إذا علم الإنسان أخبار من مضى

توهّمته قد عاش من أوّل الدّهر

وتحسبه قد عاش آخر عمره

إذا كان قد أبقى الجميل من الذّكر

فقد عاش كلّ الدّهر من كان عالما

حليما كريما فاغتنم أطول العمر

رابعا : إن حضرموت المعرقة آثاره في القدم ، والمنطقة التي أزاح الستار عن مآثرها السيد السقاف بصفة خاصة .. جفاها الحظ قديما ، وأشاح بوجهه عنها حديثا ، على الرغم من عطائها الثر على المستويين الإقليمي والعالمي ، اللهم إلا شذرات منتثرة لا تبل الصدى ، ولا تشبع القرم ، ولا تقيم الأود ، ولا عجب إذا نعتها الواصفون بأنها شبه مجهولة ؛ فأعلامها الأعلام لم يحظوا بما يستحقونه من اهتمام ، ومن ليال قريبة فقط دار في مطالعتي لكتاب معاصر يتعلق بأحكام الأوراق النقدية دار ذكر علامة حضرمي ، له وزنه على البساط الفقهي ـ كما نعته الباحث ـ فجهدني التنقير المتتابع في كتب التراجم للبحث عن إضاءة ترفع حجب الجهالة بهذا الفقيه .. فضنّت مصادري بالبغية ، وشحّت بالمطلب ، ثم أنحيت باللائمة على غيري ، وهذا هو الداء العضال ، الذي ينخر في عزائمنا ، ويجعل التقاعس ملء أهبنا ، وربما كان للتكوين الجغرافي الذي يشكل صعوبة المواصلات في القديم دخل في هذا التعتيم التاريخي ، هذا بالإضافة إلى أن هؤلاء الصفوة يؤثرون الخمول ويعادون الشهرة ، كأنما هي عندهم السّم الزعاف الذي يدني حتف السليم (٢).

وسواء كان السبب هذا أو ذاك .. فإنّ هذا السفر العزيز سدّ فجوة في هذا الباب ،

__________________

(١) الأرجاني : بسكون الراء : نسبة إلى أرجان ، وهي من كور الأهواز من بلاد خوزستان «اللباب في تهذيب الأنساب» (١ / ٤٠).

(٢) السليم : الملدوغ ؛ سمي بذلك تفاؤلا.


وأماط اللثام عن منطقة ومواقع ربما لم تلامس أسماع طلبة الآداب ، فضلا عمن يعادي الكتاب ويضيق ذرعا بالأقلام.

خامسا : ومما يجعل ل «إدام القوت» أهمية بالغة : أن كاتب تاريخ هذه المنطقة هو أحد أبنائها ، العليم بحاضرها وماضيها ، وأعمالها وأعلامها ، وقيعانها وآكامها ، وجبالها ووديانها ، ومآثرها ومثالبها ، إلى غير ذلك مما قيدته يراعة هذا المفكر ، وجاد به خاطر هذا العبقريّ.

ونحن لا نقول : إن «إدام القوت» قد سد النقص ؛ إذ لا شيء قبله ؛ اللهم إلا خطوطا مقرمطة لا تكاد تبين .. ولكن نقول : إن هذه بداية قوية تدفع الباحثين في الحلقات التاريخية إلى الإضافات ، واستنطاق التاريخ الحضرمي ، وعصر أحداثه ، والاستيحاء من قيعانه ، واستخلاص الأحاديث الشيقة من بطون الأعوام ، وتسطيرها للأنام ؛ فإن في ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

سادسا : إن البلاد الحضرمية أنعم الله تعالى عليها بالآلاء الجسام ، ومنّ عليها بعلماء أئمة امتلأت بهم بيوت المجد ، وتمخضت عنهم دور الفكر ، حتى أربوا على كل توقع ، فما من ركن من أركانها ولا موقع من زواياها .. إلا وقد شهد حلقة علمية لعلّامة راسخ ، حتى أصبحت كلمة حضرمي تساوي غالبا الفقيه المتمكن ، أو العلامة المتفنن ولعل هذا أحد مدلولات الحديث الصحيح : «والفقه يمان».

ولقد شاهدت من قريب النهضة العلمية النشطة التي تسطع في تريم وجاراتها ، وأعجبت بطلبة العلم الذين هرعوا إليها من أقطار عديدة عربية وإسلامية وقد انقطعوا لطلب العلم في هذه الديار المباركة ، «وليس الخبر كالمعاينة» (١).

فما دامت هذه البلاد قد أنجبت أفذاذا موهوبين ، وعبّادا زاهدين ، وأعلاما مفكرين .. فلا مراء أنها قمنة بالبحث في تاريخها ، جديرة بالتنقيب عن مناقبها ومآثرها ، فطيّ تاريخها نوع من الغبن ، وتناسي محاسنها ضرب من الجحود ،

__________________

(١) جزء من حديث صحيح.


لا سيما ونحن في عصر لم تعد بقعة من الدنيا إلا وهي تحت أقدام النسر الطيار ، وغدا الكون الأرضي كله موطئا لكل قدم ، وآضت البسيطة خوافيها قوادما ، وزواياها النائية دانية بفضل الإبداع الحضاري في ميدان المواصلات.

فمن العبث الممجوج أن يتقاعس أولو الأقلام اللامعة عن الكتابة عن أولئك المرموقين الذين أسهموا في بناء الفكر الإسلامي حقبة من الزمن ، فذلك نكران للجميل.

وأخيرا : فقد توّجت دار المنهاج العامرة هذا الكتاب بقيادة مديرها اللوذعي ، الأديب الألمعي الشيخ عمر سالم باجخيف بتتميمات وتكميلات بالهوامش ، منتزعة من كتاب «الشامل» للدوعني وصاحب البيت أدرى بالذي فيه ، فما من مواقع أغفلها المؤلف ، أو أعلام لم ينتظموا في سمط كتابه .. إلا وتم إلحاقها بالهوامش ، فكأن هذا الكتاب قسمان وثماره نوعان.

فلدار المنهاج أن تفخر بإخراجه المتميز ، وأن تعتز بإنجازاتها المتتابعة ، بإشراف مباشر من ذي العزمات الجادة في سبيل خدمة العلم وأهله ، أبي المكارم عمر بن سالم ، كما قلت في «رحلتي» لتلك المعالم ، وكنا رفيقين في تلك الرحلة المباركة :

فعمر هو الصّديق في السّفر

وهو الأديب الألمعيّ في الحضر

لا زالت نعم الله تعالى على الجميع تترى ، وفيضه علينا يتوالى ، فهو الجواد المنان.

أبو عبد الباري د.

محمد عبد الرحمن شميلة الأهدل


وصف النسختين الخطيتين

ألّف العلامة ابن عبيد الله رحمه الله تعالى كتابه «إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت» ـ الذي اختصره من كتابه «بضائع التابوت في نتف من تاريخ حضرموت» ـ بإشارة من الشيخ الأديب عبد الله بن عمر بن محمد بلخير رحمه الله تعالى ؛ فقد اقترح عليه أن يلتقط منه ما يخصّ بلاد حضرموت وأخبارها ورجالاتها ، وأن يجعله على طريقة المعاجم ليسهل الرجوع إليه ، فأخذ الاقتراح من نفسه مأخذ الإجابة ، فابتدأ بجمعه في سنة (١٣٦٦ ه‍) حتى فرغ منه ـ كما ذكر في خاتمته ـ سنة (١٣٦٧ ه‍).

ثم ترك الكتاب ، ومرّ عليه زمن ليرجع المؤلّف إلى ما ألّف ممحّصا مدقّقا ، فزاد عليه الكثير المستطاب ، ونقص منه ما قد يعاب ، فخرج الكتاب بهوامش مليئة بالحواشي والاستطردات ، ولا شك أن هذه النسخة المزيدة أفضل وأدق ؛ إذ أنها صارت نسخة مسبوكة سبكا كاملا بالإضافات والإلحاقات.

ويلاحظ أن النسخة الأولى حوت مقدمة للمؤلف رحمه الله تعالى على حين أن الثانية خلت عنها.

أما وصف النسخ :

فالأولى : تتكون من (٢٥٢) ورقة ، عدد سطور الورقة الواحدة (٢٦) سطرا ، متوسط عدد كلمات السطر الواحد (١٩) كلمة ، خطها نسخي معتاد ، كتبت أسماء المدن الرئيسة بخط مغاير ، ورمزنا لها ب (أ).

والثانية : تتكون من (٩٤٠) صحيفة ، عدد سطور الصحيفة الواحدة (٢١) سطرا ، متوسط كلمات السطر الواحد (١١) كلمة ، خطها مستعجل ، كتبت أسماء المدن الرئيسة بخط مغاير ، ورمزنا لها ب (ب).


عملنا في الكتاب

١ ـ نسخنا المخطوط (أ) وعارضناه على النسخة (ب) ولم نعن بالفروق المتشابهة التي لا تغير معنى ولا تخلّ بمتن ، لئلا يثقل الكتاب بالهوامش.

٢ ـ ضبطنا مادة الكتاب بطريقة تكون ـ إن شاء الله تعالى ـ كما أراده مؤلفه رحمه الله تعالى.

٣ ـ رصّعنا الكلمات بالحركات الإعرابية المناسبة ، ووشّيناه بعلامات الترقيم ، وقسّمناه حسب القواعد المعتمدة لدى الدار ؛ تسهيلا للقارىء.

٤ ـ أضفنا ما كان مناسبا من العبارة لتقويم المعنى وميزناه ب [].

٥ ـ خرّجنا أحاديث الكتاب ـ وهي قليلة ـ وعزوناها إلى مظانها في دواوين السنة المطهرة.

٦ ـ خرّجنا معظم النصوص الشعرية مع ذكر بحرها.

٧ ـ ضبطنا الشعر العامي الحضرمي كما ينطق به ، وكذلك أسماء المدن والأعلام.

٨ ـ شرحنا الكلمات الغامضة.

٩ ـ أحلنا معظم النصوص الواردة في الكتاب إلى مظانها.

١٠ ـ ذكرنا بهامش الكتاب بعض الفوائد العزيزة.

١١ ـ صنعنا للكتاب فهارس خاصة تعنى به ، وهي :

ـ فهرس الأعلام التي ذكرها المؤلف وترجم لها في طيات الكتاب.

ـ فهرس الأعلام التي ترجمناها في هوامش الكتاب.

ـ فهرس ألفبائي للمواضع التي ذكرت في الكتاب.

ـ فهرس موضوعات الكتاب.

١٢ ـ عهدنا إلى بعض أهل العلم المختصين بالتراث الحضرمي بمراجعة الكتاب وتدقيقه والاستدراك عليه.


خاتمة

ـ نسأل الله حسنها ـ

بعد حمد الله ، والصلاة والسلام على خير أنبيائه .. فإننا نرجو أن نكون قد وفّقنا فيما عملنا في هذا الكتاب ، ولا ندّعي أننا بذلك قد وصلنا إلى إرضاء الجميع ، فإرضاء الناس غاية لا تدرك ، وهنا يكمن الإشكال ، وتبرز الحاجة إلى تبيان ما يلي :

١ ـ هذا الكتاب يتناول الجانب التاريخي لهذا القطر ، وعليه : فربما نرى هناك من سيقول : إن هذا الكتاب لم ينصف هذه الواقعة أو هذه المرحلة ، وربما سيقول مثل ذلك من كانت الأحداث أو الوقائع في غير صالحه. ولهؤلاء جميعا نقول : إنّ ما ذكر هو دليل على أن الكتاب أخذ جانب الاعتدال بين جميع الأطراف.

٢ ـ ربما أغفل المؤلف أو المحققون للكتاب مواقع أو أعلاما ، إما بعدم ذكرها ، أو سلوك الاختصار الشديد في بيانها ، وعليه فإننا نطلب من كل قارىء إذا وقف على فائدة أو معلومة تفيد الكتاب .. أن يرسلها إلينا لنتداركها في الطبعات اللّاحقة لهذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

٣ ـ القبائل والأعلام والشخصيات الواردة في الكتاب .. لم نخرج عن منهج المؤلف فيما أورد ، وعليه : فإننا نعتذر لكل من يشعر أن هناك جوانب أو أحداثا شابها أيّ تقصير أو قصور ؛ فهذا الكتاب يعدّ من أوائل الكتب التي تحدثت عن هذه المنطقة المجهولة ، مع أننا نعد ـ إن شاء الله تعالى ـ بأن نستدرك جوانب الضعف إن كان هناك روافد تصبّ في المنهج العام للكتاب.

وأخيرا : نتمنى للقارىء الكريم أن يبحر معنا في سفينة هذا الكتاب ؛ ليصل إلى التعرف على هذه المنطقة ؛ بجغرافيتها ، وأحداثها ، وأعلامها ، وعاداتها ، وغير ذلك.

والله وليّ التوفيق ، وهو حسبنا ونعم الوكيل

وكتبه رئيس اللجنة

أبو نصوح

محمد غسان نصوح عزقول


صور المخطوطات المستعان بها









بسم الله الرّحمن الرّحيم

[المقدّمة]

أمّا بعد حمد الله لكماله ، والصّلاة والسّلام على نبيّه وأصحابه وآله .. فهذا ما انتهى به السّير ، في اقتراح بلخير (١) ، وما ظننته كذا ، فقد لقّاني أذى ، إذ لم يكن له مثال يحتذى ، لقد خلته أدنى من القاب (٢) ، فإذا هو أنأى من العقاب (٣) ؛ فالحاصل كثير ممّن خنق دقاقه الرقاب (٤) ، وبما أنّ مثله يديم الذّكرى في الأعقاب ، ويخلّدها طول الأحقاب (٥) .. فقد أهديته لمن أخذ على الكرام الأنقاب (٦) ، وغني عن

__________________

(١) عندما اطّلع الأستاذ بلخير على كتاب ابن عبيد الله المسمّى «بضائع التابوت» .. اقترح عليه أن يلتقط منه ما يخصّ البلدان الحضرميّة ويجعله على شكل معجم ؛ ليسهل الاطّلاع عليه والرّجوع إليه .. فخرج كتابنا هذا «إدام القوت». وبلخير المشار إليه هنا ، هو معالي الشيخ الأديب الوزير المعمّر عبد الله بن عمر بن محمد بن عمر بن حسين بن عمر دحدوح ابن أحمد بن حسن بلخير الحضرمي الدوعني ، مولده بغيل بلخير سنة (١٣٣١ ه‍) ، نشأ في بيئة علمية محافظة وهاجر بصحبة والده إلى الحجاز سنة (١٣٤٥ ه‍) ، ثم التحق بالمدرسة الأهلية في الشبيكة سنة (١٣٤٦ ه‍) ، ثم التحق بمدرسة الفلاح سنة (١٣٤٨ ه‍) ، وتخرج منها سنة (١٣٥٣ ه‍) وفي سنة (١٣٥٤ ه‍) ابتعث إلى بيروت لإتمام دراسته في جامعتها الأمريكية ، وصحب ثلة من أبناء العائلة المالكة وأبناء الوزراء لنجابته ولعناية الحكومة به ، تقلد مناصب حكومية هامة ، منها : أنه أول وزير إعلام في المملكة العربية السعودية ، توفي يوم الأحد (٤ / شوال / ١٤٢٣ ه‍).

(٢) القاب : المقدار ، وقاب القوس : مقبضه ، وهو كناية عن القرب ، وفي التنزيل العزيز : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى).)

(٣) العقاب : طائر من الجوارح ، يحلّق بعيدا في الفضاء فلا يناله أحد بسهولة. أو العقاب ـ جمع عقبة ـ وهي : المرقى الصّعب من الجبال ، والظاهر الأوّل. والله أعلم.

(٤) الدقاق : ما دقّ وصغر ، والمعنى : أن ما تحصّل من المجموع كثير للجامع الذي حمل عبئا يخنق حمل صغاره الرقاب فضلا عن كباره.

(٥) الأحقاب : الدّهور.

(٦) الأنقاب ـ جمع نقب ـ وأصله : الشقّ في الجبل ، ومنه الحديث : «فإنّ على أنقابها ملائكة».

والمقصود : أنّه منعهم من التّقدّم في حلبة المكارم بوفرة نداه ؛ حيث لا يقوون على مجاراته.


الأوصاف والألقاب ، طلّاع ثنايا الشّرف والمجد ، ووليّ عهد الحجاز ونجد (١) ، من أنطق يراع الإشاده ، بما تسمع إنشاده [من الطّويل] :

يقولون : سوق العلم بعد قيامها

أصيبت على طول المدى بقعود

فقلت لهم : قد أدرك الله أهلها

وخوّلهم من جوده بسعود

فقال لأيّام الرّشيد ونجله

وأيّام أبناء العنابس : عودي (٢)

فبشرى رياض العلم منه فهذه

مخايله في بارق ورعود (٣)

عبد الرّحمن بن عبيد الله

__________________

(١) يعني بهذا من صرّح بذكره في البيت الثاني الآتي ذكره ، وهو الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود ، المولود بالكويت سنة (١٣١٩ ه‍) ، والمتوفى بأثينا اليونان سنة (١٣٨٨ ه‍). وكان المذكور إبّان تأليف هذا الكتاب وليا للعهد في حياة والده الملك عبد العزيز ، وتولّى حكم المملكة العربية السعودية عقب وفاة أبيه سنة (١٣٧٣ ه‍). ينظر : «الأعلام» (٣ / ٩٠) ، «شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز» (٧٧٣) ، (١٤٠٤).

(٢) العنابس : العنابس من قريش هم أولاد أميّة الأكبر ابن عبد شمس بن عبد مناف ، وهم : أبو سفيان ـ وهو أكبرهم ، كان يلقب عنبسة كما في «التّبيين» ـ وسفيان ، وحرب ، وأبو حرب ، وعمرو ، وأبو عمرو. هؤلاء ستّة ، ولهم أربعة إخوة آخرين يلقّبون الأعياص ، وهم : العاص ، وأبو العاص ، والعيص ، وأبو العيص. والله أعلم.

(٣) المخايل : السّحاب ، ويطلق أهل حضرموت اسم (المخيله) على السّحاب إذا كان متراكما وبرقت بروقه. وكأنّ جوده يغمر النّاس في الكرم كما يغمرهم السّحاب بالمطر.


حضرموت (١)

ساكنة الضّاد ، مفتوحة الميم ، قال أبو صخر الهذليّ [من الطّويل] :

حدت مزنة من حضرموت مريّة

ضجوج لها منها مدرّ وحالب (٢)

وقال عبد يغوث الحارثي [من الطّويل] :

أبا كرب والأيهمين كليهما

وقيسا بأعلى حضرموت اليمانيا

وهذا البيت من قصيدة لها قصّة وشرح يوجدان في «خزانة الأدب» [٢ / ١٩٤ ـ ٢٠٢].

ويروى : أن قيسا لمّا سمعه .. قال : لبيك ، وإن أخّرتني.

وما هو إلّا محض تعنّت ، وإلّا .. فالوزن يمهّد لما هو أكبر من هذا ، على أنّ أساليب القرآن التّعلّي ، وفيه شبه بما ذكر السّيوطيّ في «شواهد المغني» ، والأصفهانيّ في «الأغاني» [٢٢ / ٣٠٨] أخرجا عن ابن سيرين أن سحيما قدم على عمر بن الخطّاب .. فأنشده قصيدته الّتي يقول فيها :

كفى الشّيب والإسلام للمرء ناهيا

 ...

فقال : لو قدّمت الإسلام على الشّيب .. لأجزتك.

وفي «الصّحيح» [خ ٣٧٥٨] من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا : «استقرئوا القرآن من أربعة ؛ من عبد الله بن مسعود ـ فبدأ به ـ وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبيّ بن كعب ، ومعاذ بن جبل».

__________________

(١) حضرموت : بالفتح ثمّ السّكون وفتح الرّاء والميم. ومنهم من يضمّ الميم فيجعلها (حضرموت) ، على وزن : عنكبوت.

(٢) البيت الذي ذكره المؤلف رحمه الله تعالى .. لشاعر هذلي ، وهو عندهم بضمّ ميم (حضرموت) ؛ إذ هي لغة هذيل قبيلة الشاعر ، وذكره في «معجم ما استعجم» (١ / ٤٥٥) شاهدا على ذلك. المزنة : السحابة البيضاء. المريّة : الناقة الغزيرة الدّرّ ؛ من المري وهو الحلب. الضجوج : الناقة التي تضجّ إذا حلبت ، فالشاعر هنا شبه السحابة بالناقة الكثيرة اللبن. المدرّ : التي يدرّ لبنها.


وفيه أيضا [خ ٣٧٩١] أنّ رجلا من الأنصار قال : يا رسول الله ؛ خيّر دور الأنصار فجعلنا آخرا ، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : «أوليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار».

ولغة هذيل ضمّ ضاد حضرموت (١).

قال الهمدانيّ : (وحضرموت هي جزء اليمن الأصغر ، نسبت إلى حضرموت بن حمير الأصغر ، فغلب عليها اسم ساكنها ، كما قيل : خيوان ونجران ، والمعنى : بلد حضرموت ، وبلد خيوان ، ووادي نجران ؛ لأنّ هؤلاء رجال نسبت إليهم هذه المواضع) اه (٢)

وقيل في تسميتها غير ذلك.

وهي المنطقة الحارّة على بعد أربع عشرة أو خمس عشرة درجة من خطّ الاستواء ، هواؤها على مقربة من الاعتدال ، وقد يشتدّ الحرّ والبرد فيها ، والغالب أن لا تطول مدّة تلك الشّدّة ، وربّما امتدّ الحرّ من نيسان إلى تشرين الثّاني ، والبرد إلى آذار ، وكثيرا ما يحرق الزّروع وبعض الأشجار ، وعن الشّيخ المؤرّخ سالم بن حميد : أنّ البرد اشتدّ مرّة بحضرموت ، وأحرق في نجم الإكليل ، وهو شيء مخالف للعادة.

وحرّ حضرموت في الأزمنة المتأخّرة أشدّ وأطول من بردها ، وفي مروحة الأستاذ عبد الله بن علويّ الحدّاد [من الوافر] :

ومروحة تذود الحرّ عنّا

ثلاثة أشهر لا بدّ منها

حزيران وتمّوز وآب

وفي أيلول يغني الله عنها

وقد سبق أنّه قد لا يغني الله عنها في أيلول ومدخل حزيران في نحو الثّالث عشر من يوليه ، والتّاسع من نجم القلب.

وحضرموت مظنّة الكنوز والمعادن ، والكتابات بالمسند الحميريّ موجودة بكثرة على حجارة أطلالها من البلدان القديمة ، وفي (ص ١٢٢ ج ٦) من «الحديقة» :

__________________

(١) تقدّم أن لغة هذيل ضم ميم حضرموت لا ضادها. وانظر «معجم ما استعجم» (١ / ٤٥٥).

(٢) صفة جزيرة العرب (١٦٥ ـ ١٦٦).


(أنّ مدينة أوفير الّتي جاء في سفر الملوك الثّالث من «التّوراة» أنّ سليمان عليه السّلام جلب منها ستّ مئة وستّة وستين قنطارا من الذّهب في سنة واحدة .. هي في شرقيّ عدن ، على مسافة أربع مئة ميل) اه

وذلك صالح لأن يكون في حضرموت ، وسيأتي ذكر فرط الحميرا في موضعه ، قبيل القارة.

وفي ذلك السّفر أيضا : ذكر الاتّفاق بين ملك أورشليم ـ وهو سليمان عليه السّلام ـ وملك صور ـ وهو حيرومر ـ على إنشاء السّفن لتمخر البحر المحيط الهنديّ وغيره ، وترسو بمراسي الشّحر وظفار ، المسمّاة لذلك العهد بزفز ؛ لأنّها كانت مقرّ ثروة عظيمة ، وواسطة اتّصال بين الشّرق والغرب كما يأتي في موضعه.

ويحدّها شمالا : صحراء الأحقاف. وجنوبا : بحر عمان. وشرقا : سلطنة مسقط. وغربا : ولاية اليمن. وهذا أوسع الحدود عند ياقوت من الجهات الثّلاث ، أمّا من جهة الشّمال .. فلا ؛ لأنّه كالصّريح في إخراج صحراء الأحقاف عن حدّها ، وقيل : إنها ـ أو بعضها ـ منها ، لا سيّما وأنّ الخطّ الّذي يمتدّ من سلطنة مسقط إلى الجهة الغربيّة يشملها ، بل يشمل أكثر منها ، فلئن خرجت في كلام ياقوت من ناحية .. فقد دخلت فيه من النّاحيتين الأخريين (١).

__________________

(١) ومن أدق ما حددت به حضرموت : ما ورد في «الشامل» (٢٦ ـ ٢٧) من بدء الحدود من عين با معبد ، وهي بأعلى حضرموت كما قرره المؤلف ، وتقع عين بامعبد على خط العرض (٢٥ ـ ٢ ـ ١٤) (أربع عشرة درجة ودقيقتين وخمس وعشرين ثانية) من خط العرض الشمالي وهي في الساحل في الجانب الغربي الجنوبي بين حضرموت وأحور ، فتدخل : بير علي وبلحاف. ثم يمتد خط الحدود منها إلى الشمال بخط معترض يزداد ميلا إلى جهة الغرب ، حتى ينتهي إلى البرية عند مخرج وادي جردان إلى الصحراء. وهذا الحد غير مستقيم بل هو متقدم إلى جهة الغرب في جردان وإلى جهة الشرق في عين بامعبد وخط العرض الواقع عليه جردان (١٤ ـ ١٥) (خمس عشرة درجة وأربع عشرة دقيقة) .. فالبعد بينه وبين (العين) نحو (٧٢) ميلا إلا ربعا من جهة خط الاستواء.

ثم الحد الثاني : من عين بامعبد إلى مخرج وادي المسيلة ، بين سيحوت ودرفوت ، وطول هذا الخط الممتد : (٢١٠) أميال.

والحد الثالث : خط هلالي غير منتظم التقويس ، يبتدىء من سيحوت ويمتد إلى البر في نحو نصف


وفي تواريخ حضرموت أنّ حدّها : من جهة السّاحل : عين بامعبد ، وبروم ، والشّحر ونواحيها ، إلى أرض المهرة شرقا. ومن جردان ونواحيها الغربيّة إلى أرض المهرة أيضا شرقا (١).

وعلى هذا .. فلا تدخل فيها ظفار الحبوظيّ ، وجزم كثيرون بدخولها في حدّها ، وتفصيل ذلك في «الأصل» (٢).

__________________

دائرة ، فيمر بخط يقطع بين الرمل والنجد ، حتى يصير أعظم تقويسه أمام ريدة الصيعر ، ثم ينعطف على الجبل الأبتر ، فرمال شبوة ، حتى ينحط قرب مخرج وادي جردان.

هل حضرموت هي الأحقاف؟

صنيع المؤلف هنا قاض بأن صحراء الأحقاف هي الواقعة في شمال حضرموت ، وهذا هو الواقع ، وإن كان بعض المتأخرين يدعون وادي حضرموت بوادي الأحقاف.

قال العلامة الحداد في «الشامل» (١٨ ـ ١٩) (وادي الأحقاف : هذا الاسم اشهر في الزمن الأخير ، وأما الأحقاف .. فقد قال الله تعالى : (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ) والمراد بالأحقاف : جبال الرمل الموجودة في الرمل المعروف بالبحر السّافي ـ هو الربع الخالي ـ شماليّ حضرموت ، أضيف وادي حضرموت إليها لقربه منها ، وليس في حضرموت أحقاف رمل كما يتوهم ذلك من لا يعرفها ؛ فإن حضرموت جبل متصل بجبال اليمن الجنوبية ، يشرف جنوبيّة الغربيّ على البحر ، وشماليّه وغربيّه الشمالي على رمل الأحقاف.

... ولا يتوهمنّ أحد أن منازل عاد كانت رملا ؛ فإن الرمل لا تكون فيه عيون جارية ، ولا جنات ، ولا مصانع ، وإنما طغى عليها الرمل بعد ذلك ، وكانت قبل ذلك أرضا متسعة طيبة ، ذات عيون جارية ، وجنات وخصب ، كما أخبرنا الله في كتابه) اه

وقال ياقوت (١ / ١١٥): (والأحقاف المذكورة في الكتاب العزيز : واد بين عمان وأرض مهرة ؛ عن ابن عبّاس. قال ابن إسحاق : الأحقاف رمل فيما بين عمان إلى حضرموت. وقال قتادة : الأحقاف رمال مشرفة على البحر بالشحر من أرض اليمن وهذه ثلاثة أقوال غير مختلفة في المعنى) اه.

قال في «الشامل» (ص ١٩) عقب هذا : (وهذا هو الذي يطلق عليه علماء العرب لفظ : (أرض وبار) غالبا) اه

(١) مما اعتمد عليه الشيخ المؤلف رحمه الله تعالى في ذكر حدود حضرموت كتاب : «الهديّة السّنية» للعلامة أحمد بن حسن الحداد وهو بدوره اعتمد على : «النّور السّافر» ، و «المشرع الرّويّ» ، وغيرهما ؛ ك «مناقب آل باقشير» ، ذكر ذلك في «بضائع التابوت» (١ / ٩٨).

(٢) حاصل ما أحال عليه من تفصيل : أنّ مؤلف «الهدية» أطال التّردّد في دخول ظفار ومشقاص المهرة في


والأقرب : أنّ حدّها المصغّر هو : حدّها الدّوليّ في أيّام بني قحطان ؛ بأمارة أنّهم يسمّون ذلك : وادي بن راشد ؛ يعنون : عبد الله بن راشد القحطانيّ المشهور.

وحدّها المكبّر هو : حدّها الطّبيعيّ.

وقال الطّيّب بامخرمة في كتابه «نسبة البلدان» (١) [٩١ خ] : (قال القاضي مسعود : هي من قبر هود عليه السّلام إلى القطن. وعرضها من الشّمال : الصّيعر وبنو عكير والشّمّاخ وتميم ، إلى ريف البصرة وعمان. وعرضها من الجنوب : الغيل الأعلى والغيل الأسفل إلى حدّ سيبان ، والحموم والمهرة) اه

وفي هذا الكلام خبط كثير ؛ لأنّه يضيّقها من الحدود الثّلاثة ومن الشّمال بإيهامه خروج أرض الصّيعر عنها ، وهي ـ كما يأتي آخر الكتاب ـ كنجد آل كثير والعوامر والمناهيل : نجود حضرموت.

ويوسّعها من هذا الحدّ بقوله : (إلى ريف البصرة) وليس الأمر كذلك.

وللحضارمة اصطلاح أخير مصغّر في حدّها ، فيجعلونها من العقّاد ؛ وهو مكان يقرب من شبام في غربيّها إلى قبر نبيّ الله هود عليه السّلام ، لكنّ المعتبر في الأيمان والنّذور والوصايا .. الأوسع ، كما قرّرته في «الأصل» (٢).

__________________

حدود حضرموت ، ونقل عن بعض مصادره ما يفيد دخول ظفار والمشقاص كله في الحدّ الحضرميّ. ثم قال : وظاهره دخول ظفار والمشقاص كلّه فيه ، لكن مؤلف «الهدية» تردّد في ظفار ـ كما قدّمنا ـ نفيا وإثباتا ، وتوسّط في المشقاص ؛ فقال بدخول مشقاص الظّني ، وخروج مشقاص المهري الّذي أوّله بديعوت ، واستقرب بعد ذلك خروج ظفار .. إلخ. من «بضائع التابوت» (١ / ٩٨ ـ ٩٩).

والمشقاص الظّنّي : أي الذّي يسكنه بنو ظنّة التّميميّون ، وهو بمحاذاة الموضع المسمّى (بديعوت) في ساحل المهرة.

(١) أي : كتاب «النسبة إلى المواضع والبلدان».

(٢) هذا الحدّ هو ما قرّره الشّيخ أبو بكر باشراحيل ـ من أهل القرن العاشر ـ في «مفتاح السّنّة» كما نقل نصّ عبارته في «بضائع التّابوت» (١ / ١٠١) وهي : (حضرموت بلاد مشهورة متّسعة ، من بلاد اليمن ، تجمع أودية كثيرة ، وقد اختصّ بهذا الاسم وادي ابن راشد ، طوله نحو مرحلتين أو ثلاث من العقّاد إلى قبر هود عليه السلام ، ويطلق على بلاد كثيرة) اه

وكذلك قرّره الإمام أحمد بن حسن الحدّاد في «الهديّة السّنيّة» ، وعبارته : (لا يطلق لفظ


إلّا أنّه نجم إشكال ذكرته مع جوابه في قيدون .. فانتظره ؛ فكلّ آت قريب.

وفي مادّتي : (عبد) و (عبدل) من «التّاج» (١) : أنّ اسم حضرموت الأوّل هو : عبدل.

وقال بعضهم : إنّ حضرموت كانت تسمّى وبار ، ثمّ سمّيت : وادي الأحقاف ، ثمّ سمّيت : حضرموت.

ولاحظت عليه تأخّر حضرموت بن حمير الأصغر ووبار عن هود والأحقاف كما يشهد لذلك ذكره في كتاب الله القديم ، ويأتي في الشّحر أنّها تسمّى : الأحقاف ، وفي «التاج» عن «المعجم» [١ / ١١٥] : (روي عن ابن عبّاس أنّها واد بين عمان وأرض المهرة. وقال ابن إسحاق : الأحقاف رمل فيما بين عمان وحضرموت. وقال قتادة : الأحقاف رمال مشرفة على هجر بالشّحر من أرض اليمن. قال ياقوت : فهذه ثلاثة أقوال غير مختلفة في المعنى) اه

__________________

حضرموت الآن ـ بل ومن زمان ـ إلّا على وادي ابن راشد فقط ، وحدّه : من العقّاد إلى قبر نبيّ الله هود عليه السلام) اه «بضائع التابوت» (١ / ٩٩). أمّا ما يتعلّق بالوصايا والأيمان والنّذور .. فهي مسألة عرضت للمصنّف أثناء بحثه موضوع حدود حضرموت. قال في «بضائع التّابوت» (١ / ٩٩ ـ ١٠٠): (وتعترضنا في طريق الموضوع مسألة لها أهميّتها الكبرى ، وهي : ما الّذي يعتبر من حدّي حضرموت للأيمان والطّلاق والنّذور وما أشبه ذلك؟ وساق الجواب على هذه المسألة أو الاستشكال في أكثر من ثلاث صفحات .. نقل فيها كلاما عن الشّيخ ابن حجر في «التحفة» في تخصيص اللّفظ العامّ بالعرف الخاصّ ، وهل العرف ينقل اللّفظ عن مدلوله اللّغوي إلى ما هو أخصّ منه .. وخلص كلام الشّيخ ابن حجر إلى أنّ الأصل أنّ العمل يكون باللّغة (قبل تخصيصها بالعرف) متى شملت واشتهرت ولم يعارضها عرف أشهر منها .. فإن اختلّ أحدهما .. اتّبع العرف إن اشتهر واطّرد .. إلخ.

وبنى على هذا : أنّ حدّ حضرموت الأصغر الّذي تقدّم آنفا نقله عن باشراحيل والحدّاد .. إنّما هو من باب اطّراد العرف لغلبة الشّهرة به على شهرته اللّغوية بالحدّ الأوّل الأوسع ، وعليه : فالاعتبار في الأبواب الفقهيّة المذكورة إنّما هو بالوضع اللّغويّ الأصليّ لا الوضع العرفيّ الطارىء ، وأيّده بكلام ابن حجر في «الفتاوى الكبرى» (٤ / ١٥٨) و (٤ / ٢٦٤).

(١) أي : كتاب «تاج العروس في شرح القاموس» للإمام الحافظ محمد مرتضى الزبيدي الحسيني ، مطبوع في (٤٠) مجلدا.


وفيه أيضا : أنّ الحقف أصل الجبل ، ومن الشّحر إلى الدّهناء سلسلة جبال تخللها الأودية.

وفيه عن «اللسان» : (أنّ كلّ ما طال واعوجّ .. فقد احقوقف) اه

وكذلك حضرموت جبالا ورمالا ، وكثرة أحقاف الرّمل بالدّهناء في شمال حضرموت لا يغبّر على إطلاقه على البلاد بأسرها ، لا مجازا فقط من إطلاق الجزء على الكلّ كما في قوله : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) .. بل حقيقة ؛ لما علمت أنّ حضرموت سلاسل جبال ورمال .. فالأحقاف اسم لجميع حضرموت ، لا للرّمال الّتي في شمالها فقط.

وقال الشّيخ أبو بكر بن عبد الله باشراحيل الحضرميّ الشّباميّ في كتابه : «مفتاح السّنة» : حضرموت بلاد مشهورة متّسعة من بلاد اليمن ، تجمع أودية كثيرة ، وقد اختصّ بهذا الاسم وادي ابن راشد ، وساحلها : العين وبروم إلى الشّحر ونواحيها ، والأحقاف بلاد عاد.

وفي «سيرة ابن هشام» : بلاد عاد بين حضرموت وعمان ، وقيل : الأحقاف رملة الشّحر ، وليس بشيء .. إلّا أن يراد بالرّملة ماوراء جبل الشّحر الّذي عند ظفار الحبوظيّ ؛ فثمّ رملة متّصلة بطرف عمان ، وهذا لا يغبّر على إطلاق الأحقاف على سائر بلاد حضرموت ؛ لأنّ الأمر كما سبق ، ولأنّ مثاني أودية الأحقاف رمالا كثيرة ؛ منها : الّتي في جنوب بور ، والّتي ما بين السّوم وقسم ، ويتأكّد بما سيأتي في الشّحر عن «مروج الّذهب» للمسعوديّ.

وفي (ص ٥٧ ج ٥) من «صبح الأعشى» عن «العبر» : أن عمانا كانت في القديم لعاد مع الشّحر وحضرموت وما والاهما.

فالشّحر وحضرموت : بلاد عاد ، وبلاد عاد هي الأحقاف .. فلا مشاحّة في شيء ، وفي وجود قبر نبيّ الله هود عليه السّلام بآخر حضرموت .. أقوى تأكيد لذلك.

وفي «الرّياض المؤنقة» للعلّامة الجليل السّيّد عليّ بن حسن العطّاس : (الأرض


الجرز المذكورة في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) .. هي حضرموت ، يحدّها المشقاص إلى عين بامعبد ، إلى الشّحر ، إلى مأرب ، وليست غيرها ، وذلك لما ذكره الإمام البخاريّ في «صحيحه» في تفسير سورة الجرز : أنّها الّتي لا يصلها من الماء إلّا دون كفايتها.

ولا نعلم أرضا أولى بهذا من هذه الجهة الحضرميّة ، ولا أجرز ولا أسنت (١) ، ولا أغلى أسعارا ، ولا أقلّ ثمارا) اه

ومنه (٢) : مثل غالب أهل حضرموت ، من السّاحل إلى مأرب ، ومن عين بامعبد إلى سيحوت ، في السعي الممقوت ، وضعف البخوت .. كمثل العنكبوت اتّخذت بيتا ، وإنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت ... إلى آخر ما أطال به في ذمّ أهلها. ونقله الشّيخ عبد الله باسودان في كتابه الّذي ترجم به للعلّامة السّيّد عليّ بن حسن ووسمه ب : «جواهر الأنفاس» ، وقال : (وتحديد حضرموت في العرف العامّ ـ كما حقّقه شيخنا عليّ بن شهاب في رسالة مختصرة ـ : من مرباط الحبوظيّ إلى حبّان ، فيدخل مرباط الحبوظيّ دون حبّان. وأمّا العرف الخاصّ : فمن شبام إلى تريم) اه

واسم حضرموت في التّوراة كما نقله ياقوت [٢ / ٢٧٠] عن ابن الكلبيّ (٣) : حاضر ميت.

وكان يقال لها : وادي سكاك أيضا.

وأنشد ياقوت [٢ / ٢٧٠] لبعض شعراء الحضارم [من البسيط] :

جاب التّنائف من وادي سكاك إلى

وادي الأراك إلى بطحاء أجياد (٤)

__________________

(١) قوله : أسنت : أجدب.

(٢) أي : كتاب «الرياض المؤنقة».

(٣) ابن الكلبي هو : هشام بن محمد بن السائب الكلبي الكوفي ، أبو المنذر ، المتوفى سنة (٢٠٤ ه‍) ، مؤرخ نسابة كأبيه ، له مصنفات كثيرة ؛ منها : «جمهرة الأنساب» (خ) ، و «ملوك كندة» ، و «بيوتات اليمن» ، و «تسمية من بالحجاز من أحياء العرب».

(٤) التّنائف : الصّحراء. والبيت عند ياقوت :

جاب التّنائف من (وادي سكاك) إلى

(ذات الأماحل) من (بطحاء أجياد)


وهو في عدّة أبيات لها قصّة طويلة ، أوردها الهمدانيّ في «الإكليل» [٨ / ١٣١] وغيره (١).

__________________

(١) والقصّة كما في «الإكليل» : قال هشام بن محمّد قال : أبو يحيى السجستانيّ عن مرّة بن عمر الأيليّ عن الإصبغ بن نباتة قال : إنّا لجلوس عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في مدّة أبي بكر رضي الله عنه .. إذ أقبل رجل حضرميّ من بلاد حضرموت لم أر أطول منه ، فاستشرفه النّاس وراعهم منظره ، وأقبل جوادا حتّى وقف وسلّم وجاء ثمّ جلس ، فكثر إدناء النّاس منه مجلسا ، فقال : من عميدكم؟

فأشاروا إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.

فقال : أهذا ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعالم النّاس المأخوذ عنه؟

قيل : نعم.

فقال الحضرميّ :

أبلغ كلامي هداك الله من هاد

وافرج بعلمك عن ذي غلّة صاد

جاب التّنائف من وادي سكاك إلى

ذات الأماحل من بطحاء أجياد

تلفّه الدّمنة البوغاء معتمدا

إلى السّداد وتعليم بإرشاد

سمعت بالدّين دين الحقّ جاء به

محمّد وهو قرم الحضر والبادي

فجئت منتقلا من دين طاغية

ومن عبادة أوثان وأنداد

ومن ذبائح أعياد مضلّلة

نسيكها خائب ذو لوثة عاد

فادلل على القصد واجل الرّيب عن خلدي

بشرعة ذات إيضاح وإرشاد

والمم بهدي هداك الله من شعثي

وإهدني إنّك المشهور بالنّادي

إنّ الهداية للإيمان نائبة

عن العمى والتّقى من خير أزواد

وليس يفرج ريب الكفر عن خلد

أقضّه الجهل إلّا حيّة الوادي

قال : فأعجب عليّا شعره ، وقال له : لله درّك ما أرصن شعرك!! ممّن أنت؟

قال : أنا من حضرموت. قال : فسرّ به علي رضي الله عنه وشرع عليه الإسلام .. فأسلم على يديه ، ثمّ أتى أبا بكر وأسمعه شعره .. فأعجبه وحسن إسلام الرّجل.

ثمّ أتى عليّا رضي الله عنه يسأله ذات يوم ونحن مجتمعون للحديث ، فقال : أعالم أنت بحضرموت. قال : إذا جهلتها .. فما أعلم غيرها. قال : أتعرف موضع الأحقاف؟ قال : كأنّك تسأل عن قبر هود. قال عليّ : لله درّك! ما أخطأت. قال : نعم ، خرجت وأنا في عنفوان الشباب في أغلمة من الحيّ ونحن نريد أن نأتي قبره لبعد صوته فينا ، وكثرة من ينكره.

فسرنا في وادي الأحقاف أيّاما ، وفينا رجل قد عرف الموضع حتّى انتهينا إلى كثيب أحمر فيه كهوف مشرفة .. فانتهى بنا ذلك الرّجل إلى كهف منها ، فدخلناه ، فأمعنّا فيه ، فانتهينا إلى حجرين قد


ثمّ قال ياقوت [٣ / ٢٢٩] : وسكاك موضع بحضرموت.

وقال بعضهم : إنّ من أسمائها : برك الغماد.

وكانت حضرموت أرض خصب ورخاء بما كانت تشرب من فضول مياه مأرب حسبما يأتي في المبحث الخامس من الحسيّسة وغيره ، وبما فيها من العيون السّائحة على الأرض ، والمنبثقة من الجبال .. إلى أن سدّها معن بن زائدة ؛ إذ فعل فعلته الّتي فعل بأهل حضرموت بعد أن قتلوا أخاه ، كما أشار إلى ذلك مروان بن أبي حفصة في قوله له [من الطّويل] :

وطئت خدود الحضرميّين وطأة

بها ما بنوا من عزّة قد تضعضعا

فأقعوا على الأستاه إقعاء معشر

يرون اتّباع الذّلّ أحرى وأنفعا

فلو مدّت الأيدي إلى الحرب كلّها

لأقعوا وما مدّوا إلى الحرب إصبعا

وفي «النّور السّافر» و «المشرع الرويّ» و «الفوائد السّنيّة» : أنّ بعض المغاربة جاء في أيّام بدر بو طويرق ، وتعهّد بفتحها ، ولكنّ بدرا خاف من رغبة الأتراك فيها ، ويتأكّد ما ذكر بما جاء في (ص ٦٣) و (ص ٦٤) من «تاريخ المستبصر» لابن المجاور : (أنّ موضع زبيد كان حمى لكليب وائل وأخيه مهلهل ، وكان ريفا واسعا ، به ستّ مئة ، أو ستّون عينا سائحة لم تزل كذلك حتى ردمها بعض الملوك ، ولا شكّ أنّه معن بن زائدة الشّيبانيّ) اه

ولا يحصى ما أنجبت حضرموت من رجال العلم والمجد والشّرف والزّعامة

__________________

أطبق أحدهما دون الآخر ، وبينهما خلل يدخل فيه النّحيف متجانفا .. فدخلته.

فرأيت رجلا على سرير شديد الأدمة ، طويل الوجه ، كثّ اللّحية ، قد يبس على سريره ، وإذا مسست شيئا من جسده .. أصبته صلبا لم يتغيّر.

ورأيت عند رأسه كتابا بالعربيّة : (أنا هود الّذي آمنت بالله ، وأسفت على عاد وكفرها ، وما كان لأمر الله من مردّ). وسيأتي للحديث شواهد في مبحث قبر نبي الله هود عليه السلام في آخر الكتاب.


والعروبة قديما وحديثا ، كما تشهد معاجم الرّجال وكتب التّاريخ ، وفي هذه المجموعة و «أصلها» الكثير الطّيّب من ذلك.

وممّا يؤكّد تسميتها ببرك الغماد : أنّها مضرب المثل في البعد.

وقد قال المقداد ـ وهو حضرميّ ـ للنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : فو الّذي بعثك بالحقّ ، لو سرت بنا إلى برك الغماد. لجالدنا معك من دونه (١).

وقال الشّمردل بن شريك يصف الرّياح [من الرّجز] :

بلغن أقصى الرّمل من يبرينا

وحضرموت ، وبلغن الصّينا (٢)

وقال قيس [في «ديوانه» ٢٢٧ من الطّويل] :

ولو أنّ واش باليمامة داره

وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا

وبعضهم يرويه : (أقصى حضرموت) وهو أنسب.

وقيل : إنّ برك الغماد واد مخصوص منها فقط ، وهو الّذي فيه بئر برهوت.

قال ابن دريد [من مجزوء الكامل] :

وإذا تنكّرت البلا

د فأولها كنف البعاد

واجعل مقامك أو مقرّ

ك جانبي برك الغماد

وفي «الصّحيح» [خ ٣٩٠٥] أنّ أبا بكر هاجر إلى الحبشة ، حتّى إذا بلغ برك الغماد .. لقيه ابن الدّغنة ... إلى آخر الحديث ، وذكر الشّرّاح فيه أقوالا ؛ أحدها : أنّه بحضرموت.

__________________

(١) أخرجه مسلم (١٧٧٩) عن سعد بن عبادة لا عن المقداد رضي الله عنهم.

(٢) وأصل الأبيات كما وردت :

حيث يقال للرّياح اسفينا

هوج يصبّحن فلا ينبينا

وكلّ وجه للسّرى يسرينا

بلغن أقصى الرّمل من (يبرينا)

و (حضرموت) وبلغن (الصّينا)


وكما كانت حضرموت مضرب المثل في البعد .. فكذلك كانت مضربه في أمور كثيرة ، منها كما في «الأصل» :

ـ الجمال.

وحسبك شاهدا عليه ما جاء في كتابه صلّى الله عليه وآله وسلّم لوائل بن حجر من وصف أقيال حضرموت بالمشابيب (١) ، ومعناه كما في «التّاج» وغيره : الرّؤوس الزّهر الألوان (٢) ، كأنّما أوقدت وجوههم بالنّار ؛ لحسنها وإشراقها.

ومعلوم أنّ وفد كندة استجهروا النّاس بجمالهم وحسن شارتهم ، وأنّ عليهم من الحبرات ما شبّب ألوانهم (٣).

وذكر المبرّد : أنّ الأشعث بن قيس من النّفر الّذين فرعوا (٤) النّاس طولا وجمالا ، وكان من مقبّلي الظّعن (٥).

وذكر أيضا قول أبي دهبل [من مجزوء الكامل] :

أعرفت رسما بالنّجي

ر عفا لزينب أو لساره

لعزيزة من حضرمو

ت على محيّاها النّضاره

وروى الجاحظ : أنّ حضرميّة ـ وكانت من آيات الله جمالا ـ تجرّدت أمام زوجها ، وقالت : ما ترى في خلق الرّحمن من تفاوت ، فقال لها : أرى فطورا ، فاستحيت.

وقال امرؤ القيس [في «ديوانه» ١٤١ من الطّويل] :

تنوّرتها من أذرعات وأهلها

بيترب أدنى دارها نظر عالي

__________________

(١) عند ما أسلم وائل بن حجر .. كتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم عدّة كتب ، فكتب كتابا إلى أقيال ـ ملوك ـ حضرموت ، فقال صلى الله عليه وسلم : «اكتب يا معاوية ، إلى الأقيال العباهلة ، والأرواع المشابيب».

(٢) في المخطوط : (الرؤوس الأعيان). والتصحيح من «تاج العروس».

(٣) أي : زادها حسنا. والحبرات : ثياب وبرد معروفة.

(٤) فرعوا : علوا.

(٥) الظّعن ـ جمع ظعينة ـ يقال : فلان مقبّل الظعينة ؛ أي المرأة في هودجها وجملها قائم ، وهذا يعني أنه فارع الطول ، وقد نعت بذلك جماعة في الجاهلية وصدر الإسلام.


ويترب ـ بالمثنّاة الفوقيّة ـ : مدينة بحضرموت ـ كما قال الهمدانيّ ـ نزلتها كندة (١) ، وإيّاها يعني الأعشى بقوله [في «ديوانه» ١١٧ من الكامل] :

 ...

بسهام يترب أو سهام الوادي

وقال ابن عبيد الأشجعيّ [من الطّويل] :

وعدت وكان الخلف منك سجيّة

مواعيد عرقوب أخاه بيترب

وقد أجمعوا على روايته بالتّاء المثنّاة ، ولئن كان الأكثر يزعمون أنّ يثرب الحضرميّة بالثّاء المثلّثة أيضا ، ويتأكّد ذلك بوجود طائفة من الحضارم يقال لهم : (آل يثرب) لا يزال منهم ناس حتّى اليوم يحترفون بالحدادة.

وقد وصفت لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم امرأة من كندة بالجمال .. فرغب فيها ، ولمّا قال له أبوها : وأزيدك أنّها لم تتّجع قطّ في عمرها .. رغب عنها (٢) ، وهي غير الجونيّة (٣) ، وغير أخت الأشعث الّتي حرمت السّعادة بامتناعها من الارتحال إلى المدينة (٤) ، وهي الّتي اقترنت بعد بعكرمة بن أبي جهل ، وجرى لها مع أبي بكر شأن.

ـ ومنها : حسن النّسج.

ففي حديث الهجرة : (أنّ عليّا تسجّى ببرد النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الحضرميّ الأخضر) (٥).

وأخرج ابن سعد بسنده إلى عروة بن الزّبير : أنّ ثوب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الّذي كان يخرج فيه إلى الوفد ورداءه : حضرميّ ، طوله : أربعة أذرع ،

__________________

(١) صفة جزيرة العرب (١٧٠).

(٢) ذكر ذلك ابن طاهر المقدسي في «البدء والتاريخ» (٥ / ٩).

(٣) واسمها : أسماء بنت كعب الجونية ، لم يدخل بها النبي صلى الله عليه وسلم حتى طلقها ، قال الزهري : استعاذت منه .. فقال : «لقد عذت معاذا ، الحقي بأهلك». «السير» (٢ / ٢٥٥).

(٤) واسمها : قتيلة بنت الأشعث بن قيس.

(٥) الخبر في «دلائل النّبوّة» لأبي نعيم (١ / ٢٦١) ، و «دلائل» البيهقيّ (٢ / ٤٦٨) ، وفي «عيون الأثر» (١ / ١٧٨) ، والطّبريّ (١ / ٥٦٧).


وعرضه : ذراعان وشبر ، فهو عند الخلفاء ، قد خلّقوه (١) وطووه بثوب يلبسونه يوم الأضحى والفطر (٢).

وقال النّابغة الجعديّ في مشوبته [في «ديوانه» ٧٩ من الطّويل] :

يدير علينا كأسه وشواءه

مناصفه والحضرميّ المحبّرا

و (المناصف) : هم الخدم.

وقال ذو الرّمّة [في «ديوانه» ١٩١ من الطّويل] :

كأنّ عليها سحق لفق تنوّقت

به حضرميّات الأكفّ الحوائك (٣)

وقال جرير [في «ديوانه» ١٣٤ من الكامل] :

وطوى الطّراد مع القياد بطونها

طيّ التّجار بحضرموت برودا (٤)

وقال كثير [في «ديوانه» ١٢٥ من الطّويل] :

رأيت ثياب العصب مختلط السّدى

بنا وبهم والحضرميّ المخصّرا (٥)

وقال حبيب (٦) [في «ديوانه» ١ / ٢٢٤ من الكامل] :

كشقيقة البرد المسهّم وشيه

في أرض مهرة أو بلاد تزيد (٧)

__________________

(١) خلّقوه : طيّبوه.

(٢) الطبقات (١ / ٤٥٨).

(٣) السّحق : الثوب البالي. اللّفق : الثوب الذي ضمّ شقّاه إلى بعضهما وخيّطا. تنوّقت : ترفّقت.

(٤) الطّراد : المطاردة والجري خلف العدوّ. القياد : الحبل الّذي يساق به الدّابة. التّجار : كرجال ، جمع تاجر. «القاموس».

(٥) البيت في «الدّيوان» و «الأغاني» على الشّكل التّالي :

لبسنا ثياب العصب فاختلط السّدى

بنا وبهم والحضرميّ المخصّرا

العصب : ضرب من برود اليمن. السّدى : الخيوط الطوليّة الّتي يتكوّن منها النسيج. وعكسها : اللّحمة ، وهي الخيوط العرضيّة. الحضرميّ : النّعل المنسوبة إلى حضرموت. المخصّر : ما قطع خصراه حتى صارا مستدقّين.

(٦) هو حبيب بن أوس أبو تمّام ، الشّاعر المعروف.

(٧) كشقيقة : جار ومجرور متعلّق بحال محذوف من الفعل (خذها) في الأبيات قبله ، وهو :


وتزيد ـ زنة جميل ـ هو كما في «التّاج» : (ابن حيدان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ، وهم الّذين تنسب إليهم البرود التّزيديّة).

قال أبو ذؤيب [من الكامل] :

يعثرن في حدّ الظّباة كأنّما

كسيت برود بني تزيد الأذرع

وقال علقمة [من الكامل] :

ردّ القيان جمال الحيّ فاحتملوا

فكلّها بالتّزيديّات معكوم (١)

وكانت حضرموت تفيض بالأكسية إلى صنعاء فما دونها من بلاد اليمن. وفي «مجموع كلام الحبيب أحمد بن عمر بن سميط» أنّ بعض أهل شبام يستحيك شياذر فيذهب بهنّ بعض أولاده إلى صنعاء فيبيعهّن على الإمام أو بعض حاشيته من ثمانين ريالا ومئة ريال.

ولم يزل أمراء لحج إلى عهد السّلطان أحمد فضل العبدليّ يستحيكون الشياذر التّريميّة ، وإلى تزيين حواشيها بخيوط الحرير الأبيض ، أو المقصّب المتخالف النّسيج .. يشير ذو الرّمّة بقوله [في «ديوانه» ١٦٤ من الطّويل] :

به ملعب من معصفات نسجنه

كنسج اليماني بردة بالوشائع (٢)

إذ الوشائع : الطّرائق المختلفة ؛ من : (وشعت المرأة الغزل على يدها) ؛ أي : خالفته ، وتوشّعت الغنم في الجبل .. اختلفت.

وكان بصنعاء دلّالون مخصوصون بالبزّ الحضرميّ (٣) ، يرجع نسبهم إلى آل

__________________

خذها مثقّفة القوافي ربّها

لسوابغ النّعماء غير كنود

حذّاء تملأ كلّ أذن حكمة

وبلاغة وتدرّ كلّ وريد

والمعنى : خذها قصيدة مرتّبة منقّحة كالبرود الجميلة الأنيقة الّتي تنسج في اليمن وبلاد تزيد.

و (بلاد تزيد) : قبيلة تنسب إليها البرود الفاخرة ، وهي على أحد الأقوال : قبيلة للجنّ.

(١) معكوم : مربوط ومشدود.

(٢) المعصفات : الريح العاصفة.

(٣) دلّالون ـ جمع دلّال ـ وهو : الّذي يجمع بين البائع والمشتري ، يقال له : سمسار.


السّقّاف بسيئون ، ولمّا انقطع البزّ الحضرميّ منذ نحو من نصف قرن .. ساءت أحوالهم.

وكان الحضارمة في عهد الشّيخ عبد الله باعلويّ يجلبون الخيل من حضرموت إلى ظفار كما يعرف من الحكاية (١٥٦) من «الجوهر الشّفّاف» للخطيب [١ / ١٨٢ خ].

وسيأتي عند ذكر آل باماجد في تريم : أنّ ملاحة البحر الهنديّ بأسره كانت للحضارم من القرن الثّاني الهجريّ.

ـ ومنها : جودة الإبل.

قال البعيث الحنفيّ يمدح ناقته [في «ديوان الحماسة» ٢ / ٣٨٠ من الطّويل] :

مفرّجة منفوجة حضرميّة

مساندة سرّ المهارى انتقيتها (١)

وقال ذو الرّمّة [من الطّويل] :

حراجيج ممّا ذمّرت في نتاجها

بناحية الشّحر الغرير وشدقم (٢)

ويدخل فيه كلّ ما جاء في مدح الإبل المهريّة بما لا يضبطه الحصر ؛ لأنّ مهرة داخل حضرموت على كثير من الأقوال (٣).

ـ ومنها : فراهة الحمر (٤).

فقد جاء في «صفة جزيرة العرب» للهمدانيّ : إنّ أحسن الحمير : الحضرميّة.

__________________

(١) مفرجة : الّتي بعدت مرافقها واتّسعت آباطها ، يريد أنّها فتلاء المرافق. المنفوجة : الواسعة الجنبين.

الحضرميّة : من نسل إبل حضرموت. المساندة : القويّة الظّهر. سرّ المهارى : خيارها.

والمهارى : نسبة إلى مهرة بن حيدان.

(٢) حراجيج ـ جمع حرجوج ـ وهي : النّاقة الضّامرة القويّة القلب. ذمّرت : أدخل المذمّر يده في رحمها ليرى الجنين أذكر هو أم أنثى. الغرير وشدقم : اسما قبيلتين. والمعنى : أنها من إبل هؤلاء القوم فهم يذمّرونها.

(٣) ينظر تفصيل طويل ، وعرض موسّع حول المهرة في «الشّامل» (٢٢ ـ ٢٤).

(٤) الفراهة : جودة السّير.


ـ ومنها : جودة الخمر.

فقد جاء في مادة (بنى) من «التّاج» قوله [من الوافر] :

سبته معصر من حضرموت

بناة اللّحم جمّاء العظام (١)

 ـ ومنها : جدل النّوق (٢).

فقد جاء في آخر مادة (ثنى) من «التّاج» قول شاعر [من الطّويل] :

تلاعب مثنى حضرميّ كأنّه

تعمّج شيطان بذي خروع قفر (٣)

 ـ ومنها : جودة النّعال.

وهو الباب الواسع الّذي لا يضبطه عدّ ، ومنه ما سبق من قول كثيّر :

رأيت ثياب العصب مختلط السّدى

بنا وبهم والحضرميّ المخصّرا

وقوله أيضا [في «ديوانه» ٣٣٩ من الطّويل] :

لهم أزر حمر الحواشي يطونها

بأقدامهم في الحضرميّ الملسّن (٤)

وقول مروان بن أبي حفصة [من الطّويل] :

كما قاس نعلا حضرميّ فقدّها

على أختها لم يأن أن يتجرّدا

__________________

(١) يرحم الله المؤلّف ؛ فقد ظنّ أنّ (المعصر) الخمر ، وليس كذلك .. بل المعصر : الفتاة أوّل ما تحيض ، وكأنّ رحمها يعتصر.

ومنه قول عمر بن أبي ربيعة من الطّويل :

فكان مجنّي دون من كنت أتّقي

ثلاث شخوص كاعبان ومعصر

بناة اللحم : طيّبة رائحة اللّحم. جمّاء العظام : ليّنة كأن ليس لها عظام. والله أعلم.

(٢) الجدل : جمع جديل ، وهو حبل مفتول من أدم أو شعر ، يكون في عنق البعير أو النّاقة.

(٣) المثنى : زمام النّاقة. التّعمّج : التّلوّي في السّير والاعوجاج. شيطان : نوع من أنواع الحيّات.

الخروع : كلّ نبت ضعيف يتثنّى. والمعنى : أنّ ناقته تلاعب حبلها الّذي يشبه في تثنّيه الحيّة الّتي تطوف بين الزّرع الطّري. والله أعلم.

(٤) يطونها : يطؤونها.


وقول حبيب [في «ديوانه» ٢ / ١٧ من الكامل] :

حذيت حذاء الحضرميّة أرهفت

وأجادها التّخصير والتّلسين (١)

وقول الرضيّ [في «ديوانه» ٢ / ١٧٧ من الوافر] :

وتمّ علاؤكم بي بعد نقص

تمام الحضرميّة بالقبال (٢)

وكما يضرب المثل بالسّيوف اليمانيّة .. فإنّ أهل اليمن يضربون المثل بالجنابي ؛ أي : الخناجر الحضرميّة ، ويتنافسون في اقتنائها ، ويتمدّحون بها في أشعارهم.

وسيأتي في وبار من آخر الكتاب مضرب المثل بنخيلها ، ولا جرم ؛ فإنّه كثير ، معتدل الحلاوة ، رقيق القشرة ، كثير اللّبّ ، رقيق النّوى .. فله أن يتفضّل بحقّ عن سائر التّمور (٣).

ونقلوا عن الصّاغانيّ أنّ ذا النّخيل يطلق على بقاع ؛ منها : واحد دوين حضرموت ، وهو المراد من قول أبي حرب الأعلم ، أحد بني عقيل ، أو ليلى الأخيليّة [من الرّجز]

نحن اللّذون صبّحوا الصّباحا

يوم النّخيل غارة ملحاحا

مذحج فاجتحناهم اجتياحا

ولم ندع لسارح مراحا

__________________

(١) حذيت : قيست. حذاء : قياس. أرهفت : لطفت ورقّت. التّلسين : خرط صدر النّعل ، وجعل شيء له يشبه اللّسان.

(٢) الحضرمية هنا : النعل. القبال : الزمام الذي بين الإصبع الوسطى والتي تليها.

(٣) وكذلك من الأمور التي اشتهرت بها حضرموت ما يلي : غزارة المياه وعذوبتها ؛ فإن مياه حضرموت الجوفية غزيرة ، وقد اكتشفت بها كميات كبيرة. وكما أن النفط اكتشف أيضا في وادي المسيلة بكميات تجارية كبيرة. وكذلك العسل الحضرمي ، الذي تغني شهرته عن التعريف به. واشتهار أهلها بعلم الفقه ، وخدمتهم لمذهب الإمام الشافعي مما لا يخفى على أحد. ودخول كثير من الأمم في الإسلام على أيدي علماء وتجار حضرموت الصالحين الدعاة إلى الله ، وهذا كالتاج على هامة كل حضرمي. وشهرة أهلها بالأمانة ، وحسن سياستهم للأمور ، ونجاحهم في أمور التجارة مع النزاهة والعصامية ؛ حتى إنّ بعضهم اليوم يعد من أغنى رجالات العالم.


وذكر مذحج يؤكّد ذلك ؛ لأنّها بلادهم ، وفي [٦ / ٢٣] من «خزانة الأدب» عن ابن الأثير (١) : أنّ ذا النّخيل ـ بضمّ النّون وفتح الخاء ـ : عين قرب المدينة ، وأخرى قرب مكّة ، وموضع دوين حضرموت. ومثله في (ص ٥٠٧).

ومن قصيدة هائيّة لصخر بن العود الحضرميّ يذكرها النّحاة في ذكر لنخل حضرموت في قوله [في «الأغاني» ٢٢ / ٣٩ من الطّويل] :

تذكّرت كأسا إذ سمعت حمامة

بكت في ذرى نخل طوال جريدها (٢)

وروى الهمدانيّ : عن أبي الحسن الخزاعيّ ـ وكان يسكن بأرض نجد العليا ـ : أنّه أصاب النّاس أزمة شديدة ، فأقبلوا من نجد إلى مكّة ، وكان فيهم شاعر يقال له : الحزارة العامريّ ، فأنشد شعرا يذكر فيه ما كان من رحمة الله عندهم ، فقال التّهاميّون لشاعرهم أبي الجيّاش : قل مثله.

فأنشد شعرا ؛ منه [من الخفيف] :

سقيت حضرموت منها مع الأح

قاف ريّا وعلّت الأسعاء (٣)

طبّقت بالسّيول أبين حتّى

(لحجها) فهي والسّماء سواء (٤)

تنبيه : إنّما قلت سابقا : إنّ الأنسب في بيت قيس أن يقال : (بأقصى حضرموت) ؛ لأنّ أعلاها يقرب من نجد .. فلا يليق أن يكون غاية للبعد ، وعاصمة نجد : اليمامة الآتي ذكرها في حجر ، وكان اسمها جوّا في الزّمان الأوّل.

قال الأعشى من قصيدة عذبة يمدح هوذة بن عليّ بن ثمامة الحنفيّ [في «ديوانه» ٢٤١ من الطّويل] :

فلمّا أتت آطام جوّ وأهله

أنيخت فألقى رحلها في فنائكا

__________________

(١) لكنه غير ناقل عن ابن الأثير فيها.

(٢) كأس : اسم محبوبته ، واسمها كاملا : كأس بنت بجير بن جندب.

(٣) الأسعاء : اسم من أسماء مدينة الشحر ، وقد يخفف فيقال : لسعاء.

(٤) صفة جزيرة العرب (٣٣٣ ـ ٣٣٦).


وقال من أخرى [في «ديوانه» ٣٢٣ من الوافر] :

عرفت اليوم من تيّا مقاما

بجوّ أو عرفت لها خياما

وقال أيضا يمدح هوذة ، ويذم الحارث بن وعلة [في «ديوانه» ٩٨ من الطّويل]

وإنّ امرأ قد زرته قبل هذه

بجوّ لخير منك نفسا ووالدا

ولمّا صلبت اليمامة على بابها .. سمّيت باسمها ، والّذي سمّاها بذلك الاسم : هو تبّع الحميريّ قاتل اليمامة ، وقال [من الطّويل] :

وقلنا فسمّوها اليمامة باسمها

وسرنا وقلنا لا نريد إقامة

واليمامة امرأة تبصر من ثلاث ، وحديثها مشهور ، وإليها الإشارة بقول أبي الطّيّب [في «العكبريّ» ٤ / ١٥ من الطّويل] :

وأبصر من زرقاء جوّ لأنّني

إذا نظرت عيناي شاءهما علمي (١)

وقبله يقول النّمر بن تولب [من الكامل] :

وفتاتهم عنز عشيّة أبصرت

من بعد مرأى في الفضاء ومسمع

قالت : أرى رجلا يقلّب نعله

أصلا وجوّ آمن لم ينزع

فكأنّ صالح أهل جوّ غدوة

صبحوا بذيفان السّمام المنقع

و (أصلا) : جمع أصيل. و (الذيفان) : أقتل السّموم.

وكانت بلد اليمامة لأمّتين ؛ إحداهما طسم بن لاوذ بن سام بن نوح ، والأخرى جديس بن عابر بن إرم بن سام بن نوح.

ومن قربها إلى نوح يضعف القول بأنّ الّذي أهلك جديسا حسّان بن تبّع ؛ لتأخّره ، والكلام منتشر في ذلك ، حتّى لقد قيل : إنّ هودا عليه السّلام من ولد إسماعيل ، وإنّه وعشيرته من عاد الثّانية ، وهو غير المعروف المشهور. قال ابن هشام : (وبعض أهل اليمن يقول : إنّ قحطان من ولد إسماعيل ، وإنّ إسماعيل أبو العرب كلّها).

__________________

(١) أبصر : معطوف بالنصب على البيت السابق. شاءهما : سبقهما. وللبيت روايات أخرى.


وقال : (قال ابن إسحاق : عاد بن عوين (١) بن إرم بن سام بن نوح ، وثمود وجديس ابنا عابر بن إرم بن سام بن نوح ، وطسم وعملاق وأميم بنو لاوذ بن سام بن نوح .. عرب كلّهم) اه (٢)

وأطال فيه صاحب «التاج» ، وذكر : (أنّ عادا وثمودا وأميما وعبيلا ووبارا هم العرب العاربة ، ومنزلهم الأحقاف وماجاورها) اه

وقال الهمداني في أوائل «الإكليل» : أمّا الّذين ذكروا أنّ قحطان من ولد إسماعيل .. فإنّهم تعلّقوا بظاهر حديث ابن أبي حدرد قال : مرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بناس من أسلم خزاعة وهم ينتضلون .. فقال : «ارموا بني إسماعيل» (٣) ، وهم من الأزد ، والأزد من قحطان.

وجوابه : أنّ العرب اختلطت بالصّهوريّة .. فالقحطانيّة أبناء إسماعيل من جهة الأمهّات ، والنزاريّة أبناء لقحطان بهنّ ؛ كما نسب عيسى عليه السّلام في القرآن إلى آباء أمّه ، ومن ذلك قول لوط : (هؤُلاءِ بَناتِي) وإنما أراد نساء القرية ، ومنه قوله عزّ وجلّ : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) فإنّه لا يخرج عنها أحد من العرب ؛ إذ قد أولد الجميع بالرّجال والنّساء.

ثمّ أطال في ذلك بأشعار تركناها ، ثم قال : ومن الحجّة الأكيدة : ما روي من جهات كثيرة : أنّه لمّا نزل قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ ...) إلى آخر الآية. قال ناس : ما سبأ؟ أرض أم امراة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «لا ذا ، ولا ذاك ، ولكنّه رجل من العرب أولد عشرة أبطن ، فتيامنت ستّة ، وتشاءمت أربعة» قالوا : فمن هم يا رسول الله؟ قال : أمّا الّذين تيامنوا .. فكندة ، ومذحج ، والأشعرون ، وحمير ، وأنمار ، والأزد. وأمّا الّذين تشاءموا .. فجذام ،

__________________

(١) في «السيرة النبوية» : (عوص).

(٢) السيرة النبوية (١ / ١١٤).

(٣) أخرجه البخاري (٢٨٩٩) ، عن سلمة بن الأكوع لا عن ابن أبي حدرد رضي الله عنهما. ينتضلون : يتسابقون في رمي السهام.


ولخم ، وعاملة ، وغسّان» قالوا : فما خثعم وبجيلة؟ قال : «بطنان من أنمار».

وأسهب بما لا حاجة بنا إليه ، وحديث سبأ موجود عند التّرمذيّ [٣٢٢٢] بزيادة ، وقال : إنّه حسن غريب.


القسم الأوّل

في مرافىء حضرموت وما داناها

من أعلاها إلى أدناها



القسم الأوّل

في مرافىء حضرموت وما داناها من أعلاها إلى أدناها

عين بامعبد

هي قرية صغيرة ، واقعة في حدّ حضرموت الجنوبيّ الغربيّ ، ويأتي في ميفع أنّ به ناسا من آل بامعبد لا يزالون إلى اليوم. فيفهم منه أنّ العين منسوبة إلى جدّهم (١).

ولا يزال بالعين منهم خلق إلى الآن ، وقد نجع كثير منهم إلى تريم ، ولما مسّهم ظلم يافع .. انتقل بعضهم إلى دمّون ، وبعض إلى السويريّ.

وفي ترجمة الشّيخ الكبير عبد الله بن علويّ ابن الفقيه المقدّم : أنّه مرّ في طريقه من الحجاز إلى حضرموت بعين بامعبد .. فاستقبله شيخها محمّد بن عبد الله بامعبد ، وأجلّه واحترمه.

وكانت وفاة الشّيخ عبد الله بن علويّ المذكور في سنة (٧٣١ ه‍) عن إحدى وتسعين عاما.

وفي صفحة [٣٥٣] من «النّور السّافر» للشّيخ عبد القادر بن شيخ العيدروس : (أنّ الشّيخ بامعبد انتفع بالشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ) ، المتوفّى سنة (٦٧١ ه‍) ، فيمكن أن يكون هو صاحب الشّيخ عبد الله بن علويّ ، ويحتمل أن يكون أباه (٢)

__________________

(١) قوله (إلى جدّهم) : قال في «الشّامل» (ص ٤٩): (آل بامعبد : ذرّيّة الشّيخ محمّد بن محمّد بن معبد الدّوعني ، المعروف بأبي معبد ، توفي سنة (٧٢٠ ه‍) ، وأصله من دوعن ، وحلّ بالعماد قريبا من عدن ، ثمّ انتقل إلى نواحي عين بامعبد ، تفقّه من ولده : محمّد الغزالي ، وعبد الله ، وكان لهم رباط ، ولم تزل ذرّيّته هناك وفي ميفعة) اه

(٢) يستفاد بعد التّمحيص والسّبر : أنّ الّذي أخذ عن الشّيخ سعيد العموديّ هو الشّيخ الوليّ محمّد بن


أمّا رجوع الشّيخ عبد الله بن علويّ من الحجاز إلى حضرموت .. فقد كان في سنة (٦٨٠ ه‍).

وفي عين بامعبد عيون ماء عليها نخل كثير ، وسكّانها الآن من الرّجال نحو المئتين من آل بامعبد وآل عبد الله وغيرهم ، وهي تبعد عن السّاحل بنحو أربع ساعات للماشي ، ومنهم الشّيخ عبد الحسين بن حميد بن امبارك بن عمر بامعبد ، ولد بالسويريّ حوالي سنة (١٣٠٥ ه‍) ، وبها قرأ القرآن على المعلّم عمر بن عبود باعطب ، ثمّ أقام زمانا على طلب العلم بتريم ، وهو الآن بالمكلّا ، وله تنقّلات.

والتّسمية بعبد الحسين ممنوعة كما في «التّحفة» [٩ / ٣٧٣] وغيرها ؛ لإيهام التّشريك ، ولعلّ الحرمة مقصورة على الواضع الأوّل ، أمّا إذا وضع لإنسان واشتهر به .. فلا يحرم ؛ للحاجة ، ولأنّ النّهي لا يشمله ، كما اعتذروا عن تكنية الرّافعيّ بأبي القاسم ، مع حرمتها مطلقا كما اعتمده الرّمليّ وابن حجر ؛ تبعا لما صحّحه النّوويّ ، وإن كان اختيار تخصيص الحرمة بزمنه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، واعتماد الرّافعيّ اختصاص ذلك بمن اسمه (محمّد) ، وبمثل ذلك الاعتذار التّلقيب بمثل الأعشى ، ومن إطلاق : (جار الله) في الدّوام على الزّمخشريّ ، مع حرمة ذلك في البدء ، كما في «التحفة» [٩ / ٣٧٤] وغيرها.

وبنحوه العذر عن تكنية التّرمذيّ بأبي عيسى ، مع القول بكراهتها في الابتداء ، أمّا تسمية ابن الصّبّاغ بعبد السّيّد .. فلا إشكال فيها ؛ لأنّ السّيّد هو الله كما ورد. ولا حرج في إطلاق : (اللّعين) على المنقريّ (١) ، أمّا في الدّوام .. فواضح ، وأمّا في الابتداء .. فلأنّ الواضع مجتهد ، وهو ابن الخطّاب ، وقد سمعه ينشد شعرا والنّاس يصلّون.

__________________

محمّد بن معبد ؛ لأنّ مولده كان بدوعن ثمّ رحل عنها. وترجمته في «طبقات الخواص» (ص ٣١٢ ـ ٣١٣) .. مفيدة. وفيه أنّه اشتهر بكرامات كثيرة ، وفي «الطبقات» : أن الذي توفي سنة (٧٢٠ ه‍) هو عبد الله بن محمد بامعبد ، وليس والده محمدا ، كما ذكر صاحب «الشامل» والله أعلم.

(١) هو منازل بن زمعة التميمي المنقري. قال في «الأعلام» (٧ / ٢٨٩) سمع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا ينشد الشعر والناس يصلون .. فقال : من هذا اللعين؟ فعلق به لقبا.


بالحاف (١)

هو من وراء عين بامعبد إلى جهة الشّرق ، وهو مرسى لآل أحمد بن هادي آل عزّان (٢).

والسّلطان فيهم : عبد الله بن محسن الواحديّ (٣) ، وهو من جملة الموقّعين على

__________________

(١) بلحاف : ميناء يطل على البحر العربي ، عداده من مديرية رضوم وأعمال محافظة شبوة ، أقيم فيه ميناء حديث لاستقبال وتصدير الغاز الطبيعي المسال القادم عبر أنبوب الغاز من محافظة مأرب ، ومن شبوة. ونظرا لجمال المنطقة الطبيعي فإن السيّاح يرتادونها من حين لآخر.

منها : الشيخ سعيد بن عمر بلحاف (القرن السابع الهجري) أحد كبار الأولياء العارفين بالله ، ومن أعيان صوفية حضرموت في العصور الوسيطة ، تخرج بالإمام الكبير الفقيه المقدم محمد بن علي باعلوي (ت ٦٥٣ ه‍) ، ولعل هذه المنطقة تنسب إليه أو إلى أسرته المعروفة بها. كان هذا الرجل من الأكابر ، ولكن لم تصل إليه أقلام المؤرخين ولم يترجموه في كتبهم ، واكتفوا بإشارات عابرة فقط. كان من أهل الذوق والوجدان والعرفان ، له شعر رمزي عجيب غريب. عثرت في بلدنا شبام على مجموعة صغيرة من شعره ، وقد كان للسادة بني علوي اهتمام بشعره ، واعتنى جماعة منهم بشرح بعض قصائده الغريبة الفريدة ـ سنأتي على ذكرهم ـ ومن الآخذين عنه والمصاحبين له : الشيخ الجليل عبد الله باعلوي حفيد شيخه الفقيه المقدم ، كما ذكر في ترجمتهما من «المشرع».

أما شراح شعره :

السيد الإمام العيدروس الأكبر عبد الله بن أبي بكر ، الملقب بسلطان الملا ، المتوفى بتريم سنة (٨٦٥ ه‍) ، له شرح على قصيدة بلحاف التي مطلعها :

نحن لكم من قبل أن يولد نوح

 ...

ذكره الشلي في «المشرع» (٢ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧).

السيد العلامة عقيل بن عمر باعمر باعلوي العماني ، المتوفى سنة (١٠٦٢ ه‍) ، أحد شيوخ صاحب «المشرع». له شرح قصيدة «جلبة المسافر» ، اسمه : «فتح الكريم الغافر» ، منه نسخة بتريم.

(٢) آل أحمد بن هادي هم فخذ من فخائذ آل الواحدي حكام تلك النّواحي ، ولمعرفة المزيد من التّفاصيل حول هذه الأسرة الواحديّة ، ومعرفة أخبارهم .. ينظر : «الشّامل» (٥٥ ـ ٦٣) ، وفيه تفصيل لم يسبق إلى مثله ، و «بضائع التّابوت» (٢ / ٣١٨ ـ ٣٢١) ، و «ما جاد به الزّمان من أخبار مدينة حبّان» (١٠٢ ـ ١١٤) ، و «معالم تاريخ الجزيرة العربيّة» (٢١٦ ـ ٢١٨).

(٣) عبد الله بن محسن بن صالح بن ناصر بن عبد الله بن أحمد بن هادي الواحديّ .. كان سلطان عزّان


الوثيقة الّتي أمضى عليها أعيان تلك الجهات وسلاطينها بالسّمع والطّاعة لي على نصر الحقّ في المنشط والمكره (١).

كما أنّ من جملة الموقّعين عليها : الشّيخ محمّد بن جعبل العوذليّ بالنّيابة عن السّلطان صالح بن حسين بن جعبل ؛ لأنّه كان إذ ذاك صغيرا ، وهو القائم بأمور السّلطنة.

ومن الموقّعين عليها : السّلطان حسين بن أحمد الرّصاص ، ومشايخ المصعبين والمياسر وآل حسنة (٢) ، ومناصب السّادة آل المحضار بمرخة وحبّان ، ورؤساء آل بامسدوس والدّيّن ، وغيرهم ، وكان كلّ ذلك برأي المغفور له سيف الإسلام محمد ابن مولانا أمير المؤمنين ، أراد بذلك نصرتي لما نالني من الاهتضام بحضرموت إزاء قيامي بنصر الشّريعة ، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، وقد استنجدت بوالده أمير المؤمنين يحيى بن محمّد .. فلم يتمكّن من مساعدتي علنا ؛ لتلبّد الجوّ السّياسيّ بالغيوم. ولقد تمّ كلّ ما يرام من أخذ العهود على أولئك ، ولو لا أنّني شاورت مولانا الإمام يحيى في النّهوض بهم فثناني ـ أدام الله مجده ـ عن الاعتماد عليهم .. لكان لذلك نبأ عظيم ، ولكنّه ـ أعلى الله شأنه ـ كان أعرف بأحوالهم ، وما كنت لأقدم على أمر وبيعته في عنقي بدون إشارته ؛ لأنّ طاعته واجبة ، ورأيه الأعلى والأصوب ، فلله الحمد على السّلامة (٣).

__________________

فقط ، أمّا حبّان : فإنّها بعد مقتل سلطانها ناصر بن صالح بن ناصر الواحدي سنة (١٣٣١ ه‍) صارت تحت سلطان العوالق ، فحكمها محسن بن فريد من ذلك التّاريخ إلى سنة (١٣٥١ ه‍) ، حيث نصّب عليها حسين بن عبد الله الواحديّ. وأمّا عبد الله بن محسن .. فقد قتل فجأة بعدن سنة (١٣٥٨ ه‍).

(١) هذه الوثيقة كتبها وسار بها على المذكورين السّيّد المصنّف رحمه الله في أوائل سنة (١٣٤٩ ه‍) كما ذكر في «بضائع التابوت» (١ / ٣٠٨).

(٢) المصعبين : من بلدان ناحية حبّان. المياسر : جماعة مفردهم ميسري. الحسنة : هم قبائل آل الحسني ، بتسكين السّين.

(٣) ذكر المصنّف في «بضائع التابوت» (٢ / ٣٠٨) : أنّه في أوائل سنة (١٣٤٩ ه‍) وفد على أمير المؤمنين الإمام يحيى حميد الدّين يستنجد به في التّدخّل في سياسة حضرموت الدّاخليّة ؛ لكثرة الفتن فيها ، وعدم انضباط أمورها ، لكنّ الإمام اعتذر ، قال ابن عبيد الله : (ولما اعتذر عن المبادرة بتلبّد


وأخبرني الشّيخ محمّد بن أحمد الحجريّ بأنّ الأسلحة المطلوبة لذلك من ألمانيا وصلت ، لكن بعد وفاة المرحوم السّيف محمّد ، وانتهاء الحاجة.

ومن آل بالحاف جماعة كثيرة نجعت إلى الشّحر.

وفي الحكاية (١٦٨) من «الجوهر» (١ / ١٩٣) : أنّ آل بالحاف تلقّوا السّيّد عليّ بن علويّ بن أحمد ابن الفقيه المقدّم (١) بالسّماع.

وفي أخبار سنة (٨١٣ ه‍) : أنّ أحمد بن فارس أخذ قرية آل بالحاف وأخرجهم منها ، فخرجوا إلى الشّيخ عليّ بن عمر ، فأرسل بعض الفقراء فلم يجبه ، فسار هو بنفسه في رجب ، فردّها عليهم ورجع هو ـ أعني الشّيخ عليّ بن عمر ـ في شعبان. اه من «تاريخ باشراحيل» (٢).

وما أدري من هو الشّيخ عليّ بن عمر ، أمن آل باشراحيل ، أم الشّاذليّ صاحب المخا ، المتوفى بها سنة (٨٢٨ ه‍) ، والأقرب أنّه عليّ بن محمد بن عمر صاحب الحوطة ، الآتي ذكره فيها عمّا قليل ، وأنّ سقوط اسم أبيه في العبارة السّابقة سهو من النّاسخ.

وقد انعقدت بين سلطان بالحاف وهو محسن بن صالح بن عبد الله الواحديّ والإنكليز معاهدة بتاريخ (١٣) نوفمبر سنة (١٩٠٥ م) على يد مايسون والي عدن ، وشهودها : عبد الله بن حسين الواحديّ ، وأحمد بن صالح بن ناصر الواحديّ ، وهادي بن صالح الواحديّ ، وحسين بن صالح الواحديّ .. على غرار المعاهدات الّتي جرت بين القعيطيّ والإنكليز.

__________________

غيوم السّياسة ، ووعدني هو ووليّ عهده ـ لكن إلى أجل غير معلوم ـ .. اقترح عليّ زينة العصر ، سيف الإسلام ، الشّهيد البدر : أن أذهب إلى هذه الأطراف لإرشادهم ووعظهم ، ثمّ أخذ العهود عليهم بالسّمع والطّاعة ، في المنشط والمكره ، والسّعة والضّيق ، متعهّدا بما يلزم لذلك من النّفقات .. ففعلت ، وقرن الله المسعى بالنّجاح ..) إلخ.

(١) توفي مجاورا بمكّة. «المشرع» (٢ / ٤٩٧ ـ ٤٩٩).

(٢) ومثله في «تاريخ شنبل» (ص ١٥٩) ، و «العدة المفيدة» (١ / ١٣٧).


ثمّ انعقدت بأثرها على القرب بينهم معاهدة أخرى بتاريخ (٢٢) نوفمبر (١) من السّنة المذكورة ، جاء في المادة الثّالثة منها : (أنّه متى قذفت مياه البحر ببضاعة أو بمركب ، فإن عرف مالكه في ظرف شهر .. فليس للسّلطان الواحديّ إلّا ثلث الموجود. وإن لم يعرف في ظرف شهر .. فكلّه له) اه

وهذا يدلّ على أنّهم كانوا على نوع من القرصنة (٢) ؛ كآل كثير في ريدة ابن حمدات ، حسبما يأتي فيها.

وفي أواخر الحرب العظمى الأولى وردني بريد مخصوص بكتاب من السّيّد بو بكر بن سالم بن أحمد بن عليّ بن عمر المحضار (٣) ، محرّرا في (١٧) ذي الحجّة سنة (١٣٣٥ ه‍) يقول لي فيه : إنّ آل طالب بن هادي يريدون أن يحالفوا آل كثير ، فإذا كانوا راغبين .. أفيدونا.

ولكنّ آل كثير قد ركنوا إلى الدّعة ، وقصرت همّتهم ، فلم نجد عندهم حركة لشيء ، ولم يكن ذلك موافقا لهوانا ؛ إذ قد غمسنا في صداقة مع الدّولة القعيطيّة لا يمكن معها أن نؤلّب الأعداء عليها ، وإن كانت صداقتها لا تسمن ولا تغني من جوع ، لا معنا فقط ، بل مع سائر حلفائها وأصدقائها ؛ لأنّ السّيّد حسين بن حامد الّذي يمثّلها إذ ذاك إنّما ينفق من

__________________

(١) نوفمبر : اسم الشهر الحادي عشر من شهور السّنة الشمسيّة الميلاديّة بحسب التّقويم الروميّ ، يقابله شهر تشرين الثّاني ، الحادي عشر من شهور السّنة الشمسيّة الميلاديّة حسب التّقويم السّريانيّ. والشهور على الشّكل التّالي :

 روميّ

 سريانيّ

روميّ

 سريانيّ

١ ـ

 يناير

 كانون الثّاني

٧ ـ

 يوليو

 تموز

٢ ـ

 فبراير

 شباط

٨ ـ

 أغسطس

 آب

٣ ـ

 مارس

 آذار

٩ ـ

 سبتمبر

 أيلول

٤ ـ

 أبريل

 نيسان

١٠ ـ

 أكتوبر

 تشرين الأوّل

٥ ـ

 مايو

 أيّار

١١ ـ

 نوفمبر

 تشرين الثّاني

٦ ـ

 يونيو

 حزيران

١٢ ـ

 ديسمبر

 كانون الثّاني

(٢) القرصنة : السّطو على السّفن الّتي في البحر. والقرصان : لصّ البحر.

(٣) توفيّ بحبّان سنة (١٣٥٧ ه‍).


بضائع المجاملة والمعانقة الّتي لا تنفد ، بدون أية نتيجة ، ومن بعده من الوزراء شرّ منه ، فهي دولة غنيّة مترامية الأكناف (١) ، ولكن بلا رجال أكفاء مخلصين.

بير علي

هي إحدى موانىء البحر الشّحريّ ، في شرقيّ بالحاف ، وهي لآل طالب بن هادي الواحديّ.

والسّلطان فيهم : ناصر بن طالب ، وقد زار حضرموت قريبا ، وكان يزورني بعد الظّهر في أكثر الأيّام.

وكانت حكومة عدن تحاول اتّحاده مع آل أحمد بن هادي وجعلهم دولة واحدة. فأمّا آل أحمد بن هادي .. فرضوا ، وأمّا هو .. فأبى. ولكنّه توفّي فجأة بعدن في (١٤) أبريل من سنة (١٩٤٠ م) ، ولا أعرف الآن ما يوافقها بالضّبط من التّاريخ الهجريّ (٢)

ومن تلك السّنة و (٢٨) ديسمبر توفّي أيضا بعدن فجأة نقيب الموسطة الشّيخ بو بكر ، بعقب مقابلته لوالي عدن في الحادي عشر من الشّهر المذكور.

وكذلك كلّ من لم يوافق حكومة عدن على هواها يموت فجأة ؛ لأنّ لهم جنودا من العسل!!

حصن الغراب

هو في بير عليّ ، وكان أحد مرائي حضرموت (٣) ، وهو مبنيّ بالحجارة المنحوتة ـ يبلغ بعض أحجاره أربعة أذرع وستّة أذرع ـ على قمّة جبل ، يحيط به البحر من الجهات

__________________

(١) الأكناف : الجوانب.

(٢) الّذي يوافقها من التّاريخ الهجريّ (١٣٥٩ ه‍). والله أعلم.

(٣) مرائي ـ جمع مرأى ـ وهو : المكان العالي ، الّذي ترى منه الأشياء ، وكأنّ المقصود هنا : ما يشبه برج المراقبة.


الثّلاث على عمق غزير ، يمكن لكبريات البواخر أن ترسو بقربه ، وليس له طريق من البرّ إلّا من جهة شماله فقط.

وهو حصن منيع ، باقية آثاره ، وحواليه كتابات بالمسند (١) ، يظهر أنّها تعريف به وبأهله (٢).

هكذا وصفه لي السّلطان ناصر بن طالب.

وقد ذكره ابن الحائك الهمدانيّ بقوله : (وفي المنتصف من هذا السّاحل شرقا بين عمان وعدن .. ريسوت (٣) وهو موئل كالقلعة ، بل قلعة مبنيّة على جبل ، يحيط بها البحر إلّا من جانب واحد ، وبها سكن الأزد من بني جديد ، حتّى طردتهم بنو خنزريت من القمر ، فتفرّقوا في بلاد المهرة.

ويقال : إنّ ساكن ريسوت القدماء هم البياسرة ، والقمر زنة قمر السّماء ، بخلاف مدغشقر وما حواليها ؛ فإنّها تسمى : جزائر القمر بضمّ القاف والميم.

وفي موضع آخر يقول : ودهلك من معاقل البحر ، وكذلك ريسوت : حصن منيع لبني رئام وسقطرى وجبل الدخان) اه

ولريسوت ذكر عند ياقوت : في موضعه ، وفي التّعريف باليمن [٥ / ٤٤٨] ، وهو ناقل عن ابن الحائك ، وما ذكراه ينطبق في الكيف على حصن الغراب.

__________________

(١) الخط المسند : خط حمير القدماء ، وهو مخالف لكتابتنا اليوم.

(٢) ورد في «تاريخ اليمن القديم» (ص ١٥٧ ـ ١٥٨) .. ما يدلّ على أنّ هذه النّقوش والكتابة وضعت سنة (٦٢١ م) ، وهي تؤرّخ مرحلة من الصّراع الدّامي الّذي لاقاه نصارى نجران على يدي (ذي نواس) الملك اليهوديّ. والّذي نقش ذلك النقش هو (سميفع أشوع) من أبناء شرحبيل يعفر السّبئيّ اليهوديّ ، أحد أبناء حكّام اليمن التبابعة. وممّا يستفاد منه : أنّ حصن الغراب هذا كان يسمّى (عرماويه) .. وكان قد قام السّميفع المذكور بترميم سوره وبابه وصهاريجه وطريق العقبة الصاعدة إليه ، وتحصن هو وجنوده به بعد عودتهم من أرض الحبشة .. وللمزيد من التفاصيل يراجع الكتاب المذكور ، وكتاب «خلاصة السيرة الجامعة لعجائب أخبار الملوك التبابعة» (١٧٥).

(٣) في المخطوط (ريبوت) ـ بالباء الموحّدة ـ وفي «صفة الجزيرة» و «معجم البلدان» : ريسوت بالسّين ؛ وهو الصّواب .. ولذا عدلنا إليه.


وأمّا ما ذكره ياقوت من الأين والموقع .. فلا ينطبق إلّا على ريسوت القريبة من ظفار وهي الّتي يفرق بين طريقها وبين الطّريق المسلوك إلى ظفار نحو ميل ، وهي الّتي تلاقت فيها عساكر الملك المظفّر الرّسوليّ ، ثمّ تقدّموا منها إلى موضع من أعمال ظفار ، يقال له : عوقد ، حيث كانت الواقعة الهائلة الّتي دارت فيها الدّائرة على سالم ابن إدريس الحبوظيّ ، واستولى بعدها عسكر المظفّر على ظفار ، وعلى سائر بلاد حضرموت. وكانت تلك الموقعة في يوم السّبت (٢٧) رجب من سنة (٦٧٨ ه‍) (١) ولا يمكن أن يروى كلّ هذا عن ابن الحائك ؛ إذ كانت وفاته بسجن صنعاء في سنة (٣٣٤ ه‍) كما في «بغية الوعاة» للسّيوطيّ (٢) ، وإنّما أنشئت ظفار بعد ذلك بزمان.

أمّا مرباط : فلها ذكر كثير في «صفة جزيرة العرب» ، ومنه في هذا الموضع [ص ٩١] : (أنّ أهل ريسوت تفرّقوا في البلاد بعد ما بيّتهم بنو خنزريت ، فسكنوا موضعا من الغبب يقال له : حاسك ومرباط).

ومن هنا نشأ وهم ياقوت ، فذكر حاسك ومرباط هنا يمهّد العذر له ، لكنّ الغبب بأسرها من المهرة.

وبذلك يقوى الإشكال ، ويشتدّ الاشتباه ، وقد عرفت بعد من سؤال الملّاحين : أنّ ريسوت الظّفاريّة شبه قلعة يحيط بها البحر من الجهات الثّلاث ، وهي في منتصف الطّريق بين عمان وعدن ؛ لأنّ المسافة في السّفن الشّراعيّة بالرّيح المعتدل من مسقط إلى ريسوت أربعة أيّام ، ومن ريسوت إلى المكلّا يومان ، ومن المكلّا إلى بير عليّ نصف يوم ، ومنها إلى عدن يومان .. فالوصف منطبق على ريسوت ظفار أكثر منه على حصن الغراب.

ومنها ـ أعني «صفة جزيرة العرب» ـ : (أنّ شطوط بحر العرب (٣) : مثل سفوان

__________________

(١) وقد قتل فيها الحبوظيّ ، وتفاصيل هذه الواقعة التّاريخيّة مذكورة في «العقود اللّؤلؤيّة في تاريخ الدّولة الرّسوليّة» (١ / ٢٠٧ ـ ٢١٦) ، و «تاريخ حضرموت» للحامد (٢ / ٦٠٢ ـ ٦٠٤) ، وغيرها.

(٢) والتّحقيق في وفاة الهمداني : أنّه توفّي بعد سنة (٣٤٤ ه‍) ، حقّق ذلك العلّامة محمّد بن عليّ الأكوع في مقال نشر في (مجلّة المجمّع العلميّ العربيّ) بدمشق ، المجلّد رقم (٢٥) (ص ٦٢) ، بتاريخ ربيع الأوّل (١٣٦٩ ه‍). وأورد ذلك التّحقيق العلّامة حمد الجاسر في مقدّمة «صفة الجزيرة» المطبوع.

(٣) شطوط ـ جمع شاطىء ـ وهو : جانب النّهر والبحر.


وكاظمة وأغباب مهرة وسفلى حضرموت والأحقاف وتيه أبين وفلاة الفرسان وحيق بني مجيد) اه [٢٤٠].

وحيق بني مجيد : هو ثغر عدن ، ولعلّه منهم آل ماجد الآتي ذكرهم في تريم ؛ بأمارة أنّ العرب يقولون عن الملّاح الخبير الآتي ذكره معهم : (أحمد باماجد) ، والإفرنج يقولون : (أحمد بن مجيد) .. فالأمر قريب من بعضه ، ويأتي أنّ في تأليفه ما يصرّح بأنّه من عمان. والله عالم.

وفي «القاموس» : (أنّ غبّ القمر موضع ما بين الشّحر وظفار).

وقال الطّيّب بامخرمة : (وغبّ القمر هو المعروف اليوم بعشّة القمر ، وهو موضع خطر ، إذا سقطت إليه السّفن .. قلّ أن تسلم) اه

وقال الهمدانيّ [٢٤٠] : (ورؤوس هذا البحر ـ يعني بحر العرب ـ المتعالمة بالخطر والصّعوبة : الفرتك ، ورأس الجمجمة ، وباب المندب).

ثمّ ذكر غيرها ممّا لا حاجة بنا إليه ، وسيعاد بعض ما هنا قبيل القسم الثّاني ، فلا مؤاخذة.

ورأس الفرتك قريب من حصويل ، والملّاحون يعرفون غبّ القمر ويسمّونه : (غبّة) ؛ لأنّه في البحر لا في البرّ ، وهي قرية قريبة جدّا من ظفار ، وقد مرّ بك قريبا عن الهمداني ما يفيد أن أغباب المهرة هي شواطىء ، مع أنّ الملّاحين لا يعرفونها ؛ إلّا أغبابا بحريّة ، وأذكرها بينهم : غبّة قمر ، ومن المرافىء الّتي تقرب منها : غيضة غبة القمر ، وهيراك غبة قمر ، وفوري غبة قمر ، وخور خلفوت غبة قمر ، ورأس نشطون آخر غبة قمر ، وكلّها واقع بين غيضة ابن بدر وجبل يقال له : رأس الغنطاس ، وهو شرقيّ رأس الفرتك.

ورأيت في «الشّهاب الرّاصد» : (أنّ ضابطا إنكليزيّا نقل بعض النّقوش الّتي في حصن الغراب ، وعرضها على العلماء العارفين ، فإذا فيها : أنّ سميفع أشوى وأولاده نقشوا هذا التّذكار في حصن مريجت ـ غراب ـ لمّا وصلوا أسوارهم ، ومهّدوا دروبهم ، وتحصّنوا فيه ، بعد أن فتحوا اليمن وغلبوا أهلها ، وفتحوا طريق التّجارة في أرض حمير ، وقتلوا ملكها وأقياله (١) الحميريّين.

__________________

(١) أقياله : الملوك الّذين تحت يد الملك الكبير.


وشبيه أن يكون هذا المقتول هو ذا نواس الحميريّ ؛ فإنّه الّذي قتله الأحباش) اه

وفي مذكّراتي عن بعض التّواريخ اليمنيّة أنّ أوّل نائب من جهة الحبشة كان عربيا مسيحيا يقال له : (سيمافع أشوع) ، ثم تبعه أبرهة المشهور. اه وهي فائدة حسنة ؛ لتقارب الاسمين.

وسمعت أنّ هذا الضّابط الّذي نقل النّقوش يقال له : (والستماد) ، وهو صادق في قوله : (أنّ الأحباش قتلوا ذا نواس) ؛ لأنّهم إن لم يقتلوه مباشرة .. فقد ألقى بنفسه في البحر ، لمّا انهزم من أرياط وأبرهة الحبشيّين.

وذو نواس هذا هو الّذي أجبر أهل نجران على التّهوّد ، وخدّ لهم الأخدود ، فكان في غزو الأحباش له انتصار للمسيحيّة ، وأخذ بالثّأر (١).

أمّا مدّة الأحباش باليمن : فقد كانت قصيرة ، حسبما هو مفصّل «بالأصل».

وموجود في «سيرة ابن هشام» [١ / ١٥١] وغيرها : (وأوّل من ملك منهم أرياط ، بعثه صاحب الحبشة على جيوشه لمّا تهوّد ذو نواس ، وأحرق الإنجيل .. ففتح أرياط اليمن واستقرّ في ملك ذي نواس ، ثمّ ملك بعده أبرهة الأشرم ، وهو صاحب الفيل ، ثمّ ملك بعده ابنه أكسوم (٢) ، ثمّ ملك بعده أخوه مسروق ، وهو آخر من ملك اليمن من الحبشة ، وذلك أنّ سيف بن ذي يزن استعاذ بكسرى على مسروق .. فأمدّه بجيش ، ففتح به اليمن ، وبقي نائبا عن كسرى حتّى قتله بعض من استخلصه من

__________________

(١) الملك هذا هو : الملك ذو نواس الأصغر ؛ واسمه : زرعة بن عمرو بن زرعة الأوسط ابن حسّان الأصغر بن عمرو بن زرعة الأكبر ابن عمرو بن تبّع الأصغر بن حسّان بن أسعد تبّع.

وهو صاحب الأخدود ، سمّي يوسف لما تهوّد ، وقيل : سمّي ذا نواس ؛ لذؤابتين كانتا تنوسان على رأسه. وكان على دين اليهود ، فشكا إليه يهود نجران غلبة النّصارى .. فنهض بالجنود إلى نجران فحفر الأخدود ، وأضرم النّار فيه ... وفيهم نزلت الآيات.

ثمّ ذكر أنّ : ذو ثعلبان الأصغر الحميري مضى إلى النّجاشيّ ـ ملك الحبشة ـ وكان نصرانيّا واستغاث به .. فأرسل معه قائدا على رأس جيش عداده ثلاثون ألفا .. فغدر بهم ذو نواس ، وقتل منهم أعدادا كثيرة ، فغضب نجاشيّ الحبشة فأرسل جيشا أعظم من الأوّل على رأسه أرياط وأبرهة .. فلمّا لاقاهم ذو نواس ورأى عجزه عن قتالهم .. اقتحم البحر بنفسه وفرسه ، فغرق فيه. اه بتصرّف يسير واختصار من : «خلاصة السّيرة الجامعة» (١٧٥ ـ ١٧٦).

(٢) في «سيرة ابن هشام» : (يكسوم). والله أعلم.


الحبشة ، فولّى كسرى وهرز مكانه ، ولمّا هلك .. أقام كسرى المرزبان ، ولمّا هلك .. أقام خذ خسرو ، ثم عزله ، وولّى باذان ، وفي عهده كانت البعثة .. فأسلم باذان وفشا الإسلام باليمن ، وتتابعت منه الوفود على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وبقي باذان نائبا على اليمن حتّى مات بعد حجّة الوداع ، فولّى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ابنه شهرا على صنعاء ، وعلى كلّ جهة واحدا من الصّحابة إلى أن خرج الأسود العنسيّ .. فقتل شهر بن باذان ، وأخرج عمّال النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من اليمن ، ولمّا قتل .. عادوا إلى أعمالهم) اه من «صبح الأعشى» [٥ / ٢٥ ـ ٢٦].

وقد دخلت بير عليّ تحت الحماية الإنكليزيّة على يد والي عدن لذلك العهد ، المسمى : هرغ.

وسلاطينها : محسن بن صالح ، وصالح بن أحمد بن صالح ، وعبد الله بن أحمد بن صالح ، وناصر بن حسين بن محسن ، وبو بكر بن حسين بن محسن ، وصالح بن عبد الله بن صالح بن محسن ، وعليّ بن عبد الله بن صالح بن محسن ، وناصر بن طالب بن هادي بتاريخ (٢٠) أبريل سنة (١٨٨٨ م).

وبالحجاز حصن خراب يقال له : حصن الغراب ، وهو الّذي يقال له أيضا : حصن الهجوم. قال ابن المجاور في (ص ٢٠) من «تاريخه» : كان جبلا مدورا في قاع صفصف ، حوله قلعة بنيت بالحجارة المنحوتة ، طول كلّ حجر سبعة أذرع في عرض ثلاثة ، يحاذي طوله ذروة ذلك الجبل ، وقد فتح النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ذلك الموضع ، وبقي الحصن بحاله حتّى انتهى الملك إلى قتادة بن إدريس .. فهدمه ؛ كي لا يعتصم به الأعراب ، وسمّي الآن : حصن الغراب. والله أعلم بحال هذا الخبر ؛ ففي الكتاب كثير من الأقاصيص الّتي لا تطمئنّ إليها النّفس. قال : وهو من بناء الأنباط اليونانيين ، وليس من بناء العرب ؛ لأنّه لا يتدبّر لهم فيه عمل ، ولا يصلح على أيديهم .. فلا يتصوّر في خواطرهم ، وإنّما هو وما أشبهه من عمل الجبابرة ، وحكمة الأوائل. اه مختصرا بالمعنى ، ويأتي في هذا الكلام ما سيجىء عليك في العرّ.


عزّان (١)

هو في شمال بالحاف ، على مسافة ثلاثة أيّام منها للجمال.

وهو حصن آل أحمد بن هادي ، وقد جرت لهم خطوب ، وتقلّبت بهم الأحوال ، حسبما فصّل «بالأصل».

وفي غربيّ عزّان على مسافة ساعتين بالتّقريب .. تكون حوطة الفقيه عليّ.

حوطة الفقيه

هي بلاد تجاريّة معمورة ، في غربيها على بعد تسع ساعات للجمال يكون : موقع حبّان ، ومنها إلى يبعث في شرقيها مرحلتان بسير الأثقال (٢).

والحوطة المذكورة منسوبة للشّيخ الجليل : عليّ بن محمّد بن عمر بن راشد بن خالد بن مالك ، المالكيّ نسبا ، الشّافعيّ مذهبا.

وبها كانت وفاته أوائل سنة (٨٣٢ ه‍) ، وعليه قبّة كبيرة إلى جانب جامعه الّذي كانت عمارته في سنة (٧٧١ ه‍).

وقال الطّيّب بامخرمة في مادة (الرّحبي) : (إنّ باليمن بقرب قرية محفن ـ المعروف بحصن المخارم الكنديّين ـ قرية يقال لها : الرّحبة ، أنشأها الفقيه العالم ، الصّالح الورع : نور الدّين عليّ ابن جمال الدّين محمّد بن عمر المالكيّ.

قدم والده من أبين ، ثمّ أقام بالمصنعة ـ وهي حبّان ـ فأولد الولد الصّالح عليّا

__________________

(١) كانت عزان هذه عاصمة السلطنة الواحدية قبل استقلال الجنوب في (١٩٦٧ م) ، وهي من أعمال محافظة شبوة ، وقد أقيم بجوارها جسر يربط مناطق وأنحاء ميفعة بغيرها من مديريات شبوة. ويوجد في عموم اليمن (٢٢) اثنان وعشرون موضعا كلها تحمل نفس هذا الاسم ، أوردها المقحفي في «معجمه».

(٢) أي : بسير الجمال المحمّلة بالأثقال.


المذكور ، والفقيه شرف الدّين إسماعيل ، والفقيه إسرائيل ، والفقيه أبا بكر.

وكانت هذه الرّحبة مواتا ، طلبها من أهل تلك الجهة ، وبنى بها جامعا حسنا ، وفطر (١) فيها آبارا ، وأولد فيها أولاده الفقهاء يطعمون الطّعام.

توفّي الفقيه عليّ بالمحرّم سنة (٨٣٢ ه‍) ، كذا ذكره القاضي مسعود). هذا آخر كلام الطّيّب ، وهو موافق لما تقدّم (٢).

روضة بني إسرائيل

هي واقعة في شمال حوطة الفقيه عليّ ، منسوبة إلى أخيه إسرائيل بن محمّد ، وهم بيت علم وصلاح ، ولهم مؤلّفات وفتاويات كثيرة في فقه الإمام الشّافعيّ ، منهم : الشّيخ الشّهير محمّد بن عبد القادر ، مؤلّف «غرائب القرآن»وغيره ، ذكره صاحب«المشرع» في (ص ١٩٨ / ج ٢) (٣).

وقد صدر لإسماعيل ـ المذكور في كلام بامخرمة ، أخي إسرائيل هذا ـ مرسوم سلطانيّ بولاية القضاء من باب بروم إلى باب أبين وما بينهما من القرى ، مثل : دثينة وأحور وميفعة والعين وغيرها.

__________________

(١) فطر : ابتدأ واخترع. قال ابن عبّاس رضي الله عنهما : كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض .. حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ؛ أي : أنا ابتدأت حفرها.

(٢) النسبة (١٣٠ خ).

(٣) ذكره في «المشرع» (٢ / ٤٣٥) ، في ترجمة السّيّد عبد الله بن محمّد صاحب الشّبيكة القديم ، المتوفّى بمكّة المكرّمة سنة (٩٧٤ ه‍). والفقيه محمّد بن عبد القادر الإسرائيليّ هذا .. معدود من تلامذة السّيّد صاحب الشّبيكة المذكور ، وقد ترجم له في «تاريخ الشّعراء» (١ / ٢١١ ـ ٢١٣) ، وأورد نسبه مغايرا لما هنا .. فقال : محمّد بن عبد القادر بن أحمد بن أبي بكر بن إسرائيل بن إسماعيل بن محمّد بن عمر .. وما ورد في «عقد اليواقيت الجوهرية» (٢ / ١١٦) يؤيّد هذا.

ولد الفقيه محمّد بن عبد القادر في روضة أجداده سنة (٩٥٧ ه‍) ، ونشأ محبّا للعلم وأهله ، وطلبه أوّلا على أبيه ، ثمّ على علماء عصره ، وكان له ولآبائه وجاهة دينيّة بوادي حبّان ، ولهم بها ثروة وأراض .. توفّي في (١٨) رجب (١٠١٥ ه‍).


وكان ذلك المرسوم بتاريخ (١٠) محرّم سنة (٨١٥ ه‍) ، وكانت وفاة إسماعيل هذا بمدينة حبّان في (٧) ربيع الثّاني سنة (٨٣٥ ه‍) (١).

ولإسماعيل بن محمّد بن عمر هذا ذكر كثير في «مجموع الجدّ طه بن عمر» ، وهو ممّن أفتى بصحّة العهدة المعروفة بحضرموت.

ميفعة (٢)

هي أرض واسعة ، فيها قرى وآبار كثيرة ، عاصمتها قرية في أثنائها تسمّى : أصبعون ، على شفا جرف هار من الدّمار.

وهي في شرقيّ عزّان ، بينها وبينه مسافة نحو ساعتين ، ومن أرباض ميفعة في جنوبها : الصّعيد ، وجول آل عبد المانع ، والحوش ، ورضوم ، وفي شمالها : الرّقّة ، والعطوف ، وريدة آل بارشيد.

__________________

(١) هذه التّولية صدرت من حاكم اليمن كما في «الشّامل» (ص ٦٨) ، وكان الحاكم آنذاك ـ أي في عام (٨١٥ ه‍) ـ هو الملك النّاصر أحمد بن إسماعيل بن العبّاس بن عليّ بن داود بن يوسف بن عمر بن عليّ بن رسول الرسولي الغسّاني ، الّذي تولّى حكم اليمن من سنة (٧٧٨ ه‍) إلى سنة وفاته عام (٨٢٩ ه‍) ، كما في «بلوغ المرام في شرح مسك الختام فيمن تولّى ملك اليمن من ملك وإمام» (ص ٤٦).

وقد أورد الحدّاد نصّ التّولية ورسالة الشّيخ العلّامة عبد الرحمن بن حيدر الشّيرازيّ لبعض قضاة اليمن في التّعريف بحال العلّامة الشّيخ إسماعيل الإسرائيلي ، ولا نطيل بإيرادها .. فليطالع «الشّامل» (٦٨ ـ ٦٩)

(٢) ميفعة غير ميفع ، وبينهما (١٠٠) كيلومتر تقريبا ، وميفعة واد في جنوب حبّان من أعمال محافظة شبوة ، وسمّي باسم ميفعة القديمة التي كانت عاصمة مملكة حضرموت القديمة في عصور ما قبل الإسلام ، والتي كانت مركزا تجاريا ذات أسوار عالية ومعابد مما يدل على أنها كانت ذات شأن. وقد تعرضت ميفعة القديمة للخراب من جراء السيول ، فقامت بدلا منها مدينة جول الريدة وهي الآن عاصمة مديرية ميفعة ، وتقع المدينة القديمة بمحاذاة الطريق الإسفلتية التي تربط بين شبوة وحضرموت بالقرب من عزّان.

ويدخل في حدود مديرية ميفعة : عزان ، بلحاف ، بير علي ، الروضة ، الصدارة ، وادي عماقين ، جول بن نشوان ، فرتك ، رأس الكلب ، وعين بامعبد ، وغيرها.


وفي عطفها : جماعة من أعقاب السّيّد فدعق بن محمّد بن عبد الله بن امبارك بن عبد الله المشهور بوطب.

ولآل باقطميّ (١) اعتقاد في شريفة مقبورة هناك ، يقال لها : علويّة ، يشاع أنّها من آل البغداديّ ، والأثبت : أنّها من آل جنيد سكّان عزّان.

ومن شرطهم : أن لا يكون القائم بمنصبتها (٢) إلّا بنت بكر من أسرتها ، ولا يمكن لها أن تتزوّج.

وعلى منصبتها اليوم شريفة يقال لها : سيده ، تبرز للرّجال وتحادثهم ، ولها جاه واسع لدى آل باقطمي وغيرهم ، وهي تكرم الضّيفان.

وفي ميفعة كانت وفاة الشّيخ عبد الله الصّالح المغربيّ (٣) ، وكان من خبره : أنّ الشّيخ أبا مدين أرسل بخرقة التّصوّف (٤) للفقيه محمّد بن عليّ بن محمّد ، بمعيّة الشّيخ

__________________

(١) باقطميّ ـ بضمّ القاف ـ : قبيلة من آل بابحر من نعمان. كما في «إدراك الفوت في ذكر قبائل حضرموت». وآل نعمان من عرب حمير .. وفي «الشّامل» (ص ٧٠ ـ ٧٣) .. تفصيل واف شاف لهذه القبائل وأصولها.

(٢) المنصبة : هي القيام في مقام الشّخص الوجيه ، أو المعتقد ، وهو عرف عامّ في حضرموت كلّها ، بل وفي تهامة اليمن .. فعندما يظهر شخص بمظهر دينيّ أو زعامة روحيّة ويأتيه النّاس من كلّ مكان ، ويطير صيته في الآفاق .. يخلفه بعد وفاته أحد أبنائه ، وهكذا دواليك يستمرّ الاستخلاف في الذريّة ، الأصلح فالأصلح ، وقد قام المناصب في حضرموت بأدوار تاريخيّة وسياسيّة كبيرة وكثيرة على مرّ العصور.

(٣) وفي «المشرع» (٢ / ١١) : أنّه من تلامذة الشّيخ عبد الرّحمن الحضرميّ المغربيّ.

(٤) خرقة التّصوف : هي ما يلبسه المريد من يد شيخه الّذي يدخل في إرادته ويتوب على يده ، وقد صنّف وتكلّم جمع من السّلف الأكابر في الإلباس وحكمه وبيان أصله الشّرعيّ ؛ منهم :

١ ـ الحافظ جلال الدّين السّيوطي في رسالته المسمّاة «إتحاف الفرقة برفوّ الخرقة» مطبوع ضمن المجلد الثاني من «الحاوي للفتاوي» : (١٩١ ـ ١٩٧). أثبت فيها سماع وأخذ الحسن البصريّ من الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.

٢ ـ السّيّد الشّريف الإمام أبو بكر العدنيّ بن عبد الله العيدروس (ت ٩١٤ ه‍) في كتابه «الجزء اللّطيف في التّحكيم الشّريف». مطبوع.

٣ ـ السّيّد الإمام الشّيخ عليّ بن أبي بكر السّكران بن عبد الرّحمن السّقّاف (ت ٨٩٥ ه‍) بكتاب سمّاه : «البرقة المشيقة في ذكر لباس الخرقة الأنيقة» ، طبع بمصر في مجلّد لطيف سنة (١٣٤٧ ه‍).


عبد الرّحمن بن محمّد الحضرميّ (١) ، فأدركته الوفاة بمكّة المشرّفة ، فعهد للشّيخ عبد الله الصّالح المغربيّ بإيصالها للفقيه المقدّم ، فألبسه إيّاها ، وغضب لذلك شيخه عليّ بامروان ، وقال له : أذهبت نورك بعد أن رجوت أن تكون كابن فورك ، فتفقّرت.

فقال له الأستاذ الفقيه المقدّم : الفقر فخري.

ثمّ سار الشّيخ الصّالح لإلباس الشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ عن إشارة الشّيخ أبي مدين ، ثمّ توجّه إلى ميفعة ، وفي طريقه إليها ألبس صاحب عورة : الشّيخ باعمر ، عن نفسه لا عن الشّيخ أبي مدين ، ولمّا صعد إلى ميفعة .. اتّصل بباحمران.

وذكر الشّلّيّ [٢ / ١٢] وغيره : أنّ الفقيه المقدّم سار إلى ميفعة لعيادة الشّيخ عبد الله الصّالح ـ وكان بلغه توعّكه (٢) ـ وهناك اجتمع به وبتلاميذه ، وشهدوا وفاته ودفنه بميفعة ، ولم يذكروا تاريخ موته ، غير أنّه كان قبل موت الفقيه الّذي كانت وفاته سنة (٦٥٣ ه‍).

ومن العجب أنّ العلّامة السّيّد عليّ بن حسن العطّاس يقول في «سفينة البضائع» : (إنّ الفقيه المقدّم ، والشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ ، والشّيخ عبد الله بن عمر صاحب الدّلق ، والشّيخ باحمران .. اجتمعوا بشيخهم الشّيخ عبد الله الصّالح المقبور ببلد كنينة ـ بلد بالشّقّ البحريّ ، قريب من حجر ـ وهي الجهة الّتي يقال لها : ميفع) اه (٣)

__________________

٤ ـ العلّامة المسند الحافظ الشّريف أحمد بن محمّد الصّدّيق الغماريّ الحسينيّ المغربي (ت ١٣٨١ ه‍) بكتاب حافل جليل سمّاه : «البرهان الجلي في تحقيق انتساب الصوفية إلى علي» ، ط بمصر سنة (١٣٨٩ ه‍) ، وقد عقد فصلا في آخر هذا الكتاب ذكر فيه أئمة علماء المسلمين ممّن لبسوا الخرقة ، ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني وتلميذاه السّخاويّ والسّيوطيّ والشّيخ زكريّا الأنصاريّ .. وغيرهم. وينظر : «أدوار التّاريخ الحضرميّ» (١ / ٢٥٣ ـ ٢٥٧).

(١) المعروف عند المؤرّخين بالمقعد ؛ لمرض أصابه فأقعده عن الحركة. وهو حضرميّ مغربيّ .. كذا في «المشرع الرّويّ» ، فلعلّ أصله من حضرموت كما هو حال كثير من أعلام المغرب كابن خلدون ، ويؤيّد هذا وصف الشّليّ له بأنّه : (من أكابر تلامذة الشّيخ أبي مدين) .. «المشرع» (٢ / ١١).

(٢) التوعّك : التّعب الّذي يجده الإنسان من المرض ، أو هو أذى الحمّى.

(٣) سفينة البضائع (خ ١ / ٦٤).


ففيه أوهام ، وكأنّ النّظر انتقل عليه من ميفعة إلى ميفع ، ثمّ ما كان الشّيخ الصّالح بشيخ للمقدّم ولا للعموديّ ، وإنّما هو سفير محض في إيصال الخرقة لهما (١).

ونقل الحبيب شيخ الجفريّ في «كنز البراهين» عن الشّيخ عبد القادر العيدروس : (أنّ الشّيخ عبد الله الصّالح لمّا رجع إلى حضرموت .. أقام بميفعة ، وهي بلد أقصى حضرموت ، قريب من ساحل عين بامعبد ، وتزوّج بقرية من قراها ، يقال لها : السوق ، أعلى من أصبعون ، فوق الرّبوة ، وكان له بنتان ؛ حمادة ومحمودة ، فلمّا مرض .. جاء المشايخ الّذين حكّمهم رضي الله عنهم يزورونه ، وهم : الفقيه المقدّم ، والشّيخ سعيد العموديّ ، وباعمر ، وباحمران ، وقالوا : تشير إلى أحد بعدك؟ فسكت ساعة ، ثم قال : يا أولادي ؛ ما استقلّ منكم إلّا صاحب السّبحة ، وأنتم مشايخ ، وميراثي أرباع بينكم ، والبنتان على يدك يا شيخ سعيد ، فلمّا مات .. قسموا ميراثه بالقرعة ، فخرج المشعل والقدر للشّيخ سعيد ، والسّبحة والعكّاز للفقيه المقدّم ـ فكان هو المشار إليه بالاستقلال ـ والدلق لباعمر ، صاحب عورة ، والحبوة والبسطة لباحمران. وقبر الشّيخ الصّالح بأصبعون) اه

وقسمة الميراث بين هؤلاء إشكال ؛ لأنّه إن أراد السّرّ .. غبّر عليه ذكر المقتسمات ، ولعلّ المراد الوصيّة ، والسّرّ تبع لما جرت فيه القسمة ، ثمّ إنّ قوله يا أولادي لا يخالف ما نقلوه أن ليس له مشيخة على الفقيه ولا على العموديّ ؛ إذ لا مانع من التّغليب وتقدّم السّنّ.

وفي ميفعة باحمران آخر غير الأوّل ، هو من تلاميذ السّيّد عبد الله باعلويّ (٢).

وكان في ميفعة جماعة من علماء الإباضيّة ، حسبما يعرف من شعر الإمام إبراهيم بن قيس الآتي في ذكر شبام.

__________________

(١) الّذي في «المشرع الرّويّ» (١ / ١٢) ، وكما تقدّم قريبا من قول المؤلّف رحمه الله : أنّ الشّيخ الصّالح ألبس باعمر وباحمران عن نفسه لا عن الشّيخ أبي مدين كما فعل مع الفقيه المقدّم والعموديّ .. فلعلّ الحبيب عليّ بن حسن أراد بقوله : (شيخهم) التّغليب ، أو هو شيخهم مجازا لا على الحقيقة ، والله أعلم.

(٢) كذا ورد في «المشرع» (٢ / ٤٠٦) ، بالنّصّ.


أمّا سلطنة ميفعة وحبّان : فقد كانت في القرن التّاسع للدّولة الطّاهريّة (١).

وأمّا في القرن العاشر .. فسلطنة حبّان للواحديّ ، ومنهم : عبد الواحد بن صلاح بن عبد الله بن عبد الواحد بن صلاح بن روضان ، وهو ممدوح الشّيخ محمّد بن عبد القادر بن أحمد الإسرائيليّ.

توفّي عبد الواحد المذكور في سنة (٩٩١ ه‍) وسلطنة ميفعة لابن سدّة.

وكثيرا ما جاء ذكره في «ديوان» الشّيخ عمر بن عبد الله بامخرمة ، فمن ذلك قوله يهيّج بدر بوطويرق عليه :

فالمره زاهله للعقد ما عاد عدّه

ما تبا الّا حصانك قل لعبدك يشدّه

حجر في شهرنا والعولقي وابن سدّه

وهو (٢) وآل عبد المانع وآل ابن عبد الواحد سلاطين الظّاهر ، يرجعون إلى بني أميّة في النّسب (٣).

__________________

(١) الدّولة الطّاهرية : نسبتها لطاهر بن تاج الدّين بن معوضة اليمنيّ ، تمكّن أبناؤه من تأسيس دولتهم الطّاهريّة في اليمن سنة (٨٥٨ ه‍) ، على أنقاض دولة بني رسول ، استمرّت أكثر من سبعين سنة لتنتهي قبيل دخول الأتراك العثمانيّين إلى اليمن سنة (٩٣٣ ه‍).

(٢) أي : ابن سدّة.

(٣) هذا النّصّ ممّا كثر تداوله عند متأخّري المؤرّخين والنّسّابة ، وكلّ منهم ينقله عن الآخر ، وليس فيه تحقيق ولا تمحيص .. ولكنّ السّيّد المحقّق العلّامة علويّ بن طاهر الحدّاد تكلّم عنه وعن عدم الاعتناء بالنّسب وكثرة التّلاعب فيه من قبل من لا يحسن هذا الفنّ ، في «الشّامل» (٥٣ ـ ٥٥).

وأنقل هنا بعض كلامه لشّدة أهميّته ، قال رحمه الله وطيّب ثراه : كانت كندة تسمّى (كندة الملوك) ؛ لتطاولهم إلى الملك وحرصهم عليه ، وكانت العرب تعترف لهم بذلك ...

... ولعل وجود اسم (معاوية) في أنسابهم ـ أي ولاة حبّان ـ هو الّذي حمل أصحاب التّعاليق على نسبة ولاة حبّان إلى بني أميّة ؛ لأن عامرا هو ابن وهب بن معاوية الأكرمين الكنديّ ، وأهل الزّمن الأخير قد تركوا البحث في الأنساب ، وخلت أيديهم من كتبها ، فإذا سمعوا بقيّة إشاعة عن نسب .. فهموه على ما عندهم من قلّة العلم ، وهم إنّما يعلمون أنّ معاوية كان من بني أميّة لشهرته عندهم ، ولا يعلمون أنّه كان في حضرموت وجهاتها كمّ من معاوية. وفي كندة قبيلة تسمّى : (يزيد بن معاوية) ، ومنهم بقيّة إلى الآن ، فلعلّ ذلك مصدر ما جاء في بعض التّعاليق : (أنّ ابن سدّة ، وباواحدة ، حرّاث بحضرموت .. أمويّون من ذريّة يزيد بن معاوية ، وأنّ آل عبد المانع بالجول


وفي حوادث سنة (٩١٥ ه‍) من «تاريخ شنبل» [ص ٢٣٧ ـ ٢٤٨] : أنّ عبد الودود بن سدّة صال على بيحان ، فأفسد ضمرا (١) فيها ، ثمّ لاقاه آل بيحان مع رجوعه عن واديهم ، فقتلوا من عسكره أكثر من عشرين ، وأخذوا عليه عبيدا وعتادا وأسلحة.

ومنه : في أخبار سنة (٩١٧ ه‍) [ص ٢٥٣] : توفّي السّلطان العادل عبد الودود بن سدّة.

وينهر إلى ميفعة كلّ من جبال عمقين (٢) ووادي هدى ووادي سلمون ، وكان بينها وبين وادي حبّان جبل يمنع من وصول مائه إليها ، ولكنّ أحد الملوك السابقين فتح فيه نفقا يخترقه ، فصار ماء حبّان يفيض فيه إلى ميفعة. كذا أخبرني بعضهم عن مشاهدة ، وإنّها لأمارة ملك ضخم وسلطان عظيم.

وما بين عطف ميفعة المسمّى عطف بالرشيد وميفعة .. آثار مدينة قديمة يقال لها : الهجر (٣) ، كان يقال : إنّها ثاني بلاد ذلك الصّقع بعد مدينة شبوة ، ولا تزال آثارها ماثلة وأساطينها قائمة ، وعليها كتابات كثيرة بالمسند ، وحجاراتها منجورة ،

__________________

قرشيّون أمويّون ، ومنهم آل عبد الواحد سلاطين الظّاهر. اه ومع أنّ آل عبد الواحد ليسوا سلاطين الظاهر .. فالقول بنسبتهم إلى بني أميّة وهم من الأوهام. وقد جاءت جيوش المنصور العبّاسيّ مع معن بن زائدة فما تركت من متردّم ، فكيف يصحّ أن تترك أحدا من بني أميّة حتّى يملك ويتسلطن ، وهم قد قتلوا من أهل حضرموت في وقعة واحدة خمسة عشر ألفا لأنّهم خوارج ، فكيف لو كان أحد منهم مع ذلك من بني أميّة أعدائهم الألدّاء؟! ... إلخ وهو كلام محرّر نفيس.

(١) الضّمر ـ بضمتين ، جمع ضمير ـ وهو : السّدّ الصّغير الّذي يبنيه المزارع ليستفيد من مياه السّيول والأمطار.

(٢) وادي عمقين : بفتح العين والميم ، وقد أطنب في وصفه صاحب «الشامل» (ص ٤٧) بما لا مزيد عليه .. فلينظر هناك.

(٣) يوجد بحضرموت ثلاثة مواضع تسمّى (الهجر) .. وردت في كتاب «تاريخ اليمن القديم» وهي : (هجر الناب) بوادي مرخة ، وفيه آثار قديمة ، لعلّها تعود إلى عهد مملكة أوسان. و (هجر كحلان) وهذا بمنطقة بيحان ، وهو موقع مدينة تمنع ، عاصمة الدّولة القتبانيّة الّتي يعود عهدها إلى القرن العاشر أو الحادي عشر قبل الميلاد. و (هجر بن حميد) وهو العاصمة الجديدة لمملكة قتبان بعد خراب تمنع ، وهذان الهجران الأخيران لعلهما الأقرب إلى مراد المصنّف رحمه الله.


وضخامتها تدلّ على أنّه كانت عندهم آلات غريبة للنّقل ؛ لأنّ نقل تلك الحجارة الضّخمة لا يسهل للجمال ولا للرّجال.

وقبائل ميفعة هم :

آل بابحر ، ينقسمون إلى أربع فصائل ؛ آل بارشيد ، وآل باقطمي ، وآل باديّان ، وآل بافقيه يقدّرون ـ حسبما أخبرني بعضهم ـ بأكثر من ألف وخمس مئة رام. والله أعلم بحقيقة الحال (١).

وما سبق من خرق الجبل ليس بالكبير في جانب ما ذكره ياقوت في مادة (مندب) [٥ / ٢٠٩] : (من أنّ بعض الملوك أراد أن يهلك عدوّه ، فندب الرّجال إلى المندب ـ وكان جبلا يحجز البحر ، ويمنعه أن ينبسط بأرض اليمن ـ فقدّوه ، فنفذ البحر إلى أرض اليمن ، وغلب على بلدان وقرى كثيرة ، وأهلك أمما ، وصار منه بحر اليمن الحائل بين أرض اليمن والحبشة ، الآخذ إلى عيذاب والقصير إلى مقابل قوص من بلد الصّعيد ، وعلى ساحله أيلة وجدّة والقلزم وغير ذلك من البلاد). والله أعلم.

هذا آخر كلام ياقوت ، وفيه من البعد ما لا يقبله العقل ؛ لأنّ هذا البحر المسمّى بالأحمر قديم جدّا ، ولأنّ المسافة ما بين رأس دمار الواقع في أفريقيا والجبل المسمّى المنهلي ـ المنسوب للشّيخ سعيد ، وفيه قلعة ـ تقرب من ثلاثين ميلا (٢) ، تمخرها كبريات السّفن بلا توقّف ، فما هو ـ إن صحّ ـ إلّا أمر عظيم لم يصل إليه الغربيّون الآن ، ولا إلى قريب منه ، وظاهر كلام ياقوت أنّه لذلك سمّي المندب.

وسمعت بعض أهل اليمن يقول : إنّما سمّي المندب لواقعة بتهامة كثرت القتلى فيها ، فانتشرت النّدبة (٣) فيه وفي كلّ ما وراءه من البلدان ، فلذلك قيل : باب المندب. والله أعلم.

__________________

(١) الّذي في «الشّامل» (ص ٧٢) : أنّ الباقطميّ يتراوح تقديرهم بين (١٥٠) و (٥٠٠) ، على اختلاف بين القائلين. ونعمان كلّها تقدّر بنحو (١٥٠٠) مقاتل.

(٢) يقدر عرض فتحة باب المندب بنحو (٢٤) كم فقط.

(٣) النّدبة : البكاء على الميت ، وتعداد محاسنه.


ثمّ زارني البحّاثة المؤرّخ سارجنت يحمل كتابا اسمه : «تاريخ المستبصر» طبع بليدن سنة (١٩٥١ م) ، مؤلّفه جمال الدّين أبو الفتح يوسف بن يعقوب الشّيبانيّ الدّمشقيّ المعروف بابن المجاور ، فإذا بعبارة ضعيفة ، ومناقضات وتجازيف تطلب كثيرا من البساطة ، وقد نقل في (ص ٩٥) منه عن المفيد بجياش ابن نجاح الحبشيّ قال : إنّ ذا القرنين لمّا وجد شدّة الحرّ .. نقب باب المندب ، فخرج البحر حتّى وقف عرق منه بالقلزم ، وحصل الفرق بذلك بين العرب والحبش ، وبنى بعض العرب على جبل المندب حصنا.

وقال في (ص ١٠٦) : إنّه كان لا يرى من عدن إلّا رؤوس الجبال ، حتّى فتح باب المندب ، فجرى البحر إلى القلزم وعرض وانبسط .. فبانت أرض عدن.

ومثله في (ص ١٠٧) و (١١٥) ، وغير ذلك ، ودلل في (ص ١٠٦) بما أكثره عليه لا له ؛ منه : أنّ شدّاد بن عاد لم يبن إرم ذات العماد إلّا ما بين اللّحيّة ولحج ، وبين المعادي الّتي على طريق المفاليس ، ولم يكن ثمّ بحر ، وإنّما استجدّ البحر بفتح ذي القرنين. اه مختصرا.

فإنّه لو كان موضع إرم ذات العماد مغمورا بالبحر .. لما أمكن البناء فيه ، وقد قال في (ص ١٤٨) : إنّ المعادي قريب من عدن ، فهل كان قاعا صفصفا ثمّ انغمر بالبحر حتّى كان فتح ذي القرنين لباب المندب فعادت إلى حالتها الأولى؟!

وسيأتي في العرّ أنّه اسم لجبل عدن ، وقال ابن المجاور في (ص ١٠٧) ناقلا عن «تفسير أبي عبد الله الكبيساني» : لمّا خرج شدّاد بن عاد من أرض اليمن .. طالبا أعراض حضرموت ، ووصل لحجا .. نظر جبل العرّ في مسافة بعيدة ، فقال لأصحابه : اغدوا فانظروا ما دون هذا الجبل ، فقالوا : واد فيه شجر وأفاع عظام ، وهو مشرف على البحر المالح ، فنزل بلحج ، وأمر بأن تحفر الآبار الّتي يشرب منها أهل عدن ، وأمر أن ينقبوا له باب المندب في صدر الوادي ، واستعان عليه بعفريت من الجنّ ، فنقره له في سبعين سنة ، وتمّ له الأمر على ما أراد. اه باختصار ، فهذا كلّه شاهد بأنّ أرض عدن كانت كحالها اليوم في أيّام شدّاد ، وهو في غير موضع من


«تاريخه» ، مصرّح بتأخّر ذي القرنين عن شدّاد كما عليه النّاس ، ثمّ إنّه يعد كما في صفحة (١٤٧) بغرق عدن ، ورجوعها لجّة من لجج البحر ، وعلى الجملة .. ففي الكتاب تجازيف ـ كما قلنا ـ لا تبرك عليها الإبل ، ولا يسلّم بها من يعقل.

ومنها قوله بصفحة (٣٢) : إنّ بالحجاز نهرا يسمّى : نهر السّبت ، يشتدّ جريه ليلة الجمعة إلى غداة السّبت ، حتّى لا يقدر الإنسان يعبره ، ثمّ يسكن باقي الأسبوع ، ووراء هذا النّهر مئة ألف ألف من اليهود ما بين رجل وامرأة ، ولم يذكر الصّبيان.

أمّا زمن ابن المجاور مؤلّف الكتاب .. فيفهم من قوله في صفحة (١٥) رأيت في المنام ليلة السبت (٦) شعبان (٦٢٤ ه‍) ... إلخ ، وقوله في صفحة (٩٥) : حدثني بدوي من أهل البلاد بهذا المنزل سنة (٦١٩ ه‍) ... إلخ.

إلّا أنّ ذلك لا يلتئم مع ما ذكره في صفحة (١١٧) من خراب عدن إلى أن جاء الفرس ووقع سلطان شاه بن جمشيد بن أسعد بن قيصر في عدن ، وتوطّن بها ، فانعمرت بمقامه ، وكان يجلب إليهم ماء الشّرب من زيلع ، ثم بنوا الصّهريج لماء الغيث ... إلى أن قال : ووضع مربط فيله في سنة (٦٢٥ ه‍) ، فلمّا رأى ذلك .. تولى السّلطنة ، وذكر له من الألقاب ما تستحقر له الأقاليم الواسعة ، ومنها :

مالك رقاب الأمم ، سيّد سلاطين العرب والعجم ، غياث الدّنيا والدّين ، ركن الإسلام والمسلمين ، ظلّ الله في الأرض ، محيي السّنّة والفرض ، سلطان البرّ والبحر ، ملك الشّرق والغرب ... إلى غير ذلك من الأوصاف الّتي أضجرتني .. فتركت أكثرها ، ثمّ ذكر بعده ألقاب تسعة من ملوكهم ، كلّها ضخمة تتفسّخ منها الآكام ، ثم قال :

فهؤلاء ملوك العجم الذين تولّوا عدن ؛ فإنّ عمره لا يتّسع لزمان هؤلاء ، ما لم تكن مدّة كلّ منهم أقصر من ظمء الحمار (١) ، وبين يديّ الآن «صبح الأعشى» [٥ / ١٨ ـ ٣٣] وقد ذكر ملوك اليمن جاهليّة وإسلاما ، وجعلهم عشر طبقات : العادية ،

__________________

(١) مثل يضرب في شدة قصر المدة ، قال الميداني في «مجمع الأمثال» (٢ / ١٢٦): (قالت العرب ذلك ؛ لأنّ الحمار لا يصبر عن الماء).


فالقحطانيّة ، فالتّبابعة ، فالحبشة ، فالفرس الأولى ، فعمّال النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والخلفاء الرّاشدين ، فبنو زياد ، فبنو مهديّ ، فبنو أيّوب أصحاب مصر ، فبنو رسول ، ولم يذكر حرفا واحدا عن أولئك الّذين عظّم ابن المجاور من أمرهم حتّى كاد يبلغ بهم عنان السّماء ، وحسبك بذلك دلالة على صغرهم مع انطوائهم في ملك آل رسول.

ثمّ ابن المجاور ناقض كلامه ؛ إذ قال في ذكر خراب عدن صفحة (١٤٧) : قال قوم : تخرب عدن سنة (٦٤٧ ه‍) ، ودلّ على تصديق المقالة دخول نور الدّين عمر بن عليّ بن الرّسول إلى عدن يوم الأربعاء (٢٦) رجب سنة (٦٢٤ ه‍) ، وذكر من إرهاقه الرّعايا بالضّرائب الباهظة ، الّتي وضعها على كلّ شيء ما عدا السّمك والماء مدلّلا بذلك على ما تفرّسه من خراب عدن .. فما هو إلّا متخبّط في الأحلام والأوهام .. فكيف يزعم أنّ عدن عمرت بعد الخراب على يد سلطان شاه ، وسلطنته متأخّرة عن دخول عمر بن عليّ كما يفهم من كلامه السّابق ، على أنّ عمر بن عليّ بن رسول إنّما استقرّ على الملك بالنّيابة بعد أبيه ، ثمّ غلب عليه ، وخرج عن طاعة بني أيّوب ملوك مصر فتلقّب بالملك المنصور ، وكانت وفاة أبيه على ما في «صبح الأعشى» سنة (٦٣٠ ه‍) ، على أنّ الّذي في «التّاج» أنّه ـ أعني عليّ بن رسول ـ أوّل من عهد إليه الخليفة المستعصم قتيل هولاكو آخر ملوك بني العبّاس في العراق ، والّذي في «حياة الحيوان» [١ / ١٢٣] للدّميريّ : (أنّ بيعة المستعصم هذا لم تكن إلّا سنة «٦٤٠ ه‍») ، ومهما يكن من الأمر .. ففي كلام ابن المجاور أغلاط تمنع من الاعتماد عليه.

أمّا قوله : الرسول في قوله : عمر بن عليّ بن الرّسول .. فلا يستنكر منه ؛ لأنّ كثيرا من عباراته على هذا النّمط من الضّعف الّذي يخلج بالشّكّ في نسبته لعالم يتكلّم بلسان عربيّ مبين ، وسيأتي في ثبي عن الهمدانيّ أنّ عدن كانت محاطة بالجبال ، لا يظهر عليها إلّا من تسنّمها ، إلّا أنّ حمير فتحت لها بابا في الجبل تمرّ فيه المحامل والدّوابّ ، وهو مخالف لما سبق عن ابن المجاور ، ومن أنّ ناقره هو عفريت شدّاد ،


وبعد هذا رأيت سيّدي عبد القادر بن شيخ العيدروس ينقل في «النّور السّافر» عن «تاريخ ابن المجاور» هذا ، واسمه : «المستبصر» ، ومن جملة ذلك ما نقله عنه في (ص ٧١) في ذكر سدّ مأرب ، ولكنّه لا يسلم من الخبط ؛ إذ زعم أنّ الملك الّذي تواطأ مع ابنه على المشادّة والضّرب .. هو النّعمان بن المنذر ، وإنّما هو عمرو بن عامر كما ذكر السّيّد عبد القادر عن غيره ، وهو الّذي عليه المؤرّخون.

ميفع (١)

هو ساحل يبعد عن البحر بنحو ساعة ونصف ، في شرقيّ بير عليّ وغربيّ بروم.

عليه أراض واسعة ، وفيه مياه غزيرة تدفع إليه من حجر.

وفي أخبار الشّيخ عبد الله بن عمر بامخرمة ـ المتوفّى سنة (٩٧٢ ه‍) ـ : أنّ له مدائح في سلطان ميفع سند بن محمّد الوداد الثعيريّ (٢).

__________________

(١) ميفع الآن مركز إداري في الساحل الحضرمي ، وإليه تدفع مياه حجر وتذهب بعد ذلك إلى البحر عند رأس الرجيمة وحصن بن طالب ، وتكثر على جانبيه أحراج النخيل والأشجار والأعشاب. وفي عام (١٤١٧ ه‍) دهمه سيل عظيم فتح منافذ جديدة له في الأرض. وأغلب السكان فيه من قبيلة (نوّح) ، وأكبر بلدانه : السفال ، ثم جول الهنا ، وشرمه ، والغبره. وبالقرب من السفال تمر الطريق الإسفلتية الذاهبة شرقا إلى المكلا ، وغربا إلى وادي ميفعة.

(٢) ههنا حصل تصحيف من النّسّاخ أدّى إلى وجود هذه العبارة والمعلومة المغلوطة.

وتصويب العبارة : أن للعلامة الفقيه عبد الله بن عمر بامخرمة مدائح في سلطان ميفعة ـ وليس ميفع ـ واسمه أحمد بن محمد بن عبد الودود بن سدّة ، الذي كان يحكمها في منتصف القرن العاشر ، وكان حاكما لها سنة (٩٤٥ ه‍) حيث ذكره المؤرخ باسنجلة في «تاريخه» ، ونقله عنه صاحب «الشامل» (٦٩). ومنشأ الوهم والخطأ من نسخة «السنا الباهر» للشلي ، ويعلم ذلك من الآتي : ١ ـ عدم وجود قوم يقال لهم آل الوداد ، بل هم آل عبد الودود. ٢ ـ النسبة (الثعيري) لا تعرف ، إنما المعروف : الثّعيني ، وهم من بني ظنة. ٣ ـ أن آل سدّه معروفون بكونهم حكام المنطقة كما يؤخذ من «الشامل» وغيره. ٤ ـ تبع صاحب «السنا الباهر» في نقل هذا الخبر على علّاته عدد من المؤرخين ؛ منهم المصنف ، وباوزير في «الصفحات» وصاحب «تاريخ الشعراء». ٥ ـ النص الذي اعتمد عليه هؤلاء هو في حوادث سنة (٩٧٢ ه‍) في ترجمة بامخرمة من كتاب «السنا الباهر» (ص ٦٣٣) ، و (٦٣٧) من نسخة دار الكتب المصرية ، وهو نص محرف.


وقال السّيّد سالم بن أحمد المحضار : (وفي سنة «١٣١٤ ه‍» استولى الجمعدار (١) غالب بن عوض القعيطيّ على وادي ميفع ، أخذه بالشّراء الصّحيح من آل بامزاحم ، وآل باحفيظ ، وآل بامعبد.

ولمّا علم بذلك آل عبد الواحد .. رفعوا عليه دعوى في عدن وطال النّزاع ، ولكنّه انتهى بفوز القعيطيّ.

وفي سنة «١٣١٥ ه‍» بنى المصانع والحصون بميفع وساق الأكرة والعمّال من المكلّا ، وحصّنها بالعساكر ، وهي بالحقيقة أرض آل عبد الواحد ، ولكنّ القعيطيّ غلبهم عليها مع ضعفهم) (٢). هذا حاصل كلامه باختصار وتلطيف.

وقوله : (غلبهم القعيطيّ) لا يخالف ما قبله من قوله : (أخذه بالشّراء الصّحيح) ؛ لأنّ الشّراء واقع على ملك اليد ، والغلبة واقعة على الإمارة ، وقلّما تؤخذ إلّا غصبا.

قال المتنبّي [في «ديوانه» ١ / ١٢١ من البسيط] :

فالموت أعذر لي والصّبر أجمل بي

والبرّ أوسع ، والدّنيا لمن غلبا

وقال [في «ديوانه» ٣ / ١٤٧ من الخفيف] :

من أطاق التماس شيء غلابا

واغتصابا .. لم يلتمسه سؤالا

__________________

فائدة : كان وادي ميفع ـ وهو قطعة من وادي حجر ممّا يلي السّاحل ـ في القديم من أملاك كندة وفي القرن العاشر غار عليه آل سدّة حكّام ميفعة ، ثم كان لآل عبد الواحد بها ملك. اه «الشّامل» : ص (٧٤).

(١) الجمعدار : (رتبة عسكرية) كلمة هندية الأصل ، وتعادل هذه الرتبة في أيامنا رتبة ملازم أول ، وكانت تعني في عصر المؤلف : رئيس الجماعة ، وقد يصل عدد هذه الجماعة إلى ألفين أو أكثر من الجنود التابعين لجيش نظام حيدر آباد.

(٢) ومثله في «الشّامل» (ص ٧٤ ـ ٧٥) ، ولم يذكر فيه أنّها لآل عبد الواحد حقيقة كما هنا ، وزاد بعد هذا : (ولكنّ حمّى الصفرا وحمّى الوخم كانت تنقص من أعداد العسكر والعمّال ، ولم يستفد السّلطان منها شيئا يذكر) اه


وقال [في «ديوانه» ٢ / ٦٢ من الطّويل] :

إذا لم تجزهم دار قوم مودّة

أجاز القنا ، والخوف خير من الودّ (١)

وقال [في «ديوانه» ١ / ٦٠ من الطّويل] :

ومن تكن الأسد الضّواري جدوده

يكن ليله صبحا ومطعمه غصبا (٢)

وأصل المعنى فيما أحفظ : ما أنشده مروان يوم وثب على الملك بعد معاوية بن يزيد ، وهو [كما في «الطبقات الكبرى» ٤ / ١٦٩ من البسيط] :

إنّي أرى فتنة تغلي مراجلها

والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا

وأرض ميفع صالحة للزّراعة لكثرة مائها وحسن تربتها ، فهي مظنّة ارتفاع هائل ، إلّا أنّها موبوءة (٣) ، قلّ من أقام بها إلّا زارته الحمّى من دون حياء ، ثمّ لم تفارقه حتّى تورده شعوب (٤) ، ولكن ما أظنّه يصعب مع تقدّم الطّبّ في الأيّام الأخيرة أن يعالج هواؤها حتّى يصحّ ، فتنبعث نيّة السّلطان لعمارتها ، حتّى يتوفّر على الخزينة ربح عظيم ، ومال كثير تنتعش به البلاد وينتفع به العباد ، إن لم يؤل الأمر إلى مثل قول الرّصافيّ [من مجزوء الرّمل]

هو ملك مشرق

يّ الضّرع غربيّ الملابن

__________________

(١) المعنى : إذا بلغوا في أسفارهم منازل قوم لم يكن بينهم وبين سكانها مودّة .. أجازتهم رماحهم فلم يخافوا أهل النّاحية. ثمّ قال : وأن تخاف خير من أن تحبّ ؛ لأنّ من أطاعك خوفا منك .. كان أبلغ من أن يطيعك بالمودّة. والله أعلم.

(٢) المعنى : من كان ولد الشّجعان ، وكان جدوده كالأسود الّتي تعوّدت أكل اللّحوم .. يكن اللّيل له نهارا ؛ لأنّه لا تعوقه الظّلمة عن إدراك ما يريد ، وكان مطعمه ممّا يغصب من الأعداء ، فهو يركب اللّيل لقضاء حاجته.

(٣) تحدّث عن وباء ميفع صاحب «الشّامل» ص (٧٥) فقال : (وفي ميفعة مستنقعات ، كثر من أجلها البعوض ، وكانت العرب تقول : إنه عشّ الحمّى ، وقد صدّق قولهم أهل علم الطّبّ الحديث ؛ فإنّه يوجد منه جنس يتسبّب عن قرصه الحمّى الصفراويّة ، ويقال لها : (الملاريا) ، وهذه الحمّى منتشرة بميفع وبحجر وبوادي ساه ، وبعض الغياض. وقد قلّ سكّان ميفع لوبائها ووخمها ..) اه

(٤) شعوب : اسم من أسماء المنيّة (الموت).


غير أنّ الولد حامد بن أبي بكر المحضار كثيرا ما يغضّ من شأن ميفع هذه ، ويجزم بضياع الآمال الّتي تعلّق على خيراتها ، وما أدري أهو بارّ في ذلك أم من أثر حقده على تلك الحكومة بسبب عزله.

وفي أخبار سنة (٩١٦ ه‍) من «تاريخ باشراحيل» : أنّ ابن سدّة أغار على ميفع ، ونهب عبيدا وبهائم ، ثمّ لاقاه ابن دغّار إلى نحو عين بامعبد ، فانهزم ابن دغّار انهزاما فاحشا فأسر ، وقتل من قومه نحو خمسة عشر ، وأسر الباقون.

حجر (١)

ذكر في «التّاج» و «أصله» : (حجر ذي رعين من حمير. وحجر الأزد).

قال : وباليمن موضع يقال له : حجر ، على مسافة عشرة أيّام من زبيد (٢).

وهو المذكور في قول مهلهل [من الوافر] :

ولو لا الرّيح أسمع من بحجر

صليل البيض تقرع بالذّكور (٣)

__________________

(١) حجر ـ بفتح فسكون ـ : واد عظيم في ساحل حضرموت ، على بعد خمسين كيلومترا غرب المكلا ، يمتد من يبعث وميفع شمالا إلى الساحل جنوبا ، بطول (٢٠٠ كم) تقريبا ، ثم يصب في البحر بالقرب من رأس الكلب ، وتوجد على امتداده قرى بها مساحات واسعة من الأراضي الزراعية. ويعتبر من أخصب المناطق في حضرموت وأكثرها ماء ، وفيه بعض عيون الماء الحار ، وأغلب سكانه من نوّح وحضرموت القبيلة ، وحالكة ومراشدة وخامعة ، وجماعة من العلويين.

(٢) زبيد هي : البلدة المشهورة ، صنّف في تاريخها مصنّفات ، وأجودها لابن الديبع الشّيبانيّ ، ومن أجمل ما كتب عنها : الكتاب المسمّى : «زبيد مساجدها ومدارسها العلميّة في التّاريخ» للأستاذ الفاضل عبد الرحمن عبد الله الحضرمي (١٩٣٣ ـ ١٩٩٣ م) رحمه الله ، صدر عن المركز الفرنسي للدراسات اليمنيّة بصنعاء في (٢٠٠٠ م).

(٣) الصليل : الصوت. والبيض : السيوف. والذكور : السيوف الفولاذيّة ، وسيف ذكر : يابس شديد جيّد. ويقال : إنّ هذا أكذب بيت قالته العرب ، وذلك لأنّ المعنى : قاتلناهم أشدّ القتال ، وضربناهم ضربا عنيفا .. حتّى إنّ صوت سيوفنا لو لا وجود الرّيح ليسمع من بعد عشرة أيّام ، وقبل هذا البيت قوله :

أليلتنا بذي حسم أنيري

إذا أنت انقضيت فلا تحوري


وكانت الواقعة بالذّنائب (١) ، وهي على مقربة من زبيد.

وعلّ هذه الواقعة هي التي كثرت على هلكاها الندبة ، فيما تقدّم.

ولا أدري أحجر هذه بضمّ الحاء أم بفتحها؟ ولكنّ ياقوت [٢ / ٢٢٣] يقول : (قال أبو سعد : حجر ـ بالضّمّ ـ اسم موضع باليمن ، إليه ينسب أحمد بن عليّ الهذليّ الحجريّ) ، وأطال في حجر اليمامة ، وهي غير الّتي نحن بسبيلها ، وهي عاصمة نجد ، واسمها اليوم : الرّياض ، وإليها الإشارة بقول عروة بن حزام في نونيّته المشهورة [في «الأغاني» ٢٤ / ١٢٢ من الطّويل] :

جعلت لعرّاف اليمامة حكمه

وعرّاف حجر إن هما شفياني

وقول جحدر بن مالك الحنفيّ [من الوافر] :

فيا أخويّ من جشم بن سعد

أقلّا اللّوم إن لم تنفعاني

إذا جاوزتما سعفات حجر

وأودية اليمامة فانعياني

وقول النّابغة [الذّبيانيّ في «ديوانه» ٦٧ من الطّويل] :

وهم قتلوا الطّائيّ بالحجر عنوة

أخا جابر واستنكحوا أمّ جابر

وقول زهير [من الكامل] :

لمن الدّيار بقنّة الحجر

 ... (٢)

وأنكر أبو عمرو أن يكون المراد من هذا قصبة اليمامة ، وقال : لأنّ (أل) لا تدخلها.

ولكن قال الجوهريّ : (الحجر ـ بالفتحة ـ : قصبة اليمامة ، يذكّر ويؤنّث).

__________________

فإن يك بالذّنائب طال ليلي

فقد أبكي من اللّيل القصير

فلو نبش المقابر عن كليب

فيعلم بالذّنائب أيّ زير

بيوم الشّعثمين أقرّ عينا

وكيف لقاء من تحت القبور

وإنّي قد تركت بواردات

بجيرا في دم مثل العبير

«البلدان اليمانية عند ياقوت» (ص ٢٤). والزّير : الذي يعجبه كلام النّساء ، أو : جليسهنّ.

(١) الذنائب : بلدة في أسفل جبل ملحان ، بالقرب من المهجّم.

(٢) القنّة : أعلى الجبل. والبيت ـ كما سيأتي بعد قليل ـ في «خزانة الأدب» (٩ / ٤٣٩).


وبيتا زهير والنّابغة يؤيّدان ما قال ؛ لأنّهم كثيرا ما يدخلون آلة التّعريف على الأعلام كما في قوله [من الطّويل] :

وجدت الوليد بن اليزيد مباركا

 ...

وهذا ينزّل عليه.

وقال في «صبح الأعشى» [٥ / ٥٩] : (ومن بلاد اليمامة حجر ، بفتح الحاء ، وسكون الجيم وراء مهملة في الآخر ، وهي في الغرب عن مدينة اليمامة ، على مرحلتين منها ، وبعضهم يجعلها قاعدة اليمامة. وبها قبور الشّهداء الّذين قتلوا في حرب مسيلمة الكذّاب) اه

وهو في هذا ناقل عن «المشترك».

ويأتي في السّفيل من قرى وادي العين ذكر سوق حجر ، وفي [٩ / ٤٣٩] من «الخزانة» أنّ قوله :

لمن الدّيار بقنّة الحجر

 ...

ليس لزهير ، وإنّما انتحلها حمّاد ، لمّا سأله المهديّ عن المشار إليه بقوله :

دع ذا وعدّ القول في هرم

 ...

فانتحل الأبيات الثّلاثة الّتي قبله.

وقال الطّيّب بامخرمة : (وحجر بفتح ثمّ سكون ، قال القاضي مسعود : هذا الاسم مشترك بين موضعين : أحدهما : حجر علوان ، وهو واد باليمن ، فيه قرى وحصون ، طيّب الماء والهواء والتّربة. والثّاني : حجر ابن دغّار الكنديّ ، وهو كثير المياه والنّخيل ، له غيال لا تنقطع ، وهي وخيمة جدّا بضدّ الأولى) اه

وهو صقع واسع (١) ، كثير المياه والنّخيل. ومن مدنه : كنينة ومحمدة ويون (٢).

__________________

(١) الصّقع : بالضّم ، النّاحية.

(٢) وقد وصف صاحب «الشامل» وادي حجر وشعابه ومدنه وقراه (ص ٧٦ ـ ٨٣). وذكر : أنّ الجائي


ومن نواحيه الخصبة : المكان المسمّى بالصّدارة ، فيه نحو مئة عين نضّاخة (١).

ولا يزال آل أحمد بن هادي الواحديّ يدّعون لهم حقوقا فيه ، فلم تسمع لهم دعوى.

وفي غربيّ حجر جبال ، فيها المكان المعروف بصيق العجر ، وهو الّذي قتل فيه السّلطان عبود بن سالم الكثيريّ غدرا ، قتله أحد آل خليفة ـ وكان خفيرا (٢) معه ـ بجعالة (٣) وقعت له من جانب القعيطيّ ، حسبما فصّل ب «الأصل».

وفي شماله لبنة بارشيد ، بأعلى الجبل الّذي ينهر إلى حجر ، وهي الحدّ الفاصل ما بين الدّيّن ونوّح. ومن ورائها ريدة الدّيّن وسيبان وجبال دوعن وجبال نعمان.

وفي شعر الإمام إبراهيم بن قيس الإباضيّ ـ وهو من أهل القرن الخامس ـ ذكر كثير لابن دغّار المنسوب إليه هذا الوادي ، منه قوله [من الطّويل] :

سيعلم دغّار ابن أحمد والفتى

سلالة مهديّ وكلّ مخالف

إذا نزل المستنصرون بجحفل

يهزّون بيضا كالبروق الخواطف

والظّاهر أنّه أبو حجر الّذي ينسب إليه هذا الوادي.

وفي مسوّدة بقلم ضعيف : إنّ بلاد مدورة الواقعة بين لازم والسّور كانت بلادا قويّة معمورة.

أمّا ملوكها فهم : ابن دغّار ، وبابقي ، والصّيعر ، وابن دخياخ.

وأمّا سوقتها فهم : باصفّار ، وبامحفوظ ، وآل شحبل.

ثمّ لمّا طغوا .. سلّط الله عليهم النّهديّ ، وأتى لهم بابن سهل من القبلة ، فدمّروها

__________________

من فوّة إلى حجر يأتي أوّلا إلى وادي يون ، وهي بلدة قديمة بها آثار وقبور قديمة العهد ، والمسافة بين يون وكنينة مسيرة يوم ، ثم يسير الرّاكب في وادي عود مغرّبا إلى وادي فحمة ، وينعرج إلى الجنوب الغربي فتأتيه بلدة محمدة بكسر الميمين وسكون الحاء.

(١) نضّاخة : فوّارة ، كثيرة المياه.

(٢) الخفير : الحارس.

(٣) الجعالة : ما يعطى للإنسان على فعل شيء.


تدميرا ، وهرب ابن دغّار وباقي أهلها ، وسكنوا خرايت سباي ، فسلّط الله عليهم الجوهي وطردهم ، فانتقل ابن دغار إلى حجر ، واستولى على باحوته وباحيوته ، واتّخذها له موطنا.

ثمّ جاء مركب من مسيطبة إلى حصن الغراب فمات ربّانه ، فأخذه ابن دغّار ، واتّخذ المسيطبة الّذين به عسكرا ، فهؤلاء الحجور من ذرّية أولئك.

ثمّ إنّ ابن دغّار قهر الدّيّن والمشاجرة ، وأخذ منهم العشور (١) ، وملك دوعن وطغى ، فتقلّص ملكه من دوعن ، ولمّا أيقن بالزّوال .. ختم الأنهار بالأخشاب ، ثمّ بالرّصاص الكثير المذاب.

وكان الّذي خلفه على الرّشيد وطائفة من دوعن : آل بالحمان.

وتاريخ زوال ملكه عن دوعن حسبما يفهم من تلك المسوّدة في حدود سنة (٧٨٢ ه‍).

وعن بارضوان عن «شجرة الأنساب» لأبي الحسن الأشعريّ : (أنّ بني دغّار بمدورة) اه

وفيه تأكيد لبعض ما تقدّم.

وفي ترجمة الشّيخ مبارز بن غانم الزّبيديّ (٢) من «طبقات الشّرجيّ» [٢٦٣ ـ ٢٦٤] : (أنّه انتقل إلى حجر ـ وهي جهة متّسعة ، تشتمل على قرى ومزارع ، خرج منها جماعة من الصّالحين ـ وابتنى بها رباطا لم يزل به حتّى مات هناك ، وقبره مشهور). وكانت وفاته ـ حسبما يفهم من السّياق ـ في العقد (٣) الثّامن من المئة السّابعة.

وهذا الاسم وإن كان مشتركا بين حجر علوان وحجر ابن دغّار .. فهو إلى الثّاني أقرب ؛ لأنّ انتقال الشّيخ مبارز إليها كان من عند الشّيخ أحمد بن أبي الجعد بأبين ، وهي إلى هذه أدنى ، ثمّ أخبرني من أثق به أنّ حجر علوان في قعطبة على مقربة من الضّالع وأبين .. فهو المراد إذن ، والله أعلم.

__________________

(١) العشر : ما يؤخذ من زكاة الأرض الّتي أسلم أهلها عليها ، ولعلّ المراد هنا : الضّرائب.

(٢) هو بضمّ الزّاي ، نسبة إلى القبيلة المشهورة لا إلى البلدة.

(٣) العقد : عشر سنوات ، أي : في سنة ست مئة ونيّف وسبعين.


وبعد أن تقلّص ملك ابن دغّار من دوعن .. وهت أسبابه في حجر ، ولم يزل في التّلاشي حتّى اضمحلّ ملكهم ، وبقيت منهم فرقتان ، يقال لإحداهما : آل فارس ، يسكنون الآن في ميفع ، لا يزيد عددهم عن خمسة عشر رجلا ؛ منهم : الشيخ سعيد بن طالب. والأخرى : آل ابن يمين ، وعدّتهم نحو ثلاثين رجلا ، يسكنون قرية صغيرة ، تبعد خمسة أميال عن جول باخيوة ، يقال لها : الحسين.

وخلفته عليها نوّح ، وهي من سيبان ، وسيبان كما في «بغية شيخنا المشهور» [ص ٢٩٩] ، نقلا عن الغسّانيّ : من ولد حضرموت بن سبأ.

وهي شعب كبير تتفرّع منه عدّة قبائل :

منهم : الحالكة (١) ، تشمل : بلحمر ، وبانخر ، وباسعد ، وهم نحو أربع مئة رام.

ومنهم : الخامعة ، تشمل : باصرّة (٢) ، وباقديم ، وباسلوم ، وبارشيد ، وهم نحو ثلاث مئة وخمسين راميا.

ومنهم : المراشدة (٣) ، يدخل فيهم : آل بادحيدوح ، وبابعير ، وباصريح ، وباكردوس ، وباضروس ، وهم نحو خمس مئة رام.

ومنهم : القثم ، يدخل فيها : آل بامغرومة ، وباصقع ، وبني مقدّم ، وبن علي بامسلّم ، وهم نحو ثلاث مئة رام.

__________________

(١) في «تاريخ حضرموت السّياسي» (٢ / ١٠١) : الحالكة ، قبيلة كبيرة من سيبان ، تسكن غيل الحالكة في وادي دوعن الأيسر ، والنسبة إليهم (أحلكي) بفتح الحاء وسكون اللّام ، وهم : آل بادقيل ، آل بانخر ، آل باسعد ، الإبايضة. وآل بادقيل منهم : آل بلحمر ، آل بلغيث ، آل باجعيفر ، آل بلشرف ، آل باحميد. وباحميد هؤلاء هم سكان دوعن غير باحميد سكان مدودة الآتي ذكرهم فيها.

وبانخر منهم : آل بقشان ، آل باكزموم ، آل باضراح ، وآل باطويل ، وسيأتي في دوعن أن باطويل أسرة من آل العمودي وهم غير هؤلاء. وزاد في «أدوار التّاريخ الحضرمي» (٢ / ٣٥٩) : الخنابشة ، أي : آل الخنبشي.

(٢) آل باصرة هؤلاء غير آل باصرّة سكان حوفة وتولبة من بلاد وادي دوعن الأيسر ؛ فإن أولئك سادة أشراف من بني علوي الحسينيين ، وسيأتي التنبيه على هذا في موضعه لا حقا.

(٣) وهم غير المرشدي اليافعي.


ومنهم : آل باخشوين ، لا يزيدون عن ستّين راميا ، ومنهم الآن رجل أبيض السّريرة ، واسمه محمّد بن سالم ، يحبّ الخير ، عمّر عدّة مساجد في ممباسا ، وبها سكناه ، وهو من أتلادها (١).

ومنهم : باعمروش ، نحو عشرة رميان.

ومنهم : السّموح (٢) ، وهم : الجهضميّ ، والشاكعة ، وبامنصور ، والجودانيّ ، والغويثيّ ، والحسنيّ ، وباوسيم (٣) ، وعددهم قليل.

ومقدّم السّموح أو السّماح بأسرهم الآن : حسن باعمر.

وأكثر هذه القبائل بدوعن وجبالها وما حواليها.

ومساكن السّماح روبه وهي : على مقربة من لبنة بارشيد وحنور ومسايل الصيوق وهذه كلّها نجود يدفع ماؤها إلى حجر.

ومن مساكنهم يون وهي : سبع قرى فوق أعلى وادي حجر.

ومن سيبان الإمام العظيم ، أحد علماء الإسلام : أبو عمرو عبد الرّحمن بن عمرو بن محمّد الأوزاعيّ (٤) ، كما في (السّين) من كتاب «المغني في النّسب» للعلّامة الفتني.

وقال الطّيّب بامخرمة : (سيبان بطن من حمير ، ووهم الذّهبيّ فجعلهم من مراد) اه والطّيّب جعل سيبان بطنا ، والعمارة أكبر منه ، والقبيلة أكبر من العمارة (٥).

ونحن ذهبنا بها بعيدة ، فجعلنا سيبان شعبا تتفرّع منه تلك القبائل الّتي لا تعدّ إلّا

__________________

(١) من أتلادها ؛ أي : ممّن سكنوها قديما.

(٢) والنسبة إليهم : سومحي.

(٣) والأشكعي وهم أكثرهم ، والأشولي ، والحسني ، والغويثي ، وبامنصور ، وغيرهم.

(٤) الإمام الأوزاعي (٨٨ ـ ١٥٧ ه‍) ، كان أعلم أهل الشام في زمانه ، وجده اسمه يحمد ـ بالياء ـ وليس محمدا.

(٥) رتّبت العرب القبائل والشّعوب فجعلتها أقساما : فأكبرها : الشّعب ، ثمّ القبيلة ، ثمّ الفصيلة ، ثمّ العمارة ، ثمّ البطن ، ثمّ الفخذ.


أفخاذا أو فصائل على ما ذكر ، ولكن لا مشاحّة في مثل ذلك ، ولا سيّما مع تطاول الأيّام وكثرة التّوالد. ومهما يكن من الأمر .. فإنّه قريب.

وعندما جاء ذكر أعقاب السّيّد عبد الرّحمن بن علويّ الخوّاص الجفريّ (١) من «شمس الظّهيرة» .. أشار إلى أنّ بعضهم بحجر العوالق ، ومنه يفهم أنّ هناك حجرا ثالثا ، إلّا أنّه خفيّ لا شهرة له.

وقد علمت ممّا سبق عن الطّيّب بامخرمة : أنّ حجر بن دغّار كنديّ النّسب ، ليس من سيبان في رطب ولا عنب.

وفي حجر موضع يقال له : الواد ، زعم بعضهم أنّه المراد من قوله جلّ ذكره : (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) وقد يستظهر له بقربه من حصن الغراب ، وبما حواليه من الآثار الموجودة والحجارة المنحوتة ، وإليه يذهب العلّامة أبو بكر ابن شهاب ، بل يقول : إنّ حجرا هذا هو حجر ثمود ، لكنّه مخالف لما في «الصحيحين» [خ ٣٣٧٨ ـ م ٢٩٨٠] من مروره صلّى الله عليه وآله وسلّم به في مسيره إلى تبوك ، ولم يذكر أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم دخل هذا ولا قاربه ، إلّا إن تناءت بالتّعدّد لانتشار الأمّة وضخامتها ، والعرب كثيرا ما تسمّي مهاجراتها بأسماء أوطانها ، وقد وصف الله في (الشّعراء) بلاد ثمود بأنّها في جنّات وعيون وزروع ونخل ، طلعها هضيم ، وإنّ أهلها ينحتون من الجبال بيوتا فرهين (٢). وكلّ ذلك منطبق على حجر. والله أعلم.

وبعقب ما اشترى السّلطان غالب بن عوض القعيطيّ أرض ميفع ـ بالنّيابة عن أبيه ـ اشتدّ طمعه في حجر ، إلّا أنّها تمنّعت عليه بعقبة كأداء (٣) لا طريق لها إلّا منها ، فكلّما أرسل القعيطيّ بجيش .. كمنوا له في مخارمها فأبادوه ـ أو كسروه على الأقلّ ـ حتّى لقد جهّز لهم ثلاثة آلاف مقاتل بزادهم وعتادهم ، فلّما كادوا يتسنمون تلك العقبة ، وأيقنوا بالظّفر .. سيّروا بالكتب إلى السطان غالب بن عوض ، فأمر بإطلاق المدافع ،

__________________

(١) السيد عبد الرحمن هذا ، توفي في مطلع القرن العاشر.

(٢) والآيات المشار إليها في سورة الشعراء هي (١٤٧ ـ ١٤٩).

(٣) كأداء : شاقّة.


ورفع شارات الأفراح ، ولكن نوّح غدرت بهم ، فتداعت عليهم وهزمتهم ، وقتلت ثلاثين ، وأسرت ثلاثين ، وفرّ الباقون ، وكانت معدّاتهم غنيمة لنوّح ، وفي ذلك يقول شاعرهم :

يا حجر ريضي وارقبي واستامني

ما داموا اصحابش يديرون النّقوس

إلا ان بغيتي اليافعي من خاطرش

أنا عليّ العقد وامسي له عروس

والمراد بالنقوس : البارود.

ولمّا لم يكن لهم ذرع بالمطاولة ، وكان السّلطان عوض قويّ العزيمة ، شديد الشّكيمة ، لا تنفسخ له نيّة من هزيمة .. أخذ يوالي الزّحوف ، ويبذل الألوف (١) ، ويشتري ما يقدر عليه من الضّمائر بواسطة السّادة ، حتّى انقطعت أسباب نوّح ، وتعطّلت معايشهم ، فنجعوا لتحكيم السّيّد حسين بن أحمد العطّاس ـ صاحب (عمد) ـ والسّيّد أحمد بن حسن العطّاس صاحب حريضة (٢).

وفي ذي القعدة من سنة (١٣٢٨ ه‍) توجّه السّيّدان ـ وكان الأوّل محمولا على الأعناق ؛ لضعفه وكبر سنّه ـ فحكما بأنّ جميع وادي حجر ونواحيه ـ كنينة ومحمدة ويون وما تعلّق بها ـ يكون تحت سلطنة السّلطان عوض بن عمر وأولاده : غالب ، وعمر ، وصالح ، وما تناسلوا.

فلهم سلطان الأرض ، ولنوّح إعفاء أموالهم الخاصّة من جميع الرّسوم الدّوليّة ،

__________________

(١) وقد استمر في المناوشات مدة تقرب من (١١) أحد عشر عاما ، من (١٣١٧ ه‍) إلى (١٣٢٨ ه‍) حين تم التّحكيم.

(٢) ومثله في «الشّامل» (ص ٨١) ، وحاصله : أنّه عقب هزيمة الجيش القعيطيّ في وقعة (حوته) سنة (١٣١٧ ه‍) غضب السلطان غالب ممّا حدث ، حتّى أنّه طرد بعض القوّاد من الجيش ، أمّا والده السّلطان عوض .. فلم يعلم بما جرى إلّا بعد مدّة ، ولمّا رجع السّلطان عوض إلى الهند .. كان ابنه غالب والوزير السيد حسين بن حامد يدبّرون لضرب أهل حجر ، فكان غالب يذهب إلى ميفع ويزعج أهلها ، ويرهبهم ويرجفهم ، فلمّا استمرّ عليهم هذا الحال .. ضاقوا ، ورغبوا في الصّلح ، فتوسّط السّادة آل العطّاس.

قال السّيّد علويّ : طلع شيخنا ـ يعني الإمام أحمد بن حسن العطّاس ـ ومن معه من كبار آل العطّاس ، وكاتبوا بوادي نوّح ، فأقبلوا في عدد منهم إلى المكلّا ، وتمّ الصّلح على سلامة أنفسهم وأموالهم ومنازلهم ، وكان ذلك سنة (١٣٢٩ ه‍) اه


فلا عشور ولا مكوس (١) عليهم ، ولا على مناصبهم : آل البيتي ، وآل العطّاس ، وآل باراس ، وآل الشّاطريّ ، وبافقيه ، وباعلويّ ، وابن مالك.

وعلى أن يبقى عشور الشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ بحجر على حاله (٢).

وعلى قبائل نوّح أن يضعوا رهائن من أولادهم ـ للوفاء بذلك ـ من كلّ قبيلة ، وهم : بامسعود ، وبافقّاس ، وبادبيّان ، وبارشيد ، وهذه هي أقوى قبائلهم ، وفيها رئاستهم العامّة (٣).

وعلى أن تكون الرّهائن بنسبة القبائل كثرة وقلّة.

وكتب بينهم في ذلك عدّة وثائق موجودة بنصّها في «الأصل» [٢ / ٢٦٥ ـ ٢٦٩].

وبتمام الأمر انتهت البشارة إلى السّلطان عوض وهو على فراش الموت ، فقرّت عينه ، ولم يسلم روحه لبارئها إلّا مثلوج الصّدر من جهة حجر ، بارد الفؤاد.

وكان اهتمامه بها يشغل أكبر موضع من باله ، حتّى لقد قال في حجّه وهو متعلّق بأستار الكعبة في سنة (١٣١٧ ه‍) ـ حسبما أخبرني بذلك السّيّد حسين بن حامد المحضار ـ : أتوب إليك يا ربّ من كلّ ذنب ، إلّا من حجر وحضرموت (٤).

ولآل حجر عوارض قويّة في الأشعار العاميّة ـ كما يعرف ممّا مرّ ـ أخبرني السّيّد حسين بن حامد المحضار بأنّها كثيرا ما تحصل المهادنات بينهم أثناء الحرب ،

__________________

(١) المكوس : الضّرائب.

(٢) قال في «الشّامل» (ص ٧٩) عند ذكره الموضع المسمّى : جول باحيوة قال : (وإليه يأتي عامل الشّيخ العموديّ والي بضه ، فيستلم ربع العشور من التّمر ، وكان ذلك مستمرّا يورّد لزاوية الشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ الوليّ الصّالح المشهور) اه

(٣) وكان رئيس القبائل في الصّلح المذكور هو : الشّيخ عبد الله بن أحمد الحاج.

(٤) زاد في «بضائع التابوت» (٢ / ٢٦٤) قوله : (فإنّه لا بد لي منهما) .. قال المصنف معقبا : فكان في ذلك كما قال أخو عامر وهو ممسك بوسائل البيت :

أتوب إليك يا رحمن ممّا

جنيت فقد تكاثرت الذّنوب

وأمّا من هوى ليلى وحبّي

زيارتها فإنّي لا أتوب


فيتبادلون الزّيارات بين الأراجيز ودويّ البنادق ، وإن كان الواحد ليرتجل العشرين بيتا .. فلا يرتجزون إلّا بالأخير منها.

ومن أشعارهم الدّالّة على الإباء : قول أحدهم (١) :

والقعيطي نطح بالرّاس لمّا انكسر

جاه خنتوب من حرب النّمر في صنيفه

والله إنّ عشا نوّح ومبقى ضحاهم

حاملين البنادق والمقاصّ اللطيفه

واللّقا والوفا والوعد لى راس حوته

بانعارضه بانلقي حراوه وضيفه

لو يقع من مئة مقتول في قبر واحد

والنّبي ما التوى يدّه لعقد الشّريفه

فبقيت من هذا حزازة في نفس السّيّد حسين بن حامد ، لم يستطع أن ينفث بما يشفي صدره في جوابها إلّا ليلة دخولهم إلى المكلّا بعد إبرام المعاهدات ، فقال :

قالوا لي اليوم الشّريفه وكّلت

من بعد ما غلبت وصاليها غلب

بيدي عوادي شاربين المسكره

حملوا على (حوته) وخلفوا في السّلب

و (حوتة) : هي العقبة الكأداء الّتي أعجزتهم عن أخذها عنوة (٢) ، ولكن طفقوا يفتلون في الذّرى والغوارب (٣) حتّى وطّؤوا أكنافهم بالبذل ، ولهذا أجابه بعضهم قبل أن يبلع الرّيق بما نسيته ، ومعناه : لم تنفعك الأسلحة ولا الرّجال ، وإنّما نفعك ما بذلته من المال ، وكادوا يتواثبون إثر تلك المراجعات بالأراجيز الحارّة ، ولكن هدّأهم المناصب.

وأخبرني السّيّد حسين بن حامد : أنّه قال في إحدى مراجزه لهم في هدنة ذات الأيّام :

__________________

(١) واسمه : عمر بامحمد بامهدي (بامزاود) ، من البادبيّان.

(٢) لمعرفة موقع عقبة حوتة جغرافيّا .. ينظر الوصف الدّقيق الذي أورده صاحب «الشامل» (ص ٧٨).

وهي الطّريق الوحيد لمريد الوصول إلى المكلّا من حجر .. كما في «بضائع التابوت». ووقعة حوتة التاريخية تنظر في «الشّامل» (ص ٦٤).

(٣) الذّرى : أعالي كلّ شيء. الغوارب : أعالي الموج. والمعنى : أنّهم يحيكون المكائد ويؤججون الفتن حتى انصاع لهم ما يريدون.


يا حجر بن دغّار ماشي معذره

لو بانرادف في المقابر من ثنين

إن عاد شي تركوب والّا تبصره

والّا مع الله بالمطابق والكبين

فأجابه أحدهم ـ لا عن ذلّ ، ولكن خضع الجناح شيئا بما جبلوا عليه من كرم الضّيافة ـ فقال :

حيّا وسهلا بالوجيه الزّاهره

بالسّيّد المحضار بن حامد حسين

أنتوا وصلتوا والبشاره ظاهره

والزّين يخرج منّه الّا كلّ زين

قال : فأخجلني بهذا اللّطف ؛ لأنّي نزيلهم على ضيافتهم ، مع أنّه لم يخضع صريحا ، لا سيّما والبشارة محتملة للطّرفين ، والمساجلات الّتي بينهم تدخل في جزء. وعلى ألسنة الرّواة منها الشّيء الكثير (١).

وقال شيخنا المشهور في «شمس الظّهيرة» [١ / ٢١٥] : (وللسّيّد أبي بكر البيتيّ ابن إبراهيم بن السّقّاف عقب منتشر بحجر وكنينة ومحمدة) (٢).

وفيها أيضا [١ / ٣٦٨] : (أنّ للسّيّد أبي نميّ بن عبد الله بن شيخ بن عليّ المندرج أعقابا بكنينة ويون) (٣).

__________________

(١) ومن أراجيز السّيّد حسين بن حامد لمّا قدم السّادة آل العطّاس للصّلح بين نوّح والقعيطيّ :

الليلة العطاس جا بالنّوّحي

مقضي ومرضي بعد ضرّاب التّلام

ولعاد بااتكلم ولا باقول شي

مقبول عندي كلّ ما قاله تمام

(٢) ومن علماء السادة آل البيتي هؤلاء : القاضي الفقيه السيد محمد رشاد بن أحمد بن عبد الرحمن بن شيخ بن عبد الرحمن بن محمد بن شيخ بن عبد الرحمن بن شيخ بن إسماعيل بن أبي بكر البيتي ... إلى آخر النسب. ولد بكنينة (٢٠) رمضان سنة (١٣٤٤ ه‍) ، وتوفي والده بمحمده وعمره (١١) سنة ، وطلب العلم ببلده ، وتخرج بالفقيه محمد بن عوض العمودي الآتي ذكره ، وتخرج في القضاء بالسيد محسن بونمي ، وله شيوخ عدة ، وآثار علمية ، وهو مقيم بجدة نفع الله به.

ومنهم : السيد العلامة القاضي : أحمد الغزالي بن محمد المشهور البيتي ، ولد بكنينة ، وطلب العلم ، ثم تولى القضاء في حجر ، وانتقل بعد ذلك إلى عمان ، وهو صهر العلامة السيد حامد الجيلاني الآتي ذكره في الخريبة ، وهو من شيوخ القاضي محمد رشاد ، توفي سنة (١٣٨٠ ه‍) تقريبا.

(٣) صوابه : أبو نمي بن شيخ بن علي بن عبد الله وطب. وفي «المعجم اللّطيف» (ص ١٠٨ ـ ١٠٩) : أنّ الذي لقّب بالشّاطري من آل أبي نمي هو : السّيّد أبو بكر بن عبد الرّحمن بن محمود بن محمّد بن


وفيها [٤٢٠] : (أنّ لعلويّ بن عبد الله بن علويّ بن أحمد بن محمّد بن أحمد الكاف عقبا بحجر وكنينة) (١).

وفيها [٤٢١] : (وأمّا عمر الجفريّ : فذرّيّته بحجر).

وفيها : (أنّ عبد الله بن محمّد بن عبد الله التّريسيّ ابن علويّ الجفريّ الخوّاص له ذريّة برداع وحجر ، وكان نجوعهم من حجر إلى رداع في طلب العلم ، ثمّ هاجروا في طلب المعيشة إلى السّواحل الإفريقيّة ؛ ففي ممباسا جماعة ؛ منهم السّيّد علويّ بن شيخ الرّداعيّ ، وفي السّومال الإيطاليّ ناس ؛ منهم السّيّد عليّ بن صالح بن حامد بن محمّد بن عبد الرّحمن بن أحمد بن عبد الله التّريسيّ).

وفيها [٥٣٨] : (أنّ عبد الله الأعين النّسّاخ بافقيه بن محمّد عيديد له ذرّيّة بحجر وكنينة) (٢).

وبكنينة كانت خزانة ملأى بالكتب الخطيّة النّفيسة للشّيخ العموديّ ، ولكن أخبرني من رآها بالآخرة : أنّه لم يبق بها من تلك الأعلاق (٣) إلّا ما لا يستحقّ الذّكر. فلا حول ولا قوّة إلّا بالله (٤).

__________________

أبي نمي بن عبد الله بن شيخ بن علي بن عبد الله وطب .. إلخ. بسبب تزوّجه من السّادة آل الشّاطري أهل تريم.

(١) واستدرك في «الشّامل» (ص ٧٨) بقوله : (وذكر في «الشّجرة» : أنّ بها من آل الكاف عقبا قليلا لزين بن حسن بن علوي بن عبد الله بن علوي بن أحمد بن محمّد الكاف ، ولم نسمع بأحد من آل الكاف بحجر فلعلّهم انقرضوا أو نقلوا إلى بعض الوديان الأخرى. والله أعلم) اه

(٢) «شمس الظّهيرة» (ص ٥٣٨) ، وقد نبّه السّيّد محمّد ضياء شهاب على وجود سقط في بعض نسخ «الشّمس» ، وذكر أنّ الّذين بحجر وكنينة من آل بافقيه هم من ذرّيّة السّيّد عبد الرّحمن بن عليّ بن أحمد بن عبد الله الأعين النّسّاخ بافقيه .. ولعبد الرّحمن هذا أخ هو محمّد بن عليّ ، توفّي بتريم سنة (١٠٠٧ ه‍) «الفرائد الجوهريّة» (٣ / ٨٢٨). وممّن بحجر من السّادة أيضا : آل العطّاس .. من ذرّيّة محسن بن الحسين بن عمر بن عبد الرّحمن العطّاس ، كما في «شمس الظّهيرة» (ص ٢٥٠).

وفي «الشّامل» (ص ٧٨) نقلا عن «الشّجرة العلويّة» : أنّ بحجر ذرّيّة سالم بن عمر بن محمّد بن عليّ بن محسن بن الحسين .. ثمّ قال : إنّ بحصن باقروان ذرّيّة سالم بن عمر بن عليّ بن محسن بن الحسين .. إلى آخر النّسب. اه

(٣) الأعلاق ـ جمع علق ـ وهو : النّفيس من كلّ شيء.

(٤) وبحجر جماعة من آل العمودي : منهم الشيخ الفقيه الفاضل محمد بن عوض العمودي ، طلب العلم


وفي كنينة ناس من آل العموديّ ؛ منهم الشّيخ محمّد بن عوض العموديّ ، نهشته أفعى في رجله .. فورمت ، فأشار عليه الطّبيب بقطعها ، ففعل وكان ذلك سبب عكوفه على العلم ، حتّى حصّل منه جملة ، فأفاد واستفاد ، وكان في قصّته شبه بعروة بن الزّبير.

ومنهم آل بن دحمان ، كانوا بكنينة ، ثمّ انتقلوا إلى محمدة ، نجع أحمد بن دحمان وأخوه عمر إلى السّواحل الإفريقيّة. وعمر خير من أحمد.

وأكثر حاصلات حجر : التّمر ، فالّذي يخرج منها زائدا عن حاجات أهلها شيء كثير (١).

ومن الغرائب ـ كما حدّثني الثّقة السّيّد عبد الرّحمن بن حامد المحضار ـ : أنّ الغراب لا يتعرّض لثمار حجر بسوء أبدا.

ومن عادتهم : إباحة التّمور الّتي تتساقط بعصف الرّياح ، وأن لا حرج على أيّ إنسان في تسلّق نخلة أراد للأكل فقط ، أمّا أخذ شيء إلى المنزل .. فممنوع.

بروم (٢)

هي مرسى حصين من عواصف الرّياح ، أحصن من مرسى المكلّا ـ على حصانته ـ فإليه تأوي السّفن عند اضطراب الأمواج وهيجان البحر. وهو واقع بين ميفع والمكلّا.

__________________

بقيدون عند السيدين علوي وعبد الله ابني طاهر الحداد ، وعليهما جل انتفاعه ، وقد حصل به نفع كبير لما عاد إلى وادي حجر ، فكان إماما لجامع مسجد كنينة ، وممن تخرج به : العلّامة السيد القاضي محمد رشاد البيتي ، ومقروءاته عليه مفصلة في مقدمة كتاب «التقريرات البهيّة».

(١) قال الحدّاد في «الشّامل» (ص ٧٧) يصف نخل حجر : (والنّخل بوادي حجر إذا غرس .. يثمر على سنتين ، وفي غيرها على خمس سنين وأقل وأكثر).

(٢) بروم : ميناء صغير غربيّ مدينة المكلا بمسافة (٣٠ كم) تقريبا ، كان بندرا شهيرا مأمونا للسفن الشراعية أيام الرياح الموسميّة ، تأوي إليه السفن عند اضطراب الأمواج وهيجان البحر ، ثم خمل دوره بعد عمارة المكلا ، إلا أنه أعيد إنشاؤه حديثا لكي يستوعب استقبال السفن وإمكانية تفريغها. وقد شهد العديد من الحوادث سيذكرها المؤلف ههنا.


قال الطّيّب بامخرمة : (بروم بلدة بين الشّحر وميفع على ساحل البحر. كانت بلدة قديمة من أعمال فوّه ، يجلب إليها الصّبر الصّقطريّ (١) ، وكان بها قلعة تسمّى : «عرفة» ـ بضمّ العين المهملة وسكون الرّاء ـ وهي رديئة الماء ، وأكثر أهلها المتقدّمين صيّادون) اه (٢)

وفيه شاهد لأنّ المكلّا لم تكن إذ ذاك شيئا مذكورا ، وإلّا .. لأشار إليها.

وإلى بروم ينسب السّيّد حسن بن محمّد بن علويّ بن عبد الله بن عليّ بن عبد الله باعلويّ (٣).

وقد ترجم في «المشرع» [٢ / ٥٤] لابنه أحمد بن حسن (٤) ، وذكر أنّه هو الّذي عمّر مسجد آل جديد (٥) بتريم ، وأنشأ له بركة في سنة (٩١٩ ه‍) فنسب إليه ، فهو اليوم يعرف بمسجد بروم.

__________________

(١) الصّبر : هو المادّة المعروفة. الصّقطري : منسوب إلى سقطرى ، وهي جزيرة معروفة ، تابعة ل (اليمن) في بحر العرب.

(٢) نسبة البلدان (ق ٣٨).

(٣) توفي السّيّد حسن بروم هذا بتريم سنة (٩٢٧ ه‍). «الفرائد الجوهرية» (٢٠٩) ـ بالهامش.

فائدة هامّة : قال في «المعجم اللّطيف» (ص ٥٨ ـ ٥٩) : ولقّب حسن المشار إليه ببروم لسكناه في قرية بروم بساحل حضرموت ، وتبعد عن المكلّا عاصمة السّلطنة القعيطيّة سابقا بنحو (٢٠ كم).

وهم يختصرون ويحذفون المضاف ، فلا يقولون ساكن بروم ، ولا صاحب بروم ، ولا مولى بروم ، ويكتفون بالمضاف إليه الدّالّ على المضاف ، فيقولون لكلّ فرد من سلالته : بروم ، كما يدعونه هو نفسه. فكأنّه تجسّد في كلّ منهم كما ذكرنا عن كثير من أمثاله. وربّما قالوا في هذا العصر ـ وفي المملكة العربيّة السعوديّة ـ : باروم ، وخرجوا عن اللّقب القديم إلى الكنية جريا على الغالب من استعمال الحضرميّين ـ وبالأخص الدّوعنيّين ـ الكنية أكثر ، وما بينها هنا وبين اللقب إلّا زيادة الألف فقط ، ولكن المعنى يتغيّر هنا كما لا يخفى. اه

(٤) توفّي السّيّد أحمد بن حسن بروم في جمادى الأولى (٩٥٧ ه‍) ، ومن مصنّفاته : «جوهرة الجواهر» في مناقب الشّيخ عبد الله العيدروس ، كان مولده بتريم.

(٥) المنسوب للسّادة بني جديد بن عبيد الله بن أحمد المهاجر ، وقد انقرضوا على رأس القرن السّادس الهجري. «المعجم اللّطيف» (ص ٨٥).


وترجم في «المشرع» [٢ / ١٩٤] أيضا لابن حفيده ، وهو : عبد الله بن محمّد بن أحمد بن حسن بروم ، المتوفّى سنة (١٠٣٩ ه‍) (١).

ولبروم هذه ذكر كثير في الحروب الواقعة بين الكساديّ والقعيطيّ (٢).

وهي أوّل ما رست بها سفائن النّجدة التّركيّة في سنة (١٢٦٧ ه‍) الّتي كان على رأسها شيخ السّادة بمكّة السّيّد : إسحاق بن عقيل بن يحيى (٣).

ومن أعيان بروم في القرن الثّامن (٤) : العارف بالله الشّيخ مزاحم بن أحمد باجابر ، أخذ عنه سيّدنا الإمام الكبير الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف ، المتوفّى بتريم سنة (٨١٩ ه‍)

وفي الحكاية (٣٠٤) من «الجوهر» [٢ / ٥٣] للخطيب : (عن عبد الله بن نافع بن أبي منذر قال : لمّا وقعت الفتنة في بلادي الهجرين .. سرت إلى بروم عند الشّيخ الكبير مزاحم بن أحمد باجابر ، فأحبّني ، وسار بي إلى أحور ، وكانت مع الشّيخ خيمة من سلطان اليمن ، فلمّا وصلنا أحور .. نصبنا تلك الخيمة ، ومضى الشّيخ

__________________

(١) توفّي بتريم عن عمر أناف على السّبعين.

(٢) تفاصيل تلك الحروب والوقائع في الجزء الثّالث من «بضائع التّابوت».

(٣) السّيّد إسحاق ؛ هو : إسحاق بن عقيل بن عمر بن عقيل بن شيخ بن عبد الرّحمن بن عقيل بن أحمد بن يحيى .. كذا ساق نسبه المصنّف في «بضائع التابوت» (٣ / ٩). وانظر ما يأتي في قارة الشناهز. وهذه الحملة أو النجدة أرسلت لفكّ الحصار الّذي ضربته إمارة الكسادي وابن بريك في السّاحل على الشّعب في الدّاخل الّذي هو تحت سلطنة عدوّتها السّلطنة الكثيريّة النّاشئة على إصلاح ما يمكن إصلاحه بواسطتها ، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه كذلك ، ولكن لم يصحبها التّوفيق لأسباب طبيعيّة وعسكريّة. «أدوار التّاريخ الحضرميّ» (ص ٣٨٦). ولمعرفة تفاصيل حملة الأتراك على السّاحل الحضرميّ .. ينظر «بضائع التّابوت» (٣ / ٩ ـ ١٥) ؛ ففيه ما لا يوجد في غيره ، و «تاريخ ابن حميد» : نهاية الجزء الأوّل وبداية الجزء الثّاني ، و «تاريخ أمراء البلد الحرام» (٣١٧) ، وذكر في هذا الأخير خبر مقتل السّيّد إسحاق بن عقيل سنة (١٢٧١ ه‍) مسجونا في قلعة المثناة بالطّائف.

ينظر : «تعليقات السّيّد ضياء شهاب على شمس الظّهيرة» (ص ٣١٤).

(٤) صوابه : القرن التّاسع ، وإنما لم يقف المؤلف على تاريخ وفاته فظنه من أهل القرن الثامن. وكانت وفاته كما في «تاريخ شنبل» (ص ١٦١) : سنة (٨١٧ ه‍) ، وقبره معروف في بروم ، وعليه قبّة صغيرة إلى جوار المسجد الجامع.


مزاحم لبعض شأنه ، فسألني بعض السّادة عن حالي في بروم ، فقلت له : ما رأيت أنجس منها ولا من ساحل بربرة) اه

أمّا الّذي أهدى الخيمة للشّيخ مزاحم من ملوك اليمن (١) ، فيحتمل أن يكون :

الأفضل عبّاس ابن المجاهد عليّ ؛ لأنّه ـ كما في «التّاج» ـ استولى على الملك في سنة (٧٦٤ ه‍) ومات في سنة (٧٧٨ ه‍). أو الأشرف إسماعيل بن الأفضل ، وكان تولّى بعد أبيه إلى أن مات سنة (٨٠٣ ه‍). أو ابن الأشرف (٢) الّذي بقي على اليمن ـ كما في «صبح الأعشى» [٥ / ٣١] ـ إلى سنة (٨١٢ ه‍).

وأقرب ما يكون الأشرف إسماعيل ؛ لأنّه كان محبّا للعلم والعلماء.

وفي الحكاية (٣٤٤) من «جوهر الخطيب» [٢ / ٨٧] : (عن السّيّد أحمد ابن الشّيخ عليّ بن أحمد باجابر قال : كنت إذا اجتمعت بعمّي الشّيخ مزاحم .. يثني على السّيّد عبد الرّحمن السّقّاف ويقول : إنّه القطب). وكان ذلك قبل سنة (٨٠٥ ه‍).

وقال السّيّد عليّ بن حسن العطّاس في «سفينة البضائع» : (وفي سنة «٨٨٧ ه‍» توفّي الشّيخ الأجلّ ، ذو الأخلاق الرّضيّة : أبو الغيث عبد الرّحمن بن مزاحم ببروم) (٣).

وسيأتي في عندل ـ من أطراف وادي عمد ـ التّعريف بنسب الشّيخ مزاحم ؛ لأنّه هو وآل جابر ـ أصحاب عندل ـ من قبيلة واحدة.

وسيأتي في الشّحر ذكر أحد علماء آل مزاحم باجابر ، وهو الشّيخ محمّد بن عبد الرّحيم.

وفي أواخر الجزء الأوّل من «الأصل» عن قصيدة للشّيخ عمر بامخرمة ما يشهد بأنّ

__________________

(١) وملوكها آنذاك : آل رسول.

(٢) ابن الأشرف هو : الملك النّاصر أحمد ابن الملك الأشرف إسماعيل ، ولكنّه بقي ملكا على اليمن إلى أن توفّي سنة (٨٢٩ ه‍) ، كما في «بلوغ المرام» للقاضي العرشي (ص ٤٦).

(٣) مثله في «تاريخ شنبل» (ص ٢٠٠) حوادث سنة (٨٨٧ ه‍). وعنه نقل ابن حميد في «العدّة المفيدة» (١ / ١٥٠) ، وصالح الحامد في «تاريخ حضرموت» (٢ / ٢٩٧).


بروما كانت للحبوظيّ ، ثمّ صارت لعليّ بن عمر الكثيريّ ، وذلك حيث يقول للسّلطان عبد الله بن جعفر :

خاطر كما خاطر علي

جدّك وخاض اغمارها

حتّى سكن بعد الحبو

ظي في بروم اختارها

المكلّا (١)

هو اسم دالّ على مسمّاه ؛ إذ جاء في مادّة (كلأ) من «التّاج» و «أصله» : (أنّ الكلّاء ـ ككتّان ـ مرفأ السّفن. وهو عند سيبويه : فعّال ، مثل جبّار ؛ لأنّه يكلأ السّفن من الرّيح. وساحل كلّ نهر كالمكلّا ، مهموز مقصور) اه باختصار.

__________________

(١) المكلا : هي ميناء حضرموت الشهير ، وكان يقال لها : بندر يعقوب ؛ نسبة للشيخ يعقوب المقبور بها ـ ستأتي ترجمته ـ تقع بين خليجين ، وخلفها جبل شاهق يبلغ ارتفاعه (٦٠٠) قدم. وقد شهدت المكلا اتساعا عمرانيا مذهلا في السنوات الأخيرة ، وأقيمت بها المستشفيات والفنادق الفارهة.

وربطت بحضرموت الداخل (سيئون) بخط إسفلتي حديث ، يبلغ طوله (٣٢٠ كم) ، وخط آخر يربطها بعدن يجري العمل على إعادة سفلتته وترميمه. كما بها مطار دولي وهو مطار الريّان في غربيّها. والميناء اليوم يقع في منطقة خلف.

طول المكلّا وعرضها ـ جغرافيّا ـ : ورد في «الشّامل» (ص ٨٨) ، تحديد طول المكلّا وعرضها استنادا لما ورد في «التّقويم الفرنسيّ» و «جدول الأوضاع الجغرافيّة» ل (كوليه) ، كما هو ملحق بكتاب «الدّرر التّوفيقيّة» لسعادة إسماعيل بيك مصطفى المصري .. وحاصل ما ورد أنّ : طول المكلّا : (٣٥ ـ ٤٧ ـ ٤٦) ؛ أي : ستّ وأربعون درجة ، وسبع وأربعون دقيقة ، وخمس وثلاثون ثانية.

وعرضها : (١٥ ـ ٣١ ـ ١٤) ؛ أي أربع عشرة درجة ، وإحدى وثلاثون دقيقة ، وخمس عشرة ثانية. وفي بعض الخرائط الأخرى تفاوت يسير. قبلة المكلّا : في «الشامل» : (وإنّ سمت القبلة على أربعين درجة وسبع دقائق من القطب (الجاه) إلى المغرب الأصل.

ولمعرفة سمت القبلة في المكلّا قاعدة أخرى ، وهو : أن يترقّب مريد ذلك يوم ثلاثين أيّار وهو يوافق (٨) في (نجم الإكليل) ، أو (١٨) (تموز) وهو يوافق (٥) في (نجم البلدة) بعد السّاعة الثّانية عشر ظهرا ؛ أي : السّاعة (٦) ظهرا للسّاعات المغربيّة ، فإذا مضى بعد ذلك إحدى وأربعون دقيقة وعشر ثوان .. فلينظر إلى الشّمس فإنّها في ذلك الوقت فوق الكعبة. وإن جعل شاخصا فإنّ ظلّ الشّاخص يكون علامة على اتجاه القبلة ، والله أعلم) اه


ومنه تعرف أنّه عربيّ فصيح ، لم تتصرّف فيه العامّة على ممرّ السّنين إلّا بالشّيء اليسير.

وكانت المكلّا خيصة (١) صغيرة لبني حسن والعكابرة (٢) ، وملجأ تعوذ به سفائن أهل الشّحر ، والواردين إليه من الآفاق عندما يهتاج البحر في أيّام الخريف ؛ لتأمن به من عواصف الرّياح ؛ لأنّه مصون بالجبال ، بخلاف ساحل الشّحر .. فإنّه مكشوف.

وقد اتّخذ الصّيّادون به أكواخا ، ففرضت عليهم العكابرة ضريبة خفيفة إزاء استيطانهم بها ؛ لأنّها من حدود أرضهم ، ثمّ ازدادت الأكواخ ، واستوطنها كثير من العكابرة أنفسهم وناس من أهل روكب.

ويقال : إنّ آل الجديانيّ ـ وهم من يافع ـ مرّوا بها في أواخر سنة (٩٨٠ ه‍) مجتازين ، فأعجبتهم ، فاستوطنوها ، وصار أمر أهل تلك الخيصة إلى رئيسهم يشاورونه في أمورهم حتّى صار أميرا عليهم.

وكان كبير آل كساد ـ واسمه : سالم ـ موجودا بالمكلّا إذ ذاك ، فاغتال الجديانيّ واستقلّ بأمر المكلّا.

ثمّ جاء سالم بن أحمد بن بحجم الكساديّ ومعه ولده صلاح وأخوه مقبل ، فاغتالوا سالم الكساديّ في البير المعروفة إلى اليوم ببير بشهر ، واستولى سالم بن أحمد بن بحجم على البلاد ، وحكمها سنة ثمّ مات ، وخلفه عليها ابنه صلاح ثمّ مات ، وله ثلاثة أولاد : عبد الرّبّ ، وعبد الحبيب ، وعبد النّبيّ.

وكان النّفوذ لعبد الحبيب ؛ لأنّه الأكبر ، ولمّا مات .. خلفه عليها أخوه عبد الرّبّ ، وبقي يحكم المكلّا إلى أن توفّي في سنة (١١٤٢ ه‍) ، وخلفه عليها ابنه صلاح ، فأخذ محمّد بن عبد الحبيب ينازعه حتّى اتّفقوا على تحكيم صاحب عدن ، فركبوا إليها ، فقضى بها لمحمّد بن عبد الحبيب.

__________________

(١) والخيصة عند أهل السّاحل الحضرميّ هي الفرضة ؛ أي : الميناء الصغير.

(٢) بنو حسن : قبيلة من سيبان ، يسكنون الجبال القريبة من ساحل البحر ، ومنهم : آل باخميس ، وآل باضمن ، وآل بارعيدة ، وآل باحاج. «أدوار التّاريخ الحضرميّ» (ص ٣٥٨). نقلا عن «الشّامل».


فسافر صلاح وأخوه مطلق وعمّهم عبد النّبيّ إلى السّواحل الإفريقيّة ، وبقي محمّد عبد الحبيب يحكم المكلّا.

وفي أيّامه بنيت حافة العبيد ، وسمّيت بذلك ؛ لأنّ أوّل ما بني بها بيت لعبيد آل كساد.

ولمّا مات محمّد عبد الحبيب في سنة (١٢٠٧ ه‍) .. قام من بعده ولده صلاح بن محمّد بن عبد الحبيب ، وكان عمّه عبد الله بن عبد الحبيب ينازعه الإمارة ، ولكنّه تغلّب عليه بمساعدة عمّه عليّ بن عبد الحبيب ، وبقي على حكم المكلّا إلى أن مات في سنة (١٢٩٠ ه‍).

وقام بعده ولده عمر بن صلاح ، وكان صلاح في أيّامه استدان مئة ألف ريال من عوض بن عمر القعيطيّ في سنة (١٢٨٥ ه‍) ـ وهي حصّته في نفقة غزوة المحائل عامئذ (١) ـ وبإثر موته .. وصل عوض من الهند إلى الشّحر ، وأقام بها أشهرا ، ثمّ سار إلى المكلّا بهيئة التّعزية ، وبعد أن اجتمع له بها من عسكره نحو ثلاث مئة دخلوا أرسالا .. طالب بذلك الدّين ، فسفر النّاس (٢) بين عمر بن صلاح والقعيطيّ على أن يحتلّ القعيطيّ ناصفة المكلّا إلى أن يستوفي ماله من الدّين ، ولكنّ عمر صلاح استدعى عسكره من كلّ ناحية ، وأذكى نار الحرب ، وعندما أحسّ القعيطيّ بالهزيمة .. استوقف الحرب ، ونجا بنفسه.

هذه إحدى الرّوايات في إمارة آل كساد على المكلّا.

والأخرى (٣) : (أنّ في أواخر القرن الحادي عشر ـ أو أوائل الثّاني عشر ـ ورد المكلّا أحد آل ذي ناخب (٤) وهو جدّ آل كساد ، وبمجرّد ما استقرّت قدمه

__________________

(١) تفاصيل هذه الغزوة أو الوقعة في «بضائع التّابوت» (٢ / ٢١٥ ـ ٢٢٢) والمحايل : حسبما ورد في «العدّة المفيدة» (٢ / ٢٨٢) : أنّها حصون أو بيوت صغيرة بناها العساكر اليافعيّون لضرب بعض مناوئيهم.

(٢) سفر الناس : توسطوا بينهم للصلح.

(٣) أسندها في «بضائع التّابوت» (٢ / ١٠٨) ، عن بعض المعمّرين.

(٤) ذو ناخب : واد كبير معروف في مرتفعات بلاد يافع السّفلى ، وهو الوادي الرّئيس الّذي يمتد من


بالمكلّا (١) .. اتّجهت همّته للتّجارة والمضاربة مع أهل السّفن ، ثمّ اتّفق هو وإيّاهم على شيء يدفعونه إليه برسم الحراسة ، يعطي العكابرة وبني حسن بعضه ، ويستأثر بالباقي ، إلى أن استقوى أمره ، وضعف أمر أولئك وانشقّ رأيهم ، فما زال يتدرّج حتّى صار أمير المكلّا).

والثّالثة : عن الشّيخ المعمّر أحمد بن مرعيّ بن عليّ بن ناجي الثّاني (٢) : (أنّ صلاح بن سالم الكساديّ كان بغيل ابن يمين ، فكثر شرّه ، فطرده اليافعيّون الشّناظير (٣) ، فالتجأ إلى علي ناجي الأوّل بن بريك (٤) بالشّحر ، فأجاره هو وأولاده : عبد الحبيب ، وعبد الرّبّ ، وعبد النّبيّ.

وكانت لصلاح بنت تدعى عائشة ، جميلة الطّلعة ، استهوت قلب عليّ ناجي ، فطلب يدها ، واستاء آل بريك من بنائه عليها ؛ لما يعلمون من شيطنة صلاح ، وخافوا أن يستولي بواسطة بنته على خاطر السّلطان علي ناجي فيتنمّر (٥) لهم ، فبيّتوا قتل

__________________

مشارف حدود يافع الأعلى وحدود البيضاء ، ويعرف أيضا بوادي سلب لمروره عبر بلدة سلب ، ويصبّ في البحر غرب مدينة شقرة. «رحلة إلى يافع» (ص ٣٦). وفي «الصفة» للهمداني ذكر له في (ص ١٧٢ ـ ١٧٣) ، وفيها : أنه لبني جبر من يافع. اه وإليه ينسب آل الناخبي ، وأشهر شخصية عرفت منهم : هو العلامة الشيخ المعمر : عبد الله بن أحمد الناخبي.

(١) ورد في «بضائع التابوت» (٢ / ١٠٨) أنّه زار تريم أوّلا ودخل على الإمام الحدّاد وطلب منه الدّعاء لضائقة نزلت به ، فأشار عليه بالذّهاب إلى المكلّا.

(٢) رواها المصنّف ـ كما في «بضائع التابوت» (٢ / ١٠٨) .. عن السّيّد المنصب حسن بن سالم ابن الحبيب أحمد بن حسن العطّاس ، المتوفّى بالمكلّا سنة (١٣٦٤ ه‍) ، وهو سمعها من المعمّر المذكور ، الذي كان عمره حين حدّث بها : مئة وعشرين عاما.

(٣) الشّناظير ـ جمع شنظير ـ وهو : الفاحش الغلق من الرّجال ، الّذي يشتم أعراض النّاس ، وهو لقب أطلق على فئة من العسكر اليافعيّين الّذين حكموا بعض مناطق حضرموت إبّان فترة الفوضى ، وكان قد استقدمهم في مطلع القرن الثّاني عشر الهجري السّلطان بدر بن محمّد المردوف الكثيري ، المتوفّى سنة (١١٢٠ ه‍) ينظر : «معالم تاريخ الجزيرة العربيّة» (ص ٢٦٥ ـ ٢٦٦) ، و «تاريخ الدّولة الكثيريّة» (ص ٩١) وما بعدها.

(٤) توفّي عليّ بن ناجي بن أحمد بن بريك بالشّحر سنة (١٢٢٠ ه‍) كما في «نشر النّفحات المسكيّة» للسّيّد محمد جمل اللّيل باحسن (٢ / ٩٩) «مخطوط».

(٥) يتنمّر : يتغيّر عليهم ، ويصول عليهم كما يصول النّمر.


صلاح بن سالم الكساديّ ، فغدر بهم عليّ ناجي.

فذهب به إلى المكلّا ـ وهي إذ ذاك خيصة للعكابرة وبني حسن ـ فبنى بها السّلطان عليّ ناجي حصنا على ساحل البحر ، سمّاه : حصن عبد النّبيّ ؛ احتفاظا بالاسم لولده ، وعاهد أهل المكلّا لعمّه صلاح بن سالم ، وأجلسه بها مع عائلته) اه (١)

وقد نزغ (٢) الشّيطان آخرا بين علي ناجي وعبد الرّبّ بن صلاح بن سالم الكساديّ. وجاء في «تاريخ باحسن الشّحريّ» [٢ / ٩٨ ـ ٩٩ خ] : (أنّ علي ناجي نفى آل همام إلى المكلّا ، فاستنجدوا بعبد الرّبّ بن صلاح ـ صاحب المكلّا ـ فجهّز قوما التقوا بعسكر علي ناجي في الحدبة (٣) ، وقتل محسن بن جابر بن همام ، وانكسر عسكر الكساديّ ، وغنم آل بريك جميع ما معهم) اه

وسيأتي في تريم أنّ الكساديّ لم يجىء إلى المكلّا إلّا بعد سنة (١١١٧ ه‍).

وفي أواخر سنة (١١٦٣ ه‍) (٤) : غزا ناجي بن بريك المكلّا بسبع مئة من الحموم وغيرهم ، فلاقاهم آل كساد إلى رأس الجبل ، فهزموهم ، وقتلوا منهم نحو العشرين ، ولم يقتل من الكساديّ إلّا أربعة ، ولا تزال قبورهم ظاهرة برأس الجبل.

ولمّا مات صلاح بن سالم ـ على هذه الرّواية ـ خلفه على المكلّا ولده

__________________

(١) إلى هنا انتهت رواية ذلك المعمّر ، وسيظهر للقارىء المتابع أنّ ما بعدها من الكلام مناقض لما ورد فيها ، والحال أنّ المصنّف رحمه الله ردّها حسبما توسّع فيه في الأصل ولكنّه اختصر الكلام هنا.

وحاصل كلامه : أنّ هذه الرّواية تخالف أوّلا : ما ورد في «تاريخ باحسن» من أنّ أمر الكساديّ وظهوره كان متقدّما على هذا الزّمان ؛ إذ تقدم أنّ وفاة عليّ ناجي كانت سنة (١٢٢٠ ه‍) بينما ظهور آل كساد كان سنة (١١١٥ ه‍) .. فهذا يناقضه ، هذا أوّلا. وثانيا : أنّ ماجرى بعد هذه الرّواية من قيام الخصومة والحرب بين عليّ ناجي وعبد الرّبّ الكساديّ لا يتناسب مع ما بينهم من الرّحم والصّهارة .. فهذان دليلان يبطلان هذه الرواية. والله أعلم.

(٢) نزغ : أفسد.

(٣) الحدبة : قرية صغيرة بريدة المشقاص.

(٤) الّذي في «نشر النّفحات» ، و «يافع في أدوار التّاريخ» : أنّ تملّك ناجي بن عمر الشّحر ومبايعته عليها كان سنة (١١٦٥ ه‍) ، وكانت وفاته سنة (١١٩٣ ه‍) .. ولم تذكر هذه المصادر مصادمته لآل كساد ، ولكن ذكرت مصادمة ابنه عليّ ناجي لهم.


عبد الرّبّ بن صلاح ، ثمّ أخوه عبد الحبيب ، وكان شهما صارما حازما. ثمّ تولّى بعده ولده محمّد.

وفي أيّامه : أخذ آل عبد الرّبّ بن صلاح يدبّرون المكايد لاغتياله ، فأحسّ بذلك ، فوطّأ لهم كنفه ، وكان ذلك في اقتبال رمضان ، فأظهر النّسك واشتغل بالعبادة ، فخفّ حقدهم عليه ، وهو يعمل عمله ليتغدّاهم قبل أن يتعشّوه.

وفي اللّيلة السّابعة والعشرين من رمضان : هجم عليهم وهم غارّون (١) نائمون ، بعد أن اشترى ذمم عبيدهم ففتحوا له الباب ، فأباد خضراءهم ، وقتل منهم ومن حاشيتهم ثلاثة عشر رجلا في ساعة واحدة ، وهرب من بقي منهم بخيط رقبته إلى السّواحل الإفريقيّة.

ولمّا مات محمّد بن عبد الحبيب .. وقعت عصابته (٢) على ابنه صلاح بن محمّد بن عبد الحبيب ، وكانت له محاسن ، وعدل تامّ ، وشدّة قاسية على أهل الفساد ، ولم يزل على ذلك إلى أن توفّي في ربيع الثّاني من سنة (١٢٩٠ ه‍).

وخلفه ولده عمر بن صلاح ، وجرت بينه وبين السّلطان عوض بن عمر القعيطيّ خطوب انهزم في أوّلها القعيطيّ ، ثمّ استعان بحكومة عدن ، فاستدعت عمر صلاح ، وخيّرته ـ بعد أن أخذت التّحكيم من الطّرفين ـ بين أن : يدفع المئة الألف حالا ، أو يتسلّم مئة ألف ريال من القعيطيّ ، ويترك له البلاد. وبين أن يتسلّم بروما من القعيطيّ ، وقدرا دون الأوّل من الرّيالات. فلم يقبل ، فأجبروه على الجلاء من المكلّا ، فذهب إلى السّواحل الإفريقيّة ـ حسبما فصّلناه ب «الأصل» ـ واحتفظوا لأنفسهم منّة كبرى على القعيطيّ بهذا الصّنيع.

وكان ليوم سفر النّقيب من المكلّا رنّة حزن في جميع الدّيار ؛ لأنّهم كانوا متفانين في محبّته.

__________________

(١) غارّون : غافلون.

(٢) كناية عن استخلافه بعده.


سارت سفائنهم والنّوح يتبعها

كأنّها إبل يحدو بها الحادي

والنّاس قد ملؤوا العبرين واعتبروا

وأرسلوا الدّمع حتّى سال بالوادي

كم سال في البحر من دمع وكم حملت

تلك القطائع من أفلاذ أكباد (١)

هذا حال أهل المكلّا في توديعهم ، وأمّا هم (أعني آل النقيب) .. فكما قال الرّضيّ [في «ديوانه» ٢ / ٥٧١ من الطّويل] :

ترحّلت عنكم لي أمامي نظرة

وعشر وعشر نحوكم من ورائيا

وزعم بعضهم أنّ صاحب زنجبار لذلك العهد ـ وهو السّلطان سعيد بن سلطان (٢) ـ منع السّلطان عمر بن صلاح من النّزول ببلاده ؛ لما سبق من فعلة جدّه الشّنعاء بأقاربه ، وكاد يرجع أدراجه ، ولكنّ بقايا الموتورين (٣) من آل عبد الرّبّ أظأرتهم (٤) الرّحم عليه ، فشفعوا إلى سلطان زنجبار في قبوله ، فقبل نزوله. ولا تزال الدّراهم مرصّدة له بأرباحها في خزينة عدن ، كذا يقول بعضهم.

ويزعم آخرون أنّ الحكومة اختلقت مبرّرا لحرمانه منها. ولا بأس بإيراد وثيقتين تتعلّقان بالقضيّة. هذه صورة الأولى :

بسم الله الرّحمن الرّحيم

أقرّ أنا عمر صلاح ، نقيب بندر المكلّا بأنّي قد قبلت بتوقيف وقطع العداوة التي بيني وبين عوض بن عمر القعيطيّ وأخيه عبد الله بن عمر حاكم بندر الشّحر ، وأن

__________________

(١) الأبيات من البسيط.

(٢) الواقع التاريخي يخالف هذا الزعم ، لأنّ السّلطان سعيدا هذا توفّي في صفر سنة (١٢٧٣ ه‍) ، كما في سيرته المسمّاة : «بدر التّمام في سيرة السّيّد الهمام سعيد بن سلطان» للفقيه الإباضيّ حميد بن محمّد بن رزيق (ص ٤٥٩ ـ ٥٦٥). وإنّما ورد الكساديّ زنجبار إبّان حكم ابنه السّلطان برغش بن سعيد لها ، لصداقة كانت بينهما ، فأقام عنده على الرّحب والسّعة حتّى توفّي .. ذكر هذا السّيّد محمّد بن هاشم في «رحلة الثّغرين» بهامش (ص ٤١).

(٣) الموتورون : من قتل لهم قتيل ولم يدركوا ثأره ، وهم أقاربه أبناء صلاح ومطلق ابني عبد الرّبّ الكساديّ الّذين هاجروا بعد أن غلبهم على الحكم محمّد بن عبد الحبيب بمعونة الإنكليز.

(٤) أظأرتهم : من الظئار وهو العطف.


أجري وأقبل صلح هدنة لمدّة سنتين من هذا التّاريخ ، وكذلك أقبل وألزم نفسي بنيّة صالحة بأن لا أعاون ولا أساعد بأيّ وجه كان ظاهرا أو باطنا كلّ عدوّ للقعيطيّ المذكور في أثناء هذه الهدنة السنتين المذكورة ، وقد رضيت وصحّحت هذه الشّروط برضاي واختياري ، والله خير الشّاهدين.

النقيب عمر صلاح

ثم الختم

حرّر في المركب كونتنك

الدّولة العظمى الإنكليزيّة (٢٢) ديسمبر سنة (١٨٧٦ م) ، (٦) الحجة سنة (١٢٩٥ ه‍).

والأخرى :

بسم الله الرّحمن الرّحيم

أقرّ أنا الجمعدار عبد الله بن عمر القعيطيّ حاكم بندر الشّحر بأنّي قبلت بتوقيف وقطع العداوة التي بيني وبين النّقيب عمر صلاح نقيب المكلّا ، وأن أجري وأقبل صلح هدنة لمدّة سنة واحدة من هذا التّاريخ ، وكذلك أقبل وألزم نفسي بنيّة صالحة بأن لا أعاون ولا أساعد بأيّ وجه كان ظاهرا أو باطنا كلّ عدوّ للنّقيب عمر في أثناء هذه الهدنة السّنة المذكورة ، وقد رضيت وصحّحت هذه الشّروط برضاي واختياري ، والله خير الشّاهدين.

صحيح عبد الله بن عمر القعيطيّ

حرر في المركب الحربيّ المسمّى : عرب تعلق الدّولة العظمى في (٧) مي سنة (١٨٧٩ م) ، الموافق (١٢) جمادى أولى سنة (١٢٩٦ ه‍).

وفي الأولى إمضاء الوكيل السّياسيّ صالح جعفر ، وفي الأخرى كومندور الدّراعة فرانسيس لوك ، المقيم السياسيّ. عدن.

وفي معنى الوثيقة الأولى ولفظها وتاريخها وموضعها وثيقة بإمضاء السّلطان


عوض بن عمر ، وهو : صحيح عوض بن عمر القعيطيّ عن نفسه وعن أخيه عبد الله بن عمر حاكم الشّحر.

ثمّ وجدت عريضة تضمّ ما انتشر ، وتفصّل ما أجمل ، تشبه أن تكون بأمر النّقيب عمر صلاح قدّمها فيما يظنّ لدولة الإنكليز ، جاء فيها :

أولا : كان بين النّقيب صلاح بن محمّد الكساديّ سلطان المكلّا ، وبين الجمعداريّة صالح وعبد الله وعوض أبناء عمر بن عوض القعيطيّ صداقة ، وكانوا تابعين للنّقيب ، حتّى عزم على حرب الشّحر ، فجهز ومعه عوض بن عمر على الشّحر ، وأخذوها على أنّها أنصاف بينهم ، وبقي عوض بن عمر حاكما عليها.

وبعد ستّ سنين من أخذ الشّحر .. توفّي النّقيب صلاح بن محمّد ، وخلفه ولده عمر صلاح ، فاشتبك في حرب مع آل العموديّ وقبائل دوعن ، فانتهز عوض بن عمر الفرصة ، واستأذن في الوصول إلى المكلّا ؛ للتّوسّط بين النّقيب عمر صلاح وآل دوعن في الصّلح ، فوصل على حين غفلة ، فخرج عمر صلاح لاستقباله .. فاستنكر كثرة العساكر التّي جاء بها معه ؛ لأنّها تقدّر بسبع مئة ، فقال له : لم لم تبعث برسول يخبرنا بوصولك؟

فاعتذر وأظهر أنّ قصده المصالحة بين النّقيب وبين قبائل دوعن ، وفي ثاني يوم وصوله .. ادّعى بمئة وستين ألف ريال عند النّقيب صلاح بن محمّد .. فأجابه النّقيب عمر ب : (لا أعلم شيئا على والدي ، وقد عاش ستّ سنين بعد أخذ الشّحر ولم تطلبوا بشيء ، وإن كان بها سند صحيح على والدي .. فأنا مستعدّ للوفاء).

لكنّ عوض بن عمر لمّا رأى المكلّا خالية .. اعتمد على القوّة ، وقال لعمر صلاح : إن لم تمض على بيع ناصفة المكلّا لي بالمبلغ المذكور .. أخذتها بالقوّة ، فأمضى النّقيب مضطرّا ، ثمّ استدعى عساكره من دوعن ، وحصل من عسكر القعيطيّ تعدّ بقتل أحد عسكر النّقيب ، فنشبت الحرب ثلاثة أيّام ، انهزم في آخرها عوض بن عمر ، فطلب الأمان لنفسه .. فأمّنه النّقيب.


فسار إلى الشّحر بسلاحه وعساكره في عدّة سفن ، وبعد وصوله إلى الشّحر .. استمرّت المناوشات بين النّقيب والقعيطيّ ثلاث سنين ، حتّى وصل الجنرال سندر من عدن ، وعقد هدنة لمدّة سنتين ، ولمّا انقضت .. وصل والي عدن فرانسيس لوك ، وعقد هدنة لمدّة سنة ، ولمّا انقضت .. منع الطّرفين عن جهة البحر ، ولكنّ عبد القعيطيّ جهّز عساكره بحرا ، وهجم على بروم في اللّيل ، واستولى عليها ، وأرسل النّقيب سلطان المكلّا خبرا لوالي عدن .. فتغافل عن تعدّي القعيطيّ ، فطلب النّقيب آل كثير ، وجهّز على بروم ، وجهّز عسكر القعيطيّ بها من جهة البرّ.

وفي (٢٥) ديسمبر سنة (١٨٨١ م) وصل مركب إنكليزيّ فيه صالح جعفر مندوب من والي عدن .. فوجد عسكر القعيطيّ محصورين في بروم ، وسفنه في المرسى ملآنة بالرّصاص والزانة ، فربط سفينتين منها بمركبه إلى عدن ، وهربت أربع سفن إلى الشّحر ، ثمّ أرسل الوالي بمركب حربيّ اسمه (سيجل) ، يرأسه القبطان بيلس ، وأقام هدنة خمسة عشر يوما.

وفي (٢٢) فبروري وصل المركب (دجمار) وفيه صالح جعفر ووكيل القعيطيّ الواصل من الهند .. فدفع صالح جعفر للنّقيب عمر كتابا من والي عدن يقول له فيه : واصلك مرسولنا صالح جعفر .. فاقبل ما أودعناه لك من خطاب ، فقال صالح جعفر : إنّ الدّولة حرّرت بينكم معاهدة على ثلاثة شروط ، كلّ شرط في ورقة ؛ لتخرج عساكر القعيطيّ من بروم بغير سفك دماء ، وبعد خروج عساكر القعيطيّ بانسلّمها لك ، وبانعطيك حماية لبلادك ، وتكون تبع للدّولة الإنكليزيّة.

فلمّا وقف النّقيب على الشّروط الثّلاثة .. امتنع عن الإمضاء ، وبقي صالح جعفر يرغّبه ويقول له : إنّما هي وسيلة إلى خروج عسكر القعيطيّ من بروم ، وتكون الشّروط تحت اختيارك بعد ذلك ، وكان النّقيب واثقا بصالح جعفر .. فأمضى على الشّروط الثّلاثة ، كلّ شرط في ورقة ، فتوجّه صالح جعفر ونزعوا عساكر القعيطيّ من بروم ، وسلّموها للنّقيب.

وبعد أربعين يوما .. وصل القبطان هنتر وصالح جعفر ، وقالوا للنّقيب : إنّ والي


عدن استحسن أن تبيع بلادك المكلّا لعدوّك القعيطيّ بثلاثة لكّ (١) ريال ، وطلب إمضاءه على ورقة بيع مكتوبة بالإنكليزيّة .. فأبى ، فألزموه أن يواجه الوالي بنفسه في عدن ، فتوجّه على أمل من إنصاف الوالي ، فلم يكن منه إلّا أن ألزمه الإمضاء على ورقة البيع .. فامتنع ، وبقي خمسة وعشرين يوما في مراجعة مع الوالي.

ثمّ عاد إلى المكلّا في نفس المركب الّذي سار فيه ، واسمه (دجمار) ومعه صالح جعفر ، ولمّا وصل المكلّا .. وجد المنور الحربيّ المسمّى (دراقين) راسيا بالمكلّا ، وفي اليوم الثّاني .. نزل قبطانه ـ واسمه هلتن ـ ورافقه صالح جعفر وأعطى للنّقيب ورقة مكتوبة بالعربيّ : إنّك راضي أن تفارق بلدك وحدودك ما عدا بروم ، ونسلّم لك لاكين وعشرين ألف ريال ، فامتنع النّقيب عن الإمضاء عليها ، فعاد هلتن للمنور المسمّى (دراقين) ومعه صالح جعفر .. فضربوا ثلاثة مدافع ؛ إعلانا بحصر المكلّا ومنعوا السّفن الواردة ، فضربوا السّفن الرّاسية ، وبقي ذلك المنور محاصرا للمكلّا ستّة أشهر ، وبعدما وصل المنور (دجمار) من عدن وفيه حاكم صغير اسمه (والش) .. قال للنّقيب عمر : إنّ دولة الإنكليز رفعت الحصر عن بلادك ، وإنّها لا تتداخل بينك وبين القعيطيّ.

وبعد عشرين يوما وصلت المناور الحربيّة (دراقين) و (عرب) و (دجمار) ، وفيها القبطان (هولتن) والقبطان (هنتر) ، وألزموا النّقيب صلاح يصحّح على ورقة بيع بلاده للقعيطيّ بثلاثة لكّ ريال .. فامتنع ، فتوجّه المنور (دراقين) والمنور (دجمار) إلى الشّحر عند القعيطيّ ، وأقاما خمسة أيّام ، وفي اليوم السّادس .. وصلت مناور إنكليزيّة شاحنة بعسكر القعيطيّ وآلات الحرب ، ومعهم عبد الله بن عمر القعيطيّ ، ونزل هنتر إلى بروم ، وقال لحاميتها : إن لم تفرغوها .. أثرنا عليكم الحرب ، وفي أوّل يوم من نوفمبر سنة (١٨٨١ م) .. أطلقوا المدافع ، وهدموا القلاع ، فهزمت عسكر النّقيب ، واستولت المناور على بروم ، ثمّ سلّموها لعبد الله بن عمر القعيطيّ ، ثمّ توجّه (دراقين) وسفن القعيطي بحرا ، وبعض عساكره

__________________

(١) اللّكّ : عند أهل الهند وإيران واليمن : مئة ألف ، وعند المولّدين : عشرة ملايين ، وجمعه : لكوك.


برّا حتّى وصلوا بلاد فوّة ، فنزل هولتن وطرد عسكر النّقيب ، وسلّم فوة للقعيطيّ.

ثمّ توجّه المنور والسّفن إلى المكلّا ، وحصروا المكلّا ، وقطعوا وارد الماء من البرّ ، فطفق النّقيب يخاطب هولتن ويذكّره الصّداقة والمعاهدة ، ولمّا رآه مصمّما على حربه بما لا طاقة له به .. طلب الأمان ، وسلّم بلاده للقبطان هولتن ، ونزلت عساكر الإنكليز ، وركب النّقيب عمر صلاح في حاشيته ونسائه وأطفاله ورجاله المقدّرين بألفين وسبع مئة نفس ، سار بهم القبطان هولتن إلى عدن بعد أن سلّم المكلّا للقعيطيّ ، ولمّا وصل النّقيب بحاشيته إلى مرسى عدن .. طلب مواجهة الوالي .. فلم يجبه ، بل شدّد عليه الحصر في السّفن ، ومنعهم النّزول إلى البرّ ، واشتدّ عليهم الضّيق والزّحام حتّى مات منهم نحو مئتي نفس ، وبقوا في الحصر اثنين وعشرين يوما ، يطلع إليهم هنتر وصالح جعفر إلى البحر في كلّ يوم يتهدّدون النّقيب عمر بالحبس والقيد إذا لم يمض على خطّ البيع .. فلم يوافقهم ، ولمّا أيسوا من موافقته .. نزّلوا فرقة من عسكره تقدّر بسبع مئة إلى برّ عدن ، ورخّصوا له بالسّفر ، فتوجّه مظلوما مقهورا من مأموري عدن إلى بندر زنجبار ، والآن له مدّة سنتين يخاطب دولة الهند فيما حصل من ظلم مأموري عدن ، ويطلب الإنصاف من دولة الإنكليز بوجه الحقّ .. فلم تفده بجواب ، وهو في انتظار الإنصاف إلى هذا الوقت ، وقد حرّر هذا لأعتاب دولتكم ؛ ليكون الأمر معلوما ، والسّلام. اه بنوع اختصار.

ومنها يعرف أنّ الوثيقة الأولى هي الّتي انعقدت على يد سندر سنة (١٢٩٥ ه‍) ، والثّانية هي الّتي انعقدت على يد فرانسيس لوك سنة (١٢٩٦ ه‍) ، والله أعلم.

ومن ذلك اليوم صفت المكلّا لآل القعيطيّ ، يتداول حكمها بين السّلطان عوض وأخيه عبد الله بن عمر ، إلى أن مات الثّاني في سنة (١٣٠٦ ه‍) عن ولدين ، كان لهما مع عمّهما عوض نبأ يأتي ذكر بعضه في الشّحر.

وفي سنة (١٨٨٨ ميلاديّة) ـ ولعلّها موافقة سنة (١٣٠٥ هجريّة) (١) ـ انعقدت معاهدة بين الحكومة الإنكليزيّة والحكومة القعيطيّة ، هذا نصّها :

__________________

(١) فائدة : لتحويل التّاريخ الميلاديّ إلى هجريّ نفعل الآتي : (ميلادي ـ ٦٢٢) * ٣٣ ـ ٣٢ ـ الهجري.


المادة الأولى : تلبية لرغبة الموقّع أدناه : عبد الله بن عمر القعيطيّ ، بالأصالة عن نفسه ، وبالنّيابة عن أخيه عوض .. تتعهّد الحكومة البريطانيّة بأن تمدّ إلى المكلّا والشّحر ومتعلّقاتهما الّتي في دائرة تفويضهما وحكمهما المنّة السّامية ، وحماية صاحبة الجلالة الملكة الإمبراطورة.

المادة الثّانية : يرتضي ويتعهّد عبد الله بن عمر القعيطيّ ، بالأصالة عن نفسه ، وبالنّيابة عن أخيه عوض وورثائهما وحلفائهما .. بأن يتجنّب الدّخول في مكاتبات أو اتفاقيّات أو معاهدات ، مع أيّ شعب أو دولة أجنبيّة إلّا بعلم وموافقة الحكومة البريطانيّة.

ويتعهّد أيضا : بأن يقدّم إعلاما سريعا لوالي عدن ، أو لضابط بريطانيّ آخر عند محاولة أيّة دولة أخرى في التّدخّل في شؤون المكلّا والشّحر ومتعلّقاتهما.

المادة الثّالثة : يسري مفعول هذه المعاهدة من هذا التّاريخ.

وشهادة على ذلك فقد وضع الموقّعون أدناه إمضاءاتهم أو ختوماتهم في الشّحر باليوم من شهر مايو سنة (١٨٨٨ م) اه

وكنت أتوهّم هذه أوّل معاهدة بين القعيطيّ والإنكليز ، ولكن رأيت قبلها أخرى بواسطة (جايمس بلار) والي عدن بتاريخ (٢٩) مارس سنة (١٨٨٢ م) و (١٢) رجب سنة (١٢٩٩ ه‍) جاء فيها ما يوافق الّتي قبلها ، مع زيادات :

أولاها : أنّ عبد الله بن عمر وأخاه عوض بن عمر تمكّنا ـ بواسطة المساعدة لهما من الحكومة البريطانيّة ـ من الاستيلاء على مرفأي بروم والمكلّا في أكتوبر سنة (١٨٨١ م) ، وعلى الأراضي الّتي كان يحتلّها النّقيب.

وبما أنّ الحكومة قد أسدت إليهما مساعدات ومننا أخرى .. فقد وافقوا على المعاهدة الآتية ، وهي معاهدة سنة (١٨٨٨ م).

والزّيادة الثّانية هي : بما أنّ الممتلكات الّتي كانت سابقا في قبضة النّقيب عمر بن صلاح قد انتقلت إلى يد عبد الله بن عمر القعيطيّ ، وهو قد دفع مئة ألف ريال للوالي


في عدن لقاء نفقات النّقيب عمر بن صلاح .. فإنّ هذا المبلغ سيصرف بنظر الوالي في عدن عن النّقيب عمر بن صلاح المذكور.

والزّيادة الثّالثة هي : تعهّد الحكومة البريطانيّة بمعاش سنويّ لآل القعيطيّ ، قدره : ثلاث مئة وستّون ربيّة ، ما داموا قائمين بشروط هذه المعاهدة. اه

ولكنّ آل القعيطيّ ترفّعوا عن ذلك المعاش الزّهيد ، ولم يقبضوا منه شيئا من يوم المعاهدة إلى اليوم.

ومقدّم تربة المكلّا (١) هو : الشّيخ يعقوب بن يوسف باوزير ، وهو آخر من وصل إليه العلم من أجداده (٢) المشايخ آل باوزير ، وكانت وفاته بالمكلّا في سنة (٥٥٣ ه‍).

وقال السّيّد علويّ بن حسن مدهر : (إنّ آل باوزير يرجعون إلى الشّيخ حسن الطّرفيّ ، المقبور بجزيرة كمران).

وقال الشّيخ عبد الله بن عمر بامخرمة : (إنّ آل باوزير ينسبون إلى قرية يقال لها : وزيريّة من شرعب باليمن ، على مقربة من تعزّ ، بينهما مرحلة ، تطلّ على تهامة)

وقد اجتمعت بالفاضل السّيّد : محمّد بن محمّد بن عبد الله بن المتوكّل ، فحدّثني عن وزيريّة هذه وقال : (إنّها الوزيرة (٣) لا وزيريّة ، وهي ما بين شرعب والعدين ، بلاد خصبة جدّا ، يمرّ فيها غيل غزير ، لا تزال به خضراء صيفا وشتاء).

وزعم قوم : أنّ الشّيخ يعقوب بن يوسف من آل الجيلانيّ (٤).

__________________

(١) مقدّم التّربة : أي هو أشهر أو أقدم من قبر بها ؛ لذا فهو المقدّم على غيره بالزّيارة لسابقته.

(٢) كذا في الأصل بزيادة هاء الضّمير ، ولعلّ الأصوب بدون الهاء ؛ لأنّ آل باوزير ينتهون في النّسب إليه.

(٣) الوزيرة : عزلة من ناحية الفرع من العدين ، والعزلة أصغر من القرية ، وظهر من هذه العزلة علماء أجلّاء ؛ منهم : الفقيه عبد الله بن أسعد الوزيري ، شارح «اللّمع» لأبي إسحاق الشّيرازيّ ، توفّي بعد سنة (٦١٣ ه‍). وله أولاد علماء أعلام ؛ منهم : الفقيه أحمد الذي بنى الملك المنصور عمر بن عليّ الرّسوليّ مدرسة عرفت بالوزيريّة نسبة إليه ، توفي الفقيه أحمد بن عبد الله هذا سنة (٦٦٢ ه‍) ..

ينظر : «البلدان اليمانيّة عند ياقوت» (ص ٣٠٠) ، و «المدارس الإسلاميّة في اليمن» (ص ٤٦ ـ ٥٠).

(٤) فصّل هذا الموضوع صاحب «الشّامل» (ص ٨٦) بقوله : وبها الشّيخ يعقوب ، معتقد يزار ،


وكان لآل باوزير منصب عظيم ، وجاه واسع ، حتّى لقد كانت لهم دولة بأنقزيجة وهي من جزائر القمر ، وآخر سلاطينهم بها يقال له : (مرسى فوم) ، ولكنّ السّيّد عليّ بن عمر المسيليّ طلب منه أن يولّيه على بعض البلاد .. فلم يرض ، فخرج عن طاعته ، واستعان بفرنسا .. فساعدته بالأموال والعتاد ، وبباخرة حربيّة حاصر بها مرسى فوم ، ولمّا رغب في الصّلح .. اتّعد هو وإيّاه إلى مكان أعدّ فيه الرّجال ، وبمجرّد ما وصل .. غدر به وقتله خنقا ، واستولى على ملكه ، وكان جبّارا ظالما ، معاصرا لسيّدي أحمد بن أبي بكر بن سميط ، ولا تزال لأولاده سلطنة اسميّة إلى اليوم ، وأمّه من ذرّيّة السّيّد أحمد بن عليّ ، أحد آل الشّيخ أبي بكر بن سالم ، وكان له

__________________

ويقال : إنّه ليس من أهل البلد ولكنه غريب جاء إليها فمات ودفن هناك ، وإنّه قديم العهد ، وهذا شيء يتناقله النّاس شفاها ، وقد دوّنه بعضهم فيما بعد.

وقيل فيه : إنّ اسمه يعقوب بن يوسف ، وإنّه شريف حسنيّ النّسب ، ونقل في الجزء الثّاني من «نشر النّفحات المسكيّة» : أنّ للعلّامة السّيّد الشّريف عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الرّحمن العيدروس العلويّ الحسينيّ المعروف ب (صاحب الدشتة) قصيدة مدحه فيها ونسبه إلى الشّيخ عبد القادر الجيلاني.

وقال بعض المتأخّرين من المشايخ آل باوزير : إنّه جدّهم ، وإنّه عبّاسيّ النّسب. كلّ هذا قيل ، ولكن لم نر لشيء من ذلك مستندا في كتاب قديم يمكن أن يوثق به ، والتّاريخ نقل ورواية) اه كلامه.

أقول : والّذي عليه بعض مؤرّخي آل باوزير إثبات أنّهم عبّاسيّون ؛ فقد صنّف الشّيخ مزاحم بن سالم بن مزاحم باوزير كتابا سمّاه : «البدر المنير في رفع الحجاب عن نسب آل أبي وزير» أو «دفع الالتباس عمّن لا يعلم أنّ آل أبي وزير من بني العبّاس» .. طبع بمصر بمطبعة التّقدّم العلميّة سنة (١٣٢٩ ه‍) ملحقا به كتابان لبعض آل باوزير في التّصوّف.

وكتب المؤرّخ سعيد عوض باوزير في «صفحات من التّاريخ الحضرميّ» قصّة نزوح جدّهم الشّيخ يعقوب من العراق (ص ٩٧ ـ ١١٢).

وأبيات السّيّد العيدروس الّتي ذكرها صاحب «الشامل» تشير إلى أنّ الشّيخ يعقوب هو سبط الشّيخ عبد القادر الجيلانيّ ، وهي قوله من الخفيف :

لا يقاس علاؤه بعلاء

وهو نسل الرسول ذاك الحبيب

سبط شيخ الشيوخ قطب المعالي

الشريف الجيلاني المرغوب

العفيف المنيف حقا وصدقا

ناده باسمه العلم (يعقوب)

إلخ ، وإنّما أوردتها لتكون شاهدا على قول المصنّف. والله أعلم.


أولاد يزيدون عن المئة ، وسلطته على أنقزيجة انتهت بآل باوزير ، ثمّ انتهت دولة آل باوزير بحكم عليّ بن عمر ، وليس من آل الشّيخ أبي بكر ، ولكنّ أمّه منهم ، وأمّا هو .. فمن آل المسيلة ، ولهذا قيل له : المسيلي.

وللمكلّا ذكر كثير في أخبار بدر ـ أبو طويرق ـ الكثيريّ ، المتوفّى بسيئون سنة (٩٧٧ ه‍) ، وشيء من ذلك لا ينافي كونها خيصة صغيرة لذلك العهد ، لم تعمّر إلّا في أيّام الكساديّ ؛ لأنّه لا ينكر وجودها من زمن متقدّم ، وصغرها لا يمنع ذكرها ، فمن ذكرها .. فقد نظر إلى مجرّد وجودها ، ومن لم يذكرها .. فلحقارتها ، ولأنّها لا تستحقّ الذّكر إذ ذاك.

إلّا أنّه يشكل على ذلك شيئان :

أحدهما : أنّ الشّيخ عمر بن صالح هرهره (١) لم يذكرها في «رحلته» الّتي استولى فيها على حضرموت والشّحر ، ولقد ذكر فيها أنّه أقام بالشّحر ثلاثة أشهر ، وأنّ ما جباه منها في هذه المدّة : خمسة وثلاثون ألف ريال ، مع أنّه متأخّر الزّمان في سنة (١١١٧ ه‍) ؛ فإنّ هذا يدلّ على فرط تأخّرها ، إلّا أن يقال : إنّ الشّيخ عمر صالح احترمها لمكان إخوانه اليافعيّين فيها ، ولكنّه لا يصلح إلّا جوابا عن الغزو لا عن الذّكر.

وثانيهما : أنّ كثرة المقابر بها تدلّ على عمران قديم.

وقد يجاب بأنّها : ربّما كانت كلّها مقبرة للعكابرة وبني حسن ومن داناهم ؛ حرصا على مجاورة الشّيخ يعقوب ، كما هي عادة أهل البلاد ، وأهل البادية أكثر النّاس حرصا على مثل ذلك.

وقد عمّر كثير من تلك المقابر بعد دثورها مساكن ومساجد ، وكنت أشتدّ في إنكار ذلك ، حتّى رأيت كلام «التّحفة» و «الإيعاب» في ذلك.

وحاصل ما فيهما : (أنّ الموات المعتاد للدّفن بلا مانع يدخل في قسم المسبّل ، ويجوز زرعه وبناؤه متى تيقّن بلاء من دفن به ، ولا سيّما إذا أعرض أهل البلد عن الدّفن

__________________

(١) آل هرهرة : فخذ من آل الظبي بطن من يافع ، كانوا سلاطين يافع العليا. وأخبار عمر بن صالح هرهرة في «العدّة المفيدة» : (١ / ٢٤٩ ، ٢٨٤ ، ٢٩٢).


فيه حالا واستقبالا. وإنّما يمتنع الإحياء والتّصرّف فيما تيقّن وقفها ، أو أنّ مالكا سبّلها)

وقال العينيّ ـ وهو من الحنفيّة ـ : (ذكر أصحابنا أنّ المقبرة إذا دثرت .. تعود لأربابها ، فإن لم يعرف أربابها .. كانت لبيت المال). اه وفي شروح «المنهاج» ما يوافقه.

وقال ابن القاسم من المالكيّة : (لو أنّ مقبرة عفت (١) ، فبنى عليها قوم مسجدا .. لم أر بذلك بأسا) اه (٢)

وهذا شامل لما تحقّق وقفها أو تسبيل مسبّل لها.

أمّا ما لم يتحقّق فيه ذلك .. فنحن وإيّاهم على اتّفاق في جواز إحيائه والتّصرّف فيه.

وقال بعض الحنابلة : (إذا صار الميت رميما .. جازت زراعة المقبرة والبناء عليها)

وهذا في غير قبور الأولياء والعلماء والصّحابة ؛ أمّا هؤلاء .. فلا تجوز على قبورهم مطلقا.

وفي شرحي بيتي السّلطان غالب بن محسن من ثالث أجزاء «الأصل» ما يصرّح بأنّ المكلّا لم تزل خيصة في سنة (١٢٤٩ ه‍) ، وأنّ سكّانها إذ ذاك لا يزيدون عن أربعة آلاف وخمس مئة نفس.

ثمّ إنّه لم يكن للعلم شأن يذكر بالمكلّا (٣) ونواحيها (٤) ؛ لانصراف وزير الحكومة

__________________

(١) عفت : زالت وذهب آثارها.

(٢) التاج والإكليل (٦ / ٣٢).

(٣) ذكر السيد محمد بن هاشم في «رحلة الثغرين» عندما ورد المكلا في سنة (١٣٥٠ ه‍) ، أن بها خمس مدارس وهي : المدرسة السلفية ، والمدرسة الوطنية ، ومدرسة الفلاح ، والمدرسة الهاشمية ، والمدرسة السلطانية.

(٤) ونواحيها : ما قرب منها من المناطق الساحلية ، ولا يدخل في هذه النواحي غيل باوزير ؛ فقد كان للتعليم به شأن وأي شأن ؛ إذ كان رباط ابن سلم يغدق على الساحل الخريجين الفقهاء وطلاب العلم الشرعي ، كما سيأتي معنا في الغيل لاحقا.


القعيطيّة السّيّد حسين بن حامد المحضار إذ ذاك عن هذه النّاحية ، بل كان ـ رحمه الله ـ يتعمّد ذلك ؛ لأنّ في العلم والمدارس تنبيه الأفكار ، وهو يكره وجود النّابغين ؛ لئلّا يزاحموه أو يغلبوه على السّلطان ، أو يطالبوه بحقوقهم (١).

وإنّما كان يوجد فيها الأفذاذ النّاقلون بحكم الفلتات ؛ كالشّيخ عوض بن سعيد بن محمّد بن ثعلب ، الّذي تولّى القضاء بها فيما قبل سنة (١٣١٣ ه‍) ، وكالشّيخ عبد الله بن عوض باحشوان (٢) ، والشّيخ سعيد بن امبارك باعامر في قليل من أمثالهم ، لا تحضرني أسماؤهم.

ومن أواخرهم : الشّيخ عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن عوض باوزير ، قرأ على الشّيخ محمّد بن سلم ، وله رحلات في طلب العلم إلى الحجاز وعدن وحضرموت ، وكان ذا لسان ونفس طيّب في الوعظ والتّذكير ، توفّي بالغيل في سنة (١٣٥٤ ه‍) ، ودفن إلى جانب شيخه ابن سلم.

وبإثر وصول السّادة آل الدّبّاغ (٣) إلى المكلّا في حدود سنة (١٣٤٣ ه‍) .. فتحوا المدارس وأحسنوا التّعليم ، وكان حزب الأحرار الحجازيّ (٤) يغدق عليهم الأموال ، وتصلهم مع ذلك المواساة من العراق.

__________________

(١) لقد أطال المصنّف وأفاض في ترجمة السّيّد حسين بن حامد في «بضائع التابوت» ، وذكر أمورا خاصّة جرت بينهما ، (٢ / ٢٨٨ ـ ٢٩٦).

(٢) عالم فقيه من سكّان المكلّا ، توفّي قبيل وفاة السّلطان عمر بن عوض ؛ أي في بداية الأربعينيّات الهجريّة ، وكان بارعا في الفرائض كما يقول معاصره فضيلة الشيخ النّاخبيّ حفظه الله.

(٣) وهم السّادة : طاهر الدّبّاغ ، وابنا أخيه : حسين وعليّ ، وهم أشراف حسينيّون ، من أهالي الحجاز.

(٤) حزب الأحرار الحجازيّ : تأسّس إبّان نشوب الحرب بين جلالة الملك عبد العزيز آل سعود وجلالة الشريف الحسين بن عليّ ؛ إذ تنادى طائفة من أعيان مكة وجدّة إلى الحضور إلى دار الشّيخ محمّد حسين نصيف ، حيث قرّروا بأغلبيّة الأصوات إنشاء حزب يدعى (الحزب الوطني الحجازيّ) ، وانتخبوا اثني عشر شخصا من أعيان الأمّة في مكّة وجدّة ؛ ليكونوا الهيئة الإداريّة للحزب ، وقد اختير لرئاسة هذا الحرب الشّيخ محمّد الطّويل ، كما اختير لأمانة سرّه السّيّد طاهر الدّبّاغ ، وقد أصدر الحزب بجدة عدّة نشرات موجّهة إلى الأمّة تدعوها إلى الاتّحاد والتّضامن. «من أعلام التّربية والفكر في بلادنا» للسّيّد محسن باروم : (٥٨ ـ ٥٩).


إلّا أنّهم كانوا يضمرون من التّعليم غير ما يظهرون ، وحاولوا تربية الأولاد على الطّريقة الحربيّة ؛ ليعدّوهم لغزو الحجاز ، واستمالوا رؤساء يافع ، وكان لهم إذ ذاك أكبر النّفوذ في المكلّا ، وربّما تركوا صندوق الذّهب مفتوحا ليروه عندما يزورونهم ، وبالآخرة طالبوهم بعسكر على أن يدفعوا لهم مرتّبات ضخمة ، فالتزموا لهم بخمسة وأربعين ألف مقاتل من يافع ، ولكنّ آل الدّبّاغ تأخّروا بعد ذلك لمؤثّر إمّا من الحجاز ، وإمّا من العراق ، وحاولوا إثارة حفيظة ملك العراق (١) لغزو المكلّا وحضرموت.

وفيما كانت فرقة الكشّافة مارّة بسوق المكلّا ، ترفرف عليها الأعلام العراقيّة .. تكدّر لذلك الشّيخ الأديب عبد الله أحمد النّاخبيّ (٢) ، وكان شريكهم في التّعليم ، ولكنّه لم يصبر على هذا التّطرّف ، فنبّه الوزير (٣) ، ولكنّه (٤) خاف من يافع ـ وكان

__________________

(١) هو الملك فيصل بن الشّريف الحسين بن عليّ الحسنيّ الهاشميّ (١٣٠٠ ـ ١٣٥٢ ه‍) أبو الملك غازي ولد بالطّائف ، وتوفّي فجأة بسكتة قلبيّة في العاصمة السّويسريّة برن ، ونقل جثمانه إلى بغداد ودفن بها ، وهو من أشهر السّاسة العرب في العصر الحديث ، نودي به ملكا على البلاد السّوريّة سنة (١٣٣٨ ه‍) ، ثمّ نودي به على عرش العراق في السّنة الّتي تليها (١٣٣٩ ه‍) ، ينظر : «الأعلام» (٥ / ١٦٥ ـ ١٦٦) ، «ما رأيت وما سمعت» (١٧٩).

(٢) هو الشيخ العلامة الفقيه الأديب المؤرخ ، عبد الله بن أحمد بن محسن بن ناجي الناجي اليافعي ، مولده بجبل يافع في بلدة تسمّى : حمحمة ـ بضمّ الحائين المهملتين ـ المشرفة على وادي ذي ناخب ، ولد عام (١٣١٧ ه‍) ، وهو يحفظ أنّ تاريخ مولده أيّام موقعة حوته التاريخية أي ما بين أجواء (١٣١٤ ه‍) و (١٣١٧ ه‍) وكان والده ضمن الجنود الذين شاركوا فيها من جانب القعيطي ، ثم أخذه والده إلى تبالة ، فدرس بها على يد الشيخ سالم الكلالي ، وهو شيخ فتحه وتخريجه ، ثم دخل المكلا في عهد السلطان عمر ، وشارك في النهوض بالتعليم بها ، وعدّ في أعيانها ، وله مواقف وأخبار كثيرة ، وتقلد عددا من المناصب الحكومية في عهد السلطان صالح ، وأضفى عليه المذكور لقب : (شاعر الدولة) ، وهو الآن مقيم بجدة ، أطال الله عمره في خير وعافية.

(٣) كان ذلك في عهد السّيّد أبي بكر بن حسين بن حامد المحضار ، ويقول الشّيخ النّاخبيّ : إنّ آل الدّبّاغ استمرّوا في التّدريس على منوالهم حتّى نهاية عهد السّلطان عمر ، وكان ابن أخيه السّلطان صالح في الهند ، فبلغته أنباء عن توجّه آل الدّبّاغ السياسيّ ، فكتب رسالة من الهند إلى عمّه السّلطان عمر بالمكلّا أبلغه فيها بما نمي إليه من أخبارهم.

(٤) أي : الوزير المذكور ؛ الّذي استمرّ في الوزارة إلى حدود سنة (١٣٤٩ ه‍).


خوّارا (١) ـ فسكت على مضض ، حتّى قدم الفاضل السّيّد طاهر الدّبّاغ (٢) ، فعرف تهوّر أصحابه فقذعهم (٣) ، ولكنّه بارح المكلّا وشيكا ، فعادت القضيّة إلى أسوأ ممّا كانت ، إلّا أنّ المسألة انحلّت بطبيعة الحال ؛ إذ سافر عليّ الدّبّاغ إلى جازان ؛ لتدبير الثّورة ، فغرق هناك ، وكان آخر العهد به (٤).

__________________

(١) الخوّار : الضّعيف الّذي لا بقاء له على الشّدّة.

(٢) السّيّد محمّد طاهر بن مسعود الدّبّاغ ، ولد بالطّائف سنة (١٣٠٨ ه‍) ، وتوفّي بالقاهرة في شهر رجب سنة (١٣٧٨ ه‍). أرسله والده إلى مصر للدّراسة بها .. فدرس المرحلة الابتدائيّة ، ثمّ عاد وأكمل تعليمه في رحاب المسجد الحرام على أيدي شيوخ العلم بمكّة ، وكانت ملازمته لشيخه العلّامة سيبويه الحجاز الشّيخ محمّد علي المالكي. عيّن مدرسا في مدرسة الفلاح سنة (١٣٣٠ ه‍) ، ثمّ مديرا لماليّة جدّة في عهد الشّريف حسين بن عليّ ، وعند اضطراب حبل الأمن في الحجاز سنة (١٣٤٣ ه‍) عيّن أمين سرّ الحزب الوطنيّ الحجازيّ وسكرتيرا له ، ولم يلبث أن غادر الحجاز بعدها إلى مصر واليمن وحضرموت ، ثمّ إلى الهند وجاوة ، فسنغافورة سنة (١٣٥٠ ه‍) ، وغادرها إلى عدن ومكث بها إلى أواخر (١٣٥٤ ه‍).

وفي سنة (١٣٥٥ ه‍) عاد إلى بلاده ، ولقي إكراما وعطفا من الملك عبد العزيز آل سعود ، وعيّن مديرا عامّا للمعارف في المملكة إلى سنة (١٣٦٤ ه‍). ثمّ عيّن عضوا في مجلس الشّورى إلى عام (١٣٧٢ ه‍) حيث طلب إحالته للتقاعد. ترجمته في : «سير وتراجم» (٢٨٢ ـ ٢٨٥) ، «من أعلام التّربية والفكر في بلادنا» (٥٣ ـ ٨٨) ، «الدّليل المشير» (٢١٢ ـ ٢١٤) ، «الانطلاقة التّعليميّة في المملكة» (١٩٧ ـ ٢٠١).

(٣) قذعهم : أفحش القول فيهم.

(٤) لكنّ شاعر الدّولة القعيطيّة الشّيخ عبد الله النّاخبيّ ، وهو أحد معاونيهم في مدرسة الفلاح يقول عن نهاية آل الدّبّاغ : إنّه بعد أن أمر السّلطان عمر بإغلاق المدرسة في أواخر الأربعينيّات الهجريّة ـ حوالي (١٣٤٨) أو (١٣٤٩ ه‍) ـ توجّه الأخوان عليّ وحسين آل الدّبّاغ إلى عدن ، وفتحوا بها مدرسة سمّوها مدرسة الفلاح أيضا ، وأقاموا في عدن بضع سنوات ـ أربع أو خمس سنوات ـ وبعدها راحوا إلى لحج وفتحوا مدرسة أيضا بها ، وأدخلوا الموسيقى في المدرسة .. فكانت أوّل فرقة موسيقيّة رسميّة تكونت على أيديهم في بلاد لحج.

وعادوا إلى عدن في حدود (١٣٥٥ ه‍) ، وحاولوا أن يكوّنوا جيشا لغزو الحجاز به ، وأعدّوا عدّة ليست بالقليلة ، وكانت خطّتهم : أن يقوم حسين بالذّهاب إلى يافع ليجلب الجنود ، ويذهب عليّ إلى الحبشة لشراء السّلاح .. ونفذت أوائل هذه الخطّة ، وسار عليّ الدّبّاغ إلى الحبشة ليجلب الأسلحة ، لكنّ منّيته عاجلته .. فغرق في زورق بقرب السّواحل الحبشيّة ، وليس بالقرب من جيزان وأما حسين فسيذكر المؤلف خبره.


وأمّا حسين : فلم يزل مصرّا على رأيه في الانتقام من الحكومة السّعوديّة ، وكانت خاتمة أمره أن نزل بالحالمين (١) من بلاد يافع ، فمنعه (٢) أهلها آل مفلح (٣) ، فلم يقدر عليه أحد ، ثمّ نشبت بينهم وبين جيرانهم من يافع أيضا فتنة ، ولمّا علموا أنّه السّبب فيها .. اعتزموا قتله ، فغدر بهم فهرب ـ كما فعل الكميت (٤) ـ في زيّ امرأة ، وذهب إلى الحمراء (٥) في آخر حدود يافع ، فأذكى شرّا بينهم وبين آل القويمي من الزّيديّة (٦) ، وكثرت بينهم القتلى.

ولمّا أحسّ بالفشل (٧) .. هرب إلى

 ...

__________________

(١) الحالمين : في بلاد ردفان ، وهي من أعمال محافظة لحج ، وهي منطقة أثرية ، عثر بها سنة (١٩٩٩ م) على قطع أثرية تعود إلى عهود سبأ وحمير.

(٢) أي : حموه من أعدائه وكانوا ظهرا له.

(٣) النسبة إليهم : مفلحي ، وهي قبيلة كبيرة في يافع العليا ، ويطلق اسمها على مركز إداري تابع لمديرية يافع.

(٤) كان خالد بن عبد الله القسري قد حبس الكميت بعد أن قال فيه :

وإنّي وتمداحي يزيدا وخالدا

ضلالا لكالحادي وليس له إبل

فكانت امرأته تدخل عليه .. حتّى عرف أهل السّجن وبوّابوه ثيابها وهيئتها ، ولمّا علم بأنّه سيقتل بالسّجن .. أرسل إليها يأمرها بأن تجيئه ومعها ثياب من لباسها ، وخفّان ، فقال : ألبسيني لبسة النّساء ، ففعلت ، ثمّ قالت له : أقبل .. فأقبل ، وأدبر .. فأدبر ، فقالت : ما أرى إلا يبسا في منكبيك ، اذهب في حفظ الله.

فخرج ، فظنّ السّجّان أنّه المرأة ، فلم يتعرّض له ، فنجا وأنشأ يقول :

خرجت خروج القدح قدح ابن مقبل

على الرّغم من تلك النّوابح والمشلي

عليّ ثياب الغانيات وتحتها

عزيمة أمر أشبهت سلّة النّصل

وللقصّة ذيول وأسباب غير ما ذكر فراجعها ـ إن شئت ـ في «طبقات فحول الشّعراء» (٢ / ٣١٩) ، و «الأغاني» (١٧ / ٢٠). والله الموفّق.

(٥) وهي قريبة من لحج ، وإليها ينسب العلّامة السّيّد الشّريف عمر صاحب الحمراء ابن عبد الرّحمن المتوفى سنة (٨٨٩ ه‍).

(٦) هم من يافع ، وليسوا من الزّيديّة ، كما يقول العلّامة النّاخبيّ اليافعيّ .. وهو أدرى بهم.

(٧) في سرد هذه الأحداث الّتي أوردها المصنّف بعض خلط كما يقول الشيخ النّاخبيّ ؛ إذ إنّ حقيقة الأمر : أنّ حسينا الدّبّاغ ذهب إلى يافع ليعدّ عدّته ، ويجلب منها رجالا يكونون سندا له في تنفيذ خططه الهجوميّة ، الّتي سبق ذكرها في كلام المصنّف ـ قبل أن يجليهم السّلطان عمر من المكلّا إلى عدن ـ وما الفتنة الّتي ذكرها المصنّف هنا إلّا فتنة نشبت بين يافع والإمام يحيى ؛ إذ إنّ حسينا الدّبّاغ لم يزل


القطيب (١) ـ وهي إحدى المحميّات ـ فألفى هناك ضابطا إنكليزيّا ، فأغرى به بدويّا فقتله بجعل دفعه له ، فطلبته حكومة عدن ، بهذه التّهمة فحماه حسن بن عليّ القطيبيّ ، وأبى أن يخيّس بجواره وذمّته ، وبعد أن أقام لديه مدّة .. خطر له أن يخرج متنكّرا إلى حضرموت ، وكانت الحكومة الإنكليزيّة جعلت أربعة آلاف (٢) ربيّة لمن يلقي القبض عليه ، فلمّا انتهى إلى أرباض الهجرين .. أمسك به عاملها ـ وهو الشّيخ محمّد بن عوض النّقيب ، وكان أحد تلاميذه بمدرسة النّجاح (٣) بالمكلّا ـ وهناك أخذه الضّابط السّياسيّ انجرامس (٤) وهو يصيح ويستثير حفائظ المسلمين ، وقد حضر كثير فلم يتحرّك من أحد عرق.

ولمّا وصلوا به إلى عدن .. طلبه ملك الحجاز (٥) ، وأمر بإنزاله مكرّما في جيزان ، وأعلن له عاملها عفو الملك عنه ، وأنّه حرّ في نفسه تحت حراسة عسكر بمثابة خدم له ، حتّى يعرف سلوكه.

__________________

يتوغّل في بلاد يافع حتّى وصل إلى حدود مملكة الإمام يحيى ، وكانت معركة بسبب تحرّشات جرت بين الفريقين ، كانت نهايتها هزيمة يافع وفرار حسين الدّبّاغ إلى حضرموت عبر السّواحل كما سيقص المصنف.

(١) قرية تقع بالقرب من بلدة السواط في وادي ميفعة من أعمال محافظة شبوة.

(٢) الّذي يحفظه الشّيخ النّاخبيّ : أنّها خمسة آلاف روبيّة.

(٣) بل هي «مدرسة الفلاح» .. ولعلّ هذا سبق قلم.

(٤) انجرامس ؛ اسمه : هارولد وليم انجرامس ، بريطانيّ ، ولد سنة (١٨٩٧ م) ، شارك كجندي في أحداث الحرب العالميّة الأولى ، نال ترقية إلى رتبة ملازم أوّل عام (١٩١٤ م) ، ابتعثته بريطانيا إلى زنجبار كمساعد لحاكمها سنة (١٩١٩ م) ، زار حضرموت لأوّل مرّة كسائح عام (١٩٣٤ م) ، وكان حينها ضابطا سياسيا في عدن. ثمّ صار مستشارا مقيما في المكلّا سنة (١٩٣٧ م) ، وغادر حضرموت سنة (١٩٤٤ م) ، وخلفه مستشارون آخرون. ومات في بريطانيا ، وكان له ولزوجته (دورين) أعمال خيريّة في حضرموت .. ينظر : «مذكّرات انجرامس» واسمها (Arabic And The Isles).

الصّادرة عن (London ٦٦٩١ ـ John Marry) ، ومذكّرات زوجته دورين المسماة :) A time in Arabia (

الصّادرة عن نفس الدّار سنة (١٩٧٠ م) ، و «حياة السّيّد الزّعيم» ومقدّمة «ديوان شاعر الدّولة» الشّيخ عبد الله النّاخبيّ.

(٥) بل كان يلقّب آنذاك : ملك نجد والحجاز وملحقاتها ، وهو الملك عبد العزيز آل سعود ، رحمه الله ، الّذي صار لقبه فيما بعد : ملك المملكة العربيّة السعوديّة.


فلم يزل يخاطب رؤساء العشائر ، ويعمل أعمالا لا تنطبق مع المنطق ، وكان ذلك إثر مرض لم يزل يتزايد به حتّى توفّي وهو مشمول بإكرام الحكومة السّعوديّة وسماحها.

فمن حين فتح آل الدّبّاغ المدارس .. بدأت المعارف تتقدّم بخطى قصيرة ، حتّى لقد عنيت مدارس المكلّا بما ذكرته في مقدّمة كتابي «النّجم المضيّ في نقد عبقريّة الرّضيّ».

إلّا أنّ السّلطان الحاليّ (١) لمّا كان من جملة العلماء .. أخذ يناصر المدارس ، وأغدق عليها الأموال ، حتّى لقد قيل لي : إنّ ما ينفقه عليها سنويّا أكثر من ثلاث مئة ألف ربيّة ، عبارة عمّا يقارب ربع إيراد المكلّا. وقد استجلب لها ناظرا (٢) خبيرا محنّكا من السّودان ، هو الفاضل الشّيخ سعيد القدال (٣) ، فأدارها أحسن إدارة ، وظهر الأثر وينع الثّمر. فالمكلّا بل وسائر الموانىء اليوم في المعارف غيرها بالأمس.

إلّا أنّني اقترحت على السّلطان يوم كان بمنزلي في سنة (١٣٦٥ ه‍) أن يهتمّ بإيجاد

__________________

(١) وهو السّلطان العالم الفقيه صالح بن غالب بن عوض القعيطيّ ، المتوفّي سنة (١٣٧٥ ه‍).

(٢) النّاظر : لغة : الّذي يحفظ الشّيء ، وفي الاصطلاح : وظيفة استحدثت في العصر الأيوبيّ ، واستمرّت بالّذي بعده ، عدّ صاحبها من أرباب الوظائف الدّينيّة ، والنّظّار وفق هذا المعنى كثيرون ، منهم : ناظر الأشراف : وهو عادة ممّن ينتهي نسبه بأهل البيت ، وإليه رئاسة الأشراف. ناظر الحسبة : مهمّته التّحدّث عن أرباب المعاش ، كبيرا أو صغيرا. ناظر الأحباس : مهمّته النّظر بشؤون الأوقاف. وغير ذلك من المسائل الأخرى. ثمّ تطوّر هذا الاصطلاح ليصبح في العصر العثمانيّ إلى زمن المؤلف منسوبا إلى (نظارة) بمعنى (وزارة). والله أعلم.

(٣) اسمه : القدّال سعيد القدّال ، ولد بالسّودان سنة (١٣٢٣ ه‍) ، كان قدومه إلى المكلّا سنة (١٣٥٩) أو (١٣٦٠ ه‍) ، مشرفا على معارف الدولة بالمكلّا ، بإيعاز من المستر انجرامس ، وأوّل عمل قام به القدّال هو تأسيس (مكتب إدارة المعارف) ، الّذي عرف فيما بعد ب (نظارة المعارف) ، وعين فيه النّاخبيّ وباعنقود ، وغيرهما ، ثمّ صار القدّال ناظرا لعموم معارف الدّولة ، ثمّ رقّاه السّلطان إلى مرتبة سكرتير الدّولة .. فضجّ عليه الشّعب ، وصار من جرّاء ذلك : (حادثة القصر) الشهيرة سنة (١٣٧٠ ه‍). ثمّ غادر القدّال البلاد عقب وفاة السّلطان صالح .. وتوفّي في السّودان سنة (١٣٩٥ ه‍).

كتب عنه كتابا كاملا ابنه د. محمد سعيد ، الأستاذ بجامعة عدن ، صدر من سنوات عن جامعة عدن.


مدرسة تحضيريّة لتربية التّلاميذ على الأخلاق الفاضلة ؛ فإنّ الهمم قد سقطت ، والذّمم قد خربت ، ولن تعود سيرتها الأولى إلّا بمدرسة تأخذ بطريق التّربية الصّوفيّة ، أو قريب منها ، مع الابتعاد عن الخلطة (١) ؛ لأنّ أكبر المؤثّرات على الصّبيان المشاهدة ، فلن ينفعهم ما يسمعون إذا خالفه ما ينظرون ؛ إذ المنظور لا ينمحي من الذّاكرة ، بخلاف المسموع .. فإنّه لا يبقى إلّا عند صدق التّوجّه ، فلا مطمع في إصلاح نشء مع اختلاطه بمن لا تحمد سيرته البتّة ؛ ولذا لم يكن لبني إسرائيل علاج من أمراضهم الأخلاقيّة إلّا بإهلاك الجيل الفاسد في التّيه ، وتكوين ناشئة لم تتأثّر بهم.

وفي «الصّحيح» [خ ١٣١٩] : «كلّ مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهوّدانه ، أو ينصّرانه ، أو يمجّسانه».

فنحن بحاجة ماسّة إلى إيجاد البشريّة الصّحيحة قبل العالميّة ، ومعلوم أنّ التّخلية مقدّمة على التّخلية ، والتّلاميذ ظلّ آبائهم وأمّهاتهم ومعلّميهم ، إن خيرا .. فخير ، وإن شرّا .. فشرّ ، وكثيرا ما أذكّر المعلّمين بخاتمة قصيدة جزلة لي في الموضوع ، وتلك الخاتمة هي قولي [في «ديوان المؤلّف» ٢٠٧ من البسيط] :

وفّوا الكلام وكونوا في الذّمام وفي

خوف الملام على ما كانت العرب

ثمّ إنّه لم يكن عندي تصّور لمناحي التّعليم وأخلاق الطّلّاب والمدرّسين بالسّاحل .. حتّى يسوغ لي الحكم ؛ فإنّما يتناول ثنائي ما ظهر من جمال الأسلوب ، وحركة الانقلاب ، وعموم التّيقّظ والانتباه ، وإجادة بعضهم في الشّعر حتّى يسوغ لي الحكم.

وفي المكلّا : ديوان للحكومة ، وإدارة للكهرباء ووزارة للماليّة ، وليس للسّلطان إلّا مرتّب مخصوص قدره عشرة آلاف ربيّة في الشّهر ، ثمّ رفع إلى خمسة عشر ألف ربيّة ، مع إضافات معيّنة لا يتجاوزها.

__________________

(١) مراد المصنّف هنا بالخلطة : مخالطة الأضداد ، ويقصد بهم : ذوي الطّباع السيّئة والأخلاق الرّذيلة ، المضادّة للطّباع السّليمة والأخلاق القويمة.


وفيها غرفة تجاريّة تراعي أغراض التّجّار وتقدّمها على مصالح الشّعب.

وفيها إدارة للقضاء ، ومجلس عال ، لكنّ ذلك المجلس العالي هو أكبر حجار العثار في طريق العدالة!!

فالحقوق مهضومة ، والحقائق مكتومة ، وطالما رفعت إليّ أحكام ذلك المجلس .. فإذا بها شرّ ممّا نتألّم منه بسيئون ؛ وذلك أنّ وزير الدّولة الّذي يقولون له : (السكرتير) ـ وهو الشّيخ سيف أبو عليّ ـ جعل كلمة ذلك المجلس النّهائيّة لا معقّب لها بحال ، فسقطت عنه مؤنة التّحفّظ ، ولم يحتج إلى مراجعة الكتب ؛ إذ هو في أمان من النّقض ، والشّعب ميت ، والخاصّة نفعيّون يتساكتون.

وإلّا .. فلو احتجّوا لدى السّلطان .. لعدّل الأمر ؛ لأنّه يكره الجور.

أمّا الآن .. فإنّ المجلس يفعل ما يشاء بدون رقيب ؛ فبعد أن ينشق الخصوم إنشاق الخردل .. يصكّهم (١) بتلك الأحكام ـ المضحكة المبكية ـ صكّ الجندل (٢).

ولله درّ العبسيّ في قوله [في «البيان والتبيين» ١ / ١٦٤ من البسيط] :

إنّ المحكّم ما لم يرتقب حسبا

أو يرهب السّيف أو حدّ القنا .. جنفا

ودفاتر التّسجيل شاهدة بصدق ما أقول ، لا تخفى على من له أدنى إلمام بالفقه.

وفي الحفظ عن «جمع الجوامع» : (أنّه لم يقع أن قيل لنبيّ من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم : احكم بما شئت ففيه الصّواب ، وإنّما الاختلاف في الجواز) (٣).

__________________

(١) يصكّهم : يضربهم.

(٢) الجندل : الحجارة.

(٣) ما عناه المصنّف صحيح ، ونصّ عبارة «جمع الجوامع» : (مسألة : يجوز أن يقال لنبيّ أو عالم : احكم بما تشاء فهو صواب. ويكون مدركا شرعيّا ، ويسمّى التّفويض. وتردّد الشّافعيّ ، قيل : في الجواز ، وقيل : في الوقوع. وقال ابن السّمعانيّ : يجوز للنّبي دون العالم. ثمّ المختار : لم يقع) اه

فالجمهور على عدم الوقوع مطلقا ، وخالفهم موسى بن عمران من المعتزلة فقال بالوقوع ؛ مستندا


غير أنّ الحفظ يخون ، والعهد بعيد.

ومثله عند غيره من أهل الأصول ، وقد قال تعالى لأشرف الخلق : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) وقال لداود عليه السّلام : (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)

فإن قيل : إنّ في قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) تفويضا مطلقا .. قيل : لا ، وإنّما هو بما أراه الله من الحقّ ، كما يشهد السّياق ، وقد جاء في «التّحفة» [٧ / ٩٨] قبيل (الوديعة) ما نصّه : (قال بعضهم : وفيما إذا فوّض للوصيّ التّفرقة بحسب ما يراه .. يلزمه تفضيل أهل الحاجة ... إلخ).

على اتّساع شقّة الفرق بين ما تراه وبين ما أراك الله ، وقد روي عن عمر رضي الله عنه : لا يقولنّ أحدكم : قضيت بما أراني الله ؛ فإنّ الله لم يجعل ذلك إلّا لنبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم. ولكن ليجتهد رأيه ؛ لأنّ الرأي من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان مصيبا ؛ لأنّ الله كان يريه إيّاه ، وهو منّا الظّنّ والتّكلّف. ثمّ ما أبعد البون بين ما تراه الأدنى ممّا أراك الله ـ كما تقدّم ـ وبين ما تشاء في الآية (٤٨) من (المائدة) : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) وفي الّتي بعدها : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ)

ولكنّ المجلس العالي بالمكلّا وقع من وزير الدّولة على ما لم تحصل عليه الأنبياء

__________________

إلى حديث السّواك ، وإيجاب الحج : «لو قلت نعم .. لوجبت» ، ورد عليه الجمهور بعدم دلالة ذلك على المدّعى ، لجواز التّخيير أو الوحي .. «شرح الجمع» (٢ / ٣٩١ ـ ٣٩٢) ، مع حاشية البناني.

ومعنى : (ففيه الصّواب) أو (فهو صواب) كما هو النّصّ : أي موافق للحكم الإلهي ، قال البناني : فهو صواب .. من جملة المقول للنّبيّ أو العالم .. وحاصل ذلك : أن يجعل الله تعالى مشيئة المقول له ذلك دليلا على حكمه في الواقع ، بأن لا يلهمه إلّا مشيئة ما هو حكمه في الواقع. اه


من ربّها ، فصارت أحكامه شرّا من الأحكام العرفيّة ؛ لأنّها ليست إلّا عبارة عن مشيئة وهوى الاستئناف ، بل رئيسه فقط ، من دون تقيّد بقانون شرعيّ ولا عرفيّ ، وإنّما قلنا شرّا من الحكم العرفيّ ؛ لأنّ الحاكم العرفيّ بمصر وغيرها يكون تحت مراقبة البرلمان ، بخلاف هذا .. فلا مراقبة عليه أصلا ، وهل تقبل هذا أمّة في بعض أفرادها نبض من الحياة؟!! كلّا ، ولكنّ المتنبّي يقول [في «العكبريّ» ٤ / ٩٤ من الخفيف] :

من يهن يسهل الهوان عليه

ما لجرح بميّت إيلام

هذا مع أنّ هوى السّلطان ـ كما سبق ـ العدل ، وغاية ما يتمنّاه الإنصاف ، لكنّ الأمّة انتهت إلى ذلك الحدّ من السّقوط والانحطاط .. فسحقا ، سحقا.

وسيأتي في الظّاهرة من أرض الكسر ما يستخرج عند التّمثيل العجب العجاب ، ويستلفت أنظار طالبي الحقيقة في هذا الباب.

وسكّان المكلّا اليوم يزيدون عن خمسة وعشرين ألفا.

وفيها عدّة مساجد ، أشهرها :

الجامع القديم (١). ومسجد الرّوضة : بناه صاحب الأحوال الغريبة ، السّيّد عمر ـ المشهور ببو علامة ـ ابن عليّ بن شيخ بن أحمد بن عليّ ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم ، المتوفّى في شبام سنة (١٢٧٨ ه‍) (٢) ، وقد أنكر عليه بعضهم بناءه بشطّ البحر محتجّا بما جاء في رسالة للسّيوطيّ في الموضوع ، وهي مدرجة ب «الحاوي» (٣). وجامع السّلطان عمر (٤) : وهو أنزه مسجد رأيت.

__________________

(١) وهو المعروف بجامع البلاد ، وتعرف المنطقة الّتي يقع فيها بحافة البلاد ، وهو مسجد قديم يعود بناؤه إلى القرن العاشر الهجري كما قيل لي.

(٢) وفي بعض المصادر : أنّ وفاته سنة (١٢٧٩ ه‍) في جمادى الآخرة ، ومسجد الرّوضة بني في حدود سنة (١٢٥٠ ه‍).

(٣) واسم الرسالة : «الجهر بمنع البروز على شاطىء النهر» ، انظر «الحاوي للفتاوي» (١ / ١٣٣).

(٤) بني مسجد السّلطان عمر سنة (١٣٤٩ ه‍) تقريبا ، كما يقول العلّامة النّاخبيّ ، وكان قد حضر بناءه ، وكان موضعه مبركا للجمال على أكمة صغيرة.


ومسجد النّور (١). ومسجد باحليوة. ومسجد السّلطان غالب بن عوض (٢). وغيرها (٣).

وبها كانت وفاة العلّامة الجليل الصّادع بالحقّ ، النّاطق بالصّدق ، السّيّد شيخان بن عليّ بن هاشم السّقّاف (٤) العلويّ ، وكان رباؤه بالغرفة ، ثمّ تنقّل في القرى ، ثمّ سار إلى جاوة ، ثمّ عاد إلى الوهط ولحج ، وكان له جاه عند سلاطينها عظيم ، ثمّ عاد إلى الشّحر ، وجرت بينه وبين السّيّد عبد الله عيديد (٥) أمور ، ثمّ سار إلى المكلّا ، وبها توفّي سنة (١٣١٣ ه‍) ، وعليه قبّة صغيرة لا يزال أبناؤه في شجار بشأنها ؛ إذ كان علويّ يحمل صكّا بشرائها ، وعمر يدّعي تسبيلها.

وترك أولادا : أحدهم : محمّد (٦) بلحج. والثّاني : جعفر (٧) ، وهو حافظ للقرآن ، مشهور بالصّلاح ، بسربايا من أرض جاوة. والثّالث : عبد الله (٨) كان خفيف الظّلّ ، مقبولا ، راوية لأخبار من اتّصل بهم من الرّجال ، وفيهم كثرة. والرّابع : ـ وهو أكبرهم ـ : علويّ (٩) ،

__________________

(١) ويقع إلى جانبه رباط النّور ، بناه بعض فضلاء المكلّا.

(٢) وهو المعروف بالغالبيّ.

(٣) وقد بنيت في المكلّا بعد عصر المؤلّف مساجد كثيرة ، من أكبرها : (جامع الإمام الشافعي) ، و (جامع الشّرج) ، و (جامع الشّهداء) ، و (جامع خالد بن الوليد) ، والأخيران في الديس.

(٤) وكان مولده سنة (١٢٤٨ ه‍) ، أخذ عن جمع من علماء حضرموت الداخل ، ومن أجلهم الإمام عبد الله بن حسين بن طاهر.

(٥) هو السّيّد عبد الله بن سالم عيديد ، من أهل الشّحر ، توفّي سنة (١٣٠٦ ه‍) ، ترجم له في «نشر النّفحات» (١ / ٣٢٦ ـ ٣٣٠).

(٦) محمّد هذا .. ترتيبه الثّالث بين الأبناء ، وكان قد توطّن مدّة بلحج ، ثمّ انتقل إلى دار سعد ، وبها توفّي ، وأخواله من العوالق.

(٧) جعفر بن شيخان ، ولد بالمكلّا ، ثمّ هاجر صغيرا إلى جاوة ، وكان يرسل أولاده إلى حضرموت ليربّيهم عمّهم علويّ بن شيخان.

(٨) توفّي بالمكلّا قبل أخيه علويّ ، وهو شقيقه.

(٩) علويّ بن شيخان ، أكبر أبناء السّيّد شيخان ، شقيق عبد الله المتقدّم ، أمّهما من آل باعبّاد ، كان عالما جليلا زاهدا مهابا ، كان إذا دعاه السّيّد الوزير حسين بن حامد .. أتاه ، ولم يأكل ولم يشرب شيئا من ضيافته ، وجاءه مرّة السّلطان عمر بن عوض القعيطيّ فكلّمه من سطح داره ولم يخرج إليه ، فعاد السّلطان بعد أن تصبّب عرقا ، توفّي بالمكلّا عن عمر ناهز التّسعين في حدود عام (١٣٧٠ ه‍). وهو


بالمكلّا ، وله أولاد (١) فتحوا بها مدرسة أهليّة منذ عشر سنوات. والخامس : عمر ، وهو أصغرهم ، بالمكلّا أيضا (٢).

ولئن قلّ العلم بالمكلّا في الأزمنة السّابقة .. فقد كانت ملأى بفحول الرّجال.

ولقد أخبرني الثّقة أنّ وسط البقعة ـ المسمّاة بالحارة منها ـ كان مزدانا (٣) ـ في حدود سنة (١٣٢٨ ه‍) ـ برجال لم تعوّض عنهم ؛ كالسّيّد حسين بن حامد ، وأخيه عبد الرّحمن ، وسعيد وأحمد وعوض آل بو سبعة ، وعليّ بامختار وأولاده ، وآل زيّاد من يافع ، وسعيد باعمر ، وعبد الله بن عوض باحشوان وعوض بن سعيد بن ثعلب السّابق ذكرهما ، وعمر وأحمد وعبد الرّحمن آل لعجم (٤) ، وعقيل بن عوض بلربيعة الشباميّين ، وبو بكر وعبد الصّمد وعبد الكريم آل بفلح ، وسالم عمر وعوض عمر آل قيسان ، والشّيخ عمر بن عبد الله عبّاد ، وابن عمّه الشّيخ حسن بن عبد الرّحمن عبّاد ، وأحمد ومحمّد وسعيد آل مسلّم الغرفيّين ، وعمر الجرو ، وولديه : عبد الله وعليّ ، وسالم وسعيد آل بشير هؤلاء من خلع راشد ، والشّيخ عبد الله بارحيم ، وآل غزّي ، وآل غريب ، وغيرهم.

فهؤلاء كلّهم من نقطة صغيرة من الحارة ـ دع ما سواها ـ كانت العيون بقربهم تقرّ ، والنّفوس بجوارهم تستبشر ، فتواتر نعيهم ، واشتدّت الواعية (٥) بهم.

__________________

أحد شيوخ العلّامة النّاخبيّ حفظه الله تعالى.

(١) إنما هما ولدان ، وهما السّيّدان : محمّد ومحسن ، وهذه المدرسة الّتي ذكرها المصنّف سمّياها : (المدرسة الهاشميّة) ، قامت على أنقاض (مدرسة الفلاح) الّتي تقدّم ذكرها. وكان قيام هذه المدرسة في حدود (١٣٦٠ ه‍).

(٢) تتمّة : ومن أولاد الحبيب شيخان ممن لم يذكرهم المصنّف : عليّ بن شيخان ، ولد بقرسي بجاوة ، وعاش وتوفّي بها. وأبو بكر بن شيخان ، توفّي بشقرة ، أمّه من آل الفضلي.

(٣) مزدانا : مزيّنا.

(٤) آل لعجم فرع من أسرة آل باذيب ، من شبام.

(٥) الواعية : الصّراخ على الميت.


فلو قيل هاتوا فيكم اليوم مثلهم

لعزّ عليكم أن تجيئوا بواحد (١)

وفي غربيّ المكلّا قرية يقال لها : شرج باسالم (٢) ، وفي شمالها إلى الغرب بستان مسوّر يسمّى (القرية) ، وذلك أنّ كثيرا من الأيتام نجعوا من المنطقة الكثيريّة بحضرموت في أيّام المجاعة الّتي ابتدأت من سنة (١٣٦٠ ه‍) إلى المكلّا ، فأدركهم عطف السّلطان ، وتصدّق عليهم بذلك البستان ، وبنوا لهم فيه بنايات تؤويهم ، فأنقذوهم من المجاعة ، وعلّموهم من الجهالة ، وقد نيّف عددهم على المئتين والخمسين ، ولكنّ كلّ من اشتدّ ساعده ، وعرف أهله .. رجع إليهم ، والباقون بها اليوم يزيدون على المئة ، في عيش رغيد ، وتعليم نافع ، وحال مشكور (٣).

وفي شمالها : البقرين ، والدّيس (٤). ثمّ : الخربة. والحرشيّات. وثلة عضد (٥).

وهذه هي ضواحي المكلّا وأرباضها ومخترفات أهاليها (٦).

وفي شرقيّ المكلّا على السّاحل : روكب (٧) وفيها جامع. ثمّ : بويش (٨) ، تبعد قليلا عن السّاحل ، وفيها عيون ماء جارية ، ومزارع (٩).

__________________

(١) البيت من الطّويل.

(٢) والشرج هذا صار اليوم من ضمن أحياء المكلا ، ولم يعد قرية مستقلة كما ذكر المؤلف.

(٣) وتوجد هذه الأيام منطقة حديثة على غرار هذه القرية التي ذكرها المصنف تسمّى : قرية الصومال ، تقع قريبا من فوّه ، أقيمت لسكنى المنكوبين من بلاد الصومال الفارين من جحيم الحرب الأهلية بها ، والفضل في إنشائها يعود للسيد مفتي الساحل العلامة عبد الله محفوظ الحداد رحمه الله.

(٤) وهما الآن في ضمن أحياء المكلا ، واتصل العمران بهما.

(٥) في «الشامل» (٨٨) أنّها : ثلة العليا ، وهي للمشايخ آل باعمر العموديّ.

(٦) مخترفات أهاليها : أي منتزهاتهم في زمن الخريف ، لكنّ الدّيس اليوم يعتبر حيّا من أحياء المكلّا.

(٧) روكب : قرية ساحلية قديمة ، تقع على بعد (١٥ كم) إلى الشرق من المكلا ، وبها سوق للوزيف ؛ أي : السمك المجفف ، وسكانها العكابرة.

(٨) بويش : وهي تبعد عن مدخل المكلّا بنحو (٥ كم) ، وقد اختفت المزارع والعيون الّتي ذكرها المصنّف ، وبرزت فيها نهضة عمرانيّة في السّنوات العشر الأخيرة.

(٩) لمن أراد التّوسّع ومعرفة القرى الواقعة خارج المكلّا والشّحر والّتي تربط بين المدينتين ، وكذلك


شحير

كانت بلدة لا بأس بها ، ولكنّها خربت من سابق الزّمان ، ولهذا قلّ ذكرها.

ويقال : إنّ البرتغال جاؤوا إليها فهزمهم أهلها (١) ، وقتل منهم في هذه الوقعة خلق كثير ، فخافوا أن يعودوا إليها بتجهيز أقوى .. فهجروها ، ولم يبق بها إلّا العوابثة (٢).

وعندما تولّى بدر بوطويرق على الشّحر .. استرضى قبائلها على خمس الوزيف (٣) الّذي يأتي به الصّيّادون ، واشترط عليهم أن يقاتلوا معه .. فرضوا بذلك.

وكان يقال للشّيخ عبد الرّحمن ـ الملقّب بالعكظة (٤) ـ ابن أحمد بن عبد الرّحيم مولى الدّعامة باوزير : صاحب شحير.

ولا يبعد أن يكون هو أوّل من اختطّها ؛ فإنّ البرتغاليّين الّذين حاربوا أهلها إنّما كانوا أثناء القرن العاشر ، وقد توفّي جدّه عبد الرّحيم سنة (٧٤٧ ه‍) (٥) فالأمر محتمل جدّا.

وفي حدود سنة (١٢٥٥ ه‍) : استولى علي ناجي على شحير ، وولّى عليها رجلا من آل البطاطي كان معه ، ولا تزال أطلال حصنه قائمة إلى الآن ، وبقيت تحت أيدي آل بريك ، حتّى انتهت دولتهم بالكثيري.

__________________

وصف الطّرق والوديان .. ينظر «الشّامل» (٨٨ ـ ١٠٨).

(١) كان مجيء البرتغال في النّصف الأوّل من القرن التّاسع الهجريّ ، في زمن السّلطان بدر بوطويرق.

«أدوار التّاريخ الحضرمي» (٢٣٨ ـ ٢٣٩) ، و «تاريخ الشّحر» (١٥٧) ، و «تاريخ الدّولة الكثيريّة» (٤٠) ، و «الشّهداء السّبعة» ، و «تاريخ باحسن» ، و «حاضر العالم الإسلامي» (٣ / ١٧٠ ـ ١٧١).

(٢) العوابثة : قبيلة معروفة ، الواحد منهم : عوبثانيّ.

(٣) الوزيف : هو صغار السّمك ، يجفّف ويملّح.

(٤) العكظة : بلهجة الحضارمة تعني : الزرع الذي يقطع ويبقى أصله (جذره) في التربة ، فينمو مرة أخرى عقب الجذاذ ، وفي المثل العامي : العيضه في العكظه.

(٥) «تاريخ شنبل» : (١٢٢).


ثمّ استولى عليها عوض بن عمر بعد أن اشترط عليه قبائلها الإعفاء من الضّرائب ، وإبقاء عوائدهم.

وسكّانها نحو الألف نسمة.

الغيل (١)

هو واقع في شمال شحير ، وهو أرض واسعة ، فيها عيون ماء غزيرة جارية ، عليها نخل كثير ، وأكثر ما يزرع عليها التّبغ ، وهو أجود ما يكون ، يرسل منها إلى عدن وإلى مصر وإلى الحجاز ، يتغالى فيه أهل تلك الجهات ؛ لأنّه مضرب المثل في الجودة ، ويكون له إيراد عظيم.

و (الغيل) منسوب إلى : الشّيخ عبد الرّحيم باوزير ـ مولى الدّعامة ـ ابن عمر ـ صاحب الغيل الأسفل (٢) ، المسمّى بغيل عمر ، وغيل باسودان ـ ابن محمّد ـ صاحب عرف ـ ابن سالم ـ المقبور بالجويب (٣) قريبا من حورة ـ ابن الشّيخ عبد الله ـ مولى المحطّة بالشّحر ـ ابن عمر ابن الشّيخ يعقوب بن يوسف باوزير مقدّم تربة المكلّا ، السّابق ذكره.

وفي الحكاية رقم (١٦٤) [١ / ١٩٠] من «الجوهر الشّفّاف» للخطيب ما يعرف منه أنّ هذا الغيل كان موجودا من قبل سنة (٧٤٣ ه‍) ، ويتأكّد ذلك بأنّ وفاة الشّيخ

__________________

(١) الغيل : الشّجر الملتفّ ، أو المكان المرتفع من الغابة الّذي يأوي إليه الأسد ، والغيل : الماء الذي يجري على وجه الأرض ، وكلاهما مقصود هنا ، وقد صار الغيل علما على بلدة غيل باوزير هذه.

(٢) يراد بالغيل الأسفل : الّذي داخل وادي حضرموت ؛ احترازا من الأعلى الّذي بالسّاحل ، وهو الّذي يجري الكلام عنه وعن تاريخه. وسمّي الغيل الأسفل بغيل عمر نسبة للشّيخ عمر بن محمّد باوزير ، وهو في وادي عدم بكسر العين والدال المهملتين ، ونسب أيضا لآل باسودان ؛ لأنّهم كانوا يسكنون به قبل ولادة الشّيخ عمر بن محمد باوزير الّذي هو سبط آل باسودان. كذا في «حدائق الأرواح» (٤١١) (خ).

(٣) الجويب : بقعة بحضرموت الدّاخل بالقرب من حورة في وادي العين.


عبد الرّحيم بن عمر باوزير كانت سنة (٧٤٧ ه‍) ، وقد اختطّه قبل وفاته بزمان (١).

وأوّل من بنى بالغيل الأسفل : الشّيخ عمر بن محمّد بن سالم باوزير ، سنة (٧١٦ ه‍) ـ حسبما يأتي عند ذكره.

وكان أمر الغيل لآل باوزير. والعوابثة المذحجيّون ينتمون إليهم بالخدمة ويذبّون عنهم (٢).

وفي أوائل القرن التّاسع : استولت على بعض الأمر فرقة من العوابثة ، يقال لهم : آل عمر باعمر (٣) ، فغلبوا آل باوزير على بعض النّهي والأمر ، وكوّنوا لهم دولة ـ أو شبهها ـ داموا عليها حتّى انقرضوا بالسّلطان عوض بن عمر القعيطيّ ، على ما فصّلناه ب «الأصل» ، ونزيد هنا ما تلقّيناه بعد عن المعمّرين ومنهم : الشّيخ صالح بن محمّد بن أحمد بن همام صاحب الغيل : أنّ الذي سجنهم القعيطيّ من آل عمر باعمر مئتان ـ عبيدا وأحرارا ـ ثمّ إنّه أطلق سراح العبيد ، وبقي في سجنه مئة وخمسون كلّهم أحرار ، فتمكّنوا من الهرب بعد عامين إلّا أحدهم ؛ إذ لم يقدر على الهرب ، ووصل

__________________

(١) تقول المصادر الّتي بين أيدينا : إنّ الشّيخ عبد الرّحيم بن عمر قدم إلى السّاحل سنة (٧٠٦ ه‍) ، باحثا عن المنطقة الصّالحة للإقامة له ولعقبه من بعده ، فوقع اختياره على البقعة الّتي تدعى الآن بغيل باوزير ، وقد بنى بها أوّل منزل لسكناه غربيّ مسجده الجامع المشهور ، ثمّ حفر في النّاحية الشّمالية للمسجد غير بعيد منه أشهر العيون بها ... إلخ. اه عن «صفحات من التّاريخ الحضرميّ» (١٠٩).

(٢) يذبّون : يدافعون.

(٣) آل عمر باعمر : تقول بعض الرّوايات التّاريخيّة : إنّه في منتصف القرن التّاسع الهجريّ بالتّقريب ، جاءت امرأة من قبيلة العوابثة القاطنين في قارة ابن محركه شماليّ الغيل إلى الشّيخ عبد الرّحيم باوزير ، ومعها طفل رضيع بعد أن توفي والده قبل أن تلده أمّه ، وطلبت من الشّيخ رعايته وكفالته ، فوافق ، وأسماه : عمر بن عمر ، وفقا لاسم والده المتوفّى ، ومع مرور الوقت أصبح هذا الاسم يلفظ (عمر باعمر) ، حسب اللهجة السّيبانيّة.

كبر عمر في رعاية الشّيخ عبد الرّحيم واشتدّ عوده ، فقرّر الرّحيل إلى قرية بضة بدوعن ، واستقرّ بها ، ثمّ تزوّج من إحدى كرائم الأسر هناك. فأنجبت له ولدين هما : شدّاد ، وسعيد. واستمرّ آل عمر باعمر في التّكاثر من هذين الجدّين ، وكثرت ذرّيّتهم وانتشروا حتّى حدود وادي العين ، ليعودوا بعدها إلى غيل باوزير ويستقرّوا بها ويشكّلوا قوّة سكّانيّة متميزة. عن «تاريخ الغيل» (٢٤ ـ ٢٥) ، وعن «تاريخ البكري» (١٥٣).


خمسون منهم إلى المكلّا ، فأمنوا عند النّقيب ، وسار الباقون عند صائل البحسني .. فغدر بهم ، وردّهم إلى القعيطيّ ، فأودعهم السّجن ثانيا ، حتّى لم يبق منهم إلّا سبعة أطلقهم ، ولا يزال منهم بالغيل اليوم نحو من خمسة وخمسين رجلا بعائلاتهم ، ونجع كثير منهم إلى السّومال الإيطاليّ ؛ فيه منهم في ماركة ومقدشوه نحو من ثلاث مئة وخمسين رجلا بعائلاتهم ، ولهم في ماركة مسجدان ، وفي مقدشوه مسجد.

ومنهم : الشّيخ سالم بن عبد الله بن سالم بن مساعد بن عمر باعمر ، وهو عالمهم ومدرّس مسجدهم بمقدشوه.

ومنهم في براوة من السّومال الإيطاليّ أيضا نحو مئتي رجل ، عالمهم : الشيخ محمّد بن عبد الله بن شدّاد ، وهو من أخصّ أصحاب السّيّد عليّ بن أبي بكر بن محمّد النّضيريّ وولده عيدروس الآتي ذكرهما في قارّة الصّناهجة.

ومنهم بماركة : الشيخ سعيد بن أحمد بن مساعد ، من تلاميذ الشّيخ محمّد بن عمر بن سلم ، توفّي في حدود سنة (١٣٥٣ ه‍).

ومنهم بها : الشيخ محمّد بن عبد الله بن مقداد.

ومرجع العوابث في النّسب (١) إلى عوبثان بن زاهر بن مراد بن مذحج.

وقد جرت بينهم وبين السّلطان محمّد بن عبد الله أخي بدر بوطويرق (٢) حوادث في سنة (٩١٩ ه‍) ، وقتل منهم اثنين وثلاثين ظلما (٣).

ثمّ ساكنهم في الغيل آل همام (٤) من يافع ، فغلبوهم بسطوة عشائرهم على شيء من أمر الغيل (٥).

__________________

(١) للتّوسّع ينظر : «أدوار التّاريخ» (٣٧١) ، و «حضرموت» (١٥١ ـ ١٥٢). والعوابثة أقسام ؛ منهم : آل باعنس ، وآل بازور ، وآل الحيق ، وآل عمر باعمر.

(٢) السّلطان محمّد بن عبد الله بن جعفر الكثيريّ ، تولّى سنة (٩١٠ ه‍) بعد أبيه ، وتوفّي بالشّحر سنة (٩٧٥ ه‍) كما في «تاريخ الشّحر» لبافقيه (٣٨٨).

(٣) «تاريخ شنبل» (٢٥٢) ، «تاريخ الدّولة الكثيريّة» (٣١) ، وفيه أنّه قتلهم بظفار.

(٤) وهم من قبائل يافع السّفلى.

(٥) قدم آل همام في أوائل القرن الحادي عشر الهجريّ تقريبا واستقرّوا في النّاحية الشّماليّة من الغيل ،


وفي سنة (٩٤٣ ه‍) : ابتدأ السّلطان بدر بعمارة حصن غيل باوزير (١).

وقد أنجب الغيل كثيرا من العلماء.

وجاء في ترجمة السّيّد عليّ بن أبي بكر ، المتوفّي سنة (٨٩٥ ه‍) من «المشرع» [٢ / ٤٧٠ ـ ٤٧٥] أنّه : (رحل إلى الشّحر والغيل ، ومكث هناك أربع سنين ، يقرأ على الفقهاء : آل باهارون ، وآل باعمّار ، والفقيه محمّد بن عليّ باعديلة ، والعلّامة إبراهيم بن محمّد باهرمز ، والفقيه محمّد بن أحمد باغشير ، وعبد الله بن محمّد باغشير (٢) ، والشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن باوزير) اه

وفي «البرقة» : أنّ الشيخ العالم العامل الزّاهد الورع ، عفيف الدّين عبد الله بن عبد الرّحمن باوزير كتب الإجازة لمؤلّفها أربع مرّات.

وفي سنة (٩٠٣ ه‍) : توفّي بها الفقيه العارف بالله الشّيخ محمّد بن أحمد باجرفيل الدّوعنيّ.

وقد أورد سيّدي الأستاذ الأبرّ إجازة (٣) منه للشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن بن أبي بكر بافضل التّريميّ ، عدّ فيها بعض مشايخه ؛ كالشّيخ أبي بكر العدنيّ ابن عبد الله العيدروس ، عن شيخه عبد الله بن أحمد باهراوه ، عن شيخه فضل بن عبد الله بافضل ، عن شيخه أبي بكر بن محمّد عبّاد.

ومن مشايخ باجرفيل : الشّيخ سعيد بن عبد الله بابصيل ، يروي عن أبي بكر بن عبد الله بن سالم ، عن الشّيخ محمّد بن أبي بكر عبّاد.

__________________

ونصبوا بها منازلهم الّتي عرفت بحصون آل همام. وهم أوّل من قدم إلى حضرموت من قبائل يافع. «تاريخ الغيل» (٢٦).

(١) «تاريخ الطّيّب بافقيه» حوادث سنة (٩٤٣ ه‍) (ص ٢٣٨).

(٢) آل باغشير بالغين المعجمة : غير آل باقشير ، الآتي ذكرهم في بور.

(٣) وهي برمّتها في «عقد اليواقيت» (٢ / ١٢٠).


ومن مشايخه أيضا : الشّيخ محمّد بن مسعود باشكيل ، عن ابن كبّن (١) ، وعن عمر بن أبي بكر بانقيب ، عن عليّ بن عمر باعفيف.

ومن مشايخه أيضا : الشّيخ محمّد بن عثمان باوزير وغيرهم.

وفي الحكاية (٣٩٨) من «الجوهر» [٢ / ١٦٢] : (أنّ الفقيه أبا بكر باقتيل كان يقرأ تفسير القرآن على الشّيخ عمر المحضار بمسجد غيل باوزير). ولا يزال بالغيل حتّى الآن ناس من آل بافتيل.

ومن أهل الغيل : الشّيخ الجليل محمّد بن أحمد باحميش ، كما ذكره السّخاويّ في «الضّوء اللّامع» [٧ / ١٢٤] ؛ إذ كان ترجم له فيه. ولا يزال بها وبالشّحر جماعة منهم.

ولا بأس أن نعدّ العلّامة الكبير الشّيخ محمّد بن أحمد بافضل (٢) من علماء الغيل ؛ لأنّه ولد بتريم سنة (٨٤٠ ه‍) ، ونشأ بالغيل المذكور ، واشتغل في الفقه على باعديلة (٣) ، ثمّ دخل إلى عدن يقصد القاضي محمّد بن أحمد باحميش ، ولمّا مات .. جلس مجلسه ، واقترن بامرأته. وكانت وفاته بعدن سنة (٩٠٣ ه‍).

قال السّيّد الشّريف محمّد بن عمر الطّيّب عمدة الفتوى بعدن : (وكان بينهما من التّوادّ والتّناصف ما هو مشهور ، وفضائل أكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تذكر ، ومن مؤلّفاته : «العدّة والسّلاح في أحكام النّكاح» لا مستغنى عنه لمن يتصدّى لعقود الأنكحة ، وله شرح «المدخل» و «البرماويّة» ، وكتاب على تراجم البخاريّ بيّن فيه

__________________

(١) هو الإمام محمّد بن سعد بن كبّن الطّبريّ العدنيّ ، المولود بها سنة (٧٧١ ه‍) ، والمتوفّى بها سنة (٨٤٢ ه‍) ، له مشيخة كبيرة ، ومن أجلّ شيوخه الإمام محمّد بن سعد باشكيل ، والحافظ محمّد بن الجزري ، وغيرهما ، وقد خرّج له الحافظ النّجم ابن فهد المكيّ أربعينا موصولة الأسانيد ، توجد بخط مؤلفها في مكتبة الحرم بمكّة المكرّمة.

(٢) صاحب المصنّفات الشّهيرة المباركة ؛ منها : «العدّة والسّلاح في أحكام النّكاح» ، وهو متداول بين أهل العلم ، وعليه شرحان ، أحدهما للإمام عبد الله بن عمر بامخرمة ، والآخر للفقيه الإمام محمّد بحرق ، وله مصنّفات أخرى. ينظر : «صلة الأهل» ، و «النّور السّافر».

(٣) اسمه : محمّد بن عليّ.


مناسبة التّرجمة للحديث ، وله رسالة في الرّبع المجيّب ، وله «مختصر الأنوار» ، واختصار «قواعد الزركشيّ» قال الطّيّب بامخرمة : وغالب ظنّي أنّه مجدّد قرنه ، ودفن بتربة حافّة البصّالين بعدن) اه

ومن أهل الغيل : الفقيه الجليل محمّد بن مسعود باشكيل (١) ـ السّابق ذكره في مشايخ باجرفيل ـ وقد رحل إلى عدن ، وبها كانت وفاته.

ومنهم : الفقيه أحمد بارعيّة ، تلميذ العلّامة ابن حجر الهيتميّ ، وله منه مكاتبات كثيرة نافعة ، لا يزال مشايخنا يوصون بقوله من أثناء إحداها : (فبالله عليك .. ثمّ بالله عليك .. أن تجعل جلّ وقتك ليلا ونهارا في البحث في الفقه والتّحقيق ، والتّأمّل والتّدقيق ، مع نشره بين طالبيه وغيرهم) أو ما هذا معناه.

ومن «خلاصة الأثر» للمحبّي [٤ / ٤٤٢] : (أنّ آل بامزروع وآل بامطرف قنازلة ، وهم فخذ من كندة).

وسيأتي لبعض القنازلة ذكر في قرية الواسطة ، الواقعة في شمال العجز من أسفل حضرموت.

وقد نجع آل بامطرف من ريدة الصّيعر إلى الهجرين ، وتفقّروا ، وتركوا السّلاح ، إلّا أنّ آل مساعد ـ على القول بأنّهم منهم ـ عادوا إلى حمله ، كما يعرف ممّا سيأتي في الهجرين ، ثمّ افترقوا في البلدان ، واختلطوا في الأعمال ، حتّى لقد كان جماعة منهم بمدودة خوّاصون (٢) ونجّارون.

وأوّل من نجع من الهجرين إلى الغيل من آل بامطرف : الشّيخ عبد الرّحمن بن أبي بكر ، وكان صاحب يسار ، فاشترى بالغيل أطيانا كثيرة تسقى من معيان الحرث (٣)

__________________

(١) المولود بالغيل سنة (٨٠٤ ه‍) ، والمتوفّى بعدن سنة (٨٧١ ه‍) ، إمام جهبذ علّامة ، له مصنّفات شاهدة بعلوّ كعبه ؛ منها : «شرح على المنهاج» في الفقه ، سلك فيه مسلكا غريبا لم يعهد مثله ، ترجم له السّخاوي في «الضّوء».

(٢) الخوّاص : الّذي يبيع الخوص ، والخوص : ورق النّخل.

(٣) المعيان : بالدّارجة الحضرميّة يقصد به : عين الماء ، أو النّبع.


الّذي اشتراه أيضا ، ووقف جميع ذلك على البطن الأعلى ثمّ الأعلى من ذريّته.

ولمّا استولى القعيطيّ على أموال آل عمر باعمر .. كان معيان الحرث في جملة ما أخذ فيها ، وبانقطاع الماء أو قلّته عن أوقاف الشّيخ عبد الرّحمن بامطرف .. كادت تتلاشى غلاله.

وفي سنة (١٠٧١ ه‍) : كان القاضي بالغيل أحد ذرّيّة الشّيخ عبد الرّحمن بامطرف ، وكان العلّامة أحمد بن محمّد مؤذّن باجمّال يصفه بالتّهوّر في قبول الأهلّة ، وهو أوّل من تولّى القضاء منهم ، ثمّ تولّاه الفقيه محمّد بن عليّ بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبد الرّحمن بن أبي بكر بامطرف ، وكانت ولايته سنة (١١٠٠ ه‍).

وممّن تولّاه منهم : الشّيخ بو بكر بن محمّد بامطرف ، وكانت ولايته بالمكلّا سنة (١٢٦١ ه‍) ، أيّام النّقيب صلاح بن محمّد الكساديّ ، وله : «فتاوى» موجودة لدى الشّيخ عبد القادر بامطرف الموجود بالمكلّا الآن ، وهو والد الشّيخ محمّد عبد القادر بامطرف (١) ، الكاتب الأوّل بإدارة المستشار بسيئون ، وهو ولد نبيه ، سهل الخلق ، بعيد الغور (٢) ، يحبّ المطالعة والبحث.

ويعجبني منه أنّه لم يقلّد الأجانب في شيء من أزيائهم وعاداتهم ، مع انقطاعه إليهم وشدّة اختلاطه بهم ، وكان بمعيّة النّاسك العلّامة سيف الإسلام : الحسين ابن الإمام ، يترجم له في وفادته إلى الجزائر البريطانيّة ، وكان يحدّثنا عنه بما يشنّف

__________________

(١) محمّد بن عبد القادر بامطرف ، المؤرّخ الأديب ، مولده بالشّحر في (١٢) شعبان (١٣٢٣ ه‍) ، تلقّى دراسته الأوليّة بمدرسة مكارم الأخلاق بالشّحر ، والقانونية بعدن ، وواصل دراساته العليا بجامعة كامبردج بلندن ، والخرطوم بالسّودان. تدرّج في وظائف متعدّدة ؛ منها : مترجم ، ومستشار ، وسكرتير للدّولة القعيطيّة ، فالكثيريّة. له عدّة مصنّفات أدبيّة وتاريخيّة ، طبع منها (١٤) كتابا ، وله دواوين شعر لم تطبع ، ومسرحيّات أدبيّة.

منح وسام المؤرّخ العربيّ من اتّحاد المؤرّخين العرب ، كما نال وسام الآداب والفنون عام (١٩٧٧ م). توفّي رحمه الله بالمكلّا في (١٧) ذو القعدة (١٤٠٨ ه‍). «مدرسة مكارم الأخلاق ، ثمانون عاما من الجهد والعطاء» (ص ٤٥).

(٢) الغور : قعر كلّ شيء ، وبعيد الغور : دقيق الاستنباط.


الأسماع ، ولكنّه متى وقف به الحال بين نصرة مظلوم ورضا وزير الدّولة المحليّة .. آثر الثّاني تمكينا لمركزه بسيئون.

وقد رأى عين الذّئب (١) في المكرّمين : عمر محيرز ، ومصطفى رفعت (٢). وهو يكره الرّجوع إلى المكلّا ؛ إذ كان وزيرها اتّهمه بتهمة برّأه الله منها ، وظهر له تحاملهم عليه ، فحقدها عليهم ، ولم يبرح يكيد لدولة القعيطيّ بكلّ ما في وسعه. وكثير من أهل المكلّا يجعلون الفشل القعيطيّ في مسألة الحدود راجعا إلى تلقينه الكثيريّ الحجّة.

توفّي الشّيخ بو بكر بن محمّد بامطرف بالغيل سنة (١٢٨٤ ه‍).

وممّن تولّى القضاء منهم : الشّيخ عوض بن سعيد بامطرف ، تولّاه بالشّحر في عهد آل بريك ، وتوفّي سنة (١٢٨٧ ه‍).

والقاضي الابتدائيّ في المكلّا لهذا العهد هو عبد الله بن عوض بامطرف.

ومن أواخر علماء الغيل : الشّيخ محمّد بن عمر بن بكران بن سلم (٣) ، كان ركنا

__________________

(١) يقال : فلان رأى عين الذئب ، كناية عامية بمعنى : رأى ما يعتبر به من النكال فتجنبه تهيبا.

(٢) عمر محيرز من أهالي المكلا ، ومصطفى رفعت من عدن ، وكلاهما كانا كاتبين في مكتب المستشار البريطاني في المكلا. وكان محيرز يسّرب أخبار المستشار إلى بعض أقاربه ، ويقوم بنشر الدعايات ضده ، فنكّل بهما انجرامس.

(٣) الشّيخ الفقيه العلّامة محمّد بن عمر بن سلم ولد علّامة عصره وفريد مصره بالشّحر في حارة تسمى : حارة عيديد ، من أسرة عرفت بالنّبل والفضل ، ونسب آل ابن سلم في العقيليّين كما يقول بعض المؤرّخين. تلقّى مبادىء العلوم على يد شيخه الفقيه الشّيخ ناصر بن صالح ابن الشيخ عليّ ـ اليافعيّ ـ ولازمه مدّة طويلة ، وكانت وفاة الشّيخ ناصر سنة (١٣٠٠ ه‍). سافر الشّيخ محمّد إلى مصر لطلب العلم ، ودرس في الأزهر الشّريف ، ويخمن الأستاذ سعيد باوزير أنّ رحلته ابتدأت سنة (١٣٠٦ ه‍) ، وكانت عودته سنة (١٣١١ ه‍) ؛ أخذا من تاريخ الإجازة الّتي حصل عليها من الأزهر. وبعد عودته من مصر .. خرج إلى وادي حضرموت ، ولقي به عددا من الشّموس المضيئة ، على رأسهم سيّدنا الإمام عيدروس بن عمر الحبشيّ ، والإمامان : أحمد بن حسن العطّاس ، وعليّ بن محمّد الحبشيّ. وقام المترجم بتأسيس رباط العلم بغيل باوزير سنة (١٣٢٠ ه‍) ، وتخرّج من تحت يده كبار العلماء والمرشدين ، والفقهاء والقضاة. وقد انبعث عن هذا الرّباط أكبر حركة علميّة فقهيّة عرفتها السّواحل الحضرمية على مرّ أزمانها ، وكلّ الموجودين اليوم من علماء السّاحل الحضرميّ يدينون بالولاء العلميّ لصاحب التّرجمة ، وإليه ترجع أسانيدهم وطرق أخذهم. توفّي الشّيخ محمّد بن


ركينا من أركان العلم ، له وفادات إلى حضرموت ، ثافن (١) فيها العلماء ، وأخذ فيها عن مسند حضرموت ـ بل اليمن ، بل الدّنيا ـ سيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر الحبشيّ ، ولعلّ ذلك في حدود سنة (١٣١١ ه‍).

وكان معه في تلك القدمة ابن له منوّر القلب ، صافي السّريرة ، مستوقد الذّكاء ، يحفظ عدّة من المتون على صغر سنّه ، ولكنّه نغّص شبابه فمات عبطة (٢) مرجعه من حضرموت.

ويقال : إنّ سبب موته انبهار قلبه ممّا رأى من الأشعّة النّورانيّة على غرر السّادة الأجلّاء بحضرموت ؛ كالسّادة عبد الله بن عمر بن سميط ، والأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، وعبد الله بن حسن البحر ؛ إذ كان رآهم مجتمعين في حفل مشهود فانشقّت مرارته ، فعظم عليه وجد أبيه.

والشّيخ محمّد بن عمر بن سلم هو مؤسّس رباط الغيل ، وكانت وفاته سنة (١٣٢٩ ه‍) ، وابنه أحمد الآن من مشاهير الرّواق اليمانيّ بالأزهر الشّريف.

وآل ابن سلم بيت علم وصلاح ، منهم : الشّيخ عليّ بن سلم ، تلميذ سيّدنا عبد الله باعلويّ المتوفّى سنة (٧٣١ ه‍).

وفي الغيل المذكور جماعة من أعقاب السّيّد أبي نميّ بن عبد الله بن شيخ بن عليّ المندرج ابن فدعق بن محمّد بن عبد الله بن امبارك بن عبد الله وطب ، منهم الآن :

الفاضل السّيّد محسن بن جعفر بونميّ (٣) ، فقيه ذكيّ بحّاثة ، تولّى القضاء بالمكلّا والغيل مرّات.

__________________

عمر بن سلم في (٦) محرم (١٣٢٩ ه‍) ، عن أربعة وخمسين عاما رحمه الله تعالى. ينظر «صفحات من التّاريخ الحضرميّ» (٢٠١ ـ ٢١٣).

(١) ثافن : لازم.

(٢) يقال : مات فلان عبطة .. أي شابّا سليما لم تصبه علّة.

(٣) السّيّد محسن بن جعفر بونمي ، مولده بغيل باوزير سنة (١٣٠٦ ه‍) ، وكان من أوائل الطّلبة الملتحقين برباط الغيل عند افتتاحه سنة (١٣٢٠ ه‍) ، وكان من أبرزهم استفادة وحرصا على دروس العلّامة ابن سلم ، فتوسّعت معلوماته الفقهيّة واللّغويّة ، إلى شغفه بالقراءة والمطالعة ، حتّى لا يكاد يرى إلّا وفي يده كتاب. وكان ينفق على شراء الكتب بسخاء نادر ، ويبحث عن القيّم منها والجيّد ، فكان يحوز على مكتبة عامرة بشتّى العلوم والفنون. وصار بعد ذلك مرجعا للفتوى والاستشارات


وهو الآن مدير رباط الغيل ، وهو أفقه رجال السّاحل وبما أنّ مدارسهم ـ على ما ذكرنا من نظامها ـ محدودة المعارف .. فما إلّا عليه يتخرّج من يرشّحونه للقضاء ـ وفيهم كثرة ـ إلّا أنّه لا يعامل بمقتضى ما يستحقّ ؛ فإنّ مرتّبه الشّهريّ لا يبلغ المئة الرّوبيّة ، مع أنّ عائلاته (١) تقارب الأربعين نفسا.

غير أنّ الشّيخ الفاضل سعيد القدّال يعرف له فضله ، ويسعى في ترفيهه ، ولقد صدق الّذي يقول : (إنّما يعرف ذا الفضل ذووه).

وكان بالغيل جماعة من ذرّيّة السّيّد عبد الرّحمن بن محمّد عيديد ، لا أدري أيوجد الآن به أحد منهم ، أم لا؟

وكانت بالغيل مدرسة للسّيّد محمّد بن جعفر العطّاس ، وهو رجل غزير العلم والعبادة ، صحيح التّقوى والزّهادة ، وكان له إخوان فتح الله عليهم أبواب الرّزق بجاوة ، فبعثوا له برسالة مع خمس مئة ريال فرانصة .. فأمر أحد تلاميذه بالجواب ، وشكرهم على الرّسالة ، وفرحه بعافيتهم ، وإرجاع الدّارهم إليهم ، والإشارة بأن يتابعوا الرّسائل بدون صلة ماليّة ، فلم ير التّلميذ ردّها ، بل أرسلها إلى من يشتري بها مالا للسّيّد محمّد بحريضة ، وهكذا يفعل بما تواتر بعدها من الصّلات ، حتّى اجتمع

__________________

القضائيّة ، وأناط المجلس العالي برئاسة الشّيخ عبد الله عوض بكير ـ بصاحب التّرجمة مهمّة تخريج القضاة وتدريبهم ، فكان ممّن تخرّج على يديه في (كورسات القضاء) وفيما يلي بعض أسماء أعلام أولئك القضاة على حسب ترتيبهم :

فمن الكورس الأوّل : القاضي سعيد بن عليّ بامخرمة ، وعبد الله عوض بامطرف ، والسّيّد مصطفى بونميّ ابن المترجم. ومن الكورس التالي : السّيّد عبد الله محفوظ الحدّاد ، والشّيخ عبد القادر الحاج ، وعبد الله بن عليّ بامخرمة ، وسالمين بن سرور. ومن الكورس التالي : الشّيخ سعيد بالرّعيّة ، والسّيّد عليّ المديحج ، وسالم بامخرمة. ومن الكورس التالي : السّيّد محمّد رشاد البيتي ، وسعيد علي سلومة. ومن الكورس التالي : السّيّد حسين المديحج ، والسيد أحمد عيديد ، وسعد باشكيل. هذا ما ذكره العلامة السّيّد رشاد البيتي حفظه الله ، وقد نسي بعضهم. وكانت وفاة السّيّد محسن .. بغيل باوزير في شعبان (١٣٧٩ ه‍) ، ودفن بجوار ضريح شيخه ابن سلم. «شذور من منجم الأحقاف» (١٠٦ ـ ١٠٨).

(١) عائلاته : من يعولهم وينفق عليهم ، وهو بهذا يشير إلى أنّ السّيّد محسنا كان يعيل أكثر من أسرة ؛ إذ كان متزوجا بأربع نسوة ، وله من كلّ واحدة نسل مبارك.


له من ذلك مال دثر (١) ، وكلّما جاءت رسالة .. قرأها عليه ، وكفّ عن ذكر الصّلة ، وهو مع ثقته بالتّلميذ وشغله بربّه لا يباشر قراءة الكتب ، وفي آخر أمره .. طالعه بالحال ، فعاتبه يسيرا ، ثم وقف ذلك المال على أولاده سواء فيهم الذّكر والأنثى ، والعالي والسّافل ، لا ينقطع إلّا نصيب من يموت ، ولا يزال يصل للسّيّد بو بكر بن حسن صاحب الحديدة الآتي ذكره في الرّباط ، يصل نصيبه ونصيب أولاده ممّا يفضل عن أيدي العابثين من غلّات ذلك الوقف.

وإلى جانب الغيل الشّرقيّ : الرّقيميّ والسّاحة الّتي حواليه ، وهي إقطاع من السّلطان عمر بن جعفر الكثيريّ لهمّام بن سعيد بن همّام ، ولا يزال بيدهم أصل ذلك الإقطاع ، وفي أوله البسملة ، وعن يمينها الخاتم ، وعن يسارها الإمضاء ، ونصّه بخطّه : عمر بن جعفر أشهد الخط أنت ؛ لأنّ العمدة عليك بأنّا أعطينا النّقيب همّام بن سعيد بن همّام الرّقيميّ والسّاحة ؛ الصائرة إليه بالمشترى ، وملّكناه ذلك تمليكا شرعيّا في مقابل مصاريف منكسرة لأولاده في بيت المال ، يعتمد ذلك الواقف عليه من العمّال والخدّام ، ومن خالف .. فلا يلومنّ إلّا نفسه ، ثاني شهر الحجة الحرام سنة (١١٢٤ ه‍).

وفيه ذكر بعض الحدود ؛ فبحريّا : دار أحمد بن عمر بن بو بكر ، وشرقيا : السّاقية. وفيه خرم أصلحناه بالذّوق. والله أعلم.

وفي أخبار الفتن الّتي بين القعيطيّ من جهة وآل كثير والعولقيّ من الأخرى : أنّ آل كثير وآل عمر باعمر والعوالق .. أحاطوا بثمانين من عبيد القعيطيّ ، يرأسهم عنبر عبيد ، ولمّا أشرفوا على الأسر أو الهلاك .. استغاثوا بهمّام بن امبارك وجماعته آل همّام أصحاب حصن الرقيميّ ، وبقيت مدافع آل كثير والعولقيّ وألفافهم أربعة أشهر وهي تدوّي عليهم ، تباكرهم وتماسيهم.

وفي الغيل مدرسة داخليّة ، كلّ نفقاتها على الحكومة القعيطيّة ، تسمى : (الوسطى) لارتفاعها عن التّعليم الابتدائيّ ، وقصورها عن التّعاليم العالية ، غير أنّ الحكومة ترسل البعثات من خرّيجيها إلى الشّام والسّودان ؛ ليتمّموا بها دراستهم ،

__________________

(١) مال دثر : كثير.


وهي الآن تضمّ بين جدراتها زهاء المئة والخمسين طالبا. ومحلّها المؤقّت قصر الأمير منصّر بن عبد الله بن عمر القعيطيّ ، الّذي سمّاه : (الأزهر).

وممّا يستحقّ الإعجاب : أنّ المنازل العليا من ذلك القصر مخصّصة للتّدريس والطّلبة ، وأمّا المنازل السّفلى .. فللماليّة وللمحاكم العرفيّة والشّرعيّة. ورفع التّعليم على الأوليين مليح ، وأمّا على الأخيرة .. فلا.

النّقعة (١)

هي في شمال الغيل إلى جهة الغرب.

والنّقعة ـ كما في «فتح الرّحيم الرّحمن» للشّيخ عمر بن عبد الرّحمن صاحب الحمراء ـ : (في عرف أهل اليمن مرادف للحوطة في اصطلاح أهل حضرموت).

وأوّل من سكنها : الشّيخ أحمد بن محمّد بن سعيد بن محمّد باوزير ، صاحب عرف. وآل باوزير أهل النّقعة المذكورة من ذرّيّته.

وممّن كان يسكنها : السّيّد محمّد بن أحمد بن عبد الرّحمن بن علويّ بن محمّد صاحب (مرباط) العلويّ (٢) ، وبها كان موته ودفنه.

وكان يكتفي لخرجه بثمرة شجرة واحدة بها من اللّيمون ، وفي ذلك دلالة على حسن تربتها وبركة عيشتها.

وفي «ديوان الشّيخ عبد الصّمد باكثير» (٣) ذكر واقعة النّقعة بين آل العموديّ وآل

__________________

(١) هذه هي النقعة القديمة وهي بلدة كبيرة تتبع مديرية المكلا ، وباسمها سميت نقعة آل جنيد التي في حضرموت الداخل قرب حوره.

(٢) وهو المعروف بالنّقعي في كتب الأنساب والطّبقات ، مولده بتريم ووفاته بالنّقعة ، أخذ عن والده الفقيه أحمد المتوفّى بتريم سنة (٧٢٠ ه‍) ، وصحب جماعة من العارفين ، وكان زاهدا متقلّلا من الدّنيا ، واختار العزلة عن أبناء زمانه ، وأقام بالنّقعة وتخلّى للعبادة ، وكان يزرع اللّيمون ، وكان يجني من ثمار اللّيمون ألف حبّة ، ينفق ثمنها في وجوه البرّ ، وله كرامات ، ولم يؤرّخ لسنة وفاته ، إلّا أنّها في النّصف الثّاني من القرن الثّامن الهجري. «المشرع» (١ / ١٧٢ ـ ١٧٣).

(٣) عبد الصّمد باكثير ؛ علّامة فقيه ، شاعر أديب ، مولده بتريس سنة (٩٥٥ ه‍) ، ووفاته بالشّحر سنة (١٠٢٥ ه‍). ترجمته موسّعة في «البنان المشير» (٦٢ ـ ٧٣) ، وفي «خلاصة الأثر» (٢ / ٤١٨)


كثير ، وهي الّتي كان فيها قتل الشّيخ عبد الرّحمن بن عبد الله العموديّ على يد السّلطان عمر بن بدر بوطويرق (١) ، وقد هنّأه عبد الصّمد بقصيدته المستهلّة بقوله [من البسيط]

الله أكبر هذا الفوز والظّفر

فتحا مبينا مع التّأييد يا عمر (٢)

وعلى اسم هذه النّقعة كانت نقعة آل جنيد (٣) الواقعة شماليّ حوره بالكسر.

وفي حوادث سنة (٩١٧ ه‍) من «تاريخ شنبل» [ص ٢٤٧] : (أنّ العوابثة قطعوا بعض خريف النّقعة (٤) وغيل باوزير ، وعطّلوا الحرث).

ومن فضلاء النّقعة : العالم العامل المعمّر الشّيخ سالم بن محمّد باوزير (٥) ، ولد

__________________

و «ملحق البدر الطّالع» (١٢١) ، و «الأعلام» (٤ / ١١) ، و «سلافة العصر» (٤٣).

أمّا «ديوان عبد الصّمد» .. فمنه نسخة بمكتبة الشّيخ محمّد بن محمّد باكثير ، مؤلّف «البنان» ، آلت إلى ابنه عمر (ت ١٤٠٥ ه‍) ، ولعلّها محفوظة عند ورثتهما ، وذكر الشّيخ محمّد أنّ الحبيب عليّا الحبشيّ لديه نسخة منه.

وفي «مصادر الفكر الإسلاميّ» (٣٧٢) : أنّ نسخة آل باكثير آلت إلى الأديب محمّد عبده غانم ، ومنه نسخة أخرى بمكتبة عارف حكمت ب (المدينة المنوّرة) على ساكنها الصّلاة والسّلام ، صوّرتها جامعة الملك سعود بالرياض.

ومن المصادر الّتي تحدّثت عن عبد الصّمد وشعره : «تاريخ الدّولة الكثيريّة» (٦٤ ـ ٦٦) ، و «نشر النّفحات المسكيّة» لباحسن ، «الحركة الأدبيّة في حضرموت» للصّبّان (٨٨ ـ ٩٣).

(١) السّلطان عمر ابن السّلطان بدر بوطويرق ، وخليفته من بعده ، كان عالما فاضلا عادلا حسبما تقول المصادر ، له سياسة مرضيّة ، وأخلاق سويّة ، توفّي سنة (١٠٢١ ه‍). وقد كان الشّيخ عبد الصّمد يكنّ له حبّا جمّا ، وله قصائد كثيرة فيه ، مدائح ومراث ، تسمّى ب : «العمريّات» ، ينظر المراجع الّتي سبق ذكرها في ترجمة عبد الصّمد.

(٢) ويلي هذا البيت قوله :

فمن رعته عنايات الإله فلا

يخش المعادين إن قلّوا وإن كثروا

من كان معتصما بالله كان له

عونا وسار بما يختاره القدر

وكلّ باغ فإنّ الله خاذله

ولم يفز من بغير الله ينتصر

(٣) آل جنيد أحد بيوت آل باوزير.

(٤) الخريف : الثّمر الّذي يجنى في فصل الخريف ، ولا يراد به عند الحضارمة سوى الرّطب.

(٥) الشّيخ سالم بن محمّد باوزير (١٢٠٠ ـ ١٣١٨ ه‍) ، ولد بالنّقعة وبها توفّي ، ورحل إلى مصر والشّام وفلسطين ، وأقام بالحرمين مجاورا (١٤) عاما في مكّة ، و (٧) سنين في المدينة المنوّرة على ساكنها الصّلاة والسّلام ، ثمّ عاد إلى الشّحر. ترجمته في : «تعليقات السّقّاف على رحلة الأشواق


بها ، وطلب العلم بالشّحر وحضرموت والحجاز ومصر والشّام ، وأقام مدّة طويلة ينشر العلم بالشّحر ، ثمّ عاد إلى النّقعة ، وبها توفّي سنة (١٣١٨ ه‍) عن مئة وستّة عشر ربيعا تقريبا ، وكان متمكّنا من علم الأوفاق والحروف.

القارة

وبإزاء النّقعة وشمال الغيل إلى جهة الشّرق في غربيّ الحزم .. قرية يقال لها : القارة ، لا يزال بها جماعة من العوابثة ، وآل عمر باعمر ، وآل بكير ، وأصلهم من الرّييدة القرية الّتي في شمال بور إلى الغرب في أطراف وادي مدر ، يحترفون بإثارة الأرض وبناء المساقي.

ومن آل بكير أصحاب القارة : قاضي القضاة الآن : الشّيخ عبد الله بن عوض بكير (١) ، وهو رجل دمث الأخلاق (٢) ، بعيد القعر (٣) ، مرن ، هشّ بشّ ، وله ابن يسمّى عبد الرّحمن (٤) ، ذكيّ ، نبيه ، له شعر جميل.

__________________

القوية» (٤) وفيه : أنّه توفي عن (١١٨) سنة.

(١) الشّيخ العلّامة عبد الله عوض بكير. عالم ، فقيه ، قاض ، ولد بغيل باوزير سنة (١٣١٤ ه‍) ، وانتقل في سنّ مبكّرة إلى القارة حيث قرأ بها القرآن في كتّاب صغير بالقرية ، ثمّ بدأ دراسته على الشّيخ عمر امبارك بادبّاه في قرية الصّداع ، وأكب على القراءة والمطالعة في العلوم الشّرعيّة ، لا سيّما الفقه.

التحق بخدمة القضاء الشّرعيّ في الدّولة القعيطيّة سنة (١٣٥١ ه‍) ، وتقلّب في الوظائف حتّى صار رئيس القضاة الشّرعيّين عام (١٣٥٦ ه‍). وتطوّر القضاء في عهده ، وامتازت أيّام رئاسته للقضاء الشّرعيّ بإصلاحات هامّة ، واتّسع نطاق المحاكم الشّرعيّة ، وتضاعف نفوذها وسلطانها ، وأصبحت كلّ منطقة في السّلطنة تختصّ بمحكمة شرعيّة وقاض شرعيّ. وهو الّذي طلب من العلّامة السّيّد محسن بونمي أن يقوم بتدريب فريق من القضاة ويشرف عليهم ، فكان نظام الكورسات الّذي قدّمنا الحديث عنه ، وأرسل بعضا من النّابهين لإكمال دراستهم في السّودان ؛ منهم : ابنه الشّيخ عبد الرّحمن ـ الآتية ترجمته ـ والسّيّد عبد الله محفوظ الحدّاد. له مصنّفات ناقصة ، توفّي رحمه الله سنة (١٣٩٩ ه‍). عن كتاب «شذور من مناجم الأحقاف» (١٠٣ ـ ١٠٦).

(٢) دمث الأخلاق : ليّن الأخلاق.

(٣) بعيد القعر : بعيد الغور ؛ أي : دقيق النّظر.

(٤) الشّيخ عبد الرّحمن بن عبد الله بكير. ولد بقرية الصداع سنة (١٣٤٢ ه‍) ، ودرس على يد والده ، وعلى عدد من علماء السّاحل ، رحل إلى السّودان لدراسة الشّريعة بجامعة الخرطوم ، وحصل على


وبالقارة المذكورة ناس من آل باعمروه ، وآل باسويد ، وآل بايمين ، وآل بالجعد.

وفيها عيون غزيرة ، استأثر الغيل بنسبتها إليه لاشتهاره وخمولها ، كما استأثر المخاببنّ اليمن ؛ لاشتهاره به من القديم ، مع أنّه لا يوجد به شيء منه الآن.

ويقال : إنّ القارة أقدم من الغيل ، وإنّ الشّيخ عبد الرّحيم باوزير كان يجلب الأكرة منها ؛ لبناء مسجده بالغيل.

وفيها جامع منسوب للسّيّد عليّ بن عبد الله المغربيّ ، يقال : إنّه بناه في القرن الثّامن.

وكان أهلها ـ من العوابثة وغيرهم ـ في ليل حالك من الجهالة ، فما زال المغربيّ المذكور ينشر فيهم دعوة الإسلام ، ويعلّمهم مبادئه ، حتّى انكشف عنهم ليل الجهل ؛ إذ صادفت دعوته ثرى طيّبا ، ونفوسا سليمة. وقد قال يزيد ابن الطّثريّة [من الطّويل] :

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى

فصادف قلبا خاليا فتمكّنا

الحزم وصداع

هو أرض واسعة من أعمال غيل باوزير ، كانت بها عين ماء وشلة (١) ، فما زال الأمير عبد الله بن عليّ العولقيّ في علاجها حتّى انبثقت ماء غزيرا ، وفيه اليوم معيانان ، وله جامع.

ومن سكّانه : الشّيخ الصّالح المعمّر عمر بادبّاه (٢) ، يقال : إنّ سنّة اليوم ينتهي إلى مئة وأحد عشر عاما.

__________________

الامتياز سنة (١٩٥٣ م). عيّن مساعدا إداريّا بمجلس القضاء الشّرعي الأعلى. ثمّ مفتّشا قضائيا ، وعضوا بالمجلس العالي الشّرعيّ. ثمّ مستشارا قضائيّا عام (١٩٦٧ م). ولا زال الشيخ المترجم يفيد الطالبين ، وهو مقيم بالمكلا ويتردد على القارة حفظه الله ونفع به المسلمين.

(١) وشلة : قليلة الماء.

(٢) هو الشّيخ العلّامة الصّالح ، المربّي القدير ، والعالم النّحرير ، والنّاسك الأوّاب عمر بن امبارك بن عوض بادبّاه الحضرميّ (١٢٥٧ ـ ١٣٦٧ ه‍). ولد المترجم له في حصن العولقيّ ، وحصن العولقي عبارة عن قرية تلتفّ بهضبة صخريّة ، يتوّجها الحصن الكبير الّذي لم تبق إلّا آثاره. نشأ المترجم له في هذا الحصن ، وترعرع فيه ، ثمّ مع بلوغه سنّ الإدراك والتّمييز .. سافر إلى الهند سنة (١٢٨٢ ه‍) ،


وفي حوالي سنة (١٢٦٠ ه‍) : كانت المنافسات قائمة على قدم وساق بحيدرآباد الدّكن بين الأمير عمر بن عوض القعيطيّ والأمير عبد الله بن عليّ العولقيّ وفي جانبه الأمير غالب بن محسن الكثيريّ ، وكلّهم في خدمة الجيش الآصفيّ.

فاتّفق العولقيّ وغالب بن محسن على تكوين دولة لهم بحضرموت ، وكان العولقيّ كثير المال ، كريم النّفس ، شجاع القلب ، فطفق يرسل إلى حضرموت بكثير من الأموال ؛ لمواصلة العلويّين ، ولبناء المساجد والسّقايا وما أشبه ذلك.

ولمّا بدأ غالب بن محسن بشراء الغرف من أسافل حضرموت .. بدأ العولقيّ بشراء الحزم هذا ، واختار القارة المعروفة هناك لبناء حصنه الحصين عليها ، وهو المعروف بحصن صداع ، الّذي يقول فيه شاعرهم :

سلام الفين يا حصن مبني فوق قاره

بناك العولقي ما يعوّل بالخساره

ولمّا شعر القعيطيّ بذلك .. أرسل أولاده محمّدا وعبد الله وعليّا وعوضا إلى القطن من أرض حضرموت ، وزوّدهم بالأموال الطّائلة ، وبعث معهم بعبدين داهيين محنّكين ، يقال لأحدهما : ألماس ، وللآخر : عنبر ، ووافق ذلك هوى من يافع ،

__________________

ثمّ عاد إلى وطنه سنة (١٢٩٣ ه‍) بعد أن حصل على معلومات قيّمة دينيّة وطبيّة واجتماعيّة وعسكريّة. وبعد عودته إلى بلده .. تحرّكت همّته إلى الاتّصال بالسّيّد الكبير عليّ بن محمّد الحبشيّ في سيئون ، الّذي كان يواصل الجهود لإخراج أكبر مجموعة من العلماء في السّاحل والدّاخل ؛ لتقوم بواجبها في عموم القطر.

فحصل الاتّصال بين المترجم له مع الإمام الحبشيّ ، ونهل من علومه ومعارفه ما برّز فيه ، وفي أحد المرّات كان الإمام الحبشيّ يمازح تلميذه المترجم له .. فقال المترجم له : ما أنا إلّا دبّاه ـ يشير إلى شجرة القرع ـ فقال له شيخه : ولكنّها ستلقي قحازيز. (وهي كلمة عامّيّة ، معناها : صغار القرع). ثمّ استمرّ عند شيخه في سيئون خمس سنوات ، كلها جدّ ودرس وتحصيل. ثمّ استأذن شيخه في العودة إلى بلده صداع .. فأذن له شيخه ، فعاد إلى بلده وقد سبقه إليها صيته ومكانته العلميّة ، وما إن مرّت سنوات قليلة حتّى صارت بلدة الصداع مقرّا وموئلا لطلبة العلم ، ومقصدا للعلماء وطلّاب العلاج. ولم يقتصر على هذه النّاحية ؛ فقد باشر أعمال الإصلاح بين النّاس .. حتّى سرت محبّته في القلوب ، وأخذ ينشر الدّعوة والتّعليم في القرى. تخرّج عليه جملة صالحة من العلماء ؛ منهم : الشّيخ العلّامة سالم بن امبارك الكلالي ، والشّيخ العلّامة عبد الله بن عوض بكير ، والشيخ عبد الله الناخبي وغيرهم ، وكانت وفاته سنة (١٣٦٧ ه‍).


إلّا أنّهم اختلفوا مع عبديه في مخزن التّموين ، فأراد العبدان أن يكون بسيئون ، فامتنعت يافع خوفا من رسوخ قدم القعيطيّ فيها وهم لا يبغون بها بديلا.

ولمّا أحسّ آل كثير ـ بعد اللّتيا والّتي (١) ، وبعد هروج ومروج مستوفاة ب «الأصل» (٢) ـ بأنّهم عاجزون عن مناهضة القعيطيّ .. عقدوا حلفا ثلاثيّا من الكساديّ ـ الّذي استمالوه إليهم ، وكان هو والقعيطيّ على رأي لأنّهم يافعيّون ـ ومن العولقيّ والكثيريّ ، وكان ذلك في سنة (١٢٩٠ ه‍).

وكانت للعولقيّ عدّة مراكب شراعيّة تمخر عباب البحر ، وتنقل ما يحتاجه من الهند إلى الحزم وصداع.

وجرت بينهم حروب كثيرة ، كانت النّهاية فيها ـ كما ب «الأصل» (٣) ـ انهزام العولقيّ والكساديّ وآل عمر باعمر ، وتراجع آل كثير ، واستيلاء القعيطيّ على الغيل وعلى الحزم وعلى صداع ، وكان ذلك في سنة (١٢٩٣ ه‍).

وسمعت من الثّقات : أنّ نفقات العولقيّ على الحزم وصداع بلغت ثمانية آلاف ألف روبيّة ، وكان كثير النّدم على ما كان في أيّام حياته من ذلك ، وتمنّى أن لو كانت في سبل الخيرات.

__________________

(١) بعد اللّتيّا والّتي : مثل عربيّ معناه : بعد الدّاهية الكبيرة والصّغيرة. وكنّى عن الكبيرة بلفظ التّصغير تشبيها بالحيّة ؛ فإنها إذا كثر سمّها .. صغرت ؛ لأنّ السّمّ يأكل جسدها. وقيل : أصل هذا المثل : أنّ رجلا من جديس تزوّج امرأة قصيرة ، فقاسى منها الشّدائد ، وكان يعبّر عنها بالتّصغير ، فتزوّج امرأة طويلة ، فقاسى فيها ضعف ما قاسى من الصّغيرة ، فطلّقها وقال : بعد اللّتيّا والّتي .. لا أتزوّج أبدا.

فجرى ذلك على الدّاهية.

(٢) كان انعقاد الحلف في رمضان (١٢٩٠ ه‍) ، كما نقل ذلك في الأصل عن «تاريخ الحبيد» والكلام في هذا يطول ، وهو في «بضائع التابوت» : (٣ / ٢٦ ـ ٣٤).

(٣) كانت بداية نهاية الحلفاء في وقعة شحير في صفر (١٢٩٢ ه‍) ؛ إذ هجموا على شحير بعد طلوع الفجر ، فلاقاهم عسكر القعيطيّ من يافع وغيرهم إلى خارج شحير ، واشتدّ الحرب وانتهى بعد أن استحرّ بالحلفاء القتل والهزيمة. ثمّ جهّز القعيطيّ في رجب على غيل باوزير ، وانهزم الحلفاء أيضا ، ولم يكن لهم ملجأ بعد ذلك إلّا إلى الحزم وصداع مع فلول الأحلاف. وفي شوال (١٢٩٣ ه‍) ..

جهّز السّلطان عوض بن عمر القعيطيّ على حصن صداع والحزم بثلاث فرق ، وحاصر من فيها أربعة أشهر حتّى استسلمت حامية الحصن وهم العوالق ، وآل عمر باعمر ، فسفّر العوالق بعضهم إلى أرضهم جهة القبلة ، والبعض إلى الهند ، وسجن آل عمر باعمر.


وللعامّة في تمنّيه ذلك أشعار كثيرة ، ومن يك وكلاؤه آل كثير (١) .. فإنّه جدير بمثل ذلك.

وما أدري ، أكان ما أنفقه ولده محسن بعد وفاته في حروب الحزم وصداع داخلا في ذلك القدر ، أم كان علاوة عليه؟

إلا أنّه انتبه لآل كثير واحتاط منهم ، ولذا لم يحمد بينهم المآل ولم يبلغوا الآمال.

وينتهي نسب العولقيّ إلى ذي يزن الحميريّ ، وقيل : إلى معن بن زائدة الشّيبانيّ ، وقيل : إنّه من آل باحلوان ، وهو من بني حلوان بن عمر بن الحاف بن قضاعة ، وإنّ الأمير عبد الله بن عليّ العولقيّ من ذرّيّة عبد الله بن قيس بن زمليّ بن عمرو الفهميّ الآتي ذكره في الغرفة ، والله أعلم بحقيقة ذلك ، ومهما يكن من الأمر ..

فما سوّدته عامر عن وراثة

أبى الله أن يسمو بأمّ ولا أب (٢)

وله أخبار عظيمة ، ومناقب كريمة ، وأنف حميّ ، وقدر سميّ.

والله أعطاه المحبّة في الورى

وحباه بالفضل الّذي لا يجهل

نفس مشيّعة ورأي محصد

ويد مؤيّدة ورأي فيصل (٣)

إلى جود ضخم ، ومجد فخم ، وعقل راجح ، وسيف طامح.

وزنوا الأصالة من حجاه وإنّما

وزنوا بها طودا من الأطواد

ووراء ذاك الحلم ليث خفيّة

من دون حوزته وحيّة وادي (٤)

ولم تكن الهزائم المشار إليها في الحزم وصداع إلّا بعد خمود ريح دولته بموته في حيدرآباد الدّكن سنة (١٢٨٤ ه‍).

__________________

(١) الرّجل الّذي كان يزجّ بالعولقي في تلك الوقائع هو الأمير عبود بن سالم الكثيريّ ، وقد فرّ من السّاحل بعد هزيمته والعولقيّ في صداع.

(٢) البيت من الطّويل ، وهو لعامر بن الطّفيل بنحوه كما في «لسان العرب» (١١ / ٥٩٣).

(٣) البيتان من الكامل ، وهما للبحتري في «ديوانه» (١ / ٣٣). رأي محصد : رأي سديد.

(٤) البيتان من الكامل ، وهما أيضا للبحتري في «ديوانه» (١ / ١٨٦).


والمشهور : أنّه مات على فراشه ، وقال بعضهم : إنّها وقعت بينه وبين الشّاوش صلاح الضّبيّ اليافعيّ واقعة قتل فيها صلاح وجماعة من عسكر الطّرفين ، ولكنّ ملك حيدرآباد أصلح بينهم ، غير أنّ يافعا بعد عامين من الصّلح كادت للأمير عبد الله بن عليّ العولقيّ مع خروجه لصلاة العصر ، وأطلقت عليه الرّصاص ، وكان كما قال الأوّل :

مضى مثل ما يمضي السّنان وأشرقت

به بسطة زادت على بسطة الرّمح

فتى ينطوي الحسّاد من مكرماته

ومن مجده الأوفى على كمد برح (١)

وقد وقع رداؤه على ولده محسن (٢) ، وكان على قدّة أبيه (٣) ، جودا ونجدة وشهامة ، ولكنّه لم يكن مثله ـ ولا بقريب منه ـ لا في العلم ولا في الدّين ، فانطبق عليه قول ليلى الأخيليّة [من الطّويل] :

فنعم فتى الدّنيا وإن كان فاجرا

وفوق الفتى لو كان ليس بفاجر

وهذا البيت من الكلام الجزل (٤) ، الّذي لا يعلكه إلّا لحي بازل فحل (٥) ، فمجيئه من لسان هذه المرأة يفتح للنّساء أبواب الفخر والاحتجاج على الرّجال بمصاريعها ،

__________________

(١) البيتان من الطويل ، وهما أيضا للبحتري في «ديوانه» (١ / ٧٤).

(٢) خلف محسن بن عبد الله والده في حكم الحزم وحصن صداع ، وهو الّذي جرت بينه وبين القعيطيّ الحوادث السّالفة الذّكر ، عقب دخوله في الحلف الثّلاثيّ. وقد ترك له والده تركة وميراثا يقدّر بعشرين مليون روبية أو تزيد ، ويروى عن الأمير عبد الله بن علي قوله : تركت لولدي محسن عشرين ألف ألف روبية نقدا ، فضلا عمّا يناسبها من العقار والأثاث والمجوهرات ، ثمّ إن كان فحلا .. فلن يحتاجها ، وإن كان فسلا .. فلن تنفعه. «بضائع التابوت» (٣ / ٢٦). قال السّلطان غالب بن عوض القعيطيّ ـ الأخير ـ : ولقد سمعت بنفسي من مجموعة من الثّقات المسنّين بأنّه عندما احترق قصره في أيّام أحفاده نتيجة لإصابته بصاعقة .. شوهدت المعادن ـ مثل الفضة وغيرها ـ تسيل في المجاري بسبب الحرارة.

(٣) قدّة : طريقة.

(٤) الجزل : ضدّ الرّكيك.

(٥) في هذا الكلام كناية على رفعة هذا الكلام ، وأنّه لا يتكلّم به إلّا الفحول من الرّجال.


فلقد أراد حبيب أن يتعلّق به .. فانهار رجاه ، وأخطأته النّجاه ؛ إذ لم يأت إلّا بقوله [في «ديوانه» ١ / ٣٧٧ من الكامل] :

إنّ الطّلاقة والنّدى خير لهم

من عفّة جمست عليك جموسا (١)

لو أنّ أسباب العفاف بلا ندى

نفعت .. لقد نفعت إذا إبليسا (٢)

وقوله [في «ديوانه» ١ / ٤٢٧ ـ ٤٢٨ من الكامل] :

إن كان بالورع ابتنى القوم العلا

أو بالتّقى صار الشّريف شريفا

فعلام قدّم وهو زان عامر

وأميط علقمة وكان عفيفا (٣)؟

ثمّ رأيت المبرّد يقول في أواخر «الكامل» [٣ / ١٤١٠ ـ ١٤١١] : (لقد كانت الخنساء وليلى متقدّمتين لأكثر الفحول ، وربّما تتقدّم المرأة في الصّناعة ، ولكنّه قليل ، والأغلب ما قال تعالى : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ)) ، وأطال في هذا الباب ، ويرد عليه : أنّ هذا ليس من كلام الله ، وإنّما هو محكيّ عن فرعون (٤) ، ولقائل أن يستثني منه بفرض الرّواية عند البحتريّ أو الشّجريّ في «الحماسة» إبدال (فاجر) بفاخر .. فقلت له : ليس الفخر بعاب عند العرب حتّى يسلك به فجه فهو ظاهر الغلط ، لا سيّما وقد قال توبة [الخفاجيّ من الطّويل] :

لقد زعمت ليلى بأنّي فاجر

لنفسي تقاها أو عليها فجورها (٥)

__________________

(١) جمست : جمدت. يقول : طلاقة وجهك وجودك .. خير لهم من عفّتك ؛ لأنّ هذه يعود نفعها عليك ، أمّا الطّلاقة والنّدى .. فنفعهما عليهم.

(٢) يقول : إنّ أسباب العفاف بلا تقى لا تنفع ؛ لأنّها قد توجد مع البرّ والفاجر ، وقد توجد مع إبليس ، ولو أنّها تنفع بلا تقى .. لنفعته ؛ لأنّه لا يأكل حراما ، ولا يأخذ أموال النّاس بالباطل ، وكذلك عفّتك إن لم يكن معها تقى ولا ندى .. فهي لا تنفع.

(٣) عامر : هو عامر بن الطّفيل ، وكان زنّاء. علقمة : هو ابن علاثة وكان عفيفا. وأشار بقوله : قدّم : إلى أنّ الأعشى قدّم عامرا على علقمة حينما تنافرا إليه. وقصّة منافرتهما موجودة في «جمهرة خطب العرب» (١ / ٤١) ، فليرجع إليها من أحب.

(٤) في قوله تعالى : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ) والله أعلم.

(٥) البيت من قصيدة رائعة لتوبة الخفاجي ، الذي هو أحد عشاق العرب ، ومحبوبته هي ليلى الأخيلية الشاعرة العفيفة ، التي لم يحظ منها بشيء ؛ إذ زوّجها أبوها لغيره ، ومن أشعارها فيه :


أمّا قول ليلى [من الطّويل] :

معاذ النّهى قد كان والله توبة

جوادا على العلّات جمّا نوافله

أغرّ خفاجيّا يرى البخل سبّة

تحالف كفّاه النّدى وأنامله

عفيفا بعيد الهمّ صلبا قناته

جميلا محيّاه قليلا غوائله

إنّما جاءت به مكابرة لقول معاوية ـ أو عبد الملك ـ ويحك يا ليلى ؛ يزعم النّاس أنّه كان عاهرا فاجرا. ورأيها مع النّاس أقوى حجّة من وصفه بالعفاف مع الضّعف ؛ بأمارة الإيجاز الّذي لم يتجاوز اللّفظة الواحدة فيه.

وسمعت من غير واحد من أهل حيدرآباد أنّ بغيّا قالت لمحسن هذا : أتوجد مئة ألف روبيّة مجموعة معا في مكان واحد؟

فقال لها : نعم.

فقالت : أمّا أنا فلا أصدّق بذلك ، وإن كان واقعا .. فإنّي أتمنّى أن أراه.

فأمر بإحضار مئة ألف روبيّة ، ونثرها في بقعة واحدة ، ثمّ أمرها أن ترقص عليها ، لا أدري أبثيابها أم عريانة ، ثمّ سوّغها إيّاها.

ومن محاسنه : وقفه ليشحر الآتي ذكره بموضعه (١).

وقد أثّرت على حياة محسن حادثة الهزيمة في الحزم والصداع ، لا سيّما وأنّ آل القعيطيّ أحضروا سدّة (٢) صداع إلى حيدرآباد ووضعوها في الطّريق الواسعة ، فمات غبنا (٣) في سنة (١٢٩٤ ه‍) عن ولد يقال له : حسين ، لم يكن بدون أبيه في

__________________

وذي حاجة قلنا له لا تبح بها

فليس إليها ما حييت سبيل

لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه

وأنت لأخرى صاحب وخليل

وللبيت الذي معنا قصة رائعة ، موجودة في «جمهرة خطب العرب» (٢ / ٤١١) .. فليرجع إليها.

(١) ونصّ وثيقة الوقفيّة في «بضائع التابوت» (٣ / ٣٧) كتبت سنة (١٢٨٦ ه‍).

(٢) السّدّة : هي بوّابة مدخل البلدة المسوّرة ، وإنّما فعل آل القعيطي ذلك نكاية وأذيّة للعولقيّ وسخرية منهم به.

(٣) في «بضائع التابوت» : أنّ محسنا مات مسموما ، سمّه طبيب ، ولمّا فطن ولده حسين بالأمر .. استلّ خنجره وطعن الطّبيب.


الشّجاعة ، ولكنّه مات بعده وشيكا بسمّ ـ حسبما يقال ـ دسّ إليه ، وبموته انقرضوا عن غير وارث ثابت ، فصارت نقودهم ـ المقدّرة بأكثر من عشرين ألف ألف روبيّة ، فضلا عمّا يناسبها من المجوهرات والعقارات الكثيرة ـ طعمة لبيت المال (١).

وأصبحوا لا ترى إلّا منازلهم

قفرا سوى الذّكر والآثار إن ذكروا (٢)

وسبحان من لا يدوم إلّا ملكه (٣) وما هنا ليس إلّا نموذجا لما في «الأصل» من أخبارهم الشّيّقة ، وكلّه دون ما يستحقّون ؛ لأنّ خبر الأمير عبد الله بن عليّ من أكبر أخباره ، فلو أنّنا كتبنا كلّ ما سمعناه عمّن رآه .. لكان عجبا! وموته من غير وارث قد ينافي كونه من آل عبد الله باحلوان ؛ لأنّهم معروفون في الغرفة بأنسابهم إلى الآن.

الشّحر (٤)

لها عدّة إطلاقات :

الأوّل : أنّها اسم لكلّ ما شمله حدّ حضرموت السّابق ذكره أوائل الكتاب.

الثّاني : أنّها اسم لساحل المشقاص بأسره ، فما كان منه لبني ظنّة .. فهو داخل في

__________________

(١) ولم يكن بالهند آنذاك بيت مال إسلاميّ ، إنّما استولت على التّركة الحكومة الإنكليزيّة ؛ إذ كانت مستعمرة الهند التي كانت تسمى آنذاك : درّة التّاج البريطانيّ.

(٢) البيت من البسيط.

(٣) قال المصنّف رحمه الله في «بضائع التابوت» : (ولقد رأيت قصره الفخم الضخم بحيدرآباد عندما اجتزت بها في سنة (١٣٤٩ ه‍) خرابا يبابا).

(٤) للطيب بامخرمة كلام مفيد عن الشحر في كتابه «نسبة البلدان» سيذكره المصنف في موضع لا حق ، وكان حقه أن يذكر هنا ، وقد كانت الشحر تطلق قديما على المنطقة الساحلية الواقعة ما بين عمان وساحل حضرموت جميعها. أما اليوم .. فهي من أكبر مديريات حضرموت ، وتضم أربعة مراكز متباعدة ومترامية الأطراف وهي : الديس الحامي ، والريدة ، وقصيعر ، وغيل بن يمين. وهي منطقة غنية جدا بتراثها وخيراتها النفطية والسمكية. وهي تقع على سطح متسع من الشاطىء الذي ينحدر تدريجيا إلى البحر ، ولذا ترسو السفن بعيدا عنه لضحالته ، وكان لها قديما سور له بوابتان تعرف إحداهما بسدّة العيدروس ، والأخرى بسدّة الخور ، وقد خرب هذا السور وبقيت سدة العيدروس قائمة كمعلم تاريخي.


حدّ حضرموت ، وما كان منه للمهرة كبديعوت .. فهو شحر المهرة.

الثّالث : أنّها اسم لجميع ما بين عدن وعمان ، كما ذكره ياقوت [٣ / ٣٢٧] عن الأصمعيّ.

وكثير من يقول : إنّ ظفار هي قاعدة بلاد الشّحر ، وفي «الأصل» بسط ذلك.

الرّابع : اختصاص الاسم بالمدينة اليوم.

لكن نقل السّيّد أحمد بن حسن الحدّاد عن الباب السّابع من «نخبة الدّهر» : (إنّ لحضرموت فرضتين (١) على ساحل البحر ، يقال لإحداهما : شرمة ، وهي الآتي ذكرها. وللأخرى : الشّحر ، ولم تكن بمدينة ، وإنّما كانوا ينزلون بها في خصاص (٢) ، حتّى بنى بها الملك المظفّر ـ صاحب اليمن في زماننا هذا (٣) ـ مدينة حصينة بعد سنة سبعين وستّ مئة) اه (٤)

وفي «صبح الأعشى» (٥ / ١٦) : (والشّحر ـ قال ياقوت الحمويّ : هي بليدة صغيرة ـ ولم يزد على ذلك. والّذي يظهر : أنّ لها إقليما ينسب إليها) اه

وما استظهره هو الواقع ، ولا سيّما في الأعراف القديمة ، وكانت وفاة ياقوت في سنة (٦٢٦ ه‍) ؛ أي : قبيل أن يجعلها المظفّر مدينة بمدّة ليست بالطّويلة.

وما جاء في «صبح الأعشى» عن ياقوت لعلّه من غير مادة الشّحر ، أمّا فيها من «معجمه» .. فقد أطال القول عن الشّحر ، وقال : (هو صقع على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن ، وإليه ينسب العنبر الشّحريّ ؛ لأنّه يوجد في سواحله ، وهناك عدّة

__________________

(١) الفرضة : الفتحة الّتي يدخل منها الماء ، وتطلق عرفا على الميناء.

(٢) قوله (خصاص) : الّذي في «الهديّة السّنيّة» و «الشّامل» : أنّها (أخصاص) وهي ـ كما عرّفها الحدّاد ـ : بيوت صغيرة من الخوص والسّعف.

(٣) يعني به القرن السابع ، والمظفر هو الملك يوسف بن عمر بن رسول الرّسولي ، كان تولّيه الملك في اليمن عقب مقتل أبيه سنة (٦٤٩ ه‍) ، وتوفّي هو سنة (٦٩٤ ه‍).

(٤) «الهديّة السّنيّة» للحدّاد (ص ١٦) (مخطوط) ، و «نخبة الدّهر» هو لشيخ الرّبوة محمّد بن أبي طالب الأنصاريّ (٦٥٤ ـ ٧٢٧ ه‍) ، دمشقيّ ، ولي مشيخة الرّبوة وهي من ضواحي دمشق ، وتوفّي بصفد. واسم كتابه كاملا : «نخبة الدّهر في عجائب البرّ والبحر» مطبوع.


مدن يتناولها هذا الاسم ، وإلى الشّحر ينسب جماعة منهم محمّد بن خويّ بن معاذ الشّحري) اه [٣ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨] باختصار.

وفي «مروج الذّهب» ذكر للنّسناس الّذي أفضت القول عنه ب «الأصل» ، ثمّ قال المسعوديّ : ووجدت أهل الشّحر من بلاد حضرموت وساحلها ـ وهي تسعون مدينة على الشّاطىء من أرض الأحقاف ، وهي أرض الرّمل وغيرها ممّا اتّصل بهذي الدّيار من أرض اليمن وغيرها ، من عمان وأرض المهرة ـ يستظرفون أخبار النّسناس إذا ما حدّثوها ، ويتعجّبون من وصفه ، ويتوهّمون أنّه ببعض بقاع الأرض ممّا قد بعد عنهم ؛ كسماع غيرهم من أهل البلاد بذلك عنهم ، وهذا يدلّ على عدم كونه في العالم ، وإنّما هو من هوس العامّة ؛ كما وقع لهم من عنقاء مغرب (١) ، ونحن لا نحيل وجود النّسناس والعنقاء ؛ لأنّ ذلك غير ممتنع في القدرة ، غير أنّه لم يرد خبر قاطع للعذر بصحّة وجود ذلك في العالم .. فهذا داخل في حيّز الممكن الجائز ... إلى آخر ما أطال به.

والذي يعنينا منه كون الشّحر فيما سلف من الزّمان تسعين مدينة ، وكون هذه الأرض تسمّى كلّها أرض الأحقاف ، وهو موافق لكثير ممّا سبق. والله أعلم.

وللشّحر ذكر في شعر سراقة بن مرداس البارقيّ ، وذلك أنّه أخذ أسيرا يوم جبّانة السّبيع ، فقدّم في الأسرى ، فقال ـ كما عند الطّبريّ وغيره (٢) ـ [من الرّجز] :

امنن عليّ اليوم يا خير معدّ

وخير من حلّ بشحر والجند

وخير من لبّى وصلّى وسجد

فعفا عنه المختار في قصّة طويلة تشهد لاستيلائه على الشّحر (٣).

__________________

(١) العنقاء : طائر أسطوري عظيم ، معروف الاسم ، مجهول الجسم. وعنقاء مغرب : أي مبعد في البلاد. وهذا قول من أحد الأقوال فيها ، ومن أراد التوسع .. فليرجع إلى «لسان العرب» (١ / ٦٤١).

(٢) تاريخ الطبري (٣ / ٤٦٠).

(٣) سيذكر المصنّف عقب ذكره المختار بن أبي عبيد الثّقفيّ .. ما وقف عليه من حوادث في تاريخ الشّحر


__________________

السّياسيّة بدءا من سنة (٥٧٥ ه‍) .. إلّا أنّ صاحب «الشّامل» (١١٠ ـ ١١٥) أورد أخبارا ومعلومات هامّة عن تاريخ الشّحر القديم إلى سنة (٥٤٩ ه‍) ولأنّها أخبار مختصرة ومجملة فنذكرها لفائدة القارىء ؛ قال العلّامة الحدّاد :

(للشّحر تاريخ طويل ، هو جزء من تاريخ حضرموت ، فنذكر هنا كلاما إجماليّا كالمقدمة لما يأتي والتّوطئة. فقد تداولتها أيد كثيرة ، فذكروا أنّها كانت بأيدي سبأ أيّام ملكهم ، ثمّ خلفتهم حضرموت ، فمهرة ، ثمّ تولّاها الفرس وجعلوا (اسبيخت) أي واليا من جهتهم.

ثمّ جاء الإسلام وهي كذلك .. فدخلت تحت حكم الخلفاء الرّاشدين ، ثمّ الملوك من بني صخر بن حرب الأمويّ ، ثمّ دخلت تحت حكم ابن الزّبير حتّى قتل ، فتولّاها ملوك بني مروان الأمويّون ، إلى أن ولي الأمر مروان بن محمّد الملقّب بالحمار ، فظهر في أيّامه عبد الله بن يحيى الكنديّ الإباضيّ وملكها مع سائر حضرموت واليمن ومكّة والمدينة ، ثمّ جاءته جنود بني مروان فقضت عليه ، وعادت إليهم مع سائر حضرموت ، ثمّ عادت إلى الإباضيّة في فترة الحرب بين بني العبّاس وبني مروان إلى سنة (١٤٠ ه‍). فجهز المنصور العباسيّ معن بن زائدة ، وأوعب معه الخيل ، قيل : إنّه جهّز معه أربعين ألف فارس .. فاستباح اليمن وحضرموت ، واستخلف ابنه زائدة بن معن بن زائدة ، فأقام في اليمن ثلاث سنين ، ثمّ توالت الأمراء من بني العبّاس. حتّى كانت سنة (٢٠٦ ه‍) ، فجاء ألف من مسودة خراسان مددا للأمير الّذي ولّاه المأمون العبّاسيّ على اليمن ، وهو محمّد بن زياد من ذرّيّة زياد ابن سميّة ، فعظم أمر ابن زياد وملك إقليم اليمن بأسره ، حضرموت بأسرها ، والشّحر ومرباط وأبين وعدن والتّهائم إلى حلي ابن يعقوب.

وملك من الجبال الجند وأعماله ، ومخلاف جعفر ، ومخلاف المعافر ، وصنعاء وأعمالها ، ونجران وبيحان والحجاز بأسره ، وخلفه بعد وفاته سنة (٢٤٥ ه‍) ابنه إبراهيم بن محمّد ، ثمّ ابنه زياد بن إبراهيم ، ثمّ أخوه أبو الجيش إسحاق بن إبراهيم في حدود سنة (٢٩٠ ه‍) ، فاستولى على ما كان جدّه مستوليا عليه ، ومنه حضرموت بأسرها والشّحر. وطالت ولايته نحو ثمانين سنة ، فتمنّعت عليه أطراف البلاد. واستبدّ عنه أسعد بن أبي يعفر بن عبد الرّحيم الحواليّ ، ثمّ أخوه محمّد بن أبي يعفر ، فغزا حضرموت وأجناحها. ثمّ تولّتها مهرة ؛ منهم أبو ثور المهريّ ، ثمّ عادت إلى أيدي بني زياد ، وكانت الشّحر بيده إلى سنة (٣٦٦ ه‍) كما ذكر ذلك عمارة في «مفيده» ، وتوفّي أبو الجيش الزّياديّ سنة (٣٧١ ه‍) ، ثمّ تولّى بعده ابنه ، ثمّ انقرضوا. فقام بالأمر عبد الحسين بن سلامة ، وكان أميرا نوبيّا كبيرا).

إلى أن قال : (وأقام في الملك ثلاثين سنة ، وتوفّي سنة (٤٠٢ ه‍) ، واضطرب ملك بني زياد بعد وفاته ، واستولى بنو معن من العوالق على عدن وأبين وحضرموت والشّحر. ثمّ ثار الدّاعي أبو الحسن عليّ بن محمّد بن عليّ الصّليحيّ القائم بدعوة العبيديّين المصريّين ، فطوى اليمن طيّا ، ولكنه أبقى بني معن نوّابا عنه ، فلمّا قتل سنة (٤٥٩ ه‍) .. تغلّب بنو معن على ما بأيديهم من البلاد ، ثمّ


وكانت دولة الشّحر لكندة إلى سنة (٥٧٥ ه‍) (١) .. حيث هجم عليها الزّنجيليّ.

ثمّ تولّاها آل فارس (٢) المختلف في نسبهم : فقيل : إلى الأنصار ، وهو أبعدها.

__________________

قصدهم المكرّم بن عليّ بن محمّد الصّليحيّ إلى عدن ، فأخرجهم منها ، وولّاها العبّاس ومسعود ابني المكرّم الهمدانيّ وتغلّب في هذه الفترة على حضرموت والشّحر أمراء البلاد كما يظهر. ولم نجد تفصيلا في ذلك ؛ فهي فترة مجهولة في تاريخ الشّحر وحضرموت إلى سنة ٥٠٢ ه‍)

(١) بعد أن سردنا أحداث تاريخ الشّحر مجملة من «الشّامل» الّذي انتهى إلى سنة (٤٥٩ ه‍) .. ثمّ ذكر أنّ هناك فترة في التّاريخ الحضرمي مجهولة إلى سنة (٥٠٢ ه‍) أي حوالي بضع وأربعين سنة ، ولما أن المصنف لم يذكر إلا ما بعد سنة (٥٧٥ ه‍) .. فإننا نستأنف الكلام هنا على تاريخ الشّحر وحكم آل فارس بن إقبال ـ وهم من كندة ـ على أوسط الأقوال كما ذكر المصنّف رحمه الله :

دولة آل إقبال في الشحر :

سنة (٥٠٢ ه‍) قتل أبو أحمد بن محمّد بن فارس وابنه مظفّر في الأشحار ، [«شنبل» (ص ٢١)].

سنة (٥٠٩ ه‍) قتل راشد بن إقبال بن فارس بدوعن ، وولد ابن ابنه راشد بن محفوظ بن راشد [«شنبل» (ص ٢٤)].

قال في «الشّامل» : (فمن هاتين الكلمتين وما يأتي يظهر أنّ هذه العشيرة تعرف بآل ابن فارس ، وآل إقبال هي المتولّية على الشّحر والمنازعة في دوعن ؛ فإنّه قال ـ أي شنبل في سنة (٥١٥ ه‍) ـ : (انفرد فارس بن راشد بن إقبال بولاية الأشحار ، وخرج أخوه محفوظ منها) [«شنبل» (ص ٢٦)]. ثمّ سكت عنهم إلى سنة (٥٤٧ ه‍) ، فقال : (وفيها توفّي عبد الباقي بن فارس بن راشد بن إقبال بمأرب) [«شنبل» (ص ٣٧)]. وفي سنة (٥٧٥ ه‍) قتل راشد بن عبد الباقي بن فارس بن إقبال ، قتله الثّعين بعد أن قتل عيسى بن إبراهيم وأخاه أبا بكر [«شنبل» (ص ٤٨)]) اه انتهى كلام الحدّاد ، ثمّ تحدّث عن غزو الغزّ لحضرموت .. كما سيأتي ذكره في تريم.

(٢) الكلام على نسب آل فارس الّذين هم نفسهم آل إقبال ، كما تقدّم. فقول المصنّف : كانت دولة الشّحر لكندة .. إلخ ، ثمّ قوله : (ثمّ تولّاها آل فارس) .. يوهم أنّ الأوّلين غير الآخرين ، وهذا لعلّه سهو منه لما قدّمنا.

حكم الغزّ ثمّ عودة آل فارس : قدّمنا أنّه في عام (٥٧٥ ه‍) قتل راشد بن عبد الباقي بن فارس بن إقبال .. إلخ الخبر السابق ، وفي تلك السّنة كان قدوم الزّنجيلي عثمان الّذي عاث في حضرموت الفساد ، ولكنّه هرب من عدن سنة (٥٧٩ ه‍) لمّا جاء طغتكين بن أيّوب من مصر إلى اليمن. ثمّ عادت الشّحر إلى حكم الأهالي حتّى سنة (٦٠٩ ه‍) .. فوصل عبد الباقي بن فارس بن راشد بن عبد الباقي بن فارس بن إقبال ومعه جماعة من الغزّ وأخرجوا الأهالي ، وهرب واليها إلى تريم ، وهو فارس بن راشد ، وتوفّي بها في سنة (٦٠٨ ه‍) ، وبقيت الشّحر تحت إمرتهم إلى سنة (٦١٦ ه‍) ، وفيها خرج ابن مهديّ وطرد آل إقبال .. كما سيذكر المصنّف. ينظر «الشّامل» (١١١) ، والجزء


وقيل : إلى كندة ، وهو أوسطها ، ويؤيّده ما سبق في حجر أن لا تزال به طائفة من آل ابن دغّار الكنديّين ، يقال لهم : آل فارس. وقيل : إلى المهرة ، وهو الّذي رجّحته ودلّلت عليه.

وفي سنة (٦١٦ ه‍) : انقضّ ابن مهديّ (١) ـ وهو من صنائع آل رسول اليمانيّين ـ على آل فارس ، وأخرجهم من الشّحر (٢).

وفي سنة (٦٢١ ه‍) : تولّى عليها عبد الرّحمن بن راشد (٣) ، وكان يؤدّي الخراج لملوك الغزّ ، فعزله نور الدّين الرّسوليّ (٤) برجل من الغزّ ، وأضاف إليه نقيبا ، فقتل الغزّيّ ، واستولى على البلاد ، وكان عبد الرّحمن بن راشد في ضيافة نور الدّين بتعز ، فاستدعاه ، وخلع عليه ، وأمره أن يسير إلى الشّحر ، فضبطها وبقيت تحت حكمه (٥) إلى سنة (٦٧٨ ه‍) حيث دخلت الشّحر وحضرموت تحت حكم المظفّر الرّسوليّ ، ولكنّه أبقى عبد الرّحمن بن راشد عليها نائبا عنه حتّى توفّي في سنة (٦٦٤ ه‍) ، ودفن بين تربة الشّيخ سعد الظّفاريّ وتربة عمرو ، وقبره مشهور بها.

__________________

الثّاني من «جواهر الأحقاف» و «تاريخ الحامد»

(١) ابن مهديّ واسمه : عمر بن مهديّ الحميريّ اليمنيّ ، كان أميرا على جنود الغزّ من قبل الأيّوبيّين.

(٢) ولم تكن هذه هي المرّة الوحيدة أو الأولى لابن مهديّ في فتكه بآل فارس ، بل إنّه بدأ تحرّكاته الواسعة منذ عام (٦١٠ ه‍) ، وله أخبار كثيرة ، وقد قتل بشبام سنة (٦٢١ ه‍) على قول الحامد ، والّذي في «شنبل» أنّه قتل بشحوح ، وهو واد قرب سيئون ، سيأتي ذكره ، وبالتّحديد قتل في (٩) محرم (٦١٠ ه‍) ، قتلته نهد. انظر في أخبار حملات ابن مهديّ : «جواهر الأحقاف» (٢ / ١١٥ ـ ١٢٣) ، «تاريخ الحامد» (٢ / ٤٩٣ ـ ٤٩٧). «الأدوار» (١٨٠).

(٣) هو عبد الرّحمن بن راشد بن إقبال بن فارس الأصغر ابن محفوظ بن راشد بن إقبال بن فارس الأكبر ، وكان حكمه للشّحر من سنة (٦٢١) إلى (٦٦٤ ه‍) حيث توفي فيها. وكان من أمره أنّه اشترى حضرموت كلّها سنة (٦٣٦ ه‍) لكنّها خرجت عن طاعته سنة (٦٣٦ ه‍) على يد ابن شمّاخ.

والتّفاصيل في «تاريخ الحامد» (٢ / ٥٣٨ ـ ٥٤٣).

(٤) نور الدّين المنصور عمر بن عليّ بن رسول ، أوّل من ملك اليمن من آل رسول ، وكان ملكه من سنة (٥٢٥ ه‍) إلى سنة (٦٤٩ ه‍) ؛ إذ قتل فيها.

(٥) أي : حكم آل رسول ؛ وجندهم الغزّ.


وخلفه أخوه راشد بن شجعنة ، فبقي عليها إلى سنة (٦٧٧ ه‍) ، فتغيّر عليه المظفّر واعتقله بزبيد إلى أن مات (١).

وفي سنة (٧٦٧ ه‍) : وصل المظفّر بنفسه إلى الشّحر ، فعمّرها ـ حسبما تقدّم ـ ثمّ لم يزل حكّامها من أسرته تحت أمر آل رسول حتّى ضعف أمرهم.

وصار النّفوذ بحضرموت لآل يمانيّ (٢).

وفي سنة (٨١٢ ه‍) (٣) : استولى دويس بن راصع على الشّحر ، ثمّ عادت لآل فارس (٤) ، حتّى انتزعها منهم آل كثير في سنة (٨٦٧ ه‍) ، وهي أوّل دولتهم بها (٥).

ثمّ استردّها آل فارس منهم في سنة (٨٩٤ ه‍) (٦).

__________________

(١) «الحامد» (٢ / ٥٤٣) ، وبموت راشد هذا انتهت فترة حكم آل إقبال الأخيرة على الشّحر ، ولم يؤرّخ لوفاته.

(٢) انظر تفاصيل فترة حكم آل يمانيّ في : «تاريخ الحامد» (٢ / ٤٩٨ ـ ٥٣٥) ، واستمرّت من سنة (٦٢١ ه‍) إلى سنة (٩٢٦ ه‍) بدءا بالسّلطان سعود بن يمانيّ وانتهاء بمحمّد بن أحمد بن سلطان.

(٣) ما بين عامي (٦٦٧ ه‍) و (٨١٢ ه‍) جرت حوادث كثيرة ، انظرها مجملة في «الشّامل» (١١٢) ، و «تاريخ شنبل» ، و «الحامد».

(٤) لم أجد لهذا القول مؤازرا في المصادر الأخرى ، والّذي اتّفقوا عليه كما تقدّم قريبا أنّ حكم آل فارس بن إقبال انتهى بموت راشد بن شجعنة المتقدّم. لكنّ خبرا في سنة (٨٣٦ ه‍) عند «شنبل» أنّ السّلطان عبد الله عليّ الكثيريّ حاصر الشّحر وفيها ابن فارس ، فقتل فيها جماعة ، وقبله في سنة (٨٣٢ ه‍) ذكر أنّ ابن فارس جمع قومه مرة أخرى!!

سعد بن فارس بادجانة : ثمّ بعد بحث تبيّن أنّ ابن فارس هذا ليس هو من آل إقبال الّذين انتهوا كما ذكرنا ، وإنّما المقصود به سعد بن فارس بادجانة (أبو دجانة) الشّماسيّ الكنديّ من قبيلة التحمت بالمهرة ، وهي كنديّة الأصل ، ولما طلبوا الملك .. ساعدهم أخوالهم من المهرة ، وكان ملك سعد بن فارس قبل سنة (٨٢٠ ه‍) كذا في «الشّامل» (١١٢) ، ولم يجزم به الحامد ، إلّا أنّه قال : حوالي سنة (٨٣٦ ه‍) ، لكن حسبما في «الشامل» أنه في ذلك التاريخ ؛ أي سنة (٨٣٦ ه‍) استولى على حيريج بعد الشحر. وأخبار آل بادجانة عند «الحامد» (٢ / ٥٦٥) وما بعدها ، و «الشّامل» (١١٢ ـ ١١٣).

(٥) وظهر في تلك الأثناء : آل طاهر (الدولة الطاهرية) ، وتدخّلوا في الأحداث السّياسيّة أيضا هم الآخرون.

(٦) وذلك على يد سعد بن مبارك بادجانة. «شنبل» (٢٠٦) ، و «الشّامل» (١١٧) ، و «الحامد» (٢ / ٨٦).


ثمّ استرجعها آل كثير في سنة (٩٠١ ه‍) (١) ، وما زالت في أيديهم على مناوشات بينهم وبين أمراء العشائر حتّى استولى الإمام (المتوكّل على الله) على حضرموت وعليها في سنة (١٠٧٠ ه‍) (٢).

__________________

(١) دخلت الشّحر تحت حكم آل كثير في ذلك التّاريخ على يد السّلطان بدر بن محمّد بن عبد الله بن عليّ الكثيريّ ، وبقيت في حكمهم حتّى سنة (١٠٧٠ ه‍) ؛ إذ قدم الزّيديّة وحكموها إلى سنة (١٠٩٣ ه‍) ؛ إذ خرج عليه حسن بن عبد الله بن عمر الكثيريّ واستولى عليها. ثمّ خرجت عليهم يافع واضطربت أمور آل كثير ، حتّى قام جعفر بن عمر سنة (١١٢٩ ه‍) فشدّ مئزره واستردّها ، وهو القائل :

قال الكثيري بن عمر بن جعفر

لي ناد راسي يالشّوامخ نودي

(الشّحر) خذناها قد الله قدّر

عاد عا (المكلا) باتحنّ رعودي

ملخّصا من «تاريخ الدّولة الكثيرية» .. عدة مواضع.

(٢) حكم أئمّة اليمن لحضرموت : كانت البداية في عهد السّلطان بدر بن عمر بن بوطويرق الّذي ولي الحكم بإشارة الإمام الحسين ابن الشّيخ أبي بكر سنة (١٠٢٤ ه‍) ، ولكن قام عليه ابن أخيه بدر بن عبد الله بن عمر وصار يكيد له ، فلجأ إلى موالاة أئمّة اليمن وأخذ يكاتبهم ويستنجد بهم .. فنفر الشّعب منه.

ثمّ وثب بدر بن عبد الله على عمّه السّلطان بدر بن عمر وابنه محمّد المردوف وكبّلهما وسجنهما في حصن مريمة. ولما علم إمام اليمن ، وهو في ذلك الوقت المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم بن محمد ، الذي حكم في الفترة ما بين (١٠٥٤ ه‍) و (١٠٨٧ ه‍) ، أرسل ابن أخيه الصفي أحمد بن الحسن بن القاسم إلى حضرموت.

وكان النّداء بالنفير في صنعاء والدّعوة إلى الجهاد ثمّ التحرّك من الغراس يوم الخميس (١٨) شوّال (١٠٦٩ ه‍). ثمّ كان وصولهم إلى حضرموت آخر رجب (١٠٧٠ ه‍) ، واتّجهوا إلى العوالق وابن عبد الواحد ، وتلقّاهم العموديّ إلى جردان ، ثمّ ساروا طريق حجر ، وطلعوا عقبة المدلاة على السّوط ، وخرجوا بعقبة باعقبة ، ونصبوا خيامهم بجدفرة بيضان ، ثمّ انتهوا إلى الهجرين ، وكان أهلها طلبوا الأمان ، فأمّنهم ، ونهبت حورة وسدبة في الطّريق ، وسلّمت له مصنعة هينن ثمّ بقيّة المصانع.

ومنعوا الأذكار في المساجد ، لا سيّما راتب الإمام الحدّاد ، ونودي ب (حيّ على خير العمل) ، ولم يمانع إلّا مؤذّن مسجد باعلوي بتريم .. فلم يؤذّن به. وبدخول الجيوش الزّيديّة إلى حضرموت ..

انتهت السّلطة الكثيريّة تماما ، وأصبح السّلطان عديم القوّة حتّى جاءت سنة (١١١٣ ه‍) وفيها قدمت يافع ، أقدمهم السّلطان بدر بن محمّد المردوف بن بدر بن عمر .. وستأتي أخبارهم. ثمّ كانت وفاة السّلطان بدر بن عمر بالمدينة المنوّرة سنة «١٠٧٢ ه‍» بعد أن مكث في السّلطنة قرير العين ، ومات بدر بن عبد الله في سيئون سنة (١٠٧٥ ه‍). ينظر : «تاريخ الدّولة الكثيريّة» (٦٩ ـ ٨٣).


وقال السّيّد أحمد بن حسن الحدّاد : (كان خروج الإمام أحمد بن حسن سنة «١٠٧٢ ه‍» ، وأقام بجيشه في حضرموت نصف شهر ، ثمّ عاد طريق البحر من بندر الشّحر ، واستخلف السّلطان بدر بن عمر الكثيريّ ، وترك عنده جملة من عسكره الزيديّة ، واستمرّ أمرهم نحو خمسين سنة إلى خروج يافع من الجبل سنة ١١١٧ ه‍) اه (١)

وقال السّيّد محمّد بن إسماعيل الكبسيّ (٢) في كتابه «المسالك اليمنيّة» : (وفي سنة «١٠٦٤ ه‍» : خطب بدر بن عمر الكثيريّ للإمام ، فقبض عليه ابن أخيه بدر بن عبد الله ، فهمّ الإمام بالتّجهيز ، وأمر بحشد الجنود إلى بني أرض ، ومنعت بلاد الرّصّاص ويافع والعوالق والجرش والواحديّ والفضليّ عن المرور فيها ، فجدّ الإمام (٣) في جهادهم ، واجتمع لأولاد إخوته زهاء عشرة آلاف راجل وألف عنان ، واشتدّ القتال بينهم وبين حسين الرّصّاصيّ حتّى قتل ، وانهزم أخوه صالح إلى البيضاء ، وانتهب العسكر جميع ما في مخيّمهم.

وكان محمّد بن الحسين (٤) لم يشهد الوقعة ، ولكنّه حضر بعدها ، فتقدّم إلى يافع يوم الإثنين (١٩) جمادى الآخرة من السّنة إلى ذيل جبل العرّ ، فاستولى على الجبل ، وعادوا إلى عند الإمام.

ولمّا انتهى خبر هذا النّصر العظيم إلى بدر بن عبد الله الكثيريّ .. أطلق عمّه ، وخطب للإمام ، فأرسل الإمام صالح بن حسين الجوفيّ إلى حضرموت ، فألفى الأمر على حقيقته ، فوجّه بدر بن عمر إلى ظفار واليا عليها.

__________________

(١) الهدية السنية (٣٨) خ.

(٢) العلامة المؤرخ السيد محمد بن إسماعيل الكبسي ، مولده بهجرة الكبس سنة (١٢٢١ ه‍) ، عاصر الشّوكاني ، وولي قضاء ذمار للمتوكّل محسن بن أحمد (١٢٩٥ ه‍) ، وتوفّي بالكبس سنة (١٣٠٨ ه‍).

(٣) هو المتوكّل على الله إسماعيل ابن المنصور بالله القاسم بن محمّد ، المتوفّى سنة (١٠٨٧ ه‍).

(٤) هو محمّد بن الحسين بن القاسم .. العالم المفسّر المحدّث ، كان نحويّا أصوليّا بارعا ، وكان من أكابر الأمراء وقوّاد الجيوش في دولة عمّه المتوكّل ، مات بصنعاء (٨) شوّال (١٠٦٧ ه‍).


وفي سنة «١٠٦٨ ه‍» : غدر بدر بن عبد الله بعمّه بدر بن عمر ، وأخرجه عن ظفار (١) ، فقدم على الإمام فأكرمه (٢).

وفي جمادى الأوّلى من سنة «١٠٦٩ ه‍» : اختار المتوكل الصّفيّ أحمد بن حسن (٣) لفتح حضرموت والشّحر وظفار.

وفي شعبان : توجّه الصّفيّ إلى وادي السّرّ (٤) بمخلاف خولان (٥) ، ثمّ إلى فحوان ورغوان (٦) ، ثمّ إلى مأرب (٧) وحبّان ، ثمّ دخل أطراف بلاد العوالق فوصل بلدة واسط ، ثمّ سار إلى وادي حجر ، ثمّ تجرّد منها تجرّد الحسام.

وكان سلطان حضرموت قدّم عساكره إلى أعلى عقبة حجر فانهزموا من أحمد بن

__________________

(١) قصّة غدر بدر بن عبد الله بعمّه كانت بمساعدة أخيه جعفر بن عبد الله. ينظر : «تاريخ الدّولة الكثيريّة» (٧٠ ـ ٧١).

(٢) وحاصل قصته وخبره أنه هرب من ظفار ووصل إلى عدن ، وكان قد وجّه ولديه محمّدا وعليّا إلى الإمام ، فتلقّاه والي عدن من قبل الصّفيّ مبعوث الإمام ، وجهّزه إلى ذمار ، فأرسل الإمام ولديه لاستقباله ومعهما الأكسية الفاخرة ، والخيل المحلّاة والنّقود الكثيرة ، ولمّا وصل إلى ذمار ، أمر الإمام أنجاله الكرام ومن بحضرته من العلماء أن يتلقّوه بالجنود ، حتّى وصلوا به إلى حضرته «الدّولة الكثيريّة» (٧١).

(٣) صفيّ الإسلام أحمد بن الحسن بن القاسم المهدي لدين الله (١٠٢٩ ـ ١٠٩٢ ه‍) ، كان من شجعان الزّيديّة ، بويع له بالخلافة بعد عمّه إسماعيل المتوكّل سنة (١٠٨٧ ه‍) ، وكان غزير العلم ، له مؤلّفات ، قال الشّوكاني : وهو من أعظم الأئمّة المجاهدين. وهو الّذي أخرج اليهود الّذين كانت بيوتهم بصنعاء ، وسمّر كنيستهم ، ثمّ هدمها وعمّر مكانها المسجد المعروف بمسجد الجلاء ، قال العرشيّ : كان أشجع أهل زمانه .. حتّى سمّوه «سيل الليل».

«الأعلام» (١ / ١١٢) ، و «بدر الطّالع» (١ / ٢٤٣) ، و «بلوغ المرام» (٢٦٨) ، و «خلاصة الأثر» (١ / ١٨٠).

(٤) واد مشهور في ناحية بني حشيش ، كان يسمّى : سرّ ابن الرويّة يبعد عن صنعاء (٢٥ كم) إلى الشّمال الشّرقيّ.

(٥) هي بلاد خولان العالية المعروفة بخولان الطّيال المجاورة لصنعاء.

(٦) رغوان : بلدة تقع في سهل الجوف من الجدعان وأعمال نهم ، شمال شرقيّ صنعاء ، ورد في شعر أعشى باهلة حيث قال :

وأقبل الخيل من تثليث مصغية

أو ضم أعينها رغوان أو حضر

(٧) مأرب شرق صنعاء على مسافة (١٧٠ كم).


الحسن ، وبانهزامهم .. انهزم من بعدهم ، وهذا المحلّ يقال له : ريدة بامسدوس ، ثمّ تقدّم إلى الهجرين ، ثمّ التقوا بعسكر سلطان حضرموت فهزموهم واستولوا على حضرموت ، وعاد الصّفيّ إلى حضرة الإمام بضوران (١) ، في أبّهة فاخرة ، ودولة قاهرة ، وفتح قريب ، ونصر عجيب) اه باختصار.

وإنّما استوفيته مع عدم ملاءمته للإيجاز ؛ لأنّ فيه ما ليس في «الأصل» ، على أنّ في «الأصل» ما ليس فيه ، فليضمّ إلى كلّ ما نقص.

أمّا استيلاء يافع على الشّحر وحضرموت : فكما ذكر السّيّد أحمد بن حسن الحدّاد : كان في سنة (١١١٧ ه‍) ، وقد سبق في المكلّا أنّ الشّيخ عمر بن صالح هرهرة أمير ذلك الجيش أقام بالشّحر ثلاثة أشهر ، جبى فيها منها خمسة وثلاثين ألف ريال (٣٥٠٠٠).

وكان من يافع طائفة يقال لهم : آل عيّاش ، سكن رئيسهم بحصن الشّحر الّذي كان يقال له : المصبّح ، فأطلق عليه من ذلك اليوم : حصن ابن عيّاش.

وما زالت يافع على الشّحر حتّى أخذها الإمام المهديّ (٢) بالمهرة ، ومعهم الأمير سعيد بن عليّ بن مطران ، وحصل النّداء بالشّحر أنّ النّاس في أمان المهديّ.

واشترط يافع لأنفسهم أن يغادروا الشّحر بسلاحهم بعد ثمانية أيّام ، فخرجوا منها إلى حضرموت ، وانضمّوا إلى عسكر عمر بن جعفر (٣).

وفي سنة (١١١٨ ه‍) : وصل السّلطان عمر بن جعفر من اليمن إلى الشّحر ،

__________________

(١) ضوران : قرية وحصن في مخلاف دايان من بني مطهّر ، غرب صنعاء ، وأصل التّسمية هي لجبل بهذه النّاحية فوقها سمّيت به. وأيضا : هو جبل كبير ويسمّى الدّافع تقع في سفحه الشّماليّ بلدة ضوران ، وقد تهدّمت بفعل زلزال في (٢٧) صفر (١٤٠٣ ه‍) «البلدان اليمانيّة عند ياقوت» للأكوع (١٨٨).

(٢) هو الصّفيّ أحمد بن الحسن ، السّابق ذكره ، تلقّب بالمهديّ بعدما ملك.

(٣) هو السّلطان عمر بن جعفر بن عليّ بن عبد الله بن عمر بن بدر بوطويرق ، ترتيبه (٣١) الحادي والثلاثون بين سلاطين آل كثير. تولّى السّلطنة حدود سنة (١١١٦ ه‍) ، إلى وفاته بعد (١١٣٠ ه‍) ، وكانت وفاته بمسقط في عمان. «تاريخ الدّولة» (٩٦ ـ ١٠٥).


وسلّمه النّقيب والعسكر حصن الشّحر ، ونادى بالأمان ، ثمّ كتب للعسكر بحضرموت : (إنّ سيّدي الإمام المهديّ وجّهني إلى حضرموت ، فإن كنتم في الطّاعة .. سلّمتم النّاس من الضّرر ، وإلّا .. فنحن واصلون بالجيش المنصور ، وهو مؤلّف من ثلاث مئة من حاشد وبكيل (١) ، ونحو مئة من سائر عسكر الإمام ، ونحو مئة من الحجاز ، ونحو مئة وخمسين أخلاط من الخلق).

وكان السّلطان عيسى (٢) على سيئون وحضرموت ، فانهزم.

ثمّ تغلّبت يافع على عمر بن جعفر ، وعاد الأمر إليهم بالشّحر ، إلى أن اختلفوا ، فغلبهم آل بريك ، وكانوا ولّوا رئيسهم بعض الأمر بالنّيابة عنهم ، فلمّا اختلفوا .. استبدّ عليهم.

وأصل آل بريك من حريضة ، وهم إمّا من بقايا بني ناعب الآتي ذكرهم في التّعريف بوادي عمد ، وإمّا من بني جبر ؛ قبيلة من يافع يسكنون جبلا في سرو حمير ، يقال له : ذو ناخب ، كما في «صفة جزيرة العرب» لابن الحائك الهمدانيّ [١٧٣].

وأوّل ما ابتدأ به آل بريك المصالحة بين الحموم (٣) ، والتّحالف معهم ، حتّى قرّبوا النّاس وعاملوهم بالإحسان حتّى أحبّوهم.

__________________

(١) حاشد وبكيل : قبيلتان من كبريات قبائل همدان ، وهما أخوان ، قال الهمدانيّ : (حاشد وبكيل قبيلا همدان بن جشم بن حبران بن نوف بن همدان بن مالك بن زيد بن أوسله بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ) اه

حاشد : تنقسم إلى أربعة أقسام : صريميّ ، وخارفيّ ، وعصيميّ ، وعذريّ ، وأراضيهم من صنعاء شمالا إلى بلاد صعدة ، وتشمل جبال لاعة ، والأهنوم ، وظليمة ، وعذر ، وخارف ، والعمشيّة ، وتنتظم حاليّا تحت مسمّى : محافظة عمران.

بكيل : وهي أيضا أربعة أقسام : أرحب ، ونهم ، ومرهبه ، وشاكر ، وتمتدّ ديارهم من شمال صنعاء الشّرقيّ إلى بلاد صعدة ، وتشمل : أرحب ، وبره ، والجوف ، ونهم ، وعيال سريع ، وجبل عيال يزيد ، وريده ، ثمّ مرهبه ، وشاطب من مديريّة ذي بين ، ومديرية سفيان بن أرحب ، وهمدان الشّام في صعدة ، وبلاد وائلة والعمالسة ، وآل سالم ، وآل عمّار بن شاكر بن بكيل.

(٢) هو عيسى بن بدر بن عليّ بن عبد الله بن عمر بن بدر بوطويرق ، سلطان عاثر المجدسيّء الحظّ ، جاء في وقت عصيب .. غادر حضرموت سنة (١١١٦ ه‍) ومعه حاشيته ، ومات بالمخا شمال اليمن.

(٣) الحموم : قبيلة كبيرة من قبائل بادية حضرموت.


وأوّل أمير لهم (١) هو : ناجي بن عمر ، وكانت يافع جعلت إليه الماليّة في أيّام نفوذها ؛ لأنّهم تنازعوها وكادوا أن يقتتلوا عليها ، ولمّا استقلّ شيئا فشيئا على حساب اختلافهم وتفرّق آرائهم .. أفاقوا ، فناوشهم ، ولكنّه انتصر عليهم لأنّهم كانوا متحاسدين.

ولمّا مات ناجي بن عمر في سنة (١١٩٣ ه‍) .. خلفه ولده عليّ بن ناجي بن عمر بن بريك ، فخالفه محسن بن جابر بن همّام ، وانضمّ إليه آل عمر باعمر ، فجهز عليهم عليّ ناجي وأجلى آل همّام إلى المكلّا ، وآل عمر باعمر إلى الرّيدة ، واستنجد آل همّام بعبد الرّبّ بن صلاح الكساديّ ، ولكنّه انهزم هو وإيّاهم كما سبق في المكلّا.

وفي أيّام عليّ ناجي هذا : ظهر أنّ القاضي سعيد بن عمر بن طاهر كان يعمل الأسحار ، فأغرقه في بالوعة الأقذار ، وكان آخر العهد به.

ولمّا مات عليّ بن ناجي سنة (١٢٢٠ ه‍) .. خلفه أخوه حسين بن ناجي ، ثمّ ولده ناجي بن عليّ بن ناجي.

وفي أيّامه جاءت الوهّابيّة (٢) في خمس وعشرين سفينة تحت قيادة ابن قملة ، بأمر الملك عبد العزيز بن سعود آل سعود (٣) ، الّذي استفحل سلطانه لذلك العهد ، فافتتح نجدا والحسا والعروض والقطيف والحجاز وغيرها ، وكان أكثر فتوحه على يد القائد

__________________

(١) أي : لآل بريك.

(٢) الوهّابيّة : هم أتباع الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب المولود بالدرعيّة سنة (١١١٥ ه‍) والمتوفّى سنة (١٢٠٦ ه‍) ، اصطلح المؤرّخون على تسميتهم بالوهّابيّة نسبة لوالد شيخهم ، وكان قدومهم سنة (١٢٢٤ ه‍) في عهد السّلطان عليّ بن بدر بن عليّ بن عمر بن جعفر الكثيريّ ، وأقاموا بحضرموت (٤٠) يوما جرت خلالها وقائع بينهم وبين الحضارمة ، تفصيلها في : «العدّة المفيدة» (١ / ٣٢١) ، و «تاريخ الدّولة الكثيريّة» (١٢٢).

(٣) هو عبد العزيز بن محمد بن سعود ، من أمراء آل سعود في دولتهم الأولى ، كانت عاصمته الدرعية ، ولي بعد وفاة أبيه سنة (١١٧٩ ه‍) كان شديد البأس ، يباشر الملاحم بنفسه ، قتل غيلة في جامع الدرعية سنة (١٢١٨ ه‍) «الأعلام» (٤ / ٢٧).


العظيم ابنه سعود (١) المتوفّى سنة (١٢٢٩ ه‍) .. فامتلكوا البلاد ، ولم يؤذوا أحدا في حال ولا مال ، ولم يهلكوا حرثا ولا نسلا ، وإنّما أخربوا القباب ، وأبعدوا التّوابيت ـ وقد قرّرت في «الأصل» ما ذكره ابن قاسم العبّاديّ من حرمة التّوابيت.

وأمّا القباب : فإن كانت في مسبّلة (٢) .. فحرام ، وإلّا .. فلا ، بشرطه (٣) ، ولم يعترضهم آل بريك.

وأقاموا بالشّحر أربعين يوما ، ثمّ ركبوا سفائنهم وعادوا لطيّتهم (٤).

وفي سنة (١٢٢٧ ه‍) : نشب الشّرّ ما بين الكساديّ ـ صاحب المكلّا ـ وآل بريك ، وامتدّت المناوشات بينهم زمانا طويلا في البحر والبرّ.

وفي سنة (١٢٤٢ ه‍) : توفّي ناجي بن عليّ ؛ وكان خادما للدّين ، شديد الغيرة على شعائره ، لا يخرج عن رأي الإمام الحبيب حسن بن صالح البحر في ذلك ، حتّى لقد أمره أن لا يمكّن أحدا من البادية يدخل الشّحر ليمتار (٥) إلّا بعد أن يحلف اليمين على أن لا يقصّر في الصّلاة ، فحصل بذلك نفع عظيم ، وصلاح كبير ، حتّى جاء العوابثة في قطار لهم ، فلمّا أرادوا أن يدخلوا من سدّة العيدروس وهي باب الشّحر الشّماليّ .. عرضوهم على العهد ، فأبوا ، وصرفوا وجوه إبلهم إلى الغيل عند رفاقهم آل عمر باعمر ، وارتجزوا بقول شاعرهم :

قولوا لناجي بن عليّ

كلّين يوخذ له ملاه

ماراس بن عوبث غلب

ما بايعاهد عالصّلاه

واختلفوا في تفسير هذا : فقوم يحملونه على العناد والمجاهرة بالفساد.

__________________

(١) هو سعود بن عبد العزيز بن محمد ، ولد سنة (١١٦٣ ه‍) ، وهو المعروف بسعود الكبير ، ولي الحكم بعد مقتل أبيه ، وكان على جانب من العلم ، مات سنة (١٢٢٩ ه‍) «الأعلام» (٣ / ٩٠).

(٢) المسبّلة : المقبرة الّتي جعلت سبيلا لعامّة النّاس.

(٣) أي : يحرم بناؤها إن كانت المقبرة مسبّلة ، ولا يحرم ذلك إذا كانت ملكا خاصا أو غير مسبّلة.

(٤) الطّيّة : الناحية.

(٥) يمتار : يأخذ الطّعام لأهله.


وآخرون يحملونه على أنّ الدّاعي إلى الصّلاة من الدّين ، والسّائق لها من الضّمير ، فلا تحتاج إلى عهد ولا إلى يمين. ولمّا مات ناجي بن عليّ .. خلفه ولده عليّ ناجي الثّاني.

وفي سنة (١٢٦٧ ه‍) : كانت حادثة مرير (١) ، وحاصلها : أنّ آل كثير أغاروا على الشّحر بعسكر مجر (٢) ، وجاءتهم نجدة من الأتراك في البحر من مكّة المشرّفة ، على رأسها شيخ العلويّين ، السّيّد إسحاق بن عقيل بن يحيى ، مؤلّفة تلك النّجدة من نحو خمس مئة جنديّ بعدّتهم وعتادهم ، فبلغت العساكر البحريّة والبريّة نحوا من خمسة آلاف ، إلّا أنّه لم يصحبها رفيق من التّوفيق ، فكان عاقبتها الانهزام الشّامل ، والفشل الشّائن ، كما هو مفصّل ب «الأصل» [٣ / ٩ ـ ١٦].

وبعضهم يعلّل ذلك الانهزام بخيانة من سيبان الموجودين بكثرة في الجيش الكثيريّ ؛ لأنّهم كانوا في طليعة الجيش المرابط بمرير ، فلمّا هاجمتهم فرقة من عسكر الكساديّ جاءت من المكلّا لمساعدة آل بريك .. انهزموا وذهبوا بها عريضة وأكثروا من الأراجيف (٣) ، فخلعوا قلوب الجيش الكثيريّ وملؤوا صدورهم رعبا ، فركب كلّ منهم رأسه ، وذهبوا عباديد (٤) لا يلوي أحدهم على شيء قطّ ، وعادت النّجدة التّركيّة إلى أسطولها الرّاسي بشرمة ؛ لأنّ مرسى الشّحر كان مكشوفا ؛ وكان البحر هائجا ، والوقت خريفا ، وتفرّق الجيش الكثيريّ أيدي سبأ (٥) ، وعاد بخيبة الرّجاء ، ولم يبق بالمعسكر في اليوم الثّاني نافخ ضرم (٦).

وكان من نتيجة ذلك الفشل : أنّ السّلطان عبد المجيد العثمانيّ (٧) أقال السّيّد

__________________

(١) مرير : موضع بين الشّحر وزغفة ، نسبت إليه تلك الحادثة التّاريخيّة ؛ لأنّ فيه كان مبدأ فشل المحادثات بين السّيّد إسحاق بن عقيل وسلاطين حضرموت.

(٢) المجر : الكثير العظيم.

(٣) الأراجيف ـ جمع إرجاف ـ وهو : الخوض في الكلام.

(٤) عباديد : فرقا متبدّدين.

(٥) تفرّقوا أيدي سبأ : كلمة تقولها العرب كناية عن تفرّق الشّمل.

(٦) نافخ ضرم : موقد نار.

(٧) السّلطان عبد المجيد خان بن محمود خان العثمانيّ (١٢٣٧ ـ ١٢٧٧ ه‍) ، له مبرّات ، من أجلّها


إسحاق من مشيخة العلويّين بمكّة (١) ، وأبدله بالسّيّد محمّد بن محمّد السّقّاف (٢).

وفي سنة (١٢٨٣ ه‍) : جهّز السّلطان غالب بن محسن الكثيريّ على الشّحر ، فاستولى عليها ، وهرب عليّ ناجي بمن معه وما قدر عليه ، في خمس من السّفن أعدّها لذلك من يوم علم بالغزو ، وكان هربه إلى المكلّا فلم يمكّنه الكساديّ من النّزول بها ؛ معتذرا بأنّه لا يصلح سيفان في جفير (٣) ، فأبحر إلى يشبم (٤) ، وأذن له النّقيب أن يبقي نساءه وصغاره في خلف ، ومات كثير منهم بالبرد .. فانتقل بعضهم إلى الحرشيات ، أمّا المكلّا .. فلم يمكّنهم من دخولها ، وأقام عليّ ناجي عند الشّيخ فريد بن محسن العولقيّ عاما ، ثمّ ركب إلى عدن ، وعاد منها إلى الشّحر.

وكان عليها الأمير عبد الله بن عمر القعيطيّ بعد جلاء غالب بن محسن عنها (٥) ، فأكرم وفادته ، وتحفّى به (٦) حتّى لقد دخل بين البحّارة الّذين حملوه من القارب إلى السّاحل ، وأحسن مثواه ، إلّا أنّ فكرة الإمارة عادت تتحرّك في صدره ، وكلّما ذكر أيّامه عليها بالشّحر .. قال بلسان حاله :

فوالهفة كم لي على الملك شهقة

تذوب عليها قطعة من فؤاديا

__________________

تجديده عمارة الحرم النّبويّ الشّريف سنة (١٢٧٠ ه‍). «حلية البشر» (١٠٣٠ ـ ١٠٣٦).

(١) توفّي السّيّد إسحاق سنة (١٢٧١ ه‍) ، وتقدّم ذكر شيء من ترجمته ، ولوالده ترجمة حافلة في «عقد اليواقيت».

(٢) السّيّد محمّد بن محمّد بن محمّد السّقّاف ، توفّي بمكّة سنة (١٢٨٣ ه‍) ، كان عالما فاضلا ، جمع مكتبة خطّيّة ضخمة ، تفرّقت بعد موته ، وهو من آل باعقيل السّقّاف. وتولّى مشيخة السّادة بمكّة بعده ابن أخيه السّيّد محضار بن عبد الله بن محمّد السّقّاف.

(٣) الجفير : الكنانة ، والمعنى : لا يصلح سلطانان في موضع واحد.

(٤) يشبم : بلدة كبيرة في محافظة شبوة ، تقع إلى الجنوب من عتق بنحو (٤٠ كم) ، وكانت في السابق عاصمة للعوالق العليا ، قبل أن تصبح الصعيد عاصمة لها.

(٥) كان جلاء غالب بن محسن الكثيريّ عن الشّحر في (٢٤) ذي الحجّة (١٢٨٣ ه‍) ، بعد أن أغار عليه القعيطيّ بجيش يقدّر عدد رجاله بثلاثة آلاف مقاتل ، قاوم جيش السّلطان غالب ، ثمّ استسلم بعد يومين فقط من المقاومة ، تاركا وراءه (٤٠) قتيلا.

(٦) تحفّى به : بالغ في إكرامه.


فعزم إلى الآستانة (١) ؛ ليستنجد بالخليفة العثمانيّ على الكساديّ بالمكلّا وعلى القعيطيّ بالشّحر ، فسافر إلى عدن ، ثمّ خرج إلى لحج ، وبها فاجأته المنيّة (٢) ، وعاد كثير من أعقابه إلى الشّحر ، ولا يزال بها ناس منهم إلى اليوم (٣).

أمّا غالب بن محسن : فلو قنع بالشّحر كما أشار عليه المخلصون .. لأوشك أن تطول بها مدّته ، لكنّه طمع في أخذ المكلّا من الكساديّ ، فانكسر دونها.

وفي آخر ذي الحجّة من نفس السّنة الّتي أخذ فيها الشّحر ـ أعني سنة (١٢٨٣ ه‍) ـ : جهز القعيطيّ بمساعدة الكساديّ على الشّحر ، وافتتحها بأسرع وقت ، وتفرّق عسكر السّلطان غالب شذر مذر (٤) ، بعدها أخذت السّيوف منهم كلّ مأخذ ولو لا أنّ أحد عبيده ـ وهو صنقور سليمان ، وكان من أهل القوّة والأيد (٥) ـ احتمله على ظهره .. لذهب مع شفرات يافع ، فما نجا إلّا بجريعة الذّقن (٦) وخيط الرّقبة.

وفي رجب من سنة (١٢٨٤ ه‍) : استأنف السّلطان غالب بن محسن التّجهيز على الشّحر ؛ إذ بقي قلبه بحسرة عليها ، ودخل أكثر جيشه من كوّة فتحوها في سور البلد ، فانحصروا وانقطع عليهم خطّ الرّجعة ، وأصلتهم يافع ومن لفّهم من عسكر القعيطيّ نارا حامية ، فأثخنوا فيهم قتلا ، وخرج الباقون لا يلوي آخرهم على أوّلهم (٧).

__________________

(١) الآستانة : هي القسطنطينيّة ، وهي استانبول.

(٢) توفّي بعد صلاة الجمعة ، ودفن صباح السّبت (٢١) ربيع الأوّل سنة (١٢٩٣ ه‍).

(٣) وهم المعروفون بآل بن بريك.

(٤) شذر مذر : أي مذاهب مختلفة ، ولا يقال ذلك في الإقبال.

(٥) الأيد : القوّة ، وهذا من عطف المترادفات على بعضها.

(٦) جريعة الذّقن : يقال في المثل العربي : أفلت فلان جريعة الذّقن ؛ أي : أفلت قاذفا جريعة ، وهو كناية عمّا بقي من روحه ، يريد أنّ نفسه صارت في فيه ، وقريبا منه كقرب الجرعة ـ وهي جرعة الماء ـ من الذّقن.

(٧) كانت خسائر جيش غالب بن محسن : (١٢٠) قتيلا و (٦٠) جريحا و (٢٠) أسيرا ، وعاد غالب بن محسن بعد هزيمته إلى سيئون ، وجرت له وقائع أخرى ، حتّى مات سنة (١٢٨٧ ه‍) ، وسيأتي ذكره لاحقا في سيئون.


ورسخت أقدام القعيطيّ بالشّحر ، وجلس عليها الأمير عبد الله بن عمر القعيطيّ ، كما عرف ممّا سبق.

وبعد وفاته في سنة (١٣٠٦ ه‍) : خلفه عليها ولده حسين بن عبد الله ؛ لأنّ أكثر إقامة السّلطان عوض بن عمر كانت بحيدرآباد الدّكن في خدمة النّظام الآصفي ، ثمّ نزغ (١) الشّيطان بين السّلطان عوض وأولاد أخيه عبد الله ، وهما : منصّر وحسين ، وجرى بينهم ما فصّلناه ب «الأصل» (٢).

وكانت النّهاية تحكيم المنصب السّيّد أحمد بن سالم بن سقّاف ، فحكم بأن لا حظّ لهم في الإمارة ، وتمّ جلاؤهم عن الشّحر والغيل بمساعدة الحكومة الإنكليزيّة في سنة (١٣٢٠ ه‍).

ومن العجب أنّ التّحكيم كان خاصّا بما بينهم من الدّعاوى الماليّة ، ومع ذلك فقد كان الحكم شاملا للإمارة!!.

واستتبّ الأمر للسّلطان عوض بن عمر القعيطيّ ، فحل حضرموت ، وطلّاع نجادها ، ومزلزل أوتادها.

مدبّر ملك أيّ رأييه صارعوا

به الخطب ردّ الخطب يدمى ويكلم

وظلّام أعداء إذا بدىء اعتدى

بموجزة يرفضّ من وقعها الدّم (٣)

ولو بلغ الجاني أقاصي حلمه

لأعقب بعد الحلم منه التّحلّم (٤)

__________________

(١) نزغ : أفسد وأغرى.

(٢) حاصل ما جرى : أنّ منصّرا وحسينا ابنا عبد الله بن عمر قاما بتقسيم السّلطنة إلى نصفين : لهما نصف ، ولعمّهما عوض نصف ، فعرض عليهم السّلطان عوض كلّ الإغراءات والتّنازلات ليكسبهما ويقنعهما بعدم التّقسيم بدون فائدة. وانقسم الجيش والحاشية إلى قسمين ، وكلّ قسم يؤيّد صاحبه على السّلطة ، وكادت هذه الخلافات أن تعصف بالإمارة ، لكن تدخّل الوسطاء ، وبعد رأي .. قبلت الوساطة من الطّرفين ، وحكّموا منصب عينات ، ووقّعوا على التّحكيم ، وقضى المنصب لعوض بن عمر بالإمارة ، ممّا جعل الأميرين يرفضان التّحكيم ويتوجّهان إلى سبل العناد والعصيان ، وانتهى الخلاف بإقصاء حسين ومنصّر من حضرموت ، ومنصر هذا هو باني الحصن المشهور باسمه الكائن في غيل باوزير والقائم بناؤه إلى الآن.

(٣) الموجزة : الضّربة الّتي تختصر العمر ، فيترشرش الدّم من وقعها.

(٤) الأبيات من الطّويل ، وهي للبحتري في «ديوانه» (١ / ١١٣).


وقد أطلقنا عليه لقب السّلطان ؛ لأنّه به حقيق في اتّساع ملكه ، وامتداد نفوذه ، وفي «الأصل» بسط الكلام عمّن يسمّى سلطانا ومن لا يسمّى.

ونزيد هنا قول الإمام الرّازيّ في تفسير قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) وهو أنّ : (من ملك بلدا صغيرا لا يحسن فيه أن يقال فيه : جلس على العرش ، وإنّما يحسن ذلك فيمن ملك البلاد الشّاسعة ، والأقطار الواسعة. فالعرش والكرسيّ لا يكونان إلّا عند عظمة الملك) اه

وهو لا يخرج عمّا هناك.

وللسّلطان عوض محاسن جمّة ، ومناقب مهمّة ، وقد حجّ في سنة (١٣١٧ ه‍) ، وأظهر من التّواضع والخضوع ما يدلّ على قوّة دين ، وصحّة إيمان ، وأكرمه الشّريف عون الرّفيق (١) ، وأعاد له الزّيارة ، فأدركته عنده نوبة صرع ، فانزعج القعيطيّ ، وظنّها القاضية ، حتّى هدّأه أصحاب الشّريف ، وقالوا له : إنّما هي عادة تعتاده من زمن قديم ، وقدّم للشّريف هدايا طائلة.

ومع قرب سفره .. طلبوا منه معونة لإجراء سكّة الحديد بين الشّام والمدينة ، فدفع لهم ثلاثين ألف ربيّة ، فأرجعوها إليه استقلالا لها ، فركب إلى المدينة على وعد الرّجوع إلى جدّة ، ثمّ سار إلى الشّام ، وكان آخر العهد به ، وسلمت الثّلاثون ألف.

وقد سبق في حجر أنّه تعلّق بأستار الكعبة وتاب من كلّ سيّئة إلّا من فتح حجر وحضرموت.

__________________

(١) عون الرّفيق باشا بن محمّد بن عبد المعين الحسنيّ ، شريف مكّة (١٢٥٦ ـ ١٣٢٣ ه‍) ، ولد بمكّة ، وناب في إمارتها عن أخيه الشّريف حسين ، ولي مكّة سنة (١٢٩٩ ه‍) ، وكان جبّارا طاغية ، وتنتابه نوبات صرع ، صنّف فيه بعض السّادة رسالة سمّاها «ضجيج الكون من فظائع عون» سنة (١٣١٦ ه‍) ، ولأحمد شوقي فيه قصيدة أنشأها سنة (١٣٢٢ ه‍) ؛ في حادثة جرت آنذاك ؛ مطلعها :

ضجّ الحجيج وضجّ البيت والحرم

واستصرخت ربّها في (مكّة) الأمم

«خلاصة الكلام» (٣٢٧) ، «مرآة الحرمين» (١ / ٣٦٦) ، «الأعلام» (٥ / ٩٨).


توفّي بالهند آخر سنة (١٣٢٨ ه‍) (١) ، ورثاه شيخنا العلّامة أبو بكر ابن شهاب بقصيدة حمينيّة ولكنّها مؤثّرة (٢).

ووقع رداؤه على ولده السّلطان غالب بن عوض (٣) ، وكان شهما كريما ليّن الجانب ، دمث الشّمائل ، وديع القلب ، شريف الطّبع ، وافر الحرمة ، سعيد الحظّ ، ميمون النّقيبة (٤) ، مبسوط الكفّ ، ينطبق عليه قول الطّائيّ [أبي تمّام في «ديوانه» ٢ / ٣١٧ من الطّويل] :

فتى سيط حبّ المكرمات بلحمه

وخامره حقّ السّماح وباطله (٥)

وقوله [في «ديوانه» ١ / ٣١٦ من الوافر] :

له خلق نهى القرآن عنه

وذاك عطاؤه السّرف البدار (٦)

__________________

(١) وفاة السّلطان عوض مختلف فيها ، فقيل : سنة (١٣٢٥ ه‍) ، وقيل : (١٣٢٦ ه‍) ، وقيل : (١٣٢٧ ه‍). ومدّة ولايته حوالي ثلث قرن من الزّمن ، أمضى معظمها بحضرموت في حروب ونزاع مع آل عبد الله ، ومع غيرهم من القبائل والشّيوخ. «الأدوار» (٤٠٧) ، وفي «بضائع التابوت» : أنّه دفن بمقبرة أكبر شاه بحيدر آباد.

(٢) طبعت هذه المرثيّة على حدة ، قال في «الأصل» (٢ / ٢٧٣): (ورثاه شيخنا العلّامة أبو بكر بن شهاب بمرثية شاعرة من الشّعر الحمينيّ العذب الفخم ، ولو لا أنّها مطبوعة على حدة .. لذكرتها ؛ لأنّ بمثلها يتزيّن الكتاب ؛ لأنّها وقائلها والمعنيّ بها : جمال في جمال من جمال ..) اه ومطلعها :

سبحانك الله يا قيوم يا كافي

يا المنفرد بالبقا يا دايم السلطان

حكمت بالموت ما في وعدك اخلاف

وكل من هو عليها غير وجهك فان

ساويت بين الخلايق ناعل وحافي

ما باقي إلا انت وحدك يا عظيم الشان

إلى آخرها.

(٣) غالب بن عوض ؛ كان النّاس يلقّبونه : (أبونا آدم) ، وأطلق عليه أيضا لقب : (غالب السّادات) ؛ لشدّة محبّته في السّادة العلويّين آل البيت النّبويّ .. يقول هذا السلطان في رسالة منه للمصنّف ، مؤرّخة جمادى الأولى (١٣٣٧ ه‍): (ومحبّة أهل البيت لا تزول من قلوبنا ، بل تزداد ، بل تزداد) .. إلخ.

(٤) النقيبة : النفس.

(٥) سيط : خلط. خامره : خالطه.

(٦) عطاؤه السّرف البدار ؛ أي : عطاؤه المسرف فيه ، المبادر إليه.


وقول البحتريّ [في «ديوانه» ٢ / ٣٣٩ من الطّويل] :

تغطرس جود لم يملّكه وقفة

فيختار فيها للصّنيعة موضعا

وقوله [في «ديوانه» ١ / ٦٣ من الطّويل] :

إلى مسرف في الجود لو أنّ حاتما

لديه .. لأمسى حاتم وهو عاذله

وقول أبي الطّيّب [في «العكبريّ» ١ / ١٢٩ من الكامل] :

ودعوه من فرط السّماح مبذّرا

ودعوه من غصب النّفوس الغاصبا

وفي أيّامه كانت حادثة الحموم في (٢٧) ربيع الثّاني من سنة (١٣٣٧ ه‍) ، وحاصلها : أنّهم كانوا يخيفون السّابلة ، والحكومة القعيطيّة تتوقّى شرّهم وتدفع لهم مواساة سنويّة يعتادونها من أيّام آل بريك.

وفي ذلك العهد انعقد الصّلح بين الحموم والحكومة القعيطيّة بدراهم بذلتها لهم الحكومة ـ لا يستهان بها ـ على العادة الجارية بينهم في ذلك ، فبينا هم غارّون (١) .. هاجمتهم سيبان ، وكان لها عندهم ثار ، فقتلت منهم عددا ليس بالقليل ، فاتّهموا الحكومة بمساعدتهم ، وظفروا بجماعة من يافع فقتلوهم ، فما زال ناصر أحمد بريك أمير الشّحر يومئذ يداريهم ويستميلهم ، ويظهر لهم أنّ قتلهم ليافع لم يثر حفاظه .. حتّى اجتمع منهم بالشّحر نحو من أربع مئة ، وكانوا يعتدّون بأنفسهم وبهيبة الحكومة لهم .. فلم يبالوا بالدّخول من دون تجديد للصّلح الّذي وقع فيه ما وقع فألقى عليهم القبض أجمعين ، وقتل سبعة وعشرين من رؤسائهم ، ودفنهم في قبر واحد من غير غسل ولا صلاة ولا تكفين ؛ منهم : سالم بن عليّ بن مجنّح ، الملقّب (حبريش) ، وحيمد بن عمرو بالفرج الغرابيّ ، ومرضوح بن عوض اليمنيّ ، وغيرهم. وأظهروا من الثّبات ساعة القتل ما أبقى لهم جميل الأحدوثة.

ومات في حبس القعيطيّ منهم مئة وسبعة ، وأطلق بعد ذلك سراح الباقين ، ولكن بعد ما وهن جانبهم ، ونخرت عيدانهم ، إلّا أنّ عليّ بن حبريش لم يزل يجمع

__________________

(١) غارّون : غافلون.


جراميزه (١) لأخذ الثّأر ، ودار على حصون آل كثير فلم يجد عندهم منفعة ، وإلّا .. فقد كانت بينهم وبين بعضهم أحلاف.

وبعد أن مضى لهذه الحادثة سبع سنين .. هجم على الدّيس فنهبها واستباحها ، وقتل جماعة من عسكر القعيطيّ ، وأسر ثمانية عشر منهم ، ولم يقتل من أصحابه إلّا أربعة فقط ، وطفق يتجاذب الحبال مع الدّولة القعيطيّة حتّى استعانوا عليه بالطّائرات الإنكليزيّة ، فأضرّت بمكانه الواقع على مقربة من غيل ابن يمين ، ولم يخضع مع ذلك.

وفي نحو سنة (١٣٥٨ ه‍) : كمن ولده في جماعة من الحموم بالمكان المسمّى حرو (٢) ، فجاءتهم ثلّة من العساكر القعيطيّة في سيّارات ، يتقدّمهم يافعيّ شجاع ، يقال له : محمّد محسن السعديّ ، فتبادلوا الرّصاص ، لكن كانت يافع أثبت وأنفذ سلاحا ، فاستأصلوهم قتلا ، فانكسف بال عليّ بن حبريش ، واستولى عليه الفراش ، ومات غبنا.

وكان أهل الشّحر يلاقون عناء من قلّة الماء ، فأجراه إليهم السّلطان غالب من تبالة ، فاستراحوا بذلك.

وفي أيّامه (٣) انعقدت بينه وبين سلاطين آل كثير صاحب سيئون وصاحب تريم (٤) المعاهدة المشهورة (٥) ذات الإحدى عشرة مادّة ، المحرّرة (٢٧) شعبان سنة (١٣٣٦ ه‍) وقد اعترفوا في المادّة الأولى منها بانسحاب حكم الحماية الإنكليزيّة عليهم (٦).

__________________

(١) الجراميز : الأيدي والأرجل.

(٢) حرو : موضعان بحضرموت ، الأول : غربيّ بروم ضمن مديرية المكلا في الساحل. والثاني : قرية قرب ساه بوادي عدم ، في الداخل.

(٣) أي : في سنة (١٣٣٦ ه‍).

(٤) وهما السّلطانان : منصور ومحسن ابنا السّلطان غالب بن الحسن الكثيريّ ، سيأتي ذكرهما وطرف من أخبارهما في سيئون.

(٥) المعروفة بمعاهدة عدن لانعقادها فيها.

(٦) والمادّة الأولى نصّها كالآتي : (يرتضي السّلطان القعيطيّ مولى الشّحر والمكلّا ، وسلاطين آل عبد الله


ولقد بذلت جهدي في تحذير السّلاطين الكثيريّين ونصحهم عن الموافقة عليها ، وذكرت لهم ما في ذلك من الوزر والخسر بما هو مبسوط في «الأصل» ، ولكنّ السّيّد حسين بن حامد المحضار ألحّ في ذلك بسعي شديد ، وجهد جهيد ، وساعده ناس من أهل الثّروة .. فتمّ له ما أراد ، ومعروف ومشهور ما لي في ذلك من المنظوم والمنثور.

وكانت بيني وبين السّلطان غالب هذا مودّة لو لا مكايدة السّيّد حسين بن حامد لها .. لكانت قويّة ، وبيني وبينه مكاتبات ممتعة ذكرت بعضها في «الأصل» (١) ، ولي عليه عهود موثّقة بالنّصر على كلّ من عاداني ، وبالإعفاء من الرّسوم عن ستّين طردا في كلّ عام ، وبمرتّب سنويّ زهيد ، ومع ذلك .. فقد كان وزيره المرحوم السّيّد حسين بن حامد المحضار يراوغني فيها ، ويمانع العمل بها.

ولمّا توفّي .. أرسلتها إلى عند ولده السّيّد أبي بكر بن حسين أطالبه بإجرائها وتنفيذ ما فيها ، فلم يردّها إليّ رأسا ، وظنّها النّسخة الوحيدة ، ولكن كانت عندي صورتها بإمضاء السّلطان غالب والسّيّد حسين ، وشهادة السّيّد محمّد بن عبد الله بن هادون بن أحمد المحضار ، والأمير عليّ بن صلاح ، وطالما ذكّرت بها العلّامة السّلطان صالح بن غالب ، فقلت له أمام الملأ : أهذه المعاهدات صحيحة معمول بها ، أم

__________________

آل كثير : أن يكون إقليم حضرموت إقليما واحدا ، وأنّ الإقليم المذكور هو من تعلّقات الدّولة البريطانيّة تابعا لسلطان الشّحر والمكلّا). عن «ترجمة السّيّد الزّعيم» (١٠٢).

لقد كانت تلك المعاهدة أوّل إنجاز رسميّ لم يقع مثله طيلة مدّة الحكم القعيطيّ والكثيريّ ، أمّا الحكومة الكثيريّة .. فقد غبنت بسبب هذه المعاهدة غبنا ظاهرا فادحا ؛ فقد اعترفت للقعيطيّ بحضرموت كلّها عدا رقعة صغيرة من الأرض هي سيئون ونواحيها إلى الحزم غربا ، وشرقا إلى تريم فقط ، مع أنّها تمتلك من المال والرّجال ما يفوق دخل الواحد منهم ميزانيّة القعيطيّ عشرات المرّات كآل الكاف وأضرابهم .. «السّيّد الزّعيم» (١٠٦) وما بعدها.

(١) ذكر في «الأصل» رسالة طويلة وجّهها هو إلى السّلطان في (١٥) جمادى الأولى سنة (١٣٣٧ ه‍) : (٢ / ٢٧٧ ـ ٢٧٩) ، قال في ديباجتها : (.. كتابي إليك والشّوق يزيد ، والودّ أكيد ، وبيننا وبينكم أحلاف قديم وجديد ، ونودّ الوصول ولكن خفنا أنّه ما يفيد ، وذكركم يدور ، وخيالكم يزور ، وجيلكم مذكور ، والله يحفظكم من الغرور ..) إلخ.


تعتبر لاغية؟! فأجاب بصحّتها والتزام تنفيذها ، وكان ذلك بمرأى ومسمع من وزيره المكرّم الفاضل سيف بن عليّ آل بو عليّ.

وقد تقدّمت إلى السّلطان صالح في سنة (١٣٥٥ ه‍) بقصيدة [كما في «الدّيوان» ق / ١٦٧ ـ ١٦٩ من الطّويل] تزيد عن مئة وعشرين بيتا لم تعد فيها قافية ، وأنشدتها له مرّات ، أولاها بالمكلّا عامئذ ، والثّانية بحورة في سنة (١٣٦٠ ه‍) ، والثّالثة بمنزلي في سنة (١٣٦٥ ه‍). منها :

وبين يدينا شرعة لا تزيدها

تجاريب ذي عقل ولا عقد مؤتمر

هي القدّة المثلى العليّ منارها

أتتنا بها غرّ الأحاديث والسّور (١)

وحسبك بالإفرنج فالخطّة الّتي

بها المشي فيما يحكمون به استمر

مدوّنة في الأصل من قول مالك

وسائل تجدها في التّواريخ والسّير

ولكنّ أهل العلم والدّين داهنوا

وباعوا حقوق الله بالماء والشّجر

فلن تلق منهم من نهى عن قبيحة

ولا من بمعروف على مكره أمر

إذا انتهك الإسلام أغضى زعيمهم

وإن أخذت شاة له اهتاج واستعر (٢)

فما شأنهم إلّا التّصنّع والرّيا

وأعجب ما تلقى النّفاق لدى مضر

نفاق وأخلاق دقاق وذلّة

بها شوّه الإدبار أيّامنا الأخر

تولّى الوفا والصّدق فاندكّ مجدهم

وراحت عليهم كلّ مكرمة هدر

يقولون ما لا يعملون تصنّعا

سواسية من قال شعرا ومن نثر

وقد كانت الآباء من قنّة العلا

بشأو حثى في وجه كلّ من افتخر (٣)

تزلّ الوعول العصم عن قذفاتهم

وكم من عقاب في مراقيهم انكسر (٤)

مضوا شهداء الحقّ في نصرة الهدى

وما برحوا في هجرة وعلى سفر

__________________

(١) القدّة : الطّريقة.

(٢) استعر : هاج واشتد غضبه.

(٣) القنّة : أعلى الجبل. شاو : تسهيل شأو ، وهو : السّبق.

(٤) العقاب : بضم العين الطائر المعروف يضرب به المثل في العلو في الطيران ، والمعنى : أن العقاب ينكسر جناحه ولا يبلغ علوّ مجدهم.


ومن آل قحطان رجال على الوفا

مضوا بسلام ذكرهم طاب واشتهر

إذا عاهدوا وفّوا العهود وإن دعوا

أجابوا ولو كان الظّلام قد اعتكر

كرام يهابون الملام ، ولذعة ال

كلام لهم أشوى من الصّارم الذّكر (١)

وجاءت خلوف سخنة العين بعدهم

مشائيم قد ضمّوا إلى العجر البجر (٢)

مذاميم تطويل الإزار من العلا

لديهم ، وتصفيف الملابس والطّرر

إذا عقدوا عقدا وقالوا مقالة

فلا عقدهم يرجى ولا القول يعتبر

فآه من الشّؤم الّذي مسّنا بهم!!

وآه على عقد الكرام الّذي انتثر!!

ولمّا نصرت الحقّ بين بني أبي

رأوا أنّه الذّنب الّذي ليس يغتفر

فدانوا ببغضي واستهانوا بحرمتي

وكم قصدوني بالأذايا وبالضّرر

وكم حطّ من قدري حسود فلم ينل

علاي لأنّي صنت نفسي عن القذر

فإن جاء عنّي فاسق بنميمة

وألصق بي عيبا وأرجف وافتجر

فقولوا له : قابل ، فذا هوّ حاضر

وغبّ التّلاقي يعرف الصّفو والكدر

يعيبونني غيبا وأعلن ذمّهم

وليس سواء من أسرّ ومن جهر

نناشدك الإسلام والحرمة الّتي

نؤمّل فيها أن نلوذ إلى وزر

ولي بخصوصي في الذّمام وثائق

أبوك بها ـ حيّاه مولاه ـ قد أقرّ

وأمضى بمرأى من رجال ومسمع

عليها وعندي خطّه الآن مستطر

وأكّد إحداهنّ توقيعكم بها

وشاع لدى أهل المدائن والوبر

فما بيّ من هضم يمسّ بمجدكم

وأنت الحميّ الأنف والأمر قد ظهر

أترضى على هذا بواش يقول لي :

كلام القعيطيّ الّذي قاله قصر؟!

وكان الاقتصار أحقّ بالاختصار ، لكن أخذ الكلام برقاب بعضه ، واقتضاه سوق الحفيظة ، والاستنجاز في هذا المعرض المناسب.

__________________

(١) اللّذعة : الحرقة بالنار. والمعنى : أنّ الكلام عليهم أشد عليهم وأخوف عندهم من السّيف البتّار.

(٢) العجر : العروق المتعقّدة في الظّهر. البجر : العروق المتعقّدة في البطن. والمقصود : أنّهم ضمّوا عيبا إلى عيب.


وقد توفّي السّلطان غالب بن عوض في سنة (١٣٤٠ ه‍) ودفن بجانب أبيه بمقبرة أكبر شاه بحيدرآباد الدّكن.

وقد رثيته عن وجدان صحيح وودّ صادق ، بقصيدة توجد بمكانها من «الدّيوان» (١)

ورثاه شيخنا العلّامة ابن شهاب بأبيات ، منها :

جاء تاريخ موته

عظّم الله أجركم

وما سمعنا بسلطان بكته رعاياه بدموع حارّة (٢) ، وأحزان متواصلة .. مثله ، ولا جرم ؛ فقد قال أبو الطّيّب [في «العكبريّ» ١ / ٤٩ من الطّويل] :

ومن سرّ أهل الأرض ثمّ بكى أسى

بكى بعيون سرّها وقلوب (٣)

__________________

(١) لمّا نعي السّلطان غالب .. كان المصنّف خارج حضرموت في الحديدة ، فكان لموته أثر بالغ عليه ، فرثاه بقصيدة تقرب من الخمسين بيتا ، قال في مطلعها :

فيما يكنّ الغيب طيّ ضميره

برهان عجز العبد عن تدبيره

سرّ تطاولت النّفوس له فما

بلّت صداها قطرة من بيره

ومنها :

أفليس في الماضين تعزية لنا

ولقطرنا إذ جاء نعي أميره

هيهات ما عن غالب من سلوة

في نقطة لم تكتمل بنظيره

يبكيه ساحل (حضرموت) بعبرة

تجري بخدّ صغيره وكبيره

شمل المصاب جماده ونباته

وشجى قلوب غنيّه وفقيره

إلّا الخزينة لم يسؤها فقده

لسخائه المفضي إلى تبذيره

ومنها :

عظة يذوب لها الجماد وعبرة

تغني غليظ القلب من تذكيره

إنّا ليوحشنا خلوّ مكانه

منه فيسعدنا الجوى بزفيره

إلى آخرها.

(٢) قيّد الدّموع هنا بكونها حارّة لكونها علامة الحزن ، أمّا الدّموع القارّة ـ الباردة ـ فهي أمارة الفرح والسّرور ومن ذلك قولهم : فلان قرير العين.

(٣) المعنى : من أدخل السّرور على جميع النّاس ، ثمّ بكى لحزن أصابه .. ساء حزنه النّاس الذين سرّهم ، فكأنّه بكى بعيونهم ، وحزن بقلوبهم ؛ لما يصيبهم من الأسى والجزع.


وقال يزيد المهلّبيّ [من البسيط] :

أشركتمونا جميعا في سروركم

فلهونا إذ حزنتم غير إنصاف

وخلفه أخوه السّلطان عمر بن عوض ، وكان ثقة ، حازما ، صادقا ، شجاعا ، غيورا ، وله وفادات مكرّرة إلى مكّة المعظّمة والمدينة المشرّفة ، يتواتر عنه فيها ما يدلّ على صحّة الإيمان وقوّة الدّين ، ولئن اتّهم بتقصير في العبادة ، وانحراف في السّيرة .. فالنّدم أمارة صدق التّوبة.

وبقي على وزارته السّيّد حسين بن حامد المحضار ، إلّا أنّه لم يكن في أيّامه وافر الحرمة نافذ الكلمة واسع الجاه ، كما كان في أيّام السّلطان غالب الّذي لا يعترضه في أيّ أمر كان ، بل يفوّض إليه الأمور تفويضا أعمى.

أمّا السّلطان عمر .. فقد أسمعه ما يكره ، حتّى لقد أخبرني السّيّد محمّد بن عبد الله بن هادون بن أحمد المحضار : أنّ السّيّد حسين بن حامد قال لولده أبي بكر وهو على فراش الموت : (إنّني قتيل عمر بن عوض).

ولمّا مات السّيّد حسين في آخر سنة (١٣٤٥ ه‍) .. أبقى السّلطان عمر ولده أبا بكر ، ثمّ عزله ، ولم يثرّب عليه (١) ، ولم يؤذه في حال ولا مال.

واستوزر بعده المكرّم سالم بن أحمد القعيطيّ ، وجعله موضع ثقته وأمانته.

توفّي السّلطان عمر بن عوض أواخر سنة (١٣٥٤ ه‍) بحيدرآباد الدّكن ، وخلفه العلّامة الجليل السّلطان صالح بن غالب ، وكان غزير المادّة في العلم ، كما تشهد له بذلك مؤلّفاته المنقطعة النّظير ، وقد سبق في المكلّا شغفه بالعلم ، وإنفاقه على المدارس ما يوازي ربع حاصلات البلاد بالتّقريب (٢).

__________________

(١) لم يثرّب عليه : لم يكثر العتاب واللوم عليه.

(٢) من مؤلّفات السّلطان صالح :

١ ـ «مصادر الأحكام الشرعيّة» ، على طريقة أحاديث الأحكام ، مطبوع في (٣) أجزاء ، قال المصنف عنه في «بضائع التابوت» : (منها كتاب في الفقه على طريق الاجتهاد ، أطلعني على حصّة منه في العبادات ، يذكر أدلّة الأحكام ثمّ يختار ما ينصّ عليه أقواها بحسب فهمه ، فأعجبني وآنقني


وقد تجدّدت بينه وبين الحكومة البريطانيّة معاهدة في الأخير ـ لعلّها في سنة (١٣٥٨ ه‍) (١) ـ قبل فيها أن يكون له مستشار إنكليزيّ ، وعذره فيما يظهر : أنّ بعض آل حضرموت أكثروا الزّراية على وزارته ، وتمضّغوها في الجرائد بحقّ وبغير حقّ ، وأغدقوا العرائض في ذلك على دار الاعتماد بعدن (٢) ، وعند ما أحسّ بالإصغاء إليها مع تردّد رجال الحكومة الإنكليزيّة إلى حضرموت ونزولهم على الرّحب والسّعة بأكثر ممّا يوافق هواهم ، ويملأ رضاهم ، ويوطّىء لهم المناكب ، ويفتح لهم الأبواب .. لم يسعه ـ مع ما عرفه من الأحابيل المنصوبة له ولولده من بعده ، مع حرصه على توثيق الأمر له ـ إلّا أن يقول بلسان حاله : (إذا سعيتم في موالاة الحكومة الإنكليزيّة

__________________

وكان عرضة ذلك نفاسة وتحقيقا وعذوبة عبارة) اه.

٢ ـ «الآيات البيّنات على وجود خالق الكائنات» ، مطبوع أيضا ، قال عنه في «بضائع التابوت» : (وقد أطلعني عليه فألقيت فيه نظرة عجلى ؛ إذ كنت على وفاز ـ عجلة ـ فإذا به كتاب جليل القدر ، يصف نفسه بنفسه ، ويكلّ لسان الثّناء عن استقصاء وصفه ، ولو لم يكن له إلّا سواه .. لأبقى له الشّرف الخالد ، والمجد التّالد ؛ إذ العلم أشرف من الملك) اه.

وممّا لم يطّلع عليه من مؤلّفاته الأخرى :

٣ ـ «الرّحلة السّلطانيّة إلى دوعن» ، وفيها من عجائب الأفكار ، وبدائع النّقول عن الكون والإعجاز والاختراعات الحديثة ما يدهش المطالع ، توجد منها نسخة بمكتبة الأحقاف بتريم مزودة بالصّور الفوتوغرافية الملوّنة ، وطبعها بعض الناس من أهل المكلا في سنغافورة في حياة السلطان ، بدون الصور.

٤ ـ مبحث في التّعبّد بخبر الآحاد. رسالة لطيفة ، أوجب فيها التّعبّد بخبر الآحاد .. ولعلّه أبعد النّجعة فيه.

٥ ـ تفسير لكلمات القرآن بالأردو ، لم يطبع ، وغيرها.

(١) كانت معاهدة الاستشارة بالتّحديد في (١٣) أغسطس (١٩٣٧ م) ، الموافق لعام (١٣٥٦ ه‍).

(٢) يقول الشيخ عبد الله الناخبي : إنّ هذه العرائض ـ الّتي أشار إليها المصنّف رحمه الله ـ إنّما استكتبها (انجرامس) ، ذلك السّياسيّ الدّاهية قبل أن يأتي إلى المكلّا مستشارا مقيما ؛ إذ إنّه كان يتردّد على حضرموت كسائح ، وقدمها نحوا من (٣) مرّات ، جاب خلالها البلاد ، وسبر أخلاق العباد ، وكان يجس نبض زعماء قبائل حضرموت وقادتها حول السّلاطين القعيطيين وربما استثار أحقادهم عليهم ، واستكتبهم عن السّلطان صالح ، وسجّل شهاداتهم تلك في وثائق سرّيّة أخذها معه وسلّمها إلى والي عدن الحاكم البريطانيّ ، وكلّما استجدّ شيء .. بعث به إليه ، وكانت هذه العرائض من وسائل الضّغط على السّلطان في قبول المستشار.


برجل .. طرت فيها بجناح) ، فكان ما كان ، إلّا أنّه تنازل لهم عن أكثر ممّا التزمه (١).

ولقد كان السّلطان الكثيريّ ـ مع نزول درجته عنه وصغر مملكته بتفاوت عظيم ـ لا يزال ينازعهم ، وقلّما يشتدّ في أمر إلّا وافقوه عليه ، فتراه يتحمّل مع اتّساع ملكه ما لا يتحمّله الكثيريّ ، والسّلطان صالح محبوب عند النّاس ، مفدّى بالأرواح من سائر الأجناس :

هو الملك الّذي جمعت عليه

على قدر محبّات العباد

تولّته القلوب وبايعته

بإخلاص النّصيحة والوداد (٢)

__________________

(١) الاستشارة البريطانيّة وأسبابها : كشف السّيّد العلّامة ، السّياسيّ المحنّك : حامد بن أبي بكر بن حسين المحضار في كتابه «حياة السّيّد الزّعيم» عن أسباب خفيّة قد لا يعلمها كثير من النّاس ، حول قبول السّلطان صالح للمستشار الإنكليزيّ ، وجعل أكبر الأسباب هو رغبة السّلطان صالح الجامحة في إقصاء ابن عمّه : محمّد ابن السّلطان عمر من السّلطة ، وخوفه من مجيئه إلى المكلّا بين الفينة والأخرى ، فلمّا طلب من حاكم عدن أن يلغي حقّ ابن عمه من السّلطة ـ مخالفا بذلك وصيّة جدّه عوض بن عمر ـ رحّب الحاكم بذلك ، لكن شرط عليه قبول الاستشارة .. فأجابه على مضض.

ويزيد على هذا ما تقدم نقله عن الشيخ الناخبي ، ولا منافاة ولا معارضة بين القولين لجواز وقوع كل منهما.

وأنقل هنا نصّ كلام السّيّد المحضار ؛ لما فيه من الفذلكة التّاريخيّة ، قال رحمه الله : (ولمّا توفّي السّلطان عمر .. تولّى السّلطان صالح ، ولم يواجه أيّ معارضة من أبناء عمّه ، ولكنّه جعل همّه الأوّل أن يحرم ابن عمّه الأمير محمّد بن عمر من ولاية العهد ؛ ليكون ابنه الأمير عوض بن صالح وليّا لعهد أبيه ، فنكث عهده ، وأخلف وعده ، ثمّ ساوم الإنكليز على قبولهم ابنه وليّ عهد للسّلطنة بعده ، واعترافهم به وإلغاء ولاية ابن عمّه الأمير محمّد بن عمر ، خلافا لمّا قرّره مؤسّس السّلطنة الأوّل ، وخلافا لما أجمع عليه هو وعمّه السّلطان عمر ووزيرهم المحضار ورجال دولتهم. ولم يوافق الإنكليز على ذلك إلّا بشرط أن يقبل السّلطان صالح مستشارا إنكليزيّا مقيما في عاصمة السّلطنة ، على أن يكون للمستشار البتّ في كلّ أمور السّلطنة ، وليس للسّلطان أن يتعاطى أمرا ولا نهيا إلّا بموافقة المستشار الإنكليزيّ ، على أن تصدر الأوامر والنّواهي باسم السّلطان صالح ، وقبل السّلطان صالح المستشار الّذي أصبح هو المتصرّف المطلق في أمور السّلطنة القعيطية ، وبذلك دفع السّلطان صالح ثمن حرمان ابن عمّه من ولاية العهد لينصّب ولده وليا للعهد ثمنا عاليا غاليا جدّا ، هو في نظرنا أعلى وأغلى من ولاية السّلطان صالح نفسه ، فضلا عن ولاية ابنه لولاية العهد ، ولقد تمّ كلّ ذلك رغم كلّ العهود والوعود والشّهود ، واليوم الموعود ، وكانت عاقبة أمره خسرا) اه «السّيّد الزّعيم» (٨٥).

(٢) البيتان من الوافر ، وهما للبحتري في «ديوانه» (١ / ١١٩).


وهو كآبائه ، محبّ بنفسه للعدل ، بعيد من الظّلم ، إلّا أنّه يرخي الأعنّة للحكّام وللعمّال. وبما عرفوا من انبنائه على العفو الواسع ، والحلم الشّامل .. أخذوا يتبسّطون في المظالم ، ونخاف أن يخلقوا له بأعمالهم الّتي هو منها براء بغضا في القلوب من دون جناية فعلية ، ولا نجاة من ذلك الخطر إلّا بأن يأخذ هو ووزيره بسيرة ابن الخطّاب في مراقبتهم وبثّ الأرصاد عليهم ، حتّى إنّه ليصبح وكأنّما بات مع كلّ واحد في فراشه ، تأتيه أخبارهم بدون غشّ في كلّ ممسى ومصبح ، ويقول : (لو ضاعت ناقة بشاطىء الفرات .. لكان المسؤول عنها آل الخطّاب) وما يعني إلا نفسه ، ويقول : (لو عثرت دابّة كانت التّبيعة عليّ) ، قيل له : (ولم) .. قال : (لأنّ من واجبي تعبيد الطّرقات) أو ما يقرب من هذا.

وتلك هي سيرة أزدشير بن بابك (١) ، وقد تقيّلها (٢) معاوية بن أبي سفيان ، وزياد بن أبيه (٣) ، فانتظمت الأمور ، واندفعت الشّرور ، وانعدم الجور ، وإنّني لأتمنّى أن يتسمّتها هذا السّلطان ووزيره ؛ لتثلج الصّدور ، وتبرد الخواطر ، وتبقى على انعقادها بمحبّتهم القلوب ؛ إذ لا أنصر للسّلطان من أفئدة تمتلىء بودّه ، وألسنة تهتف بشكره ، وفّقنا الله وإيّاهم لما فيه خير الإسلام والمسلمين.

ولقد كانت الحكومة القعيطيّة في أيّام السّيّد حسين بن حامد أحبّ من جهة إلى النّاس منها اليوم ، لا لأمن ينبسط ، ولا لعدل ينتشر ، ولا لخير يعمّ ، ولا لشرّ يندفع ، ولا لعطاء يرجى ، ولا لسيوف تخشى ، ولكن لخصلة واحدة ، وهي : جبر القلوب ، وأخذ الخواطر ، وحلاوة اللّسان ، والمقابلة بالتّرحيب والمعانقة ، وإن

__________________

(١) هو أحد ملوك الفرس ، عرف بالحكمة ، عاش في القرن الخامس قبل الميلاد. «دائرة المعارف» (١ / ١٦١).

(٢) تقيّل فلان أباه : نزع إليه في الشّبه ، والمقصود هنا : سار على نهجه شبرا بشبر ، وذراعا بذراع.

(٣) وممّا يروى في هذا أنّ رجلا كلّم زيادا في حاجة وجعل يتعرّف إليه ويظنّ أنّ زيادا لا يعرفه ، فقال : أنا فلان بن فلان ، فتبسّم زياد وقال له : أتتعرف إليّ وأنا أعرف بك منك بنفسك؟!! والله إنّي لأعرفك وأعرف أباك وأعرف أمّك وأعرف جدّك وجدّتك ، وأعرف هذه البردة الّتي عليك ، وهي لفلان ، وقد أعارك إيّاها. فبهت الرّجل وارتعد حتّى كاد يغشى عليه.


زاد على ذلك شيئا .. فما هو إلّا كرم الضّيافة ، حسبما قلت له في القصيدة الآتي خبرها في أحوال سيئون السّياسيّة (١) [من البسيط] :

ملكت قسرا قلوب النّاس قاطبة

بخفّة الرّوح والأخلاق والحيل

وبالكلام الّذي نيط القبول به

مع العناق لدى التّوديع والقبل

وإنّما قلت : من جهة ؛ لأنّ الجور في بعض الأماكن ؛ كوادي الأيسر لعهده تكاد تنشقّ الأرض منه ، وتخرّ الجبال هدّا ، ومفاسد الاستبداد إذ ذاك فوق التّصوّر.

فإنكاري على عمّال الحكومة القعيطيّة جدّ شديد في جورهم وتنكّرهم للمناصب ولرؤساء يافع وآل تميم وآل كثير وغيرهم من حلفاء السّلطان القعيطيّ وأشياعه.

وقد كان السّبب الأكبر في سقوط دولة آل مروان : إدناء الأعداء ، وإبعاد الأولياء ؛ إذ صار الوليّ عدوّا بالإقصاء ، ولم يعد العدوّ وليّا بالتّقريب.

وقد اتّفق أنّ بعض العمّال في سنة (١٣٦٦ ه‍) أخذ أهل دوعن بالشّدّة والعنف ، وحاول أن يضغط على سيبان وآل العموديّ والسّادة ، ولم يدر أنّ الضّغط يورث الانفجار ، فكانت النّتيجة أن تحالفت بطون سيبان من نوّح والحالكة والخامعة والمراشدة والقثم وآل باخشوين وآل باعمروش وآل نهيم ، ودخلت معهم الدّيّن وناس من الحموم على إعلان الثّورة عندما يريد أحدهم عمّال الحكومة بالظّلم ، وتعاقدوا أن لا يجيبوا باغي هضيمتهم إلّا بألسنة البنادق ، وقالوا بلسان حالهم :

إذا الملك الجبّار صعّر خدّه

مشينا إليه بالسّيوف نخاطبه (٢)

__________________

(١) ومناسبتها : توقيع معاهدة عدن سنة (١٣٣٧ ه‍) الّتي تقدّمت الإشارة إليها.

ومطلع القصيدة :

أهلا وسهلا بمن وافى وموضعه

منّي وإن لمت فوق الرّأس والمقل

ابن المحاضير من طابت شمائله

ولم يحل قطّ عن ودّي ولم أحل

وهي غرّاء كبقيّة قصائد ابن عبيد الله رحمه الله.

(٢) البيت من الطّويل ، وهو لبشّار في «ديوانه» ، وفي «الدّيوان» : (نعاتبه) بدل (نخاطبه). وصعّر خدّه : أماله عنّا من الكبر.


وعقدوا بينهم عهدا وثيقا وحلفا أكيدا ، من قواعده : أن لا وفاء ولا بياض وجه لمن تأخّر عنه أو خاس به إلّا دفع ألف ريال وقتل أحد أقربائه على عوائدهم الجاهليّة.

وكان ذلك أواخر سنة (١٣٦٦ ه‍) ببضه ، وشهده الفاضل السّيّد علويّ بن محمّد بن أحمد المحضار ، وأبو بكر بن حسين المحضار ، وأحد السّادة آل البار.

فلم يكن من الحكومة إلّا أن عزلت ذلك وعملت بسياسة معاوية بن أبي سفيان ؛ إذ يقول : (لو كانت بيني وبين النّاس شعرة .. لم تنقطع ؛ لأنّهم إن شدّوا .. أرخيت ، وإن أرخوا .. قبضت) (١) ، ونعمّا فعلت الحكومة بذلك ؛ لأنّه إذا التقى السيفان .. ذهب الخيار ، ولكن الصّيف ضيّعت اللّبن ؛ إذ لم يكن إلّا بعد أن خسرت من الهيبة ، وفقدت من الأبّهة ما لا يمكن تلافيه إلّا بتحمّل منّة تتفسّخ منها القوائم لحكومة عدن ، مع أنّها كانت في غنى عن ذلك ؛ لانعقاد القلوب على محبّة السّلطان ، لعفّته عن أموال النّاس .. فلا يحتاج إلى العنف إلّا اللّثام الّذين لا يصلحهم غيره.

ووضع النّدى في موضع السّيف بالعلا

مضرّ كوضع السّيف في موضع النّدى (٢)

ولو أنّ عمّال القعيطيّ سايسوا الكرام من سيبان والعموديّ بالرّفق .. لاستقام الحال ، وانحلّ الإشكال ؛ إذ الكرام كما قال الأوّل :

قوم إذا شومسوا لجّ الشّماس بهم

ذات العناد وإن ياسرتهم يسروا (٣)

وقال سعيد بن ناسب [من الطّويل] :

وما بي على من لان لي من فظاظة

ولكنّني فظّ أبيّ على القسر

هذا ما يحسن أن يعامل به الكرام ، أمّا الرّذال .. فلا يصلحهم إلّا ضرب القذال (٤)

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي (٢ / ٢٣٨).

(٢) البيت من الطّويل ، وهو من الأمثال السّائرة للمتنبّي. «العكبري» (١ / ٢٨٨).

(٣) شومسوا : تشوغب عليهم. وأصل الشماس عدم استقرار الدابة وانقيادها لشغبها ، واستعاره هنا للآدميين. والله أعلم.

(٤) القذال : جماع مؤخّر الرأس.


وبمثل ذلك جاء القرآن العظيم ، وسار عليه الشّارع الحكيم ، ومعاذ الله أن يصلح آخر هذه الأمّة إلّا ما أصلح أوّلها ، ولا معرفة لي تكفي اليوم للحكم بحال القوم ، ولكنّ من يردني من آل العموديّ وآل العطّاس يحدّثني عن شهامتهم ونخوتهم بما يبعد معه أن تذلّل معاطسهم الخطم ، وقد قال بعض شعرائهم المتأخّرين ـ واسمه سعيد بن سالم بانهيم المرشدي ـ :

لا حق بامدّه ولا منقود

ولا شريعه عند قاضي

لمّا يغلّق كسبي الموجود

هفوه لهم والقلب راضي

ولا أشنوعة عليه بالتّمدّح بالامتناع عن استدعاء القضاة ؛ لأنّهم لصوص (١) .. فله من جورهم مخرج عن هذا ، وفيه شبه من قول بعض الأوائل (٢) [من الطّويل] :

بني عمّنا لا تذكروا الشّعر بعدما

دفنتم بصحراء الغميم القوافيا (٣)

فلسنا كمن كنتم تصيبون سلّة

فنقبل ضيما أو نحكّم قاضيا (٤)

__________________

(١) أراد الشيخ رحمه الله تعالى قول ابن المنجم :

فلا تجعلنّي للقضاء فريسة

فإن قضاة العالمين لصوص

مجالسهم فينا مجالس شرطة

وأيديهم دون الشّصوص شصوص

الشّصوص ـ جمع شص ـ وهو : اللص الذي لا يدع شيئا أتى عليه إلا أخذه.

فقال أبو جعفر البحّاث متمما لهذين البيتين :

سوى عصبة منهم تخصّ بعفة

ولله في حكم العموم خصوص

خصوصهم زان البلاد وإنّما

يزين خواتيم الملوك فصوص

(٢) هو الشّميذر الحارثي ، كما في «ديوان الحماسة» (١ / ٣١) ، وكان قد قتل أخوه غيلة .. فقتل قاتل أخيه نهارا في بعض الأسواق من الحضر.

(٣) قال شارح «ديوان الحماسة» (١ / ٣١) : صحراء الغميم : اسم موضع. والقوافي : جمع قافية ، وأراد بها القصائد. وفي دفن القوافي معنيان ؛ أحدهما : أنكم انهزمتم بهذا الموضع .. فلا تكلفوا أحدا مدحكم ولا تفتخروا في شعر ؛ لسوء بلائكم بهذا الموضع. والثاني : أن شاعرهم قتل ودفن بهذا الموضع .. فكأنه يقول : لستم قادرين على الشعر وقد دفنتم شاعركم بصحراء الغميم .. فلا تتكلفوا ما لستم من أهله ؛ فعلى هذا : كأنه قال : دفنتم صاحب القوافي.

(٤) السّلّة : السرقة. يقول لهم : لسنا كمن كنتم تقصدونه وهو متفرد شاذ فتصيبونه سرقة فنرضى بالضيم ، أو نحاكمكم إلى قاض.


ولكنّ حكم السّيف فينا مسلّط

فنرضى إذا ما أصبح السّيف راضيا (١)

ولا أذكر قائلها الآن ، ولكنّني أعرف أنّ موسى بن المهديّ تمثّل بها لمّا جيء برأس الحسين بن عليّ بن الحسن المثنّى ، وجعل يوبّخ من أسر من أصحابه ويقتلهم.

والحسين هذا هو الفخي نسبة إلى محلّ واقعته ، وهو بمكّة أو قريب منها ، أو هو وادي الزّاهر .. فكلّ ذلك قيل ، وهي أقوال متقاربة.

ولطالما حدّثني الواردون عن شهامة أولئك ، غير أنّ قياس المشاهدة على ما نعرف من قبائل بلادنا .. يجعل السّعي مهلا ، والصّعب سهلا ، والعسر إلى المياسرة.

وبعد أن فرغت من هذا الكتاب بشهور أخبرني غير واحد بأنّ أحد رؤساء آل ماضي ـ وكان يحطب في حبل الحكومة ـ ابتزّ امرأة رجل غائب بالهند ، ولمّا حضر .. امتلأ غيظا ـ وفيما دون هذا يحمى أنف الكريم ـ فلم يبخل بالمال في سبيل غسل العار ، فقتل ذلك الباغي في بلاده ، واتّهم بقتله اثنان من آل باصليب ، فجهّزت عليهم الحكومة نحو سبع مئة جنديّ بدبّاباتهم فما دونها من الآلات والأسلحة والعتاد ، فصبر لهم رئيس آل باصليب ، وكان شهما ، وأبلى فيهم أحسن البلاء ، ثمّ قتل ، وأشبل عليه أخوه وابنه فأصيبا (٢) ، ولكنّهما احتملاه ، رحمة الله عليه ، لقد مات شهيدا وأبقى ذكرا مجيدا :

فتى مات بين الطّعن والضّرب ميتة

تقوم مقام النّصر إن فاته النّصر (٣)

وقد كان فوت الموت سهلا فردّه

إليه الحفاظ المرّ والخلق الوعر (٤)

ونفس تعاف العار حتّى كأنّما

هو الكفر يوم الرّوع أو دونه الكفر

وكان كلّ ذلك ـ حسبما يقال ـ بخيانة من بعض آل باصليب أنفسهم ، ثمّ لم يكن من الحكومة إلّا إهانتهم ، وأخذ أسلحتهم.

__________________

(١) رضا السيف ؛ كناية عن كونه يعمل حتى يكلّ.

(٢) أشبل عليه : عطف.

(٣) الأبيات من الطّويل ، وهي لأبي تمام في «ديوانه» (٢ / ٣٠٣).

(٤) الحفاظ المر : الدفاع الشديد. الخلق الوعر : النزق والشدة عند المنازعة.


وبإثر هذه الحادثة تراخى أمر ذلك الحلف ؛ إذ تقنّعت الأحلاف ، ولم يلبّ صوت المقدّم سعيد باصليب إلّا المشاجرة ، جاؤوا من يبعث ونواحيها في نحو سبع مئة رام ، يتقدّمهم باشقير ، ولكن بعد ما سبق السّيف العذل ، وفرغوا من سعيد باصليب .. فعادوا أدارجهم.

وكان عند آل العموديّ بعض مأجوري الحكومة يشاغلونهم بالكلام ، حتّى قضي الأمر ، وما أظنّه إلّا يتساوى النّاس ، ويصحّ القياس.

وقال الطّيّب بامخرمة في التّعريف بالشّحر : (سمّيت الشّحر بهذا الاسم لأنّ سكّانها كانوا جيلا من المهرة يسمّون : الشّحرات ـ بالفتح وسكون الحاء المهملة وفتح الرّاء ، ثمّ ألف ، فحذفوا الألف وكسروا الشّين ، ومنهم من لم يكسرها ، والكسر أكثر ـ وتسمّى : الأشحار أيضا ؛ كالجمع. وتسمّى : الأشغاء ؛ لأنّه كان بها واد يسمّى الأشغا (١) ، كان كثير الشّجر ، وكان فيه آبار ونخيل ، وكانت البلاد حوله من الجانب الشّرقيّ ، والمقبرة القديمة في جانبه الغربيّ.

وتسمّى أيضا : سمعون ؛ لأنّ بها واد يسمّى بذلك ، والمدينة حوله من الشّرق والغرب ، وشرب أهلها من آبار في سمعون. وتسمّى : الأحقاف أيضا.

وقد ذكر هذه الأسماء النّقيب أبو حنيفة ، واسمه أحمد ، كان من أولاد أحد تجّار عدن ، ثمّ صار نقيبا لفقراء زاوية الشّيخ جوهر (٢) ، ثمّ عزم إلى الشّحر ، وامتدح

__________________

(١) انتقد هذه التسمية صاحب «الشامل» وأكد أنّ صوابها : الأسعاء ، بالسّين المهملة ، والعين المهملة ، وأنّ الشّين إنّما هي تصحيف. ومن أسماء الشّحر المعروفة أيضا : (سعاد).

(٢) الشّيخ جوهر العدني (٠٠٠ ـ ٦٢٦ ه‍) : هو الشّيخ الكبير الصّوفيّ الصّالح ، المشهور بعدن ، يقال : إنّه من أهل الجند ، كان عبدا عتيقا أمينا ، وكان يتّجر في سوق عدن في البزّ ، لقي الشّيخ باحمران ، وكراماته كثيرة ، وقبره معروف بعدن.

وممّا ينسب له من الشّعر هذه الأبيات :

إذا سعدوا أحبابنا وشقينا

صبرنا على حكم القضا ورضينا

وإن جيّش الأحباب جيشا من الجفا

بنينا من الصّبر الجميل حصونا

وإن بعثوا خيل الصّدود مغيرة

بعثنا لهم خيل الوصال كمينا


سلطانها عبد الرّحمن بن راشد بأشعار كثيرة ، معظمها على البال بال ، وهو الّذي يسمّيه أهل حضرموت الدان دان.

وخرج من الشّحر جماعة من العلماء الفضلاء ؛ كآل أبي شكيل (١) ، وآل السّبتيّ ، وآل بن حاتم ، وغيرهم. وإليها ينسب خلق كثير ؛ منهم : محمّد بن معاذ الشّحريّ ، سمع من أبي عبد الله الفزاريّ (٢). والجمال محمّد بن عمر بن الأصفر الشّحريّ ، سمع منه القواضي بماردين سنة «٦٨٠ ه‍».

__________________

وإن شهّروا أسيافهم لقتالنا

أتيناهم بالذّلّ مدّرعينا

أحبّاءنا جوروا وإن شئتم اعدلوا

صبرنا على حكم القضا ورضينا

«تاريخ عدن» (٧١ ـ ٧٣).

(١) لم يذكر المصنّف هنا أحدا من علماء آل باشكيل ، وحقّهم أن يذكروا ؛ فمن أجلّهم :

العلّامة القاضي محمّد بن سعد بن محمّد بن عليّ بن سالم باشكيل الأنصاريّ الخزرجيّ ، ولد سنة (٦٦٤ ه‍) ، وتولّى قضاء زبيد ، ثمّ درّس بعدن ، وانفصل سنة (٧٢٠ ه‍) ، وأقام بالشّحر ثلاث سنين ، كان فقيها كبيرا ، له شرح على «الوسيط» للغزاليّ ، في عداد المفقودات ، وفتاوى ، ونبذة في الأنساب ، توفّي أواسط القرن الثامن.

محمّد بن مسعود بن سعد بن أحمد بن سعد باشكيل ، ولد بغيل باوزير سنة (٨٠٤ ه‍) ، ومناقبه كثيرة ، له شرح على «المنهاج» للنووي ، جمع فيه بين شروح الإسنوي والسّبكيّ والأذرعي وابن النّحوي.

وهو جدّ القاضي المؤرّخ محمّد الطّيب بامخرمة ، لأمّه ، توفي سنة (٨٧١ ه‍).

(٢) صوابه : الفراويّ ، بفاء وراء ، نسبة إلى فراوة بالفتح ، بليدة من أعمال نسا ، تقع بينها وبين دهستان وخوارزم ، خرج منها جماعة من أهل العلم ، ويقال لها : رباط فراوة ، بناها عبد الله بن طاهر في خلافة المأمون. وأبو عبد الله المذكور هنا هو : الإمام محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد الفراوي ، المولود سنة (٤٤١ ه‍) ، والمتوفى سنة (٥٣٠ ه‍). كان يعرف بفقيه الحرم ، من أئمة الشافعية.

من شيوخه : الحافظ أبو عثمان بن الصابوني ، وأبو إسحاق الشيرازي ، والحافظ الإمام البيهقي ، وابن القاسم الصفار ، وأبو المعالي الجويني ، وغيرهم. قال ياقوت : روى عنه شيخنا المؤيد بن محمد بن علي الطوسي ، وأبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن سكينة بالإجازة ، وله مجالس في الوعظ والتذكير مجموعة. اه وأرخ وفاته في (٥٠٣ ه‍). «الأعلام» (٦ / ٣٣٠) ، «معجم البلدان» (٤ / ٢٤٥) ، «شذرات الذهب» (٤ / ٩٦) ، «بروكلمان» (١ / ٤٣٦). خرّج له ابن معاذ الشحري «أربعين حديثا عن أربعين شيخا» ، قاله السمعاني.


ومن شحر عمان : عمرو بن أبي عمر الشّحري ، أنشد له الثّعالبيّ شعرا في «اليتيمة» اه (١)

وقد أطلت القول على الأشحار ب «الأصل» ، ومتى عرفنا أنّه من أسماء الشّحر .. انحلّ المشكل عليّ فيه ، فهذا ممّا يستدرك على ما هناك.

وطالما استشكلت قولهم : (إنّ المظفّر هو الّذي جعل الشّحر مدينة) ، مع عاديّ عمرانها ، وتقادم أخبارها ، والمفهوم : أنّها كانت مدينة عامرة ثمّ اندثرت حتّى عمّرها المظفّر ، فهذا الجمع متعيّن.

ومرّ أوائل هذه المسوّدة عن ياقوت ذكر محمّد بن خويّ بن معاذ (٢) ، ولكنّ الطّيّب بامخرمة نسبه إلى جدّه ولم يذكر أباه.

وقال الطّيّب أيضا في مادة (ذبحان) (٣) : (إنّ الشّيخ محمّد بن سعيد بن أحمد الذّبحانيّ (٤) تفقّه حتّى ترشّح للفتوى ، ثمّ سلك طريق التّصوّف ، واجتهد في الخلوة

__________________

(١) بعد الرجوع إلى «اليتيمة» ومع شدة البحث تبين أن الذي ذكره الثعالبي هو : أبو الحسن عمر بن أبي عمر السّجزي النوقاني ، من أهل خراسان ، فلعل كلمة السّجزي اشتبهت على بامخرمة فظنها الشحري. والله أعلم.

(٢) محمد بن خوي بن معاذ ، كذا في نسخ «النسبة» ، وفي المطبوع من «تكملة الإكمال» (٣ / ٣١٧) وسمّاه : محمد بن خرفي ، وفي «الأنساب» (٣ / ٤٢٨) سمّاه : محمد بن حرمي ، بحاء وراء وميم مهملات. قال السمعاني (٥٨١٩) : محمد بن حرمي بن معاذ الشحري اليماني ، من أهل الشحر ، ورد العراق وسمع بها وبخراسان. سمع بنيسابور أبا عبد الله محمد بن الفضل الساعدي ، وبمرو أبا الحسن علي بن محمد بن عبد الله الدهان ، وجماعة سواهما. وما رأيته ، ورأيت اسمه على أجزاء الحديث ، وخرّج لشيخنا الفراوي «الأربعين حديثا عن أربعين شيخا» اه والساعدي والفراوي هما شخص واحد ، تقدمت ترجمته. وزاد صاحب «تكملة الإكمال» : وله شعر. اه وفي هذه النصوص زيادات مفيدة جدا ، كما صرح السمعاني بأنه من أهل شحر عمان وهو صريح في أنه ليس من هذه المدينة التي الحديث ههنا عنها ، لما تقدم نقله عن «الشامل». انظر «معجم البلدان» (٣ / ٣٢٨).

(٣) ذبحان : عزلة فيها عدد من القرى ، أكبرها التّربة ، وهي اليوم مركز ناحية الحجريّة المعافر من أعمال تعز ، وكان مركزها من قبل جبا. «هجر العلم» (٦٨٨).

(٤) أصلهم من ذبحان ، هاجروا إلى عدن ولعلّ الّذي قدم عدن هو والده الفقيه سعيد بن أحمد ، المتوفّى بعدن في (٢٠) رجب (٨٨٨ ه‍) ، تفقّه على القاضي إسماعيل بن المقري مصنف «الإرشاد» ،


والعبادة ، ودخل الأربعينيّة مرارا ، وسار إلى الشّحر وإلى دوعن وحضرموت ، وزار الصّالحين بها ، ثمّ رجع إلى عدن واستوطنها ، وله مصنّفات في الحقيقة ، تدلّ على فضله واتّساع علمه ، وكان يحضر السّماع ويتواجد ، توفّي لسبع خلت من ربيع الآخر سنة «٨٨٥ ه‍» بعدن ، قبيل أبيه بقليل ، وللغواة فيه اعتقاد ، خصوصا يافع والهنود. وربّما تخلّف عن الجمعة ، والظّاهر من حاله أنّه لا يتخلّف عنها إلا لعذر شرعيّ ، وله أشعار جيّدة ، وقد أفتى وهو ابن اثنتي عشرة سنة) اه (١)

ولا يحصى كثرة من أنجبته الشّحر من رجالات الفضل والعلم ، وقد ألّفت لذلك الكتب ؛ ككتاب : «نشر المحاسن المسكيّة في أخبار فضلاء الشّحر المحميّة» (٢) للسّيّد باحسن (٣).

وفي «الأصل» : (أنّ والد الشّيخ عبد الله القديم عبّاد ـ وهو الشّيخ محمّد بن عبد الرّحمن مولى السّاس سار إلى الشّحر ، ودفن بمقبرة الخور عند الشّيخ أبي فادة (٤) ، وكان ذلك أوائل القرن السّابع) اه (٥)

__________________

وعلى القاضي محمّد ابن كبّن العدني. وفي «الهجر» أن وفاته (٨٧٧ ه‍) ، وهو وهم ، فليصحح.

(١) الشاهد في هذا النقل : ذكر الشحر فيه ، ودخول العلامة الذبحاني إليها ، تدليلا على وجود علماء بها آنذاك.

(٢) الصّواب أنّ اسمه «نشر النّفحات المسكيّة في أخبار الشّحر المحميّة» ، كما ورد في مقدّمته من النسخة التي بخطّ مؤلّفه ، وكما ورد في ترجمته في «تاريخ الشعراء» (٥ / ٦٣). احتوى هذا الكتاب على تراجم جملة من صالحي الشّحر وعلمائها ، وعرض أيضا إلى أخبارها السّياسيّة وذكر حكّامها وحوادثها ، وهو كتاب نفيس ، يستحقّ النّشر ؛ لاحتوائه على تراجم كثير من المتأخّرين ممّن عاصرهم المؤلّف ، ولعلّ البعض لم يترجم لهم في سواه ، يقع في جزأين.

(٣) هو السّيّد الأديب الأريب عبد الله بن محمّد بن عبد الله باحسن جمل اللّيل ، باعلويّ الحسينيّ. ولد بالشّحر سنة (١٢٧٨ ه‍) وبها توفّي سنة (١٣٤٧ ه‍) ، طلب العلم بسيئون عند الحبيب عليّ بن محمّد الحبشيّ ، وأخذ عن عدد من العلماء كالشّيخ ناصر بن صالح ابن الشّيخ عليّ ، والشّيخ محمّد بن سالم باطويح ، والسّيّد علويّ المشهور ، والسّيّد عبد الله بن محسن السّقّاف ، وأجلّ شيوخه السّيّد عبد الله بن سالم عيديد. آثاره : له التّاريخ المذكور ، ونظم «السّفينة» ، ورسالة سمّاها «عقد الاتّفاق على افتتاح مدرسة مكارم الأخلاق». ينظر «تاريخ الشّعراء» (٥ / ٦٣ ـ ٧١).

(٤) كذا بالأصل ، وعند شنبل : أبي حارة.

(٥) تفرّد المؤرّخ شنبل بإيراد خبر وفاة الشّيخ باعباد في الشّحر ، وذلك سنة (٦٢٢ ه‍) ، ونصّ الخبر


وفي سنة (٧٦٠ ه‍) توفّي بها القاضي أبو شكيل.

وفي سنة (٨٠٥ ه‍) توفّي بها الشّيخ فضل بن عبد الله بن فضل بن محمّد بافضل (١) ، وهو من أقران الشّيخ السّقّاف ، طلب العلم هو وإياه بشبام عند الشّيخ محمّد بن أبي بكر عبّاد.

قال الطّيّب بامخرمة : (إنّ الشّيخ جمال الدّين محمّد بن سعد بن عليّ بن محمّد كبّن الطّبريّ جامع لأشتات العلوم ، كان يعاني التّجارة ، حتّى قال له الشّيخ فضل ـ المذكور ـ ما معناه : ارجع يا قاضي عدن ، فوقع ذلك في قلبه ، واشتغل بالعلم ، وقرأ بالشحر على الشّيخ عبد الله بن عليّ بن أبي حاتم «التنبيه» جميعه ، ومن أوّل «المهذّب» إلى (المساقاة) ، توفّي سنة «٨٤٢ ه‍» بعدن ، وقد نيّف على السّبعين) اه بمعناه من «عقود الّلآل» لسيدي الأستاذ الأبرّ.

وفي سنة (٩٠٧ ه‍) (٢) توفّي بها العلّامة محمّد بن عبد الله بلحاج بافضل (٣). وفي تلك السّنة توفّي بها أيضا العلّامة الجليل عبد الله بن محمّد بن حسن بن محمّد بن

__________________

فيه : (وفي سنة (٦٢٢ ه‍) توفّي الرّجل الصّالح محمّد بن عبد الرّحمن ، أبو الشّيخ عبد الله أبا عبّاد ، ودفن بمقبرة الشّحر الغربيّة القديمة ، المعروفة الآن بتربة أبي حارة) اه «شنبل» (٨٢). أمّا

(١) ابنه الشّيخ عبد الله .. فسيأتي ذكره في شبام. الشيخ فضل بن عبد الله .. أحد الأئمة الأكابر ، من أعيان عصره ، ولد بتريم سنة (٧٣٠ ه‍) ، تربى بأبيه ، وسلك على يد الشيخ عبد الله باعلوي ، والإمام محمد بن أبي بكر باعبّاد الشبامي.

ومما ينسب له من الشعر الصوفي ، قوله :

سلبت ليلى

منّي العقلا

آه يا ليلى

ارحمي القتلى

إنني هائم

ولها خادم

أيها اللائم

خلني مهلا

إلى آخرها .. ترجمته في «صلة الأهل» (١٠٣ ـ ١٢١).

(٢) في المطبوع من «تاريخ شنبل» (٩٠٨).

(٣) هو ابن الشّيخ عبد الله الآتي ذكره ، صاحب المختصرات قرأ على والده وعلى الشيخ أبي بكر العيدروس العدني


أحمد بن عبسين (١) ، وهو الّذي كان السّبب في مجيء الفقيه عبد الله بلحاج إلى الشّحر.

وكان ابن عبسين حسن الخطّ ، كتب نحو خمسين مصحفا بيده (٢) ، ترجمه الطّيّب بافقيه ترجمة جميلة ، وقال : إنّ وفاته في سنة (٩٧٠ ه‍) لا في سنة (٩٠٨) ، وكان من قضاة العدل.

وبالشّحر توفّي الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن بن أبي بكر بافضل (٣) ، صاحب «المختصر اللّطيف» ، الّذي شرحه الرّمليّ (٤) ، و «المختصر الكبير» الّذي شرحه ابن حجر (٥). وكانت وفاته بها سنة (٩١٨ ه‍).

وفي مناقب الشّيخ عبد الله العيدروس بن أبي بكر السّكران بن عبد الرّحمن السّقّاف أنّه : كان يحثّ على «مختصر بافضل» ، فذهب وهمي أوّلا إلى أنّه الكبير من

__________________

(١) هو الفقيه الصالح الزاهد القاضي عبد الله بن محمد بن حسن بن عبسين الشافعي الشحري ، نشأ في طلب العلم والطاعة والعبادة ، وتصدر للفتوى والتدريس في الشحر ، وتخرج به الطلاب ، وكان عالما محققا مدققا ، ساعيا في قضاء حوائج الناس. له قضية مع السلطان عبد الله بن جعفر الكثيري صاحب الشحر ، وذلك : أن السلطان المذكور اشترى حصانا من بعض الناس ثم بعد ذلك أراد ردّه وادعى فيه عيبا ، وامتنع من تسليم الثمن للبائع ، فاشتكى عليه إلى القاضي المذكور ، فكتب إليه : أن احضر إلى الشرع الشريف ، ولم يراع السلطان ولا تساهل لأجله ولا حاباه بكلمة واحدة. ولله دره!! ولقد أبقى فخرا ، وغنم أجرا ، وامتطى ذروة السماك ، ورقى فوق أوج الأفلاك. عن «النور السافر» (٧٨ ـ ٧٩). وكانت وفاته في ٤ ربيع الثاني من سنة (٩٠٧ ه‍).

(٢) قال بافقيه : (وأهل الجهة مثل الشّحر وحضرموت يضربون بخطّه المثل).

(٣) هو الشيخ الإمام الصالح ، الولي الكبير ، العارف بالله عبد الله بن عبد الرحمن (ت ٨٦٦ ه‍) ابن أبي بكر (ت ٨٠٤ ه‍) ابن محمد الحاج بن بافضل المذحجي السعدي التريمي. مولده بتريم سنة (٨٥٠ ه‍) ، ورحل لأداء النسكين وأخذ عن القاضي برهان الدين ابن ظهيرة القرشي ، وأبي الفرج المراغي بالمدينة ، وإبراهيم باهرمز بشبام ، وباجرفيل وبامخرمة (الجد) ، وبافضل العدني ، كلهم بعدن ، وعمر بن عبد الرحمن صاحب الحمراء ، وأخذ عنه جمهرة.

ترجمته في : «النور السافر» ، «تاريخ بافقيه» ، «شذرات الذهب» (١٠ / ١٢٥) ، «صلة الأهل» (١٤٢ ـ ١٦٧) ، «السنا الباهر» ، «تاريخ باحسن» ، «الأعلام» (٤ / ٩٦ ـ ٩٧).

(٤) واسم شرح الرملي : «الفوائد المرضيّة على المختصر اللطيف في فقه الشافعية» ، مطبوع.

(٥) واشتهر باسم «المقدمة الحضرمية» واسم شرحه «المنهج القويم بشرح مسائل التعليم» ، وعليه عدة حواش وتعليقات. منها : حاشية نفيسة للإمام عبد الله بن سليمان الجرهزي ، صدرت مؤخرا عن دار المنهاج بجدة ، في مجلدين فاخرين


هذين ، وأكثرت من التّعجّب ؛ إذ لم يكن الشّيخ عبد الله بافضل (١) يوم توفّي الشّيخ العيدروس إلّا وهو في أوان البلوغ (٢) ، فكنت أستخرج به الاعتبار من الإخوان (٣) ، ولكن تبيّن لي بعد ذلك أنّ المراد إنّما هو مختصر للعلّامة الفقيه عبد الله بن فضل بن محمّد الحاج (٤) ، المتوفّى حوالي سنة (٨٣٤ ه‍).

وبالشّحر استشهد الشّيخ أحمد بن عبد الله بن عبد الرّحمن بلحاجّ (٥) ، ابن السّابق ، وكان ذلك في سنة (٩٢٩ ه‍) (٦).

وتولّى القضاء بالشّحر جماعات من أهل الفضل ، منهم : الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن باكثير ، المتوفّى في حدود سنة (٩٢٠ ه‍) (٧).

__________________

(١) ومن مؤلفاته : المختصرات ، الكبير : ويسمى «المقدمة الحضرمية» أو «مسائل التعليم» ، والصغير : ويسمى «المختصر الصغير».

وله أيضا : «منسك الحج» ، و «نزهة الخاطر في أذكار المسافر» ، و «حلية البررة في أذكار الحج والعمرة» ، و «الحجج القواطع في معرفة الواصل والقاطع» في صلة الرحم ، ومؤلف في معرفة القبلة ، ومجموع فتاوى.

(٢) إذ وفاة العيدروس كانت سنة (٨٦٥ ه‍).

(٣) أي : بنباهة الشّيخ بافضل وتأليفه المختصر ، وهو في سنّ صغير.

(٤) ولد العلامة عبد الله بن فضل بتريم ، وتفقه على عمه الشيخ أبي بكر بن محمد الحاج ، وصحب الشيخ عبد الرحمن السقاف ، وأصهر الشيخ السقاف عنده على ابنته وأولدها ابنه إبراهيم بن السقاف ، كما أخذ عن الشيخ سعد بامدحج ، والفقيه محمد بن حكم باقشير.

سمعه بعض تلامذته وهو في مرض موته يقول : إن سلمت من هذا المرض .. درت على الناس في ديارهم لأعلمهم ؛ لما رأى من غفلتهم وإعراضهم عن العلم.

وهو جدّ العلامة محمد بن أحمد بافضل العدني ، المتوفى سنة (٩٠٣ ه‍) ، ترجمته في «صلة الأهل» (١٢٦ ـ ١٢٩). «شنبل» (١٧٣).

(٥) أحمد الشّهيد ابن الفقيه عبد الله بلحاج بافضل (٨٧٧ ـ ٩٢٩ ه‍) ، ولد بتريم ، أخذ عن أبيه والفقيه محمّد بن أحمد بافضل العدني ، ويونس بن يونس المصريّ ، والمزجّد ، له تعليقات على «الإرشاد» و «الروض» ، وله الخطب الّتي تقرأ في رمضان.

(٦) كان استشهاده على أيدي البرتغال لمّا غزوا الشّحر ، يوم الجمعة (١١) ربيع الثّاني سنة (٩٢٩ ه‍).

«النور السافر» سنة (٩٢٩ ه‍) «السناء الباهر» ، «شذرات الذهب» (١٠ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦) ، «الأعلام» (١ / ١٦٠) وذكره بافقيه عرضا في حوادث تلك السّنة.

(٧) ترجمته في «البنان المشير» (١٩) ، وفيه : أنّه كان ذا حال كبير ، له مجاهدات عظيمة ، كان أكله


ومنهم : الشّيخ محمّد بن عمر بن امبارك بن عبد الله بن عليّ بحرق ، الحميريّ ، الحضرميّ (١) ، صاحب المؤلّفات الكثيرة ، توفّي سنة (٩٣٠ ه‍) ، وكان أن اختلف هو وابن عبسين في مسألة .. استطار فيها النّزاع ، واشتهرت بين النّاس ، فجاء ابن عبسين ومعه كتاب «الرّوضة» للنّوويّ ، فأوقف بحرقا على النّصّ ، فلم يكن منه إلّا أن صعد المنبر وخطب وقال : إنّ المسألة الّتي اختلفت فيها أنا وابن عبسين كان الحقّ فيها معه ، فسجّل لنفسه بذلك ثناء عاطرا ، واستخرج من النّاس له ترحّما وافرا ، فرحمة الله على أهل الإنصاف (٢).

ومن أجلّاء علماء الشّحر وقضاتها : الشّيخ عبد الله بن عمر بن عبد الله بامخرمة (٣)

__________________

في الأسبوع لا يزيد على قرص من الطّعام ، ولا يأكل السّمك في السّنة إلّا خمس مرّات ، ومن كلامه : المريد يخاف أن يقع في المعاصي ، والعارف يخاف أن يقع في الكفر.

(١) الشّيخ الإمام الفقيه الكبير ، مولده في شعبان سنة (٨٦٩ ه‍) بالشّحر ، ووفاته بالهند ، من أشهر علماء عصره ، كان إماما متفنّنا ، له تصانيف كثيرة طبع بعضها منها : «حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار صلى الله عليه وسلم» وهو من إصدارات دار المنهاج ، و «الحديقة الأنيقة شرح العروة الوثيقة» ، و «الأسرار النبوية مختصر الأذكار النووية» ، و «حلية البنات والبنين وزينة الدنيا والدين» ، و «السيف المسلول» ، و «مواهب القدوس في مناقب العيدروس» أي : شيخه ، و «شرح لامية ابن مالك» ، و «مختصر شرح لامية العجم». مصادر ترجمته : «النّور السّافر» ، «السّناء الباهر» ، «الضّوء اللّامع» (٨ / ٢٥٣) ، «شذرات الذهب» (١٠ / ٢٤٤) ، «الأعلام» (٦ / ٣١٥).

(٢) قال العيدروس : (ولا يخفى ما في هذه الحكاية من المنقبة العظيمة له ، الّتي تشهد بغزارة علمه ، وكثرة اطّلاعه ، وفيها ما يدلّ على تواضع الفقيه بحرق وإنصافه من نفسه ، واعترافه بالحقّ ورجوعه إليه ، وهذا عزيز إلّا على من وفّقه الله تعالى ، وعصمه من الهوى ، ورزقه الإخلاص في العلم ، ولله درّهما ، وهكذا فلتكن العزائم ، وهذه والله هي المناقب ، ولمثلها فليعمل العاملون ، وفيها فليتنافس المتنافسون) اه «النّور السّافر» (٧٩).

(٣) الإمام الجليل المفتي القاضي الحبر البحر ، مولده بالشّحر في (١٠) جمادى الثّانية سنة (٩٠٧ ه‍) ، ووفاته بعدن في (١٠) رجب سنة (٩٧٢ ه‍). كان أفقه فقهاء عصره ، ونادرة دهره ، تفقه بوالده الولي الشيخ عمر ، وبعمه الشيخ المؤرخ الطيب ، والقاضي العلامة عبد الله باسرومي تلميذ الإمام عبد الله بلحاج بافضل ، وجد واجتهد حتى انتهت إليه رئاسة العلم والفتوى في اليمن ، وقصد بالفتاوي ، حتى قال عمه الطيب : (لا أستطيع ما استطاع عليه ابن أخي في حل المشكلات ، وتحرير الجوابات على المسائل العويصات الغامضات). من أجل تلامذته : الفقيه محمد بن عبد القادر


وقد استوفينا ترجمته وأخباره مع بدر بوطويرق بالشّحر في «الأصل» [١ / ٣٩٩].

ومن أهل الشّحر : الشّيخ عبد الله بن أحمد بافلاح (١) ، نشأ بها ، ثمّ أبحر إلى الهند ، ولبث زمانا في خدمة السّيّد الجليل شيخ بن عبد الله العيدروس (٢) ، ثمّ صحب بعده ولده العلّامة السّيّد عبد القادر بن شيخ العيدروس (٣) ، وذكره في مواضع كثيرة من «النّور السّافر» (٤).

ومن كبار أهل الفضل بالشّحر : تاج العارفين الشّيخ سعد بن عليّ الظفاريّ ، نجع إليها من ظفار واستوطنها ، ونسبه يرجع إلى الجحافل وهم من مذحج ، بنو جحفل بن الحارث بن حرب ، من بني علّه من مذحج كما في «روضة الألباب» للشّريف محمّد أبي علامة ، ولا يزال بالدثينة مثرى علّه إلى اليوم. وتوفّي بها في سنة (٦٠٩ ه‍) (٥).

__________________

الحباني الإسرائيلي المتقدم ذكره في حبّان ، والفقيه الشيخ محمد بن عبد الرحيم باجابر ، المتقدم ذكره في بروم وله مؤلفات نافعة. ترجمته في المصادر التّالية : «النّور السّافر» ، و «السّناء الباهر» حوادث سنة (٩٧٢ ه‍) ، وكذا «تاريخ الشّحر» لبافقيه ، «تاريخ الشّعراء الحضرميّين» (١ / ١٥٧) ، «شذرات الذهب» (١٠ / ٥٣٦) ، «الأعلام» (٤ / ١١٠) ، «معجم المؤلفين» (٦ / ٩٥) ، و «مصادر الفكر الإسلاميّ في اليمن» : (٥٤٠ ، ٢٣٦).

(١) عبد الله بن أحمد بافلاح الشّحريّ (٩٥٥ ـ ١٠٢٠ ه‍) ، فقيه عالم متصوّف ، ولد بالشّحر سنة (٩٥٥ ه‍) ، وتوفّي بأحمدآباد بالهند سنة (١٠٢٠ ه‍). «تاريخ الشّعراء الحضرميين» (١ / ١٨٥ ـ ١٨٨).

(٢) هو السّيّد شيخ الأوسط ابن عبد الله بن شيخ الأكبر ابن الإمام عبد الله العيدروس (٩١٩ ـ ٩٩٠ ه‍) ، ولد بتريم ، وتوفّي بأحمدآباد ، ترجمته في : «المشرع الرّويّ» ، «النّور السّافر» ، «شرح العينيّة» ، «مرآة الشّموس».

(٣) مصنّف «النّور السّافر» (٩٧٨ ـ ١٠٣٨ ه‍) .. ولد بالهند ، وتوفّي بها بأحمدآباد ، ترجم لنفسه في «النّور السّافر» ، وترجم له في «عقد الجواهر والدرر» ، و «خلاصة الأثر».

(٤) منها : في حوادث سنة (٩٧٠ ه‍) ، وحوادث سنة (٩٧٩ ه‍) ، وسنة (٩٩٠ ه‍) ، وسنة (٩٩٨ ه‍) ، وأورد له في «الشعراء» نماذج متعددة من شعره الحسابي ؛ إذ قد برع في التاريخ بحساب الجمّل.

(٥) الشّيخ سعد الدّين الظّفاريّ الشّحريّ (... ـ ٦٠٧ ه‍) ، من كبار الصّالحين والعارفين بالله ، مولده ونشأته في (ظفار) ، وبها أخذ العلم عن السّيّد الجليل الإمام محمّد بن عليّ صاحب مرباط ، المتوفّى بها سنة (٥٥٦ ه‍) ، ومن هنا نعلم أنّ مولد صاحب التّرجمة كان قبل سنة (٥٤٠ ه‍) يقينا. ومن شيوخه : العلّامة العارف عبد الله الأسدي ، الآخذ عن ابن الحدّاد ، الآخذ عن الشّيخ الكبير الإمام


وله ذرّيّة ومنصب بالشّحر ، يقوم به الآن الشّيخ سعد بن سعيد الظفاريّ (١) ، رجل خفيف الرّوح ، له نوادر أشهى إلى النّفوس من نوادر أبي دلامة ، ولذلك أحبّه السّيّد حسين بن حامد المحضار.

ومن نوادره : أنّه شكا إلى بعض أهل الثّروة موت حماره ، وطلب منه أن يساعده لشراء البدل عنه ، وما كاد يتلّه (٢) في يده إلّا وضجة من رعاع النّاس ، فقالوا : ماذا؟ قيل : حمار الشّيخ سعد هرب إلى خارج المدينة! فتبعوه وردّوه ، وها هم أولاء يزفّون به ، فقال له الثّريّ : ماذا ترى؟ قال : لو أحياه الله وردّه قبل أن أقبض الدّراهم .. لكانت لك السّعة في استرجاعها ، وأمّا الآن .. فلا.

وله ردّ على «نحلة الوطن» للسّيّد حسن بن علويّ بن شهاب ، أعانه عليه ـ فيما يقال ـ شيخه العلّامة الجليل السّيّد علويّ بن عبد الرّحمن المشهور ، ولذلك خبر طويل مستوفى ب «الأصل».

وبالشّحر جماعة من العلويّين ، منهم : آل باحسن (٣) ، أحدهم السّيّد علويّ بن عبد الله بن محمّد باحسن (٤) ، كان من المتفنّنين في العلم ، شغوفا بتحصيل الكتب ومطالعتها ، ولا سيّما كتب الجلال السّيوطيّ.

__________________

عبد القادر الجيلاني ، نفع الله بهم ، توفّي الأسديّ سنة (٦٠٢ ه‍) بقرية الحويّة.

من أشهر تلامذته : الفقيه محمّد بن عليّ باطحن الظّفاريّ كتب ترجمة لشيخه سعد الدّين ، وأورد فيها بعض مكاتبات جرت بينه وبين الإمام الفقيه المقدّم ، وللعلّامة باطحن المذكور شرح على هذه الرّسائل. وتاريخ وفاته كما نقله باحسن عن باطحن (٦٠٧ ه‍) ، وليس (٦٠٩ ه‍) كما ذكر المصنّف ، ينظر : «تاريخ الشّحر» لباحسن (٢ / ١٣٨ ـ ١٤٢) (خ).

(١) الشّيخ سعد بن سعيد ، من أهل الشّحر المشهورين بالظّرافة ، توفّي حدود سنة (١٣٩٠ ه‍) ، وقد عمّر ، ولا زال أهل الشّحر يروون نوادره إلى اليوم.

(٢) يتلّه : يضعه.

(٣) آل باحسن جمل اللّيل أهل الشّحر ينسبون إلى السّيّد : عبد الله بن محمّد المجذوب ابن سالم بن أحمد بن عبد الرّحمن بن عليّ ابن الشّيخ محمّد باحسن جمل اللّيل بن حسن .. إلى آخر النّسب.

ومنهم السّادة آل باهارون ، أهل الحامي ، ونسبهم إلى السّيّد محمّد بن هارون بن الفقيه علويّ بن عبد الله .. إلخ.

(٤) سرد الإمام أحمد بن زين الحبشيّ بعضا من سيرته ومناقبه في «شرح العينية» ، وهو السّيّد الجليل :


دخل الهند في مقتبل شبابه ، وأقام بها مدّة حصّل فيها علم الحديث (١) ، ثمّ خرج إلى حضرموت وأقام ببور ، وكان يتردّد إلى تريم ، ويجتمع بالشّيخ عبد الرّحيم بن محمّد باكثير (٢) على مطالعة الكتب الفقهيّة ، ثمّ حجّ وزار ، وأخذ عمّن بالحرمين من العلماء ، وعاد إلى حضرموت ، فطلب منه السّلطان عليّ بن بدر أن يتولّى القضاء بالشّحر ، فأقام بها على القضاء والتّدريس بالجامع إلى أن مات. وكانت إليه الإمامة والخطابة أيضا.

__________________

علويّ بن عبد الله بن محمّد ـ صاحب بور ـ ابن عبد الله بن محمّد بن سالم .. إلخ النسب المتقدم ، توفّي جدّه محمّد صاحب بور بالهند ببلدة بيجافور ، سنة (١٠٤٨ ه‍) ، وأمّا هو .. فقد توفّي قبل سنة (١١٢٤ ه‍). «شرح العينية» (٢٧٧).

(١) قال الحبيب أحمد بن زين : (وطلب الحديث ، وطالع كتبه ، ولعلّه أدرك هناك أحدا من الحفّاظ المتقنين في هذا الشأن) اه

وكان بدء انتشار علم الحديث في الهند في القرن العاشر الهجريّ ، ومن أوائل من قدم الهند ونشره بها : الشّيخ الإمام العلّامة عبد المعطي بن حسن باكثير المكيّ ، المتوفيّ بأحمدآباد سنة (٩٨٩ ه‍) ، ودخلها آنذاك عدد من علماء مكّة أيضا ؛ منهم : الشّيخ محمّد بن أحمد بن عليّ الفاكهيّ ، المتوفى سنة (٩٩٢ ه‍) وغيرهما .. وظهر صاحب «مجمع البحار» العلّامة محمد طاهر الفتني ، المتوفّى سنة (٩٨٦ ه‍) ، وكان طلبه العلم في الحرمين الشريفين.

وأمّا النّهضة الحديثيّة الكبرى .. فكانت إفاضتها على بلاد الهند بعد مقدم الشّيخ الإمام عبد الحقّ الدّهلويّ ، المتوفّى بدهلي سنة (١٠٥٢ ه‍) ، وليس هو أوّل من جاء بالحديث إلى الهند كما يزعم البعض ، لكن نفع الله بعلومه كثيرا ، ثمّ قام بعده ولده نور الحقّ ، المتوفّى سنة (١٠٧٣ ه‍). وتصدّى لنشره أيضا الإمام أحمد السّهرندي أو السّرهندي ، وولده محمّد سعيد شارح «المشكاة» وأبناؤه وتلاميذه. وهؤلاء كلهم ظهروا في القرن الحادي عشر الهجريّ إبّان وجود الشّريف علويّ باحسن في الهند ، فلعلّه لقي أحدا منهم.

(٢) الفقيه العلّامة القاضي عبد الرّحيم بن محمّد بن عبد الله المعلّم ابن عمر بن قاضي باكثير ، أخذ العلم عن الشّيخ عامر بن أحمد بن طاهر الخولانيّ ، وعليّ بن حسين بامهير ، وبمكّة عن الشّيخ العلّامة عبد الله القدري باشعيب المكيّ ـ الآتية ترجمته في الواسطة ـ تولّى القضاء بتريم مدّة ، وجرت له حادثة شهيرة سنة (١٠٩٦ ه‍) في رؤية الهلال ، كان الصّواب فيها حليفه ، وانتصر على عصريّه الفقيه محمّد بن عبد الله باعليّ. قال فيه ولده الفقيه عليّ يفتخر به :

وحسبي به إذ يفخر ابن بوالد

وجدّي أبوه حبّ ذلكم الجدّ

«البنان المشير» (٧٦ ـ ٨٠) ، ولم يؤرّخ فيه لمولده ولا لوفاته.


وهو من تلاميذ القطب الحدّاد ، وخلفه على الخطابة والإمامة ولده عبد الرّحمن (١) ، وما زال أعقابه بالشّحر.

ومنهم : الفاضل السّيّد عبد الله بن محمّد باحسن (٢) ، مؤلّف «تاريخ الشّحر» المعروف ، وصاحب الأشعار الرّقيقة ، الّتي لا يزال يتغنّى بها أهل المكلّا والغيل والشّحر في مجالس أنسهم وأفراحهم ، ولا أدري هل جمعها ديوان أم لا توجد إلّا في صدور الأشخاص؟

وقد أعانه على الإجادة في شعره أنّه قلّما سمع قصيدة أعجبته إلّا عارضها ونسج على منوالها.

ومن فضلاء العلويّين بالشّحر : السّيّد أحمد بن ابن الشّيخ أبي بكر ابن سالم ، وكان أزهد أولاد الشّيخ أبي بكر توطّن الشّحر وتوفّي بها في سنة (١٠٢٠ ه‍) ، وله ابنان :

الأوّل : ناصر (٣) ، والد السّيّد أحمد (٤) شيخ القطب الحدّاد ، وقد عقدا بينهما

__________________

(١) هو عبد الرّحمن بن علويّ ، الملقّب جلال الدّين ، لقّبه به والده لفرط محبّته في الإمام جلال الدّين السّيوطي ، لم يؤرّخ لوفاته ، وذكر السّيّد ضياء شهاب أنّ له عقبا بالحامي.

(٢) السّيّد عبد الله باحسن ، قدّمنا عنه نبذة مختصرة ، وهو ليس من ذرّيّة السّيّد علويّ المترجم له ، ولكنّه يجتمع معه في السّيّد سالم بن أحمد بن عبد الرّحمن بن عليّ .. إلخ النسب المتقدم. واسم السّيّد عبد الله المذكور كاملا : عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن أبي بكر بن سالم بن عبد الله بن محمّد بن سالم بن أحمد .. إلخ.

(٣) ناصر الدّين بن أحمد ابن الشّيخ أبي بكر ، ولد بعينات ، وتوفّي بالشّحر سنة (١٠٥١ ه‍) ، كان سيّدا زاهدا ناسكا ، ترجم له في «المشرع».

(٤) أحمد بن ناصر بن أحمد ، كان سيدا فاضلا صالحا ، أميا ، سليم الصدر ، زاهدا في الدنيا ورياستها ، غائبا عن أحوال أهلها وما هم عليه ، لا يعرف الدينار من الدرهم ، وله كرامات كثيرة ، وللناس فيه اعتقاد. توفي في شهر ذي الحجة (١٠٨٣ ه‍) ، أخذ عنه الإمام الحداد ، وقال فيه : (لما اجتمعنا بالسيد أحمد بن ناصر بالشحر ، وجدناه فوق ما توهمناه ، يعني من الكمال ، وكان يغلب عليه الحال والذهول في أكثر أوقاته) ، وعده في شيوخه في «قصيدته العينية» ، وقال في حقّه :

وكصاحب الشحر ابن ناصر أحمد

من بالعناية والرعاية قد رعي

«بهجة الزمان» : (٣٤ ـ ٣٦) ، «شرح العينية» (٢٦٥ ـ ٢٦٦).


عقد الصّحبة ، وبحثت عن تاريخ وفاته في «شرح العينيّة» و «عقد» سيّدنا الأستاذ الأبرّ فلم أظفر به ، ولكن قال في «شمس الظّهيرة» : (إنّه توفّي سنة ١٠٨٣ ه‍) (١).

والثّاني : شيخ ، ومن أعقابه مناصب آل الشّيخ أبي بكر بالشّحر ، ومنهم الآن : الولد الفاضل ، عبد الله بن عبد الرحمن بن محمّد (٢) ، القائم بمدرسة الشّحر أحسن القيام.

ومن العلويّين بالشّحر : السّيّد عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس (٣) ، ترجم له في «المشرع» [٢ / ٣٨٥ ـ ٣٨٧] وأطال ، وذكر أنّه ألقى عصى التّرحال آخر أمره بالشّحر ، وبها كانت وفاته سنة (١٠٧٣ ه‍) ، وفي «شمس الظّهيرة» [٢ / ١٠٦] أنّها كانت في سنة (١٠٧٦ ه‍).

وهو جدّ آل محمّد بن جعفر برملة تريم ، وجدّ آل العيدروس بالشّحر (٤) ، ومنهم الآن :

المنصب الفاضل حسين بن عبد الله بن حسين العيدروس.

__________________

(١) «شمس الظّهيرة» (١ / ٢٧٦).

(٢) كان عالما فاضلا ، ولد بالشّحر سنة (١٣٠٩ ه‍) ، وبها توفّي في (٢٣) شوال (١٣٨٤ ه‍). أخذ عن الشّيخ محمّد بن سلم ، بغيل باوزير ، ثمّ توجّه إلى تريم ، ومكث بها سنتين في الرّباط عند الحبيب عبد الله بن عمر الشّاطريّ ، وفي سنة (١٣٤١ ه‍) اختير مديرا لمدرسة مكارم الأخلاق ، ومكث بها (٣٠) عاما ، إلى سنة (١٣٧٠ ه‍) ، ثمّ افتتح رباطا سمّاه : «رباط المصطفى» وظلّ يدرّس فيه إلى سنة (١٣٧٩ ه‍) ، إذ أصيب بفالج ألزمه الفراش حتّى وفاته.

وترجم له العلّامة عبد القادر الجنيد في «العقود الجاهزة».

(٣) المعروف بعبد الله بن شيخ الأصغر ، وهو صاحب الشّحر ، أمّا الأوسط .. فمقبور بتريم ، وأمّا الأكبر .. فبالهند. ولد بتريم سنة (١٠٢٧ ه‍) ، وتوفّي سنة (١٠٧٣ ه‍) على الأرجح ، أخذ عن القشاشي بمكة ، وعن ابن عمّه عبد الرّحمن السّقّاف ابن محمّد العيدروس ، وبمكّة أخذ أيضا عن عبد العزيز الزّمزميّ ، وشيخ الإسلام عبد الله سعيد باقشير ، ورحل إلى الهند ، ولقي بها ابن عمّه السّيّد العلّامة جعفرا الصّادق ابن زين العيدروس ، ولازمه برهة ، وأخذ عنه ، ثمّ عاد إلى الشّحر ، وبها توفّي في (١٥) القعدة (١٠٧٣ ه‍). ترجم له معاصره وقرينه في الطّلب السّيّد محمّد الشلّيّ في كتابيه «المشرع» ، و «الجواهر والدّرر» ، وقبره في الجانب الشّرقيّ من الشّحر.

(٤) آل العيدروس بالشّحر هم ذرّيّة السّيّد عمر ابن الإمام عبد الله بن شيخ الأصغر صاحب الشّحر.


والفاضل النّبيل السّيّد زين بن شيخ بن عمر العيدروس.

ومن العلويّين بالشّحر : آل بافقيه ، يرجعون إلى عبد الرّحمن بافقيه بن محمّد عيديد (١) منهم : الصّالح الفاضل شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن عليّ بافقيه ، المتوفّى بها سنة (١١٨٦ ه‍) (٢).

ومنهم : حفيده أحمد بن عبد الله بن شيخ (٣).

ومنهم : ابنه شيخ بن أحمد ، ولد بالشّحر ، ثمّ رحل في طلب العلم إلى الحجاز ومصر ، ثمّ طوّحت به الأسفار إلى سربايا من أرض جاوة ، وهناك كان له ظهور عظيم وشهرة هائلة ، وجرت على يديه خوارق ، وظهر منه تخريق ، قاله بمعناه شيخنا المشهور في «شمس الظّهيرة» (٤) ، وكانت وفاته بسربايا سنة (١٢٨٩ ه‍) (٥).

__________________

(١) آل بافقيه أهل الشّحر الّذين ينسبون للسيّد عبد الرّحمن بافقيه بن محمّد مولى عيديد ، المتوفّى بتريم سنة (٨٨٤ ه‍) ، وليس منهم من سيذكرهم المصنّف لاحقا. وإنّما ذرّيّة عبد الرّحمن هذا : آل الطيّب بافقيه.

(٢) وقد قدّمنا أنّ من سيأتي من الأعلام ليسوا من ذرّيّة عبد الرّحمن بافقيه ، بل من ذرّيّة أخيه عبد الله الأعين النّسّاخ ، كما سيأتي ، وإنّما لزم التّنبيه خوفا من الالتباس ، لما يقتضيه العطف.

(٣) كان السّيّد أحمد هذا من العلماء العاملين ، والأولياء الصّالحين ، قال صاحب «تاريخ مرداد» : (هو السّيّد أحمد بافقيه بن عبد الله الشّافعي المكّيّ ، الفاضل الأديب. أخذ عن عدّة مشايخ ، من أجلّهم السّيّد أحمد دحلان ، ونجب ومهر في علم الأدب والنّحو ، نظم ونثر. وكان مولده بمكّة المشرّفة ، ونشأ بها ، ثمّ كف بصره ، فسافر إلى الهند فتعالج هناك وأبصر ، ثمّ رجع إلى مكّة ، ومكث بها مدّة ، ثمّ سافر إلى الهند مع أكبر أبنائه ، وهو السّيّد شيخ) اه «المختصر» (٧٥).

(٤) ليس في المطبوع من «الشّمس» (٢ / ٥٤٢) شيء من هذا ، بل أرّخ وفاته فقط ، ولعلّ المصنّف أراد «الشجرة الكبرى» ، ونصّ ما فيها (كان عالما عاملا ، ووليّا مكاشفا ، له خوارق وكرامات كثيرة) اه بالحرف.

(٥) ولد السّيّد شيخ بن أحمد بالشّحر سنة (١٢١٢ ه‍) ، وتوفي بسربايا سنة (١٢٨٩ ه‍) ، أخذ عن أبيه ، وسافر بمعيّته إلى مكّة المكرّمة ، وأخذ بها عن عدد من علمائها ؛ منهم : الشّيخ عمر بن عبد الكريم العطّار ، والعلّامة محمّد صالح الرّيّس ، وغيرهما ، ورحل إلى مصر ومكث مدّة في الجامع الأزهر ، ثمّ رحل إلى الجهة الجاويّة ، ونزل بمدينة سربايا.

ينظر : «تاريخ الشّعراء الحضرميّين» (٤ / ٣٠) ، «تاريخ باحسن» (١ / ٣٥٠) (خ).


وفيها أناس من آل عيديد (١) ، ذكر منهم شيخنا المشهور السّيّدين الفاضلين : عبد الله ومحمّدا ابني سالم بن عبد الله عيديد (٢).

وفيها جماعة من ذرّيّة السّيّد أحمد البيض (٣) بن عبد الرّحمن (٤) بن حسين بن عليّ بن محمّد بن أحمد بن الفقيه المقدّم ، قال في «شمس الظّهيرة» [٢ / ٤٠٣ ـ ٤٠٤] (منهم : السّيّد الفاضل عليّ بن الحسين المتوفّى سنة (١٢٨٦ ه‍) (٥) ، وحسين بن

__________________

(١) وهم من ذرّيّة السّيّد محمّد بن عبد الله بن عليّ بن محمّد مولى عيديد ، المتوفّى بالشّحر سنة (٩٨٣ ه‍).

(٢) وهما ابنا السّيّد سالم بن عبد الله بن زين بن عوض بن زين بن عليّ بن أحمد بن أحمد بن محمّد بن عبد الله .. إلخ النسب السابق. فأمّا : السيد عبد الله بن سالم (... ـ ١٣٠٦ ه‍) : كان فاضلا عالما صالحا ، طلب العلم بحضرموت على السّيّد العلّامة عبد الله بن عمر بن يحيى ، والسّيّد الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر ، والحبيب أبي بكر بن عبد الله العطّاس. كان عامرا أوقاته بالعبادة ، وله صلوات ونوافل يواظب عليها في عدد من مساجد الشّحر ، وكانت له دروس بها ؛ ممن أخذ عنه : باحسن صاحب «التّاريخ». وكانت بينه وبين الشّيخ ناصر ابن الشّيخ عليّ اليافعيّ مودّة ، فلمّا تولّى القضاء هذا الأخير .. اعتزله صاحب التّرجمة ، توفّي يوم الأحد (١٧) محرّم (١٣٠٦ ه‍).

وأمّا : محمّد بن سالم (... ـ ١٣١١ ه‍) : فقد كان فقيها عالما فاضلا نبيها ، آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، صدرا في الأمور ، توفّي سنة (١٣١١ ه‍) بالشّحر ، وبها كان مولده.

(٣) توفّي السّيّد أحمد البيض بتريم سنة (٩٤٥ ه‍) ، وسمّي بالبيض ؛ لمواظبته على صيام الأيّام البيض من كلّ شهر ، سمّاه بذلك ـ كما يقال ـ شيخه الشّيخ أبو بكر بن سالم. «المعجم اللطيف» (٦٠). ومن السادة آل البيض جماعة في غيل باوزير ، منهم : السيد العالم الناسك الغيور عبد الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن بن سالم البيض باعلوي ، كان مولده بالغيل سنة (١٣٣٠ ه‍) ، طلب العلم في الغيل ، برباط العلامة ابن سلم ، ومن شيوخه : العلامة أحمد بن محمد باغوزة قرأ عليه : «المختصر» و «العمدة» ، والعلامة المعمر الشيخ عمر بادباه قرأ عليه في «حاشية الكردي». ثم رحل إلى تريم ودرس في رباطها على يد الحبيب عبد الله الشاطري ، وأخذ عن طبقته من علماء تريم ، ثم انطلق يعلم ويدعو إلى الله ، وكان له اهتمام بدعوة البادية ، هاجر إلى جدة وأقام بها مدة طويلة ، وبها كانت وفاته سنة (١٤١١ ه‍) ، رحمه الله. «لوامع النور» (٣ / ٤٥٩) (خ).

(٤) وهو الملقّب عبد الرّحمن الجزيرة ، توفّي بتريم سنة (٨٨٤ ه‍).

(٥) وهو السيد عليّ بن الحسين بن عليّ بن الحسين ـ (١١٦٥ ه‍) ـ ابن عوض بن عبد الله بن حسين بن أحمد بن حسين بن محروس بن أحمد البيض .. إلخ. مولده بالشّحر في (٢٥) رمضان (١٢٣٥ ه‍) ، ووفاته بها في شعبان (١٢٨٢ ه‍) ، تعلم عند الشّيخ عبد الله بن عمر بن قبيلة باوزير ، ثمّ قرأ على الشّيخ سالم بن سعد بن سمير ، ثمّ خرج إلى دوعن ، وقرأ على الفقيه محمّد بن عبد الله


أبي بكر بن سعيد (١) ، ذكيّ نبيه ، توفّي سنة (١٢٨٥ ه‍).

ومن فضلاء العلويّين بالشّحر : السّيّد حسين بن عبد الرّحمن بن سهل (٢) ، وكان شهما كريما ، طويل الباع مشبوح الذّراع ، له مكارم جسيمة وأخبار عظيمة ، منها : عمارته الموجودة إلى اليوم لجامع الشّحر ، وذلك أنّه حدث به شيء من الخراب يحتاج إلى التّرميم ، فاتّفق أعيان الشّحر على الاكتتاب لترميمه ، وعرضوا القائمة على السّيّد حسين بن سهل فقال : حتّى أرى.

ولمّا رأى المسجد .. قال لهم : لا بدّ من تجديد عمارته كلّها ، وتكفّل بجميعها ، وجلب له المهندسين والأكرة من تريم حتّى أتمّه على أجمل صنيع (٣).

وكان هرب من تريم لأذيّة حصلت عليه من أعوان السّلطان الكثيريّ (٤) ، فسافر إلى الشّحر بجوار صديقه الأمير عبد القويّ بن عبد الله عوض غرامة البعسيّ اليافعيّ (٥) ،

__________________

باسودان وأجازه ، وسار لزيارة بقيّة الأعيان ، فلقي الإمام الحسن بن صالح البحر ، والحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر ، وكانت بينه وبين الشّيخ عبد الله معروف باجمال الشّبامي مودّة ومكاتبات ، أخذ عنه باحسن المؤرّخ ، وأطنب في ترجمته في «تاريخه» (١ / ٩٢ ـ ١٢٢) (خ).

(١) كان سيّدا فاضلا ، حصّل طرفا في العلم ، توفّي بالشّحر. وهو : حسين بن أبي بكر (توفي سنة ١٢٧٨ ه‍) ابن سعيد بن حسين بن عوض بن عبد الله بن حسين بن أحمد بن حسين بن محروس بن أحمد البيض .. إلخ «تاريخ باحسن» (١ / ٨٨).

(٢) الحسين بن سهل اسمه كاملا : الحسين بن عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الله بن أحمد ابن الفقيه سهل بن أحمد بن سهل بن أحمد بن عبد الله ابن الشّيخ محمّد جمل الليل .. إلخ. السّيّد الثّري السّري الفاضل ، التّاجر الصّالح ، الرّاغب في آخرته ، مولده بتريم في رجب (١٢١٣ ه‍) ، والمتوفّى بالشّحر (٢٨) شعبان (١٢٧٤ ه‍). رحل في مطلع شبابه إلى الشّرق الأقصى جاوة ، وتزوج بنت أحد سلاطينها ، وزاول التّجارة ، وكانت له سفن تمخر عباب البحر ، ولمّا أثرى .. عاد إلى وطنه ، ومن كبريات أعماله : صكّه عملة عرفت باسمه سنة (١٢٥٨ ه‍) ، ولم يزل النّاس يستعملونها ويتداولونها إلى سنة (١٣١٥ ه‍) حيث صكّ السّيّد شيخ الكاف عملة أخرى نسخت ما قبلها. وله أخبار ستأتي كثيرة وفي : «العدة المفيدة» ، «تاريخ باحسن» (٢ / ١٢٤) ، «شمس الظّهيرة» (٢ / ٤٨٦).

(٣) يقع المسجد الجامع بحارة القرية ، وهو يشتمل ـ بعد توسيعه ـ على (١٤٠) أسطوانة ، بين كل أسطوانة والأخرى خمسة أذرع.

(٤) غالب بن محسن.

(٥) البعسي نسبة إلى (الأبعوس ـ لبعوس) بطن من يافع العليا ، وآل غرامة هؤلاء كانوا يحكمون


ولم يزل بها حتّى مات سنة (١٢٧٤ ه‍) ، وأخباره عجيبة لا يتّسع لها المجال ، وفي «الأصل» منها الكثير الطّيّب.

ومن متأخّري فضلاء العلويّين بالشّحر : السّيّد الجليل علويّ بن عليّ بن علويّ الجنيد (١) ، كان من الآخذين عن والدي والمتعلّقين به ، توفّي بها يوم الإثنين (٢٧) شوّال من سنة (١٣٤٩ ه‍).

وكان بالشّحر ناس من آل السّقّاف ؛ منهم السّيّد عيدروس بن حسين بن سالم بن علويّ بن شيخ بن محمّد بن شيخ السّقّاف ، كان جدّه علويّ بن شيخ بسيئون ، فنجع في سنة (١٢١٥ ه‍) إلى موشح ووادي بن عليّ ، وكانت مدّة إقامته وإقامة ولده سالم بها نحوا من سبع وتسعين ربيعا.

ثمّ هاجر السّيّد سالم ـ الملقّب : سالم سبول ـ ابن علويّ بن شيخ إلى المكلّا والشّحر ، وذلك في سنة (١٣١٢ ه‍) وهو من أهل الصّفا ، وله تذكير ومواعظ.

ثمّ ركب إلى زنجبار ، وبها كانت وفاته ، وترك ولدا يقال له : حسين ، توفّي حوالي سنة (١٣٢٩ ه‍) ، وترك ولدا اسمه : عيدروس ، ركب إلى ممباسا في

__________________

جزءا من تريم ، وممّا يذكر في مناقب السّيّد حسين بن سهل أنّه اشترى تريم من آل غرامة.

(١) علويّ بن عليّ الجنيدي السّيّد الفاضل ، التّقيّ الصّالح : علويّ بن عليّ بن علويّ بن عبد الله ...

الجنيديّ باعلويّ. مولده بالشّحر سنة (١٢٦٩ ه‍) ، توفّي أبوه وعمره خمس سنوات ، فكفله أخوه لأبيه محمّد بن عليّ. سار لطلب العلم إلى تريم والغرفة ، ثمّ عاد إلى الشّحر. من شيوخه : السّيّد الجليل حامد بن عمر بافرج ، والسّيّد العلّامة عيدروس بن عمر الحبشيّ ، والحبيب عبيد الله بن محسن السقاف والد المصنف وغيرهم. حجّ نحو (١٨) حجّة ، وآخرها كان سنة (١٣٢٥ ه‍). قيل في وصفه : كان رجلا يتلألأ وجهه نورا ، طويل القامة ، جميل الصّورة ، أبيض اللّون ، يشبه سمته وهيئته هيئة شيخه عيدروس بن عمر. لقيه قاضي مكّة السّيّد أبو بكر بن أحمد الحبشيّ بالشّحر سنة (١٣٤٥ ه‍) ، وأخذ عنه. «الدّليل المشير» (٢٧٠).

ملاحظة : أسرة المترجم تعرف بآل الجنيديّ بياء النّسبة. وهم غير آل الجنيد أهل تريم ؛ فأولئك ينتسبون إلى الشّيخ محمّد باحسن جمل اللّيل .. وأمّا هؤلاء : فنسبتهم إلى الشّيخ عبد الله بن علويّ بن الفقيه ، وجدّهم الأعلى هو : الجنيد الأخضر ابن أحمد بن محمّد بن أحمد قسم ـ (ت بقسم ٨٩١ ه‍) ـ ابن علويّ الشّيبة ... إلخ ، وعلويّ الشّيبة يجتمعون فيه مع آل الشّلّيّ وغيرهم. ولقب الأخضر معناه : المائل إلى السّمرة. «المعجم اللّطيف» (٧٥ ـ ٧٦).


سنة (١٣٢٢ ه‍) وهو ابن تسع سنين ، وما برح يقاسي المتاعب والمشاقّ في طلب المعيشة حتّى فتح الله عليه بالأموال والأولاد ، فله بها خمسة من الذّكور ، وتأثّل الأموال والعقار بممباسا والشّحر ، وله بحارة (عقل باعوين) عدّة ديار بجوار مسجد الشّيخ عبد الله بلحاج بافضل ، وكان يصدر جريدة تسمّى : «الإصلاح» في ممباسا ، جلب لها مطبعة على نفقته الخاصّة ، ولمّا كان الأكثر من المشتركين حضارمة ـ لا بال عندهم لأمثال الجرائد ـ وتأخّروا عند دفع الاشتراك .. لزم تأخّرها.

وأوّل مدرسة علمتها بالشّحر هي : المدرسة الّتي بناها بدر بوطويرق سنة (٩٥٩ ه‍) (١) ، وجلب لها ولده عبد الله بن بدر أستاذا من بروم في سنة (٩٨٣ ه‍) ، هو العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الرّحيم باجابر ، فدرّس بها وانتفع به الأنام ، وأسفرت به اللّيالي والأيّام.

وفي يوم افتتاحها أنشأ السّيّد عبد الرحمن بن أحمد البيض قصيدة أوردها صاحب «النّور السّافر» [ص ٤٦٨] ، وفيها مدح للأستاذ والسّلطان ، ولكنّها ليست بجيّدة (٢).

أمّا المدرّس بها في حياة بدر فهو : الشّيخ عليّ بن عليّ بايزيد ، الدّوعنيّ ثمّ الشّحريّ ، توفّي بها سنة (٩٧٥ ه‍) (٣) ، وقد انتفع به كثير من أهل الشّحر وغيرهم ، منهم : العلّامة المؤرّخ عبد الله بن محمّد باسخلة ، المتوفّى بالشّحر (٤).

__________________

(١) وتعرف بالمدرسة السّلطانيّة ، وإلى جوارها مسجد يعرف بمسجد المدرسة ، «النّور السّافر» : حوادث سنة (٩٥٩ ه‍).

(٢) الصّواب أنّه في سنة قدوم باجابر في (٩٨٣ ه‍) ، كما هو في «النّور السّافر» ؛ لأنّ افتتاحها كان سنة (٩٥٩ ه‍) كما تقدّم.

(٣) الشّيخ عليّ بايزيد ، العلّامة الفقيه ، الإمام المتبحّر في الفقه ، ولد بدوعن ، ونشأ مستقيما ، واشتغل بالتّحصيل من صباه ، وحفظ «الإرشاد» وغيره من المتون ، تفقّه بالعلّامة عثمان بن محمّد العموديّ ، وصحب الشّيخ العارف بالله معروف بن عبد الله باجمال ، ولبس منه ، وصحب غيره من العارفين. وكان في وقته عمدة المفتين ، ولمّا فتح السّلطان بدر مدرسته .. ولّاه تدريسها منذ افتتاحها سنة (٩٥٩ ه‍) ، وله مصنفات نافعة.

(٤) الشّيخ عبد الله بن محمّد باسخلة ، عالم فقيه ، ولد ونشأ بالشّحر ، وطلب العلم ، وكان أديبا فقيها مؤرّخا ، تلقّى العلم على يد الشّيخ عليّ بايزيد ، وحفظ عليه «الإرشاد». واختلف في لقبه فقيل


وممّن هاجر لطلب العلم بها : الشّيخ محمّد بن عبد الله بن سراج (١) ، صاحب المؤلّفات المشهورة الّتي منها : نظمه ل «الإرشاد» و «شرحه» وقد استحقّ من تخرّجه بتلك المدرسة أن تولّى قضاء حضرموت ، من وادي عمد غربا إلى يبحر شرقا ، ترجم له في «خلاصة الأثر» ، وذكر أنّه اعتراه ذهول في آخر عمره إلى أن توفّي بالغرفة سنة (١٠١٩ ه‍).

وممّن تخرّج منها : الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن العموديّ.

وفي ترجمة الشّيخ الشّهيد أحمد بن عبد الرّحمن بلحاج : (أنّ الإفرنج ـ خذلهم الله ـ لمّا هاجموا الشّحر واقتربوا من مدرسة الشّيخ أحمد للهجوم عليها .. نهض كأنّه الأسد ، واستنهض همم الطلبة بخطبة مؤثّرة ، فاقتلعوا أبواب المدرسة واقتسموها عودا عودا وحاربوهم ، وكان الشّيخ أحمد ممّن رزق الشّهادة سنة «٩٥٩ ه‍» ، ولمّا انتهى البريد إلى حضرموت .. جمعوا عسكرا يبلغ نحو خمسة آلاف ، فوصلوا الشّحر على خمسة أيّام) اه

وما أدري ، أهذه المدرسة هي الّتي بناها بدر والشّهيد يدرّس فيها عقبان بنائها ، أم غيرها؟

ولعليّ بايزيد هذا ذكر كثير في «مجموع الجدّ طه بن عمر» ، وقد زار حضرموت واجتمع بالسّيّد عمر بن أبي بكر باشيبان ، وأثنى كلّ منهما على الآخر ، وتوّجه لزيارة نبيّ الله هود ، ثمّ عاد إلى حضرموت مرّة أخرى بعد ثلاثين سنة من القدمة الأولى. ذكره الشّليّ في ترجمة باشيبان من «مشرعه» (٢) [٢ / ٥٣٨ ـ ٥٣٩].

وقد استوفينا ب «الأصل» حوادث الإفرنج البرتغال مع بدر بالشّحر ، فلا حاجة إلى

__________________

(باسخلة) كما أثبت المؤلف ، وقيل باسنجلة ، بنون فجيم.

وله مؤلفات مفيدة ، وفي «الفكر والثّقافة» (ص ١٤٩) أن وفاته سنة (٩٨٧ ه‍).

(١) الصّواب أنّ اسمه : محمّد بن عبد الرّحمن بن سراج الدّين باجمال ، «الدّرّ الفاخر» (٣٦٣).

(٢) وباشيبان هو : عمر بن محمّد بن أحمد بن أبي بكر باشيبان.


الإطالة. وذكرنا ما أنكره عليه صاحب «القلائد» من غدره بهم (١) ، مع أنّه لم يفعل إلّا ما استباحوا أكبر منه من الغدر بالمسلمين ، ولكن قال قتادة : (إنّ الله أكّد الوفاء بالعهد في بضعة وعشرين آية).

ويروى : أنّ أهل قبرس (٢) أحدثوا حدثا في ولاية عبد الملك بن صالح بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس (٣) ، فاستفتى العلماء في نقض صلحهم.

فأجابه اللّيث (٤) : (بأنّ أهل قبرس لم يزالوا يتّهمون بخيانة الإسلام ، وقد قال تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) وإنّي أرى أن تنبذ إليهم وتنظرهم سنة).

وقال له مالك بن أنس : (أرى أن لا تعجّل بنقض عهدهم ؛ حتّى تتّجه الحجّة عليهم ؛ فإنّ الله يقول : (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) فإن هم لم يدعوا غشّهم ، ولم يستقيموا .. فأعذر إليهم ، ثمّ أوقع بهم .. ترزق النّصر) أو ما يقرب من هذا (٥).

وروي : أنّ صالحا هذا أجلى أهل الذّمّة من لبنان من غير من مالأ عليه ، فأنكر عليه القاسم بن سلام (٦) وقال له : (كيف تؤخذ عامّة بذنوب خاصّة حتّى يخرجوا من

__________________

(١) أي السّلطان بدر.

(٢) قبرس : بالسين ، وقد تكتب بالصاد ؛ جزيرة معروفة في البحر الأبيض المتوسّط ، الّذي كان يعرف قديما ببحر الرّوم.

(٣) كان عبد الملك هذا أميرا على الموصل من قبل الخليفة الهادي العباسي سنة (١٦٩ ه‍) ، وعزله الرشيد سنة (١٧١ ه‍) ثم ولاه المدينة والصوائف ، ثم مصر مدة قصيرة ، فدمشق. كان من أفصح الناس وأخطبهم ، له مهابة وجلالة ، توفي سنة (١٩٦ ه‍). «الأعلام» (٤ / ١٥٩).

(٤) هو الإمام الليث بن سعد الفهمي بالولاء ، أبو الحارث ، إمام أهل مصر في عصره حديثا وفقها ، من أقوال الإمام الشافعي فيه : الليث أفقه من مالك ، إلا أن أصحابه لم يقوموا به. ولد سنة (٩٤ ه‍) ، وتوفي سنة (١٧٥ ه‍). «الأعلام» (٥ / ٢٤٨).

(٥) «فتوح البلدان» (١٥٩ ـ ١٦٠).

(٦) هو أبو عبيد ، من كبار علماء عصره في الحديث والفقه والأدب ، ولي القضاء بطرسوس ، كثير التصانيف ، ولد سنة (١٥٧ ه‍) ، وتوفي سنة (٢٢٤ ه‍). «الأعلام» (٥ / ١٧٦).


ديارهم وأموالهم ، وحكم الله أن لا تزر وازرة وزر أخرى ، وهو أحقّ ما اقتدي به ، وقد قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : «من ظلم معاهدا .. فأنا حجيجه») (١) ، وفي الجزء الثّاني من «الأصل» كلام نفيس يتعلّق بالمسألة.

وكانت للحضارمة تجارة واسعة بالشّحر ، وكانوا يتيامنون بما يجلبون منها (٢) ، ويجرّبون فيه البركة ، ولا يزال العلويّون يتردّدون إليها ، ولا سيّما المحضار والعيدروس ؛ لأنّهم يجدون فيها من الانشراح ما لا يوجد في سواها ، إلّا أنّ طرقها ملتوية ، وشوارعها متّسخة ، وأهلها لا يتعهّدون أخليتهم وميازيبهم ، ويسرع الخراب إلى ديارهم من هذه النّاحية.

وقد وردتها عدّة مرّات أنزل في أخرياتها ضيفا على وافر المروءة ، الحرّ الشّهم ، المشارك في العلم : الشّيخ صالح بن بكار باشراحيل. وآل باشراحيل منتشرون في حضرموت ، ومرجعهم في النّسب ـ كما سيأتي في وادي ابن عليّ ـ إلى عباهلة حمير (٣)

ويأتي في سيئون ذرو من بدعة الشّيخ محمّد بن سعيد باطويح (٤) ، الّتي لا تزال تؤجّ بالشّحر الآن.

وآل طويح من بيوت العلم ، وكان الشّيخ عمر بن أبي بكر طويح ممّن تولّى القضاء بالشّحر ، ذكره ابن سراج في «مناقب الشّيخ معروف» (٥).

وسمعت بعض أهل العلم يذكر أنّهم من ذرّيّة العلّامة الشّيخ محمّد باطحن ، وهو

__________________

(١) «فتوح البلدان» (١٦٧) ، والحديث أخرجه أبو داود (٣٠٥٢).

(٢) يتيامنون : يتباركون.

(٣) العباهلة : الملوك الّذين أقرّوا على ملكهم ، لا يزالون عنه.

(٤) توفّي سنة (١٣٦١ ه‍) كما كتب على شاهدة قبره بالشّحر ، وهو تلميذ العلّامة السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ ، كان متبحّرا في النّحو ، وكان محبّا جدّا لشيخه الحبشيّ إلى درجة الغلوّ ، وللمصنّف معه ومع من يسميّهم (جماعة باطويح) أخبار وقصص ، بعضها يطوى ولا يروى .. رحم الله الجميع.

(٥) المسمّاة : «مواهب الرّبّ الرّؤوف».


من أوعية العلم ، غير أن غلوّه في شيخه سعد الظّفاريّ أوقعه في إساءة الأدب على الفقيه المقدّم فكرهه العلويّون.

وسكّان الشّحر الآن أربعة عشر ألفا وثمان مئة وبضع وستّون نفسا ، ويدخل في ذلك قراها ، وفيها أكثر من ستّين مسجدا.

وفي ضواحيها قرى كثيرة ، أرادوا أن يجمّعوا (١) فيها أواخر القرن التّاسع ، فأفتى العلّامة الشّيخ عبد الله بن أحمد بامخرمة بالمنع ؛ لأنّها لم تخطّ قرى من الأصل ، وإنّما يبنى الواحد ثمّ الثّاني ... وهلمّ جرا ، فهي من أعمال الشّحر لا قرى مستقلّة ، ولي في ذلك بحث ، لو أفضت فيه .. لخرجت عمّا نحن بسبيله (٢).

غياض الشّحر (٣) :

في شمال الشّحر إلى جهة الشّرق غيضة يخترف فيها السّادة آل العيدروس (٤) ، فيها جامع وآبار للسّناوة تسمّى : دفيقه (٥).

ومن ورائها إلى الشّمال (٦) : تبالة ، فيها جامع وأموال لأهل الشّحر ، وسبعة معايين يخرج منها ماء شديد الحرارة.

__________________

(١) أي : يقيموا بتلك القرى صلاة جمعة.

(٢) وقد ظهر بالعلم في زمن المصنّف وبعده رجال علماء صالحون ، كانوا ملجأ وملاذا للنّاس في فتاواهم ونوازلهم ؛ منهم العلّامة الشّيخ الصّالح المعمّر عبد الكريم الملّاحي ، المولود ب (زنجبار) ب (جزر القمر) سنة (١٣٢٨ ه‍) ، والمتوفّى ب (الشّحر) سنة (١٤١٧ ه‍) ، عن نحو تسعين عاما قضاها في العلم والتعليم والإرشاد ، هاجر مع والده وأخيه أحمد إلى الشّحر وتوطّنوها ، ولأخيه أحمد الملّاحي اهتمام بالتّاريخ ، وقد دوّن مذكّرة مفيدة في حوادث الشّحر الّتي عاصرها ، وترجم لبعض الأعيان ، توفّي سنة (١٣٩١ ه‍) تقريبا.

ومنهم الشّيخ الفاضل سالمين حبليل ، توفّي في نفس السّنة ـ أي سنة (١٤١٧ ه‍) ـ وممّن لا زال بها من العلماء : الشّيخ الفاضل ، العالم الفقيه ، القاضي عمر بن سعيد باغزال ، ممّن درس على يد السّيّد محسن أبي نمي وطبقته.

(٣) الغياض ـ جمع غيضة ـ وهي : المكان الغزير المياه الذي تكثر فيه الأشجار الملتفة.

(٤) الاختراف هو : التصيّف. والمخترف بمعنى المصيف بفتح الميم.

(٥) تقع دفيقه شمال الشحر ، وتبعد عنها نحو (٢ كم).

(٦) على بعد نحو (٧ كم).


قال الطّيّب بامخرمة : (وتبالة قرية قرب الشّحر على طريق الخارج من الشّحر إلى حضرموت ، وفيها عدّة عيون حارّة في أكمة واحدة ، يسقى بها زرع ونخل ونارجيل (١) ... وعيونها مختلفة ، منها حارّة كثيرة الماء ، ومنها قليلة الحرارة قليلة الماء ، وهي أعجوبة) اه (٢)

والنّاس يقصدون ذلك الماء الشّديد الحرارة من جهات بعيدة ؛ للاستشفاء بالاغتسال فيه من بعض الأمراض (٣).

وفي (ص ١٨٥) والتي بعدها من الجزء الأوّل من «دائرة المعارف» لفريد وجديّ ما نصّه : (وربّما رأى بعض قرّاء هذا الكتاب في أوروبا عيونا نابعة من الأرض على درجة من الحرارة مرتفعة ، تقترب من الغليان ، وهي لم تصل إلى هذه الدّرجة من الحرارة إلا لكونها آتية من أبعاد عميقة) اه

وهذا الوصف ينطبق على بعض عيون تبالة إذ البيض ينضج فيها على بضع دقائق.

وكان من سكّانها : الشّيخ محمّد بن أبي بكر الشّحريّ ، ممدوح عبد الصّمد باكثير بقوله [من البسيط] :

لي في تبالة إخوان وأخدان

أكرم بهم فتية في الحيّ جيران

ونحن في روضة خضرا مزخرفة

تدار فيها من الصّهباء ألوان

في حضرة ابن أبي بكر محمّد من

في المشكلات له حلّ وتبيان

صدر المراتب قطب المجد لا برحت

تسعى إليه جماعات ووحدان

__________________

(١) النّارجيل : جنس شجر من الفصيلة النّخليّة ، منه أنواع للتّزيين ، يزرع لثمره المسمّى جوز الهند ، ويسمّيه الأهالي : الميدع ، ويستخرجون منه خلّا جيّدا بطريقة معيّنة ، وهي أنّهم يفتحون فتحات في ثمار النّارجيل من اللّيل ويأتون في الصّباح قبل شروق الشّمس ليأخذوا ماءها ويتركونه في أوانيه لمدة أربعين يوما ، ثم يفتحونها وقد صار خلّا ، وما أشرقت عليه الشّمس لا يأخذونه ؛ لأنّه يتخمّر حينئذ بل يتركونه إلى اللّيل ، وهو منتشر في السّاحل.

(٢) نسبة البلدان (ق ٥٧).

(٣) ولا زالوا كذلك إلى اليوم ، وقد بنيت غرف بالقرب من هذه المعايين ، وهي عبارة عن ماء كبريتيّ صحي.


محدّقين إليه محدقين به

في روضة حولها بالزّهر ألوان

وهذه من منحطّ شعر عبد الصّمد ، وإلّا .. فقد كان له من الإجادة نصيب واف.

وقال ياقوت : (تبالة : قيل : هي الّتي جاء ذكرها في كتاب مسلم بن الحجّاج (١) ، ببلاد اليمن ، وأظنّها غير تبالة الحجّاج بن يوسف ، الّتي يقال فيها : «أهون من تبالة على الحجّاج» (٢) ؛ لأنّ هذه بلدة مشهورة بتهامة في طريق اليمن) اه (٣)

وكلاهما غير الّتي نحن في ذكرها (٤).

ووراءها متشائمة (٥). عنها : الواسط ، وهي قرية فيها جامع (٦) ، وثلاثة معايين باردة الماء ، عليها أموال لأهل الشّحر.

وفي غربيّ الواسط بحذائه : شعب النّور ، أكثره للسّادة آل أحمد بن صالح ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم (٧).

__________________

(١) أي : «صحيح الإمام مسلم» ، وجاء ذكرها في «صحيحه» (٢٩٠٦) : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء من دوس حول ذي الخلصة» وكانت صنما تعبدها دوس في الجاهلية بتبالة.

(٢) كان أوّل عمل وليه الحجّاج تبالة ، فسار إليها ، فلمّا قرب منها .. قال للدّليل : أين هي؟ قال : سترتها عنك هذه الأكمة ، فقال : أهون عليّ بعمل بلدة تسترها عنّي أكمة ، ورجع من مكانه ، فقالت العرب : (أهون من تبالة على الحجاج).

(٣) معجم البلدان (٢ / ٩).

(٤) وفي «النّسبة» لبامخرمة : أنّ تبالة موضع باليمن ، كان فيه صنم ذو الخلصة الّذي كسره الصّحابيّ الجليل جرير بن عبد الله البجليّ.

(٥) متشائمة : آخذة في طريق الشّآم.

(٦) وهذا الجامع مشهور في السّاحل ، ينسب إلى الشّيخ الكبير الإمام عمر المحضار بن عبد الرّحمن السّقّاف ، ويقال : إنّ وفاته كانت بالواسط ، ثمّ نقل إلى تريم «لوامع النّور» (١ / ٧٦ ـ ٧٧).

(٧) هو السّيّد الشّريف أحمد بن صالح بن أحمد بن عبد الرّحمن بن أحمد بن الحسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم باعلوي. ولد بعينات ، ونشأ بها ، وطلب العلم ، وجدّ واجتهد ، وبنى بيتا في عرف ، ثمّ غادرها إلى الشّحر ، ومنها إلى الواسط ، وأخيرا استقرّ في هذا الشّعب الّذي سمّاه شعب النّور ، وبنى منزله الّذي سكنه إلى آخر عمره ، وكان يقصد إلى الشعب المذكور للأخذ عنه والتبرّك بزيارته ،


وفي جنوبه : الجرادف ، فيها معيان واحد بارد الماء ، عليه أموال لأهل الشّحر ، وفيه آبار كثيرة.

وفي شماله : النّجاعين ، وهي قرية فيها نخيل لآل العيدروس.

ومن ورائها : البرح ، سكّانه من الحموم ، وفيه ناس من الحاضرة ، وفيه جامع.

ومن ورائه : الرّمضاء.

ومن بعدها : عرف ، وهي قرية فيها بساتين نخل ، وعيون ماء ، كان الشّيخ المحضار بن الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف يكثر الكون فيها والتّردّد عليها ، وله بها أموال كثيرة (١).

وفي غربيّ الجرادف قرية الحبس ، فيها معيانان وأموال للدّولة القعيطيّة.

وفي جنوب الحبس : شكلنزه (٢) ، قرية فيها مزارع ، ومعيانان ، وآبار ، وبها يخترف كثير من أهل الشّحر ، ولكنّه استولى عليها الخراب.

وفي غربها : معيان المساجدة : ينسب لآل المسجديّ من المشايخ آل باوزير ، وهي قرية فيها ثلاثة معايين ، وفيها آبار كثيرة ، وأموال لأهل الشّحر.

وفي غربيّ المساجدة : صداع العوالق وحزمهم. وفي غربيّه قرية يقال لها : حباير. وفي غربيّ حباير : قارة ابن محركة.

وفي جنوب هذه القارة : غيل باوزير.

وفي غربيّه : النقعة والقارة ، وقد سبق التّعريف بتلك البقاع.

وفي شمال القارة : قرية تسمّى : السّوط ، فيها معيانان وجامع.

__________________

وكانت وفاته سنة (١٢١١) أو (١٢١٢ ه‍). وله ذرّيّة مباركة ، ظهر فيهم علماء وأفاضل.

(١) وممّن سكن بها من العلماء : الشّيخ العالم الصّالح عوض بن مبارك الكلاليّ ، المتوفّى في منتصف القرن الرّابع عشر الهجريّ.

(٢) ويمكن للبعض أن يسمّيها : الشكل النّزه كما فعل باحسن في «تاريخه» ، وكما كان السّلطان صالح بن غالب يسمّيها ، وكان يتردّد عليها.


ولهذه الغياض ـ ولا سيّما شكلنزة ودفيقة والحزم وصداع ـ ذكر كثير في الحروب الواقعة بين الكساديّ والقعيطيّ ، والعولقيّ والكثيريّ ، حسبما فصّل ب «الأصل» ، ومرّ بعضه في الحزم وصداع.

وممّا يستحقّ الإعجاب ، ويشنّف الأسماع (١) ، وينفخ الأنوف : أنّ آل كثير والعوالق والكساديّ حاولوا الهجوم على الشّحر في سنة (١٢٩٠ ه‍) بنحو ثلاثة آلاف مقاتل ، ونزلوا شكلنزة ، وفي اللّيلة (٢٣) من شوّال من تلك السّنة اجتمع ملؤهم في دفيقة ، فنازلتهم ثلّة من عسكر الشّحر لا تزيد عن أربع مئة مقاتل ، فانسحب جند العولقيّ والكساديّ والكثيريّ إلى المشراف ، وهنالك التحم الحرب واستحرّ القتل ، وجاءت الأمداد اليافعيّة من الشّحر ، ولم يبق بيد العولقيّ والكساديّ والكثيريّ إلّا داران في دفيقة ، ولما دارت الدّائرة عليهم ، وانهزم آل كثير هزيمة منكرة .. انحصر من بقي منهم بداري دفيقة ، ثمّ انهزم أحد الدّارين وأخذته يافع عنوة ، وكان في أسفله كميّة وافرة من البارود ، ففتح أوعيتها أحد عبيد العوالق ، وربط بها حبلا من الفتيل ، وأشعل فيه النّار مع هربه ، فلمّا انتهت إليه .. انفجر ، فسقط الدّار على من داخله من عسكر القعيطيّ ويافع ، وقويت نفوس آل كثير ومن معهم المحصورين في الدّار الثّاني ، وجدّوا في الدّفاع والاستماتة حتّى تواضعوا مع القعيطيّ على أن يخرجوا بالشّرف العسكريّ في وجه سالم بن يحيى بن عبد الحبيب بن عليّ جابر ، أو عليّ بن يحيى .. إلى آخر النّسب.

ولمّا خرجوا .. إذا هم أفلاذ كبد حضرموت ، وأعيان الدّولة آل عبد الله ، وآل كثير ، والعوامر ، وآل جابر ، الّذين لا يمكن أن تقوم لهم قائمة بعدها لو استأصلوهم أبدا. عند ذلك حاول القعيطيّ إرضاء سالم أو عليّ بن يحيى بما يتمنّى ، على أن يخيس بعهده ويتركهم له ، فقال : (والله ، لو أعطيتني جبلا من الذّهب .. لن أخرم ذمّتي ، ولن أسوّد وجهي) ، فبلّغهم المأمن كراما وهو رافع الرّأس (٢).

__________________

(١) يشنّف الأسماع : يزيّنها.

(٢) تفاصيل هذه الحادثة في «العدّة المفيدة» (٢ / ٣٣٩ ـ ٣٤٣).


فمثل هذه الأكرومة ينبغي تكريرها في المدارس القعيطيّة ؛ لما فيها من الشّرف المخلّد ، والمجد المتلّد الّذي يسوّغ لآل عليّ جابر أن يتمثّلوا بقول حبيب [في «ديوانه» ١ / ٣٣٢ من البسيط] :

لو لا أحاديث سنّتها أوائلنا

من العلا والوفا لم يعرف السّمر (١)

وإنّما ينحجز النّاس عن الملاوم ، ويتدفّقون على المكارم بإكبار أعمال الأبطال ، وازدراء أفعال الأنذال ، فأوجب ما يكون على الدّول الرّاغبة في الرّقيّ أن تمجّد صنائع اللهاميم (٢) ، وتحقّر معايب المذاميم ، فعلى مثل ذلك يقوم عماد الشّرف ، وتتسنّم مدارج الغرف ، وقد ورد : (أمرنا أن ننزل النّاس منازلهم) (٣) ، وجاء الحثّ على دراسة التّاريخ حتّى في أمّ الكتاب ، كما يؤخذ من قوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) وما كان أسمار السّابقين إلّا في مثل هذا وما أحسن قول أبي الطّيّب [في «العكبري» ٤ / ٢٦٠ من الوافر] :

وأكثر في مجالسه استماعا

فلان دقّ رمحا في فلان

ثمّ تراذل الزّمان ، فأنّث الرّجال.

وقال الطّيّب بامخرمة : (ثوبان (٤) : موضع شرقيّ الشّحر على مرحلتين منها ، فيه عينان كبريتيّتان ، ينتفع بهما من عدّة أدواء ، ذكرها القاضي مسعود) اه (٥)

مراسي بحر الشّحر إلى ظفار

أوّل ما يلي الشّحر إلى الجهة الشّرقيّة : العيص ، تبعد عن الشّحر ساعة ونصفا

__________________

(١) السّمر : حديث الليل ؛ أي : إنّ السّاهرين في حلقة القوم يتحدّثون بمآثرنا. وللبيت روايات أخرى.

(٢) اللهاميم : الأبطال.

(٣) روى الإمام أبو داود (٤٨٤٢) : عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : «أنزلوا النّاس منازلهم».

(٤) ثوبان : من ضواحي الديس الشرقية ، تتبع مديرية الشحر ، وسكانها من الحموم.

(٥) نسبة البلدان (ق ٦٥).


بسير الأثقال ، في بعد قليل عن السّاحل ، عبارة عن أكواخ قليلة محفوفة بزراعات ، أكثرها من التّبغ.

ثمّ جمعوض ، قرية صغيرة لا يزيد سكّانها ـ من العمّال والبادية آل بحسن ـ عن مئتي نفس ، وفيها معيانان وعدّة أبؤر.

ثمّ الحامي ، بينه وبين العيص أربع ساعات ، وفيه شبه من الشّحر من بعض النّواحي ، لو لا ما يتخلّله من أشجار النّارجيل ، ويقال : إنّ أهلها أحسن أخلاقا من أهل الشّحر.

ولمّا سمع هذا بعض أهل الشّحر .. قال : إنّ الأمر بالعكس ، وإنّهم ليضنّون حتّى بالماء ، ويقولون لمن طلب شربة ماء : (إنّه حامي ، لا يصلح للشّرب) ، ويتأكّد هذا بما قيل : إنهم الّذين امتنعوا من ضيافة الخضر وموسى ، وأنّ الجدار الّذي أقامه الخضر كان بالحامي لما تحته من كنز الغلامين اللّذين كان أبوهما صالحا.

وفي سيف الحامي عين ماء عذب كان النّاس يستقون منها للشّرب حال ما يجزر عنها البحر.

وفيها مدرسة سلطانيّة (١) ، وبها عين ماء حارّة ، إلّا أنّها أقلّ حرارة من مياه تبالة ، يزعم الأهالي : أنّ الاغتسال فيه شفاء من أنواع البثور ؛ ولذا يقصده الكثير من الأماكن البعيدة ، وأهل البلاد يغتسلون فيه كلّ صباح.

وفي «شمس الظّهيرة» [٢ / ٥٤٧] : أنّ به ناسا من ذرّيّة الحبيب سالم بن عبد الله بن علويّ الحدّاد (٢) ، وآخرين من ذرّيّة الحبيب عليّ بن محمّد جمل اللّيل باحسن (٣).

__________________

(١) وكان يشرف عليها العلّامة النّاخبيّ ؛ إذ كانت تحت مسؤوليّته كغيرها من المدارس السّلطانيّة.

(٢) الّذي في «شمس الظهيرة» أنّ بالحامي أناسا من ذرّيّة حسين ابن الإمام الحدّاد ، والصّواب ما ذكره المصنّف ، ولعلّ المطبوع من «الشّمس» دخله التحريف ؛ لأنّ معظم ذرّيّة الحسين المذكور إنّما هم بعمان ورأس الخيمة ونواحيها.

(٣) ويعرفون بآل باهارون باحسن ، وجدّهم الجامع لهم هو السّيّد : محمّد بن هارون بن علويّ الفقيه ابن عبد الله بن محمّد ـ صاحب بور ـ ابن عبد الله بن محمّد المجذوب ابن سالم بن أحمد بن عبد الرّحمن بن عليّ بن محمّد جمل اللّيل.


ثمّ المقد : وهي قرية لا بأس بها ، فيها السّادة آل المقديّ ، وناس من آل الشّيخ أبي بكر ، وآل بن عويضان ، وآل بن سبول ، وآل بامحيمود ، وآل بحسن من الحموم.

ثمّ القرن : وهي مرفأ الدّيس.

ومن وراء الحامي متشاملا : الدّيس ، بينه وبينه نحو خمس ساعات بسير الأثقال ، يبعد عن سيف البحر (١) بنحو ساعة ونصف للماشي.

وقد مرّ في أخبار الشّحر : أنّ عليّ بن حبريش استولى عليه واستباحه في حدود سنة (١٣٤٤ ه‍).

نسب الحموم :

ومرجع الحموم في النّسب ـ على ما نقله الشّريف عبد الله بن مصطفى بن زين العابدين عليّ بن عبد الله بن شيخ من خطّ الفقير الصّالح أحمد بامريم ـ : إلى حمير ، ومثله منقول عن خطّ الشّيخ عليّ باصبرين.

وحاصل ما وجد بخطّه : (أنّ المناهيل والحموم ويافع من حمير بن سبأ). قال باصبرين : (وهو منقول عن الشّيخ عمر العموديّ ، عن الحبيب عبد الله العيدروس).

وهم ينقسمون إلى قسمين :

القسم الأول : بيت القرزات ، ومقدّمهم اليوم : ابن شليان ، لا يزيد عددهم الّذي أسأرته المجاعة والحروب اليوم عن مئتين وخمسين راميا (٢).

والقسم الثّاني : بيت علي وألفافه (٣) ، وهو بيت رئاسة حبريش وبنيه ، ومقدّمهم اليوم : أحمد بن حبريش ، ولا يزيد عدد بيت عليّ الآن عن تسع مئة ، وينضمّ إليهم :

__________________

(١) سيف البحر : ساحله.

(٢) أسأرته : أبقته.

(٣) ألفافه : أحزابه وجماعاته ، وقد تكفل المقحفي بذكرهم في «معجمه» (٥٠٨).


بيت غراب ، وعددهم نحو الألف. وبيت عجيل ، وعددهم نحو ألفين. وبيت شنيني ، وعددهم نحو الألف. وبيت يمينيّ ، وعددهم نحو مئة وخمسين. وبيت عبيد ، وعددهم مئة. وبيت سعيد ، نحو مئة وخمسين. وبيت بحسني التّامبول ، نحو مئة وخمسين (١).

وينضمّ إليهم من بادية العلويّين : آل قطبان (٢) ، وبيت حمودة (٣) ، وهم نحو مئتين وخمسين. والمعتبر في هذه الأعداد هم الرّميان.

وخيامهم ضاربة بين الشّحر والمشقاص وحضرموت ، ولهم ذكر كثير في «الأصل»

وبالديس جماعة من ذرّيّة السّيّد عمر بن عبد الرّحمن بن محمّد شريم بن عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الله بن علويّ بن أحمد بن الفقيه المقدّم (٤).

قال شيخنا في «شمس الظّهيرة» [١ / ٣٧٦] : (وقد كان مكتوبا على عمر هذا أنّه انقرض ، ولكن ورد إلى تريم في سنة «١٢٧١ ه‍» السّيّد عمر بن عبد الله ، وهو من ذرّيّته ، وأثبت نسبه ونسب بني عمّه بحجّة واضحة إلى عمر المذكور ، فأثبته سيّدي عبد الله بن حسين بن طاهر ، والوالد أحمد بن عليّ الجنيد ، فليعلم ذلك. والسّادة المذكورون بالمقد والدّيس) (٥).

__________________

(١) لمعرفة المزيد من بيوت وقبائل الحموم ينظر : «الشّامل» (١٠٦ ـ ١٠٧) ، «أدوار التّاريخ» (٣٥٦ ـ ٣٥٧) ، «معجم المقحفي» (٥٠٨ ـ ٥٠٩).

(٢) آل قطبان ذرّيّة السّيّد قطبان بن عقيل بن أحمد بن أبي بكر السّكران ابن عبد الرحمن السّقّاف ، ظهر فيهم علماء وصلحاء ، سيأتي ذكر بعضهم في سيئون.

(٣) بيت حمودة أيضا من ذرّيّة السيد أحمد بن أبي بكر السّكران. «المعجم اللّطيف» (٦٢ ـ ٦٥).

(٤) وهم المعروفون بآل المقدي.

(٥) ومن أعيان علماء السّادة آل المقدي : السّيّد عمر بن عبد الله المقدي ، الّذي ذكره الحبيب عبد الرّحمن المشهور في النّصّ السّالف.

ومن أعيان الدّيس وسكّانها : السّادة آل الحدّاد ، وتقدّم في الحامي القول بأنّ بها جماعة من ذرّيّة السّيّد سالم ابن الإمام الحدّاد ، وأنّ بعضا منهم سكنوا الدّيس.

وأشهر من عرف بالعلم من هؤلاء السّادة ، العلّامة الكبير السّيّد عبد الله بن محفوظ بن محمّد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي بكر بن علويّ بن سالم ابن الإمام الكبير عبد الله بن علويّ الحدّاد


شرمة (١)

قد سبق أوائل التّعريف بالشّحر عن «نخبة الدّهر» : أنّ لحضرموت فرضتين على ساحل البحر ، يقال لإحداهما : شرمة ، وللأخرى : الشّحر.

وشرمة هذه هي في شرقيّ الدّيس إلى جنوبه على مسافة قصيرة جدّا ، وبها رسا أسطول الأتراك في حادثة مرير السّابق ذكرها.

وفي «معجم ياقوت» [٣ / ٣٣٨] أنّ شرمة اسم جبل ، يقول فيه أوس بن حجر [من الطّويل] :

تثوب عليهم من أبان وشرمة

وتركب من أهل القنان وتفزع

ويقول تميم بن أبيّ بن مقبل [من الطّويل] :

أرقت لبرق آخر اللّيل دونه

رضام وهضب دون رمّان أفيح (٢)

__________________

ولد ببلدة الدّيس الشّرقيّة ـ ويقال لها : ديس الحامي ؛ تمييزا لها عن ديس المكلّا ـ سنة (١٣٤٢ ه‍) ، ونشأ بها في كنف والده وجدّه محمّد بن إبراهيم ، ورحل في طلب العلم ، وله مصنّفات منها :

كتاب «السنة والبدعة» ، كتاب فريد بديع في موضوعه ، لم ينسج على مثاله ، انتفع به الناس كثيرا ، وصار مرجعا حتى لبعض كبار علماء عصرنا وللباحثين ، وطبع مرات. وفتاواه الشّرعيّة في النوازل العصريّة. جمعت. ورسالة الصّيام ، نشرت بتحقيق السيد علي محمد العيدروس. و «القول المثبوت في حكم دعاء القنوت» ، ط بتحقيق سبطه حسن الكاف ، و «فتاوى رمضان» ، نشرها بعض تلامذته. وغير ذلك.

وقد فجعت حضرموت بموته في رجب سنة (١٤١٧ ه‍).

ومن جلائل أعماله ترؤسه للجمعيّة الإسلاميّة بالمكلّا ، والّتي انبثقت عنها جامعة الأحقاف ، فكان لها شرف أن يكون المترجم رئيسا لمجلس أمنائها من حين تأسيسها سنة (١٤١٥ ه‍) إلى وفاته ، رحمه الله تعالى.

(١) شرما ، أو شرمة : منطقة بمديرية الشحر ، تقع شرقي الديس إلى الجنوب منه ، كما ذكر المؤلف.

وهي عبارة عن لسان رملي صغير ، كان قديما مركزا بحريا ، واعتبر في أيامنا هذه محمية طبيعية للسلاحف العملاقة التي تتواجد هناك بكثرة. «المقحفي» (٨٦٣).

(٢) الرّضام : الصّخور العظام. الهضب : الجبال الطّويلة الممتنعة المنفردة. رمّان : جبل في بلاد طيّء.


، بحزن شآم كلّما قلت قد ونى

سنا ، والقواري الخضر في اللّيل جنّح (١)

فأضحى له جلب بأكناف شرمة

أجشّ سماكيّ من الوبل أفضح (٢)

وأبان مذكور في قول امرىء القيس [في «معلّقته» من الطّويل] :

كأنّ أبانا في عرانين وبله

كبير أناس في بجاد مزمّل (٣)

فيظهر أنّ شرمة المذكورة في هذين الشّعرين هي هذه ؛ لأنّ امرأ القيس حضرميّ ، وقد ذكر أبانا وهو إلى جانب شرمة (٤).

وأبانان : جبلان لبني تميم بن دارم بن مرّ (٥).

__________________

الأفيح : الواسع. والمعنى : أرقت لهذا البرق الّذي بيني وبينه تلك العقبات والمسافات الواسعة.

(١) ونى : ضعف. السّنا : ضوء البرق. القواري ـ جمع قارية ـ وهي : طير قصير الرّجل ، طويل المنقار ، أخضر الظّهر ، يحبّه الأعراب كثيرا. جنّح : كاسرة أجنحتها ، مقبلة كاللّاجىء الواقع.

وفي المخطوط : (والضرار) بدل : (والقواري).

(٢) الجلب : السحاب. أكناف : نواصي. أجشّ : في صوته غلظ. سماكيّ : مطر بنوء السّماك ، وهذا على معتقدات أهل الجاهليّة الباطلة ، وهو منهيّ عنه. الوبل : المطر. أفضح : أبيض.

(٣) أبان : اسم جبل. عرانين وبله : أوائل مطره. البجاد : كساء مخطّط من أكسية الأعراب. مزمّل : ملفوف. وللبيت روايات أخرى غير هذه. والله أعلم.

(٤) من الملاحظ أن المؤلف يكثر من التدليل على حضرمية امرىء القيس بذكره لأسماء مواضع متعددة توجد ب (حضرموت) ، والحال أنه يوجد مثل لها في نجد ، حيث نشأ وعاش ، وهذا الأمر يحتاج إلى تحقيق وإعادة نظر ، ولا يمكننا التسرع ورمي المؤلف بالخطأ ؛ إذ لو لا وجود مواضع ب (حضرموت) في شعر امرىء القيس ك (دمّون) ، وصيلع ـ وهي مواضع شهيرة ، ومعروفة إلى اليوم ب (حضرموت) .. لما كان للمؤلف وهو من هو في العلم والتثبت والاطلاع أن يميل إلى هذا الرأي.

(٥) علق العلامة الجاسر ـ رحمه الله ـ على هذا بقوله : (شرمة الوارد في هذه الأشعار : في نجد ، غرب بلاد القصيم بقرب أبانين ، الجبلين اللذين لا يزالان معروفين هناك. ولا صلة لهما بالقارتين اللتين قال عنهما : إنهما لبني تميم بن دارم بن مر. وهنا خطأ ، فتميم هو ابن مر ، ودارم من فروع بني تميم. والقول بأن أبانا الوارد في شعر امرىء القيس هو في حضرموت لأن امرأ القيس حضرمي.

هذا القول غير صحيح. فامرؤ القيس عاش في نجد ، وأكثر المواضع التي يذكرها في هذه البلاد لا في حضرموت) اه


وفي شرقيّ شرمة ، قارتان متقابلتان ، تقرب منهما عين عذبة ، بينهما خور صغير (١). يقال له : خور يضغط (٢) ، ترسو به السّفن الّتي تهرّب المسافرين ـ من المكلّا والشّحر ـ الّذين لم يسمح لهم بركوب البحر من سواحل القعيطيّ إلى سيحوت والسّواحل الإفريقيّة ، وعمّال القعيطيّ بتلك النّواحي يغضّون الطّرف عنهم مساعدة للإنسانيّة (٣).

ومن وراء ذلك : قصيعر (٤) ، وهي قرية لا بأس بها ، كانت تحت حكم آل عبد الودود ، وآخر أمرائهم بها : جعفر بن عليّ.

ومثلها الرّيدة الّتي تليها.

وفي قصيعر كثير من المشايخ آل باعبّاد ، من أواخرهم : الشّيخ عبد الله ابن خالد ، أحد تلاميذ سيّدنا الأبرّ عيدروس بن عمر ، توفّي بها (٥).

وقد سألت المكرّم الأمير محمّد بن عبد الله بن أحمد بن محمّد بن عبد الودود عن كيفيّة خروج الرّيدة وقصيعر عن حكمهم .. فقال : (في سنة «١٢٩٤ ه‍» جهّز القعيطيّ سبع سفائن ، في كلّ سفينة مئة عسكريّ بعتادهم ، ولم يكن منّا أحد بقصيعر ، فأخذوها صفوا (٦) ، ولمّا سمعنا بعزمهم إلى الرّيدة .. تحمّلنا إلى بلاد

__________________

(١) الخور : المكان المنخفض بين جبلين.

(٢) خور يضغط : خور صغير على شاطىء البحر العربيّ ، بالقرب من رأس شرمة ، تربض عليه قرية تتبع مركز الدّيس الحامي ، من مديريّة الشّحر ، وسكّانه من الثّعين.

(٣) كان هذا إبّان ناءت المجاعة بكلكلها على حضرموت أثناء تصنيف هذا الكتاب.

(٤) تبعد قصيعر عن الشّحر مسافة (٦٧ كم) في شرقيّها.

(٥) بعد سنة (١٣٤٤ ه‍). واسمه ـ أي ابن خالد ـ تامّا : عبد الله بن محمّد بن أحمد بن عبود بن خالد بن عليّ بن أبي بكر بن عليّ بن محمّد ابن الشّيخ الحسين بن عليّ بن عبد الله بن عقيل باعبّاد ، وفي رسالة له من مفتي قعطبة الشيخ عبد الله بن أحمد المسدس باعباد مؤرخة في (١٣٤٤ ه‍) يطلب مفتي قعطبة المذكور الإجازة من ابن خالد ، ويصفه فيها ب (الشّيخ الإمام المكين ، العارف بالله ورسوله ..) إلخ ، ويطلب منه أن يرسل له ما يوجد من المعلومات لديه عن أصل باعبّاد ؛ إذ كان ينوي أن يجمع كتابا عن سيرهم وأخبارهم.

(٦) صفوا : في سهولة ويسر.


المهرة بكلّ ما نقدر عليه ؛ إذ لا قبل لنا بهم ولا نزيد مع عبيدنا على ثلاثين مقاتلا ، وكنّا عزمنا على الرّحيل إلى السّواحل الإفريقيّة مثل ما فعل النّقيب ، غير أنّ سالمين بن حسن بن قحطان العليّ الحموميّ ردّنا إلى بلادهم ، وأسكننا في عسد الجبل ، فاتّصلنا بأموالنا ، وكانت في ضواحي قصيعر والرّيدة.

ومع قوّة الحموم إذ ذاك لم يقدر القعيطيّ عليها ، وكانوا لا يعقدون صلحا مع القعيطيّ إلّا كان أماننا أوّل شرط فيه.

وعرض علينا السّلطان منصور بن غالب غيل ابن يمين فلم يعجبنا ؛ لبعده عن أموالنا.

وكانت أمّ السّلطان منصور الكثيريّ عمّتي ـ ولها أختان ، إحداهما : كيميا ، تحت عمر بن حفظ الله. والأخرى : سلمى ، تحت أحمد بن محمّد ـ فطلبت أمّ السّلطان وصولنا ، فوصلت أنا وأبي وعمّتاي وزوجاهما ، وأقمنا بسيئون نحوا من عشرين عاما ، ثمّ عدنا إلى عسد الجبل.

ولمّا تمّت المعاهدة بين الكثيريّ والقعيطيّ .. عدنا إلى الرّيدة ، واجتمعنا بالسّلطان غالب بن عوض القعيطيّ ـ وهو رجل لا يعرف الحقد ـ فرأينا من لطفه ما لا يفي به الكلام ، وأعفانا من جميع الرّسوم ، ومن ذلك اليوم ونحن في غاية الرّاحة). هذا كلامه بمعناه.

وكان سلطان آل عبد الودود يوم نازلهم القعيطيّ هو : جعفر بن عليّ السّابق ذكره.

وفي شمال قصيعر على نصف ساعة بسير الأثقال قرية قديمة ، يقال لها : مهينم.

ومن ورائها شمالا على ساعتين غيضة ، يقال لها : معبر (١) ، من قدامى البلدان.

__________________

(١) معبر : منطقة زراعيّة من أعمال الشّحر ، وبها عينان ترويان النّخيل بها ، ويعيش سكّانها على الصّيد ، وتسمّى : غيضة معبر.


وعلى ثمان ساعات في شمالها : عسد الجبل (١) السّابق ذكره ، به ناس من الحموم : الجامحة ، وبني عجيل (٢) ، وسادة من بيت حمودة ، وغيرهم.

الرّيدة (٣)

هي في شرقيّ قصيعر ، وكانت تسمّى : (ريدة ابن حمدات) ، وتسمّى الغيضة ، وكانت لآل كثير ، وكانوا على نوع من القرصنة.

جاء في الحكاية (٤٥) من «الجوهر الشّفّاف» [١ / ٩٩ ـ ١٠٠] : عن السّيّد محمّد بن الفقيه المقدّم (٤) أنّه قال : (سافرت من ظفار مع بعض الهنود ، فلمّا وصلنا الغيضة بلاد آل كثير .. نشبت سفينتنا بجبل في البحر (٥) ، فأقبل آل كثير بسنابيقهم لينهبونا (٦) ؛ لأنّ من عادتهم أن ينهبوا جميع ما في المراكب الّتي تعطب هناك ، ولكن انبعثت سفينتنا قبل أن يصلونا .. ففتناهم ، وكان هذا أثناء القرن السّابع).

وفي يوم الخميس غرّة جمادى الأولى من سنة (١٢٧٢ ه‍) رسا بها السّلطان غالب بن محسن الكثيريّ مخرجه من الهند إلى حضرموت ، بعدما تمهّدت له إمارتا سيئون وتريم على يد أخيه عبد الله وابن أخته عبود بن سالم.

__________________

(١) عسد ـ بكسرتين ـ ويقال لها : عسد الفايد ، وأرضها عبارة عن تلال من صخور بركانيّة سوداء.

(٢) بنو عجيل هؤلاء من فخائذ الحموم ، ولا علاقة لهم ببني عجيل الساكنين بمدينة بيت الفقيه بتهامة اليمن.

(٣) الريدة المرادة هنا : هي ريدة آل عبد الودود. وهي بلدة على الشّاطىء الشّرقيّ السّاحليّ لمدينة الشّحر ، تبعد عنها مسافة (٤٠ كم) ، سمّيت بحكّامها آل عبد الودود الكثيريّين ، وكانت تسمّى : ريدة بن حمدات كما ذكر المصنّف ، أو ريدة المشقاص ، وهي منطقة كثيرة التعاريج والمنحدرات ؛ لكثرة التّلال والجبال ، والوديان ومجاري المياه ، وتقع منازل أهلها في أعالي الجبال وسفوحها ، وفي بطون الوديان.

(٤) الّذي في «الجوهر» : محمّد بن عليّ ابن الفقيه أحمد بن علويّ عمّ الفقيه ، يرويها عن عمّه محمّد ابن الفقيه أحمد .. وهي الحكاية رقم (٤٦) في النّسخة الّتي لدينا. ومحمّد بن أحمد هذا هو الملقّب : (النّقعي) وقد سبقت ترجمته في النّقعة.

(٥) نشبت : علقت.

(٦) السّنابيق : الزّوارق الصغيرة.


ولم يكن القعيطيّ بغافل عن استمرار المواصلات بين الرّيدة وحضرموت ، ولكنّه خشي الانفجار من الضّغط .. فانتظر الفرصة المناسبة ، ولمّا انبتّت أقران آل كثير بإثر هزائمهم في الحزم وصداع .. نهض لها ولقصيعر ، فكان ما كان (١).

وفي الرّيدة جماعة من السّادة آل العيدروس ، وآل الجفري ، وآل الشّيخ أبي بكر بن سالم ، وجماعة من المشايخ آل باحميد ، منهم الآن : الشّيخ النّبيه المشارك في الفقه ، طه بن عليّ بن محمّد باحميد.

ومن وراء الرّيدة إلى الشّرق : دمخ حساج (٢) ، ودمخ اسم للجبل ، وحساج اسم للمكان الّذي حواليه.

وبه دلّلت على وجود قبر حنظلة بن صفوان عليه السّلام بحضرموت ، كما يأتي في موضعه عند ذكر بور ، ولعلّ دمخا هذا هو المشار إليه بقول ياقوت [١ / ٣٩٤] : (وبرقة دمخ : اسم جبل ، قال سعيد بن براء الخثعميّ [من المتقارب] :

وفرّت فلمّا انتهى فرّها

ببرقة دمخ فأوطانها

وقال طفيل الغنويّ [من الطّويل] :

فلمّا بدا دمخ وأعرض دونه

غوارب من رمل تلوح شواكله

وقال طهمان بن عمرو الكلابيّ [من الطّويل] :

كفى حزنا أنّي تطاللت كي أرى

ذرى قلّتي دمخ فما تريان

__________________

(١) ينظر : «تاريخ بن حميد» (٢ / ١٥٠).

(٢) الدّمخ ـ بفتح وسكون ـ : موضع في وادي المسيلة من مديريّة سيحوت وأعمال محافظة المهرة ، وقد يقال له : دمخ حساي ؛ نسبة إلى قرية هناك ، وهو الحدّ الفاصل بين منطقة الحموم (حضرموت القديمة) ومنطقة المهرة ، ولعلّ الياء في حساي مقلوبة عن الجيم كما هي عادة الحضارمة.

تنبيه : قال العلامة الجاسر ـ رحمه الله ـ : (دمخ الوارد في شعر الخثعمي : جبل مشهور من جبال نجد ، لا يزال معروفا ، وفيه برقة هي التي ذكرها ياقوت في «معجمه». ولا يدل وجود مكان باسم دمخ في حضرموت بأنه المقصود في الأقوال القديمة التي ذكرها ياقوت وغيره ، ما لم توجد قرينة توضح هذا ، ولا قرينة هنا) اه


وهناك آثار قديمة تدلّ على ضخامة ملك وتقدّم حضارة. وهذا المكان هو الحدّ الفاصل بين القعيطيّ والمهرة.

ومن ورائه إلى جهة الشّرق : درفات ، وهي قرية فيها مسجدان.

ثمّ حيريج (١) ، ولها ذكر كثير في التّاريخ (٢) ، قال الطّيّب بامخرمة : (وهي أمّ المشقاص ، وفيها محمّد الحشريت ، وشيوخهم الأشعثيّون من ذرّيّة الأشعث بن قيس الكنديّ.

وفيها بندر يقصده أهل الهند ومقدشوه ، ويتوسّمه أهل الشّحر وحضرموت (٣) ، ويحمل منه الكندر (٤) والصّيفة (٥) إلى عدن وبربرة وجدّة وإلى كل محلّ. ذكرها القاضي مسعود) اه

ولكنّها دثرت ولم يبق منها إلّا القليل ، وفيها مسجد للشّيخ عبد الله القديم عبّاد.

ومن ورائها : سيحوت (٦) ، على مسافة ثلاثة أيّام إلى جهة الشّرق بالرّيح المعتدل

__________________

(١) حيريج : موضع في غربي وادي المسيلة ، ما بين الشحر وسيحوت من بلاد المهرة ، «الشامل» (١١٧)

(٢) منها : خروج أهلها سنة (٦١٩ ه‍) على ابن مهدي ، وقتل عبد الله الحبوظي بها سنة (٦٤٦ ه‍).

ووفاة الشيخ شماس بن أحمد الشعبي بها سنة (٧٤٢ ه‍). وحوادث في (٧٨٩ ه‍) ، و (٧٩٠ ه‍) ، و (٧٩١ ه‍). وفي (٨٣٢ ه‍) صال سعد بن فارس (بادجانة) من حيريج على ظفار. وظل آل بادجانة بها إلى سنة (٨٦٣ ه‍). وفي سنة (٨٧١ ه‍) أخذها آل كثير. وفي سنة (٩١٢ ه‍) حفر الشيخ عبد الله بافضل بئرا بها. ينظر : «تاريخ شنبل» (٨٠ ، ٩٣ ، ١٢٠ ، ١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٧٠ ، ١٨٩ ، ١٩١ ، ١٩٣ ، ٢٢٥). «العدة المفيدة» (١ / ٨١ ، ١٣٤ ، ١٤٠ ، ١٦٧ ، ١٨٠ ، ١٩٦ ، ٢٠٠ ، ٢١٧ ، ٢١٩).

(٣) يتوسّمه أهل الشّحر : يطلبون كلأ الوسميّ ، وهو الكلأ النّاتج عن مطر الرّبيع.

(٤) الكندر : اللّبان ، نوع من العلك ، ويقال له (المستكى).

(٥) الصّيفة : عند الحضارمة هي زيت كبد الحوت.

(٦) تقع سيحوت في شرقيّ المكلا ، وتبعد عنها نحو (٥٠ كم) ، وهي عاصمة محافظة المهرة. وتقع سيحوت على خط الطول (١٥ ـ ١٨ ـ ٥١) (واحدة وخمسون درجة ، وثماني عشرة دقيقة ، وخمس عشرة ثانية). وخط عرض (١٤ ـ ١٥) (خمس عشرة درجة وأربع عشرة دقيقة).


في السّفن الشّراعيّة من يضغط ، وهي البلاد الحرّة الّتي لمّا يطمثها الأجنبيّ (١) ، ولو لا حرّيّتها .. ما انفتحت للحضارمة طريق الهجرة لمّا اقشعرّت بهم البلاد من المجاعة الّتي ابتدأت في سنة (١٣٦٠ ه‍) ولا تزال ضاربة بجرانها (٢) إلى اليوم بسبب انقطاع المواصلات من جاوة الّتي هي المنيحة الدّارّة (٣) للحضارمة ومصدر السّعادة ، خصوصا لمن نزل عن شبام من أهل حضرموت (٤) ، أمّا ما وراء شبام (٥) .. فإنّهم لم يتأثّروا بالأزمة تأثّر هؤلاء ؛ لاتّصالهم بالحجاز والحبشة والأرتريا وعدن وغيرها ، من البلاد الّتي لم تنسدّ في أيّام الحرب.

ولو لا ما سمح به نوّاب سلطان سيحوت المهرة ـ جزاهم الله خيرا ـ من بذل الجواز لمنكوبي حضرموت إلى السّواحل الإفريقيّة .. لمات منهم بالجوع ضعف ما قد مات ، لكنّهم فعلوا معهم جميلا لا يضيع ، وطوّقوهم بمعروف لا ينساه إلّا أبناء الزّنا ، بينما ضرب عليهم الحصر من كلّ ناحية ، وسدّت في وجوههم الأبواب من كلّ سبيل (٦).

وسلاطين هذه البلاد على حالتهم البدويّة ، وطبيعتهم الفطريّة ، يمشون حفاة ، ولا شرطة ولا حجّاب ، ولا فرق بينهم وبين السّوقة إلّا بما على وجوههم من الشّهامة :

__________________

(١) لم يطمثها : لم يمسّها.

(٢) الجران : مقدّم العنق من مذبح البعير إلى منحره ، فإذا برك البعير ومدّ عنقه على الأرض .. قيل : ألقى جرانه بالأرض ، وهو كناية عن الأمن والاطمئنان. والمقصود هنا : أنّ هذه المجاعة ما زالت مستمرّة كالإنسان الّذي يجلس بين أهله هادىء البال لا يفكّر بالارتحال.

(٣) المنيحة : الشاة المعارة للإنسان كي يستفيد من لبنها. الدّارّة : كثيرة الدّرّ والحليب ، وكذلك كانت بلاد جاوة.

(٤) يعني بهم أهل حدرى في عرف أهل حضرموت ، وهم أهل القرى والبلدان الواقعة شرقيّ شبام.

(٥) وهم (أهل علوى) في عرف الحضارمة ، من يسكن الجهة الغربيّة من شبام ، والعقاد ، فالقطن وما حواليها.

(٦) جزى الله المصنّف خيرا بتدوينه هذه المعلومة التّاريخيّة الهامّة ، فإنّ الأجيال المتأخّرة تجهل أمثال هذا الصّنيع والجميل جهلا تامّا ، ولو لا التّدوين .. لما عرفت الحقائق.


متصعلكين على ضخامة ملكهم

متواضعين على علوّ الشّان (١)

وعلى قريب منها كانت أحوال أمراء بلادنا إلى ما قبل اليوم بنحو من ثلاثين عاما فقط ؛ إذ لم ينخر في عظامهم سوس المدنيّة الشّومى (٢) إلّا من عهد جديد.

وسلطان المهرة اليوم (٣) في نحو الخمسين من عمره ، واسمه : أحمد بن عبد الله بن محمّد ، ومقرّه سقطرى ، ولكنّ أبناء عمّه بسيحوت استقلّوا ببعض الأمور مع اعترافهم له بالسّيادة العامّة ورجوعهم إليه في المهمّات وقد ذكرت في «الأصل» صاحب سقطرى السّلطان عمر بمناسبة أنّ الضّابط الإنكليزيّ المسمّى : هينز زاره في سقطرى ، وحاول أن يرضيه عنها ؛ لوفائها بما تقصده حكومته لاستيداع الفحم بالبحر الهنديّ ، فقال : (إنّها هبة من الله للمهريّين ، يتلقّاها الأحفاد عن الأجداد ، ومعاذ الله أن أكون أنا السّبب في تضييعها عليهم).

ولكنّهم تمكّنوا في (٢٣) أبريل سنة (١٨٨٦ م) من إدخالها تحت الحماية بمعاهدة ، جاء في المادة الأولى منها : (إنّ الحكومة البريطانية تتعهّد بوضع جزيرة سقطرى وملحقاتها تحت سلطة السّلطان عبد الله بن سالم بن سعد بن عفرير وداخل حدوده ، تحت حماية جلالة الملكة الإمبراطورة).

وفي المادة الثّانية مثل ما في أخواتها ، وهو : (يتعهّد السّلطان عن نفسه وعن أقاربه وورثائه بالامتناع من الدّخول في أيّة مراسلة أو اتّفاقيّة مع أيّ دولة إلّا بعد إطلاع الحكومة البريطانيّة).

وعليها إمضاء السّلطان عبد الله بن سالم المذكور.

وشهودها : محمّد بن صالح جعفر ، وسالم بن أحمد بن سعد بن عفرير ،

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو للمتنبّي في «العكبري» (٤ / ١٧٩) ، والمعنى : أنّهم على كثرة ملكهم ، وعظيم قدرهم .. كالصّعاليك ـ الفقراء الذين لا مال لهم ـ لكثرة غزواتهم ؛ فإنّهم لا يبقى معهم مال ، بل كل ما يغنمونه يخرجونه ، وهم على عظيم قدرهم يتواضعون إلى النّاس.

(٢) الشّومى : أي المشؤومة.

(٣) وكان ذلك سنة (١٣٦٧ ه‍).


وسعد بن امبارك قاضي قشن ، ومحمّد بن سعد قاضي قلنسية (١) وسقطرى.

والسّلطان عبد الله هذا هو والد السّلطان الحاليّ أحمد بن عبد الله بن سالم بن سعد.

ولسلطان المهرة أبناء عمّ اليوم يجاذبونه الحبال بإغراء الإنكليز ، فلم يجدوا مغمزا في قناته (٢) ، ولا مكسرا في عوده ، وأبى أن يجدّد تلك المعاهدة بأضرّ منها عليه ، وأصرّ على ابتعاده عنهم ، بل بقي مصرّا على التّباعد عنهم ، غير أنّه اضطرّ أن يعطيهم مطارات في سقطرى وقشن بعد أخذ التّعهّدات عليهم بالجلاء بعد انتهاء مدّة الحرب.

ومن سلاطين المهرة : طوعريّ بن عفرار ، ثمّ ولده سالم بن طوعريّ ، ثمّ ولده سعيد بن سالم ، ثمّ أحمد بن سعيد ، ثمّ الحكمان بن أحمد ، ثمّ ابنه الحكم بن الحكمان ، ثمّ ولده محمّد بن الحكم ، ثمّ سالم بن محمّد ، ثمّ ولده ناصر بن سالم ، ولعلّ ناصرا هذا أخ لعبد الله بن سالم الموقّع على المعاهدة السّابق ذكرها ، والله أعلم.

والضّرائب لديهم خفيفة جدّا ، مع أنّهم لا يأخذون رسوما إلّا في سيحوت وقشن فقط ، ولا يأخذون شيئا في بقيّة المرافىء ، ثمّ لا يأخذون إلّا من الغريب ، وأمّا من الأهالي .. فلا ، وغاية ما يأخذونه من الغرباء خمسة في المئة اسما ، وبالحقيقة أقلّ من ذلك ؛ لفرط التّسامح في التّثمين ، وكثيرا ما يعفون من استعفاهم جملة.

وأكثر تجارة آل سيحوت وقشن والغيضة في : العنبر ، والصّيفة ، والصّيد ، والوزيف ، والأنعام ، وما أشبه ذلك.

وقد بلغني أنّ الله أراح السّلطان أحمد بن عبد الله من ابن أخيه الّذي كان يؤذيه ، وهو : حبريش بن سعد ، فمات في سنة (١٣٦٤ ه‍) ودفنوه بتربة سيحوت ، المسمّاة : تربة محمّد بن سعيد باكريت ، وهي تربة جميلة ، يظلّها كثير من شجر الأراك ، وهي في وسط البلاد على مقربة من الجامع.

__________________

(١) قلنسية : واد في جزيرة سقطرى ، وهو مركز إداري يشمل عدة قرى.

(٢) المغمز : المطعن والثّغرة. القناة : الرّمح.


والشّيخ محمّد بن عبد الله باكريت هذا (١) من أخصّ تلاميذ الشّيخ عبد الله القديم عبّاد ، وله في مناقبه ذكر كثير ، منه : أنّه قدم عليه بستّة آلاف دينار ، وبمثلها من البزّ والطّعام ، فأمره بأن يدفع ذلك للخادم ، فوضع الدّنانير بخزانة تحاذي مجلس الشّيخ ، ولمّا أكثر من الدّخول والخروج للأخذ منها في سبيل الحاجات .. تشوّش فكر الشّيخ ، فقال له : (اقلع هذا المال ـ قلعه الله ـ فقد شوّش عليّ) (٢). أو ما يقرب من هذا المعنى ، وعهدته على الشّيخ عبد الرّحمن بن عبد الله باشميله باعبّاد (٣) ؛ فهو آخر من أخبرني بالقصّة ، مع أنّني كنت أحفظها بدون هذا القدر الكثير.

والّذي يتحدّث به كثير من شيوخ آل باعبّاد : أنّ محمّد بن عبد الله باكريت (٤) هذا

__________________

(١) ههنا نظر .. فأوّلا ذكره باسم : محمّد بن سعيد ، ثمّ يقول : محمّد بن عبد الله ، ولا أدري فلعله سبق قلم منه؟ وأمّا محمّد بن عبد الله باكريت .. فوفاته سنة (٧٣٣ ه‍) ، وسنترجم له قريبا. وآل باكريت يقال إنّهم عقيليّون ، ذكر ذلك الحبيب أحمد بن حسن العطّاس في «رسالته في الأنساب».

(٢) في هذا الكلام إشارة إلى مبحث عظيم من مباحث الشّريعة الإسلاميّة ، ذكره مفصّلا مطوّلا الإمام محمّد بن الحسن الواسطيّ في كتابه «مجمع الأحباب» ، ـ وهو من إصدارات دار المنهاج بجدة ـ وحاصل ما فيه باختصار :

أنّ الإنسان لا يدّخر طعاما ولا مالا إذا علم أنّ هذا المال أو الطّعام سيشوّش عليه توكّله على الله تعالى فيتّكل على الطّعام والمال الّذي عنده وينسى الله تعالى ؛ فمن أجل ذلك نهى النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الادّخار. وهناك حالة ثانية وهي أنّ بعض النّاس يصل في حالة مع الله عز وجل لا يرى غيره في الوجود ، فلا يرى فاعلا حقيقيا ولا متصرّفا ولا رازقا غير الله سبحانه وتعالى ففي هذه الحالة يجوز للإنسان أن يدّخر ولا يضرّه في إيمانه شيئا ؛ فمن أجل ذلك ادّخر النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعض المرّات.

(٣) المتوفّى بالغرفة سنة (١٣٨٤ ه‍) تقريبا ، ترجمته في «الشعراء» (٥ / ٢٣٥).

(٤) الشّيخ محمّد بن عبد الله باكريت ، أحد أعيان السّاحل الحضرميّ في القرن الثّامن الهجريّ ، تربّى بأبيه الشّيخ عبد الله بن أحمد ، المتوفّى سنة (٦٦٧ ه‍) ، وبالشّيخ الجليل المرشد الصّالح عبد الله القديم باعبّاد (ت ٦٨٧ ه‍) ، الآخذ عن الفقيه المقدّم محمد بن عليّ باعلويّ.

كان على قدم الصّلاح والعبادة والزّهد ، ذا مال وجاه ، وفي «تاريخ شنبل» في حوادث سنة (٧٧٦ ه‍) ذكر وفاة أحد أبنائه ، إلّا أنّه لسقم النّسخة لم يتبيّن المحقق اسم ذلك الابن.

وله آثار علمية. للشّيخ محمد باكريت هذا .. راتبه المشهور ، وهو مجموعة أذكار وأدعية.

والملاحظ أنّ كثيرا من أدعية وأذكار هذا الرّاتب تكرّر وتتلى في بعض مساجد تريم ، لا سيّما مسجد آل أبي علويّ خصوصا بعد صلاة العشاء.


هو الّذي اختطّ سيحوت بإشارة شيخه القديم ، وكان خراجها خالصا له ، إلّا أنّه يهدي لمطبخ الشّيخ القديم ما تسمح به نفسه.

وبعضهم يكتب (باكريد) بالدّال ، وآخرون يكتبونه بالتّاء.

وفي حوادث سنة (٦٦٧ ه‍) [ص ٩٩] من «تاريخ شنبل» : (توفّي الأديب ، الصّالح ، الفقيه ، عفيف الدّين ، عبد الله بن أحمد باكريت ، والد الشّيخ المقبور بسيحوت) اه

ولم يذكر أنّه أوّل من اختطّها ، ولكنّ دفنه في غير المكان الّذي دفن فيه أبوه قد يشير إلى ذلك.

ولا يزال آل باعبّاد يتقاضون رسوما وأوقافا من بلاد المهرة حوالي سيحوت ، ومنه تعرف امتداد جاه باعبّاد ، وما أدري! أهو الّذي تأطّدت (١) به الدّولة الكثيريّة البائدة ، أم هو الّذي اتّسع بها؟ والمظنون أنّ كلا استفاد من الآخر.

وفي «بستان العجائب» للسّيّد محمّد بن سقّاف بن الشّيخ أبي بكر بن سالم ما يصرّح بأنّ السّادة آل عمر بن أحمد من آل الحامد بن الشّيخ أبي بكر بن سالم صاروا يشاركون آل باكريت في حاصلات سيحوت. والله أعلم (٢).

ومن وراء سيحوت : عتاب (٣) ، فيها قبيلتان من المهرة : آل ابن عقيد ، وآل ابن محامد.

__________________

ومن هذه الأذكار : (يا الله لنا بالسّعادة ، والخاتمة بالشّهادة. يا الله بدعوة مجابة ، والعرش مفتوح بابه. ربّ اسقنا غيث الإيمان ، غيث المودّة والإحسان. يا الله بنظرة من الله ، نظرة وفيها المسرّة). وغيرها ، وعدّة جمل «راتب باكريت» : (٢٥) جملة.

(١) كذا في الأصل ، ولعلها : توطّدت ؛ أي : ثبتت.

(٢) وبسيحوت معهد ورباط للعلم يسمّى رباط النّور ، أسّسه ودرّس فيه السّيّد الفاضل عليّ بن محمّد بن عليّ الحامد ، المولود بعينات سنة (١٣٢٣ ه‍) ، والمتوفّى سنة (١٣٨٤ ه‍).

(٣) عتاب ـ بفتحتين مخففا ـ : رأس جبلي في ساحل المهرة بالقرب من سيحوت ، وهو مركز إداري يشمل عددا من القرى ، منها : عوبر ، رخوت ، حبقيت ، ضدك ، جزول ، رغبون ، وغيرها.


ثمّ قشن (١) ، وهي مدينة لا بأس بها ، يسكنها آل عفرار (٢) ، بيت سلطنة المهرة ، وهي قاعدة ملكهم في البلاد العربيّة ، ولا يزيد عددهم عن ثلاثين رجلا.

وفي قشن ناس من آل باعبده منسوبون إلى العلم ، يتوارث القضاء فيهم ، والقاضي فيهم لهذا العهد (٣) هو : الشّيخ امبارك بن سعيد باعبده ، وهو كسلفه لا يحتاج في تنفيذ أحكامه إلى أوامر سلطانيّة ، بل يتلقّاها النّاس بالقبول ، ويخضعون لها بهيبة الدّين وسلطانه على النّفوس ، وأكثر أحكامهم الإصلاح. وبهذا ذكرت ما كان في أيّام الأجداد ، وما كان يمثّله من أحوالهم في القضاء شيخنا الوالد علويّ بن عبد الرّحمن السّقّاف ؛ فإنّه لم يكن يستمدّ نفوذه من السّلطان ، وإنّما يستمدّه من صولة الحقّ ومهابة الدّيانة (٤).

ومن وراء قشن : صقر. ثمّ حصويل ، ثمّ رأس الفرتك ، ثمّ خيصيت ، ثمّ نشطوت ، ثمّ خلفوت ، ثمّ ضبوت ، ثمّ هروت. ثمّ محيفيف ، وهي : مرسى الغيضة الّذي كان بها مدفن المنصب السّيّد سالم بن أحمد (٥) ، وسيأتي في عينات ذكر سبب نجوعه إليها منها وما يتعلّق بذلك ، ولا يزال بها جماعة من أعقابه.

منهم : منصبها الآن : السّيّد عليّ بن أحمد.

ومنهم : المعمّر السّيّد عيدروس بن محسن ، توفّي بشعبان من سنة (١٣٦٦ ه‍) عن نحو من تسعين عاما.

__________________

(١) مدينة ساحلية في بلاد المهرة ، تقع في شمال شرق سيحوت ، يتكون خليجها من رأسين بارزين إلى البحر ، هما : رأس شروين ، ورأس درجة ، بينهما حوالي (١٩ كم). ويقع أحسن مكان لرسوّ السفن عند بندر لسك ، غربيّ قشن ، حيث تحتمي السفن من الرياح الجنوبية الغربية.

(٢) وقد تمال فيقال : عفرير.

(٣) أي : عهد المصنّف ، أواسط القرن الرّابع عشر الهجريّ.

(٤) آل باعبدة : أسرة معروفة بالعلم كما ذكر المصنّف ، ومنهم جماعة وفدوا على رباط تريم للأخذ عن الحبيب عبد الله الشّاطريّ ، ولا زال منهم قضاة ونوّاب عقود في قشن إلى اليوم.

(٥) سالم بن أحمد بن الحسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم ، كان سيّدا فاضلا ، ذا جاه وحشمة توفّي بالغيضة سنة (١٠٨٧ ه‍) ، ويعرف عند النّسّابة وأصحاب الطّبقات العلويّة بسالم المهاجر.


ومنهم : ولده عمر ، شابّ نشيط ، يخوض غمرات البحور للملاحة ، وقد جرت له فيه أمور هائلة في هذه الحرب المشؤومة.

وفيها سادة من آل باعبود.

منهم : قاضيها الآن : السّيّد سالم بن عليّ بن زين باعبود.

وفيها ناس من بيت كلشات وبيت كدّه ، كلاهما من المهرة.

ومن وراء محيفيف إلى المشرق : أيروب ، ثمّ الفيدميّ ، ثمّ الحصن ، ثمّ من ورائه متشاملا : مكان الشّيخ محمّد بن عبد الله الجوهريّ ، وهو جبل بساحل البحر.

ثمّ الفتك ، ثمّ دمقوت ، ثمّ جاذب ، ثمّ حوف. وهذه كلّها ابتداء من درفات بلاد المهرة.

ثمّ تبتدىء أعمال ظفار ، وأوّلها : رخيوت. ثمّ ريسوت السّابق ذكرها عند حصن الغراب ، وكلاهما مراس. ثمّ ظفار.

وقد ذكر ابن الحائك بعض هذه المراسي بأسماء تغاير ما هي عليه الآن ، فإمّا أن تكون تبدّلت الأسماء ، وإمّا أن تكون دثرت تلك وتجدّد غيرها.

فقال : (وأمّا إحاطة البحر باليمن من ناحية دما فطنونى ، فالجمجمة ، فرأس الفرتك ، فأطراف جبال اليحمد وما سقط منها وانغار إلى ناحية الشّحر ، فالشّحر ، فغبّ القمر ، فغبّ الحيس ، فغبّ العبب بطن من مهرة ، فالحريج ، فالأشفار) اه (١)

وفي «القاموس» : (غبّ القمر : موضع بين الشّحر وظفار).

قال بامخرمة : (وهو المعروف اليوم بعثة القمر ، وهو موضع خطر ، إذا سقطت إليه السّفن .. قلّ أن تسلم) اه

__________________

(١) ورد بعض هذه الأسماء بغير هذا التّرتيب وبعضها بغير الاسم في «صفة جزيرة العرب» (٩٠ ـ ٩١) ، فقال : وأوّل إحاطة البحر باليمن من ناحية دما فطنوى ، فالجمجة ، فرأس الفرتك ، فأطراف جبال اليحمد وما سقط وانقاد منها إلى ناحية الشّحر ، فالشّحر ، فغبّ الخيس ، فغبّ الغيث ـ بطن من مهرة ـ فغبّ القمر ـ زنة قمر السماء ـ فغبّ العقار ـ بطن من مهرة ـ فالحيرج ، فالأسعاء.


وقد سبق أكثر هذا في حصن الغراب ، وفي (ص ٢٥٨) مجلد أول من «معجم ياقوت» [١ / ١٩٨] : (الأشفار كأنّه جمع شفر ، وهو الحدّ ، بلد بالنّجد من أرض مهرة ، قريب حضرموت بأقصى اليمن ، له ذكر في أخبار الرّدّة) اه

وكثيرا ما تشتبه الأشفار بالأشحار السّابق ذكرها عن بامخرمة في الشّحر ، فليتنبّه لذلك.

ولظفار ذكر كثير ب «الأصل» [٣ / ٤٣] ، وفيه : إمارة السّيّد محمّد بن عقيل السّقّاف (١). ثمّ إمارة السّيّد فضل بن علويّ مولى خيله (٢) ، ونزيد هنا : أنّ الّذي قام في توثيق الأمر للسّيّد فضل هو : عوض بن عبد الله الشّنفريّ ، الملقّب بعوض الموت ، ثمّ كان أكبر الساعين لإبعاده (٣).

وسلطانها اليوم سعيد بن تيمور بن فيصل بن تركيّ ، وهو داخل تحت الحماية

__________________

(١) هو السيد الشريف : محمد بن عقيل بن عبد الله بن عقيل بن عبد الله بن أبي بكر بن علي بن عقيل بن عبد الله بن أبي بكر بن علوي بن أحمد ابن الشيخ أبي بكر السكران بن عبد الرحمن السقاف. ولد بظفار ، وبها مات مقتولا سنة (١٢٣٨ ه‍) ، قيل عنه في «الشجرة» : (كان ذا ثروة عظيمة ، وهمة علية ، تولّى جهة مرباط وظفار ، وأقام فيها سنتين ، يعزل ويولي ، ثم قتل ظلما ، قتله عبده سنة ١٢٣٨ ه‍) اه

وكان للسيد محمد تجارة كبيرة ، وكانت له مراكب تسير إلى سواحل إفريقيا الشرقية وجاوة والهند ، وقد أسر مرة مركبا هولنديا من مرسى بتاوي في قصة غريبة. وأغرب صلاح البكري فزعم أن السيد محمدا حكم ظفار لمدة عشرين سنة ، ولم يذكر هذا غيره. «التاريخ السياسي» (٢ / ٢٠٧).

(٢) السيد فضل مولى خيله ، هو السيد العلامة الجليل أمير ظفار ، فضل بن علوي بن محمد بن سهل ، ولد بمليبار سنة (١٢٤٠ ه‍) ، وبها نشأ وتعلم ، وهاجر إلى مكة المكرمة ، وزار الآستانة العلية في عهد السلطان عبد العزيز خان. واختاره أهل ظفار أميرا عليهم سنة (١٢٩٢ ه‍) ، ودانت له القبائل ، وظل عليها إلى سنة (١٢٩٧ ه‍) ، فثارت عليه القبائل فعاونه الإنكليز على ردعهم.

وعاد إلى الآستانة ، وكانت له حظوة عند السلطان عبد الحميد ، وخلع عليه بعض النياشين السامية ، وأنعم عليه بلقب باشا .. وتوفي بالأستانة سنة (١٣١٨ ه‍). له ذرية في سورية وتركيا وغيرهما .. وله مصنفات عديدة. ينظر : «الأعلام» (٥ / ١٥٠) ، «الأعلام الشرقية» (١ / ٢٣) ، «معجم المطبوعات» (١٤٢١).

(٣) أما اليوم .. فإن ظفار ضمن الحدود السياسية لسلطنة عمان ، وبظفار قاضيان ، أحدهما للإباضية ، والآخر للشافعية ، وقد كان القاضي بها في زمن المؤلف هو السيد أحمد بن محمد الغزالي البيتي ، المترجم له سابقا في حجر.


الإنكليزيّة من أيام جدّه ، إلّا أنّه متمسّك بسائر حقوقه ، ولم يظفروا منه بغير مطار في موضع يقال له : صلاله ، على مقربة من ظفار ، وهو لا يمكّن الإفرنج من الاختلاط برعاياه ، ولا بدّ لمن أراد حاجة من سوق ظفار أن يأخذ عسكريّا معه ذهابا وجيئة ، ويأخذ العشور في كلّ ما يصلهم في الطّيّارات وغيرها ، ولا يبيح لهم التّداخل في شيء ما من أحوال بلاده ، ورفض أن يقبل عملتهم بالورق ، ولا تزال عملة بلاده بالرّيال الفرانصة إلى اليوم ، إلّا أنّه لا يبيح لامرأة من رعاياه أن تتزوّج بغيرهم (١) ، وعنده قاضيان : قاض للإباضيّة ؛ ومنهم : السّلطان والعائلة المالكة ، وقاض شافعيّ هو السّيّد أحمد بن محمّد البيتيّ من آل محمدة بحجر.

وقد عوّد الله أهل ظفار هطول الأمطار من نجم الشّول إلى تمام ثلاثة أشهر بلياليها ، لا يتخلّف عنهم هذا الموسم أبدا ، وقد تأتيها الأمطار في غير ذلك الوقت ، وخيراتها دارّة ، وبركاتها كثيرة ، ويتحدّث النّاس أنّ بها عود الإكسير.

وفي ظفار ناس من السّادة آل عمر باعمر ، وآل الحدّاد ، وآل باعبود ، وبيت واحد من آل الشّيخ أبي بكر ، وقبائل ضواحيها من آل كثير ، فمنهم : المراهين ، يبلغون ثلاثين رجلا. وآل فاضل ، يبلغون عشرين. والشّنافر ، يبلغون خمسين. وبيت راس ، خمسون. وآل عليّ بن كثير ، نحو ستّ مئة رجل.

وممّا يجب أن يلفت النّظر إليه : أنّ الشّنافر بيت من بيوت آل كثير لا يعمّهم فضلا أن يطلق على من سواهم.

وقبائل المهرة كثيرة ، يبلغ مجموعها اثني عشر ألف رجل ، منهم : آل اليزيديّ ، لا ينقصون عن ثمان مئة رجل ، وهم بسيحوت. وآل بن كلشات بالغيضة ، وحصويل نحوهم. وآل الجدحيّ (٢) بقشن ، كذلك نحو سبع مئة. وآل ابن عبنان كذلك ببادية الغيضة نحو سبع مئة. وآل عفرار ـ بيت السّلطنة ـ لا يزيدون ـ كما مرّ ـ عن ثلاثين ،

__________________

(١) أي : بغير رعاياه.

(٢) ومن آل الجدحي هؤلاء ، طلاب علم نجباء ، درسوا في رباط العلم بتريم ، ولا زال به إلى اليوم بعض منهم.


وهم بقشن ، ويتردّدون إلى سيحوت ، وأبناء عمّهم في سقطرى.

ولا يوجد بسقطرى من المهرة إلّا القليل ؛ لأنّهم يستوبئونها ، ولا يعيش من ذهب إليها من مهرة سيحوت وقشن وعتاب أكثر من سنة ، ثمّ يعافسه الحمام (١) ، ومتى أراد أهل سقطرى مددا لنائبة .. أتاهم في أسرع وقت من سيحوت وأعمالها.

وفي «بستان العجائب» : (أنّ للمهرة محافظة على الصّلوات ، ولهم لغة غير العربيّة ، يقال : إنّها لغة عاد ، وأرضهم طيّبة ذات زرع ونخل وغياض ، وأكثرهم بوادي في الجبال) اه.

وفي «الأصل» ما يصدّق هذا عن الجرو (٢) ، ممّا يدلّ على أنّهم كانوا منتشرين بجبال حضرموت ، ولكنّهم أخلوها بالآخرة للمناهيل .. فهم منتشرون فيها اليوم.

__________________

(١) يعافسه الحمام : يعاركه الموت.

(٢) يعني به ما نقله عن المؤرّخ عوض بن أحمد الجرو الشّباميّ ، سبط الشيخ بحرق رحمهما الله. وهو مؤلّف : «الفرج بعد الشدّة في إثبات فروع كندة».



القسم الثّاني

في أواسط حضرموت من أعلاها إلى أدناها



القسم الثّاني

في أواسط حضرموت من أعلاها إلى أدناها

لمّا انتهى الكلام على شقّ حضرموت الجنوبيّ وما يقرب منه .. صرنا إلى هذا :

قد سبق أنّ حدّ حضرموت الغربيّ هو جردان ، وعلى إزائه بشيء من التّفاوت شبوة ، وهي في شماله.

وكثير من المؤرّخين يوسّعون هذا الحدّ إلى جبال مأرب ، بل منهم من يدخلها فيه كما ب «الأصل».

وتنشعب الطّرق من جردان : فمن الجهة الغربيّة إلى عمقين (١). وبتشامل إلى شوحط ، ثمّ إلى شرج باوهّال (٢) ، ومنه تخرج طريق إلى ضباب (٣) وهو أسفل جردان.

وأخرى شرقيّه تخرج على آل بايوسف (٤) ، واسم مكانهم : الشّوف ، وماؤه يدفع إلى جردان.

__________________

(١) وادي عمقين ـ بفتح العين والميم وكسر القاف ـ : واد مشهور ، شرقيّ عتق ، يصبّ فيه وادي ميفعة النّازل إلى خليج عدن ، وتوجد به قرى كثيرة ، منها : بلدة عمقين ، ومطرح بن عبيد ، وجول بن نشوان ، والوجر وغيرها .. وهي تتبع حاليّا مركز الرّوضة من مديريّة ميفعة ، وأعمال محافظة شبوة.

وللعلّامة علويّ بن طاهر تحقيق واف عن هذا الوادي في «الشّامل» (٤٧).

(٢) وهذا الشرج يتبع مديريّة عرما بمحافظة شبوة. وآل باوهّال من قبائل آل بلعبيد.

(٣) ضباب : واد مشهور بجوار الضّالع ، ويقال له : الضّبب ، وتسكنه قبيلة آل ضباب ، وهي تنحدر من قبيلة بني هلال من بطن يقال له : النمارة ، ومن ديارهم : البويردة ، والضّواحي ، والشّق ، والسّفال.

(٤) أي : موضعهم ، وآل بايوسف : من الأسر العريقة من كندة ، ولهم تاريخ علميّ حافل ، لا سيّما من سكن شباما منهم ، وهم مفرّقون في الأودية ، ولعلّ هذا الموضع من وادي جردان هو أصلهم ، ونزح منهم قوم إلى قرن ماجد بوادي دوعن.


وآل جردان يقال لهم : النّمارة (١) ، وهم وآل خليفة أصحاب الحاضنة (٢).

والنّسيّون (٣) أهل مرخة من بني هلال.

وتذهب طريق أخرى إلى الشّرق الجنوبيّ من جردان إلى السّوط (٤) ، ومنه ريدة الدّيّن (٥).

أمّا جردان : فقد جاء في «التّاج» و «أصله» أنّه : (واد بين عمقين ووادي حبّان). ولكن أخبرني جماعة من أهل تلك النّواحي بأنّ الأمر ليس كذلك ، وإنّما عمقين في غربيّ جردان فهو ـ أعني عمقين ـ بين جردان وحبّان ، فكأنّ الأمر انعكس عليهما.

وجردان مشهور بحسن عسله ، فله شرف قول الطّائيّ [أبي تمّام في «ديوانه» ٢ / ١٢٢ من الطّويل] :

يرى العلقم المأدوم بالعزّ أرية

يمانيّة والأري بالضّيم علقما (٦)

إذ عسل حضرموت خير عسل اليمن ، وعسل جردان خير عسل حضرموت ، إلّا أنّ في بعض بلاد اليمن كعورا. ما لا يقلّ حسنا عن عسل جردان ؛ لأنّه يجرس زهر السّدر (٧) ، وهو السّبب الّذي يمتاز به عسل جردان وحضرموت ؛ فإنّه لا يطيب إلّا

__________________

(١) النّمارة : بطن من قبيلة بني هلال ، تقطن جردان ، وينقسمون إلى خمس قبائل كبيرة : آل بن حسن ، وآل بن عاطف ، وآل الأخضر ، وآل ضبّاب ، وآل سريع ، ويتفرّع منهم بيوت كثيرة.

(٢) الحاضنة : من قرى بلاد الدكام في الضّالع ، وتمرّ بها طريق تؤدّي إلى جبل جحاف عبر نقيل يسلح.

(٣) النّسيّون : فرع من قبائل بني هلال في وادي مرخة ، من أعمال محافظة شبوة ، وهم أسر كثيرة.

وتعرف جبالهم بجبال النّسيّين ، وتمرّ بها طريق جديدة ، تربط بين : قريب ، نقوب ، جبال النّسيّين ، نصاب ، عتق.

(٤) السّوط : عبارة عن منطقة صحراويّة جبليّة ، تمتدّ من أجوال وادي جردان إلى أجوال وادي عمد ورخية شمالا ، ويسكنها : آل هميم ، والجهمة ، وآل عليّ ، والباتيس ، وآل بلعبيد.

(٥) ريدة الدّيّن : بتشديد الدّال مع فتحها والياء مع كسرها : سيأتي ذكرها وتفصيل قراها وبلدانها بعد يبعث ، عند الحديث عن الضليعة.

(٦) المأدوم : المخلوط. أرية : عسلا.

(٧) جرس النّحل الزّهر : أكله ، والسّدر : هو (العلب) المعروف بحضرموت.


متى جرس نحله ذلك الزّهر ، أمّا الّذي لا يجرسه ـ كالّذي يعسل في أيّام الصّيف ـ فإنّه لا يكون إلّا رديئا للغاية ، ولو من جردان ، ويسمّونه : المريّة ، فتحصّل أنّ العسل لا يتفاوت إلّا من هذه النّاحية.

وبلاد جردان من أقدم بلاد حضرموت ، ومنها كان قيس بن سلمة المرّانيّ الجعفيّ ، له صحبة ووفادة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وقد ولّاه على بني مرّان بن جعفي بجردان وأعمالها ، وعلى حريم بن جعفي ، وكتب له : «من محمّد رسول الله لقيس بن سلمة بن شراحيل .. إنّي استعملتك على مرّان ومواليها ، وحريم ومواليها ، من أقام الصّلاة وآتى الزّكاة وصدّق ماله وصفّاه» (١).

ومرّان وحريم أخوان ، أبوهما جعفيّ ، ضاربين في جردان ووادي عمد ، قال في «التّاج» : (وهم من الصّدف ، وقد دخل حريم في نسب حضرموت على ما صرّح به الدّار قطنيّ وغيره من أئمّة النّسب ، وذكروا لدخولهم أسبابا ليس هذا محلّ ذكرها).

وفي ذكر الضّليعة عن ابن الحائك أنّ : (ريدة العباد وريدة الحرميّة للأحروم من بني الصّدف) (٢) ، والأحروم هو حريم الصّدفيّ.

قال في «القاموس» : (وولد الصّدف حريما ، ويدعى بالأحروم ، وجذاما ويدعى بالأجذوم) اه ، وهما بالضّمّ.

ومن ولد الأحروم بن جعفيّ هذا محمّد بن حمران الجعفيّ ، أحد السّبعة المحمّدين الّذين تسمّوا في الجاهليّة بمحمّد (٣) ، وكان بينه وبين امرىء القيس مهاجاة ومنافسات معروفة (٤) اقتضتها المزاحمة مع قرب الدّيار ؛ إذ هذا في (عمد) وذاك

__________________

(١) ذكره ابن سعد في «الطّبقات الكبرى» (١ / ٣٢٥).

(٢) صفة جزيرة العرب (١٧٠).

(٣) ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أسماء من تسمّوا في الجاهليّة بمحمّد طمعا في النبوّة فقال : (وقد جمعت أسماء من تسمّى بذلك في جزء مفرد ، فبلغوا نحو العشرين ، لكن مع تكرّر في بعضهم ، ووهم في البعض) ، ثم عدّ منهم ستة عشر رجلا. انظر «فتح الباري» (٦ / ٥٥٦ ـ ٥٥٧).

(٤) ومحمّد بن حمران هذا يلقّب بالشويعر ، والّذي لقّبه بذلك امرؤ القيس.


بالكسر والهجرين ، وكثيرا ما يشهدان مجامع الأفراح والحروب فيتساجلان القريض (١).

ومن أهل جردان : سلمة بن يزيد الجعفيّ ، من بني حريم بن جعفيّ أيضا ، وله صحبة ووفادة.

وكان بجردان جماعة من أهل الفضل والصّلاح ، ذكر الشّليّ في ص (٦٦) ج (٢) من «مشرعه» [٢ / ١٤٥] الشّيخ عبد الحقّ الّذي كان موجودا في أوائل القرن التّاسع ، وقال : (إنّه زار هودا عليه السّلام) (٢).

وجاء في ص (٣٠٢) من «شرح العينيّة» ذكر ولده عبد الصّمد.

وفي «شمس الظّهيرة» : أنّ للسّيّد عمر بن الحسين بن الشّيخ أبي بكر بن سالم عقبا بجردان (٣).

وقال ابن الحائك في «صفة جزيرة العرب» [١٥١] : (وأمّا مياه السّرو (٤) الشّرقيّة فتصبّ في جردان ، ومرخة قريب منها ، وهي موضع الأيزون ، وينتهي جردان إلى قريب من حضرموت) اه

وقوله : (إلى قريب من حضرموت) إن أراد به أواسطها .. فنعم ، وإلّا .. فهو

__________________

(١) القريض : الشّعر.

(٢) والشّيخ عبد الحقّ هذا من بلدة يقال لها : العجيما ، وقبره في بلدة يقال لها : الباردة ، قال في «الشّامل» : (آل عبد الحقّ ، وهم مشايخ لهم جاه ومقام واحترام ، ويقال : إنّ الشّيخ عبد الحقّ كان عبدا لقبيلة المعوظة الشّهيرة بنجران ، ثمّ أنعم الله عليه وجعله من الصالحين) (١٢٥).

(٣) المفهوم من «الشّمس» أنّ بجردان عددا من السّادة آل الشّيخ من عدّة قبائل ؛ ففيه سادة من آل الحامد ، من ذريّة أبي بكر بن الحامد ابن الشّيخ أبي بكر ، ومن آل محسن بن عمر بن الحسين ـ كما ذكر المصنّف ـ وغيرهم ، توفّي والده السّيّد عمر بن الحسين المذكور هنا .. بعينات سنة (١١٢٦ ه‍).

(٤) السّرو : من السّراة ـ وسراة كلّ شيء أعلاه ، والجمع : سروات ، ويقصد بها : ما ارتفع من الأرض عن مجرى المياه.

وللفائدة : ففي اليمن سروان : سرو حمير : وهو بلاد يافع وما جاورها من الأجعود ، وسرو مذحج : يعنون به المنطقة الواقعة في جنوب وشرق البيضاء. ويتّضح أنّ السّروين متجاوران ، كما أنّ سرو مذحج كان موطنا للحميريّين من ذي رعين ، ثمّ توطّنته مذحج.


غلط ؛ لأنّ جردان من حضرموت كما تقرّر.

وبين جردان ووادي عمد ثلاثة أيّام بسير الأثقال ، ونحو ذلك ما بينها وبين سهوة رخية.

ومن علماء جردان : الشّيخ إسماعيل الجردانيّ ، تخرّج بالفقيه محمّد بن أحمد بافضل صاحب عدن ، المتوفّى سنة (٩٠٣ ه‍) .. فهو من أقران الشّيخ عبد القادر السّابق ذكره في كلام الطّيّب.

وقال الطّيّب بامخرمة : (جردان بين عمقين ووادي حبّان ، يشتمل على قرى ، خرج منه جماعة من العلماء ، منهم : الفقيه عبد القادر الجردانيّ ، قرأ على مشايخنا الفقيه محمّد بافضل والوالد ، وكان فقيها متأهّلا للفتوى ، وكثيرا ما يتولّى قسم الصّدقات السّلطانيّة الّتي كان يتصدّق بها الشّيخ عليّ بن طاهر.

وأرسل السّلطان عبد الوهّاب بن داود معه مرّة بخيل معدّة للمجاهدين بسعد (١) الدّين ، وصحبه الفقيه أحمد بلعس ، توفّي المذكور بعدن) اه (٢)

وقد فهم ممّا مرّ أنّ قوله : (بين عمقين ووادي حبّان) مبنيّ على ما جاء في «التّاج» و «أصله» من الغلط ، وربّما كانت رؤوس جردان ممتدّة في الغرب ، ورؤوس عمقين ممتدّة في الشّرق ، فيتيسّر الجمع إذن بين الكلامين ، ثمّ رجعت إلى «الأصل» فرأيت ما نقلته آخر الجزء الثّاني قبيل شرح بيتي غالب (٣) عن الطّيّب بامخرمة نفسه : أنّ عمقين واد بين جردان وحبّان ، وهو الصّواب.

__________________

(١) ويعرف ببرّ سعد الدّين ، في ناحية ظفار.

(٢) النسبة (٧٢).

(٣) يعني بقوله : (بيتي غالب) .. البيتين : (٥٢) و (٥٣) من «بضائع التابوت» ، وهما قوله :

وانبرى غالب بتدبير جدّي

للأباطيل والفساد بنكس

فاستتبّ الأمان حينا من الدّه

ر وطاب الورود للمتحسّي

ويبتدىء الجزء الثّالث من «بضائع التابوت» بشرح هذين البيتين .. فليعلم.


شبوة (١)

هي في غربيّ عرما ، في منتهى واديه ، والباقي منها دويرات لآل بريك وعبيدهم في قارة فاردة هي آخر الجبال الجنوبيّة ، تشرف على رملة صيهد الواقعة في شمالها ، وهي في مناعة الهجرين ، أو هي أمنع ، وفي وسط الجانب الغربيّ منها مطرح رماد ، لا يتخلّص من يقع فيه ، ولا يدرى ما أصله ، ولفظ شبوة يطلق على النّاحية بأسرها ، وقد قيل : إنّها من حدود حضرموت الغربيّة ، وبه قال صاحب «مفتاح السّعادة والخير» حسبما يأتي في الكسر ، وقيل : ليست منها قال في «التّاج» و «أصله» : (هو واد بين مأرب وحضرموت).

وقال نصر : (على الجادّة من حضرموت إلى مكّة).

وقال ابن الأثير : (ناحية من حضرموت ، ومنه حديث وائل بن حجر أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم كتب لأقوال (٢) شبوة بما كان لهم فيها من ملك) (٣).

وأخطأ الفيروز أبادي في قوله : (إنّها قريب من لحج).

__________________

(١) شبوة : مدينة تاريخيّة هامّة في شرق رملة السبعتين ، كانت قديما عاصمة دولة حضرموت ، وفي الدّولة السبئيّة كانت من أهمّ المدن التّجاريّة ، ومنها تنطلق القوافل التّجاريّة إلى سائر أنحاء الجزيرة ، ويطلق اسم محافظة شبوة اليوم على خمس مديريات : عرما ، وبيحان ، ونصاب ، والصعيد ، وميفعة.

تبلغ مساحتها (٧٣٩٠٨ كم) حوالي (١٤%) من أرض اليمن. وموقعها الجغرافيّ متميّز ، وطول شريطها السّاحلي يبلغ (١٥٠ كم) ، وبها أهمّ تراث حضاريّ ؛ فهي تجمع في حدودها مواقع ثلاث ممالك يمنيّة قديمة ، هي قتبان وعاصمتها تمنع أوتمنه ، في بيحان كما تقدّم ، وأوسان وعاصمتها مسوره ، وهي في وادي مرخة ، وحضرموت ، وعاصمتها شبوة القديمة.

ولا زالت البعثات الآثاريّة تنقّب في هذه المنطقة ، ولا زالت الأيّام تتحف بظهور الجديد من الآثار. وإن أراد القارىء الكريم شيئا من التفصيل لجغرافيّة شبوة .. عليه ب «الشّامل» (١٢٨ ـ ١٣١).

(٢) الأقوال ـ جمع قيل ـ وهو : الملك الّذي تحت الملك الأعظم من ملوك اليمن ، وله جمع آخر : (أقيال) والحديث تقدّم تخريجه.

(٣) النهاية (٢ / ٤٤٢).


أمّا الطّريق من حضرموت إلى صنعاء .. فسبع مراحل (١) : الأولى : من هينن وعروض آل عامر إلى دهر. الثّانية : من دهر إلى رملة شبوة ، موضع معروف. الثّالثة : منه إلى صافر ، وهو موضع الملح المشهور. الرّابعة : إلى مأرب. الخامسة : إلى صرواح. السّادسة : إلى الحمرة ، قرية من قرى خولان. السّابعة : إلى صنعاء.

وأهل زماننا ومن قبلهم بردح لا يستطيعون هذا السّير ، وإنّما كان الأوّلون أهل نشاط وعزم ، ولذا كثرت بينهم المواصلات ؛ لأنّ الجزيرة قريبة من بعضها في أنظارهم.

وزعم قوم بأنّ شبوة ليست بحدّ حضرموت الغربيّ ، بل إنّه يتجاوزها فيشمل مأرب كما في «الأصل» ، ويتأكّد ذلك بظهور أثر دعائهم بتباعد الأسفار على أهل حضرموت فتفرّقوا عباديد (٢).

وقال ابن الحائك في «صفة جزيرة العرب» [١٧١] : (وفيما بين بيحان وحضرموت شبوة ، مدينة لحمير ، بها أحد جبلي الملح ، والجبل الثّاني لأهل مأرب ، فلمّا احتربت حمير ومذحج .. خرج أهل شبوة منها وسكنوا حضرموت ،

__________________

(١) وقد امتدّت شبكة المواصلات الحديثة ، ووصلت صنعاء بوادي حضرموت مباشرة ، عن طريق خطّ إسفلتيّ جديد ، مهّد وشقّ بعد قيام الوحدة اليمنيّة ، وافتتح رسميّا نهاية عام (١٩٩٨ م) تقريبا ، ويعرف باسم : (طريق صافر) يبلغ طوله نحو (١٠٠٠ كم) ، فسهلت الحركة والتّنقل بين اليمن وحضرموت ، أمّا من صافر نفسها إلى حضرموت .. فهي (٣٥٠ كم).

وقد كان المصنّف عليه الرّحمات يقطع هذا الطّريق بلا شكّ في سفراته المتعدّدة إلى اليمن على المراكب والدّوابّ ، ومن هنا سهل عليه تحديد المراحل والقرى ، أمّا لو كان السّفر قديما كما هو عليه اليوم .. لما دوّن أحد شيئا من جغرافيّة البلدان. وفي منطقة صافر هذه توجد محطّة توزيع الغاز الطّبيعي الّذي تنتجه آبار النفط اليمنيّة ، ويبعد جبل صافر عن مأرب (٨٥ كم) ، وكان قديما يستخرج منه الملح ، فكان يسمّى جبل الملح ، أمّا اليوم .. فيستخرج منه النّفط ، وكان اكتشاف أوّل بئر بترول سنة (١٩٨٤ م).

(٢) عباديد : فرقا مختلفة ، ويعني بهذا أنّ أهل حضرموت ـ على القول أنّ حضرموت من مأرب ـ قد أصابتهم دعوة : (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا)


وبهم سمّيت شبام ، وكان الأصل في ذلك شباه ، فأبدلت الهاء ميما) اه

وهو مخالف لما اشتهر أنّ تريما وتريسا وشباما كانوا ثلاثة إخوة سمّيت هذه البلاد بأسمائهم.

وقد خلف على شبوة بعد حمير كندة ، وكان الأعشى ينتابها لمدح قيس بن معدي كرب الكنديّ ، وهو القائل [من الطّويل] :

ألم ترني جوّلت ما بين مارب

إلى عدن فالشّام والشّام عاند

وذا فائش قد زرت في متمنّع

من النّيق فيه للوعول موارد (١)

ونادمت فهدا بالمعافر حقبة

وفهد سماح لم تشنه المواعد

وقيسا بأعلى حضرموت انتجعته

فنعم أبو الأضياف واللّيل راكد

وقوله : (بأعلى حضرموت) يريد شبوة ؛ لأنّها من أعاليها ، وهي قاعدتهم لذلك العهد.

ولا تزال بشبوة وما تاخمها وما ارتفع إلى الغرب عنها آثار صروح ضخمة وسدود متقنة ، تدلّ على حضارة واسعة ، وهندسة عجيبة ، وملك واسع وسلطان نافذ.

وكثيرا ما تظهر الآثار القديمة وقطع الذّهب والخواتم بإثر ممرّ السّيول في رمالها ، حتّى لقد وجد بعض الفقراء الصّالحين كوزا فيه سكّة من الذّهب لا أدري على من باعها في مأرب بنحو ثلاثة آلاف ريال.

وقد سبق في ميفعة ذكر الهجر ، ثاني مدينة عمرانيّة كانت بحضرموت ، وفي موضع من «صفة جزيرة العرب» [١٩٣] لابن الحائك : (أنّ مخلاف شبوة يسكنه الأشباء ، والأيزون ، ثمّ صداء ورهاء) اه

وفي موضع آخر منها [١٥١] : (مرخة قريب من جردان ، وهي موضع الأيزون) اه

وعند ما عضّت الرّحا بثفالها في الحرب الهائلة الأخيرة (٢) .. انقضّ الشّيخ عليّ

__________________

(١) ذو فائش : ملك من ملوك حمير.

(٢) الرّحا : ما يطحن فيه الحبّ ، تكتب بالألف الممدودة والمقصورة ؛ إذ فعلها واويّ ويائيّ. الثّفال :


ناصر القردعيّ فاحتلّها (١). قيل : بإشارة من مولانا الإمام يحيى حفظه الله. وقيل : من قبل نفسه.

والأوّل بعيد ؛ لأنّ بين الإمام والحكومة الإنكليزيّة معاهدة تقتضي بإبقاء ما كان على ما كان إلى أن تنتهي أربعون سنة ، وهو من أوفى الخلق بالذّمم ، وأرعاهم للعهود ، على أنّ الإمام لم يمض تلك المعاهدة مختارا ، ولكن تحت الضّغط في ظروف محرجة وبعقب حوادث اضطرّته إلى ذلك ، وإلّا فما كان يعترف لهم بحقّ في عدن ، فضلا عمّا سواها ، ثمّ لم يكن ـ يحفظه الله ـ ليعتمد على القردعيّ ، وهو من المفسدين في الأرض ، لا يخرج من غمدان إلّا عاد إليه ، وبعد ذلك لم يمهله الإنكليز أن استقالها منه ، إمّا عنوة ، وإمّا بقفّة من الدّراهم ابتاعوا بها ضميره وذمّته ، وقد يتأكّد هذا بأنهم أركبوه على طائرة في تكرمة إلى بيحان.

وكان القردعيّ يتردّد عليّ مع شيخ قيفة (٢) ـ واسمه الذّهب ـ أيّام كنت بصنعاء أوائل سنة (١٣٤٩ ه‍) ، وكان شيخ قيفة من أجمل خلق الله ، والقردعيّ من أقبحهم ، فأتذكّر ما رواه غير واحد من أهل الأدب : أنّ رجلا قام تجاه المرآة ، فلمّا رأى محيّاه

__________________

الجلد الّذي يبسط تحت الرّحى ليقي الطّحين من التّراب. والمعنى : أنّ الحرب تدقّهم دقّ الرّحى للحبّ إذا كانت مثفّلة ، ولا تثفّل إلّا عند الطّحن.

وعليه : فالباء هنا بمعنى مع ؛ أي : طحنتهم الحرب طحن الرحى للحب مع ثفالها.

(١) آل القردعي من زعماء قبيلة مراد المذحجيّة ، ديارهم في وادي مضراه من مديريّة رحبة ، أعمال محافظة مأرب. وأمّا علي ناصر هذا .. فكان ممّن شارك في قتل الإمام يحيى حميد الدّين رحمه الله سنة (١٩٤٨ م) ، وكان ذلك بعد تصنيف هذا الكتاب ، وإلّا .. فالمصنف لن يغفل ذكر ذلك الحادث المرير. ولعليّ ناصر أخ يدعى أحمد ناصر ، أيضا شارك في حادثة مقتل الإمام ، ثمّ أمسك به وسجن في حجّة بعد فشل الحركة ، ثمّ أمر الإمام أحمد بقتله ، ولمّا لم يستطع الجنود إخراجه إلى ساحة الإعدام .. فإنّهم أعدموه رميا بالرّصاص في زنزانته ، وقد صدر مؤخّرا كتاب يجمع أخباره.

(٢) قيفة : وهي الأخرى من بطون مراد ، منازلهم شمال شرقيّ رداع ، وهم عدّة قبائل : آل مصعب بن أحمد ، وآل نهبل بن أحمد ، وآل ربيع بن أحمد ، وآل سليم بن أحمد. وآل الذّهب الّذين ذكرهم المصنّف من آل ربيع بن أحمد ، وكانوا مشايخ قيفة ، وهم أيضا عدّة بيوت ، وأمّا شيخهم حاليّا .. فهو أحمد بن حسين بن علي جرعون ، من آل أسلم بن أحمد ، من أعضاء مجلس النواب (١٩٩٧ م).


الجميل .. قال : اللهمّ كما حسّنت خلقي فحسّن خلقي ، فقام بإثره رجل كريه المنظر ، فوقع في مأزق حرج ؛ لأنّه إن قال كما قال الأوّل .. ضحكوا عليه ، وإن سكت .. وقع في الذّام (١) ، فتخلّص بأوضح حجّة حيث قال [من الطّويل] :

فإن لم تك المرآة أبدت وسامة

فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم

ولا سيّما وأنّ الخموش الّتي شوّهت وجه القردعيّ كانت من غضنفر أو نمر أنشب به براثنه فقدّه نصفين ، حسبما أخبرني كثير من النّاس. وسيأتي في وادي الذّهب من أسافل حضرموت حديث لامرأة من بيت براهم يصغّر خبر القردعيّ مع النّمر.

وكثيرا ما سرّني تصاحب القيفيّ والقردعيّ ، مع أنّ بينهما من الأشلاء (٢) الممزّقة والدّماء المائرة (٣) ما لا يضبطه الحدّ ؛ لأنّه يذكّرني بقول البحتريّ [في «ديوانه» ١ / ١١ من الطّويل] :

إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها

تذكّرت القربى ففاضت دموعها

تقتّل من وتر أعزّ نفوسها

عليها بأيد ما تكاد تطيعها

وهو معنى استبقت في مضماره جياد الشّعراء ، وقصبة السّبق للبحتريّ في هذا البيت (٤) ، وأصله لمهلهل في قوله [من الوافر] :

بكره قلوبنا يا آل بكر

نغاديكم بمرهفة النّصال (٥)

ونبكي حين نذكركم عليكم

ونقتلكم كأنّا لا نبالي (٦)

وقد ذكرت منه في «العود الهنديّ» [٢ / ٤٩٣] ما يشنّف الأسماع.

__________________

(١) الذّام : العيب. وفي المثل : (لا تعدم الحسناء ذاما) بتخفيف الميم.

(٢) الأشلاء : البقايا.

(٣) المائرة : السّائلة.

(٤) قصبة السّبق : كناية عن الفوز والتّقدّم ؛ حيث كان المتسابقون يوضع لهم عند نهاية السّباق قصبة ، فمن سبق إليها .. حازها واستحقّ الجائزة.

(٥) نغاديكم : نقاتلكم في الغدوّ ؛ أي : الصّباح الباكر.

(٦) البيتان في «ديوان الحماسة» (١ / ٦٢) ضمن قصيدة منسوبة لرجل من بني عقيل.


وفي شبوة جماعة من آل بريك ، وهم مشايخ يحملون السّلاح ، ولهم احترام بين قبائل تلك الجهات ، وقد تفرّقوا في وادي جردان ، وفي وادي حول ، وفي دهر ، وعرما ، وشبوة ، وهم : آل عبد الرّحيم ، وآل سالم بن عمر ، وآل عبد القويّ ، وآل باسيف (١).

وقد أعطاني المنصب المرحوم السّيّد حسن بن سالم العطّاس ـ المتوفّى بالمكلّا سنة (١٣٦٠ ه‍) ـ محاضرة ذكر أنّه ألقاها بالسّواحل الإفريقيّة ، جاء فيها : (إنّ آل بريك انهزموا من إخوانهم آل ناعب بجبل يافع ، فنزلوا سواحل حضرموت ، ونزل بعضهم الحسا والقطيف وعمان ، ولمّا كثر عددهم .. نجع منهم نحو خمسة وثلاثين ألفا ، فنزلوا شبوة وأعتقوا بها عبدهم الوليّ الصّالح محمّد بن بريك ، الّذي ينتسب إليه المشايخ آل بريك ، وله قبّة وزاوية ومسجد ومطبخ وخزينة كتب).

وكنت أردت إيراد تلك المحاضرة بنصّها في «الأصل» ؛ لما لها من التّعلّق بدولة آل بريك ، غير أنّ فيها تجازيف كثيرة ثنتني عنها ، فاكتفيت بالإشارة إليها.

وفي «فتح الرّحيم الرّحمن» لصاحب الحمراء : (أنّ سيّدنا الحسين بن العيدروس سار مع أمّه بنت آل بامدرك إلى شبوة وعمره ثلاث سنوات) ؛ أي : سنة (٨٦٤ ه‍) قبل موت والده بسنة. وفيه : (أنّ آل بامدرك قوم صالحون ، زهّاد ، كرماء ، واضحون).

وعلى مقربة من شبوة ومن العبر : مضارب الكرب (٢) ، ومن وجهائهم بشبوة رجل

__________________

(١) ومنهم أيضا : آل غيمسان بشبوة ، وآل أحمد بحنكة بادخن ، وآل سنديان في حصون سنديان بعرما ، وآل سبيان في العبر. ولكن هل آل بريك أهل شبوة من يافع؟! كلام العطّاس الّذي أورده المصنّف يوحي بذلك ، وتقدّم معنا في الشّحر ذكر آل ناجي بن عمر بن بريك ، وأنّ أصولهم جاءت من حريضة. ويوجد بتريم أيضا جماعة من آل بريك ، فيهم صلاح وخير ، وبالمكلا والشّحر أيضا ..

لكنّ الّذين بتريم يقال لهم : آل بريك ، والّذين في السّاحل آل بن بريك. والعلم عند الله.

(٢) الكرب ـ بضمّ الكاف وفتح الرّاء ، مفردهم كربي ـ : هم قبيلة وأرض تقع شرق رملة السبعتين ، وهم الفرع الثاني من قبيلة بلعبيد ، أمّا الفرع الأوّل .. فهم آل سلم بكسر فسكون. والكرب في عداد مديريّة عرما ، من أعمال شبوة ، وهم بطون عدّة.


رحّالة يقال له : ناصر بن صالح بن حزيق. ومرجعهم في النّسب إلى بلعبيد ، وعددهم نحو المئتين راميا ، ولكنّهم أولو بأس شديد.

وعلى مقربة : منهم : بلاد يام ، وحدّهم من الجنوب : دهم والصّيعر ، ومن الشّرق الرّبع الخالي ووداي الدّواسر ، ومن الشّمال بلاد قحطان وتثليث ، ومن الغرب قحطان ووادعة وبنو جماعة. وسحار ويام أخو مراد كلاهما ابنا عنس بن مذحج ، وهناك يام أخرى من همدان من ولد مالك بن جشم بن حاشد بن جشم.

عرما (١)

واد واسع في شرقيّ شبوة ، قيل لي : إنّ ماءه ينهر إليها.

وفي أعلى عرما : حرّة باعبد الله (٢) ، فيها آل بادخن (٣) من آل بلعبيد (٤) ، وبينهم وبين آل عمرو سكّان الكويرة والمافود (٥) وحبيظ حروب لا يسكن أوارها (٦).

وكلّهم من آل بلعبيد ، وعندهم ثروة ، وأسلحتهم من العتاد الألمانيّ ، يجلبونها من صنعاء.

__________________

(١) عرما ـ بكسر فسكون ـ : واد مشهور في الشّرقيّ الجنوبيّ من شبوة ، ينتهي في مغارب وادي حضرموت. قال في «الشّامل» : وهو سدّ يعترض به الوادي ، ويجمع على عرم ـ بفتح فكسر ـ قال الله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) وهذا أوّل ما يسبق إلى الظّنّ ؛ لشهرة شبوة القديمة الشّماليّة ، أو هجر شبوة المشهور تاريخها .. فيكون واديها عرمة قد جعل له الأقدمون سدّا يحفظ ماءه لهم إلى وقت الحاجة ؛ حتّى لا يضيع. وكان وادي معشر المقاسم لوادي محبض ، مشهورا باسم : معشر بن ضمعج ، أحد أجداد قبيلة حضرموت ، وقد ذكره النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في كتابه لأهل حضرموت. وفي «الشّامل» : تفصيل واسع جدا لما أجمل هنا .. ينظر : (١٢٧).

(٢) ذكرها في «الشّامل» باسم الحرّة فقط.

(٣) آل بادخن من آل سلم من آل بلعبيد.

(٤) آل بلعبيد : فخذ كبيرة ، تنتمي إلى ذييب سعد ـ (تصغير ذيب) ـ الحميريّين. وذييب سعد يحترز بها عن إخوانهم آل ذييب حمير. «الشّامل» (١٢٥) ، وينظر ما يأتي في (القسم الثالث) من هذا الكتاب.

(٥) المافود : جاء في «الشّامل» بالتّاء ، مافوت.

(٦) الأوار : اللهيب.


وآل بادخن يبلغون مئتين وخمسين راميا ، وآل عمرو لا يبلغون الخمسين ، ومع ذلك .. فالنّصر حليفهم على آل بادخن في سائر المعارك.

وفي عرما جماعة من آل باكثير من ذرّيّة الشّيخ طاهر بن عيسى بن سلمة بن عيسى بن سلمة باكثير ، وناس من ذرّيّة الشّيخ عبد القادر بن إبراهيم باكثير.

ومنهم : آل سنكر ، منهم : الشّيخ عوض بن سنكر (١) ، رجل سليم الصّدر ، طيّب النّفس ، محبّ للخير ، استقرّ بالصولو من أرض جاوة ، وأثرى بعد أن كان فقيرا.

سار معي من الصّولو إلى جقجقا تلبية لدعوة الجمعيّة المحمّديّة لاحتفالها السّنويّ في عام (١٣٤٦ ه‍) ، وحملني معه إلى يمينه في سيّارة له ، وهناك ساوم في أخرى على أن يزيد عشرة آلاف ربيّة ، ثمّ أطال في حمد الله وشكره ، فسألته ، فقال : أوّل ما قدرت عليه في عرما ناقة اشتريتها ، فعال نومي (٢) من الفرح عدّة ليال حتّى لا أجد جزءا من مئة من ذلك السّرور لشراء هذه السّيّارة الضّخمة.

فقلت له : حسبك منها أنّها تبعث لك تلك الذّكريات الجميلة.

وللشّيخ عوض بن سنكر أولاد أذكياء ، منهم الآن : عليّ وسالم ، يحبّون معالي الأمور.

فتى تمّ فيه ما يسرّ صديقه

على أنّ فيه ما يسوء الأعاديا

ولهم ابن عمّ يشركهم في التّجارة ، وهو والي عقود الأنكحة بالصولو ، وعليه زيّ الصّلاح.

وأخوه سالمين هو الّذي قام لثروتهم لمّا كبت بها حوادث اليابان ، فنهض بها وأعادها سيرتها الأولى ، بل أحسن ، وعنده اطّلاع وله رحلات جوّيّة إلى أنحاء

__________________

(١) آل سنكر من أهل عرما ، هاجروا إلى جاوة ـ أي إندونيسيا ـ لا زالوا إلى اليوم ، وفيهم وجهاء وأفاضل ، وكان لبعضهم أدوار اجتماعيّة فعالة في تاريخ العرب الحضارمة بجاوة ، تستحقّ البحث والتّدوين.

(٢) عال : ارتفع ، وعال نومي طار من شدّة الفرح أو الحزن.


العالم ، فيأتي فيه قول الأعشى لهوذة الحنفيّ [من «ديوانه» ٢٤٢ من الطّويل] :

فتى يحمل الأعباء لو كان غيره

من النّاس لم ينهض بها متماسكا

وفي كلّ عام أنت جاشم رحلة

تشدّ لأقصاها عظيم عزائكا

مورّثة مالا وفي المال رفعة

لما ضاع فيها من قروء نسائكا

وفي عرما ـ أيضا ـ جماعة من آل بريك ، كما سبق في شبوة.

دهر (١)

هو من وراء عرما إلى جهة الشّرق. قال ياقوت [٢ / ٤٩١] : (واد دون حضرموت).

ولم يزد عليه «القاموس» (٢) ، وأنشد شارحه قول لبيد بن ربيعة [في «ديوانه» ١٦٦ من الوافر] :

وأصبح راسيا برضام دهر

وسال به الخمائل في الرّهام (٣)

__________________

(١) دهر ـ بضمّ فسكون ـ : واد مشهور في غربيّ حضرموت ، تشكّل بلدانه أحد المراكز الإداريّة التّابعة لمديريّة عرما ، من أعمال محافظة شبوة ، وهو يسيل إلى الشّمال الشّرقيّ ، وينتهي في الرّملة.

ويسكنه آل عمرو من آل بلعبيد في نوعه والخشاوة ، وآل بريك آل عبد الرّحيم في مطره ، وآل عليّ بن أحمد بن بريك في الخرّ ، وآل محيميد في روضة الجديفرة. وممّن نسب إلى الوادي : محمّد بن ناصر الدّهري أحد ولاة عينات أيّام الدّولة القعيطيّة ، وحاكم وادي دوعن في مطلع القرن الرّابع عشر : سالم بن علي الدّهري. وفي «القاموس» أنّه بفتح فسكون ، وهو على خلاف الجاري على الألسنة.

(٢) في «الشّامل» (٣٢ ـ ٣٣): (أنّ قول صاحب «القاموس» ـ ومثله ياقوت ـ : أنّ وادي دهر دون حضرموت خطأ ، بل هو من حضرموت ، وإنّما قال الهمدانيّ حين ذكر الطّريق : وهو أوّل حضرموت من ذلك الجانب ، ولم يقل دونها. وإذا كانت جردان معدودة في حدود حضرموت .. فدهر أولى) اه

وكلام صاحب «الشّامل» هنا متوافق مع قول المصنّف الآتي.

(٣) أصبح : الضّمير الّذي فيه يعود على البريق في أبيات قبله ، وهو :

أصاح ترى بريقا هبّ وهنا

كمصباح الشّعيلة في الذّبال

راسيا : مستقرّا. الرّضام : الصّخور العظيمة. الخمائل : الأراضي السّهلة الطيّبة الكثيرة الشّجر.


وقال مزاحم بن الحارث العقيليّ [من الطّويل] :

وننعم ولا ينعم علينا ومن يقس

ندانا بأندى من تكلّم نفضل

وبالخيل من أيّامهنّ وشبوة

ودهر ومن وقع الصّفيح المصقّل

ومعناه : أنّنا نفضّل بالخيل وأيّامها كما قال طفيل [من الطّويل] :

وللخيل أيّام فمن يصطبر لها

ويعرف لها أيّامها الخير تعقب

وكان في دهر وشبوة وقائع لبني عقيل على بني تميم ، وهما بين داريهما ، ذكره البكريّ في «معجم ما استعجم» [٢ / ٥٥٨] وضبطه بالفتح وقال : إنّه على لفظ اسم الزّمان.

وقد سبق عن ابن الأثير أنّ شبوة من حضرموت ، فدهر من باب أولى ؛ لأنّه أسفل عنها بكثير. وله ذكر في «صفة جزيرة العرب» [١٦٥] لابن الحائك يأتي في رخية.

وفي دهر أكثر من ثلاث مئة رام من آل بلعبيد (١).

رخية (٢)

واد واسع ، في شماله : المخارم ، وفي جنوبه : سهوة.

قال الهمدانيّ : (من قصد حضرموت من بيحان والسّرو ودثينة .. فمخرجه من بلد

__________________

الرّهام : المطر الضّعيف الدّائم. وفي الرّهام : أي بسبب هذا المطر الدائم ؛ حيث إنّ (في) في اللّغة العربيّة لها عشرة معان ، منها : التعليل ؛ نحو : دخلت امرأة النّار في هرة حبستها. وهذا البيت أنشده في «اللّسان» و «التّاج» هكذا بقافية ميميّة. ولكن البيت في «الدّيوان» من قصيدة لاميّة مؤلّفة من ستّين بيتا ، مطلعها :

ألم تلمم على الدّمن الخوالي

لسلمى بالمذانب فالقفال

وقافيته في «الدّيوان» : (في الرّمال). والمعنى : إنّ هذا البرق الّذي لمع في آخر اللّيل جاء الصّباح وقد استقرّ على صخور هذا البلد المسمّى : دهرا. ومن شدّة الخير الّذي في هذا البرق ..

سالت الأراضي ذات الأشجار إلى الأراضي ذات الرّمال. والله أعلم.

(١) وهم آل عمرو وغيرهم كما تقدّم ، ومنهم جماعة يقال لهم : آل بادهري. من آل هميم.

(٢) وادي رخية : يقع بين وادي عمد شرقا ، ووادي دهر غربا ، قال بامخرمة في «النّسبة» : (الرّخييّ نسبة إلى رخية ـ بالفتح وسكون الخاء وفتح المثنّاة من تحت ثمّ هاء ـ قال القاضي مسعود : جهة عريضة


__________________

ذات مزارع على المطر ، جبليّة ، وأشجارها علوب ، وفيها بعض نخيل ، وسكّانها آل بلعبيد ، وآل شحبل وبعض من كندة) اه

وهذا الوادي يسيل من الجنوب إلى الشّمال ، ويفضي إلى رمل الحزار الواقع جنوب ريدة الصّيعر ، وهو واد مستطيل ، يساقي دهر وعرما ووادي عمد. وهذه أسماء أجزاء جبله الشّرقيّ المشرف عليه من أعلاه : ساني ، فعمقان ، فدمّت بن فريد ، فخشم متمّة ، فخشم قويرات ، فخشم الصّدوع بضمّتين ، وهو خشم يمتدّ إلى الغرب. وبالجانب الغربيّ من أسفل الوادي : الحسوة ، وبير عامر ، حيث الارتفاع : (٢٦٥٠) قدم ، وبالجانب الشّرقيّ : بئر حديجان حيث الارتفاع : (٢٦٠٠) قدم ، فبئر عاصم حيث الارتفاع : (٢٥٧٠) قدما. وظهور جباله ـ أي سيطانه ـ فيها : الجهمة ، بفتحات ـ من آل بلعبيد ، وآل سميدع من آل عليّ. «الشّامل» (١٣٢).

بلدان وادي رخية : أوّل بلد فيه من أعلاه : البديعا : فيها آل لحول (الأحول). ٢ ـ الحجيل : فيها آل دهر ، وآل زوبع بفتح الزّاي فسكون. ٣ ـ دار الرّقاب : فيها آل عليّ بن محمّد ، وآل باعفي ـ بكسر ففتح. ٤ ـ لعمق ـ الأعمق : لآل أحمد بن عمرو ، وكلّ هؤلاء من الجهمة ، رئيسهم بامزعب. ٥ ـ سهوة : أكبر قرية في وادي رخية ، سكّانها آل العموديّ ، وآل بفلح ، والمنصب في بيت الشّيخ عبد الله بن أفلح بفلح. ٦ ـ مراوح : فيها آل بفلح. ٧ ـ حصن آل عمر بن عليّ : الجهمة. ٨ ـ حصون آل سعد : من آل سميدع. ٩ ـ سلمون : فيها مقدّم آل سميدع ، وحرث يقال لهم آل باقسيس. ١٠ ـ حصن الشّرقي : لآل سميدع. ١١ ـ حصن الجيزة : بفتح الجيم ، لهم أيضا.

١٢ ـ قرية القرم : سكّانها آل الشّيخ بو بكر ، وفي مصنعتها : القراميش. ١٣ ـ حصن الهجر : فيه القراميش. ١٤ ـ لنف ـ الأنف : في المصنعة. ١٥ ـ بادعام : سكّانه آل باعفي من آل هميم ، وأخلاط من الحرّاثين. ١٦ ـ الجدفرة : لآل بادعام من آل هميم. ١٧ ـ لعمق : فيه الكسران ، من آل بادعام ، وحرّاثون. ١٨ ـ قرن طوع : سكّانه السّادة آل الشّيخ بو بكر. ١٩ ـ نطع : فيه آل الشّيخ بو بكر ، وحرّاثون. ٢٠ ـ حصون آل عمرو : فيها آل عمرو. ٢١ ـ روضاح : فيه آل بريك ، وآل غانم ، من آل حيدرة. ٢٢ ـ علوجة بفتح فضمّ ، فيها آل غانم ، وآل سالم ، وآل قصيّر من آل حيدرة (قصيّر : بضمّ ففتح فتشديد الياء). ٢٣ ـ صنا : فيها آل الشّيخ بو بكر ، وآل باعبّاد ، والمقدّم بن سليم مقدّم آل حيدرة ، وبيت الرّئاسة لهم. ٢٤ ـ القرقر : فيها آل قيران ، من آل حيدرة. ٢٥ ـ حنو : فيها آل طويل من آل حيدرة. ٢٦ ـ الخرالب : أو الحجالب ، فيها آل غانم من آل حيدرة. ٢٧ ـ الجدفرة : لآل حيدرة. ٢٨ ـ عمقان : للسادة آل أحمد بن عيدروس آل الشّيخ أبو بكر ، وآل بلّيث ، وحرّاثين.

٢٩ ـ الخدود ، للبقّارة آل بلّيث. ٣٠ ـ القبلي : لآل بلّيث ، وآل بليث عزوتهم وصريخهم هم وآل حيدرة والشّحابل. ٣١ ـ منازل الشّحابل : آل حسين. ٣٢ ـ نباع : فيها آل مساعد بن حسن ، منهم ، (أي : شحابل) ، وفيها مقدّمهم محمّد بن جميل بن شحبل. ٣٣ ـ شرج آل علي بن أحمد : شحابل. ٣٤ ـ المخارم : فيها آل مظفر ، وآل عجيّان ـ بتشديد الياء ـ من آل شحبل. ٣٥ ـ السّيلة :


مذحج حتّى يصل إلى دهر ، وهو أوّل حضرموت من ذلك الجانب ، وهو لكندة ، وساكنه تجيب ، ثمّ إلى وادي رخية ، وفيه قرى ، منها : صمع ، وسور بني حارثة) (١).

وقال في موضع آخر : (وفي رخية درب يقال له : سور بني نعيم من تجيب. ولهم قرى كثيرة بواد غير ذلك ، وإباضتهم قليلة (٢) ، وأكثر ذلك في الصّدف ؛ لأنّهم دخلوا في حمير ، وتجيب من ولد الأشرس ابن كندة) اه (٣) ولرخية ذكر كثير في أخبار بدر بوطويرق وغيره من «الأصل».

ومن أكبر قراها : صنا ، فيها جامع.

وسكّانها : آل عيدروس بن عمر من آل الشّيخ أبي بكر وآل باعبّاد ، وآل حيدرة ، يقال : إنّهم من بني ظنّة (٤). يزيد عددهم عن أربع مئة رجل. وقيل : لا يزيدون عن مئتين.

وهم فصيلتان : آل سالم ، وآل غانم ، يرجعان إلى روح وهو جدّ آل تميم ، فهم وإيّاهم على رجل واحد.

وفي رخية من آل بلّيث نحو ثمانين راميا.

وما أظنّ امرأ القيس إلّا جمع إلى رخية وما حولها حيث يقول [من الطّويل] :

خرجنا نريع الوحش بين ثفالة

وبين رخيّات إلى فجّ أخرب

وقد وهم الأخفش في قوله : إنّ جبيهاء الأشجعيّ جمع رخّة على رخيات في قوله [من الطّويل] :

__________________

لآل محمّد بن فارس بن شحبل. ٣٦ ـ الخرشان : للشحابل ، أهل خيل وغارات. ٣٧ ـ الغرفة : لابن مربش النّهديّ. ٣٨ ـ البوع : لآل حدجان من نهد. اه من «الشّامل».

(١) صفة جزيرة العرب (١٦٥).

(٢) قوله : (إباضتهم قليلة) أي : الّذين من اعتنقوا مذهب الإباضيّة الّذي كان سائدا آنذاك قليل.

(٣) صفة جزيرة العرب (١٧٢).

(٤) التحقيق كما في «الشّامل» : أنّهم من آل بلعبيد ، والله أعلم.


جنوب رخيّات فجزع تناضب

مزاحف جرّار من الغيث باكر

وقال البكريّ : إنّما تستقيم لو كان الواحد رخوة أو رخية.

ومنه يتبيّن أنّه كامرىء القيس لا يريدون إلّا رخية هذه ، كما لا يريد بأخرب إلّا خربة القمازين من نهد ؛ فإنّ بينها وبين رخية بالتّقريب مقدار أربع ساعات.

المخارم (١)

هي في شمال رخية ، وكانت تحت فارس بن عبد الله بن عليّ النّهديّ ، فأخذها منه السّلطان بدر بوطويرق في سنة (٩٤٥ ه‍) (٢) ، وردّها لأهليها آل شحبل ، وعددهم نحو الأربعين.

وفي أخبار سنة (٩٥٢ ه‍) : أنّ السّلطان بدر بوطويرق تجهّز لحرب المشقاص في ستّ خيل إلى الرّيدة ، ثمّ تلاحقت بعده العساكر والفرسان ؛ فمن آل شحبل أربعة عشر فارسا ... إلخ.

وآل شحبل ثلاث فصائل ، وعددهم نحو الأربعين :

آل مظفّر ، ومسكنهم المخارم. والمجازرة ، ومسكنهم الزّبارة. وآل عجيّان ، ومسكنهم حسوة. والمخارم وآل مطعم ـ ويقال لهم : آل مساعد ـ منهم : آل حسين ، غربيّ نباع وغربيّ المخارم. وآل عليّ بن أحمد ، حصنهم بين المخارم ونباع. وآل عبد الله ، ومساكنهم بنباع ، وفيهم كانت رئاسة آل شحبل العامّة. وآل شحبل من سكون كندة (٣)

__________________

(١) المخارم : بلدة أسفل وادي رخية ، كانت تمرّ في حدودها القوافل الّتي تأتي من شبوة. ومن العوالق إلى قعوظة وشبام.

(٢) «تاريخ الشحر» لبافقيه (٢٥٥).

(٣) ويقال : إنّهم من آل روح من تميم ، من بني ظنّة. «الأدوار» : (٣٥٤).


ومقدّم الشّحابلة الآن سالم بن يسلم. ومنهم : الشّيخ عوض بن عبد الله بن شحبل (١)

نعم الفتى في سواد اللّيل نصرته

لبائس أو لملهوف ومحتاج

كان رئيس العرب بالصّولو من بلاد جاوة ، وكان مثال الإنصاف ، لم يشك حيفه عدوّ ولا صديق ، يحبّ الإصلاح ، ويتمنّى رقيّ العرب وتقدّمهم ، ولم يزل باذل الجهد في ذلك بلا معين ؛ لأنّ جلّ ـ أو كلّ ـ العرب الحضرميّين نفعيّون مغرضون ، لا يتّخذون الجمعيّات وأشباهها ـ ممّا ظاهره الخير ـ إلّا طريقا إلى المصالح والأغراض والتّشفّي ، وقد قال الأوّل [من الطّويل] :

إذا ألف بان خلفهم هادم كفى

فكيف ببان خلفه ألف هادم؟!!

ومنهم الشّيخ عمر بن عبد الله بن سالم بن شحبل ، له شهامة ومحبّة للخير ، وهو الآن في ممباسا من السّواحل الإفريقيّة ، وبلغني أنّ جدّ آل شحبل كان بمريمة ، فضاقت به لمّا كثرت ثاغيته (٢) .. فنجع إلى وادي عمد ؛ لكثرة ما بها من المراعي ، واستقرّ بالرّحب منه.

ولا تزال به بير تدعى : (شحبلة) إلى اليوم.

ثمّ نجع بعضهم إلى نباع ، وأثروا بها ، إلّا أنّه كان بها ثلاثة إخوة ، وهم : مظفّر وجحدر ومطعم في حالة إملاق ، وكان على المخارم وآل كثيري من يأخذ منهم الرّبع ويسومهم فوق ذلك سوء العذاب ، فجاء جماعة من الرّعايا آل بافليع وآل قناب إلى مظفّر وأخويه ، وجعلوا لمن يقتل أميرهم ما كانوا يعطونه ، فكمنوا له ، وقتله مظفّر ، فدفعوا له ما كان يأخذه منهم ذلك الأمير مدّة ، ثمّ منعوه.

وفي أعلى رخية مكان يقال له : لعمق ، فيه آل عفي ، وهم من الجهمة ، يرجعون إلى آل بلعبيد ، لا يزيد رجالهم عن أربعين.

__________________

(١) الشّيخ عوض بن شحبل هذا .. كان ـ كما ذكر المصنّف ـ من الرّجال المصلحين ، وكان مثقّفا ذكيّا ، وله نشاطات كبيرة في المهجر ، ذكرها معاصره السيد سالم بن جندان رحمه الله.

(٢) أي : مواشيه.


ومكان يقال له : البديعة ، على مقربة سهوة ، فيه آل لحول ، عدد رجالهم أربعون من الجهمة آل بلعبيد أيضا.

وفي أعلى وادي رخية مكان يقال له : قرن باشريح (١) ، فيه عين ماء ، وعليها نخل وبساتين. وسكّانه القراميش (٢) ، وفيه آل سميدع.

وفي جنوبه : سلمون ، السّابق أنّها لآل سميدع ، وعدّة رجال المكانين من آل سميدع نحو الخمسين.

سهوة (٣)

هي أرض بلعبيد ، وفيها جامع ، ومشايخ من آل العموديّ ، ومشايخ من آل بفلح (٤) ، منهم : الشّهم الحرّ الكريم أحمد بن عبد الرّحمن بفلح ، له رتبة في العسكريّة بحيدرآباد ، وشدّة اختصاص برئيس الوزراء المذبذب بين البوذيّة والإسلام ، حتّى لقد زوّج ذلك الوزير بعض بناته من البوذيّين ، وبعضا من المسلمين. ولما كنت بحيدرآباد في سنة (١٣٤٩ ه‍) .. خدمني الشّيخ أحمد بفلح هذا خدمة عن إخلاص.

ولمّا اشتدّ الأذى بالعموديّين من عسكر الكساديّ بدوعن حوالي سنة (١٢٨٦ ه‍) .. اجتمع ملؤهم بالشّعبة عند الشّيخ أحمد بن عبد الله بن بدر ، وحضر رؤساء المشاجرة وأتباعهم من مقادمة الدّيّن وآل بلعبيد ، وأصفقوا (٥) على القيادة العامّة للشّيخ صالح بن عبد الله صاحب بضه ، جدّ المنصب الحاليّ ، فتحمّل

__________________

(١) وينطق بألف ممالة ، فيقال : باشراح.

(٢) أي : آل القرموشي ، كانوا ضمن عساكر بدر بوطويرق ، منهم على زايد القرموشي المتوفى بجدة سنة (١٤١٨ ه‍) تقريبا.

(٣) سهوة : قرية جنوب وادي رخية ، من مديريّة القطن ، وهي أكبر قرية في وادي رخية.

(٤) ومن آل بفلح جماعة في سيئون نزحوا من سهوة المذكورة ، ولهم بيوت وعائلات في سيئون.

(٥) أصفقوا : أجمعوا.


الكلف ، وباع أرضا له واسعة بسهوة هذه على الشّيخ ابن عبد الرّبّ ، وهو من آل صالح العموديّين بطريق العهدة الجارية بحضرموت ، ولا يزال الاختلاف قائما بينهم من أجل الفكاك.

وكان عاقبة تلك الحادثة : انتصار آل العموديّ على الكساديّ ، فطردوه من دوعن ، وأخذوا مدفعه الّذي لا يزال موجودا بدار المنصب في بضه (١).

ومن بلاد رخية : علوجة (٢) ، فيها جامع ومنزل للضّيفان ، صدقاته من آثار الحبوظيّ (٣).

وفي رخية جماعات من : آل الشّيخ أبي بكر بن سالم من أعقاب السّيّد عليّ بن عبد الله ابن الشّيخ أبي بكر. ومن أعقاب السّيّد عليّ بن محمّد بن عمر المحضار ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم. ومن أعقاب السّيّد عبد الله بن الحامد. ومن أعقاب أخويه أبي بكر وعمر ابني الحامد. وفيها مشايخ كثيرون من آل العموديّ ، وقد مرّ في حجر أنّ بلاد مدورة الواقعة بين لازم والسّور كانت معمورة ، إلى آخر ما سقناه هناك. وفيها بقيّة من آل أبي نعيم ، وجماعة من آل حيدرة يقدّرون بنحو مئة رجل.

وبين رخية ووادي عمد جبل يقطعونه صعودا ونزولا في نحو ستّ ساعات.

سدّة باتيس (٤)

بين رخية ووادي عمد ، فيها خمسة عشر حصنا مبنيّا من الحجارة ، كلّ حصن على سبع طبقات.

سكّانها : آل باتيس ، وهم فيها ، وفي نواحيها ، وفي وادي عمد ، يقدّرون بأكثر من ثلاث مئة رام ، يخدمونهم مواليهم ؛ لأنّ فيهم كثرة.

__________________

(١) ولا يزال هذا المدفع إلى اليوم قائما جوار بيت منصب العمودي في بضه.

(٢) علوجة : قرية في رخية ، بها آل غانم ، وآل سالم ، وآل قصيّر من آل حيدرة.

(٣) قوله من آثار الحبوظيّ .. أي من صدقاته الّتي أوقفها على الأضياف في أكثر بلدان حضرموت.

(٤) آل باتيس من قبائل نعمان من حمير.


ورؤساؤهم اليوم : محمّد بن خميس بن منصور بن أحمد. وأحمد بن سالم بن منصور بن أحمد. وهم أهل نجدة وضيافة ودين ومروءة.

سوط آل سميدع (١)

هو في جنوب سدّة آل باتيس ، وهم من آل نعمان ، يرجعون مع آل باتيس إلى رجل واحد.

يقدّرون بمئتي رام ، على ما كانت العرب عليه من المروءة ، والشّهامة ، والوفاء ، وحسن الضّيافة ، وأمان الجار.

وفي جنوبهم سوط آل بلعبيد ، يبلغون ألف رام ، على رأسهم : سالم بن ثابت باهيصمي.

وهم قبائل شتّى ، ولكلّ قبيلة منهم رئيس ، غير أنّ سالم بن ثابت هو الشّيخ العامّ لهم (٢).

وادي عمد (٣)

قال الشّيخ زمليّ بن عمرو بن عبد الله الفهميّ باحلوان في كتابه «رشيدة الإخوان» : (إنّ بني القين التّغلبيّين بطن من قضاعة ، سكنوا بوادي عمد من

__________________

(١) وآل سميدع في المهجر ، ومنهم جماعة بالسّعوديّة.

(٢) كان ذلك سنة (١٣٦٦ ه‍) زمن تأليف الكتاب.

(٣) وادي عمد : غربيّ دوعن ، منابعه من جبل شناع ومنطقة هينن ، ويمضي إلى قرب حريضة ، ثمّ خنفر ، والنعير ، وعنق ، والخميلة ، وينتهي في الصّحراء غربيّ كيدام بامسدوس.

وهو منطقة فقيرة وجافّة عدا أجزاء منه في الجهة الجنوبيّة ، حيث توجد أحراج النّخيل ومزارع الذّرة الّتي تسقى بماء السّيل ؛ لأنّ مياه الآبار لا يحصل عليها إلّا على عمق (٣٥٠) قدما فأكثر .. وبهذه المنطقة آثار قديمة ، وعثر على معبد قرب حريضة في ريبون يسمّى معبد القمر ، وفيه دلالة على وجود عبادة وديانة قديمة في المنطقة. وأخذ من هذا المعبد رأس تمثال على شكل أسد يصدر زئيرا إذا دخلته الرّيح ، أهداه السّلطان عليّ بن صلاح القعيطيّ لبعثة أوربيّة ، وهو في أحد المتاحف في مدينة لندن بإنكلترا.


حضرموت ، فقيل له : وادي قضاعة ، وعمد هو أحدهم ، وهو أوّل من سكن ذلك الوادي ، فسمّي باسمه) اه

قد مرّ في جردان أنّ بينه وبين وادي عمد مسيرة ثلاثة أيّام ، وبعضهم يقول : أربع ، والأمر يسير ؛ لأنّ السّير والمراحل على اختلاف.

ويطلق على وادي عمد إلى اليوم وادي قضاعة ، وهو لقب عمرو (١) بن مالك بن مرّة بن زيد بن مالك بن حمير.

وتزعم نسّاب مضر أنّ قضاعة هو ابن معدّ بن عدنان.

وقال الهمدانيّ في الجزء الأوّل من «الإكليل» : (يمتنع ذلك لخصال ؛ منها : أنّ حمير كانت أعزّ العرب جميعها ، وأنّهم كانوا الملوك الّذين يدينون البلاد ، ويقهرون العباد ، فلم يكونوا ليتركوا قضاعة بهذه الحالة ـ وهم من غير عبيدهم ـ تسكن مأرب وصرواح وتوطّنها ، وهم بيضة العزّ ، ودار المملكة ، وبقعة الجنّتين ، وذكر قحطان ، ووسط الإقليم ، وكلّ من ملك من حمير يرى العالم عبيده ، والعرب جميعا خوله ... إلى آخر ما ذكر ، فتعيّن أنّ الصّواب أنّهم من حمير).

وفي حديث أخرجه الطّبرانيّ [طس ١ / ١١١] عن عقبة بن عامر : «أنتم من قضاعة بن مالك بن حمير».

وفي آخر أخرجه أحمد عن عمرو بن مرّة : «أنتم معشر قضاعة من حمير». (٢)

ويأتي في الضّليعة أنّ سائر قبائل السّوط من حمير ، وهو مناسب لما هنا ، وبه يتبيّن كذب أعشى ثعلبة في قوله [من البسيط] :

قالت قضاعة إنّا من ذوي يمن

والله يعلم ما برّوا ولا صدقوا (٣)

ورأيت في (ص ١١٠) من «الشّهاب الرّاصد» أنّ : قضاعة كان مالكا لبلاد

__________________

(١) وفي نسخة : (عمر).

(٢) مجمع الزوائد (١ / ١٩٩).

(٣) البيت في «البيان والتبيين» (١ / ٣٠٦).


الشّحر ، وأنّ قبره موجود بجبلها ، ومن المعلوم أنّ قضاعة كانت بمأرب فتفرّقت عنها بعد تفرّق الأزد ، فنجوعها منها إلى هذا الوادي وما والاه من أقرب القريب.

وقال العلّامة السّيّد أحمد بن حسن العطّاس : إنّما كان نجوع قضاعة إلى وادي عمد أواخر القرن السّادس ، حينما ماجت حضرموت بالأيّوبيّين ومواليهم الغزّ والقبائل النّاقلة إليها ، ولا اختلاف ؛ لاحتمال تعدّد النّجوع كما ذكر عن كندة ، والأثبت ما سبق عن باحلوان.

وذكر أبو عليّ : (أنّ ثلاثة بطون من قضاعة ـ وهم : بنو ناعب ، وبنو داهن ، وبنو رئام ـ كانوا متجاورين بالشّحر وحضرموت ، وكان الشّرّ يتّقد بين بني رئام وأخويهم ، فبينا هم غارّون في بعض أفراحهم .. إذ أنذرتهم كاهنة لهم ، يقال لها : خويلة الرّئاميّة (١) ، فحذر من كلامها أربعون فتحصّنوا بشعف الجبال (٢) ، وسخر بها الباقون ، فصبّحهم بنو ناعب وبنو داهن فألقوا فيهم السّلاح حتّى أبادوهم ، وكانوا ثلاثين ـ كما يعرف من شعر خويلة الآتي ـ فلم يكن منها إلّا أن قطعت خناصرهم وانتظمتها قلادة في جيدها ، وركبت إلى ابن أختها مرضاوي بن سعوة المهريّ تستنجد به ، وما كادت تصل بين يديه حتّى مثلت تنشد [من الكامل] :

يا خير معتمد وأمنع ملجأ

وأعزّ منتقم وأدرك طالب

جاءتك وافدة الثّكالى تغتلي

بسوادها فرق الفضاء النّاضب (٣)

هذي خناصر أسرتي مسرودة

في الجيد منّي مثل سمط الكاعب (٤)

__________________

(١) ليس الأمر كذلك ؛ لأنّ خويلة الرّئاميّة من صميم بني رئام ، وإنّما الكاهنة جارية لخويلة الرّئاميّة يقال لها : زبراء ، كما في «الأمالي» وانظر أيضا تفصيل القصّة في «جمهرة خطب العرب» (١ / ١١٠ ـ ١١٢). والله أعلم.

(٢) شعف الجبال : رؤوسها.

(٣) الوافدة : رسولة القوم. الثّكالى : النّساء اللّاتي فقدن حبيبا أو غاليا ، ابنا كان أو غيره. تغتلي : تعلو. الفرق : الجبل. الفضاء : الأرض الخالية. النّاضب : البعيد. والمعنى : جئتك نائبة عن هؤلاء النّسوة اللّاتي فقدن أحبابهنّ ، وقد علوت جبالا في أراض خالية بعيدة. والله أعلم.

(٤) مسرودة : مجموعة واحد تلو الآخر. سمط : قلادة. الكاعب : الفتاة الّتي كعب ـ بدا ـ نهدها.


عشرون مقتبلا وشطر عديدهم

صيّابة في القوم غير أشائب (١)

طرقتهم أمّ الدّهيم فأصبحوا

تستنّ فوقهم ذيول حواصب (٢)

جزرا لعافية الخوامع بعدما

كانوا الغياث من الزّمان اللّاحب (٣)

فابرد غليل خويلة الثّكلى الّتي

رميت بأثقل من صخور الصّاقب (٤)

فحمي أنفه ، وقال :

أخالتنا سرّ النّساء محرّم

علينا وتشهاد النّدامى على الخمر (٥)

لئن لم أصبّح داهنا ولفيفها

وناعبها جهرا براغية البكر (٦)

ثمّ لم يزل يضرب آباط الإبل حتّى هجم برجاله على بني ناعب وبني داهن ، ولم ينحجز (٧) عنهم حتّى أردى ثلاثين) اه باختصار (٨)

وما حرصت على هذه القصّة إلّا لأنّها تشمل بقضاعة كثيرا من حضرموت ، ولا شكّ أنّ المهرة منهم.

__________________

(١) المقتبل : الشّاب ، وكأنّه استأنف شبابه. شطر عديدهم : نصف عددهم. الصّيّابة : الأسياد في قومهم. أشائب : لعلّها مقلوب شوائب ؛ أي : اختلطوا بغيرهم. ومعنى البيت : هذه خناصر ثلاثين شابا من بني قومي ، وكلّهم أسياد من صميم النّاس وليسوا من خلطائهم ؛ إذ ليس فيهم ما يعيبهم.

(٢) أمّ الدّهيم : المنيّة. تستنّ : تنشط. ذيول حواصب : ما تتركه الرّيح الّتي تحمل الحصباء من أثر يشبه الذّيل في الرّمل. والمعنى : أتتهم المنيّة فصيّرتهم في حفرة تنشط فوقها الرّياح.

(٣) جزرا : قطعا سائغة للأكل. العافي : طالب الرّزق. الخوامع : الضّباع.

(٤) الصّاقب : اسم جبل.

(٥) سرّ النّساء : كناية عن إتيانهنّ ، والمقصود أنّه حرّم على نفسه إتيان النّساء ، والجلوس مع الندامى في مجالس الخمر حتى يثأر لخالته.

(٦) أصبّح : أغزو في الصّباح. لفيفها : جمعها. ناعبها : بنو ناعب. جهرا : علنا. الرّاغية : الرّغاء وهو صوت الإبل وضجيجها. البكر : الفتيّ من الإبل. وراغية البكر : مثل عربيّ يضرب في الشّؤم يجلبه الإنسان على من سواه. وأصله : أنّ قدار بن سالف حينما عقر ناقة سيّدنا صالح عليه الصلاة والسلام في قوم ثمود ، وكانت على وشك الولادة ... خرج ابنها ـ بكرها ـ منها وصوّت ورغا رغاء شديدا ، فأنزل الله عقابه عليهم.

(٧) ينحجز : يمتنع.

(٨) أمالي القالي (١ / ١٢٦).


وقد مرّ في الدّيس أنّ المناهيل والحموم ويافع من حمير بن سبأ .. فالأمر متقارب بعضه من بعض.

وفي «رشيدة الإخوان» لباحلوان : (إنّ عوبث وناعب ورئاما سكنوا بين حضرموت والشّحر ، وحالفوا قبائل المناهيل وصاهروهم) اه

وجاء في «صفة جزيرة العرب» لابن الحائك : (أنّ لبني رئام حصنا منيعا لا يرام بعمان) (١).

وقال ياقوت في «معجمه» [٣ / ١١٠] : رئام موضع ينسج فيه الوشي ، وقيل : رئام مدينة الأود (٢) ، قال الأفوه الأوديّ [من الكامل] :

إنّا بنو أود الّذي بلوائه

منعت رئام وقد غزاها الأجدع

وفي «القاموس» : (ورئام ككتاب ، بلد لحمير).

وقال الهمدانيّ في الجزء الثّامن [ص ٦٦] من «الإكليل» : (أمّا رئام .. فإنّه كان منسكا (٣) في رأس جبل من بلد همدان ، ينسب إلى رئام بن نهفان بن تبّع بن زيد بن عمرو بن همدان ، وحوله مواضع كانت الوفود تحلّ بها ، منها : حرمة).

وبعد أن أطال في وصفها قال : (ولا أدري ، أرئام هذه يعني الأفوه الأوديّ بقوله ـ يعني البيت السّابق ـ أم غيرها من أرض اليمن؟ فإن يكن رئام لهمدان .. فالبيت لكهلان ، ورئام لهمدان ، وكانوا يحجّونه ، فسار له الأجدع ـ ملك من ملوك حمير ـ وهو تبّع الأخير ، وأجدع بن سودان من ملوك همدان أيضا ، وفيه يقول علقمة :

وذا رئام وبني فارس

وأجدع القيل أخا يشحما

ورئام قبيلة من مهرة من قضاعة ، ويمكن أن يكون عناها) اه بلفظه ، وموضع الشّاهد هو الجزء الأخير.

ووادي عمد بين جبلين ، غربيّ وشرقيّ ، تتشعّب منه طرق تأخذ واحدة في الغرب

__________________

(١) «صفة جزيرة العرب» (٩٢).

(٢) الأود : قبيلة مذحجيّة ، وهم بنو أود بن الصّعب بن سعد العشيرة بن مذحج ، اشتهر منهم الصّحابيّ عمرو بن ميمون الأودي المتوفّى (٧٥ ه‍) ، والشّاعر الأفوه الأوديّ. ومساكنهم في دثينة من مديريّة لودر من أعمال أبين.

(٣) المنسك : الموضع الذي يعتاده الناس.


متشاملة فتنتهي إلى رخية ، وأخرى إلى حيلة باصليب ، ثمّ تذهب إلى جردان.

وأعلى وادي عمد وأوّله :

الخميلة (١)

سكّانها آل بايزيد ، وهم مشايخ ، كان منهم علماء وصلحاء في سابق الزّمان.

وقال الطّيّب بامخرمة : (هي قرية على وادي عمد ، بها فقراء صالحون ، يطعمون الطّعام ، يعرفون بآل بايزيد ، تتّصل خرقتهم إلى أبي مدين المغربيّ. ذكر ذلك القاضي مسعود) اه (٢)

وقوله : (تتّصل خرقتهم .. إلخ) لن يكون ذلك الاتّصال إلّا بواسطة العلويّين أو العموديّين. وفيها سوقة ، وفيها جامع ، وبيت للضّيفان من صدقات الحبوظيّ. ثمّ :

حيلة باصليب (٣)

وهم قبائل مشاجرة يحملون السّلاح ، وما أدري أكان الشّيخ عليّ بن سعيد باصليب ، الملقّب بالرّخيلة منهم (٤) ، أم لا؟ فإنّه تديّر (٥) تريم ، وللشّيخ عبد

__________________

(١) يقال : إنّ هذه الخميلة تنسب للشّيخ محمّد بايزيد ، لعلّه من أهل القرن التّاسع ، أو العاشر ، ذكره الشّوّاف في «قصعة العسل» ، وحكى أنّه من أهل السّرّ والنّور وكان من أهل الله البائعين نفوسهم وأموالهم في سبيل الله ؛ فقد تصدّق بأعزّ ماله ـ أي ضياعه ـ على إطعام الضّيفان القاصدين مكانه ، وكان له كرامات ؛ منها أنّ الفأر إذا أكل من طعامه .. مات حالا ، وأنّ الحبوب في مخزنه لا تكاد تنفد ، ومخزنه دائما مملوء بالطّعام ، كلّما قصده ضيف .. وجد كفايته. «تاج الأعراس» (١ / ٦٤٠).

(٢) «النسبة» (١٠٦ خ).

(٣) وتنطق بألف فيقال : حالة باصليب ، وآل باصليب من قبائل المشاجرة ـ واحدهم مشجري ـ من سيبان ، أحد بطون حمير الكبرى. وهم أي المشاجرة أقسام وبيوت ، منهم : آل باعران ، باموكره ، بامسدوس ، آل النقيب.

(٤) عليّ باصليب الرخيلة ، من كبار الصّوفيّة في زمنه ، له ذكر كثير في «الجوهر الشّفّاف» و «المشرع الرّويّ» صحب الشيخ محمد بن علي مولى الدويلة ، وابنه السقاف ، وكان من أصحابه وإخوانه في الله : الشيخ العلامة محمد بن عبد الرحمن باصهي الشبامي (ت ٩٠٣ ه‍) ، الآتي ذكره في شبام.

والرخيلة تصغير رخلة ، وهي صغار العنز.

(٥) تديّر : سكن.


الرّحمن السّقّاف أخذ عنه ، ومع ذلك بقي له اتّصال أكيد بالشّيخ الإمام أبي بكر بن عيسى بايزيد ، السّاكن في وادي عمد ، الّذي كان موجودا بالقرن الثّامن.

وكان هو والمشايخ الأئمّة ـ : عمر بن سعيد باجابر ، ومزاحم بن أحمد باجابر ، وعبد الله بن طاهر الدّوعنيّ ، المتوفّى بالأيسر ، على مقربة من بلاد الدّوفة ، كلّ هؤلاء ـ من أقران الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف.

وفي حيلة باصليب جماعات من السّوقة والأكرة.

ثمّ رباط باكوبل (١) ، وسكّانه من القرار المعروف شأنهم بحضرموت ، وفيه جامع.

ولم أدر من هو باكوبل هذا غير أنّه جاء في الحكاية (١٤٥) من «الجوهر الشّفّاف» ذكر يحيى بن أبي كربل ، وهو من خدّام الشّيخ عبد الله باعلويّ. كما جاء في الحكاية (١٥٤) منه أيضا ذكر باكنبل ، وهذه الألقاب متقاربة.

ثمّ قرن باظبي. ثمّ مخية والشّرقي : لآل باتيس ، نحو مئة رام ، وعندهم نحل كثير جيّد العسل ، وهم على اتّصال بقبيلتهم أهل السّدّة السّابق ذكرها.

ثمّ خربة باكرمان : فيها جامع ، وسكّانها من يافع المتوالدين بها ، وسادة من آل الكاف. منهم بها أو بعمد : الفاضل السّيّد أحمد بن عبد الله بن سالم (٢) ، أثنى عليه شيخنا المشهور في «شمس الظّهيرة» بالفقه والنّباهة والورع.

وقد زار سيّدي الوالد بمكاننا المسمّى : (حوطة علم بدر) ، في يوم الإثنين (٢٠) شعبان سنة (١٣٠٨ ه‍) ، وحصلت منه الإجازة والإلباس لوالدي ولي

__________________

(١) كذا في الأصل ، وإنما هو باكوبن بالنون ، ولعل المؤلف لم يتحقق من ضبط الاسم واكتفى بالسماع ، فوقع في الاشتباه.

(٢) توفّي الحبيب أحمد الكاف المذكور سنة (١٣١٤ ه‍) ، وكان مولده سنة (١٢٤٧ ه‍) ، طلب العلم ، وهاجر إلى الحرمين ، من شيوخه : الحبيب صالح العطّاس ، والحبيب أحمد المحضار ، وكان ملازما لشيخه العطّاس حضرا وسفرا ، وتولّى إمامة جامع عمد ، ولقي في أسفاره عددا من أهل العلم والصّلاح ؛ منهم الشّيخ العزب الدّمياطي. وكان له أخ عالم من الصّالحين اسمه محمّد ، توفّي بمكّة سنة (١٢٨١ ه‍) ، لهما ذكر في «تاج الأعراس».


وللشّيخ محمّد بن شيخ الدّثنيّ ، وكانت مذاكرات علميّة شهيّة في ذلك المجلس الشّريف. هكذا وجدته بخطّ الدّثنيّ المذكور.

وفي «المواهب والمنن» للسّيّد علويّ بن أحمد بن حسن الحدّاد : (أنّ السّيّد علويّ بن محمّد الكاف ساكن وادي عمد وادي قضاعة بحضرموت .. كان مع سيّدي الوالد في المركب الّذي انكسر بهم قريبا من القنفذة في سنة «١١٥٧ ه‍»).

وفي الخربة المذكورة جماعات من آل باكرمان ، وهم مشايخ ، وعندهم أوشاب (١) من الرّعايا (٢).

ثمّ الشّعبة (٣) ، وهي بالوادي الشّرقيّ ، وسكّانها آل العموديّ ، مشهورون بكرم الضّيافة ، وفيها خزانة كتب للشّيخ العلّامة عمر بن أحمد العموديّ (٤) ، المقبور

__________________

(١) الأوشاب : هم الخليط من النّاس.

(٢) ومن مشاهير رجال الخربة من السّادة آل الشّيخ أبي بكر : السيّد الوليّ الصّالح ، الحبيب صالح بن محسن بن أحمد بن بو بكر بن عبد الله بن الحبيب صالح بن عبد الله الحامد ، ولد بالخربة سنة (١٣١٣ ه‍) ، تلقّى العلم في بلاده ، ثمّ هاجر إلى جاوة عام (١٣٣٤ ه‍) ، وسكن قرية تسمّى تانقول بجاوة الشّرقيّة ، واتّصل بأكابر بني علويّ في جاوة ؛ كالحبيب عبد الله بن محسن العطّاس ، ومن في طبقته ، وبنى في التانقول مسجدا من كسب يديه ، ثمّ بنى مسجدا آخر سمّاه : (رياض الصّالحين) ، أهداه أرضه أحد المواطنين. وكان منزله مفتوحا على الدّوام للأضياف ، وكان لا يخلو من أحد منهم ، ولا تخلو ساعة في يومه من زائر ، وكان يربي بعض اليتامى عنده.

وكان مصلحا ذا تأثير ونفوذ في عزائم المسؤولين.

توفّي الحبيب صالح بن محسن بالتانقول سنة (١٣٩٦ ه‍) ، وله مواعظ ، جمعها تلميذه السيّد محمّد بن عبد الله بن هود السّقّاف ، كما جمع بعض مناقبه.

(٣) وتسمّى : شعبة بامحمّد ؛ لأنّ آل العموديّ الّذين بها من نسل الشّيخ محمّد بن عيسى العموديّ. فيقال لهم : آل بامحمّد. وفيها خزانة كتب الشّيخ عمر بن أحمد العموديّ .. الآتي ذكره.

(٤) هو الشّيخ عمر بن أحمد بن محمّد بن عثمان بن أحمد بن محمّد بن عثمان بن عمر بن محمّد ابن الشّيخ سعيد العموديّ .. كان من أجلّاء العلماء والفقهاء ، هاجر من بلده لطلب العلم ، واقتنى كتبا كثيرة ، وكان عالما ، وكذلك ابنه عبد الرّحمن ، ولد بقيدون هاجر إلى مكّة بعد أن ضاقت به بلاده ؛ لأنّه ولي مشيخة قومه العموديّين ، وألجؤوه إلى قضايا وأمور فيها ظلم وسفك دماء ، فهرب منهم ، وتوفّي في طريقه إلى القنفذة.


بالقنفذة ، وفيها أوشاب من الرّعايا.

ثمّ الوجر ، فيه نحو أربعين راميا من آل ماضي. ثمّ طمحان (١) ، فيها جامع وبيت للضّيفان ، أوقافه منسوبة للحبوظيّ.

وفيها جماعة من آل ماضي (٢) ، ومنها ـ حسبما يقال ـ أبو الطّمحان

__________________

مكتبة آل العمودي بالشّعبة : قال عنها السيّد جعفر السّقّاف : (مكتبة آل العموديّ في شعبة بامحمّد ، بوادي عمد ، تنسب لعمر عثمان العموديّ ، المتوفّى بالقنفذة عام (٩٤٧ ه‍) ، وكل كتبها مخطوطة ، ولمّا كانت قبيلة آل العموديّ مسلّحة خلال الوجود الاستعماريّ .. فقد منع رجالها المسلّحون الضّبّاط والمستشرقين الإنكليز من زيارة هذه المكتبة ، فتميّزت عن غيرها من المكتبات ، وقد نقلت كتبها إلى عاصمة المديريّة حريضة لتضمّ إلى كتب مكتبات حريضة) اه

وقد زار السيّد جعفر هذه المكتبة مرّتين ، الأولى بمصاحبة البعثة السّوفيتيّة من معهد الاستشراق بليننغراد ، في الفترة ما بين (١٧ / ٤ و ١٢ / ٥ / ١٩٧٤ م). والثانية بمصاحبة لجنة المخطوطات من (٢٧ / ١١ إلى ٣ / ١٢ / ١٩٧٤ م).

ومن النفائس الّتي كانت بهذه المكتبة على ما بلغني .. أنّ بها نسخة نفيسة من «تحفة المحتاج» لابن حجر ، إمّا بخطه ، أو عليها خطّه ، ومئات غيرها.

وفي «الشّامل» : أنّ الشّيخ عمر بن أحمد خرج أوّلا من قيدون إلى الشّعبة ، ثمّ هاجر من حضرموت بعد ذلك بالكلّيّة ، وكذلك ابنه الشّيخ عبد الرّحمن.

ثمّ قال : (وأمّا كتبهم .. فبقيت في الشّعبة في موضع يقال له : الخزانة ، ولهم تنافس عليها ؛ حتّى لا يفتحها أحد إلّا بحضور الجميع ، وليس تنافسهم حرصا على العلم أو الكتب ، ولكنّه تنافس مبنيّ على التّسامي بينهم ، وعلى اعتقاد غير صحيح ، وقد عاثت الأرضة في تلك الكتب حتّى أتلفتها.

ولمّا جئت إلى الشّعبة سنة (١٣٢٦ ه‍) أو (١٣٢٧ ه‍) .. فتحوها لي ، وقام منهم ثلاثة متقاطرون ، يأخذ أحدهم الكتاب فيناوله الآخر ، ثمّ يناولنيه الثّالث ، وممّا رأيته : «حسن النجوى فيما لأهل اليمن من الفتوى» جمعه الشّيخ عبد الرّحمن ، وكتاب في «الأذكار» و «شرح البهجة» بخطّ جميل ، وعليه تقريرات الشّيخ عبد الله بن الحاج بافضل ، و «شرح الدّميري على المنهاج» ، ولعلّ الأرضة قد أتلفت بعض أجزائه ، وهو الّذي يقال إنّ الشيخة العالمة الفقيهة خديجة بنته ـ أي الشيخ عمر ـ قد نسخته ، وقالت في آخرها : ليعذرني من وجد فيه سقطا أو غلطا ؛ فإنّي نسخته وأنا مرضع أو كما قالت) اه

(١) طمحان : بفتح فسكون ففتح.

(٢) آل ماضي من بني هلال من كندة ، وهم أصلا من جردان على قول ، وعلى قول آخر : إنّهم من الجعدة ، هاجر جدّهم من البويرقات ، إلى وادي عمد ، وبيوتهم : آل طيف ، آل بن سويدان ، آل مرساف ، آل بن عقيل ، آل منيف ، آل مرعي ، آل مسلّم. «البكري» (٢ / ٩٤ ـ ٩٥).


القينيّ (١) ، ويتأكّد بما سبق أنّ بني القين أوّل من سكن وادي عمد ، من قضاعة ، وقد ترجم له في «رشيدة الإخوان» ، وصرّح بولادته في حضرموت بوادي قضاعة مسكن بني القين ، وذكر أنّه أصاب دما في قومه فهرب إلى ديار فزارة مستجيرا بمالك بن سعد الفزاريّ .. فأجاره وأكرم مثواه إلى أن توفّي.

وقد ذكرت ما أخرجه صاحب «الأغاني» من خبره مع قيسبة بن كلثوم السّكونيّ في «الأصل».

وفيها الآن شيخ شهم من آل العموديّ ، يقال له : أحمد الأشرم ، تزوّج بمخلّفة السّيّد عيدروس بن حسن بن محمد بن إبراهيم بلفقيه ، وقد جرت لها قصّة ، حاصلها :

أنّ السّيّد عيدروس هذا كان غائبا ، ففقد وانقطع خبره ، ففسخت نكاحها منه ؛ لتعذّر النّفقة فسخا صحيحا ، أمضاه قاضيهم السّيّد العلّامة عبد الله بن محمّد المساوى ، المتوفّى بشقرة ، واقترنت بأحد آل عمر بن جعفر الكثيريّين بقيّة الدّولة البائدة ، ولمّا بنى بها .. هجم عليهم آل شملان وانتزعوها منه عنوة بغير مبرّر شرعيّ ، سوى أنّهم قالوا : إنّ كثيرا من أبنائنا غائبون ولا ينفقون على زوجاتهم ، وبانفتاح هذا الباب ينجم شرّ كبير.

وأنا كثيرا ما أنعى على المتعصّبين من الفقهاء تشدّدهم في منع الفسخ ؛ لأنّ الدّين يسر لا حرج فيه ، ولن يشادّه أحد إلّا غلبه ، وقد جاء في «الغنية» لسيّدي الإمام العارف بالله ، شيخ الشّيوخ ، السّيّد عبد القادر الجيلانيّ أنّ : (للمرأة الفسخ بعد مضيّ ستّة أشهر لغيبة زوجها) وهو قريب من مذهب سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه.

__________________

(١) اسم أبي الطّمحان : حنظلة بن الشّرقي ، أحد بني القين بن جسر بن شيع الله. مولده سنة (٧) من الميلاد النّبويّ ، وأسلم ، وكان كثير الأسفار إلى الحجاز ونجد ، وكان صديقه الزّبير بن عبد المطّلب. كان موصوفا بلطف العشرة وخبث اللّسان ، وكثرة الهجاء ، وغير ذلك. وجنى جناية في أخريات أيّامه ، فهرب إلى ديار فزارة مستجيرا بمالك بن سعد الفزاري ، أحد بني شمخ ، وظلّ عنده حتّى مات سنة (٣٠ ه‍). «تاريخ الشّعراء» (١ / ٣٧ ـ ٤٠) ، وفيه نماذج لشعره.


وإلى جانب طمحان : المكان المسمّى جاحز (١) : وفيه يسكن آل عمر بن جعفر (٢) المذكورون ، وآل جنيد من المشايخ آل باوزير.

ثمّ حبره : قرية صغيرة لآل ماضي ، لا مسجد بها! (٣)

ثمّ بلد عمد (٤) ، وفيها آل العطّاس ، منهم : الإمام الكبير صالح بن عبد الله ، المتوفّى بها في سنة (١٢٧٩ ه‍) ، وولداه الكريمان الصّالحان : عمر بن صالح ، ومحمّد بن صالح (٥) ، وابن أخيه محمّد بن أحمد بن عبد الله.

وفيها (٦) جماعة من آل الشّيخ أبي بكر بن سالم ؛ منهم السّيّد العظيم الشأن صالح بن عبد الله الحامد ، ومنهم الصّالح السّليم البال حسين بن محمّد المتوفّى بها

__________________

(١) جاحز ـ بجيم وحاء مهملة.

(٢) وهم من آل عبد الله ، سلالة عيسى بن بدر بوطويرق ، سكنوها بعد تقلّص نفوذ آل كثير في حضرموت. وسيذكر بعضهم في حورة لا حقا.

(٣) وقد صار بها مسجد بعد زمن المؤلف.

(٤) وبهذه البلدة سمّي الوادي كلّه بوادي عمد.

(٥) الحبيب صالح بن عبد الله ، كان من أكابر أعيان العلويّين في القرن الثّالث عشر ، وتمام نسبه : هو صالح بن عبد الله بن أحمد بن عليّ بن محسن بن حسين بن عمر العطّاس ، توفّي سنة (١٢٧٩ ه‍) ، كما ذكر المصنّف ، وقد كتبت في سيرته ومناقبه الكتب ، منها ما كتبه ابن أخيه السيّد أحمد بن محمّد بن عبد الله العطّاس ، ومنها ما كتبه وحبّره وزاد فيه على السّابق ، وجعله موسوعة تاريخيّة هامّة : السيّد العلّامة الفقيه المسند عليّ بن حسين العطّاس ، المتوفّى بجاكرتا سنة (١٣٩٦ ه‍) ، وهو الكتاب المسمّى «تاج الأعراس على مناقب الحبيب صالح بن عبد الله العطّاس» ، يقع في مجلّدين قريب من (٢٠٠٠) ألفي صفحة ، مطبوع.

وتوفّي ابنه محمّد بن صالح في (١٠) شعبان سنة (١٣١٨ ه‍) ، وتوفّي عمر بن صالح في رجب سنة (١٣٣٦ ه‍) ، وهما من مشاهير رجالات القرن الرّابع عشر ، ولهما سيرة عطرة ، وأخلاق مشتهرة ، رحمهم الله أجمعين.

(٦) السادة آل المساوى ينسبون للسيد الشريف : أحمد مساوى بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحسين ابن الشيخ عبد الرحمن السقاف. ومنهم جماعة بجاوة ، من أبرز أعلامهم : السيد محسن بن علي مساوى ، المتوفى بمكة سنة (١٣٣٩ ه‍) ، مؤسس «المعهد الديني» بمكة ، وهم غير آل المساوى الموجودون بسيئون الذين منهم الأديب محمد بن شيخ (المساوى) ؛ فإن هؤلاء ينسبون لأحمد بن أبي بكر ابن الشيخ عبد الرحمن السقاف. اه


سنة (١٣٠١ ه‍) ، له أخبار عجيبة ؛ منها : أنّه أعلم والي عدن في طريقه إلى الحجّ بأنّه واصل ، وطلب منه أن يلاقيه .. فلاقاه إلى أثناء الطّريق على عادة الحضارمة مع المناصب ، وأهدى له طرفا وكمّيّة من الرّبّيّات.

وهم من ذرّيّة السّيّد عيدروس بن سالم بن عمر بن الحامد ابن الشّيخ أبي بكر (١).

وممّن يسكن عمدا السّادة آل مساوى ، ومنهم : السّيّد عبد الله بن محمّد السّابق ذكره ، ومنهم السّيّدان عمر وأحمد ابنا هاشم المساوى ، لطيفان ظريفان ، راويتان لأشعار القبائل وزواملهم ، توفّي أوّلهما بعمد في حدود سنة (١٣٤٨ ه‍) ، والثّاني بعده بسنة.

وعلى مقربة من عمد إلى شماله قرية يقال لها : حبب ، يسكنها آل شملان (٢) ، والمقدّم فيهم : عوض بن سعيد بن شملان.

وفيها لفيف (٣) من السّوقة ، وبها جامع ومنزل للضّيفان من آثار الحبوظيّ.

ثمّ النّعير (٤) ، فيه سادة من آل الشّيخ أبي بكر وآل العطّاس (٥) ، ومشايخ يقال لهم : آل باحسين (٦). وقبائل يقال لهم : آل لجذم ، من الجعدة. وفيها جامع.

__________________

(١) المتوفّى بعينات سنة (١١٧٠ ه‍) ، وقبره في مشهد جدّه عمر بن الحامد ، قال عنه في «الشجرة» :

(كان فاضلا وليّا صالحا ، ذا سيرة حسنة ، قائما بمنصب جدّه الحامد) اه

(٢) آل شملان سكان وادي عمد هؤلاء ، هم من الجعدة.

(٣) لفيف : جمع.

(٤) ويوجد بهذا الاسم جبل في تريم ، يعرف بشعب النّعير ، كان يتعبّد فيه الإمام الفقيه المقدّم. سيأتي ذكره.

(٥) من السّادة آل العطّاس من بلدة النّعير : الحبيب عمر المثنّى بن عمر بن محمّد بن عمر بن محمّد بن عقيل بن عبد الرّحمن العطّاس ، ولد بالنّعير ، ودفن بها ، أخذ عن الحبيب صالح بن عبد الله العطاس بعمد ، توفّي سنة (١٢٩٣ ه‍) ، وله أخ يسمّى أحمد ، من الآخذين عن الحبيب صالح العطاس.

ـ ومن آل الشّيخ أبي بكر : السيّدان هادي ومحسن ابنا عليّ بن أبي بكر.

(٦) من آل باحسين هؤلاء : الشّيخ محمّد بن عبود باعبّاس باحسين ، كان مقيما بأرض الهند.

ومنهم : حسن بن سالم باحسين ، ومنهم : أحمد بن سعيد بن عليّ باحسين ، ومنهم : الشّيخ عبود بن محمّد باحسين ، ومنهم : عبود بن حسن باحسين ، ومنهم : الشّيخ العارف عبّاس بن عبد الله


ثمّ عنق ، فيها سادة من آل العطّاس ، منهم الآن : السّيّد محمّد بن عبد الله الهادي ، له يد في إصلاح ذات البين.

وفيها ناس من آل الشّيخ أبي بكر ؛ منهم : السّيّد الصّالح محمّد بن محسن (١) ، المتوفّى بها في سنة (١٣٠٢ ه‍) ، وفيها حرّاثون ، ولها ذكر في التّاريخ (٢).

ثمّ منخوب : قرية صغيرة في فم الوادي ، وهي مرعى خصيب للبهائم ، وإليه كان يرسل الحسين ابن الشّيخ أبي بكر بخيله للرّعي ، والقرية المذكورة لآل باسبيت ، ونحو ثلاثين رام من آل عامر بن عليّ الجعيديّين.

ثمّ الرّحب ـ بكسر الرّاء ـ وسكّانه من القرار ، وفيه جامع ، وبيت للضّيفان من أوقاف الحبوظيّ ، وفيه مشايخ من آل بامسق وآل حاجب ، وسوقة.

ثمّ خنفر (٣) ، وفيه سادة من آل الحبشيّ ؛ منهم : الإمام العظيم العلّامة عيسى بن محمّد بن أحمد الحبشيّ (٤) ، المتوفّى بها في سنة (١١٢٥) ، له عقب منتشر بالرّحب والرّيدة وسر وعنق والغرفة.

__________________

باحفص باحسين وهناك غيرهم. هذا ما أفاده صاحب «تاج الأعراس» (١ / ٦٨٦ ـ ٦٨٧).

(١) هو الحبيب ، الصّالح العارف : محمّد بن محسن بن أحمد بن عليّ بن عبد الله بن عليّ بن سالم بن عمر بن الحامد ابن الشّيخ أبي بكر. قال عنه في «الشّجرة» : كان سيّدا فاضلا ، عالما متخلّقا بأخلاق حسنة ، عاملا منيبا ، خاشعا متواضعا ، متقشّفا زاهدا ورعا ، من أهل اليقين والمعرفة ، والأولياء الصّالحين ، وكان دأبه تعليم الأطفال القرآن العظيم والعلم ، وله مقام باللّيل دائما من نحو نصف اللّيل ، توفّي بعنق سنة (١٣٠٢ ه‍) اه

(٢) وممّن سكن عنق ومات بها : السيّد محمّد بن حسين بن محمّد بن عبد الرّحمن بن عيسى بن محمّد بن أحمد الحبشيّ ، أخذ عن الحبيب صالح ، والحبيب محسن بن حسين ، وعمر بن هادون آل العطّاس.

كان من أهل الورع ، حكي أنّ بقرة له ندّت عليه ، وأكلت من أرض بعض النّاس ، فلم يشرب لبنها (٤٠) يوما ، وكان يحلبه في تلك الأرض ، طرق يوما باب الحبيب صالح .. فخرج يهرع إليه ، قال الحبيب صالح لبعض خواصّه : سمعت هاتفا يقول : تحت بابك صدّيق ، فخرجت أفتح .. فإذا محمّد بن حسين واقفا.

(٣) تبعد خنفر عن شبام مسافة (٩٩ كم) في النّاحية الغربيّة الجنوبيّة منها.

(٤) الحبيب عيسى بن محمّد بن أحمد الحبشيّ ، لعلّ مولده بالغرفة أو سيئون ، وكانت وفاته بخنفر سنة


وفي كلام الحبيب أحمد بن عمر سميط أنّ جلوسه في وادي عمد كان بإشارة شيخه عمر بن عبد الرّحمن العطّاس.

وفي «شمس الظّهيرة» : (أنّ بخنفر جماعة من ذرّيّة الشّيخ عمر بن عليّ بن أبي بكر بن عبد الرّحمن السّقّاف).

ومن صلحاء خنفر : الشّيخ الفقيه ، الأجلّ الورع ، الفاضل ، محمّد بن عبد الله باحارث ، توفّي بها سنة (٨٨٤ ه‍).

وذكر الطّيّب بامخرمة خنفرا (١) باليمن من أرض أبين : (وهي قاعدتها ، وبها جامع حسن البناء ، جيّد العمارة. ومئذنته طويلة ، وهي أعجوبة.

وكان بها فقهاء صالحون ؛ منهم : الشّحبليّ.

وفيها متصوّفة يسمّون البركانيّين ، يدهم للشّيخ مور بن عمر بن الزغب ، وكانوا يسافرون بركب اليمن من الشّحر وأحور وأبين والجبل جميعه وتهامة جميعها ، ويزورون قبر النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وصحبة الصّوفيّ البركانيّ (٢) ، ويعود

__________________

(١١٢٥ ه‍) ، كان كثير التّنقّلات ، أخذ عن الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس ، وكان أوّل اجتماع له به في الرّحب سنة (١٠٥٨ ه‍) ، وذرّيّته كثيرة منتشرة.

(١) خنفر هذه الّتي تكلّم عنها بامخرمة .. غير تلك الّتي في وادي عمد ، وما دام أنّ المصنّف أورد عنها شيئا من المعلومات هنا .. فلنكمل ما ابتدأه. خنفر : مدينة خاربة ، كانت قائمة في سفح جبل خنفر ، الواقع وسط سهل أبين ، بين وادي بنا ووادي حسان. وهي مدينة اكتسبت شهرة تاريخيّة كبيرة ؛ فقد كانت قبل الإسلام مركزا عسكريّا ، وتعرّضت للخراب مرات. وفي أواخر القرن الثّالث الهجريّ تمركز في خنفر الملك عليّ بن الفضل الخنفريّ ، ومنها شنّ غاراته على الملك عليّ بن أبي العلاء الأصبحيّ الحميريّ ، وسلبه مملكته الّتي كانت تشمل مخاليف لحج وأبين والسّروين وحضرموت. أمّا اليوم : فقد قامت مكانها مدينة جعار ، وأصبح اسم خنفر يطلق على مديريّة من مديريّات محافظة أبين ، وتشمل عدّة بلدان : المسيمير ، شقرة ، المخدومي ، أحور ، خمور ـ وهي غير الّتي في حضرموت ـ حوطة المدارك ، حصن بلعيد ، المخزن.

(٢) هو الشّيخ الصّالح محمّد بن مبارك البركنيّ أبو عبد الله ، كان من كبار المشايخ الصّالحين ، أرباب المناصب ، كان يتولّى السّير بالقافلة إلى مكّة ، كما يفعل الشّيخ أحمد بن موسى بن عجيل ، ولم يكن يعترضه القطّاع ، وله كرامات ، توفّي بخنفر ، وله بها ذرّيّة. «الشّرجي» (٣١٣ ـ ٣١٤).


بالزّائر والواقف قفولا (١) كما يخرج عن بلده. ذكر ذلك القاضي مسعود على ما كان في زمنه ، أمّا اليوم .. فإنّها خراب ، استولى عليها البدو من الهياثم والعوالق وآل أيّوب وغيرهم من داعية الفساد ، وانتقل البركانيّون الّذين كانوا بها إلى وادي لحج.

وفي عصرنا هذا ـ وهو سنة (٩٢٨ ه‍) ـ تطرّق فساد البدو إلى وادي لحج ، وخرب أكثرها وغالب قراها بسبب التفات الدّولة إلى جمع الحطام الفاني ، وعدم اعتنائهم بمصالح المسلمين ، فالله يختم بخير) اه (٢)

ومن موضع آخر منه يقول : (إنّ الهياثم (٣) هم سلاطين دثينة ، والمقدّم فيهم لعهده : حيدرة بن سعود وولده محمّد ، لا أسعدهم الله) اه

وأخبرني جماعة من اليافعيّين أنّ خنفر هذه كانت ملكا للسّلطان عيدروس اليافعيّ ، فاستأجرتها حكومة عدن لمدّة أربع سنين ، ولمّا مضت .. طلب ارتفاعهم ، فطلبوا ما أنفقوا ، وقدّروه بسبعين ألف ربيّة هنديّة فدفعها ، ثمّ عادوا بعد سنتين محاربين ، وقتل ضابط إنكليزيّ وأربعة من يافع ، واستولوا على الأرض إلى اليوم.

الجدفره : فيها ناس من آل العطّاس ، وثلاثة بيوت من الجعدة.

ثمّ سراواه : وفيها ناس من الجعدة يقال لهم : آل علي ـ بكسر العين ـ وكانت لهم قبولة حارّة ، لا يزالون يتناشبون الشّرّ مع جيرانهم آل الجدفرة وآل هلابي ، وفي أشهر لقياتهم قتل من الطّرفين أكثر من ثمانية بمكان يقال له : باوردان ، من ضواحي الرّحب ، فصار مضرب المثل في التّهلكة ، فيقال : فلان وقع في حفرة باوردان.

ثمّ لفحون (٤) ، وسكّانها آل هلابي وآل عفيف من الجعدة (٥) ، وفيها جامع ومنزل

__________________

(١) القفول : الرّجوع من السّفر.

(٢) النسبة (١٠٦ / خ).

(٣) وهم محل الشّاهد في سوق هذا الكلام.

(٤) والجاري على الألسن أنّها : نفحون بالنّون.

(٥) وهم كثرة ، ولهم موضع بوادي عمد ، يسمّى سيلة آل هلابي ، وهي في شمال شرق الجدفرة وقرن المال.


للضّيفان من آثار الحبوظيّ (١) ، وفيها مصرع الحبيب عمر بن حسين بن عبد الرّحمن العطّاس.

ثمّ الرّحم ، فيه آل حميد من الجعدة ، تقدّر رماتهم اليوم بأربعين ، فيه مسجد ، وللضّيف في بيوتهم سعة.

ثمّ زاهر باقيس (٢) ، وفيها جامع ومنزل للضّيفان من آثار الحبوظيّ ، وفيه آل باقيس ، منصبهم : الشّيخ عمر بن أحمد باقيس. وكان بناء زاهر هذه في سنة (٧٣٦ ه‍) (٣).

ثمّ قرن ابن عدوان ، فيه مشايخ من آل باوزير ، منصبهم : الشّيخ عبد الله بن سعيد. وفيه جامع ومنزل للضّيفان من جملة صدقات الحبوظيّ.

__________________

(١) ومن أعيان نفحون من السّادة الأشراف : السيّد الحبيب : عمر بن عبد الله بن حسين بن عمر بن حسين بن عمر العطّاس ، ولد بنفحون ، وتوفّي بمكة في محرم سنة (١٣٣١ ه‍). ينظر : «تاج الأعراس» (١ / ٧٠٧ ـ ٧٠٩).

(٢) لعلّ بلدة الزّاهر هذه هي أصل منبت آل باقيس ، ومنهم جماعة في نفحون ، وجماعة آخرون في حلبون ، والقويرة ، وغيرها من البلدان ، وقد هاجروا مع من هاجر إلى الحجاز ، ولهم في جدّة مجتمع كبير ، وهم يعملون في التّجارة ، ولا سيّما تجارة القماش والبزّ ، وفيهم أفاضل أخيار ، وسيأتي ذكرهم في حلبون.

(٣) كما في «تاريخ شنبل» (١١٩) ، وعبارته : (وفيها ـ أي سنة (٧٣٦ ه‍) ـ بنيت قرية زاهر بوادي عمد) اه ، ولا تعرف إلّا بنسبتها إلى آل باقيس ، فيحتمل أن يكونوا هم الّذين بنوها ، ويحتمل أنّها عرفت بهم لأنّهم كثرة بها.

ومن أعلام آل باقيس سكّان الزّاهر : الشّيخان محمّد وعبد الكبير ابنا الشّيخ عبد الكبير باقيس ، من أهل القرن الحادي عشر. ومنهم : الشّيخ الصّالح ، المشارك في الخيرات والفضائل ، صالح بن أحمد بن عبد الكبير باقيس ، وليد الزّاهر ودفينها ، كان حافظا لكتاب الله تعالى ، فقيها في الدّين ، كريما مضيافا ، محبّا لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ومنهم : الشّيخ الكريم ، العابد المستقيم ، محمّد بن عبد الكبير بن عبد الله بن أحمد بن محمّد بن عبد الكبير باقيس ، ولد بالزّاهر ، وهاجر إلى جاوة ، وتوطّن بلدة عمفنان بجزيرة البالي ، ومارس التّجارة.

وينسب آل باقيس إلى كندة ، ويقال : إنّهم من ذرّيّة الأشعث بن قيس ، وقد ناقش العلّامة علويّ بن طاهر الحدّاد هذه المقولة ، وبيّن أنّ ذرّيّة الأشعث ليس من المحقّق كونها في حضرموت.

ينظر : «الشّامل» (١٥١ ـ ١٥٢).


وفيه آل أحمد بن عليّ من قبائل الجعدة (١) ، ويقال للجعدة : مرّة ، إمّا نسبة إلى مرّة بن زيد بن مالك بن حمير ـ وهو كما سبق جدّ قضاعة ـ وإمّا إلى أحد من ذرّيّة قضاعة ، يقال له : مرّة.

وقيل : إنّهم من مرّة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عمرو بن زيد بن كهلان ، ومرّة هذا أخو الأشعر وطيّء ومذحج ، وهو جدّ كندة الثّالث ؛ لأنّ كندة هو كندة بن عفير بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أدد.

وفي الجزء الأوّل من «الإكليل» للهمدانيّ [٢٠٣ ـ ٢٠٤] : (أنّ مرّة بن حمير بطن ؛ منهم : ربيعة ذو مرحب بن معدي كرب بن النّعمان ، القيل بحضرموت ، وهو الّذي أنجد الحارث بن معاوية بن مالك بن معاوية بن عوف بن حريم الجعفيّ ـ الملقّب بالأسعر ـ على قتله أبيه ، وأعطاه فرسا من رباطه يقال له : المعلّى ، وراشه بالجند والسّلاح ، وله خبر طويل.

قال أبو نصر : فأولد ربيعة ذو مرحب بن معدي كرب بن النّضر حليلا وذا المسوح.

وقال غيره من علماء اليمن : أولد مرّة بن حمير عمرا وربيعة ، فأولد ربيعة الأحول وذا المسوح. والكلبيّون وأهل المسجل يقولون : إنّه مسروح.

وأولد عمرو بن مرّة قبائل بحضرموت ، منها دخلت في مهرة بن حيدان ، ومنهم العجلان ، وإليه تنسب العجلانيّة بحضرموت : ذو أصبح ، وذو النّعرين) اه

وهم (٢) قبائل كثيرة ؛ منهم : آل هلابي ، وآل غانم ، والمراضيح (٣) ، وآل شملان ، وآل لجذم ، والرّوامضة ، وآل الشّيبة ، وآل عامر بن عليّ ، وآل سليمان بن عليّ ، وآل أحمد بن عليّ.

__________________

(١) مفردهم : جعيدي ، وهم كثرة في حضرموت والمهاجر.

(٢) أي : الجعدة.

(٣) الواحد منهم يقال له : بن مرضاح.


والصّقرة (١) ، ومساكنهم : نفحون ، والسّيلة ، والجدفرة ، وسراواه ، وحدّ عنق ، والبطيخ ، والنعير ، وتبرعة ، وعمد ونواحيها.

ومن أعمال وادي عمد : حريضة (٢).

قال الحبيب أحمد بن حسن العطّاس في «سفينته» : (قال الطّيّب بامخرمة في كتابه «نسبة البلدان» : سمّيت حريضة باسم قبيلة من حمير ، ويسكنها السّكون من كندة) اه

ولعلّ هذا النقل عن الطّيّب من غير مادة حريضة ؛ أمّا فيها .. فلم يزد على قوله : (حريضة بالكسر ، كضدّ الجبر ، أسفل من وادي عمد ، مقابلة لعندل) اه (٣)

وقوله : (بالكسر) يعني الصّقع الآتي ذكره ، وفيه تسامح ؛ لأنّ الأكثر عدّ حريضة في عمد لا في الكسر.

وقد فهم بعضهم من قوله : (بالكسر) أنّه يريد كسر الحاء من حريضة ، وليس كذلك.

ومن كتاب باشكيل : (أنّ آل عليّ بن سالم آل حريضة من بني يزيد بن معاوية بن كندة).

وقال بعضهم : إنّ حريضة مصحّفة عن قريضة ، ودلّل على ذلك بأنّها كانت مسكن اليهود قبل البعثة بأربع مئة سنة.

__________________

(١) ويقال لهم : آل باصقر ، ويقال : إنّهم ليسوا من بني مرّة ، وإنما هم من السّموح من سيبان ، والله أعلم.

(٢) حريضة : بضمّ ففتح ، مدينة ومركز إداري جنوب غرب شبام ، أسفل وادي عمد ، وهي عاصمة مديريّة دوعن. ومن قرى وادي حريضة : الهجرين ، عندل ، نفحون ، المنيظرة ، شرج آل علي بن سالم من كندة. وتوجد شمال حريضة خوّة أسطوانيّة الشّكل ، يقال لها : بئر غمدان ، ينزل فيها بدرج طويلة ، كل درجة بقامة إنسان. وممّن ينسب إلى حريضة : الفقيه يعقوب بن صالح الحريضي ، كان من أعيان الشّحر في القرن العاشر ، وهو أحد الشّهداء السّبعة الّذين قتلوا في حادثة غزو البرتغال للشّحر سنة (٩٢٩ ه‍).

(٣) نسبة البلدان (خ ٨٩ ـ ٩٠).


ومن «دشتة» وجدت بزاهر باقيس : (وحريضة كانت تسمّى قريضة ، ترد إليها القوافل من صنعاء ومأرب ، وكانت بها أسواق ، وهي من بلاد عاد القديمة).

وفي بعض مذكّرات الحبيب أحمد بن حسن العطّاس : (أنّ حريضة كانت ذات جاهليّة صمّاء ، وطاغوتيّة عمياء ، وكانت لليهود قبل النّبوّة ، فأسلموا بكتابه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ثمّ ارتدّوا إلى اليهوديّة ، وبقوا عليها إلى زمان المهاجر أحمد بن عيسى ، فأسلموا على يده وحسن إسلامهم ، وإنّما بقيت لهم نزغات يحييها الجهل ويطفئها العلم) (١). نقله العلّامة السّيّد عليّ بن حسن العطّاس ، والشّيخ محمّد بن أحمد بامشموس ، من «مناقب الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس».

وجاء في كلام الحبيب عمر بن حسن الحدّاد : (أنّ الحبيب عمر العطّاس كان كآبائه في النّسك ، فأشار عليه شيخه الحبيب حسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم أن يرحل إلى حريضة ليعلّم أهلها (٢) ؛ علّهم يفيقون ممّا هم عليه من الجهل والغلظة ، وقال له : لو أعلم أحدا أجفى منهم .. لبعثتك إليهم ، فسار إلى هناك ، وألفاهم على جاهليّة جهلاء ، يبيتون مختلطين رجالا ونساء على ما يسمّونه الظّاهري (٣) ، فلم يسعه إلّا أن دخل فيهم ، وجعل يلقي عليهم الأراجيز في ألعابهم ، ثمّ أشار عليهم بعزل النّساء عن الرّجال ، وما زال يتدرّج في نصحهم وإرشادهم ـ كمؤمن آل فرعون في ترتيب دعوته لقومه ـ حتّى انكفّوا عن العادات السّيّئة ، وأقبلوا على الدّين والصّلاة بفضل هذه السّياسة والرّفق) اه بمعناه

وقد تكرّر هذا في كلام الحبيب عمر بن حسن الحدّاد ، ولاحظ عليه سيّدي أحمد بن حسن العطّاس : أنّ الحبيب عمر بن عبد الرّحمن لا يقول الشّعر .. فلعلّه الحبيب عليّ بن حسن ؛ لأنّه الشّاعر الّذي لا يدافع ، ولكنّه لا يمكن أن يكون

__________________

(١) نزغات : وسوسات وتحريك للإفساد بين النّاس.

(٢) مولده باللسك سنة (٩٩٢ ه‍) ، سنة توفّي الشّيخ أبو بكر بن سالم ، وهي قريبة من عينات. ولا زال بيته بها معلوما.

(٣) الظّاهريّ : رقصة كان يفعلها البادية ، تضرب فيها الهواجر ـ جمع هاجر ـ وهي الطّبول الكبيرة ، ويرقص على دقّاتها الرّجال والنّساء ، وهي من الألعاب الّتي يولع بها البدو ، ومثلها : الشرح.


الحبيب عليّ بن حسن ؛ لأنّه لم يوجد بعد (١) ، ولئن لم يكن الحبيب عمر شاعرا .. فلعلّه كان راوية.

ولم يزل ناشرا الدّعوة إلى الله بحريضة ، صابرا على المشقّات الهائلة ، حتّى لقد استقلّ القطب الحدّاد شأن نفسه لمّا رأى ما كان عليه الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس من المجاهدات والكلف والمشقّات (٢).

توفّي الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس بحريضة ، سنة (١٠٧٢ ه‍).

قال في «شمس الظّهيرة» [٢٤٩ ـ ٢٥٣] : (له تسعة بنون : مشيّخ (٣) ، وشيخ ، وشيخ ، ومحسن ، وعليّ .. انقرضوا. وعبد الله ، له عقب بعنق ، والجدفرة ، ولحروم ، وجاوة ، وبهان. وعبد الرّحمن ، عقبه بحريضة ، وجاوة ، والهند ، ولحروم ، وسالم ، عقبه بالصّيق قرب حريضة ، وسدبة ، وكيرعان ، والجبيل ، وموشح ، والهند ، وباكلنقان ، وكاتي دار ، وفلفلان. وحسين بن عمر (٤) ، وله ثمانية بنون : منهم : محسن (٥) ، عقبه بحريضة. ومنهم : السّيّد الفائق على أهل

__________________

(١) ولد الحبيب عليّ بن حسن سنة (١١٢١ ه‍) ، بعد نحو خمسين سنة من وفاة جدّه الحبيب عمر بن عبد الرّحمن.

(٢) الكلف : بمعنى الصبر والمعاناة في العرف الحضرمي ، وليس المقصود هنا المعنى اللغوي.

وممّا يذكر من سعة أخلاق هذا الإمام .. أنّه رزق بمولود ، فجاءه أهل حريضة يهنّئونه بالهادف الجديد ، وغاب منهم شخص لاحظ الحبيب عمر غيابه ، فسأل عنه ، فقيل : إنّه قد ولدت له أتان ..

ولم تبارك له على ولادتها فهو آخذ في خاطره عليكم لهذا السبب ، فقال لأصحابه : هلموا بنا نبارك له في نتاجه الجديد ، وذهب ومعه بعضهم إلى ذلك الرّجل ، فما كان من الرجل إلا أن استحى من نفسه لمّا رأى الحبيب عمر يأتي إليه يبارك له في حماره ، وهو لا يبارك له في مولوده .. وبهذه الأخلاق والنّفسيّات العالية .. ساد أولئك الأقوام ذوو الحسب النّبوي ، والخلق المصطفوي ، عليهم سلام الله.

(٣) في المطبوع من «شمس الظهيرة» (١ / ٢٤٩) : شيخ وشيخ وشيخ ، ثلاثتهم باسم واحد.

(٤) توفي عبد الله سنة (١١٥٠ ه‍) ، وعبد الرحمن سنة (١١١٦ ه‍) ، وسالم سنة (١٠٨٧ ه‍) ، وحسين سنة (١١٢٩ ه‍) ، ولجميعهم ترجمة في «القرطاس» إلا الأول.

(٥) توفّي بحريضة سنة (١١٤٨ ه‍) ، ودفن بمشهد والده ، له ترجمة في «بهجة الفؤاد».

ومن أبناء الحسين أيضا : عمر ، توفّي بنفحون ، وأحمد توفّي (١١١٠ ه‍) بأحور ، وحمزة


زمانه في العلوم ، الحريص على تقييد الفوائد وسيرة السّلف ، أحمد البصير بن حسن (١).

ومناصبها الآن ـ أي : في سنة (١٣٠٧ ه‍) ـ حسن بن عبد الله (٢) والد أحمد المذكور ، وزين بن محمّد (٣) ، شريفان كريمان قائمان بعادات سلفهم. ومنهم : طالب ، عقبه بحريضة ، ومنهم : الإمام الخليفة أبو بكر بن عبد الله بن طالب (٤) ، المتوفّى بها سنة (١٢٨١ ه‍) اه باختصار.

وقد أخذت أنا عن السّيّد أحمد بن حسن ، وامتدحته ورثيته بقصيدتين توجدان بمحلّهما من «الدّيوان» [٣٨٨ و ٣٩١].

وكثيرا ما حدّثنا الشّيخ الجليل حسن بن زين بن عوض مخدّم ، عن شيخه العلّامة الجليل أبي بكر بن عبد الله بأمور عجيبة عن مشاهدة ، ولكن أخبرني جماعة آخرهم الشّيخ عمر بن عوض شيبان : أنّ السّيّد عليّ بن سالم الآتي ذكره في عينات حضر مجلس سيّدي الأبرّ في السّوم ـ الواقع بين الغرفة وسيئون ، أو الواقع في طريق نبيّ الله

__________________

بالخريبة ، وعبد الله (١١٥٠ ه‍) ، وطالب (١٢١٠ ه‍) ، وحسن (١١٥١ ه‍) ، وعليّ توفّي (١١٥٦ ه‍) بحريضة.

(١) الإمام العلامة : أحمد بن حسن بن عبد الله بن علي العطاس. مولده بحريضة في شهر رمضان من سنة (١٢٥٧ ه‍) ، وكفّ بصره وهو صغير ، فعوّضه الله بنور البصيرة ، طلب العلم صغيرا ، ولازم الحبيب صالح بن عبد الله العطاس ، وكان فتوحه على يديه ، وأخذ عن الحبيب أبي بكر بن عبد الله العطاس. رحل لطلب العلم إلى الحرمين ، وأخذ عن أكابر شيوخ عصره.

ومن أراد المزيد .. فعليه بكتاب «إيناس الناس» للشيخ بافضل ، و «عقود الألماس» للحداد ، و «مناقبه» التي جمعها ابنه الحبيب علي بن أحمد ، و «تاج الأعراس» ، وغيرها. توفي الحبيب أحمد في (٦) رجب سنة (١٣٣٤ ه‍).

(٢) توفّي السيّد حسن بن عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن محمّد بن محسن بن حسين بن عمر .. يوم الأحد (١٠) ربيع الثّاني سنة (١٣٣٣ ه‍) ، وتوفّي ابنه الحبيب أحمد بن حسن بعده بسنة وثلاثة أشهر تقريبا.

(٣) توفّي بحريضة الأحد (٢١) جمادى الآخرة سنة (١٣٤٢ ه‍) ، ترجمته في «تاج الأعراس» (١ / ٧٣٠ ـ ٧٣٧).

(٤) الحبيب أبو بكر بن عبد الله ، من مشاهير أولياء عصره ، أخذ عنه السيّد العلّامة مفتي مكّة أحمد زيني دحلان ، وغيره من أكابر عصرهم ، وجمع حفيده السيّد سالم بن عبد الله بن أبي بكر شيئا من مناقب جدّه المذكور وكلامه ، وبعضه جمعه والده عبد الله ، وسمّاه : «حلاوة القرطاس».


هود عليه السّلام ، لا أدري أيّهما كان ، والأوّل أقرب ـ فأشار إلى تفضيل الحبيب أبي بكر هذا على سيّد الوادي الحسن بن صالح البحر .. فغضب سيّدي الأستاذ الأبرّ ، وخرج على عادته بإظهار ذلك وقال له : إن أبيت .. باهلناك ، وستعلم. فانكسر السّيّد عليّ بن سالم حينئذ وتضاءل حتّى كاد يذوب.

ولم يذكر شيخنا المشهور صاحب الجاه العظيم ، والفضل الجسيم السّيّد عبد الله بن علويّ بن حسن العطّاس ، مع أنّه لا يجهل قدره ؛ لأنّ ظهوره إنّما كان بعد انتهاء «شمس الظّهيرة» ، توفّي بحريضة في سنة (١٣٣٤ ه‍) (١).

ولم يذكر الصّالح المشهور السّيّد عبد الله بن محسن العطّاس ، المتوفّى ببوقور من أرض جاوة في سنة (١٣٥٢ ه‍) عن عمر نيّف على الثّمانين (٢).

ولمّا توفّي العلّامة السّيّد أحمد بن حسن العطّاس .. وقع لواؤه على حفيده (٣)

__________________

(١) عبد الله بن علوي بن حسن بن عليّ بن أحمد ... ابن الإمام عمر العطّاس ، المشهور بصاحب «سبيل المهتدين». ولادته بشربون بجاوة الغربية ، وتلقّى معارفه في حريضة على يد الإمام أحمد بن حسن ، والحبيب حسين بن محمّد آل العطّاس ، وغيرهما ، في حضرموت والهند. كان محسنا كريما باذلا يبذل في أمور الخير ، بنى مسجدا بحريضة يعرف بمسجد باعلوي ، وحفر بئرا لسقي النّاس. توفّي سنة (١٣٣٤ ه‍) ، وله ترجمة في «تاج الأعراس» ، وأعقب ولدا واحدا هو السيّد عبد الرّحمن ، وعقبه منه ، توفّي سنة (١٣٨٦ ه‍).

(٢) عبد الله بن محسن بن محمّد ... ابن الحبيب الإمام عمر العطّاس. مولده ببلدة حوره من قرى الكسر ، سنة (١٢٦٥ ه‍) ، قرأ القرآن في صغره على المعلم عمر بن فرج بن سبّاح ، وقرأ «الرسالة» على الحبيب عبد الله بن علويّ العيدروس صاحب بور ، وأخذ عن الحبيب أحمد المحضار ، وأحمد البار ، وأقام بالخريبة مدّة يطلب العلم عند الشّيخ محمّد باسودان ، وحجّ حجّة الإسلام سنة (١٢٨١ ه‍) ، وأخرى سنة (١٢٨٣ ه‍). وبعد حجّته الثّانية دخل جاوة ، ولازم هناك شيخه الإمام أحمد بن محمّد بن حمزة العطّاس ، ومارس التّجارة في باكلنقان ، وسجن عدّة سنوات امتحانا وابتلاء .. فصبر ، وكان في سجنه داعية ، حتّى إنّ السّجن يغصّ بزوّاره من المسلمين وغيرهم ، وأسلم وتاب على يديه أعداد غفيرة. وكانت وفاته سلخ ذي الحجّة سنة (١٣٥٢ ه‍) ، ودفن ببلدة بوقور. ترجم له الحبيب محمّد بن حسن عيديد في «إتحاف المستفيد» ، وأورد نصّ إجازته له.

(٣) لأنّ ابنه سالما توفّي في حياته سنة (١٣٢٦ ه‍) ، وأعقب من الذّكور : حسنا ، وعليّا ، ومحمّدا ، وأمّا ابنه الآخر الحبيب عليّ بن أحمد .. فقد كان صغيرا ؛ لأنّ مولده سنة (١٣٢٧ ه‍) ، وسيأتي ذكرهم.


حسن بن سالم بن أحمد العطّاس (١) ، وكان شهما كريما ظريفا ، توفّي بالمكلّا في سنة (١٣٦٠ ه‍) ، وخلفه على المنصبة عمّه عليّ بن أحمد بن حسن العطّاس (٢) ، وهو ولد نبيه ، مفتوح الأبواب ، موطّأ الأكناف.

ولمّا توفّي السّيّد زين بن محمّد .. خلفه على المنصبة ولده عمر بن زين (٣) ؛ لأنّه لا يزال بحريضة منصبان.

ومن أعيان حريضة الآن : السّيّد أبو بكر بن عبد الله بن أحمد العطّاس ، رجل شهم ، يقوم بتسهيل الطّريق لكلّ من يرد جاوة من الحضارم وغيرهم ، وهو كثير التّنقّلات في البلاد.

ومنهم : السّيّد محمد بن سالم بن أبي بكر. ومنهم : السّيّد محمّد الخيّل (٤) ، والسّيّد سالم بن عمر. ومنهم : السّيّد عبد الرّحمن بن عبد الله بن علويّ ، والسّيّد

__________________

(١) حسن بن سالم بن أحمد بن حسن ، ولد بحريضة سنة (١٣١٧ ه‍) ، وأدرك زمانا من حياة جدّه الإمام ، وأجازه عامّة ، وله إجازة من الحبيب عليّ بن عبد الرّحمن المشهور بتريم ، ومن السيّد محمّد بن عليّ الإدريسي صاحب صبيا. رحل إلى الحرمين ، وأقام بمكّة مدّة أيّام الشّريف حسين بن عليّ ، ورحل إلى جاوة وغيرها ، ثمّ سافر إلى المكلّا ، وتوفّي بها في (٥) ذي القعدة سنة (١٣٦٠ ه‍). «الدّليل المشير» (٨٥ ـ ٨٧).

(٢) علي بن أحمد بن حسن العطاس ولد بحريضة سنة (١٣٢٧ ه‍) ، ووالدته من المشايخ آل بايزيد ، طلب العلم في حريضة وتريم وغيرها ، وأكثرهم من تلامذة والده والآخذين عنه ، وربّاه بعد وفاة والده ابن أخيه الحسن بن سالم ، والحبيب زين بن محمّد ، وفي تريم رعاه واعتنى به الشّيخ محمّد بن عوض بافضل ، وألحقه بمدرسة الحقّ. وشيوخه كثر ، ورحل إلى عدّة بلدان ، منها سواحل إفريقيا الشّرقيّة ، والحرمين وأجازه بها الشّيخ عبد القادر شلبي وغيره. وله إصلاحات جليلة ، وأعمال ومآثر في بلاده وخارجها. وافته المنيّة في أبو ظبي ، سنة (١٤٠٧ ه‍) ، بعد توعك صحّته واعتلالها.

(٣) توفّي الحبيب عمر بن زين سنة (١٤٠٥ ه‍) تقريبا.

(٤) هو الحبيب محمّد بن محسن بن عمر ـ الخيّل ـ ابن سالم بن عبد الرّحمن بن سالم بن عبد الرّحمن بن عقيل العطّاس. مولده في قرية قرسا من برور القنفذة ، ووفاته بالمدينة المنوّرة سنة (١٣٥٨ ه‍) ، أخذ العلم الشّريف وطلبه بمكّة عند الشّيخ عمر باجنيد ، وكان ملازما له حضرا وسفرا ، وأخذ عن بابصيل ، والحبيب حسين الحبشي. وأخذ عنه جمّ ؛ منهم : صاحب «تاج الأعراس» ، والحبيب سالم بن حفيظ ، والحبيب أحمد مشهور الحدّاد. ومعنى (الخيّل) : بفتح الخاء وتشديد الياء المكسورة : القيّم أو النّاظر على مجاري مياه السّيول ، وهو لقب لجدّ المترجم.


عليّ بن سالم بن أحمد ، له شعر وأدب وحرص على الفوائد ، وهو على قضاء حريضة الآن.

وفي غربيّ حريضة كثير من الآثار القديمة ، وقد أسفر الحفر في الوقت الأخير في آثار حريضة عن بيوت مطمورة تحت الأرض ، فيها معابد للقمر ، لا تخلو عن آثار قيّمة ، ربّما كان للحافر عنها غرض في الإخفاء.

وحول معبد إله القمر الّذي ظهر هناك كثير من المباخر (١) ، وعلى بعض الحجارة كتابات قديمة ترجع إلى أكثر من ألفي سنة ، وفي بعضها ما ترجمته : (يا لبان .. يا كوكبان .. بلّغ الإله السّلام) ، والجزء الأوّل من هذه الجملة مشهور بكثرة على ألسنة العامّة بحضرموت (٢) ، ورجوع عهد الكتابة إلى أكثر من ألفي سنة يعرّف أنّ لمثله اتّصالا بأديان الحضارم القديمة ، وكثير من آل حضرموت كانوا يعبدون الشّمس ويسمّونها (الإلاهة) ، وفيها يقول الأعشى [من المتقارب] :

فلم أذكر الرّهب حتّى انفتلت

قبيل الإلاهة منها قريبا

ويريد بالإلاهة : الشمس.

__________________

(١) المباخر ـ جمع مبخرة ـ وهي : الآلة الّتي تستعمل للتّبخير ، وقد تسمّى : مجمرة.

(٢) المتردّد على ألسنة العامّة اليوم في كثير من بلدان حضرموت عندما يضعون اللّبان البدويّ (الكوكباني) في المباخر أن يكرّروا قولة : يا لبان يا كوكبان اطرد إبليس الشيطان. وهي عبارة قد تكون لها دلالتها التاريخية كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى.

تنبيه : قد يسرح فكر البعض عند قراءتهم لمثل هذا الكلام ، فيعمدون إلى منع النّاس من هذه العبارة ، ويشنّون حملات وغارات على النّاس ، بسبب أنّ هذه العبارة لها تعلّق بشيء وثنيّ وغير ذلك ، وينسجون حول هذا الكثير والكثير من القصص والتّرّهات.

والأولى أن يقال في معنى قولهم : يا لبان يا كوكبان .. إلخ أنه للتفاؤل والفرح بطرد الرّوائح الكريهة من المنازل ؛ لأنّ الجنّ والشّياطين يأنسون للرّوائح الكريهة .. بينما الملائكة تتأذّى منه بنو آدم».

فليس في هذه الكلمات نداء لغير الله ، ولا شرك به ، والتّأويل في مثل هذه المواضع واجب ، وإذا لم نؤوّل للعامّة .. أوقعناهم في الشّرك والكفر ، ومن كفّر مسلما .. فقد كفر.


كان بعض القرّاء يقرأ : (لتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وإلاهتك) (١).

وفي شمال حريضة إلى الشّرق : بئر عميقة ، ينزل إليها بدرج طويلة ، كلّ درجة منها في طول قامة الإنسان ، مشهورة ببير غمدان ، يتعالم الخلف عن السّلف بكثرة كنوزها وذهبانها ، ولهم عنها أخبار كثيرة ، يقصدها السّيّاح ، غير أنّهم متى نصفوها .. انطفأت عليهم النّار الّتي يجرّبون بها .. فينثنون ؛ لأنّ ما تنطفىء به النّار .. تفيض به الرّوح ، ولكنّ بعضهم يفكّر في تغطية وجهه بغطاء سميك يمكن معه التّنفّس في أنابيب تبقى على رأسه.

وتلك البئر في قارة إلى جانب الجبل المسمّى غمدان ، وهو في شرقيّها إلى جهة الشّمال ، وفيه آثار حصن بالية.

ومن أعمال عمد : لحروم ، وقد مرّ في جردان عن «القاموس» : (أنّ الصّدف ولد حريما ويدعى بالأحروم) .. فلا شكّ أنّ هذه البلاد على اسمه.

وفيها جامع ، وسكّانها من آل العطّاس ، ومنهم الآن : صالح بن محمّد العطّاس ، رجل شهم جزل الرّأي ، كبير الهمّة ، كثير الإقدام وهو الآن بجاوة. وفيها ناس من آل باعشر وغيرهم.

وبعدها : عندل (٢) ، قال ابن الحائك في «صفة جزيرة العرب» [١٦٧] : (هي مدينة عظيمة للصّدف ، وكان امرؤ القيس بن حجر زارهم فيها ، وفيها يقول : [من الطّويل] :

كأنّي لم ألهو بدمّون ليلة

ولم أشهد الغارات في بطن عندل) اه

وفيها جامع ومنزل للضّيف على صدقات الحبوظيّ. وسكّانها آل باجابر ، ومنصبهم الآن : الشّيخ أحمد بن عمر باجابر.

__________________

(١) أي : عبادتك ، لأن من معاني الإلاهة العبادة.

(٢) عندل : بلدة تاريخيّة قديمة ، لا تزال عامرة إلى اليوم ، وبها سدّ أثريّ قديم ، أعيد بناؤه أخيرا ، وتنتج أرضها التّمور والأعلاف.


ومن كتاب «نهاية الأنساب» بخطّ الشّيخ عليّ باصبرين ، عن الشّيخ عمر العموديّ ، عن الحبيب عبد الله العيدروس (١) : (أنّ آل باجابر والشّيخ مزاحم صاحب بروم .. من ذرّيّة عقيل بن أبي طالب). ومثله منقول عن العلّامة القاضي عبد الله بن أبي بكر القدري باشعيب الأنصاريّ ، وعن العلّامة عبد الرّحيم بن قاضي باكثير اللّذين تولّيا القضاء بتريم.

وقال الحبيب عليّ بن حسن العطّاس في «سفينة البضائع» : (يقال : إنّ آل إسحاق من نسل العبّاس بن عبد المطّلب ، وقد أشار إليه أحد شعرائهم في شعره. وما أظنّه يصحّ ، وكذلك يقال : إنّ آل باجابر من نسل عقيل بن أبي طالب ، وقد سئل الحبيب عبد الله بن علويّ الحدّاد .. فلم يوافق عليه) اه

ولكنّ السّيّد عبد الرّحمن بن مصطفى العيدروس نزيل مصر أكّده (٢).

وفي النّصف الثّاني من «المواهب والمنن» للحبيب علويّ بن أحمد الحدّاد في ترجمة جدّه الحسن : أنّ الشّيخ عبد الجبّار بن مزاحم قائم بمنصب أجداده آل بلحفّار بأحور ، وهو من تلاميذ الحسن ابن القطب الحدّاد ، وكذلك ابنه الشّيخ محمّد بن عبد الجبّار ، وأولاد عمّه الشّيخ أبي بكر.

وفيه أيضا : أنّ الشّيخ الجلاليّ الحال بلحفّار .. انتفع بالقطب العيدروس عبد الله بن أبي بكر.

ومن آل باجابر : الشّيخ الصّوفيّ أحمد بن عمر ، صاحب «جوهرة عقد العروس» ، وله أماديح في السّادة آل العيدروس ؛ منها قوله في رثاء سيّدنا عبد القادر بن شيخ [من المديد] :

لم يزل منهم لنا علم

قائم للحقّ ينتصر

فلئن ولّى لنا خلف

كلّهم من بعده اشتهروا

__________________

(١) هو الباهر ، عمّ عبد الرّحمن بن مصطفى صاحب مصر.

(٢) وصدر مؤخّرا كتاب يجمع نسب آل باجابر وتراجمهم ، ومنهم : آل باجبّار في بروم ، وآل زحوم ، وغيرهم.


ومنهم : الشّيخ أحمد بن محمّد بن عبد الرّحيم باجابر (١) ، كان علّامة فقيها ، وله أدب غضّ ، تكرّر ذكره في «النّور السّافر» ، وذكر له في (ص ٣٩٦) منه أبياتا يمدح بها العلّامة ابن حجر الثّاني (٢) ، وهي [من الكامل] :

قد قيل من حجر أصمّ تفجّرت

للخلق بالنّصّ الجلي أنهار

وتفجّرت يا معشر العلماء من

حجر العلوم فبحرها زخّار

أكرم به قطبا محيطا بالعلا

ورحاؤه حقّا عليه تدار

والمعنى قويّ وإن كان اللّفظ ضعيفا متكلّفا.

ومن آل باجابر : الشّيخ المتفنّن ، أحمد بن محمّد باجابر ، ترجمه السّيّد باحسن في «تاريخه للشّحر» ؛ لأنّه سكنها ، ومن شعره لغز في عثمان رفعه للشّيخ عبد الصّمد باكثير فحلّه.

يبعث (٣)

قد سبق في أوّل الكتاب ذكر حوطة الفقيه عليّ ، ومنها شرقا إلى محيد ـ وهي أرض آل باقطمي شرقا أيضا ـ نصف يوم ، ومنه إلى يبعث يومان.

__________________

(١) توفّي الشّيخ أحمد هذا في لاهور بالهند في شوّال (١٠٠١ ه‍) ، تربّى بوالده ، وأخذ عن غيره ، ورحل إلى الهند ، ولازم السيّد عبد القادر بن شيخ العيدروس ، المتوفّى سنة (١٠٣٨ ه‍) ، قال السيّد عبد القادر : وتأسّفت على موته جدّا ، وكنت كلّما ذكرته .. استثار منّي الحزن ، وانبعث الأسى والنّدم ؛ حتّى كأنّ مصابي باعتبار ذلك جديدا في كل آن ، وصنفت في أخباره وماجرياته كتابا سمّيته : «صدق الوفاء بحق الإخاء» اه «خلاصة الأثر» (١ / ٢٧٤).

(٢) هو الهيتميّ صاحب «تحفة المحتاج» ، المتوفّى سنة (٩٧٤ ه‍).

(٣) يبعث : مركز إداريّ من مديريّة حجر بحضرموت ، وهو واد بين جبلين ، تنتشر فيه مجموعة من القرى ؛ منها : مشاط وفيها آل نعمان ، وبلد المشايخ ، وقرية الجنينة ، وقرية الشروج ، وقرن باربيد ، وقرية الحمام ، وحصن باشقير ، وحصن بامظفر ، وغيرها من القرى ، وسكّانها معظمهم من المشاجرة ـ واحدهم مشجري ـ ، وفيهم سادة من آل الشّيخ أبي بكر بن سالم.

وعند منحدر هذا الوادي تنمو الزّروع وأشجار النّخيل والسّدر.

وقد عدد مؤلف «الشامل» القرى والبلدان المجاورة لهذا المركز بتفصيل دقيق .. فليرجع إليه انظر «الشامل» (٧٣ ـ ٧٤).


وهو واد بين جبلين ، فيه كثير من المشايخ آل العموديّ ، وناس من السّادة آل الشّيخ أبي بكر بن سالم.

وفيه بلد يقال لها : مشاط ، يسكنها ناس من آل نعمان. وبلد يقال لها : الحمام ، فيها نحو مئة من المشاجرة. وبلد يقال لها : قرن المشايخ آل العموديّ. وبين هذه البلدان غيل يخرج منه ماء كثير ، يسقي نخيلا ومزارع كثيرة.

ووادي يبعث أضيق من وادي دوعن ، وقد هبطت عليه في سنة (١٣٤٩ ه‍) فاستغرق نزولنا عليه من العقبة نحو ساعتين ، وبتنا بجانبه الجنوبيّ ، ولمّا أصبحنا .. لم نمش إلّا غلوة سهم (١) ، ثمّ تسنّمنا الجبل الّذي يفضي إلى السّوط في جنوبه (٢).

والنّاس ينطقون (يبعث) بموحّدة بعد الياء ، والّذي عند الهمدانيّ و «القاموس» (٣) و «معجم ياقوت» [٥ / ٤٥٤] و «غريب الحديث» إنّما هما ياءان.

ولأهله كتاب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم هذه صورته : «بسم الله الرّحمن الرّحيم : من محمّد رسول الله ، إلى المهاجرين من أبناء معشر وأبناء ضمعج بما كان لهم فيها من ملك وعمران ، ومزاهر وعرمان ، وملح ومحجر ، وما كان لهم من مال أثرناه بييعث والأنابير ، وما كان لهم من مال بحضرموت .. إلخ» (٤).

__________________

(١) غلوة سهم : مقدار رمية به.

(٢) تسنّمنا الجبل : صعدنا عليه.

(٣) ليس في «القاموس المحيط» ما أشار إليه الشّيخ المؤلّف رحمه الله ، بل في شرحه : «تاج العروس» ، قال الزّبيديّ صاحب «التّاج» : (وممّا يستدرك عليه ... ييعث : بياءين ، والعين المهملة ...).

(٤) أخرجه الطّبراني في «الكبير» (٢٢ / ٤٧) ، و «الصغير» (٢ / ٢٨٥) بنحوه ، وأما الرّواية الّتي ذكرها المؤلّف .. فقد ذكرها ياقوت في «معجم البلدان» (٥ / ٤٥٤).

وأما ما ذكره المصنّف متابعا فيه ياقوت ، من أن الكتاب للمهاجرين من أبناء معشر .. فلعلّ فيه وهما ؛ لأن الكتاب للمهاجر بن أبي أميّة ، كما في «المعجم الكبير» و «الصغير» و «الغريب» للخطابي (١ / ١٤٨). مزاهر : رياض ، سمّيت بذلك لأنّها تجمع أصناف الزّهر والنّبات. عرمان : مزارع وبساتين. ملح : اسم موضع. محجر : حظيرة حول النّخل. أثرناه : اخترناه. الأنابير : ـ جمع أنبار ـ وهو : بيت التّاجر الّذي يجمع فيه المتاع والغلال ـ (مستودع).


وأنشد ياقوت [١ / ٣٩٣] في : (برقة حارب) للتّنوخيّ قوله [من الطّويل] :

لعمري لنعم الحيّ من آل ضعجم

ثوى بين أحجار ببرقة حارب

وضعجم قريب من ضمعج ، فإمّا أن يكون هو بتصحيف ، وإمّا أن يكون غيره.

وفي «التّاج» و «أصله» : (وضجعم كقنفذ وجوهر : أبو بطن من العرب ، وهو ضجعم بن سعد الملقّب بسليح بن حلوان بن عمران ، وهم الضّجاعم والضّجاعمة ، كانوا ملوكا بالشّام قبل غسّان).

فشدّد رجل منهم على أحد بني غسّان ـ واسمه جذع ـ فاشتمل على سيفه وقتل الضّجعميّ .. فقيل : (خذ من جذع ما أعطاك) ، ثمّ إنّ غسّان رأست أحدهم ، فانتزع بهم الملك من الضّجاعم ، وكانت لذلك الرّئيس بنت تدعى : حليمة ، من أجمل النّساء ، أعطاها طيبا تضمّخ به كلّ من يمرّ بها من قومه ، فمرّ بها شابّ ، فلمّا طيّبته .. قبّلها ، فصاحت واشتكت إلى أبيها ، فقال لها : اسكتي ، فما اجترأ عليك إلّا من فضل شجاعة ، وإن عاد .. فهو زوجك ، وإن قتل .. فذاك أشدّ عليه ممّا تريدين به ؛ فاستمات الفتى ، وأبلى ، ثمّ عاد ، فزوّجها أبوها منه. وإليها ينسب أشهر أيّام العرب ، كذا ذكره صاحب «خزانة الأدب» [٣ / ٣٣٣ ـ ٣٣٤] ، وقيل : إنّ يوم حليمة المعروف غير هذا.

وقال في «سبائك الذّهب» : (ضجعم هو ابن سعد بن سليح بن حلوان بن عمران ابن الحافي بن قضاعة) اه

ويأتي في تريم عن بامخرمة ما يفهم منه وجود ناس من آل ضمعج بتريم ، وفي أوّل القسم الثّالث من هذا الكتاب كلام يتعلّق بما هنا .. فليكشف منه.

وما يزيد من سيول جبال يبعث عنه .. يفيض إلى وادي حجر.

وفي غربيّ وادي يبعث بالنّجد الّذي يعلوه .. مكان يقال له : حول ، فيه قبيلة من المشاجرة ، يقال لهم : آل باشقير ، ويبلغون مئة رام ، وهم أهل حماس ونجدة ، وبلادهم خصبة ، وفيها عيون ماء نضّاخة.


وقال الشّيخ عمر بن صالح بن هرهرة ، يصف مخرجه من جبل يافع إلى حضرموت سنة (١١١٧ ه‍) : (وكان مرورنا في وادي المشاجرة ، وهو كثير الأشجار والأنهار ، وحواليه الحصون باليمين واليسار ، وقد اعترضونا وقالوا : لا نمكّن دولة (١) من العبور في وادينا ، فطلبنا عقلاءهم ومشايخهم ، فأرضيناهم وخلعنا عليهم ، فأذنوا لنا بالمرور ، وكان خروجنا إلى الضّليعة) اه

ووادي المشاجرة هو وادي يبعث ، فإيّاه يعني الشّيخ عمر بن صالح ، وإليه يشير ، وقد سلكه سيّدي العلّامة الجليل ، الحسن بن عبد الله الحدّاد ، سنة (١١٤٨ ه‍) ، ونزل به على محبّيه آل بحيث.

الضّليعة (٢)

هي قاعدة ريدة الدّيّن ، بينها وبين يبعث الواقع في غربيّها مسيرة يوم ، وكان يقال لها : ريدة أرضين ، ثمّ قيل : ريدة الدّيّن ، نسبة إلى سكّانها المتأخّرين (٣).

__________________

(١) أي : حاكم ، باللهجة المحليّة.

(٢) والضّليعة اليوم مركز إداريّ من مديرّية دوعن أعلى وادي حضرموت ، يشتمل على قرى وضياع كثيرة ؛ منها : بريّرة ، براورة ، ضراك ، ضرّيكة ، الكريف ، سحك ، الثجر ، الوليجة ، عتود ، حصن باجعيم ، الخليف ، القويرة ، النجيدين.

(٣) ريدة الدّيّن : منطقة في المرتفعات الواقعة ما بين وادي دوعن ووادي عمد ، وهي صحارى جبليّة ، تتخلّلها شروج ومسيلات ماء صغيرة ، تنحدر منها مياه الأمطار إلى الجروب الّتي يزرعونها. ومن قراها : شرج الأبيضين ، الوليجات ، كيدام ، بامسدوس ، والدّيّن هم حلف يتألف من ثلاثة أصول : كندة ، وحمير ، وأجاردة.

وفي ريدة الدّيّن كثير من المشايخ آل العموديّ. قال صاحب «الشامل» عندما بدأ يتكلم عن جغرافيّة وادي دوعن قال : وقد ذكرنا أودية الوادي الأيسر وأودية الأيمن الشّرقيّة ، والشّرقيّة الجنوبيّة ، وبقيت أوديته الغربيّة والغربيّة الجنوبيّة ، وهي الّتي تسيل إلى الواديين العظيمين وادي حموضة ووادي النّبي. وهما يصبّان في الوادي الأكبر ل (دوعن) من الجهة الغربيّة.

فمن النّاحية الجنوبيّة : تبتدىء الوديان من جبل الحسو بكسر فسكون. ومن الغربيّة : من الشراقي ، أي من شرقي ريدة الدّيّن .. فإن ما كان إلى الغرب ناحية حجر يصب إليها ، وما كان شماليّا غربيّا يسيل إلى الشّعبة ، وما كان شرقيّا يسيل إلى دوعن.


__________________

ثمّ قال : ومن وادي يبعث الّذي مضى وصفه تصعد طريق من عقبة المدلاة ، وهي كأداء متعبة إلى ريدة الدّيّن ـ وهي بفتح الرّاء وسكون الياء ، والدّيّن بفتح الدّال وتشديد الياء ـ صحارى جبليّة تتخلّلها شروج ، وهي ترع أو مسايل ماء صغيرة لا تبلغ أن تكون أودية ولا شعابا ، يسيل فيها ماء المطر إلى الجروب الّتي يزرعونها عليها. ويكون عند كلّ شرج حصن كبير غالبا مبنيّ بحجارة صغار ، يوجد عندهم في غلظ إصبع ونحوها ، يقلع كأنّه الألواح والسّفر العريضة ويمكن تكسيره على هيئة يصلح للبناء ، ولا يجعلون لها ملاطا (الملاط ـ الخلطة من الطين والنورة) بل يرصّونها بعضها فوق بعض ، ويجعلونه لمخزن الحبوب ، ويجعلون لأنفسهم حوله بيوتا صغارا من المدر.

حدود الرّيدة :

يحدّها من الغرب سوط البلعبيد ، وشروج آل بايومين من شمالها ، وهم من آل بلعبيد أيضا ، ومن الغرب حنكة وادي عمد ، ومن الشّرق شعاب حموضة ، ووادي المدلاة.

ثمّ قال بعد أن ذكر القرى والضّياع المنتشرة على خط العرض (٤٥ ـ ١٤) وخطّ الطّول (٣٠ ـ ٢ ـ ٤٨) : فإذا ارتقيت عقبة المدلاة من يبعث .. فبعد مسافة تأتي : نقبة النزوع ، ف (وادي منتير) ، ثمّ نقبة العلب ، ثمّ موثاب وشعب العقيبة ، وشعب الخربة.

ويأتي من اليسار : شرج منتير ، وفيه : البامنيف من الباقازي ، وادعون بجانب الطّريق ، فيه : البلعجم ـ بكسر العين وفتح الجيم (أصله : آل أبي الأعجم ، وعلى هذا فقس ما شابهه).

ويأتي بين هذه الطّريق والطّريق الذّاهبة من الرّيدة إلى حجر الّتي سبق وصفها : حصن باجعيم ـ بكسر ففتح فسكون ـ وعجز ـ بفتحتين ـ والغابة لهم.

ثمّ شرج باضان للباضان.

صبابير ، وشرج بن تبر بفتح فضمّ ، ف (مجرى آل سويدان) وعتور ـ بفتح فضمّ ـ ولقحين ـ (الأقحلين) أحدهما : أقحل بسكون القاف ، وفتح الحاء واللّام وسكون الياء : وهذه منازل آل سويدان من الدّيّن.

والسّلق بفتحتين : فيه آل باغويز ـ مصغر غوز ـ من آل باسويدان. هذا كلّه شرقيّ الطّريق.

ويأتي في قبليها بعد ما مرّ : رأس غاضنان ـ بفتح الضّاد ـ ف (شرج شرين) ، ف (غميس باحوات) ـ بفتح ، فكسر الميم ، ف (الغباضة) ، ـ بضمّ الغين وفتح الضّاد ـ ، ف (الوليجات) بضمّ الواو وفتح اللّام وسكون الياء ـ للباسالم.

ف (الضليعة) ، وبها جامع ، وهي للبامسدوس وصبيانهم. الباعبد بفتح العين والباء ، والمكراب بكسر فسكون الكاف ، والمكيريب ، وكلّها للبامكراب من البامسدوس.

والثّجرة ـ بكسر فسكون ـ للمسادسة ، آل بامسدوس ، ثمّ الحنو ـ بكسر فسكون ـ للمشايخ آل باعشن وآل بامجبور من آل سويدان.

ومن قريب الحنو يبتدىء حفر الوادي الّذي يسيل إلى الشعبة ، وقريب الميراد يبتدىء الشّعب


__________________

الثّاني ، ثمّ يجتمعان ، ويطلق عليهما : وادي الشعبة.

والنّحي ـ بكسر ففتح ـ للباحنحن ـ بكسر فسكون فكسر ـ وضراك ـ بكسر الضّاد ـ وضريّكة ـ بكسر ففتح فتشديد الياء ـ فيها الباسواري.

وعن يمين الطّريق : النجيدين ، فيها آل الشّيخ عمر بن عبد القادر العموديّ ، وهناك يكون ذو منصبهم ، والباعشيم ـ بكسر ففتح فسكون ـ صبيان.

ثمّ القويرة ـ تصغير قارة ـ فيه الباخريبة صبيان ، ثمّ الخليف ـ بفتح فكسر فسكون ـ وفيه : آل باسوّدة ـ بضمّ السّين وتشديد الواو وكسر الدّال ـ وعندهم أناس من آل بافلح.

ثمّ الغميس ـ بفتح فكسر فسكون ـ والغوير بضمّ ففتح فسكون ، ثمّ الميراد : فيه الباطهيف ـ بكسر ففتح فسكون ، ثمّ لبيضين ـ (الأبيضين) ـ على صيغة المثنى ـ للباعمرو.

بريّرة ـ بكسر ففتح فتشديد الياء المكسورة ـ عتود ـ بفتح فضمّ ـ فيه إلياس والبازجّ ـ إلياس : بكسر فسكون ، والبازج : بكسر الزّاي. والمسيل : فيه إلياس.

وسمع بافقرة ـ بفتح السّين فسكون ـ وفقرة : ـ بكسر فسكون ـ ومن آل بافقرة : عمر بن عبد الله بافقرة ، وهكذا اسمه على ما أتذكّر ، وهو الّذي أزعج حكومة حيدرآباد حوالي (٢٠) سنة ، وكان خرج عليها ، وله قصّة مشهورة.

وهذه من الشّراقي : ومنها روضة باقطيّان ـ بكسر القاف وفتح الطّاء وتشديد الياء ، ومن آل باقطيّان جماعة في نواحي عتق بشبوة يتوزّعون على قراها ، ومن أهل الرّوضة هؤلاء جماعة شعراء لا تحضرني أسماؤهم.

وعن يسار الطّريق إلى الشّمال الشّرقي يأتي : ربض باسودة ـ ربض : بفتحتين ـ ثمّ الوليجات لباسالم ، ثمّ عنق بلشرف ـ عنق : بفتحتين ، وشرف : بكسر ففتح ، وأصله أبي الأشرف ـ باكبيرة فيه : باقحدوم.

ونعود إلى شروج آل بايومين ، ويقال لهم : الباكرشوم ، وهي قسم من الرّيدة ، تمتدّ بناحية الشّمال والغرب حول رأس وادي الخميلة ، ورأس وادي الشعبة ، ويقال إنّهم من كندة ، وصريخهم للدّيّن.

فمنها : باغنيم ـ بكسر ففتح فسكون ـ. الحجيلين ـ بكسر ففتح فسكون ففتح اللّام فسكون الياء ـ وبالجنف ـ بسكون الجيم وفتح النّون ـ الأجنف.

النّخيلات ـ بضمّ ففتح فسكون ـ ف (مدهون) ـ بفتح فسكون ـ ف (دفيقة) ـ بضمّ ففتح فسكون ـ كلّها لباكرشوم.

ثمّ زيد : بفتح فسكون للذبياني ، ف (زيد الهابطي) ، ف (دلثله) ـ بفتحتين فسكون الثاء ـ كلاهما لباكرشوم ، ف (الصّلل) ـ بفتحتين ـ للباقضاعة من الدّيّن.

ف (الغيظه) ـ لابن الشّيخ العموديّ ـ من أهل الشعبة ، ف (بجيّده) ـ بكسر الباء ففتح فتشديد الياء


وفي «القاموس» : أنّ بحضرموت ريدتين ، يعني هذه وريدة الصّيعر.

والواقع : أنّ بحضرموت ريدا كثيرة للجوهيّين والمعارّة وغيرهم ، وإنّما خصّت الأوليان بالذّكر لشهرتهما وقدمهما. وسيأتي في ريدة الصّيعر عن الهمدانيّ : أنّ إليها الإشارة بقول طرفة بن العبد [من الطّويل] :

__________________

لباقضاعة ، ف (السويدا) ـ بضمّ ففتح فسكون ـ للبابتير ـ بفتح الباء وسكون الياء ـ من الدّيّن.

ذي الحمر ـ بضمّ ففتح ـ للمشايخ آل العموديّ والبادويس ـ بضمّ ففتح فسكون ـ ف (قدّه) ـ بكسر فتشديد الدّال ـ للبامجيمر ـ بكسر الميم ففتح الجيم فسكون الياء فكسر الميم ـ من المشاجر ، وصريخهم للدّيّن.

الشّعبات ـ بفتحات ـ لآل همّيم.

إلمر ـ بكسر الهمزة وسكون اللّام وفتح الميم ـ فيه : الباخربوش ، بفتح فسكون. انقضى هذا الطّرف.

نعود إلى يمين الطّريق :

براورة ـ بفتح الباء وكسر الواو ـ وفيها : آل الجيلانيّ ، ينتسبون إلى سيّدنا عبد القادر الجيلانيّ.

لخشاب ـ (الأخشاب) ، فيها آل العموديّ.

ثمّ يأتي إلى ناحية الشّمال يسارا عن الطّريق الذّاهبة من الرّيدة إلى وادي عمد ، ويمينا عن الطّريق الذّاهبة من الرّيدة إلى قيدون.

سوط لبارقة ـ (الأبارقة).

ثمّ شرع العلّامة الحدّاد في ذكر السيطان وقراها وسكّانها ، وقد انقضى الكلام ههنا على ريدة الدّيّن. وكنّا قدّمنا في موضع سابق أنّ بحضرموت عدّة ريد ـ جمع ريدة ـ وهذه واحدة منها ، وتقدّمت ريدة المشقاص ـ آل عبد الودود ـ ولنعدّد ههنا الأخريات ، فثالثة الرّيد : ريدة الصيعر ، في الشّمال الغربيّ للوادي الرّئيسي ، تقع شرقيّ حصن العبر. والرابعة : ريدة المعارّة ـ بتشديد الرّاء ـ : تقع بين ريدة الجوهيّين والحموم ، شمال شرقيّ المكلّا بمسافة (١٠٠ كم). والخامسة : ريدة الجوهيّين : في شمالي غيل بن يمين ، تبعد عن الشّحر (٨٧ كم).

ومنها تشرع الطّرق إلى عقبة الفقره ، وعبد الله غريب ، وعقبة عثه ، وكلّها تنزل إلى السّاحل ، وقد شقت في هذا الجبل طريق حديثة ، وآل الجوهيّ المنسوبة إليهم هذه الرّيدة هم من سيبان.

والسادسة : ريدة الشعيب : في وادي عرما جنوب شبوة. والسابعة : ريدة الرّشيد : في شمال غرب ميفعة ، فيها ناس من آل الواحديّ.

هذه ريد حضرموت ، وفي شمال اليمن توجد ريدة البون ، أو ريدة شهير ، تقع في السّفح الشّرقيّ الجنوبيّ من حصن تلقم ، على بعد (٢٠ كم) شمال شرق عمران. وبها قبر الإمام الحسين بن قاسم العياني الزّيدي العلويّ الحسينيّ ، وسكن بها لسان اليمن الهمدانيّ صاحب «صفة جزيرة العرب».


وبالسّفح آيات كأنّ رسومها

يمان وشته ريدة وسحول (١)

وقال أبو طالب ـ عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ لأبي أميّة بن المغيرة [من الطّويل] :

فيصبح أهل الله بيضا كأنّما

كستهم حبيرا ريدة ومعافر (٢)

والمعافر من أرض اليمن ، وأمّا الرّيدة .. فهذه ، أو ريدة الصّيعر ، وإن كان في اليمن ريد مشهورة.

ولمّا وصلت جيوش المتوكّل على الله إسماعيل بقيادة الإمام أحمد بن الحسن إلى هذه الرّيدة سنة (١٠٦٩ ه‍) (٣) .. لاقاه الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن العموديّ ، وساعده بكلّ من أطاعه ، وكان الشّيخ إذ ذاك واليا على أكثر بلاد دوعن ، وبهم انهزم بدر بن عبد الله الكثيريّ أشنع انهزام ، حسبما فصّل بمواضعه من «الأصل».

والشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن العموديّ هذا هو غير سميّه العلّامة الشّهير المعمّر ، وإنّما هما من قسم المتّفق المفترق فيما أظنّ (٤) ؛ لأنّ هذا علّامة صوفيّ ، وذاك أمير يقود الجيوش ، ويذكي الحروب ، وإنّما اتّفقا في أسمائهما وأسماء آبائهما.

وقد جاء في «عقد» سيّدي الأستاذ الأبرّ عندما ذكر مشايخ الحبيب عبد الله بن

__________________

(١) صفة جزيرة العرب (١٦٦) ، يمان : منسوبة إلى اليمن. وشته : طرّزته. ريدة وسحول : اسما بلدين. والمقصود : أهل ريدة وأهل سحول.

(٢) الحبير : الثّوب النّاعم الموشّى.

(٣) الّذي في «عقد الجواهر والدّرر» للشّلّيّ أنّ ذلك في سنة (١٠٧٠ ه‍).

(٤) المتّفق والمفترق ـ في علم (مصطلح الحديث) ـ : ما اتّفق لفظه وخطّه وافترق معناه ، بأن تعدّد مسمّاه .. فهو من قبيل المشترك اللّفظيّ. وله أنواع ، منها :

١ ـ أن تتّفق أسماؤهم وأسماء آبائهم ؛ كالخليل بن أحمد ـ ستّة رجال.

٢ ـ أن تتّفق أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم ؛ نحو : أحمد بن جعفر بن حمدان ـ أربعة متعاصرون في طبقة واحدة. وله أنواع أخرى .. فليراجعها من مظانها من أراد التوسّع. وفائدة معرفة هذا النّوع : الأمن من اللّبس ؛ إذ ربّما يكون أحد المتّفقين ثقة والآخر كذّابا ضعيفا. والله أعلم.


أحمد بلفقيه : أنّ العلّامة الصّوفيّ توفّي يوم السّبت (٢٤) جمادى الأولى سنة (١٠٧٢ ه‍)

وفي «الأصل» : أنّ الشّيخين حسين بن مطهّر ومحمّد بن مطهّر آل العموديّ لاقوا الشّيخ عمر بن صالح بن هرهرة ـ السّابق ذكره ـ في الضّليعة ، وحالفوه على سلطان حضرموت عمر بن جعفر ، ثمّ حالفوا عمر بن جعفر على الزّيديّة ، وكان لهم كلّ حين لون.

وفي «صفة جزيرة العرب» لابن الحائك الهمدانيّ [١٧٠] : (أنّ ريدة العباد وريدة الحرميّة للأحروم من بني الصّدف ، وأنّ مسكن بني معاوية الأكرمين كان بقبضين ، ويستشفي بدمائهم الكلب (١)) اه

وكلّما ذكر ابن الحائك ريدة أرضين أو قبضين .. فالظّاهر أنّه إنّما يعني ريدة الدّيّن هذه.

وقد قال فيها [١٦٨] : (ومن الهجرين إلى ريدة أرضين واد فيه قرى كثيرة ونخيل للعباد من كندة) اه

وهذا الوصف ينطبق على دوعن ووادي عمد ، إلّا أنّه يشكل على إرادة دوعن بأنّ ذكر دوعن موجود بالصّريح في غير موضع من كتاب ابن الحائك ، فلو عناه .. لذكر اسمه بالصّريح.

ويشكل على إرادة عمد قوله : (للعباد من كندة) مع ما تقرّر أنّه لقضاعة من حمير.

وقد يجاب عن هذا : بأنّ كندة اختلطت بحمير وخلفتها على كثير من منازلها ، ويتأكّد هذا بأنّ وادي عمد كان أخصب مرعى في حضرموت ، ولذا كانت الأعيان ترسل مواشيها من أسفل حضرموت لترعى منه ، وقد ذكر غير واحد أنّ للحسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم عددا كثيرا من الخيل يرسلها إليه للرّعي.

__________________

(١) الكلب : الرّجل الّذي عضّه كلب عقور ، فيصاب بداء يسمّى : الكلب.


ومن خطّ الشّيخ محمّد بن عبد الرّحيم بن قاضي ، عن خطّ الفقيه عبد الله بن عليّ بن عبد العليم (١) بانافع : (أنّ قبائل السّوط من حمير) اه

وقبائل السّوط كما سبق قبيل ذكر وادي عمد هم : آل باتيس ، وآل سميدع ، وآل بلعبيد ، وهم : آل هميم ، وآل باهيصمي ـ وهو الرّأس ـ وباساع ، وباكرش ، وباحيّان ، وآل باغس ، وآل باسمير ، وآل باوهّاج ، وغيرهم. وقد سبق أنّهم يناهزون ألف رام.

ويأتي آخر الكتاب ما يشير إلى أنّ آل بلعبيد من قضاعة ، وهو موافق لما جاء عن بانافع ؛ لأنّ قضاعة من حمير ، وهي تمتدّ من رؤوس وادي جردان إلى رؤوس وادي رخية.

ومن خطّ الشّيخ أحمد بن محمّد مؤذّن باجمال ، عن كتاب «الفرج بعد الشّدّة في أنساب فروع كندة» لعوض بن أحمد الجرو : (أنّ ريدة الحرميّة للأحروم من الصّدف ، ومن آل لحروم : آل مروان وآل أبي سهل وبنو يمامة بنجران ، والصّدف الّذين بريدة الدّيّن من ولده) اه

فيتحصّل أنّ سكّان الرّيدة ـ وهي من السّوط ـ أخلاط من حمير ومن الصّدف وغيرهم.

ومن أخبارهم الأخيرة : أنّ آل باصليب الضّاربين بالحيلة من وادي عمد كان لهم ثأر عند آل بامسدوس ، فلم يقدروا عليه لمناعة أرضهم ، حتّى صاروا ضحكة بين السّماسرة يؤذونهم بالكلام.

والعار مضّاض وليس بخائف

من حتفه من خاف ممّا قيلا (٢)

فلم يكن منهم إلّا أن انتخبوا سبعة من رجالهم ، فركبوا متن اللّيل حتّى وصلوا إلى

__________________

(١) وفي نسخة : (عبد الرحيم).

(٢) البيت من الكامل ، وهو للمتنبّي في «العكبريّ» (٣ / ٢٤٢). مضّاض : مؤلم. الحتف : الهلاك. والمعنى : العار محرق موجع ، ومن خاف العار .. لم يخف من الهلاك ، وفي المثل : (من أنف من الدنيّة .. لم يحجم عن المنيّة).


حصن لهم بالضّليعة ـ بلغهم خلوّه من السّكّان ـ وكانوا استعدّوا بكثير من الماء والزّاد والعتاد ، فتسوّروا الحصن ، ولمّا بدر لهم المطلوب .. أطلقوا عليه الرّصاص ، فخرّ صريعا لليدين وللفم (١) ، ولكنّهم لم يقدروا على الهرب ، وتضرّر كلا الطّرفين : آل باصليب بالانحصار في الحصن ، والدّيّن بانكشاف مواضع تصرّفهم لبنادق آل باصليب ، حتّى توسّط بعض المناصب ، وبعد أن طالت المراجعة في الارتجاز ـ الّذي لم يرض الخروج صلحا بدونه آل باصليب ـ سمحوا لهم به ، فقال شاعرهم :

سبعه سروا من حيلة احمد بن علي

باروتهم عند السّما متحلّق (٢)

والدّيّني غافل ولا ظنّ الوفا

جئته من الجو والفنا متغلّق (٣)

ومن أخبارهم : أنّ السّيّد محمّد بن عمر بن علويّ باعقيل استجار بالدّيّن ، هاربا من السّيّد حسين بن حامد المحضار ، فبذلوا له الأمان ، وهم : آل بامسدوس ، وآل الهميم ، والمشاجرة.

ولمّا جدّ الجدّ .. قال له الأخيرون : لا نجيرك من الدّولة ، وأمّا ممّن دونهم .. فنعم.

وأمّا آل بامسدوس (٤) ورئيسهم سالم بن عليّ باغشمي .. فثبت مع باعقيل ، فلم يكن من السّيّد حسين بن حامد إلّا أن زحف عليهم بعسكر من جند القعيطيّ يتألّف من ألفين وأربع مئة ، على رأسهم أخوه السّيّد عبد الرّحمن بن حامد ومحمّد بن عمر بن أحمد باصرّة ، فتقدّمت العساكر إلى مكان يقال له : الأبيضين ، وإلى مكان آخر يقال له : وليجات ، ودام الحرب نحوا من شهرين ، حملت فيه العساكر القعيطيّة على آل

__________________

(١) لليدين وللفم : كلمة تقال عند الشّماتة في إنسان. والأصل في هذا المثل : أنّ سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أتي بسكران في شهر رمضان ، فتعثّر بذيله ، فقال سيّدنا عمر رضي الله عنه : لليدين وللفم ، أولادنا صيام ، وأنت مفطر!! ثم أمر به فحدّ. وأراد : على اليدين والفم ؛ أي : أسقطه الله عليهما.

(٢) باروتهم : بارودهم ؛ أي : علا في الجو دخانه متراكبا.

(٣) الوفا : استيفاء الثأر. والفنا متغلق : الهلاك محقق.

(٤) البامسدوس : مشايخ قبائل الدّيّن ، ويقال لمنطقتهم ريدة بامسدوس ، وهي ضمن الدّيّن. وكانوا يتوارثون الزّعامة على الدّيّن. من فروعه : بلّحمر ، باغشمي ، بامكراب.


بامسدوس مرّتين ، في كلتيهما يصلونهم نارا حامية ، فيتراجعون بعد أن قتل منهم في الهجمتين أكثر من العشرين بدون أن تراق من آل بامسدوس محجمة من الدّم (١).

فما زالوا بحامية ـ قارة صغيرة هناك (٢) ـ حتّى أرضوهم بما شاؤوا من الدّراهم ، فسلّموها لهم ، فانكشفت بطاح آل بامسدوس حينئذ لمدافع العسكر القعيطيّ ، فطلبوا مساعدة ماليّة من محمّد بن عمر باعقيل ؛ لشراء الذّخيرة حتّى يتمكّنوا من مواصلة الحرب ، وكان مثريا .. إلّا أنّه لئيم ، فلم يعطهم قليلا ولا كثيرا ، فتوسّط السّيّد عمر بن طاهر بن عمر الحدّاد والشّيخ محمّد بن بو بكر باسودان ، وذمّوا إليهم باعقيل ، وزيّنوا لهم تسليمه ، ومحالفة القعيطيّ إزاء ما يرضيهم من النّقود ، ففعلوا ، وعندها وصلوا بباعقيل مصفودا في القيود إلى مصنعة عوره.

قال السيّد حسين بن حامد المحضار :

سلام منّي عالمناصب والدّول

خصّ المقدّم والمسمّى باعقيل

يومه مطرّد من جبل لمّا جبل

ما قايس أنّا با نردّه بالصّميل (٣)

فأجابه أحد الدّيّن بما لا أذكره .. ثمّ قال السّيّد حسين :

حيّا بكم يالّي قضيتوا شغبكم

بالسّيف والقوّه وصرّات الخزين (٤)

ما الدّيّني شلّ الحموله مثقله

كنّه طرحها بعد ذلك يا هوين (٥)

فأجابه أحمد بن عبيد بن مسلّم بن ماضي بقوله :

لو لا قروشك لي معك قدّمتها

جيشك رجع مكسور يا سيّد حسين

__________________

(١) المحجمة : القارورة الّتي يحتجم بها.

(٢) حامية : قرية صغيرة ، هي اليوم من أعمال محافظة شبوة في وادي ميفعة ، وتقع بقربها بلدة رضوم.

(٣) الصّميل : العصا في لغة أهل حضرموت ، ويقال لها عند العرب : هراوة.

(٤) شغبكم : شغلكم (عامية). الخزين : بإمالة الزاي ـ أي : نطقها بين الفتح والكسر ـ والمقصود بصرات الخزين : الصّرر ـ جمع صرّة ـ وهي ما يوكأ من الدراهم ـ فصيحة ـ والخزين بمعنى الخزائن في الفصحى ـ جمع خزانة.

أي : قضيتم شغلكم بالسيف والمال.

(٥) يا هوين : كلمة بمعنى : أهون بك ، تقال في لهجة حضرموت العامية ، وأصلها في الفصحى : يا هويناه ، الأمر المطلوب بسهولة ويسر. ـ


ولّا الوعول المربعيّه شفتها

عيال يافع في المقابر من ثنين

أمّا الحلف .. فقد تمّ بين الدّيّن والقعيطيّ بواسطة الدّراهم والسّيّد حسين ، وسلّمت لهم الدّيّن رهائن الرّضاء ، وما زالت رهائنهم تحت المراقبة في مصنعة عوره حتّى جاء نحو ستّة نفر من آل بامسدوس ذات يوم في حدود سنة (١٣٥٨ ه‍) فأخذوا رهائنهم ، وهربوا ضحوة النّهار ، ولم تحبق في ذلك ضأنة (١).

وأمّا باعقيل .. فبقي مقيّدا بسجن المكلّا ، وظفروا بولد له بعد ذلك أوان البلوغ ، فزجّوه معه في السّجن ، وآلوا أن لا يطلقوه إلّا بغرامة الحرب المقدّرة بمئتي ألف ربيّة ، حتّى وردت المكلّا في سنة (١٣٤٦ ه‍) فتوسّطت في إطلاقه بخمسين ألف ربيّة فقط ، فتمّ ذلك في قصص طويلة مستوفاة في «الأصل».

وكنت اجتمعت بالسّيّد حسين بن حامد بعد إلقائه القبض على باعقيل ، فأنشدني كثيرا من المساجلات الّتي دارت بينه وبين الدّيّن ، ولمّا أنشدني الزّامل الأوّل (٢) .. انتقدته ، وقلت له : لا يليق زجّ باعقيل في السّجن والقيد ، بعد أن خصصته بالسّلام ، ولو أنّك استثنيته .. لكان لك بعض العذر ، أمّا الآن .. فلا.

فسقط في يده (٣) ، وما أحسّ بها إلّا تلك السّاعة ، وكان يهاب الملام ويعرف مقادير الكلام ، وكانت شهامته تقتضي إطلاقه ، ولكنّ ولده أبا بكر لم يكن ليساعده على ذلك ، لأنّ العداوة إنّما تأصّلت بين باعقيل وبينه.

ومن الضّليعة إلى دوعن يوم واحد ، تنزل الطّرق من أعلى جبل السّوط (٤) الشّاهق إلى أكثر بلاد دوعن ؛ كالخريبة والقويرة وبضه وقيدون. فمنه إلى كلّ واحدة منها

__________________

(١) تحبق : تضرط. الضأنة : الشاة. وهو مثل يضرب للأمر الّذي لا يكون له تغيير ، ولا يدرك به ثأر.

(٢) الزّامل : الشّعر الّذي يقال في مناسبات عند القبائل الحضرميّة ، ويرتجز به.

(٣) سقط في يده : ندم ، وهو من الأفعال الّتي تلازم صيغة المبنيّ للمجهول ما دامت لازمة.

(٤) السّوط هذا يسمّى : سوط لبارقة ـ الأبارقة ، وهم قبيلة من الدّيّن ، ومن قراهم : الثّجر ـ بكسر ففتح ـ فيها : الباقارح ـ بكسر الرّاء ـ الدّييمة ـ بكسر ففتح الياء فسكون الأخرى ـ لباصرّة. وغيرها. وتأتي في طريق هذه العقبة مع النّزول عدّة قرى أخرى ، لا نطيل بذكرها ، ومن سكّانها : الباعبدون ، البانعمة ، الباوقّاش ، الباسلطان ، الباعطا ، آل وتّار ، الباعضيدة. ينظر «الشّامل» (٩٧ ـ ٩٨).


طريق كلّها عقاب كأداء ، إلّا أنّ أقلّها وعورة ـ بالنّسبة فيما يقال ـ : طريق بضه.

وبالنّجيدين من ريدة الدّيّن كثير من المشايخ آل العموديّ ، منهم : الشّيخ عثمان بن محمّد بن عمر العموديّ ، ذهب ولده هذا العام ـ أعني عام (١٣٦٦ ه‍) ـ تاجرا يحمل ألف ريال إلى الحاضنة ، وكان معه أحد آل باقطمي ، وفي أثناء الطّريق صوّب الرّصاص إلى جوفه وهو يغطّ في نومه ، فأرداه واستلب سلاحه وماله ، إلّا أنّ المشايخ آل العموديّ اجتمعوا من كلّ صوب ، واحتجّوا على آل باقطمي القاطنين بمحيد ، الواقع في شرقيّ حوطة الفقيه ، بينه وبينها كما مرّ في يبعث نصف يوم ، ولا ندري ماذا صار بعد (١).

وفي شمال النّجيدين حوض عاديّ بديع الإصلاح والنّقب ؛ لحفظ الماء طوال سنين الجدب ، لا ينتهي أحد إلى قعره أبدا ، ولا يذكر أحد نفاد مائه بأسره قطّ ، والشّائع بينهم : أنّه من عمارة عاد ، كذا أخبرني الشّيخ محمّد بن سالم باسودان ، خطيب جامع الخريبة ، والمكان الّذي هو به يسمّى : شويحطين.

وعلى مقربة من الضّليعة آثار قرية قديمة ، على أنقاضها كتابات كثيرة بالمسند ، يقال لها : عكرمة (٢).

دوعن

وأمّا دوعن (٣) : فإنّه اسم عجميّ فارسيّ كما يأتي في حوفة ـ ومنه تعرف انتجاع

__________________

(١) الذي صار بعد : أن العمودي اقتصّ من قاتل ابنه ، واستلم تعويضا ماليا من الباقطمي نحو مئة ريال (قرش فرانصه) أو يزيد.

(٢) عكرمة : لعلّها نسبة إلى قبيلة من الصّدف بهذا الاسم ، وهي ضمن ريدة الدّيّن. وتوجد قرى أخرى بهذا الاسم أيضا في : بيحان ، وأخرى في مرخه ، وفي نواحي مأرب ثالثة لآل شبوان.

(٣) وادي دوعن من أودية حضرموت الرّئيسيّة ، ويشكّل مديريّة كبيرة ، ذات مساحة واسعة ، وعدد كبير من السّكّان ، وهو واد عريق وجميل ، وموقعه أعلى وادي حضرموت الرّئيسي شرقيّه. تمتدّ على جانبيه صفوف طويلة من القرى ، تتربّع وسطها وعلى امتداد الوادي غابات من النّخيل وحقول القمح والذّرة وأشجار السّدر.


الأعجام بكثرة لبلاد حضرموت من عهد استيلاء الفرس على اليمن ، حسبما سبق في حصن الغراب ، ولم يزل بها وباليمن من أعقابهم الكثير ، إلّا أنّهم اندمجوا فيهم مع مرور الأيّام ، ودوعن يطلق على واديين بأعلى حضرموت ، يقال لأحدهما : الأيمن (١) ، وهو مسيل مغروس بالنّخيل المثمنة (٢) ، وعلى حفافيه بلدانه وقراه (٣).

فأمّا شقّه الغربيّ :

فأوّل بلاده من أعلاه : قرحة آل باحميش : وهي على رأس الوادي الأيمن بين واديين ، يقال لأحدهما : وادي النّبيّ (٤) ، وهو الغربيّ ، ويقال للآخر : وادي حموضة (٥) ، في شرقيّه واد آخر يقال له : منوه (٦).

__________________

وينفّذ حاليّا مشروع ضخم ؛ لربط قرى وبلدان وادي دوعن بعضها ببعض عن طريق خطّ إسفلتيّ حديث ، وهو مشروع هامّ يقرّب المسافات المتباعدة الّتي كانت تقطع في اللّيالي والأسابيع عبر الوديان والرّمال والقفار والعقاب العالية. ويشتهر وادي دوعن بعسله العالي الجودة ، والفائق في فائدته الغذائيّة على غيره.

(١) أي : والآخر : الأيسر ـ كما سيأتي ـ والمتعارف عليه عند أهل دوعن إلى هذا اليوم إطلاقهم اسم دوعن على الأيمن ، ولا يلفظون الأيمن ، ولكنّهم إذا أرادوا الأيسر عيّنوه باسمه ، فصار اسم دوعن علما على الأيمن فقط ، هذا في العرف ، لكنّه تاريخيّا وجغرافيّا كما قرّر المصنّف وغيره.

(٢) المسيل : مجرى الماء.

(٣) حفافا الشّيء : جانباه.

(٤) وادي النّبيّ : هو أحد ثلاثة وديان كبار تصبّ في وادي دوعن ، والآخران كما ذكرهما المصنّف.

ويعتبر وادي النّبي أقصر الأودية الثّلاثة ، ويجتمع مع وادي حموضة ما بين قرحة باحميش ورباط باعشن ، ثمّ تجتمع هذه الأودية كلّها تحت الرّباط. ويسكن هذا الوادي فخائذ من قبيلة القثم ، الّذين يجمعهم اسم : آل عليّ بامسلّم ، وهم : باوقّاش ، وبن جريد ، وباجبير ، وآل مبارك. والقثم : فرع من الحالكة من سيبان.

وسمّي الوادي بوادي النّبيّ : لأنّ فيه في موضع يقال له الصّعيد ـ في أعلى الوادي ـ مشهد يزار ، يقال : إنّه قبر نبيّ من أهل القرون الأولى.

(٥) وادي حموضة : بفتح الحاء وضمّ الميم ، واد كبير يصبّ في دوعن ، مخرجه شرقيّ القرحة ، وفروعه توازي رؤوس حجر وصيق السّموح ، وفي شعابه بادية نوّح ، والسّموح ، والمراشده .. كلّهم سيبان ، وفيه غياض وزروع وعيون ماء عديدة.

(٦) منوه : بفتح فسكون ففتح ، واد عظيم في الشّرق الجنوبيّ لدوعن ، ويصبّ شرقيّ الرّباط ، وفروعه توازي وادي عقرون من أودية الأيسر.


وآل باحميش (١) من حملة السّلاح وأهل النّجدة.

ومن متأخّري علمائهم : الشّيخ عليّ بن أحمد بن سعيد باصبرين (٢) ، كان جبلا من جبال العلم ، قال والدي : (زرت دوعن في شوّال من سنة «١٢٩٠ ه‍» ، فطفنا

__________________

(١) آل باحميش : من نوّح ، سيبان ، ولم يذكر المصنّف هنا أحدا من آل باحميش ، مع أنّ فيهم عددا من أهل العلم والرّأي والبأس ؛ فمنهم :

الشّيخ العلّامة محمّد بن أحمد باحميش كان إماما عالما فقيها حبرا منوّرا ، من علماء القرن التّاسع الهجريّ ومشاهيره ، مولده بغيل باوزير وقيل ببور سنة (٧٩٨ ه‍) ، نشأ بها ، ثمّ هاجر إلى عدن ، ومن شيوخه : العلّامة عليّ بن عمر بن عفيف الحضرميّ ، والعلّامة القاضي عمر بن محمّد اليافعي ، تقيّ الدّين ، وغيرهما. تولّى القضاء من قبل السّلطان عليّ بن طاهر (الدولة الطاهريّة) وتوفّي وهو متقلّده سنة (٨٦١ ه‍). انتفع به جمّ غفير ، كالعلّامة عبد الله بن أحمد بامخرمة ، والعلّامة محمّد بن أحمد بافضل ، وعبد الله بن أحمد بافضل وغيرهم.

والشّيخ عليّ بن محمّد باحميش ولد بعدن ، وهو من أسرة نزحت من الشّحر ، وبها كانت نشأته ، وتلقّى العلم على أيدي علمائها آنذاك ، ثمّ رحل إلى مصر والتحق بالأزهر الشّريف وتخرّج منه ، ثمّ عاد إلى عدن وتولّى القضاء بها. وكان خطيبا مصقعا ، تولّى خطابة مسجد العيدروس ، اغتيل في حادث مروري سنة (١٣٩١) أو (١٣٩٥ ه‍) ، رحمه الله تعالى.

(٢) هو العلّامة الفقيه ، المحقّق الشّيخ عليّ بن أحمد بن سعيد باصبرين ـ مثنّى صبر ـ النّوّحيّ السّيبانيّ الدّوعنيّ الحضرميّ. مولده بقرحة باحميش ، ووفاته بجدّة سنة (١٣٠٥ ه‍). تلقّى العلم على أيدي علماء دوعن ، وكان انتفاعه واستفادته على يد الشّيخ سعيد بن محمّد باعشن ، صاحب «بشرى الكريم» ، وعلى يده كان تخرّجه ، وأخذ عن غيره ، ويقال : إنّه رحل إلى مصر وأخذ عن الباجوريّ وطبقته.

وقد استقرّ الشّيخ عليّ في جدّة ، حتى إنه عرف عند علماء الحجاز ب (عالم جدّة) ، وانتفع به في علم الفلك الّذي كان يجيده عدد من تلامذته ؛ منهم

العلّامة الشّيخ عبد الحميد بخش الهنديّ الحنفيّ ، أحد علماء مكّة في وقته.

وأخذ عنه الفقيه محمّد بن أبي بكر باذيب ، واستفتاه في مسألة معاملة الكافر الحربيّ فأجابه عنها.

أمّا مصنّفاته .. فمنها :

١ ـ «إثمد العينين في اختلاف الشّيخين».

٢ ـ «إعانة المستعين» حاشية على «فتح المعين» للمليباري ، في مجلّدين كبيرين.

٣ ـ «الجمل في المهمّات الدّينيّة».

٤ ـ «سلامة الحجّاج في كلّ عام في رفض مختارات محمود الهمام».


بلاد دوعن ، ووجدنا أكثر أهلها يقرؤون القرآن لروح والدي (١) ؛ لأنّ ذلك كان حدثان وفاته من رمضان منها (٢) ، ولمّا انتهينا إلى قرحة آل باحميش أوان المغرب .. أدركنا صلاتها في مسجدها خلف إمام حسن الأداء ، شجيّ الصّوت ، محافظ على السّنن والهيئات ، وبعد أن فرغ من الأدعية والرّاتبة .. جلس للتّدريس في «شرح المقدّمة الحضرميّة» ، وكان يكتب عليه حاشية ، فسمعنا أحسن تدريس ، وأتقن تحقيق ، وأبلغ إلقاء ، وأوضح تفهيم ، ثمّ صلّى بنا العشاء بسورتين من أوساط المفصّل بصوت عذب أخذ بقلوبنا ، وبقي طنينه بأسماعنا ، وخيّل لنا أنّنا لم نسمع تلك السّور ولم تنزل إلّا تلك السّاعة ، وما كاد يخرج من المسجد وبندقيّته على كتده (٣) إلّا وأشعل النّار في فتيلتها ، فقلنا له : ما شأنك؟ قال : بيننا وبين قوم قتل ولم نأخذ صلحا ، فتمثّلت لنا رسوم الصّحابة والسّلف الطّيّب ، حيث اجتمعت العبادة والشّجاعة والعلم في ذلك الهيكل الشّريف ، وهو شخص الشّيخ عليّ بن أحمد باصبرين).

جمع الشّجاعة والعلوم فأصبحا

كالحسن شيب لمغرم بدلال (٤)

هذا ما يحدّثني بمعناه والدي ذات المرّات ، فيبني في نفسي العلاليّ والقصور من الشّغف بالمجد والطّموح إلى الشّرف.

وقال السّيّد عمر بن حسن الحدّاد : (قرأت على الشّيخ عليّ باصبرين ، وهو إمام في كلّ العلوم ، حادّ الطّبع مثل الشّيخ عليّ بن قاضي باكثير) اه

وفي «مجموع» كلام العلّامة السّيّد أحمد بن حسن العطّاس : (أنّ بعض العلماء المصريّين قال له : نعرف من الحضارم حدّة الطّبع ، وأنت بعيد عنها ، قال له : من عرفت من الحضارم؟ قال له : عرفت الشّيخ عليّا باصبرين ، وجلست معه في

__________________

(١) يعني به الحبيب محسن بن علوي السقاف جد المؤلّف.

(٢) الحدثان : أوّل الشّيء ، وحدثان وفاته : على أثر وفاته.

(٣) الكتد : مجتمع الكتفين ، وهو الكاهل.

(٤) البيت من الكامل ، وهو لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ٦٤) ، باختلاف بسيط. شيب : خلط.

المغرم : المولع بالشّيء الّذي لا يقدر على مفارقته.


الحرمين سنتين ، فرأيت من حدّته ما لا مزيد عليه. فقال السّيّد أحمد : ذاك رجل من أهل البادية ، وتلقّى شيئا من العلم ، وقد حجر سلفنا وأشياخنا على المتعلّقين بهم الأخذ عنه ؛ لأنّه ليس بأهل للإلقاء ولا للتّلقّي ، ولا يخفى عليكم ما في طباع البادية من الغلظة والجفاء) اه

وهذا لا يخلو عن حيف كثير على الشّيخ باصبرين ، ويكفي لردّه ما أخرجه الطّبرانيّ عن ابن عبّاس : «تعتري الحدّة خيار أمّتي» ، وكان موسى عليه السّلام حديدا ، وورد : «المؤمن سريع الغضب سريع الفيء» ، وضمّ إليه ما سبق من أخذ سيّدنا عمر بن حسن الحدّاد عنه ، وبإشارته كان تحويط الجمرتين بمنى ، فسلم النّاس ، ولا سيّما الضّعفاء من كثير من أضرار الزّحام ، فلقد كان رأيه موفّقا ، ولهذا بادر الشّريف بتنفيذه ، وطلب منه أن يكثر التّردّد عليه كما أخبرني وجيه جدّة النّبيل محمّد بن حسين بن عمر نصيف عن جدّه ، فأبى ؛ لأنّه كان شريف النّفس عليّ الهمّة رحمة الله عليه.

وحدّثني الوجيه محمّد نصيف أيضا أنّ أحد الدّلّالين باع له بنّا من يهوديّ ، فدلّس عليه في مئتي رطل ، فأخبر الشّيخ ممتنّا عليه بهذا الصّنيع ، فقال له الشّيخ : لا أرضى ولا أحبّ أن يطلبني اليهوديّ بحقّه في الدّار الآخرة ، وردّ عليه ما اختانه الدّلّال. ومنه تعرف أنّ له تجارة بجدّة ، وكانت دار هجرته ونشر علمه ، وله بها تلاميذ كثيرون.

وقد علمت أنّ السّيّد عمر بن حسن الحدّاد قرأ عليه ، وهو من مراجيح العلويّين.

وحدّثني الشّيخ عبد الله باحشوان ـ أحد قضاة المكلّا السّابقين ـ قال : (كنت مع الشّيخ عليّ باصبرين وأنا صغير ، فسمع مزمارا فسدّ أذنيه بأصبعيه ، وجعل يقول لي : هل تسمع شيئا؟ فأقول : نعم ، حتّى قلت : لا ، فأبعدهما ، يتسمّت بذلك ما فعل عبد الله بن عمر مع مولاه نافع ، ينقل ما صنع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عندما سمع مزمار الرّاعي) [د ٤٩٢٤] ، وقد جوّدت القول على هذه المسألة في كتابي «بلابل التّغريد».


وجرت بينه وبين علماء تريم منازعات في عدّة مسائل :

منها : التّوسّل والاستغاثة. ومنها : ثبوت النّسب بمشجّرات العلويّين المحرّرة ، وكان الشّيخ يبالغ في إنكار ذلك ، وألّفت رسائل من الطّرفين.

ففي سنة (١٢٩٨ ه‍) فرغ الشّيخ عليّ باصبرين من رسالته الّتي سمّاها : «حدائق البواسق المثمرة في بيان صواب أحكام الشّجرة» ، وقد علّق عليها السّيّد سالم بن محمّد الحبشيّ بما يشبه الرّدّ ، وبعد اطّلاع باصبرين عليه كتب : (أمّا التّهاميش : فأمعنّا النّظر في جميعها .. فما وجدنا فيها زيادة فائدة عمّا في الأصل ، فما زاد إلّا إتلاف ورق لم يؤذن له في إتلافه بتسويده بما لا يجدي فائدة جديدة).

وللحبيب أحمد بن محمّد المحضار شبه ردّ على باصبرين في «الحدائق» المذكورة ، قال فيه : (وبعض النّاس قوله وبوله سواء).

ثمّ إنّ الشّيخ باصبرين كتب رسالة أخرى في نقض تعليقات السّيّد سالم الحبشيّ ، سمّاها : «إنسان العين» ، فكتب عليها الإمام المحضار كتابة طويلة ، جاء فيها : (وما أوضحه الشّيخ عليّ في هذه الجملة .. فذاك شفاء الصّدور ، تبرأ به العلّة ، وهو مجرّب في تجربته ، وحريص في أجوبته ، وبالله الّذي فرض الصّلاة والوضوء ما أردته بسوء).

ثمّ إنّ الشّيخ عليّا سيّر كتابا للسّيّد محمّد بن عليّ ، والسّيّد صافي بن شيخ آل السّقّاف ، وسيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، والسّيّد عليّ بن محمّد ، والسّيّد شيخان بن محمّد آل الحبشيّ.

فأمّا الأوّلان : فصرّحا بمخالفة باصبرين ، وأمّا الآخرون .. فلم أر لهم كلاما بخلاف ولا وفاق. وكان كتابه إليهم في سنة (١٢٩٩ ه‍).

وكثيرا ما ينشب الخلاف بين الشّيخ عليّ باصبرين وبين علماء العلويّين كآل يحيى بالمسيلة وغيرهم ، وتؤلّف الرّسائل في الجانبين وتعرض على سيّدنا الإمام أحمد بن محمّد المحضار ـ صاحب القويرة ـ فيقرّظ عليهما ، إلّا أنّه بأسلوبه العجيب وترسّله


العذب ، وعارضته القويّة ، وسيره بسوق الطّبيعة ، يتخلّص من المآزق بما يذكّرني بما قاله ابن الجوزيّ ، لمّا تواضع أهل السّنّة والشّيعة على ما يقوله ، فسألوه وهو على المنبر عن عليّ وأبي بكر. أيّهما الأفضل؟ فأجاب بما لو روّى فيه عالم دهرا .. لم يوفّق إليه ؛ إذ قال : (أفضلهما وأحبّهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من بنته في بيته) أو ما هذا معناه ، فحملها كلّ على ما يريد.

وقال الإمام المحضار في بعض كتاباته بتلك المناسبة : (والاعتماد على ما قاله الجمهور ، لا ما قاله عبد الرّحمن مشهور) ؛ يعني مفتي حضرموت لذلك العهد ، صاحب «بغية المسترشدين» ، وهو لا يقصد خلافه ولا إدخال المساءة عليه ، ولكنّه قام في طريق الفاصلة (١) وهو لا يبالي بشيء من أجلها ؛ لأنّه يمرّ مع خاطره بلا تكلّف ولا تنطّع.

ولا غرو ؛ فقد طلّق بعضهم امرأته من أجلها ، وتكلّف الصّاحب بن عبّاد السّفر إلى قندهار ليقول :

صدرت من قندهار

في ضحوة النّهار

وعند ما زار المحضار حضرموت وذهب لزيارة هود عليه السلام .. اتّفق حلول الجمعة بفغمة ، فجمّع بها المحضار وتبعه كثير من النّاس ، ولكنّ السّيّد المشهور لم يوافقه ، بل انعزل بآل تريم وكثير من غيرهم ، لا أدري ألشيء من أمثال ذلك أم للتّشدّد بما قال الشّافعيّة من شروط الجمعة.

ومن إهداء السّلام في كتب الشّيخ عليّ باصبرين للإمام المحضار .. يفهم أنّ له أولادا يهدي سلامهم إليه ، ومنهم حسن بن عليّ باصبرين ، قتله أحد آل ضروس غيلة بالقرحة في رمضان ، ولا يزال بها أحفاده وعشائر آل باحميش إلى الآن ، ومن وجهائهم أحمد بن يسلم باحميش وإخوانه.

__________________

(١) الفاصلة : في النّثر كالقافية في الشّعر ، وهي المقطع الصوتيّ الّذي ينتهي عنده الكلام.


الحسوسة (١)

هي الّتي إليها الإشارة بقول الشّيخ عمر بن عبد الله بامخرمة ، يمدح الشّيخ يوسف باناجة الآتي ذكره :

حيّ وادي النبي يا أحمد وطاه أو وعوره

حيّ ما بين بادر والحسوسه وعوره (٢)

فيه يوسف كما يوسف في اطلال دوره

ريتنا حلّ وسطه واختلف في ذبوره

ولو لا أنّ المشبّه لا يكون مثل المشبّه به من سائر النّواحي .. لاشتدّت المؤاخذة على الشّيخ عمر بامخرمة في تشبيهه الشّيخ يوسف باناجة بالعبد الصّالح يوسف بن يعقوب عليهما السّلام ؛ فلقد كفّروا المعريّ بقوله [في «سقط الزند» ١٤٢ من الكامل] :

هو مثله في الفضل إلّا أنّه

لم يأته برسالة جبريل

وقالوا : كفر الفرزدق ـ أو كاد ـ إذ يقول في يزيد بن عبد الملك [في «ديوانه» ١ / ٢٣٧ من البسيط] :

لو لم يبشّر به عيسى وبيّنه

كنت النّبيّ الّذي يدعو إلى النّور

وكان الشّيخ عبد الرّحمن بن عبود بن حسن بن عبد القادر (والي الرّباط) من سكّان الحسوسة ، وبعقب استيلاء القعيطيّ على الوادي الأيمن في سنة (١٣١٧ ه‍) .. أسند العمالة إلى المقدّم عمر بن أحمد باصرّة ، وكان يحمل ضغنا على هذا الشّيخ ، فصادر جميع أمواله ، مع أنّه لم يشترك في الحرب ، ولم يسع فيها بخفّ ولا قدم ، ولو لا أنّه أقام سورا حديديّا من الحجّاب يمنعونه الوصول إلى السّلطان غالب بن عوض .. لأدركه عفوه ؛ فقد كان واسعا شاملا ، لا يضيق عمّا هو أكبر من هذا ، فضلا عنه.

__________________

(١) ومن باب المتشابهات أو المتّفق وضعا المفترق صعقا : الحسوسة بفتح فضمّ ، جبل أحمر رمليّ في وادي حبّان بالصعيد من شبوة. وآل الحسوسة : أسرة من أسر العلم والفقه ، ظهر منهم عدد من العلماء في القرن الحادي عشر ، ولهم ذرّيّة تسكن صنعاء.

(٢) وطاه : ما انخفض من الوادي ، وعوره : ما ارتفع منه.


قرن باحكيم

فيه آل باحكيم (١) ، وكانت لهم ثروة طائلة ، وتجارة راقية ، ولهم عقارات بمصر وغيرها ، وكانت إليهم دولة بلادهم حتّى نجمت بينهم وبين القعيطيّ فتنة في حدود سنة (١٣٢٦ ه‍) ، وكان رؤساؤهم إذ ذاك : سالم بن عمر وأحمد بن يسلم بحضرموت ، ورئيسهم الأكبر الّذي يمدّهم بالآراء والأموال من مصر هو : سالم بن أحمد باحكيم ، وانتهى أمر تلك الحرب ـ الّتي أبلى فيها آل باحكيم أحسن البلاء ـ بمعاهدة ، خلاصتها : أنّ الرّئاسة العامّة للقعيطيّ ، ولهم الاستقلال الدّاخليّ في بلادهم ، وعليهم أن يسلّموا غرامة الحرب المقدّرة بثلاثين ألف ريال.

ثمّ حصل التّنازل من السّلطان غالب ؛ لما جبله الله عليه من السّماح ولين العريكة (٢) عن أكثرها ، وكان عرض عليهم صلح أشرف من هذا فأبوه ، ولكنّ عسكر القعيطيّ اقتحموا حصنا لهم بالجبل فلانت أعصابهم ، واضطروا إلى قبوله.

وفي «الأصل» : أنّ باحكيم بنى حصن القزه فجاءة في سنة (٩٣٩ ه‍) فنهض إليه آل عليّ بن فارس النّهديّون من السّور ، وكتبوا لسّلطان بدر بوطويرق ، واتّهموا الشّيخ العموديّ بمساعدة باحكيم ، وجرى بينهم كلام وتهديد.

ولا يزال باحكيم على جانب من الشّرف والمروءة ومكارم الأخلاق ، بالقرن والمكلّا ومصر ، وأشهر من بمصر منهم الآن : الشّيخ عمر بن محمّد بن عمر باحكيم.

__________________

(١) آل باحكيم : من قبائل نوّح السّيبانية. وفي القرن أيضا : آل بركات ، وآل بامعدان ، وسيأتي في شبام التّعريف بآل معدان وآل بركات وهم غير هؤلاء.

(٢) ليّن العريكة : سهل الطّبائع.


الخريبة (١)

من كبريات بلاد دوعن وقداماه ، على اسم مكان بالبصرة كانت عنده واقعة الجمل (٢) ، ولهذا قال بعضهم [السّيّد الحميري في «ديوانه» من البسيط] :

إنّي أدين بما دان الوصيّ به

يوم الخريبة من قتل المحلّينا

ذكره ياقوت في غير موضع من «معجمه» (٣).

وما زالت خريبة دوعن محطّ رحال العلم من قديم الزّمان ، وكان بها ناس من آل باحويرث الّذين يجتمعون في النّسب مع آل سيئون المشهورين بالعبادة وحبّ الصّلاة ، ومنهم عالم الخريبة وقاضيها في القرن الحادي عشر ، وهو : الشّيخ سليمان باحويرث ، له ولولده العلّامة محمّد بن سليمان ذكر كثير في «مجموع الجدّين» طه بن عمر وعليّ بن عمر ؛ فعن العلّامة الجليل أحمد مؤذّن باجمّال قال : (أخبرني السّيّد العارف ، بقيّة المحقّقين ، الورعين المتضلّعين ، أبو بكر بن محمّد بافقيه علويّ بقيدون قال : إنّ الفقيه سليمان باحويرث زوّج امرأة ـ وهو نائب الخريبة ـ وليّها غائب برجل ظنّه كفؤا ، فلمّا قدم وليّها .. رفع الأمر إلى قاضي الشّحر عبد الله باعمر ، وظهر عدم الكفاءة ، ولكنّ قاضي الشّحر قرّر النّكاح عملا بالمرجوح.

قال السّيّد : وحيث وقع عقد قال به إمام ـ ولو مرجوحا ـ فلا نقض في حقّ العوامّ ، وإنّما محلّ المنع قبل العقد) هذا ما ذكره أحمد مؤذّن.

وزاد : (إنّ مذهب مالك : عدم اعتبار الكفاءة إلّا بالدّين ، وقد عمل به بعض مشايخنا لمصلحة اقتضت ذلك) اه

__________________

(١) تقع الخريبة على خطّ طول : (١٨ ـ ٢٠ ـ ٤٨) ، وخطّ عرض : (٣٠ ـ ٦ ـ ١٥) ، وتاريخها قديم ، وكانت من البلدان الّتي سارع أهلها في الدّخول في الإسلام ، وأقامت بها طائفة الإباضيّة مدّة من الزّمان على يد عبد الله بن يحيى الكنديّ.

(٢) وسمّي المكان الّذي بالبصرة بالخريبة ؛ لأنّ المرزبّان كان قد ابتنى به قصرا وخرب بعده.

(٣) أي : المكان الّذي بالبصرة ، لا هذا الّذي في حضرموت.


وهي مسألة نفيسة مبنيّة على أنّ (العاميّ لا مذهب له) ، وهما قولان قريبان من التّكافؤ ، وقد حرّرت ما في ذلك بموضعه من كتابي «صوب الرّكام».

وإنّما سقت المسألة لمناسبة أنّه وردني بالأمس سؤال ، حاصله : أنّ المكرّم الشّيخ عبد الله بن أحمد الزّبيديّ كانت له ابنة عمّ ، لها أخ شقيق في السّادسة عشرة من عمره ، يتصرّف عنه وصيّه ، وهو أخوه وأخو البنت من الأب ، فأشار عليه أن يعقد بها ، فأنكر عليه بعض العلويّين وقالوا له : ما دليلك؟

فقال : لا دليل إلّا قوله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) الآية الخامسة من سورة النّساء.

فلم يقتنعوا منه بذلك ، وقالوا : إنّ النّكاح باطل لا وجه له إلّا مقابل الأظهر في قول «المنهاج» [٢ / ٤٢٨] : (ويقدّم أخ لأبوين على أخ لأب في الأظهر) فأعجبني استدلاله وقرّرت النّكاح ؛ لأنّه إذا لم يثبت رشد الشّقيق .. فالنّكاح صحيح على المعتمد في المذهب.

قال في «النّهاية» : (وكذا محجور عليه بسفه ؛ بأن بلغ غير رشيد ، أو بذّر في ماله بعد رشده ثمّ حجر عليه .. لا ولاية له على المذهب ؛ إذ لا يلي أمر نفسه ، فغيره أولى. ويصحّ توكيله في قبول النّكاح لا إيجابه) اه ، و «التّحفة» قريب منها.

وفي (الحجر) من الثّانية : (تصديق الوليّ في دوام الحجر ؛ لأنّه الأصل ، ما لم يظهر الرّشد أو يثبت) اه ، و «النّهاية» على مثاله.

ومتى كان الأصل فيمن يتصرّف عنه وصيه الحجر .. فالنّكاح صحيح على مقرّر المذهب.

وبفرض تسليم رشد الشّقيق .. يأتي ما نقله أحمد مؤذّن عن باحويرث ، فالعقد صحيح على كلّ تقدير ، إلّا أنّ للشّيخ أحمد مؤذّن كلاما آخر في «مجموع الجدّين» ، وحاصله : (أنّه وقع عقد في قيدون بغير كفؤ ، مع غيبة الوليّ ، وفرّق بينهم نائب الهجرين ، وسأل أحمد مؤذّن ، فأجابه بصواب ما فعل).


وقاضي الخريبة الآن (١) هو الشّيخ عمر بن أبي بكر (٢) ، من آل باحويرث المذكورين.

ومن علماء الخريبة : الشّيخ الجليل المقدار ، عليّ بن عبد الله باراس الكنديّ (٣) ، المتوفّى في سنة (١٠٩٤ ه‍) وأولاده : أحمد ، ومحمّد ، وعبد الرّحمن (٤). وهؤلاء الثّلاثة كلّهم من مشايخ السّيّد الشّهير عليّ بن حسن بن حسين العطّاس ، ولهم ذكر كثير في مؤلّفاته و «ديوانه».

وكان الشّيخ عليّ باراس ورد حريضة على الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس ، وهو على أجلف ما يكون من أزياء البادية وهيئتهم ، فتأدّب بالحبيب عمر ، وحصل له الفتوح في أسرع وقت ، مع أنّه كما قال العلّامة السّيّد أحمد بن حسن العطّاس : (لم يقرأ عليه إلّا بعض خطبة «بداية الهداية» للغزاليّ فقط) ، ثمّ إنّه استأذنه للحجّ .. فلم يأذن له ، ثمّ استأذنه أخرى .. فأذن له.

ولمّا كان بمكّة .. ذهب إلى السّوق لحاجة ، فألفاها مع امرأة مصريّة ، فأعجبته ، وأخذ يتأمّل في محاسنها ، فلم يشعر إلّا بضربة عصا على جنبه فعرف أنّ هذا تنبيه له من الله ، فثبّت قدمه على طريق الحقّ. ذكرها غير واحد ؛ منهم : الحبيب عمر بن حسن الحدّاد في «مجموع كلامه».

__________________

(١) أي : سنة (١٣٦٦ ه‍).

(٢) الشّيخ عمر باحويرث من مواليد الخريبة ، وأخواله آل باجنيد ، طلب العلم بمكّة ، ولازم الشّيخ عمر بن أبي بكر باجنيد المكي ، ولم يغادر مكّة إلّا بعد وفاته سنة (١٣٥٤ ه‍) ، وكان مقرئا عنده في درسه ، وأخذ عن غيره من علماء مكّة ودوعن ومن أخص تلامذته : الشيخ الفاضل عمر بن علي بن جويهر ، المتوفى بالخريبة عام (١٤٢١ ه‍) ، وكان بقية من يزار بها من الصالحين.

(٣) ترجمته في «القرطاس» للحبيب عليّ بن حسن ، وفي «خلاصة الأثر» للمحبّي ، و «تاج الأعراس» للعطّاس. وله مصنّفات فائقة منها :

«شرح راتب العطّاس» أدرجه العلّامة الحبيب عليّ بن حسن العطّاس في شرحه الكبير المسمّى «القرطاس». و «الرّوضة الخضراء والدّرّة الزّهراء» ، شرح على قصيدة الشّيخ أبي مدين الّتي مطلعها :

ما لذّة العيش إلّا صحبة الفقرا

هم الملوك هم السّادات والأمرا

و «شرح الحكم العطائيّة» ألّفه بإشارة شيخه العطاس.

(٤) ومن أولاده أيضا : عبد الله بن علي.


ومن علماء الخريبة : الشّيخ العظيم المقدار ، عبد الله بن أحمد باسودان ، وهو الشّيخ الثّامن عشر من مشايخ سيّدي الأبرّ عيدروس بن عمر ـ حسبما في ترجمته في «عقده» ـ ، وقد توفّي بها في سنة (١٢٦٦ ه‍) ، وكان من العلم بالمكانة العالية :

تنميه أعراق صدق حين تنسبه

ذي نجدة وعن المكروب فرّاج (١)

ساجي النّواظر من قوم لهم كرم

تضيء سنّته في الحالك الدّاجي

وقد ذكرت في «الأصل» من مناقبه ومناسبه ما يغني عن الإعادة هنا ، ولقد قال السّيّد عمر بن حسن الحدّاد : (كنت أقرأ على السّيّد محمّد بن حسين الحبشيّ أيّام كان يعلّم بتاربه تحت إشارة سيّدنا عبد الله بن حسين بن طاهر ، فلم يكن من الحبيب عبد الله إلّا أن قال لعمّي محمّد بن حسين ذات يوم : نحبّ أن يقرأ عمر بن حسن على الشّيخ عبد الله باسودان ؛ لأنّه أوسع علما منك ، فانقبض عمّي محمّد من قوله هذا له أمامي وأمام أولاده ؛ إذ كنت أقرأ عليه أنا وإيّاهم ، فلم تمرّ الثّامنة إلّا وجاء الشّيخ محمّد بن عبد الله باسودان لزيارة تريم ، فسرت معه إلى دوعن ، وقرأت على الشّيخ عبد الله ، وعلى ولده الشّيخ محمّد ، وعلى الشّيخ سعيد باعشن ، وعلى الشّيخ أحمد بن سعيد باحنشل وهو في سنّ الشّيخ عبد الله وقد كفّ بصره ، وكان قرأ في زبيد على سليمان الأهدل وولده عبد الرّحمن بن سليمان ، وأدرك الشّيخ الكرديّ (٢) ، وله حافظة قويّة) اه كلام الحدّاد.

وفي قول الحبيب عبد الله بن حسين للحبيب محمّد بن حسين : (إنّ الشّيخ عبد الله باسودان أوسع منك علما) فوائد :

الأولى : علوّ مرتبة الشّيخ باسودان ؛ لأنّ السّيّد محمّدا من أكابر علماء الحجاز ، وهو مفتي مكّة للشّافعيّة ، والشّيخ السّادس عشر للأستاذ الأبرّ ، فانحطاطه مع هذا عن

__________________

(١) البيتان من البسيط.

(٢) هو محمّد بن سليمان الكرديّ المدنيّ ، صاحب «الحواشي المدنيّة» ، المتوفّى سنة (١٢٠٣ ه‍).


درجة الشّيخ باسودان يشهد لهذا بشأن جليل ومقام عظيم.

الثّانية : أنّ الحبيب عبد الله بن حسين يقول الحقّ ، فلا يحابي (١) ولا يوارب (٢).

الثّالثة : أنّ انقباض الحبيب محمّد بن حسين جار على ما يقتضيه الطّبع البشريّ عند مثله ، فهو غير ملوم في ذلك ، مع الاستكانة والاعتراف بالحقّ وعدم المكابرة فيه.

الرّابعة : لو لا تهذيب الحبيب عبد الله بن حسين لتلاميذه بهذا التّهذيب .. لما انتهى العلّامة السّيّد محمّد بن حسين وأمثاله إلى ما انتهى إليه من العلم والفضل.

الخامسة : أنّ الحقّ رائد القوم ، والإنصاف قطب رحاهم ، ونقطة بيكارهم ، رضوان الله عليهم.

وقد سمعت من والدي وغيره عن الأجلّاء الثّقات : أنّ الشّيخ محمّد باسودان كان أوسع من أبيه في الفقه ، وفتاويه شاهد عدل على ذلك.

وأخبرني الشّيخ محمّد بن سالم باسودان أنّ بعض العلويّين وردوا على الشّيخ عبد الله وسألوه عن ابنه محمّد .. فقال لهم : لا بأس به ، فاستثقلها ونذر الاعتكاف سبع سنين لدرس العلم في جامع الخريبة ، ووفّى بذلك ، فبحقّ يجيء فيه ما قاله الشّريف الرّضيّ في تسمّته لأبيه [في «ديوانه» ٢ / ٢١ من الطّويل] :

جرى ما جرى قبلي وها أنا خلفه

أغذّ لإدراك المعالي وأوجف

ولو لا مراعاة الأبوّة .. جزته

ولكن لغير العجز ما أتوقّف

ولكنّ هذا لم يتوقّف عنه بل جازه ، ولم يبق له من علم إلّا حازه ، توفّي (٣) بالخريبة في سنة (١٢٨١ ه‍) وبيتهم بيت علم وشرف ، وقد وزر الشّيخ بو بكر بن

__________________

(١) حابى فلان فلانا : مال إليه.

(٢) يوارب : يخاتل ويخادع.

(٣) أي : الشّيخ محمّد ، وكان مولده سنة (١٢٠٦ ه‍) ، ترجمته في «تاريخ الشّعراء» ، وذكره الحبيب عيدروس في «العقد» ضمن ترجمة والده.


عبد الله باسودان ، وأخوه الشّيخ سالم بن عبد الله للسّلطان عوض بن عمر القعيطيّ (١).

ومن آل باسودان الآن : الفاضل الشّيخ عمر بن أحمد بن عمر بن أحمد بن العلّامة الجليل عبد الله بن أحمد باسودان ، يسكن الآن بالحديدة ، وهو من أعيانها ومن المعتبرين فيها (٢).

ومنهم : الشّيخ محمّد بن سالم بن بو بكر بن عبد الله باسودان ، خطيب جامع الخريبة الآن (٣).

وللشّيخ أحمد باحنشل ـ السّابق ذكره ـ ولد اسمه : محمّد ، من أعيان العلماء ، وله ولد عالم اسمه : محمّد ، وله حفيد اسمه : محمّد أيضا من أهل العلم ، كان محمّد المثلّث هذا موجودا بالمكلّا سنة (١٣٣٣ ه‍).

وبالخريبة جماعة من آل باعبيد ، منهم الشّيخان : أحمد بن عبد الله باعبيد ، وأخوه سعيد بن عبد الله باعبيد ، كانوا أهل علم وصلاح وتجارة ، ولهم بوالدي اتّصال عظيم وتعلّق تامّ ، توفّي الأوّل بالمكلّا حوالي سنة (١٣١٧ ه‍) ، والثّاني بالمدينة في حدود سنة (١٣٢٣ ه‍) ، وللأوّل ولد اسمه عبد الله ، كان على القضاء بميدي في أيّام الأتراك والإدريسيّ ، ثمّ هو اليوم رئيس البلديّة بها من جهة مولانا الإمام.

وفي المكان المسمّى : ذي يجور في شمال الخريبة منازل آل بصعر ، وهم : عمر وأبو بكر وسعيد ومحمد ـ وهو أكبرهم ـ أبناء عبد الله بن سعيد بن عليّ بصعر ، كانت

__________________

(١) وهما الشّيخان الأخوان : سالم وعبد الله ابنا أبي بكر ابن الشّيخ عبد الله باسودان. وقد جرى ذكر لهما في عدّة مواضع من «بضائع التابوت» ، وللشّيخ سالم ذكر في «النّفحة الشذية» للحبيب عمر بن أحمد بن سميط ، ولأخيه عبد الله ترجمة في «منحة الإله» للحبيب سالم بن حفيظ ولكن الذي استوزر للقعيطي هو الشيخ عبد الله وليس الشيخ سالم.

(٢) وكان المصنّف رحمه الله إذا قدم إلى الحديدة ـ في عهد الإمام يحيى رحمه الله ـ ينزل عند المذكور أو في دار الضّيافة التّابع لحكومة الإمام ، وكان ممن يقوم بحاجاته وشؤونه إذا قدم .. الشّيخ الفاضل عبد الرّحمن بن سالم باسودان الّذي توفّي في الخريبة أواخر عام (١٤٢٢ ه‍).

(٣) كانت وفاته سنة (١٤٠٥ ه‍) ، وكان ملازما لمجالس السيد العلامة حامد بن عبد الهادي الجيلاني.


لهم تجارة واسعة بحضرموت والشّحر وظفار والحديدة وغيرها ، وكانت لهم مراكب شراعيّة تضرب بها الأمثال بين العامّة ، تمخر البحار ، وقد تفرّقوا وتلاشت ثروتهم الهائلة ، ولم يبق لهم إلّا بعض أراض بوادي سهام وأعمال المراوعة ؛ فإنّها لا تزال تدرّ عليهم.

ومن أحفادهم ناس بالحديدة ، ومنهم الشّيخ عبد القادر بن سالم بن عليّ بن سعيد بصعر ، رجل صالح بالمكلّا ، قد ذرّف على المئة ، زرته مرارا وطلبت دعاءه.

ومن علماء الخريبة : القاضي عمر بن أبي بكر باجنيد.

أخبرني السّيّد عبد الهادي بن محمّد بن عمر الجيلانيّ ، عن أبيه (١) ، عن جدّه (٢) قال : (أرسلني الحبيب أحمد بن محمّد المحضار بنسخة خطّيّة من «التّحفة» إلى عند قاضي الخريبة الشّيخ عمر بن أبي بكر باجنيد ، مشفوعة بقصيدة ، منها :

إنّ العمارة بالعشيّة والبكر

بالعلم والطّاعات والفعل الأغر

أمسى بها متحقّقا متخلّقا

قاضي الأنام الحبر قيدوم الزّمر (٣)

أعني به الأسد الغضنفر شيخنا

حاوي الملاحة والتّسلسل من مضر

صدر الكتاب إليك يا الشّهم الّذي

يقضي الدّيون إذا مطالبها زجر (٤)

إلى أن قال الجيلانيّ : (فسرت ب «التّحفة» والقصيدة .. فتقبّلهما الشّيخ بأحسن القبول ، ثمّ أرجعني ب «التّحفة» وقال : هو أحرى بها. وأعطاني له مئة ريال ، ولمّا

__________________

(١) هو عبد الهادي بن عبد الله بن عمر وليس عبد الهادي بن محمد بن عمر ، فليعلم.

(٢) هو السيد عمر بن أحمد بن عمر بن حسين من ذرية الشيخ نصر الله بن الحافظ عبد الرزاق بن سيد الطوائف وتاج الأكابر الشيخ الإمام عبد القادر الجيلاني الحسني الشريف السني ، ونسبه معروف محفوظ. ولد السيد عمر ببراوره ـ بلدة في ريدة الدّين ـ ولما كبر وشبّ .. قدم الخريبة ، ولازم دروس الشيخ عبد الله باسودان ، وصار أثيرا ومقربا عنده لنباهته .. فزوجه إحدى بناته ، وأجازه إجازة حافلة مؤرخة في (١٢٦٤ ه‍) ، وتوفي بالخريبة في (٥) جمادى الآخرة سنة (١٣٢٩ ه‍). وأخذ عنه عدد من العلماء وكان مشارا إليه بالصلاح والتقوى.

(٣) قيدوم : شجاع مقدّم. الزّمر : الجماعات.

(٤) الأبيات من الكامل.


دفعتها إليه .. أعطاني منها عشرين ريالا .. فاستكثرتها ، وامتنعت من قبولها .. حتّى عزم عليّ بأخذها ، فأخذتها). وهذا عطاء غاب عنه الحبيب حامد بن أحمد المحضار ، ولو شهده .. لم يكن بهذا المبلغ ، بل لقد عاتب أباه بعدما أعلمه.

وأخبرني عبد الهادي المذكور أيضا : أنّ أهل الرّباط ترافعوا إلى الشّيخ عمر باجنيد هذا في قضيّة ، ولمّا صدر الحكم .. امتنع المحكوم عليهم من الامتثال ، فأصيبوا بالعاهات ، فأقبلوا لترضية الشّيخ في جملة من جيرانهم ، فلاقاهم الإمام المحضار وقال :

يا بخت من عزّ الشريعه واستمع

قول الشريعه لي بها زان الوجود

قاضيكم المشهور ما بين العرب

من حجر بن دغّار لمّا قبر هود

فارتجزوا به بين دويّ البنادق ورجعها (١) الّذي يهزّ الجبال ، ولمّا قاربوا دار القاضي .. خرج للقائهم ، فقال الإمام المحضار بالنّيابة عنه :

حيّا بكم ياللي وصلتوا كلكم

باسندوه والباعشن زين الجدود

يا باجنيد ابشر فسعدك قد بدر

يا بو محمّد فالكم فال السّعود

توفّي قبل الثّلاث مئة ، وخلفه على القضاء ولده محمّد ، ويأتي في جحي الخنابشة بقيّة كلام عن آل باجنيد ، كان هذا المكان أولى به ، لكن تأخّر عن نسيان ، وعن غير واحد أنّ آل باجنيد يتحمّلون ثلث نفقة عمارة ساقية الخريبة ، وهو آية كثرة أموالهم بها.

وعلى قول المحضار : (من حجر بن دغّار لمّا قبر هود) .. ذكرت أنّ ولدي البارّ حسن ـ بلّغه الله مناه ـ قال في رحلته الّتي قدّمها للنّادي العلميّ عن حضوره ـ بالنيابة عنه ـ تأبين المرحوم السّيّد أحمد بن عمر الشّاطريّ (٢) : ثمّ أنشدت قصيدة أديب ، ولم

__________________

(١) رجعها : صداها.

(٢) سنة (١٣٦١ ه‍).


أذكر منها سوى عجز بيت هو :

من نواحي هود إلى حبّان

وكان معنى صدره : فقدت حضرموت منه أريبا. فبقي بذهني لسببين :

أحدهما : أنّ جماعة تغامزوا عليه استقلالا للمدح واستصغارا للبقعة الّتي حدّدها.

والثّاني : أنّه يكاد أن يكون نفس قول شوقي [في «الشوقيّات» ٢ / ١٩٢ من الخفيف] :

يا عكاظا تألّف الشّرق فيه

من فلسطينه إلى بغدانه

هذا كلام حسن ، وشد ما لاحظت عليه : إكباره لشعر شوقي ، ولا سيّما بعد أن تقدّم إليّ بالسّؤال عن أربعة أبيات منه وأجبته عنها بالرّسالة الموسومة ب «النّقد العلميّ الذّوقيّ في الجواب عن أبيات شوقيّ» (١).

وكثيرا ما أثني على شعر الحضارم الحمينيّ ، وهذا من المواضع الّتي يتأكّد بها ما أقول ؛ إذ الشّطران الّلذان ذكرهما حسن لا يعدّان شيئا في جنب قول المحضار : (من حجر بن دغّار لمّا قبر هود) وكذلك يظهر هزالهما ـ حتّى لا يسومهما أيّ مفلس ـ عند قول العاميّ الحضرميّ في رثاء عائض بن سالمين الكثيريّ : (جبال ترقل من القبله إلمّا هود).

وللإمام المحضار فضيلة التّقدّم ، ولا غرو أن يتفضّل شعر الحضارم العاميّ الخالي عن التّكلّف ، ولا سيّما في الغزل ؛ إذ كانوا يرجعون في ذلك إلى أصل أصيل ... إلّا من جهة أمّه الحضرميّة المسمّاة : مجد (٢).

__________________

(١) طبعت في اليمن أيّام الإمام يحيى سنة (١٣٦٤ ه‍) ، في (٣٢) صفحة. وكان قد أهداها لمقامه.

(٢) العبارة هكذا في المخطوط ، وفيها سقط ، ولعل التقدير : (... إلى أصل أصيل وتاريخ تليد ، بل إن أكبر شعراء الغزل وهو عمر بن أبي ربيعة رضع لبان الغزل من جهة أمه الحضرمية المسمّاة : مجد). والسبب في اختيار اسم هذا الشاعر دون غيره .. ما قاله صاحب «الأغاني» (١ / ٧٥): (وأم عمر بن أبي ربيعة : أمّ ولد ، يقال لها : مجد ، سبيت من حضرموت ... ومن هناك أتاه الغزل ، يقال : غزل يمان ، ودلّ حجازي).


وللسّيّد عبد الهادي الجيلانيّ المذكور (١) ولد يقال له : حامد (٢) ، طلب العلم بتريم ، وله نباهة وذكاء إلى تواضع وسيما صلاح ، وقد انتفع به أهل الخريبة انتفاعا كثيرا.

وفي ترجمة السّيّد أحمد بن حسن بروم من «المشرع» [٢ / ٥٥] : أنّه (ورد الخريبة هو والسّيّد علي بن أحمد الخون ، وجرت لهما قصّة). توفّي السّيّد أحمد المذكور في سنة (٩٥٧ ه‍) (٣).

وممّن توفّي بالخريبة من العلويّين (٤) : السّيّد عبد الله بن محمّد بن عليّ بن أحمد بن عبد الله مولى عيديد. ومن عقبه : السّيّد حسين بن أحمد بن زين بن عليّ بن زين بن عليّ بن حسين بن عبد الله المذكور ، كان إماما فاضلا ، مشهورا بالفضل والولاية ، توفّي بالقنفذة سنة (١٢٦٥ ه‍) (٥).

__________________

(١) عبد الهادي بن عبد الله بن عمر بن أحمد الجيلاني ، ولد بالخريبة ، ويعرف بالطّبيب ؛ لأنّه كان حكيما ماهرا ، درس الطّبّ في بلاد الهند ؛ إذ أرسله والده مع جماعة من الخريبة إبّان مجاعة وقعت في حضرموت ، ونزلوا حيدرآباد ، ودرس السيّد عبد الهادي في بعض مدارس الهند وترقّى حتى التحق بإحدى الجامعات وتخرج فيها مجازا في علم الطب. وكانت وفاته في براورة عام (١٣٧٠ ه‍).

(٢) العلّامة حامد بن عبد الهادي ، مولده بالخريبة سنة (١٣٢٩ ه‍) ، قبيل وفاة جدّه عمر ، وهو الّذي سمّاه وبشّر والدته بأنّه سيكون عالما ، وحقّق الله ذلك ، فكان عالم الخريبة ، بل من أجلّاء علماء دوعن أجمع ، ولم يكن له نظير في ذكائه وعلمه وبديهته ، طلب العلم بتريم ، وتخرّج بأستاذ الجيل ، السيّد الإمام عبد الله بن عمر الشّاطري ، وكان يحبّه ويودّه ، ويكنّ له احتراما كبيرا ، وله أخبار كثيرة معه ، يرويها عنه ابنه ووارث علمه السيّد عمر بن حامد. وقد نفع الله بالسيّد حامد نفعا عظيما ، وصيته وسمعته الطّيّبة في دوعن لا زالت ولا زال النّاس يترحّمون عليه ، ويذكرونه بالخير ، وقد وافته منيّته في عام (١٤١٢ ه‍) ، وعظم الأسف على فقده ، رحمه الله تعالى.

(٣) وآل الخون هؤلاء من ذرّيّة الشّيخ عبد الله باعلويّ ، وأصل التّسمية نسبة إلى بلدة الخون ، قريبة من شعب النّبيّ هود عليه السّلام.

(٤) ومن أعيانهم بها ، ممن لم يذكرهم المؤلف : السيد الشريف الصوفي : علي بن محمد بن عبد الله المكي بن عقيل باهارون جمل الليل ، توفي قبل سنة (١١٣٢ ه‍). كان من أهل الخلوات والمجاهدات ، مكث في ذلك نحو (١٢) سنة. وفي مكاتبات الإمام الحداد تعزية في المذكور للشيخ محمد باقيس. وله مسجد بالخريبة معمور إلى اليوم ، يعرف بمسجد الحبيب علي.

(٥) السيّد حسين بافقيه ، دفين القنفذة سنة (١٢٦٥ ه‍) ، هو أحد شيوخ السيّد الشّريف عبد الله الهدّار بن طه الحدّاد ، صاحب حاوي الحوطة ، المتوفّى سنة (١٢٩٤ ه‍) ، كما في «نور الأبصار» و «الخلاصة الشّافية».


ومنهم : السّيّد عليّ بن محمّد بن عليّ (١) ، أخو عبد الله المذكور ، مات بالخريبة أيضا ، وعقبه بها وبشبام وجاوة.

وفي الخريبة ناس من ذرّيّة الحبيب عبد الله بن علويّ بن أحمد بن محمّد الكاف ، المتوفّى بها سنة (١٠٧٤ ه‍).

وناس من ذرّيّة الحبيب عبد الرّحمن بن علويّ الخوّاص الجفريّ التّريسي : منهم : السّيّد الدّائم الذّكر ، الكثير الصّمت ، عمر بن أبي بكر بن محمّد الجفريّ ، كان موجودا بها في سنة (١٣٢٠ ه‍).

وفيها من آل الجفريّ : آل باصادق ، منهم الآن : عبد الله وعبد الرّحمن ابنا حسن بن طالب بن محسن بن محمّد بن صادق بن حسن بن صادق ، نجعا إلى مكّة وجدّة ، ولهم تجارة واسعة ، وثروة لم ينسوا حقّ الله فيها ، مع تواضع وأخلاق كريمة ، ومحافظة على العبادة ، ومواظبة على الصّلوات في الحرم الشّريف ، ولهم ابن عمّ يقال له : عبد الله بن محسن بن طالب بن محسن نجع إلى الحبشة .. فهو رأس العرب ببعض بلادها.

ومنهم بها : السّادة آل علويّ البارّ (٢) : محمّد (٣) وعبد الله (٤) وحامد (٥) ، وقد رأيت محمّدا هذا بعدن في سنة (١٣٢٢ ه‍) وهو صدر من صدورها ، وكان بها مكرع ريّ ، ومشرع إحسان ، ومستودع حسن ظنّ بالأخيار ، من دون تعصّب ولا تفريق بينهم.

ولهم ذرّيّة منتشرة بالخريبة وعدن والحبشة وغيرها ، وكانت لهم هنالك أموال وعقارات فتلاشت ، أو تحوّلت كلّها إلى السّيّد حامد بن علويّ .. فهو من أولاد الوجهاء ، وله أولاد نبهاء.

__________________

(١) ومن ذرّيّته آل بافقيه ، سكّان القرين ، الّذين منهم السيّد الإمام شيخ بن أحمد بافقيه ، المتوفّى بسورابايا سنة (١٢٨٩ ه‍).

(٢) هم ذرّيّة الحبيب علويّ بن عمر بن عبد الرّحمن البار ، توفي سنة (١٢٠٥ ه‍).

(٣) ولد السيد محمد سنة (١٢٨١ ه‍) ، وتوفي بالخريبة سنة (١٣٤٤ ه‍).

(٤) ولد السيد عبد الله سنة (١٢٨٧ ه‍) وتوفي أواخر سنة (١٣٤٥ ه‍).

(٥) مولده بالخريبة سنة (١٢٩٧ ه‍) ووفاته بجدة سنة (١٣٨٠ ه‍).


والخريبة أكثر بلاد دوعن عمارة ورفاهة ، حتّى لقد جاء في «مجموع كلام السّيّد عمر بن حسن الحدّاد» ـ المتوفّى في سنة (١٣٠٨ ه‍) وكان أقام بها كثيرا ـ أنّه : يذبح في سوقها كلّ ليلة عشرون رأسا من الغنم ، مع أنّه لا يذبح لذلك العهد في سيئون وتريم أكثر من رأسين في كلّ ليلة ، فانظر إلى هذا التّفاوت العظيم (١).

ثمّ رأيت الطّيّب بامخرمة يقول : (والخريبة مدينة بوادي دوعان الأيمن ، ولمّا استولى الفقيه الصّالح ، الورع الزّاهد ، العالم العامل ، عفيف الدّين عبد الله بن محمّد بن عثمان بن محمّد بن عثمان العموديّ النّوّحيّ على وادي دوعان .. سكن رأس الخريبة ، وأقام لهم الشّريعة ، وأحيا السّنّة ، وأطفأ البدعة ، لكن لم يوافق هواهم .. فحاربوه وأخرجوه ، فانتقل إلى ذمار ، وتوفّي بها سنة (٨٤٠ ه‍) ، كذا وجد بخطّ بعض الفضلاء) هذا آخر كلامه ، وفيه جزم بأنّ آل العموديّ من نوّح ، وقد فصّلت الخلاف في نسبهم ب «الأصل».

الرّشيد

بلدة صغيرة فيها جامع ، كانت تحت ولاية ابن دغّار الكنديّ إلى أواخر القرن الثامن كما سبق في حجر.

ولما جار وطغى .. أصابته سهام اللّيل (٢) الّتي لا تبطىء ولا تخطىء ، فزال عنها وخلفه عليها وعلى غيرها آل بالحمان ، ويظهر أنّهم من الإباضيّة ، وبهم يتحقّق قول ابن خلدون المتوفّى سنة (٨٠٨ ه‍) في (ص ١٧٠ ج ٣) من «تاريخه» : (أنّ لهم دعوة باقية بحضرموت إلى الآن).

ثمّ أهلك الله آل بالحمان بعقب الظّلم والجور ، ولم يسلم منهم إلّا واحد لقّب ب :

__________________

(١) أما اليوم فالذي يذبح في رباط باعشن يفوق ما يذبح في الخريبة ؛ لتحول السوق إليها.

(٢) سهام اللّيل : كناية عن الدّعاء ، قال الشّاعر :

أتهزأ بالدّعاء وتزدريه

وما تدري بما صنع الدّعاء

سهام اللّيل نافذة ولكن

لها أمد وللأمد انقضاء


حفظ الله ، لا يزال جماعة من ذرّيّته إلى اليوم ب (جحي الخنابشة) (١) ، وسيأتي فيه : أنّ للشّيخ سعيد باحفظ الله تاريخا عن حضرموت استعاره باصرّة ولم يردّه.

ومن أهل الرّشيد : الشّيخ الصّالح المشهور يوسف بن أحمد باناجة ، المتوفّى سنة (٧٨٣ ه‍) ، وقد سبق في الحسوسة بعض ما كان من أماديح الشّيخ عمر بامخرمة فيه ، وقد ترجمه سيّدي الإمام أحمد بن محمّد المحضار ترجمة مطوّلة تدخل في كرّاسين ، سمّاها : «شرح الصّدور» ، ولم أطّلع على شيء منها.

ومن آل باناجة الشّيخان عبد الله وعبد الرّحمن ، كانت لهم ثروة وتجارة واسعة بالحجاز والهند ومصر ، وكانت لهم رتب شريفة بمكّة أيّام الأتراك ، إلّا أنّ أسبابهم انقطعت من حضرموت ، ولا تزال لهم بقايا في أفريقيا وغيرها.

وبالرّشيد جماعة من ذرّيّة السّيّد طالب بن حسين بن عمر العطّاس. وهي موطن آل بازرعة (٢) ، وفيهم كثير من العلماء ؛ أوّلهم الشّيخ أبو بكر بازرعة ، كان ظهوره بدوعن ـ كما يروى عن الحبيب أحمد بن محمّد المحضار ـ قبل الشّيخ سعيد العموديّ بمئة عام ، وما كان ظهور الشّيخ يوسف أحمد باناجة ـ السّابق ذكره ـ إلّا بعد الشّيخ سعيد العموديّ بمئة سنة ، وعليه : فيكون الشّيخ أبو بكر بازرعة ممّن عاصر الشّيخ سالم بن فضل الّذي أحيا العلم بعد دروسه ، المتوفّى سنة (٥٨١ ه‍).

ومن مشهوريهم في القرن الحادي عشر : الشّيخ عبد الله بن أحمد بازرعة ، له ذكر كثير في «مجموع الأجداد» ، وله فتاوى مشهورة يرجع إليها في الاعتماد ، وكثيرا ما يختلف هو وباحويرث وبابحير فيترجّح ما ذهب إليه ، وهو الّذي اختصر «فتاوى العلّامة ابن حجر الهيتميّ».

ومن وجهائهم في الزّمن الأخير : الشّيخ محمّد بن عمر بازرعة ، هاجر في بدء

__________________

(١) الجحي : مكان الإقامة. الخنابشة ـ آل الخنبشي سيأتي ذكرهم في الجحي.

(٢) آل بازرعة : أسرة عريقة ، من ذوي المجد والسّيادة والرّئاسة في القديم. ذكر في «الإكليل» (٢ / ٣٧) أنّ في هدون : بني زرعة بن جعشم من الصّدف. وفي «الشّامل» (ص ٧١) أنّ آل بازرعة من آل بابحر ، ولعلّهم غير هؤلاء ، ولعلّ كونهم من الصّدف ـ من كندة ـ أقرب.


أمره إلى مصوّع ، وأسّس بها مركز تجارة ، وأقام برهة بالمكلّا ، وله فيها آثار وعقار ، وكان جمّ الثّناء على الإيطاليّين بالوفاء وبسط الأمن والعدل ، ومساعدة الرّعايا ، والصّدق ، وذكر الجميل لصاحبه ولو بعد الاستغناء عنه ، واتّفاق السّرّ والعلانية ، وحفظ الذّمام ، وقد عرفت صدق بعضه عنهم وقتما كنت بالحديدة وفي سفري منها إلى مصوّع سنة (١٣٥٤ ه‍) ، إلّا أنّني مع حنقنا عليهم ممّا جرى في طرابلس .. لم أتأثّر بشيء من ذلك ، وإلّا .. فلهم أكثر بشارة الحديث الّذي أخرجه مسلم [٢٨٩٨] عن المستورد القرشيّ حسبما في «العود الهنديّ» .. فليس الشّيخ بمتّهم فيما يقول ، ثمّ استوطن عدن ، وله خيرات ومحاسن ، منها : مدرسة كبيرة بناها بعدن ، لا تزال معمورة على نفقته السّابغة إلى اليوم ، وكانت عدن مزدانة به وبأمثاله من مراجيح الحضارم ثمّ صوّح نباتها ، على نحو ما أسلفنا في المكلّا. توفّي بعدن في سنة (١٣٤٩ ه‍) ، وقد ترك أولادا ؛ منهم : الوجيه عليّ ، وهو النّاظر على مدرسته ، والقائم في محلّه ، ومنهم عبد الرّحمن صالح متواضع ، عليه سيماء الخير ، باد في جبهته أثر السّجود ، ضابط لنفسه ولأولاده ، ومربيهم على الاعتناء بشعائر الدّين والمحافظة عليها ، مع بذل المعروف ، وإغاثة الملهوف .. بارك الله فيه وفي بنيه.

ومن أهل الرّشيد : السّيّد شيخ بن عبد الرّحمن بن شيخ الحبشيّ (١) ، تلميذ السّيّد عمر بن عبد الرّحمن البارّ.

والعلّامة السّيّد سالم بن محمّد الحبشيّ (٢) السّابق ذكره إلى جنب الشّيخ عليّ باصبرين ، وأخوه عبد الرّحمن بن محمّد الحبشيّ ، وقد انتقل ولده عبد الله بن عبد الرّحمن إلى رحاب ، وله ولدان : علويّ بن عبد الله صاحبنا المتكرّر ذكره ، وأخوه أحمد بن عبد الله من أهل الصّلاح.

__________________

(١) توفّي السّيّد شيخ هذا سنة (١١٧٢ ه‍) بالرّشيد.

(٢) هو السّيّد العلّامة الفقيه سالم بن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي بكر الحبشي ، ولد بالرّشيد سنة (١٢٥١ ه‍) ، وتوفّي بها في (٢١) ربيع الأوّل (١٣٢٩ ه‍) ، كان فقيها عالما محقّقا ، أخذ عن الشّيخ عبد الله باسودان ، وابنه محمّد ، وطبقتهما ، ترجم له الحبيب عبد الرّحمن المشهور في «الشّجرة».


وعند ما عزم عبد الله على الانتقال من الرّشيد إلى رحاب .. ذهب يستشير الإمام الجليل أحمد بن محمّد المحضار ، فقال له [من الرّمل] :

إنّما أنت سحاب ممطر

حيثما صرّفه الله انصرف (١)

ولا يزال ولده علويّ صاحب النّوادر في رحاب ، وله ذكر متكرّر في هذا.

ومن أهل الرّشيد : السّيّد محمّد بن حسين الحبشيّ ، كان عالما فاضلا ، صادعا بالحقّ لا يخاف فيه ، قتل بمسجد بحر النّور وهو في درسه ، قتله ولد أحمد بامحمّد ، وهو ابن أخي المقدّم عمر بن أحمد باصرّة ، لخلل ـ قيل ـ في عقله.

القويرة (٢)

من قدامى بلدان دوعن ، وكان السّيّد الجليل حامد بن أحمد المحضار يذكر سبعين قبيلة بها فبادت ولم يبق إلّا القليل كآل باحسين ؛ فقد كان فيهم قضاة وعلماء ؛ منهم : الشّيخ أحمد بن عبد الله باحسين ، ولّاه الملك الظّافر قضاء لحج سنة (٩٠٦ ه‍).

وهي واقعة في حضن الجبل الغربيّ ، سكنها السّيّد الشّريف محمّد بن علويّ بن محمّد بن طالب بن عليّ بن جعفر بن أبي بكر بن عمر المحضار ، وانتهى به إليها القرار ، وابتنى بها الدّار.

وبها وجد سيّدنا الإمام الرّبانيّ أحمد بن محمّد المحضار (٣) ، كان آية في العبادة وتلاوة القرآن ، وسلامة الصّدر ، وعدم المبالاة بالدّنيا ، وصدق التّوكّل على الله وكمال الاعتماد عليه.

__________________

(١) ومن سكّان الرّشيد : آل الحبشي ، وآل باصرّة ، وآل بازرعة المذكورون ، وآل باغفّار ، وهم بجدّة وغيرها ، وآل باعوم ، وباعفيف ، وآل باجبير.

(٢) القويرة : تصغير قارة ، وقد تنسب إلى حلبون ـ القرية الّتي بجانبها ـ فيقال : قارة حلبون.

(٣) وكان مولده في عام (١٢١٧ ه‍) ، وكان له تردّد إلى الحرمين ، وجاور بمكّة سنوات ، وأحواله عظيمة ، وترجمته تطول ، يراجع «تاريخ الشّعراء» (٤ / ٣٨ ـ ٤٦) ، و «الشّامل» (١٥٠ ـ ١٥١).


عليه من التّقوى رداء سكينة

وللحقّ نور بين عينيه ساطع (١)

وفي مبحث ذرّيّة الشّيخ عمر المحضار بن الشّيخ أبي بكر بن سالم من «شمس الظّهيرة» يقول : (ومنهم : السّيّد الوليّ أحمد بن محمّد ، بالقويرة ، المتوفّى بها سنة (١٣٠٤ ه‍) ، له ذرّيّة مباركة هناك ، منهم الآن : خليفته ابنه حامد ، له خلق حسن) اه

وحال المحضار عجيب ، وأمره غريب ، وصيته شهير ، وفضله غزير ، وقد ترجمه سيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ترجمة مختصرة ، وله كلام أعذب من السّلسال (٢) ، وأشبه بالماء في الحدور (٣) إذا سال ، ما بين نثر ونظام ، أحلى من المدام ، وأزكى من المسك الختام ، ينطبق عليه قول أبي تمّام [في «ديوانه» ١ / ١٤٤ من الطّويل] :

عذارى قواف كان غير مدافع

أبا عذرها لا ظلم منه ولا غصب

مفصّلة باللّؤلؤ المنتقى لها

من الشّعر إلّا أنّه اللّؤلؤ الرّطب

وذكرت في «الأصل» أنّه أعدّ لنفسه قبرا يخرج إليه في كلّ يوم يقرأ فيه القرآن ، وأشرت إلى من حضرني ساعتئذ ممّن أعدّ لنفسه مثله ، ثم رأيت الذّهبيّ يقول في ترجمة الحافظ المحدّث الخطيب : (عن إسماعيل بن أبي سعد الصّوفيّ : كان أبو بكر بن الزّهراء أعدّ لنفسه قبرا إلى جنب بشر الحافيّ ، يمضي إليه في كلّ أسبوع يقرأ فيه القرآن كلّه وينام ، فلمّا مات الخطيب وكان أوصى أن يدفن إلى جانب بشر بن الحارث ، فجاء المحدّثون إلى ابن زهراء يسألونه أن يؤثر به الخطيب .. فامتنع ، فجاؤوا إلى أبي ، فأحضره وقال له : أنا لا أقول لك أعطه القبر ، ولكن لو كنت في الحياة إلى جانب بشر فجاء الخطيب ليقعد دونك ، أكان يحسن بك أن تقعد أعلى منه؟

__________________

(١) البيت من الطّويل ، وهو لمروان بن أبي حفصة في «ديوانه» (٧٧) ، ولكن بلفظ : (رداء يكنّه) ، بدل (رداء سكينة). يكنّه : يغطّيه ويجلّله.

(٢) السّلسال : الماء العذب ، الّذي يسهل مروره في الحلق.

(٣) الحدور : المنحدر ، شائعة في حضرموت.


قال : لا ، بل كنت أقوم له وأجلسه في مكاني ، قال : فهكذا ينبغي أن يكون السّاعة ، فطاب قلبه ، وأذن لهم) اه (١)

ولكنّ فقهاءنا مصرّحون بكراهة الإيثار في القرب كالإيثار بماء الطّهارة ، ولا بستر العورة ، ولا بالصّفّ الأوّل ؛ فإن أدّى إلى ترك واجب .. فحرام ، أو إلى ترك سنّة أو ارتكاب مكروه .. فمكروه ، أو خلاف الأولى .. فخلاف الأولى. قاله السّيوطي.

ولسيّدنا العلّامة أبي بكر بن شهاب قصيدة غرّاء في مديحه (٢) ، وقد بلغني عنه أنّه يقول : (لو لا أنّني رأيت ثلاثة ، وهم : محسن بن علويّ السّقّاف ، وأحمد بن محمّد المحضار ، وعيدروس بن عمر الحبشيّ .. لما صدّقت ما يروى من مقامات الأسلاف ، وما لهم من فرط المجاهدات في صنوف العبادات).

وكان ابنه حامد على طرف من العلم ، ومع ذلك فهو صدر الصّدور ، وفحل الفحول ، لا يخور في جواب ، وليس لأحد معه كلام ، مع بعد عن التّكلّف وسير بسوق الطّبيعة ، وجود بالموجود ، وبياض سريرة ، وصراحة تامّة ، وشهامة ظاهرة ، وهو الّذي يقوم بأمور أبيه ، توفّي بالقويرة في سنة (١٣١٨ ه‍) عن عدّة أولاد ، منهم :

الفاضل الماجد حسين بن حامد (٣) ، وهو أشهر من أن يذكر ، وله في «الأصل» ذكر كثير ، توفّي بالمكلّا آخر سنة (١٣٤٥ ه‍) ، وكان يعاونه في أيّام وزارته : أخوه عبد الرّحمن ، وهو رجل متين الدّين ، شريف النّفس ، مأمون الغائلة ، مستوي السّر والعلانية ، مشكور السّعي.

وكثيرا ما يعاونه ابن أخيه عليّ بن حسن بن حامد المحضار ، وهو فاضل رقيق القلب ، غزير الدّموع ، كثير الخشوع.

__________________

(١) سير أعلام النبلاء (١٨ / ٢٨٧).

(٢) امتدحه بها سنة (١٢٩٤ ه‍) ، ومطلعها :

خليليّ رفقا فالهوادي وكورها

أضرّ بها إدلاجها وبكورها

رويدا فهذا حيّ سلمى وتلكما

مضاربها ذات اليمين ودورها

(٣) أفرده بالتّرجمة حفيده السّيّد العلّامة حامد بن أبي بكر بن حسين وكتابه مطبوع.


ومن أولاد سيّدنا المحضار : الفاضل الجليل الحبيب محمّد (١) ، كان آية في علوّ الهمّة ، وكبر النّفس ، وبسطة الكفّ ، وغزارة العلم ، وكثرة العبادة.

متهجّد يخفي الصّلاة وقد أبى

إخفاءها أثر السّجود البادي (٢)

سمح اليدين إذا احتبى في مجلس

كان النّدى صفة لذاك النّادي

أفضى إليه الطّالبون فصادفوا

أدنى البريّة من تقى وسداد

بفضيلة بالنّفس توصل عنده

بفضائل الآباء والأجداد

توفّي بجاوة في سنة (١٣٤٤ ه‍) عن عدّة أولاد ، أكبرهم : عبد الله (٣) ، وهو معدود من الفقهاء وأهل العلم.

ثمّ علويّ (٤) ، وهو الّذي خلف أباه فأبقى مناره ، وتسمّت آثاره.

لا يحتذي خلق القصيّ ولا يرى

متشبّها في سؤدد بغريب (٥)

شرف تتابع كابرا عن كابر

كالرّمح أنبوبا على أنبوب

له خلق كالنّسيم ، وشمائل أحلى من التّسنيم.

صفت مثلما تصفو المدام خلاله

ورقّت كما رقّ النّسيم شمائله (٦)

__________________

(١) السيد العالم الحبيب محمد بن أحمد المحضار (١٢٨٠ ـ ١٣٤٤ ه‍) ، ولد بالجبيل بدوعن ، تربى في حجر والده الجليل ، وأخذ عن كبار شيوخ عصره أجلهم والده والحبيب أحمد بن حسن العطاس ، وهاجر إلى جاوة سنة (١٣٠٨ ه‍) ، ولازم بها شيخ فتحه الحبيب محمد بن عيدروس الحبشي ، المتوفى سنة (١٣٣٧ ه‍) ، لزمه حتى وفاته. له تأثير في جماهير الناس بحسن دعوته وغيرته على الإسلام ، وله يد طولى في إقامة الجمعيات الخيرية والمدارس بسورابايا وجاكرتا ، منها : المدرسة الخيرية ، وجمعية ومدرسة الفلاح أنشأها سنة (١٣٣٢ ه‍) ببندواسة. من مصادر ترجمته : «شمس الظهيرة» (١ / ٢٨٢) ، «الشامل» (١٥١) ، «تاج الأعراس» (٢ / ٤٦٧).

(٢) الأبيات من الكامل ، وهي للبحتريّ في «ديوانه» (١ / ١٨٥ ـ ١٨٦).

(٣) ولد السّيّد عبد الله بن محمّد المحضار سنة (١٣٠٠ ه‍) ، وتوفّي سنة (١٣٦٤).

(٤) توفّي السّيّد علويّ بدوعن سنة (١٣٧٩ ه‍) ، وكان قد استقر بها واستعاضها عن بندواسة وتركها كلية.

(٥) البيتان من الكامل ، وهما للبحتريّ في «ديوانه» (١ / ٢٠٢).

(٦) البيت من الطّويل ، وهو للبحتريّ أيضا في «ديوانه» (١ / ٦٣) الخلال : الخصال.


إلى جود في الفاقة ، وسماحة فوق الطّاقة ، وبرّ بوالديه عظيم ، ومحاسن خلال أغلى من الدّرّ النّظيم ، وله كلام أزكى من مسك الختام ، وأندى من ماء الغمام :

أندى على الأكباد من قطر النّدى

وألذّ في الأجفان من سنة الكرى

وبيني وبينه ودّ صميم ، وطارف إخاء مبنيّ على قديم ، يأتي فيه قول الخطّابي للثّعالبيّ [من البسيط] :

قلبي رهين بنيسابور عند أخ

ما مثله حين تستقري البلاد أخ

له صحائف أخلاق مهذّبة

منها التّقى والنّهى والحلم ينتسخ

ومن أولاد الإمام المحضار : بقيّة السّلف ، وزينة الخلف ، كهف اليتامى ، وموئل الأيامى (١) ، الّذي امتزج الجود بلحمه ودمه ، ولم يسع أحد في الزّمن الأخير بقدمه .. الحبيب مصطفى (٢) ، فحدّث عن سماحته ولا حرج ، وحسبك بما كان منه في الزّمن الّذي هرج ومرج (٣) ؛ فلقد مرّت أيّام الأزمة وداره ملأى بالجفان المحفوفة بالضّيفان (٤).

فما جازه جود ولا حلّ دونه

ولكن يسير الجود حيث يسير (٥)

لقد بلغني أنّه باع من صلب ماله بعشرة آلاف ريال ذهبت مع الأكباد الحرّى ، والبطون الغرثى (٦).

وللجود حسن أيّ وقت بذلته

وأحسنه ما كان في زمن المحل

__________________

(١) الأيامى : النّساء اللّاتي لا أزواج لهنّ.

(٢) الحبيب مصطفى المحضار ، مولده بالقويرة سنة (١٢٨٣ ه‍) ، تنظر ترجمته وأخباره في : «الشّامل» (١٥١) ، «الدّليل المشير» ، وغيرها.

(٣) هرج ومرج : اختلط.

(٤) الجفان ـ جمع جفنة ـ وهي : القصعة.

(٥) البيت من الطّويل ، وهو لأبي نواس في «ديوانه» (٤٨١) ، ولكن بلفظ (يصير) بدل (يسير) في الموضعين.

(٦) الأكباد الحرّى : الّتي يبست من العطش. الغرثى : الجائعة.


انتهى به الحال إلى أنّ رجلا استماحه إزاره (١) ، فقال له : سأضعه على الجدار عند دخولي الميضأة ، فاذهب به ، ومتى أحسست بعدك .. زعمت لأولادي أنّه سرق ؛ حتّى يدبّروا لي سواه من دون عتاب ولا تثريب.

تعوّد بسط الكفّ حتّى لو أنّه

ثناها لقبض لم تطعه أنامله (٢)

وما كان ولده حامد (٣) ليعاتبه على مثل ذلك ؛ إذ لم يكن إلّا قرّة عين وسرور فؤاد.

وله شعر بديع ، أحبّ من بسمات الرّضيع ، وترسّل عذب ، كأنّما هو سقيط الطّلّ واللّؤلؤ الرّطب ، وقد رثيته في حياته سنة (١٣٥٢ ه‍) ؛ ليسمع ما يقال عنه بعد الموت اليوم بإذنه ، بقصيدة توجد بمحلّها من «الدّيوان» [خ ١٥٠] ، ومستهلّها هذا [من الكامل] :

مهلا عدمتك من نعيّ جارح

فلقد ملأت محاجري وجوانحي

وهو اليوم يخنق التّسعين .. أطال الله بقاه ، ورزقنا في عافية لقاه.

ومن ذرّيّته : القانت الأوّاب الصّادع بالحقّ ، الّذي لا يخاف لومة لائم عبد الله بن هادون بن أحمد المحضار (٤) ، طلب العلم بمصر ، وكان من أراكين التّقوى ، وإليه يرجع أهل ذلك الطّرف في الفتوى ، توفّي بالقويرة في سنة (١٣٥٨ ه‍) ، وله أولاد كرام ، منهم :

صالح : يتّفق مع اسمه مسمّاه. ومحمّد ، رجل شهم يصدّقه نبل ، ملأ ثوبه ،

__________________

(١) استماحه : طلب منه ، وفعله : ميح.

(٢) البيت من الطّويل ، وهو لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ١٤) ، باختلاف بسيط.

(٣) السّيّد حامد بن مصطفى ، ولد بالقويرة سنة (١٣١٨ ه‍) ، وتوفّي في حادث سيّارة مروّع في (٩) جمادى الأولى (١٣٩١ ه‍).

(٤) الحبيب عبد الله باهادون (١٣٥٨ ه‍) ، ترجمه السّيّد أبو بكر الحبشي في «الدّليل» ، توفّي في ربيع الأوّل سنة (١٣٥٨ ه‍) ، وأرّخها الحدّاد في (١٣٥٩ ه‍) ، وقال : (توفّي عن سنّ عالية) ، وحدّدها صاحب «الدّليل» ب (٨١) سنة ، وجعل مولده سنة (١٢٧٧ ه‍).


يزيّن حظّه من الإحسان حلاوة اللّسان. وطه ، وهو رجل فاضل ، مستوي السّرّ والعلن ، كريم الأخلاق ، خفيف الرّوح ، عظمت الرّزيّة بموته في حدود سنة (١٣٦٤ ه‍) ؛ إذ بقي موضعه فراغا ، لم يسدّه أحد من إخوانه.

وعلى الجملة : فحالة المحاضير بالقويرة مشكورة ، ومجالسهم معمورة ، وعلّهم على وئام في المعنى كما هم في الصّورة.

وأوّل من نجع من حبّان إلى دوعن : السّيّد محمّد بن طالب (١) ، فتصوّف على يد الإمام عمر بن عبد الرّحمن البارّ ، وسكن الرّشيد ، ثمّ سار إلى عينات ، وابتنى بها دارا ومسجدا ، ثمّ جاء أيضا ولده علويّ (٢) وتزوّج بالرّشيد.

وكان أهل القويرة في قرن الحمار من قلّة الماء ، ولآل القرين من آل البار وغيرهم عيون ماء في الجبل الّذي بجنوب القويرة ، فساومهم وأغلى السّيّد حسين بن حامد في بعضها ، ولمّا امتنعوا .. أجراها إلى القويرة بقوّة السّلطان.

ثمّ سار إلى عند آل البار بالقرين للتّرضية ، وأرضى جلّ الملّاك بمثل القيمة أو بأكثر .. فرضي أغلبهم وبقيت خمسة من أربعة وعشرين أصرّ أهلها على الامتناع إلى اليوم.

وبلغني أنّ السّيّد عبد الله بن هادون بن أحمد المحضار كان يتنزّه عن ذلك الماء لقوّة ورعه ، وإلّا .. فإنّ للفاضل السّيّد حسين بن حامد مندوحة فيما صنع ؛ فلقد بنى ابن الخطّاب المسجد الحرام بمكّة في سنة (١٧ ه‍) وهدّم على قوم أبوا أن يبيعوا ، ووضع أثمان دورهم في بيت المال حتّى أخذوها.

وزاد عثمان في المسجد الحرام نفسه في سنة (٢٦ ه‍) وابتاع دورا من قوم ، وأبى آخرون .. فهدّم بيوتهم وأدخلها في المسجد ، ووضع الأثمان في بيت المال .. فصاحوا بعثمان ، فحبسهم وقال : قد فعل عمر بكم مثله .. فلم تصيحوا! فكلّمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد .. فأطلقهم.

__________________

(١) توفّي السّيّد محمّد بن طالب بمسقط ، في طريقه إلى مرباط لزيارة جدّه الإمام محمّد صاحب مرباط ، فحمل إليها ودفن بها.

(٢) توفي السيد علوي هذا في الطريق بين حبان وحضرموت ، حيث كان متوجها إلى حضرموت.


ومصلحة الشّرب أظهر من مصلحة المسجد ؛ إذ الماء لا يمنع ، ومهما أوّلوه .. فبعيد أن يكون شرب بقيّة السّلف الوالد مصطفى بن أحمد حراما ، ولكنّ الأمر إذا ضاق .. اتّسع ، إلّا أنّه قد يغبّر عليه أنّ لابن الخطّاب شأنا بالمدينة تخالف ما جرى عليه بمكّة ، وذلك أنّه أراد توسعة المسجد النّبويّ بدور منها دار العبّاس .. فلم يرض ، وحاكم عمر .. فخصمه ، وللفرق مجال بين الحرمين كثير ؛ إذ قيل : إنّ دور مكّة لا تباع ولا توهب ، ولم يقل أحد بمثل ذلك في المدينة. والله أعلم.

وفي القويرة ناس من آل شويه ، يغلب على الظّنّ أنّ جدّهم أحد الأربعة القادمين مع المهاجر ، حسبما يأتي في سيئون.

حلبون

هي قرية في الحضيض النّازل عن القويرة ، ويزعم بعضهم أنّها كانت متّصلة بها ، وكثيرا ما يقال : قويرة حلبون ، ولو صحّ ذلك .. لم يكن إلى تعدّد الجمعة سبيل حسبما في فتوى بامخرمة السّابقة في قرى الشّحر ، لكنّ الجمعة متعدّدة في القريتين ، فدلّ على استقلال كلّ من الأصل (١).

وسكّان حلبون : آل باقيس وغيرهم (٢) ، ومنهم : الصّالح الشّهير ، والرّبّانيّ الكبير ، الشّيخ فارس باقيس ، ممدوح الشّيخ عمر بن عبد الله بامخرمة.

ومنهم : خاتمة الصّوفيّة المسلّكين ، الشّيخ محمّد بن ياسين باقيس (٣) ، المتوفّى

__________________

(١) أي : من أصل منشئهما ، وحلبون تقع شماليّ القويرة.

(٢) وهم من كندة ، ويقال : إنّهم من ذرّيّة الأشعث بن قيس الكنديّ ، وينظر «الشّامل».

(٣) الشّيخ محمّد بن ياسين باقيس ولد بحلبون ، ونشأ بها ، ولازم مجالس العلم من صغره ، فقرأ على الحبيب عبد الرّحمن بن محمّد البار ، وقرأ على الشّيخ العارف بالله محمّد بن أحمد بامشموس ، والإمام الحبيب عبد الله الحدّاد. وأخذ عنه جماعات من الأكابر ؛ منهم : الشّيخ عبد الله بن أحمد بافارس باقيس ، والحبيب حسن بن عمر البار ، والحبيب عمر بن عبد الرّحمن مولى جلاجل ، والحبيب طه بن عمر البار ، والحبيب سقّاف بن محمّد الصّافي ـ المذكور هنا ـ والعلّامة أحمد بن حسن الموقري الزّبيدي ... وغيرهم توفّي الشّيخ محمّد يوم السبت (١٥) شوّال (١١٨٣ ه‍).


سنة (١١٨٣ ه‍) ، أحد تلاميذ القطب الحدّاد ، وشيخ جدّنا الثّالث سقّاف بن محمّد بن عمر السّقّاف ، المتوفّى بسيئون سنة (١١٩٥ ه‍).

ومنهم : الشّيخ عبد الله بن أحمد بافارس باقيس ، أحد مشايخ الشّيخ عبد الله بن أحمد باسودان ، قال في ترجمته : (ولزم بيته آخر عمره ، مع شغل الوقت بنوافل الطّاعات ، وقراءة الكتب النّافعة من الحديث والفقه ، والتّفسير والرّقائق ، قرأت عليه أمّهات الكتب ؛ ك «الإحياء» و «الرّسالة» و «العوارف» وغيرها ولازمته إلى أن توفّي) اه

له ذكر كثير في «عقد» سيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر.

ومرجع آل باقيس في النّسب إلى كندة ، كما في «المواهب والمنن» للسّيّد علويّ بن أحمد في ترجمة جدّه الحسن ، ومنها : أنّ الشّيخ فارس بن محمّد باقيس والشّيخ محمّد بن عبد الله باقيس من تلاميذ الحسن بن القطب الحدّاد.

الجبيل

بلدة صغيرة يروى أنّ المهاجر أحمد بن عيسى أوّل ما نزل بها ، وأنّه مات له ولد صغير فيها ، فدفن في أعلاها ، وبذلك كان يجزم الحبيب أحمد بن محمّد المحضار ، ولمّا لم يطب له بها المقام لكثرة إباضيّتها إذ ذاك .. نقل منها إلى الهجرين.

وفي «شمس الظّهيرة» [١ / ٢٤٨] : أنّ بها جماعة من أعقاب السّيّد عقيل بن عبد الرّحمن العطّاس أخي السّيّد عمر بن عبد الرحمن العطّاس ، وبها يسكن جماعة من آل باقيس ، منهم : حسين بن محمّد وأولاده : سالم وعبد الله وأحمد ومحمّد ، وإخوانه : عليّ وأبو بكر ابنا محمّد باقيس.

لهم محاسن ومبرّات وأخلاق فاضلة ، وفي رحلتي الأخيرة إلى دوعن ـ سنة (١٣٦٠ ه‍) بتّ عند الأخير على أحسن حال ، وحضر معي السّيّد حسين بن حامد وأحمد بن حسين آل العطّاس ، وكانت من أسعد الليالي .. أعاد الله أمثالها في خير.


ومنهم : ابن عمّهم وهو الشيخ محمّد بن عبد الله باقيس ، يسكن الآن برابغ ، وله بها تجارة ، وهو لا يقصّر في إيواء النّزيل وكسب الجميل.

بضه

هي من كبريات بلاد دوعن وقداماها.

قال العلّامة السّيّد أحمد بن حسن العطّاس : (إنّها مأخوذة من بضيض الماء ، يقال : بضّ الماء ، إذا نزل قليلا قليلا. وعلى مقربة من حصن المنصب بها عين ماء قليل ، لعلّها سمّيت بذلك من أجله) اه

وهي مقرّ مناصب آل مطهّر آل العموديّ ، وحال الشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ أشهر من أن يعرّف به ، وقد توفّي سنة (٦٧١ ه‍) ، وخلفه على منصبه ولده محمّد بن سعيد. ثمّ لم يزل منصبه يتوارث بين أولاده حتّى تحوّل بسعة الجاه وكثرة الأتباع ونفوذ الدّعوة إلى سلطنة ، ثمّ اختلفوا وانقسموا ، فكان لآل محمد بن سعيد بن عبد الله العموديّ قيدون وما نزل منها إلى الهجرين ، ولآل مطهّر بضه وما حاذاها وما ارتفع عنها.

وفيهم عدّة رؤساء ، منهم : آل صالح بن عبد الله (١) في بضه ، وكانت رئاستهم للشّيخ الجليل عبد الله بن صالح بعد أبيه ، وقد لاقيته مرارا ، ورأيت له من محاسن الأخلاق ولطف الشّمائل ما تقرّ به العين.

له خلق سهل ونفس طباعها

ليان ولكن عزمه من صفا صلد (٢)

__________________

(١) توفّي الشّيخ صالح بن عبد الله هذا بعيد سنة (١٣٤٠ ه‍) ، وتوفّي والده المنصب السّابق سنة (١٣٠٥ ه‍) ، وقد خلفه في مقامه منذ ذلك التّاريخ ، ترجم له الحبيب سالم بن حفيظ في «منحة الإله» ، وعدّه من شيوخه ، رقم (٥٤).

(٢) البيت من الطّويل ، وهو لأبي تمّام في «ديوانه» (١ / ٢٧٠). صفا : حجارة. صلد : صمّاء. وفي «الدّيوان» (عرضه) بدل (عزمه).


توفّي سنة (١٣٦٤ ه‍) عن عمر ينيف على الثّمانين ، قضاه في إكرام الضّيوف ، وغوث الملهوف ، ورقع الخروق ، ورتق الفتوق.

وخلفه ولده النّبيل حسين ، فانتهج ذلك السّبيل ، وتحمّل عبء والده الثّقيل ، حتّى يصحّ أن نقول في التّمثيل :

ففي الحسين لهم من بعده خلف

ما مثله خلف في النّاس منتخب (١)

باق به لبني الأشياخ أسرته

حمد الفعال وفضل العزّ والحسب

يرعى المكارم منه وارث شرفا

بتاج والده في النّاس معتصب

وفي بضه مثرى (٢) آل العموديّ ، ولمّا سألتهم عن عددهم بها .. أجابوا بأنّهم لا يقلّون عن خمس مئة رام ، يحملون الموازر الألمانيّة ، لم يفرّطوا فيها ، بخلاف آل حضرموت ؛ فقد باعوا في أيّام المجاعة ما اشتروه بالألف الرّوبيّة منها بأقلّ من المئة ، أقرّ الله عيون العروبة باجتماعهم واتّحادهم.

ولقد أعجبني ما عليه أكثرهم من الوسام وبسطة الأجسام ، حتّى قلت أصف الشّيخ عبد الله بن صالح وإيّاهم في رحلتي الّتي نظمتها في سنة (١٣٦٠ ه‍) [من الطّويل] :

وذكّرني في قومه العرب الألى

وساما وأجساما وبوعا وأذرعا

ومن مناصبهم أو سلاطينهم في القرن التّاسع : الشّيخ عبد الله بن عثمان بن سعيد العموديّ ؛ فلقد استولى سنة (٨٣٧ ه‍) على الوادي الأيمن كلّه (٣).

ومنهم في القرن العاشر : الشّيخ عثمان بن أحمد العموديّ (٤) ، ممدوح الشّيخ عمر بامخرمة ، بمثل قوله :

يا عوض قل لمن كفّه غياث المساكين

قل لعثمان وافي الذّرع شمس البراهين

__________________

(١) الأبيات من البسيط.

(٢) مثرى : مكان كثرة.

(٣) ثمّ استعاده منهم آل فارس في السّنة الّتي تليها.

(٤) ترجم له باوزير في «الصّفحات» (١٤٩ ـ ١٦٠).


والّذي في جبينه سرّ طه ويس

زادك الله على مرّ الجديدين تمكين

اذكر العهد يا ابن احمد وحصّنه تحصين

والشّيخ عثمان هذا هو الّذي تلقّى الشّيخ معروف باجمال بالصّدر الرّحب لمّا هرب من شبام في سنة (٩٤٩ ه‍) ، وآواه على أحسن تأهيل إلى أن مات.

ولآل العموديّ أخبار طويلة مع بدر بوطويرق ونهد وغيرهم من قبائل حضرموت ، يوجد منها ب «الأصل» ما يكفي للتّعريف.

وعن الحبيب أحمد بن حسن العطّاس : (أنّه كان بدوعن جماعات من الأمراء ، كلّ ينفرد بناحيته : فباقتادة بالقرين ، وباعبد الله برحاب ، وابن حمير (١) بصيف ، وباعويدين كان متولّيا على الأغلب من الوادي الأيسر ، وكانت القويرة ونواحيها للكثيريّ ، وليس للعموديّ إلّا الرّباط وبضه والجزع والعرسمة وقيدون) اه

وفي سنة (٩٤٩ ه‍) نزل الشّيخ عبد الله بن أحمد العموديّ على فوّة ومعه سيبان وباهبري ، وأقاموا ثلاثة أيّام ، وأتلفوا أكثر من مئة عود من النّخل ، ثمّ صالحهم أهل فوّة على مال دفعوه لهم ، فانصرفوا إلى دوعن بعد أن ملؤوا قلوب أهل الشّحر والغيل خوفا ، وهذا من الأدلّة على عدم وجود المكلّا شيئا يستحقّ الذّكر إذ ذاك.

ومنهم صاحب «المرعى الأخضر» وهو أجوبة من العلّامة الجليل السّيّد محمّد بن عبد الرّحمن بن محمّد البكريّ الصّدّيقيّ ، ومن تلاميذه : العلّامة الشّهير أحمد بن حجر الهيتميّ.

وفي ذكر السّيّد الجليل عيسى بن محمّد بن أحمد الحبشيّ المتوفى في محرّم سنة (١١٢٥ ه‍) من «عقد شيخنا الأبرّ» يقول : (وانتفع به وأخذ عنه كثير من الأعيان ؛ منهم : السّيّد الإمام أحمد بن زين الحبشيّ ، والشّيخ الكبير عمر بن عبد القادر العموديّ ، أشار على والده أن يتركه لله تعالى ، وأن يعذره من كدّ الخلاء وتعب

__________________

(١) هو بلحمار ، أو بلحمير كما ينطقه العامّة ، الّذي ذكره المصنّف قريبا باسم (بالحمان) ، وهذا التّصويب مأخوذ من «الشّامل».


الحراثة .. فقبل الشّيخ عبد القادر رأيه ، ثمّ إنّ ابنه عمر سلك وجاهد وصحب بعد ذلك سيّدنا قطب الإرشاد عبد الله الحدّاد ، وكان من أمره ما كان) اه

ومنهم الشّيخ عبد الرّحمن بن عمر العموديّ أحد تلاميذ ابن حجر ، وهو صاحب «حسن النّجوى فيما وقع لأهل اليمن من الفتوى».

ومنهم الشّيخ عبد الله بن محمّد العموديّ ، قال في «المواهب والمنن» : إنّه كثيرا ما يقول : (الهمّة والعزم يأتيان برسل التّوفيق خير من كثير من العقل) ، وهي حكمة عالية ما كنت أحسبها إلّا لبعض الفلاسفة أو لأحد رجال «الرّسالة القشيريّة» .. حتّى رأيت هذا ولم آمن معه أن يكون العموديّ متمثّلا لا منشئا.

وفي (١١) محرّم من سنة (٩٦٥ ه‍) توفّي الشّيخ الكبير أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمّد بن عمر بن عثمان العموديّ (١) ، المترجم له أصلا ولأبيه ضمنا في «النّور السّافر» [٣٥٢].

وفي ترجمته منه يقول : (وبنو العموديّ أهل صلاح وولاية ، اشتهر منهم جماعة بالعلوم الظّاهرة ومقامات الولاية الفاخرة ، ويقال : إنّ نسبهم يرجع إلى أبي بكر الصّديق رضي الله عنه) اه

وقد أطلت القول عن ذلك ب «الأصل».

وترجم في «النّور السّافر» أيضا للشّيخ عبد الرّحمن بن عمر بن أحمد بن محمّد باعثمان ، المتوفّى سنة (٩٦٧ ه‍).

ومن غرائب الصّدف : أنّ بدر بوطويرق جهّز على العموديّ بجيش يرأسه يوسف التّركيّ ، فهزمهم العموديّ وأخذ مدفعا معهم كانوا يطلقونه على عسكره ، وورد به إلى صيف في سنة (٩٥٥ ه‍) (٢).

وفي حدود سنة (١٢٨٦ ه‍) استولى النّقيب الكساديّ على أكثر بلاد دوعن ،

__________________

(١) في المطبوع من «النور السافر» (ص ٣٥٠) في حوادث سنة (٩٦٥ ه‍) : أحمد بن عثمان بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن عثمان بن عمر ... العمودي.

(٢) من أراد المزيد من أخبار الشّيخ عثمان .. فليراجع «صفحات باوزير» (١٥٤).


وهزم العموديّين ، ولكنّهم أعادوا الكرّة عليه فهزموه وأخذوا مدفعه ، وانحدروا به إلى بضه حيث يوجد بها إلى اليوم.

وفي سنة (٩٧٠ ه‍) كانت غارة الجرادف من أصحاب العموديّ ، ونهبوا بيت السّيّد محمّد بن عبد الله عيديد (١). وقد مرّ ذكر الجرادف في غياض الشّحر. وأخبار آل العموديّ كثيرة ، وقد سقنا ما وجدنا ب «الأصل».

وفي بضه كريف (٢) كبير يجتمع فيه ماء السّيل فيكفيهم تسعة أشهر أو أكثر ، أظنّه من عمارة السّلطان عامر بن عبد الوهّاب صاحب اليمن وعدن ، ولكنّي لم أره في مآثره ، لكنّ الشّائع بين آل العموديّ ـ من قديم الزّمان إلى الآن ـ أنّ أوّل عمارة له كانت على يد سيّد من تريم ، فتعيّن أنّه باساكوته (٣) ؛ لأنّه الّذي عمر جامع تريم ، وضمير ثبي ، وكريف قيدون ، على نفقة السّلطان عامر بن عبد الوهّاب صاحب اليمن وعدن ، وإن لم يوجد ذكره بين مآثره في «النّور السّافر» وغيره من المظانّ الّتي بين يديّ.

ثمّ حصل فيه خلل فعمره الشّيخ عبد الله بن صالح العموديّ منصب بضه ، ثمّ عمّره الشّيخ عبد القادر باياسين ساكن بضه ، ثمّ أوصى له السّيّد عليّ بن جعفر بن محمّد العطّاس بما يعمره فعمره إخوانه ، ثمّ عمره أولاد الشّيخين عبد الرّحمن وسعيد ابني عبد الله بن صالح.

وكان سريع التّغيّر ؛ لأنّه قريب من النّخل ، فكانت عروقه تنفذ إليه فتفسده.

وفي شرقيّ بضه مقبرة الشّيخ معروف باجمّال (٤) ، المتوفّى بها في منفاه من بدر

__________________

(١) وكان ذلك ليلة السبت (١٦) ذي الحجّة ، من تلك السّنة.

(٢) الكريف : هو حوض كبير جدّا ، تخزّن فيه كميّات من المياه لسقي أهل البلدة وانتفاعهم به ، وعليه يعتمدون في الشّرب والطّبخ وغير ذلك ، يجمع من مياه الأمطار والسّيول.

(٣) باساكوته : هو السّيّد الشّريف حسن بن أحمد مسرفة ابن محمّد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الرّحمن بن علويّ عمّ الفقيه.

والمقصود والمراد هنا : هو حفيده : محمّد بن أحمد بن حسن ، المتوفّى بعدن سنة (٩٥٣ ه‍) ، صاحب الهمّة العليّة ، والشّيم الزّكيّة ، كان سخيّا كريما ، ترجمته في «المشرع» ، و «السّناء».

(٤) وتعرف هذه المقبرة باسم : (ظرفون).


بوطويرق ـ حسبما تكرّر ذكره ـ سنة (٩٦٩ ه‍).

وعند مقبرته حوض دون الأوّل جدّدوا عمارته في الوقت الأخير عمارة أكيدة ، تصبّ فيه عيون ماء ، فيكفي لضرورات آل بضه عند نفاد الأوّل.

ومن علماء بضه في القرن الحادي عشر : عمر بن محمّد خبيزان ، له ذكر في «مجموع الأجداد» يأتي بعضه في سيئون.

وفي بضه كثير من السّادة آل العطّاس ، منهم : الصّالح العظيم المقدار ، جعفر بن محمّد بن عليّ بن حسين العطّاس (١) ، وقد اجتمعت به مرارا ، آخرها بالشّحر سنة (١٣٢٢ ه‍) ، لمّا وردتها في طريقي إلى الحجاز لأداء حجّة الإسلام ، وقد أحضرني عليه والدي بمكاننا علم بدر سنة (١٣٠٦ ه‍) ، فدعا لي وألبسني طاقيّته ، وقال لوالدي : (هذا رأس العلم) فسرّ بذلك كثيرا ، وعلّق كبريات الآمال على هذه الكلمة ، نسأل الله قبول الدّعاء وتحقيق الرّجاء.

ومن فضلاء بضه اليوم : السّيّد حسين بن حامد بن عمر العطّاس (٢) ، كان صحيح التّقوى ، صادق الإخلاص ، كثير العبادة ، نقيّ الجيب ، وقور الرّكن ، جمّ التّواضع ، نكب في حدود سنة (١٣٣٧ ه‍) بقرّتي عين من أولاده ، فاحتسبهم عند الله بجأش ثابت ورضا تامّ ، وبال صابر (٣).

__________________

(١) وقع المصنّف رحمه الله في وهم في سياقه اسم المترجم ؛ لبعد عهده به ، ولأنّه إنّما أدركه صغيرا ، فهو الحبيب : جعفر بن محمّد بن حسين بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن حسين بن عمر العطّاس ، اشتبه عليه اسمه واسم جدّ أبيه ، توفّي الحبيب جعفر هذا في بضه في (٢٤) شوّال (١٣٣٣ ه‍) ، وترجم له ابن أخيه في «تاج الأعراس» ، والحبيب محمّد بن حسن عيديد في «إتحاف المستفيد» ..

وأخذا عنه. أمّا جدّه جعفر الّذي هو على اسمه .. فهو المقبور ببلدة صبيخ ، وسيأتي ذكره فيها.

(٢) هو السّيّد الفاضل الحبيب حسين بن حامد بن عمر بن حامد بن محسن بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عمر العطّاس ، ولد ببضه ، وتوفّي بها في جمادى الأولى سنة (١٣٦٧ ه‍). وكان الحبيب مصطفى المحضار يطلق عليه لقب جبريل ؛ لأنّه كان يرى الرّؤيا فتقع مثل فلق الصّبح ، وسرى عليه هذا اللّقب.

(٣) كان ذلك في عامي (١٣٣٤ ه‍) و (١٣٣٥ ه‍) ؛ إذ أصابت دوعن حمّى خبيثة مات من جرّائها ناس كثيرون ، وقبلها كانت هذه الحمّى في أسفل الوادي ، فمات في شبام في سنة (١٣٣١ ه‍) عدد من


ثافن الرّجال (١) ، وصحب أهل الكمال ، وكان يتفتّح عن ثبج بحر إذا سئل عن بحر الجود المرحوم السّيّد محمّد بن طاهر الحدّاد ؛ إذ كان معه في سفره إلى الهند وفي كثير من أحواله ، مدّ الله في عمره ونفعنا به (٢).

__________________

النّاس ، فيهم أكابر علمائها ورموز إرشادها.

(١) ثافن : لازم وصحب.

(٢) وقد اختصر المصنّف ههنا جدّا ، فمن سكّان بضه : آل العطّاس ، وقد ذكر المصنّف عددا منهم ، وهم المعروفون بآل بن جعفر ، وآل خرد ، وآل باعشن ، وآل العموديّ ، وهم فخائذ عدّة ، فمنهم : آل باطيران ، وآل مطهر ، وتقدّم ذكرهم ، وآل بلّعسم ـ (الأعسم) ، وآل باياسين ، وآل أحمد بن محمّد ، وآل محمّد بن سعيد جميعهم هؤلاء من آل العموديّ.

ومن السّكّان أيضا : آل باعفيف ، وآل بانقيب ، وآل الحريبي ، (وهم غير الحريبي الذي بشمال اليمن) ، وآل باوهّاب وهم تجّار أيضا ، وآل بوجبير ، وآل باعبدون ، وآل بن زقر ومنهم جماعة في الرّباط ، وآل باسحم ، وآل باعشرة ، وآل باطرفي ، وآل المقدّم ـ من القثم ـ وآل الذّبياني ، وآل باشويّة .. وسنعرض هنا لبعض أعلام هذه الأسر.

أمّا السّادة آل خرد .. فهم من ذرّيّة السّيّد الإمام عبد الله باعلويّ حفيد الفقيه المقدّم ، وأصلهم من تريم ، وسمّوا بآل خرد نسبة إلى واد من أودية عقرون الّذي يصبّ في الوادي الأيسر ، وبه ـ أي وادي خرد ـ موضع معروف به متعبد وخلوة لجدّ آل خرد السّيّد الشّريف علوي خرد بن محمّد حميدان ، المتوفّى سنة (٨٧٠ ه‍) بن عبد الرحمن بن محمد (٧٤٣ ه‍) بن عبد الله باعلوي ، وذرّيّته بتريم ، وأوّل من نزح إلى دوعن من ذرّيّته : السّيّد زين بن أبي بكر بن زين .. إلخ هاجر منها بعد سنة (١١١٧ ه‍) ، ومنهم :

السّيّد علويّ بن سالم بن زين بن أبي بكر ، توفّي سنة (١٢٩٧ ه‍) ، وكان من أهل التّقشّف ، حجّ (٣٠) حجّة ماشيا على قدميه ، ولم ينم اللّيل خمسين سنة ، وأخباره في العبادة مشهورة ، عمّر نحوا من (١٥٠) سنة أو أقل ، وابنه محمّد بن علويّ أيضا من المعمّرين ، جاوز عمره (١٢٥) سنة.

وممّن ولد بها ، وتوفّي ببلاد الماء : السّيّد الشّريف الحبيب عبد الرّحمن بن محمّد بن أحمد بن زين بن أبي بكر ، توفّي سنة (١٣٣٧ ه‍) ، أخذ عنه السّيّدان عبد الله وعلويّ ابنا طاهر الحدّاد ، وهو من الآخذين عن الحسن البحر ، والشّيخ محمّد باسودان ، والسّيّد علويّ بن سالم خرد وغيرهم.

ومنهم : السّيّد العلّامة المعمّر أحمد بن عبد الله خرد ، كان فقيها إماما عالما عاملا مفتيا ، رؤيته تذكر بالرّعيل الأوّل ، توفّي ببضه أواخر سنة (١٤٠٧ ه‍) عن عمر يناهز (١٢٠) عاما.

أدرك الإمام عيدروس بن عمر الحبشيّ وأخذ عنه وعن طبقة عالية من الشّيوخ ، طبع له سنة (١٣٨٦ ه‍) مجموع ضمّ فتاوى بعض معاصريه من علماء حضرموت ، قرّظ عليه السّيّد علويّ المالكيّ وأقرانه من المكيين ، أخذ عنه أعداد غفيرة شفاها ومكاتبة ، رحمه الله.

ومن آل العمودي سكّان بضه :


بلاد الماء (١)

فيها السّادة آل بروم (٢) ، من ذرّيّة السّيّد محمّد بن علويّ ، المشهور بالشّيبة بن عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن علويّ بن الفقيه المقدّم.

ومن آخرهم : السّيّد محمّد بروم ، طويل القامة ، عريض الجسم ، كبير العمامة ، كثيرا ما يستصحبه السّيّد حسين بن حامد المحضار للمداعبة والمباسطة.

ويقال : إنّ له معرفة بالطّلاسم والأوفاق. والله أعلم.

__________________

الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن عثمان بن أحمد الأخير ، وهو ابن عمّ الشّيخ عبد الرّحمن بن عثمان.

يلقّب الشّيخ عبد الله بأبي ست لوجود أصبع زائدة في كلتا يديه ، وكانت وفاته سنة (١٠٧٢ ه‍) ، وتقدّم ذكره قريبا عند المصنّف ، وينظر أخباره في «الشّامل» (١٦٦ ـ ١٦٧).

ومنهم : الشّيخ عبد الله بن حسن باطيران العموديّ ، كان عالما فقيها معمّرا ، توفّي سنة (١٣٣٠ ه‍) تقريبا ، أخذ عنه السّيّد علويّ بن طاهر لعلوّ سنده ؛ فقد أخذ عن مفتي زبيد السّيّد عبد الرّحمن بن سليمان الأهدل.

ومنهم : الشّيخ أحمد بن حسين ، من آل محمّد بن سعيد ، كان من أهل الصلاح والنّور.

(١) بلاد الماء : قال عنها في «الشّامل» (١٧٠) : ويقال لها : (بلاد الخرشع) ، والخرشع ـ بفتح فسكون ففتح ـ هو الحجر الرّخو الّذي يربو عند مخارج العيون من الجبال ، وهذه كلمة حضرميّة ، ولم يذكر صاحب «القاموس» هذا المعنى ، ولكنّه قال : الخرشعة : قنّة صغيرة من الجبل ، جمعه خرشع وخراشع. اه

ويسيل إليها ـ أي إلى بلاد الماء ـ شعب ذا مله ؛ فهو مصدّر بذي ، كوادي (ذي عبه) بكسر العين والباء ، جنوبيّ قارة المحضار ، به غيل.

وقد ساق السّيّد الشّريف حسين بن حامد المحضار جانبا منه إلى جانب القويرة ، فانتفع به أهلها انتفاعا عظيما ، وكانوا قبل ذلك في تعب ، يستقون الماء من داخل الوادي وهو على مسافة.

ثمّ قال : وقد تديّر هذه القرية شيخنا الحبيب عبد الرّحمن بن محمّد خرد ، وقد سبق ذكره في بلد بضه مع عشيرته.

وبها السّادة الأشراف آل بروم ، وحاكمها من آل محمّد بن سعيد آل القحوم ، وبها من السّكّان : آل بن جحلان ، وبلّشرف ، والباحميد ، وبلّزوف ـ بتشديد اللّام وفتح الباء ـ الثلاث أفخاذ من الحالكة. والباقازي ، والباربيع وغيرهم. اه

(٢) ينسب السّادة آل بروم إلى السّيّد حسن الملقّب (بروم) ؛ لسكناه بها مدّة من الزّمان ، وكانت وفاته بتريم سنة (٩٢٧ ه‍) ، وهو ابن محمّد بن علويّ المذكور إلى آخر النّسب.


وبها يسكن أولاد الشّيخ عبود بن محمّد القحوم ، ورئيس عائلتهم بها هو الشّيخ سعيد بن عبود بن محمّد.

وفيها ناس من آل كحلان يقال : إنّ مرجعهم إلى العائلة القعيطيّة.

وبلاد الماء وخديش وقرن ماجد .. باقية تحت أولاد القحوم إلى اليوم ، لا يتعرّض لهم القعيطيّ بسوء.

خديش (١)

في أسفل وادي دوعن ، على مسافة ساعة ونصف من قيدون ، وهي بحذاء العرسمة ، إلى الجهة الغربيّة على يمين الدّاخل إلى بلاد دوعن.

وفيها ناس من آل العموديّ ومن آل بروم ، وواحد من آل خرد ، وقبائل من سيبان الحالكة ، وهم أهل حرث ، وفيها مزارع (٢).

كوكه (٣)

هي بمفترق الواديين الأيمن والأيسر في الجبل الغربيّ ، تبعد عن صيف بنحو نصف ساعة ، يسكنها الحالكة من سيبان ، وناس يقال لهم : البلاغيث ، من شرّ قبائل الحالكة ، ولهم أموال في القرح ، يشتجرون بسببها مع أهل العرسمة ، حتّى قال بعضهم : لقد أبغضنا الغيث .. بسبب البلاغيث.

__________________

(١) خديش : بكسر ففتح فسكون.

(٢) ومن سكّانها : آل باعطيّة ، وآل باحطّاب. ومر في قرن باحكيم أنّ جماعة من آل باعطيّة نزحوا إليه من خديش. وأمّا آل باحطّاب .. فمنهم : الشّيخ الفقيه العالم : سالم بن صالح باحطّاب ، كان عالما فقيها ، سكن الهند ، ثمّ انتقل إلى الحجاز.

(٣) وسرد في «الشّامل» أسماء مناطق ومواضع تقع بين خديش وكوكه ، وهي : جدفرة خديش ، فمزارع بلاد الماء ، فساقية القرحة ، فقارة الصّدف عند منتهى الجبل الفاصل بين الواديين في مستقبل الجهة الشّماليّة ، فالمصانع ، فالعرفة ، فشعب السّيّد ، والأوسط ، وشواطه ، فتأتي كوكه. «الشّامل» (١٧٠ ـ ١٧١).


وبين كوكه وخديش والعرسمة ـ في الجانب الشّرقيّ ـ بلدة يقال لها : الصّدف ، باسم سكّانها الأقدمين منهم ، باقية آثار مبانيها وسواقيها.

وبالجانب الشّماليّ بين العرسمة وفيل قارة يقال لها : دخان ، تدلّ آثارها على قوّة أهلها ومنعتهم ، وكان سكّانها أشرس القبائل فيما يقال ، وحولها محارث كثيرة.

وفي الجانب الشّرقيّ منها قرية صغيرة ، يقال لها : الرّيّضة ، على مسافة ثلث ساعة منها.

قبر تبّع

وعلى يسار الدّاخل إلى الوادي قبر طويل في سفح الجبل الّذي يكون الوادي الأيسر في جنوبه ، يقال : إنّه لأحد التّبابعة (١) ، وهو غير بعيد ؛ لأنّ حضرموت من ممالكهم ، ولا يقال للواحد تبّع إلّا إذا استولى على حضرموت كما هو في «الأصل» بما فيه.

وقد جاء في الجزء الثّامن [ص ١٢٧ ـ ١٣٠] من «الإكليل» للهمدانيّ : أنّ قبر ذي أكم ـ وهو من التّبابعة ـ بحضرموت ، وقد ذكره علقمة في قوله [من السّريع]

وذي نواس قد وهى ملكه

وربّ غمدان وذا أكم

ثمّ ذكر خبرا طويلا عن هشام بن محمّد ، عن أبيه وأبي يحيى السّجستانيّ ، عن يوسف بن سعيد الأيليّ قال : (استثارت حمير مدفنا لملوكها بحضرموت) واستاق خبرا طويلا ، منه : (أنّ أبا مالك عميكرب بن ملكيكرب مدفون بذلك المدفن) ، وفيه من الدّلالة ما يغني ويقني.

__________________

(١) التّبابعة : لقب ملوكي أطلق على ملوك اليمن في الدّور الحميريّ الثّاني (٣٠٠ م) ، وهو كقيصر عند الرّوم ، وكسرى عند الفرس ، والنّجاشيّ عند الأحباش. تلقّبوا بذلك لأنّه يتبع بعضهم بعضا ، كلّما هلك ملك .. قام مقامه آخر تابعا له على مثل سيرته. وملوك هذه الفترة لا يحملون هذا اللّقب ما لم يكن حامله قد ملك حضرموت وسبأ وحمير. وقد ورد هذا اللّقب في القرآن الكريم في أكثر من مناسبة ، قال تعالى : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ)


أمّا جانب وادي الأيمن الشّرقيّ : فأوّله رباط باعشن (١).

وآل باعشن : بيت علم ، ومغرس فضل ، ومنبت صلاح منهم : الشّيخ الكبير أحمد بن عبد القادر باعشن (٢) ، كان من أقران السّيّد عمر بن عبد الرّحمن العطّاس ، أخذ هو وإيّاه عن جملة من المشايخ ، منهم :

الشّيخ عمر بن عيسى باركوة ، السّمرقنديّ ثمّ المغربيّ ، الآتي ذكره في بلد الغرفة ؛ لأنّه مات بها.

وقد أخذ عن الشّيخ أحمد بن عبد القادر هذا جماعة من الأكابر ، منهم :

١ ـ السّيّد عبد الرّحمن بن إبراهيم بن عبد الرّحمن المعلّم باعلويّ ، الشّهير جدّه عبد الله بوطب بن محمد المنفّر ، جاء في ترجمته من «المشرع» (ج ٢ ص ١٢٦) : (رحل إلى الواديين المشهورين : وادي دوعن ووادي عمد ، وأخذ بهما عن علماء أكابر وذوي محابر ومفاخر ، منهم : الشّيخّ العارف أحمد بن عبد القادر الشّهير بباعشن ، وجماعة من العموديّين). توفّي السّيّد عبد الرّحمن بن إبراهيم المذكور سنة (١٠٥٧ ه‍)

٢ ـ وقال في (ج ٢ ص ٢٣٣) في ترجمة السّيّد عليّ بن عمر بن عليّ بن محمّد

__________________

(١) يحسن أن نلخّص هنا بعض ما ورد في «الشّامل» من ذكر بعض المواضع الواقعة بين القرحة والرّباط ممّا لم يذكره المصنّف هنا. فبالقرب من القرحة : قرية الباقحوم ، وآل القحوم أو باقحوم من آل العموديّ ، يسكنون هذه القرية فنسبت إليهم ، وسيأتي ذكرهم في قرن ماجد ؛ لإمارتهم لها.

ثمّ يأتي في الجانب الشّرقيّ قبل الرّباط : حصن الباصمّ ، فيه الباصمّ ـ بفتح الصّاد وتشديد الميم ـ وهم من نوّح.

(٢) الشّيخ أحمد بن عبد القادر باعشن ، ترجم له المحبّي في «خلاصة الأثر» وقال فيه : (الشّيخ أحمد بن عبد القادر بن عمر الدوعنيّ الحضرميّ ، خلاصة الخلّان ، مأمن المخلصين ، وصفوة الصّفوة من الصّوفيّة المحقّقين ، وزبدة الزّبدة من أهل التّمكين ، إمام أهل العرفان في عصره ، وشيخ الأولياء في قطره ، كان له في علم التّحقيق المشرب الصّفيّ ، والمقام الأكمل الوفيّ ، ورزقه الله تعالى حسن العبارة ، فكان يتكلّم بالفتوحات الإلهيّة ، وكانت السّادة آل باعلويّ مع جلالتهم تخضع له ، وتأخذ عنه ، وتتبرّك به ، ولازمه منهم أئمّة عارفون ، وبه تخرّجوا ، وببركة علومه انتفعوا) اه (١ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨).


فقيه بن عبد الرّحمن بن الشّيخ عليّ ، المتوفّى سنة (١٠٣٨ ه‍) : (ورحل إلى وادي دوعن ووادي عمد ، ووجد بهذين الواديين من العلماء والعارفين ما يعجز عنهم وصف الواصفين).

ومن آل باعشن : الشّيخ سعيد بن عبد الله باعشن ، أحد مشايخ السّيّد الجليل عليّ بن حسن العطّاس صاحب المشهد ، وقد أكثر من ذكره في «ديوانه» ومؤلّفاته.

ومن أواخرهم : الشّيخ سعيد بن محمّد باعشن (١) ، وهو من مشايخ سيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، قال في «عقده» [٢ / ٤٧] : (وكذا أجازني الشّيخ المحقّق ، المتفنّن المدقّق ، الشّيخ سعيد بن محمّد باعشن في جميع مصنّفاته ومرويّاته).

وقال الشّيخ عليّ باصبرين في مقدّمة كتابه «إثمد العينين» : (كان يختلج في صدري جمع ما تيسّر من الخلاف بين الرّمليّ وابن حجر ، حتّى توجّهت من الحجاز إلى الدّيار المصريّة في سنة (١٢٦٠ ه‍) .. فوجدت مع بعض الإخوان مؤلّف شيخنا العلّامة المحقّق ، الورع الزّاهد ، الشّيخ سعيد بن محمّد باعشن ، المسمّى «بشرى الكريم» ، فطالعته إلّا كرّاسين ، وجرّدت ما فيه من الخلاف) اه باختصار.

ومنهم الشّيخ عبد الله بن عمر بن عبد القادر باطويل ، نجع من الرّباط إلى جدّة ، وتحمّل بعائلته منها إليها ، وله الآن أعمال بجدّة ، تزيّنها الشّهامة ، وتحوطها المروءة ، وتخالطها الدّماثة ، ويكلّلها التّواضع ، نزلت عليه في حجّي سنة (١٣٥٤ ه‍) .. فأحمدت أثره ، واستسنيت خبره ، ولم تقع عيني ولا أذني منه إلّا على أحسن ممّا يرجى ، وأفضل ممّا يرام ، بارك الله له في نفسه وآله وماله ، وعمره وإيّانا. آمين.

__________________

(١) الشّيخ سعيد بن محمّد بن عليّ باعشن (٠٠٠ ـ ١٢٧٠ ه‍) ، فقيه دوعن وعالمها في وقته ، ولد بالرّباط ، وتوفّي بها ، رحل إلى مصر لطلب العلم ، وتفقّه بشيخ الإسلام عبد الله الشّرقاويّ (ت ١٢٢٧ ه‍) ، وأخذ عن الشّيخ الباجوريّ وغيرهما ، والآخذون عنه كثيرون.

له تصانيف قيمة طبع منها مؤخرا : «مواهب الديان شرح فتح الرحمن» ، وسيصدر قريبا ـ إن شاء الله تعالى ـ كتابه : «بشرى الكريم شرح مسائل التعليم» وهما من إصدارات دار المنهاج بجدة.


وفي ذكر خيوان من «صفة جزيرة العرب» للهمدانيّ أنّه : (كان يسكنها بنو نعيم ، وآل باعشن ، وآل أبي حجر من أشراف حاشد) (١). فلعلّ آل باعشن كانوا منهم فنجعوا إلى دوعن.

وبالرّباط : آل الصّافي الجفريّ ، وهم من أقرب النّاس لوحيد حضرموت ومجدّد مجدها وشرفها في القرن الثّالث عشر سيّدي الحبيب حسن بن صالح البحر ، يرجعون هم وإيّاه إلى السّيّد شيخان بن علويّ بن عبد الله التّريسيّ.

وقد نقل منهم جماعة إلى عدن ، وهم السّيّد طه وأخواه : محسن وحامد ، ولهم ذرّيّة هناك.

وكان السّيّد عبد الله بن حامد عين عدن الباصرة في سنة (١٣٢٩ ه‍) علما ، وجودا ، وشهامة ، وجمال شارة ، وطيب رائحة ، ونفاسة ملبس.

ومنهم : السّيّد محمّد بن محسن ، له ثروة طائلة.

ومنهم : عمر بن طه ، كريم شمائل ، إلّا أنّه أصيب في الأخير بعدّة نوائب ، فجبر الله كسره ، وعوض عليه ما فاته.

وبالرّباط أيضا جماعة من ذرّيّة السّيّد عمر بن عبد الرّحمن الجفريّ التّريسيّ ، مولى العرشة ، المتوفّى بتريس سنة (١٠٣٧ ه‍).

وناس من آل البيتيّ ؛ منهم السّيّد عبد الرحمن صاحب القبّة وناس من آل بابقي وناس من آل باسندوة ؛ منهم الشّيخ عبد الرّحيم ، ومنهم الشّيخ عبد القادر بن عبد الله باسندوة ، من أهل العلم والعبادة ، أحد تلاميذ الشّيخ عبد الله بن أحمد بن فارس باقيس ، له أعقاب بها وبالحديدة وعدن.

وبها جماعة من آل العطّاس (٢) ، منهم : نزيل الحديدة الآن السّيّد أبو بكر بن

__________________

(١) صفة جزيرة العرب (١١٥) ، وخيوان هذه هي الحدّ الفاصل بين حاشد وبكيل ، ولا تزال عامرة.

(٢) منهم : السّيّد الحبيب عليّ بن حسين بن أبي بكر بن أحمد بن عليّ بن حسين بن عمر العطّاس ، من الآخذين عن الحبيب صالح بن عبد الله ، وكان من الذّاكرين الله كثيرا.


حسن بن محمّد ـ صاحب الغيل ـ ابن محمّد بن جعفر ـ صاحب صبيخ ـ ، تاجر صدق ، وغزير إحسان ، وحليف وفاء ، وأبيض قلب ، ونقيّ جيب ، يكرم الضّيف ، ويحمل الكلّ ، ويكسب المعدوم ، ويعين على نوائب الحقّ ، وله جملة أولاد ، منهم : حسين أقام يطلب العلم عندنا مدّة ليست بالقصيرة ، له طبع كريم ، وخلق دمث ، وتواضع كثير ، و: حسن ، له أدب وظرف ، ونيقة (١) وشهامة.

وبالرّباط أيضا جماعة من آل الحامد ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم ، منهم : السّيّد محمّد بن أحمد الحامد ، له ولد نبيه ، يقال له : سالم ، طيّب الأخلاق ، أظنّه بمكّة المشرّفة الآن.

ومن أهل الرّباط : آل بلّاذن ، نجعوا إليها من مرخة ؛ منهم اليوم : محمّد بن عوض بلّاذن ، له أعمال كبيرة بالحجاز ، وتجارة واسعة ، ومساع مشكورة ، ومحاسن مشهورة ؛ فكم كشف عن منكوبي حضرموت من غمم ، وطوّق أعناق الكرام بالنّعم ، وما أحسن قول الإمام الغالب كرّم الله وجهه : يا كميل ؛ مر أهلك بالمكارم ، ويغدوا في حاجة من هو نائم ؛ فو الّذي وسع سمعه الأصوات .. ما من أحد يودع قلبا سرورا .. إلّا خلق الله من ذلك السّرور لطفا ، حتّى إذا نزلت به نازلة ، أو نابته نائبة .. كان ذلك السّرور أسرع إليها من الماء في انحداره حتّى يطردها كما تطرد الغريبة من الإبل عن الحوض. أو ما يقرب منه.

وإنّ هذا المحسن النّبيل ليجري بالخطا الواسعة في هذا السّبيل أدامه الله عليه ؛ ليبقى من ظلّ الإحسان في حرز حريز ، ومن ذرى المجد في مقام عزيز. وله أخ اسمه عبد الله (٢) ، يساعده على إغاثة الملهوف ، واصطناع المعروف ، وكسب المعدوم ، وإعانة المنكوب ، فشكر الله سعيهما ، وأدام رعيهما. آمين (٣).

__________________

(١) النّيقة : المعرفة ، والمبالغة في تجويد الأمور.

(٢) توفي بالمدينة المنورة سنة (١٤٢٢ ه‍).

(٣) وآل بن لادن هؤلاء رحلوا إلى الحجاز ، وصار لهم صيت ذائع ، والشيخ المكرم محمد بن عوض بن لادن توفي رحمه الله في حادث طائرة عام (١٣٨٦ ه‍) ، ولحذقه في فن البناء والعمارة فإن الحكومة السعودية أو عزت إليه القيام بمهام جليلة ، وأعظم منقبة وأجل عمل قام به هو خدمة الحرمين


عوره (١)

هي مصنعة (٢) دوعن وقلعتها الحربيّة ، ومسكن أمرائها. وقد مرّ في ميفعة أنّ الشّيخ الصّالح المغربيّ اجتاز بها ، وألبس صاحبها الخرقة.

وجاء في «صفة جزيرة العرب» [١٧٠ ـ ١٧١] لابن الحائك الهمدانيّ ، الّذي كتبه أوائل القرن الرّابع للهجرة : (أنّ موضع الإمام الّذي يأمر الإباضيّة وينهى كان في مدينة دوعن).

وبما أنّ عوره حصن دوعن .. فالظّاهر أنّها كانت هي موضع إقامته ، ويتأكّد بما سيأتي في القرين.

ولمّا زرت دوعن في سنة (١٣٤٠ ه‍) .. ألحّ عليّ أميرها المقدّم عمر بن أحمد باصرّة في المجيء إليها ، فاعتذرت ، ولمّا زرتها زيارتي الأخيرة سنة (١٣٦٠ ه‍). كلّف عليّ الفاضل الأخ علويّ بن محمّد المحضار إجابة دعوة أبنائه ، ففعلت ، ولكنّني ندمت ندامة شديدة ؛ إذ لقيت فيها ما لا أقدر على وصفه من المتاعب في طريقها ، إن ركبت .. خفت السّقوط ، وإن ترجّلت .. لقيت الجهد!

وكان بها مسكن المقدّم عمر بن أحمد باصرّة ، وهو رجل شهم ، وهّاب نهّاب ،

__________________

(١) قال في «الشّامل» : (ثمّ تأتي عوره ـ بعد الرّشيد ـ وبأعلاها على صخور أعلى القارة مصنعة عوره) اه

ومن مشاهير سكّان عوره : آل باشنفر ، سيأتي ذكرهم ، أمّا المصنعة ففيها آل المقدّم باصرة ، ومن هذا يعلم أنّ المصنعة غير البلدة ؛ لأنّ المصنعة إنّما شيّدت حديثا ، بخلاف ما يوهمه كلام المصنّف من أنّ عوره هي ذات المصنعة ، فليعلم.

(٢) المصنعة : مفرد ، جمعه مصانع ، قال في «القاموس» : المصانع : المباني من القصور والحصون.

اه وفي اليمن كثرة كاثرة من المصانع منتشرة في حضرموت وفي شمال اليمن أكثر ، وهي قلاع ومراكز حربيّة هامّة ومحصّنة جيّدا ، عدّد منها المقحفي في معجمه أكثر من (٣٠) مصنعة ، ومصنعة عوره واحدة منها.


يجور على الرّعايا ، ويبسط جوده لأهل العلم والفضل ، فيتغلّب إطراؤهم لدى السّلطان غالب بن عوض القعيطيّ فلا يؤثّر عليه ما يصل إليه معه من تظلّم الرّعيّة منه (١) ، فتأطّد مركزه ، ورسخ قدمه ، وتمّ له ما يريد بمساعدة السّيّد حسين بن حامد المحضار ، وقد جرى في أيّامه من الظّلم والجور ولا سيّما على أهل الوادي الأيسر ما لا تبرك عليه الإبل ، حتّى لقد دخل أحد الجنود في أيّامه إلى منزل أحد الأهالي وما فيه غير امرأته ، فجاء أحد أقاربها ـ واسمه صالح بابقي ـ فقال لها : من عندك؟ فقالت : لا أحد ؛ خوفا من شرّه ، وكان مختبئا ، ثمّ إنّه ظهر وأطلق الرّصاص على بابقي ، وأرداه ، ولم تحبق في ذلك شاة.

وأخبرني غير واحد ممّن يوثق بهم : أنّ أحد آل بارضوان ـ واسمه سالم ـ كان بالقويرة ، وكان منحرفا عن شيخنا الشّهير أحمد بن حسن العطّاس ؛ لأنّه كان من أهل حريضة ، فزال عنها إلى القويرة ، وكان يتحرّج أن يذهب إلى عند باصرّة ، وفي إحدى قدمات العلّامة السّيّد أحمد بن حسن إلى القويرة .. دعاهم باصرّة كعادته للضّيافة ، فذهبوا ، وعزم الفاضل الجليل السّيّد مصطفى بن أحمد المحضار على بارضوان أن يجيء معهم ، فامتنع أوّلا ، حتّى ألحّ عليه ، فصحبهم ، ولمّا انتهوا إلى باصرّة .. قال له الحبيب مصطفى : حرّك بارضوان ، ـ وكان جريئا حاضر الجواب ، ذرب اللّسان ـ فقال باصرّة : إنّ برّضوان لم يأتني للتّعزية في عمر عبود باصرّة ، ولكنّه جاء اليوم لمّا سمع بالهريس.

فقال له : أمّا هريسك الّتي جاء لها هؤلاء .. فحرام عليّ كلحم أمّي.

ولمّا قرّبوا الغداء .. وثب إلى مكان مرتفع عن النّاس يوضع فيه فضول الفراش

__________________

(١) قال صاحب «الشّامل» : مصنعة عوره ؛ وهي ملك آل باصرّة ، وكانت قبل بيد المشايخ آل باجعيفر ، ثمّ صارت للقثم ، ثمّ بعد استيلاء القعيطيّ على الوادي بلغنا أنّه وهبها لولد باصرة ، قدّمه إليه وقال : إنّا سمّيناه عوض بن عمر باسمك يا سلطان ، ومرادنا له هديّة منك ، فقيل : إنّه أهدى له هذه المصنعة. شاع هذا الحديث وسمعناه في حينه ، والله أعلم بالواقع.

وقد بنى فيها المقدّم عمر وزاد وقوّى ، وصارت دار الملك ، فالنّاس يختلفون إليها ما بين شاك ومشكوّ منه ، ومسترفد ، وقد اشتهرت بعد الخمول ، وسبحان من يصرف اللّيل والنّهار. اه


والوسائد ـ ويسمونه الطّاق ـ فقال له السّيّد مصطفى : ترتفع على النّاس! أما تخاف من المقدّم؟

قال له : أيّ مقدّم؟ إنّ المقدّم هو الّذي عمد بتربة تريم (١) ، أمّا هذا .. فما هو إلّا مقدّم الظّلم ، قدّمته أنت وأحمد بن حسن لأجل قروشه وهريسه. أو ما هذا معناه ، أو قريب منه.

وعوره في الأصل ملك آل باجعيفر .. فكان في جملة ما صادره باصرّة من أموالهم ، ولمّا مات المقدّم عمر بن أحمد باصرّة في سنة (١٣٥٠ ه‍) .. خاف أولاده أن تكثر عليهم الدّعاوي إن اندفعوا عن العمالة وذهبت الهيبة ، فبذلوا ـ على ما يقول مبغضوهم ـ الألوف المؤلّفة ؛ حتى أبقاهم السّلطان عمر بن عوض عليها ، وكان فيما بذلوه عشرون ألف ربّيّة للسّلطان عمر نفسه ، وخمسة آلاف ربّيّة للأمير سالم بن أحمد القعيطيّ ، وأبقاهم السّلطان صالح بن غالب عليها مديدة.

وكان وزيره السّيّد حامد بن أبي بكر المحضار يحمل عليهم ضغنا شديدا ، ولو طالت مدّته .. لجرّعهم الأجاج ، وأسعطهم الخردل ؛ إذ كان كأبيه وجدّه لا يرجعون في أحكامهم إلى قانون قطّ ، وإنّما يعملون بما تملي عليهم أغراضهم وأهواؤهم ، إلّا أنّ السّيّد حسينا كان يعتصم بالحياء والذّمم ، وله من المروءة والشّهامة الحظّ الوافر ، فهنّ المانعاته عن كثير من الأمور ، ومن حسن حظّ آل باصرّة أن لم تكن وزارة حامد إلّا أقصر من ظمء الحمار.

ولمّا مات في سنة (١٣٥٠ ه‍) .. أبقى القعيطيّ العمالة في أولاده ، فكثرت منهم الشّكاوى ، فعزلهم السّلطان صالح بن غالب ، ثمّ ردّ العمالة إلى عبود بن عوض بن عمر بن أحمد باصرّة وعمّيه أحمد ومحمّد ، فيقال : إنّهم ارعووا عمّا كانوا عليه واستقام حالهم ، ولم يجد السّلطان من يسدّ مسدّهم سواهم ، وقد بنوا في عوره قصورا فخمة أجروا إليها الماء من عين أنبطوها بأعلى الجبل (٢) ، فأرغد عيشهم ،

__________________

(١) عمد ـ بالتخفيف محركة ـ : حلّ وأقام (عامية) معروفة بلهجة أهل الكسر ودوعن وعمد.

(٢) أنبطوها : استخرجوها.


ونعم بالهم ؛ إذ كانوا في حلقة الميم من نقل الماء إلى تلك القارة الّتي قلت في وصفها من «رحلة دوعن» [من الطّويل] :

وسرت لداعي (عورة) في وعورة

وعدت كأنّي جئت من ساحة الوغا

وفي عوره جماعة من آل باشنفر (١) ، لهم تجارة بدوعن وعدن ، ومصر ، وأصلهم ـ فيما يقال ـ من الشّنافر ، نجعوا إلى دوعن بإثر حروب تواقعوا فيها مع بعض أصحابهم ، واسمهم ناطق بذلك ، وإنّما دخل عليه التّصحيف الّذي يدخل بالأغلب بين الحضارمة على الأسماء والألقاب ، ويأتي في قرى تاربه اشتقاق الشّنفريّ (٢).

القرين (٣)

بلد دون الخريبة وبضه ، ولكنّها أكبر من غيرها ، وكان بها مثرى الإباضيّة ـ كما يعلم من كلام الإمام أحمد بن محمّد المحضار وغيره ـ وهي الآن مقرّ السّادة الأبرار آل البار ، ومنهم : الفاضل العلّامة الجليل المقدار ، عمر بن عبد الرّحمن بن محمّد بن حسين بن عليّ البارّ بن علويّ شرويّ بن أحمد باحداق بن محمّد بن عبد الله بن علويّ بن أحمد ابن الفقيه المقدّم.

__________________

(١) آل باشنفر : أسرة معروفة ، لها مكانة مرموقة في عدن وجدّة ، وأفرادها يتعاطون التّجارة ، ومن أشهر رجالاتها : عبد القادر باشنفر من تجّار عدن.

(٢) وفي جنوبيّ عورة يقع قبر مولى الدّلق ، وهو الشّيخ باعمر ، أحد كبار أصحاب الفقيه المقدّم محمّد بن عليّ باعلويّ ، وهو من مشاهير رجال التّصوّف المبكّر في حضرموت ، ويقال : إنّه حسنيّ النّسب. والله أعلم.

(٣) القرين ـ تصغير قرن ـ : تقع في الجانب الشّرقيّ بعد عوره على يمين الخارج من وادي دوعن المتّجه شمالا ، وبأعلاها شعب غوالة ، به عين ماء أو غيل يسقي بعض أو كلّ السّكّان ، وقد أقيم خزّان ماء أعلى الشّعب قريبا من دار السّيّد الحبيب عبد الله بن حامد البار ، وركّبت الأنابيب لجلب الماء إليه من تلك العين ، وكان ذلك بمساعي الحبيب المذكور ، كما أخبرني ابنه السّيّد عيدروس رحمهما الله.

وبها من السّكّان من السّادة الأشراف : آل البار ، وآل بافقيه ، وآل بن شيخان ، وآل الحبشي.

ومن غيرهم : آل باقتادة ، وكانوا من ولاتها قديما ، وآل باحمدون ، وآل باخريبة ، وآل باعامر ، وآل باكحيل ، وآل باشنيني ، وآل باهميم ، وآل باحجري ، وآل بامقابل ، وآل بامنيف ، وغيرهم.


أخذ عن والده وعن الحبيب عبد الله بن علويّ الحدّاد ، وعن الشّيخ العارف محمّد بن أحمد بامشموس ، توفّي سنة (١١٥٧ ه‍) عن ثمانية عشر ابنا وستّ بنات ، انقرض منهم ستّة من غير عقب ، وأعقب خمسة عقبا قليلا قد انقرض ، ومن أولاده : طه وشيخ وعبد الرّحمن ، عقبهم بالقرين (١).

ومنهم : العلّامة عمر بن عبد الرّحمن الثّاني (٢) ، المتوفّى بجلاجل (٣) مرسى بالحجاز ، على مقربة من جدّة ، وكانت وفاته في سنة (١٢١٢ ه‍) إلّا أنّه جاء في موضع من «عقد» سيّدي الأبرّ أنّ وفاته كانت في سنة (١٢١١ ه‍) ، وكان معه يوم توفّي تلميذاه الجليلان : السّيّد عبد الله بن عليّ بن شهاب الدّين الدّين المتوفّى سنة (١٢٦٥ ه‍) والشّيخ عبد الله بن أحمد باسودان.

__________________

(١) ههنا أمور :

أولا : حصل سقط في نسب الحبيب عمر البار ؛ فإنّ جدّه عليا البار هو ابن عليّ بن علويّ .. فاسم عليّ مكرّر مرّتين.

الثّاني : أنّ لقب البار إنما أطلق على السّيّد عليّ الثّاني .. بن علي بن علويّ ، وليس على حسين بن عليّ كما في «الفرائد الجوهريّة» للسيد عمر الكاف.

الثّالث : والد الحبيب عمر البار قدم إلى القرين من الشّحر ، وتوفّي بها سنة (١١١٦ ه‍).

الرّابع : أبناء الحبيب عمر البار هم حسب ترتيب ذكرهم في «شمس الظّهيرة» : صادق ، وطاهر ، وعبد الله ، وطالب ، وحامد ، وطه ، وشيخ .. هؤلاء لهم عقب قليل ، وقد قرضوا جميعا ، كما قال النسابون.

وعبد الرّحمن ، وعليّ ، وعلويّ ، وحسين ، وأبو بكر .. هؤلاء لهم عقب.

وأمّا الّذين لم يعقبوا بتاتا .. فهم ستّة لم تذكر أسماؤهم في «الشّمس».

(٢) أفرده بالتّصنيف وترجم له ولشيوخه بتوسّع تلميذه البار الشّيخ عبد الله بن أحمد باسودان في كتابه العظيم «فيض الأسرار» الّذي حشاه بالفوائد الجليلة ، والمعلومات التّاريخيّة الفريدة ، وله أيضا ترجمة في «تاريخ الشّعراء» وغيره ، ولم يذكر له المؤرّخون عقبا.

(٣) جلاجل : بلدة على ساحل البحر الأحمر ، تعدّ ميناء ومرسى وادي دوقة الواقع على طريق الحاجّ اليمنيّ ، بين القنفذة واللّيث. وبين وادي دوقة ويلملم مسيرة ثلاثة أيّام ، وهو لغامد. كذا في «معجم البلدان» لياقوت ، و «تاريخ الشّعراء» للسّقّاف ، والّذي في عدّة مواضع من «الصّفة» للهمدانيّ : أنّ جلاجل واد ضيّق في ناحية نجران ، وهو لقبيلة وادعة.


ومن آل البارّ : السّيّد الشّريف العلّامة أحمد بن عبد الله بن عيدروس (١) ، عالم عامل ، لطيف عفيف ، توفّي بالقرين سنة (١٣١١ ه‍).

ومنهم : أحمد بن عبد الله بن محمّد (٢) ، شريف ناسك. ذكرهما في «شمس الظّهيرة» ؛ لأنّهما كانا موجودين في سنة (١٣٠٧ ه‍).

ومنهم : العلّامة السّيّد حسين بن محمّد البارّ (٣) ، المتوفّى بالقرين في سنة (١٣٣١ ه‍).

أخبرني الشّيخ عمر بن أحمد باسودان ـ السّابق ذكره في الخريبة ، وكان ضابطا متيقّظا ـ قال : عملوا ختما وطعاما بإثر وفاة الحبيب حسين بن محمّد البارّ ، وبينا المجلس غاصّ بأعيان العلويّين بدوعن لذلك العهد ـ كالسّيّد مصطفى بن أحمد المحضار وأصحابه ، ومحمّد وعبد الله وحامد آل علويّ البارّ ـ والمقدّم عمر بن أحمد

__________________

(١) ترجم له ابن أخيه الحبيب حسين بن محمّد ـ الآتي ذكره بعده ـ في «نبذة» ، منها : أن الحبيب أحمد رحل إلى زبيد ونواحيها ، وحجّ ولقي بالحرمين عددا من علماء مصر والشّام ، وأخذ عنهم ، وكان يعدّ مسند دوعن في وقته ، ومن شيوخه : الشيخ عبد الله باسودان وابنه محمّد ، والسّيّد محمّد بن عبد الرّحمن الأهدل ، والسّيّد طاهر الأنباريّ ، وإبراهيم المزجاجيّ ، وبمكّة : عثمان الدّمياطيّ ، وأحمد الدّمياطيّ ، وعليّ السّروريّ ، وعبد الله سراج ، والوجيه الكزبري محدّث الشّام ، وأخذ عن الشّهيد محمّد العمرانيّ تلميذ الشّوكانيّ ، وعن الإمام أحمد بن عمر بن سميط ، والحبيب حسن بن صالح ومن في طبقتهم. ينظر : «الشّامل» (١٤٧ ـ ١٤٨) ، و «الخلاصة الشّافية» ، و «مجموع وصايا آل البار».

(٢) هو السّيّد أحمد بن عبد الله بن محمّد الأكبر ابن علويّ ابن الحبيب عمر البار الكبير ، الملقّب بالسّاكت ، كان من أهل الفضل ، لقي الحبيب صالح بن عبد الله العطّاس ، وأخذ عنه. «الشّامل» ، و «تاج الأعراس» ، ولم تؤرّخ وفاته.

(٣) الحبيب حسين بن محمّد البار ، مولده بالقرين ، وبها وفاته ، ونشأ في كنف والده وعمّه أحمد بن عبد الله ، وعلى الأخير كان تخرّجه وفتحه ، وأخذ عن الشّيخ سعيد باعشن ، والشّيخ عبد الله باسودان ، وطبقتهم. ورحل إلى تهامة ، وكانت له ولأخيه عبد الله تجارة في الحديدة ، ثمّ تلاشت وتحوّلوا إلى عدن ، وبعد وفاة عمّه أحمد كانت الصّدارة له في المجالس والمدارس العلميّة في القرين ، ورحل إليه الكثير وأخذ عنه الجمّ الغفير ، وممن أدركه : حفيده الحبيب عبد الله بن حامد.

ترجمته في «منحة الإله» ، و «الشّامل» و «تاج الأعراس» ، وغيرها.


باصرّة يكثر من شرب الدّخان ، وأنا حاضر .. إذ قيل : أقبل السّيّد عمر بن أحمد بن عبد الله البار العالم التّقيّ ، فتشمّر المقدّم واهتمّ ، وجمع خاطره ، وأبعد مداعته (١) ، ومسح يده وفمه بثوبه ، وتأدّب بين يديه ، لكنّه كان لا يدخل داره ، ولا يقبل هديّته الّتي طالما حاوله على قبولها ، فصحّ قول الجرجانيّ [في «طبقات الشافعية» ٢ / ١٦٠ من الطويل] :

أرى النّاس من داناهم هان عندهم

ومن أكرمته عزّة النّفس أكرما

توفّي السّيّد عمر المذكور بالقرين في رجب سنة (١٣٣٩ ه‍).

أمّا رداء الحبيب حسين بن محمّد البارّ .. فوقع على ولده محمّد بن حسين ، فقام في مقامه أحسن القيام ، حتّى توفي ، وخلفه ولده حامد ، ذكيّ نبيه مشكور الخلائق.

ومنهم : أخونا العلّامة الجليل ، بقيّة أراكين الشّرف ، السّيّد عيدروس بن سالم بن عيدروس بن سالم بن عيدروس البارّ (٢) ، لقد كان عدّ جود خسيف ، وطود علم منيف.

فما دبّ إلّا في أنامله النّدى

ولم يرب إلّا في مجالسه العلم (٣)

إلى خلق كأنّه الرّوض طلّه الغمام ، أو الزّهر بارح الكمام (٤).

لن تلق مثل مساعيه الّتي اتّصلت

بالصّالحين وكانت عن أب فأب (٥)

__________________

(١) مداعته : المداعة (عامية) وهي آلة التنباك المعروفة والمسماة بالجوزة.

(٢) مولده بمكّة سنة (١٢٩٨ ه‍) ، أو (١٢٩٩ ه‍) ، وطلب العلم صغيرا ، وجدّ واجتهد وحصّل ، وأدرك الأكابر وأخذ عنهم ، وكانت له الصّدارة بين علماء مكّة آنذاك ، وأجلّ شيوخه : الحبيب حسين الحبشيّ ، والشّيخ بابصيل ، وباجنيد ، وصالح بافضل ، وعبد الرّحمن وأسعد آل الدّهّان. ومن أراد التّوسّع في ترجمته .. فلينظر «تاج الأعراس» ، و «الدّليل المشير» ، و «سير وتراجم».

(٣) البيت من الطّويل.

(٤) بارح : فارق. الكمام : الغطاء أو البرعم الّذي يكون فيه الزّهر. والمعنى : كأنّه الوردة المتفتّحة الّتي فارقت برعمها وصارت زهرة.

(٥) البيت من البسيط ، وهو للبحتريّ في «ديوانه» (٢ / ٢٢) ، وفيه بعض التّغيير في بعض الكلمات.


له ورع حاجز (١) وزهد ناجز (٢) ، وخوف من الله يحفيه (٣) ، وجهد في العبادة يخفيه ، إلى نفس سليمة ، وسير قويمة ، وتواضع يدلّ لارتفاع القيمة ، مع جاه عظيم ، يبذله لكلّ كريم ، فكم قضيت به مغارم ، وبنيت منه مكارم.

وإذا امرؤ أسدى إليك صنيعة

من جاهه فكأنّها من ماله (٤)

توفّي بمكّة المشرّفة في المحرّم من سنة (١٣٦٧ ه‍) ، فاشتدّ الرّنين ، وانجدع العرنين (٥) ، وعظم المصاب ، وأظلمت الحصاب (٦).

وله أخوان على قدم الصّلاح والعبادة والتّواضع ، وهما : أبو بكر وعبد القادر ، لم تزل مجالسه معمورة بهم وبأولاده ؛ وهم : حسن وعليّ وفضل وسالم وعمر ومحمّد ، وأولاد عمّهم : حسين وهاشم ابني عبد القادر ، ومحمّد بن أبي بكر ، نسأل الله تحقيق الآمال ، وإصلاح الأعمال ، وأن لا يشغلنا ولا أحدا منهم بحبّ المال.

ومنهم السّيّد أحمد بن عبد الله بن عمر بن أحمد البارّ ، وولداه : عمر وعبد الله ، يسكنون الآن برابغ.

وفي القرين جماعات من آل بامشموس ؛ ومنهم : الشيخ محمّد بن أحمد بامشموس ، كان من رجال العلم والفضل ، والتّقوى والعبادة والنّور ، وكان الشّيخ محمّد بن ياسين باقيس يقول : إنّ الشّيخ محمّد بامشموس نظيف الظّاهر والباطن ، كأنّه ملك دخانيّ.

__________________

(١) الورع : ترك الشّبهات. حاجز : يحجزه عن الوقوع في المحرمات.

(٢) الزهد : ترك الشّيء المقدور عليه لله. ناجز : تامّ حاضر.

(٣) يحفيه : يمنعه ، ولهذا الكلام في علم البلاغة نكتة لطيفة ؛ إذ عندما يحذف القائل المفعول به .. فإنّما يريد العموم ، والمراد هنا : أنّه يمنعه من كلّ ما شأنه أن يمتنع منه. والله أعلم.

(٤) البيت من الكامل ، وهو لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ٢٩).

(٥) انجدع : قطع. العرنين : الأنف ، وهو كناية عن الذّلّ.

(٦) الحصاب : موضع رمي الجمار ، وإظلام الحصاب كناية على أنّ المصائب تأتي خبط عشواء ؛ كما ترمى جمار العقبة إذا كانت مظلمة.


وجماعات من آل باعامر ، وآل باجنيد ، وآل العيد ، وآل بامقابل ، وآل باحمدون ، وآل بامنيف ، ولعلّ هؤلاء من نهد.

رحاب (١)

أخبرني الأخ الأديب علويّ بن عبد الله الحبشيّ ـ وهو من سكّانها ـ : أنّ ولاية رحاب كانت لآل عبد الله ، ومنهم الأمير الّذي يخاطبه القطب الحدّاد بقوله [في «ديوانه» ٣٨٣] :

يا جميل انّ ستر الله على الخلق باقي

ولمّا ظهر بدر بن عبد الله بوطويرق .. صالحه آل عبد الله (٢) على استقلال داخليّ لهم في بلادهم ، مع اعترافهم بسلطنته ورئاسته عليهم ، وقد شخص جميل هذا إلى اليمن ، ومثل بين يدي إمام ذلك العصر ، فأقطعه رحاب وجبالها وأصقاعها ، وجعل لهم رسوما على مصانع بضه وعوره ، وبيدهم وثيقتان من الأئمّة : إحداهما من المهديّ ، والأخرى ممّن بعده.

قال السّيّد علويّ : (وقد أمروني بنقلهما لمّا ظهرت عليهما آثار الاندثار ، فنقلتهما بالحرف) ، قال : (وكان يركب منهم أربعون فارسا ، ولمّا استولى القعيطيّ على الوادي الأيمن في سنة «١٣١٧ ه‍» .. ياسرهم وأعفاهم من الرّسوم ، وأبقى لهم بعض الحقّ في إقطاع السّفوح لمن أرادوا ، ومنهم : أبو عامر (٣) المشهور) ، هذا

__________________

(١) رحاب : من قرى الجانب الشّرقيّ للوادي الأيمن ، فيها السّادة آل الحبشيّ ، وآل الجفريّ ، وفيها : آل باعبد الله ، وآل باشمّاخ ، وآل باجنيد ، وآل بامشموس ، وآل باداوود ومنهم جماعة في حوفة ، وآل بابراهم. وفي رحاب : ضريح الشّيخ ناجه ، ويقال له : ناجه بن أمتع ، ولعلّه جدّ الشّيخ يوسف بن أحمد المارّ ذكره في الحسوسة ، والله أعلم بحقيقة الحال.

(٢) آل عبد الله هؤلاء هم آل باعبد الله ، وسيأتي قول المصنّف أنّهم من بني هلال على الأغلب. وليسوا آل عبد الله الكثيريّين ، فليعلم.

(٣) أبو عامر : شاعر شعبيّ له حكم وأمثال ، لا زال النّاس يردّدونها ويستشهدون بها. ويقال إنه


ما يقوله السّيّد علويّ ، والعهدة عليه ، وقد بسطناه مع جملة من أشعار أبي عامر في «الأصل».

ويزعم آل عبد الله أنّهم من بني هلال ؛ فمرجعهم وآل خليفة وآل مرخة ـ السّابق ذكرهم قبيل جردان ـ إلى قبيلة واحدة ، وقد أنكر بعضهم ما اشتهر على الألسنة من هجرة بني هلال (١) من حضرموت إلى المغرب ، وليس في محلّه ، ولا سبب له إلّا عدم الاطّلاع ، وإلّا .. فقد كانت خيامهم ضاربة من الكسر إلى العبر إلى الدّهناء إلى نجد ، ويتأكّد ذلك بما بين أشعارهم وأشعار الحضرميّين من التّشابه ، وكثيرا ما يوجد في شعر العامّة بحضرموت أنّهم غزوا برقة وقابس ، والشّعر ديوان العرب ، وكذلك يوجد تشابه في أسماء الأشخاص ، ولا سيّما النّساء والبلدان والبقاع.

ومن أبطال بني هلال المعروفين : حسّان بن سرحان.

وسلامة بن رزق ، وهو أبو زيد الهلاليّ بطل القصّة الّتي يزعم بعضهم أنّها خرافة ، وأنّه إنما كان السّبب في تأليفها ريبة حصلت في بيت الخليفة العبيديّ بمصر ، فأرادوا أن يشغلوا عنها النّاس ، والحقّ أنّ لها أصلا صحيحا حقّقه العلّامة ابن خلدون.

وقال لي بعضهم : (إنّه اطّلع على رحلة كتبها مركبول الإيطاليّ (٢) ، ذكر فيها أنّه رأى سفن البرتغال راسية في الخليج الفارسيّ تنتظر سكون هيجان البحر ، فخالط أهلها ـ وهم لفيف من عرب شبه الجزيرة ـ فتفرّس أنّ التّشابه بين أشعار عرب الجزيرة

__________________

شخصيتان : الأول وهو القديم من قرية المخينيق ، والأخير لعله الذي عناه المصنف وهو في القرن الحادي عشر ، وهو الذي مدح الإمام الحداد. وللسيد جعفر السقاف «نبذة» في أخباره.

(١) قبيلة بني هلال : هناك خلاف طويل حول قبيلة بني هلال ، وهل هي من حضرموت أو ليست منها ، والمؤلف يرى الأول وللأخ عمر أبي بكر باذيب مقال بعنوان : «اختلاف الرّواة حول مواطن قبيلة بني هلال لا ينفي هجرتهم من جزيرة العرب» جنح فيه إلى السبر التاريخي ومناقشة أقوال السابقين ، وله مقال آخر بعنوان : «حل الإشكال في أصول وموطن بني هلال» نشر في جريدة المدينة عدد يوم الأربعاء (٤) ذو الحجة (١٤١٥ ه‍).

(٢) هو ماركو پولّلو ، الرحالة الإيطالي الشهير ، ولد بالبندقية بإيطاليا سنة (١٢٥٦ م) ، ومات سنة (١٣٢٣ م). زار الهند والصين وغيرها ، ولم يصدقه معاصروه عند ما نشر مشاهداته.


وأهل المغرب الأقصى ناشىء من تردّد النّوتيّة (١) والتّجّار من تلك الجهات) اه بمعناه.

ونحن نوافقه في التّشابه ، ونقول : إنّ السّبب الأصليّ اتّحاد العنصر ، وسيأتي ما يتعلّق به في وبار آخر هذا الكتاب.

وفي «رسالة» موجودة بخزانة الشّيخ عبد الله باعفيف ـ السّابق ذكرها في كنينة ـ أنّ آل باعويدين وآل باحكيم وآل ماضي كلّهم من بني هلال ، وفيه تأييد لبعض ما أخبرني به السّيّد علويّ بن عبد الله الحبشيّ.

هدون

قرية كبيرة لها جامع كبير ، في شرقيّه قبر طويل ، يقال : إنّه قبر هادون بن هود عليه السّلام ، ولا ذكر له في السّير والتّاريخ ، ولكن نقل صاحب «الإبريز» عن الشّيخ عبد العزيز الدّبّاغ أنّ نبيّ الله هويدا مرسل لأهل الأحقاف ، فذكر الحبيب أحمد بن حسن العطّاس أنّه يعني هادون بن هود.

وأهل دوعن مصفقون على ذلك ، ولا غرابة فيه مع كثرة الأنبياء بحضرموت ؛ إذ هي ـ كما قرّرنا في مواضعه من «الأصل» ـ مقرّ الأمم الكبيرة : عاد وثمود ، وأميم وعبيل ، ووبار ، وطسم ، وجديس وغيرهم .. فلا مجال للإنكار ، كما لا معوّل إلّا على النّصّ (٢).

والّذي عند الهمدانيّ [١٦٧] : (أنّ خودون ودمّون وهدون وعندل قرى للصّدف بحضرموت). ذكرها البكريّ ، وضبط هدون عنده مثل دمّون.

وفي هدون جماعة من ذرّيّة السّيّد عقيل بن عبد الرّحمن العطّاس ، أخي السّيّد عمر بن عبد الرّحمن العطّاس.

__________________

(١) النّوتيّة ـ جمع نوتيّ ـ وهو : الملّاح الّذي يدير السّفينة في البحر.

(٢) تقام في هدون زيارة سنوية عقب الانتهاء من زيارة نبي الله هود أسفل حضرموت ، وبالتحديد في منتصف شهر شعبان.


وجماعة من آل باعثمان ، منهم : العلّامة الشّيخ عمر باعثمان الّذي كان موجودا في سنة (١٣٢٠ ه‍) ، وقد استقدمه السّلطان عوض سنتئذ محمولا على الأعناق لشيخوخته ، وكان الغرض من استقدامه أن تكون فتواه الفاصلة فيما بين السّلطان عوض وأبناء أخيه عبد الله ، وكلّ ذلك مفصّل ب «الأصل» (١).

وقد سبق في الرّشيد أنّ السّيّد عبد الله بن عبد الرّحمن الحبشيّ انتقل منها إلى رحاب ، وبها توفّي سنة (١٣٢٠ ه‍) ، وهو والد السّيّد علويّ صاحب النّكات والنّوادر ، ومنها : أنّ رجلا أوصى بثلاث مئة دينار في سبيل الخير ، فتأثّم ولده أن يفرّقها ، وأشكل عليه الأمر ، فدفعها إلى أحد القضاة ، بشرط أن يضعها في موضعها ، فلم يكن من القاضي إلّا أن أعطى بنته مئة ، وزوجته مئة ، وبقيت مئة ، فلمّا حضر عشاؤه .. أدنى وعاءه للهرّة ، فاختطفت قطعة اللّحم ، فأمسكها وقال لها : أمّا لحمي .. فلا سبيل إليه ، ولكن عندي مئة دينار للصّدقة وأنت من مستحقّيها ، فإن أردت أن تشتري بها اللّحم .. كان لك ذلك. ثمّ ضغط على أذنها فماوت (٢) ، فقال لها : وأنا بعت عليك ، فذهبت باللّحم ، وذهب هو بالدّنانير.

ومن سكّان هدون : آل باشيخ ، ومنهم : العلّامة الجليل ، التّقيّ الورع الشّيخ عبد الرّحمن بن أحمد باشيخ ، تولّى القضاء بالمكلّا ودوعن ، ومات حوالي سنة (١٣٤٢ ه‍) (٣).

وفي حوادث سنة (٦٠٥) من «تاريخ باشراحيل» : (أنّ آل عندل هجموا على آل باشيخ ، فقتلوا عبد الله بن أحمد ، وأخرجوا باقيهم إلى شبام ، وكان عبد الملك بن أحمد في شبام).

__________________

(١) آل باعثمان هؤلاء الغالب أنهم من آل العمودي ، على عادة أهل دوعن في إطلاق (با) على الأب أو الجد ، وفيهم علماء أعلام.

(٢) ماوت : أصدرت صوت المواء.

(٣) الشيخ عبد الرحمن بن أحمد بن عمر باشيخ الدوعني الهدوني ، ترجم له صاحب «الشامل» (١٥٥ ـ ١٥٩).


وسيأتي في سيئون عن الشّيخ عليّ باصبرين أنّ آل باشيخ بسيئون يرجعون في النّسب إلى بني العبّاس ، والعجب أنّه لم يذكر آل باشيخ بدوعن مع قربهم إليه ، والظّاهر أنّهم قبيلة واحدة. والله أعلم (١).

غيل بلخير

قرية صغيرة فيها عين قليلة الماء ، وفيها المشايخ آل بلخير (٢) ، المنسوبة إليهم تلك القرية وغيلها ، ومرجعهم في النّسب إلى أبي الخير ـ أحد ملوك بني عمرو بن معاوية الآتي ذكره في تريم ـ وقد نجعوا من تريم إلى الغرفة ، وبها منهم بقايا ، ثمّ نجع هؤلاء إلى دوعن.

__________________

(١) تأتي بعد هدون في الجانب الشرقي : خسوفر ـ بضمتين فسكون فكسر فاء ـ : بها آل بغلف ، وآل باتيّاه ، وآل بامانع ، وآل باسنبل.

ومن آل بغلف : التاجر الشهير ذو المبرات والصدقات محمد بن أحمد بغلف ، المتوفى بجدة ، كان من كبار أثرياء جدة ، وهو الذي أدخل شبكة المياه إلى دوعن ، وكثير من بلدان وقرى حضرموت ، ومد لها الأنابيب ، واهتم بإنشاء السقايات في الطرق ومواضع نزول الركاب والمسافرين ، وله أوقاف وأربطة متعددة في جدة وحضرموت وغيرها ، رحمه الله تعالى ، وقام بتوسيع عدد من كبريات المساجد.

ثم حصن الجبوب : وفيه القثم. ثم قارة الخزب : أي الخزف ، وفيها : آل باميلح ، والبامعوضة ، وآل باحمدين ، الذين منهم التاجر عبد الله بن محمد باحمدين ، المولود بمكة سنة (١٣٢٩ ه‍) ، والمتوفى بها ، سنة (١٣٦٩ ه‍) ، عن (٤٠) عاما ، كان محظوظا في التجارة ، أسس مصانع الثلج ، ومطبعة باحمدين بمكة وجدة ، ترجم له صديقه الأستاذ محمد علي مغربي في «أعلام الحجاز» وفاء له ، (١ / ٨٩ ـ ٩٨).

(٢) آل بلخير : قدمنا ذكر أصلهم ونسبهم ، وظهر فيهم جماعة من أهل العلم والأدب والفضل ، سيذكر المؤلف ههنا أعيانهم. ونزيد هنا : ١ ـ أن الجد الجامع لآل بلخير هو الشيخ الصالح حسن بلخير ، عاش في القرن السابع الهجري ، عاصر الشيخ سعيدا العمودي وأخذ عنه ، توفي بالقويرة. ٢ ـ وابنه أحمد بن حسن بلخير ، توفي بالقرين ، أخذ عن الشيخ يوسف بن أحمد باناجه بحر النور. ٣ ـ جمع الشيخ المعمر الصالح سالم بن حسن بن سالم بلخير المولود سنة (١٣٢٢ ه‍) ، والمتوفى بجدة سنة (١٤٠٩ ه‍) ، كتابا سماه : «القصبة في معرفة العصبة» وقرّظه العلامة الناخبيّ ، وفيه معلومات هامة عن هذه الأسرة.


ومنهم : الفاضل الشّيخ محمّد بن محمد بلخير ، ورد إلى سيئون من دوعن وهو في العاشرة من عمره ، فآواه والدي وتربّى في دارنا ، وعنه تعلّمت والدتي ـ الشّريفة ، الجليلة العفيفة ، نور بنت محمّد بن سقّاف مولى خيله ـ المتوفّاة سنة (١٣٤٠ ه‍) ـ الكتابة ، وعليه قرأت القرآن.

وقد لبث زمنا طويلا يتعلّم الفقه والنّحو والعلوم الشّرعيّة على والدي ، وعلى تلميذه وخادمه الشّيخ محمّد بن عليّ الدّثنيّ في دارنا ، على نفقة والدنا.

وكان الشّيخ محمّد بلخير كثير التّوجّه والإقبال على التّعلّم ، حتّى لقد التزم بطريق النّذر الشّرعيّ أن لا ينام في كلّ ليلة حتّى يحفظ صفحة من «تحفة العلّامة ابن حجر» ، وكنّا نتعجّب من هذا النّذر الغريب في بابه ، حتّى رأينا ما جاء في (ص ٣٤ ج ٢) من «المشرع» عن السّيّد الجليل أبي بكر العدنيّ ابن سيّدنا عبد الله العيدروس : من التزامه بطريق النّذر الشّرعيّ مطالعة شيء من «الإحياء» للغزاليّ في كلّ يوم.

وما ذكره الثعالبيّ في «اليتيمة» : أنّ ابن سكرة الهاشميّ حلف بطلاق امرأته وهي ابنة عمّه أن لا يخلي بياض يوم من هجاء القينة السّوداء المعروفة بخمرة ، فكانت امرأته تجيئه بالدّواة والقرطاس كلّما انفتل من صلاة الصّبح ، ثمّ لا تفارق مصلّاه حتّى يقرض في هجائها ولو بيتا.

وكان الشّيخ محمّد بلخير هذا يتناوب السّفر مع إخوانه إلى سنغافورة ، ولهم هناك سدانة (١) مشهد السّيّد الصّالح نوح بن محمّد بن أحمد الحبشيّ المتوفّى سنة (١٢٨٧ ه‍).

وعلى الجملة : فآل بلخير بيت علم وعبادة ، وتقوى وصلاح ، وضيافة وشهامة ، حسبما يليق بنسبهم الصميم.

ومن آل بلخير : الشّهم النّجيب ، عبد الله بن حسن بلخير (٢) ، ثقف

__________________

(١) السّدانة : الخدمة.

(٢) صوابه : عبد الله بن عمر.


لقف (١) ، شاعر كاتب أمين ، شريف النّفس ، طاهر النحيزة (٢).

على خير ما كان الرّجال خلاله

وما الخير إلّا قسمة ونصيب

أمّا عوده .. فأدب وفضل ، وأمّا عرقه .. فشرف ونبل ، وأمّا ثماره .. فعلم وعقل ، وحسبك من نبله أنّ باكورة ثمار أدبه ، ومخائل نوء فضله : كتاب «وحي الصّحراء» الّذي لا بدّ أن يرتفع عن مستواه بعد ذلك إذا بقي على ممارسة العلم والأدب ، وهو الّذي اقترح عليّ تأليف هذا بإشارة وليّ عهد الحجاز ونجد ، ليضمّه إلى ما ينويه من تقويم بلدان الجزيرة بأسرها.

قرن ماجد (٣)

قرية صغيرة ، كانت ولايتها للشّيخ عبود أو عبد الله ، كلّ ذلك يقال ـ ويلقّب بالقحوم (٤) من آل الشّيخ عبد الله بن سعيد العموديّ ، وله أخبار عجيبة ، وأشعار على لسان العامّة جزلة طريفة ، منها قوله :

عيني وجيعه يا اهل ليّات الظرف

وانكر وجع عيني وقع من يدّي

وانّ القبيلي قرش لمّا يصطرف

إذا اصطرف ضاعت عليه العدّي

وقد وازنت في «الأصل» بين هذا وشعر لسيّد أهل الوبر قيس بن عاصم المنقري (٥) .. فرجح هذا.

__________________

(١) ثقف لقف : ذو فطنة وذكاء ، واللّقف : الّذي يفهم الكلام بسرعة ويحفظه.

(٢) النّحيزة : الطّبيعة.

(٣) قرن ماجد : في الجانب الشرقي على مقربة من خديش ، ومن سكانها : آل القحوم العمودي ، وآل باريان ، وآل بانوير ، وآل بايوسف ، وآل باوجيه (عمودي)

(٤) الشيخ عبود القحوم العمودي كان أميرا على قرن ماجد ، وكان شاعرا مجيدا ، فقيها عالما ، طلب العلم في مكة المكرمة ، وصحبه الشيخ عبد الله بن أحمد باشميل ـ الآتي ذكره في العرسمة ـ والجمعدار عبد الله بن علي العولقي ، ذكر ذلك في «الشامل» (١٩١) ، توفي سنة (١٢٩٦ ه‍).

(٥) هو قيس بن عاصم بن سنان المنقري السّعدي التميمي ، أحد أمراء العرب وعقلائهم ، كان شاعرا ، اشتهر وساد في الجاهلية ، وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضمن وفد تميم ، ومات سنة


ومن محاسن شعره ، وبعضهم يرويه لغيره :

الهرج له شوكه وله ميزان

قدّام ما يخرج من الحلقوم

والّي خرج شاهد على الإنسان

مثل الظرف لي قابل التّبشوم

و (التبشوم) : هو البارود ، يكون في أسفل البندق. و (الظرف) : ناب الفتيلة المشتعلة ، إذا لاقت البارود .. اندفع وصاحت البندقيّة (١).

ومنه قوله في وصيّته لابنه :

يا الله يا ربّاه يا جزل العطا عبدك دعاك

خائفرهين الذّنب راجيمن قبلجودك فكاك

إلى أن قال :

الشّدّة الشّدّة بها طول المدى عامل عداك

ولايروعكفسل في الوقت العصبيهدم بناك

وانباتخوض الماء توحّالغوطقدّمله عصاك (٢)

وادفعبميسوركولاتكرهإذاالطّارشضواك (٣)

__________________

(٢٠ ه‍) ، وفيه قال صلى الله عليه وآله وسلم : «هذا سيد أهل الوبر». «الأعلام» (٥ / ٢٠٦).

(١) ههنا نذكر بعض القرى والمواضع التي لم يذكرها المصنف .. حسب ورودها في «الشامل» .. فذكر بين غيل بلخير وبضه :

ظاهر : فيه البابطين ، والبازيح ، والبانوير ، وهو بالجانب القبلي ، ، وهذه القبائل كلها من نوّح.

عرض باسويد : فيه آل باسويد.

مطروح : فيه المشايخ آل باجمّال ، والقثم ، وآل عفيف ، وباسويد ، وباجنيد ، وبانبيلة ، وباوادي ، والحداد (آل الحداد .. وهم غير آل الحداد العلويين).

الجبيل : تقدم ذكرها.

قارة بافنع فيها : آل بافنع ، ثم حصن باعبد الصمد : فيه آل خرد ، آل باشويّة.

(٢) توحّ الغوط : استكشف مدى عمقه بغرز العصا فيه.

(٣) الطارش : الضّيف. ضواك : أتاك مساء.


وأهل قرن ماجد يغضبون إذا قيل : (اتقوا الله) ، وسبب ذلك أنّه كان لواحد علب ـ وهو شجرة السّدر ـ في جربة أحدهم ، فعرض عليه فيه أكثر من قيمته .. فامتنع ، فلم يكن إلّا أن سرى بأهل قريته فاجتثّوه من أصله واحتملوه ، ولم يتركوا له أثرا ـ لا ورقة ولا غيرها ـ ثمّ أثاروا الأرض من ليلتهم ، ولمّا جاء صاحبه .. تحيّر في أمره واندهش في نفسه واختلج في عقله ، وظنّ أنّ بصره كذبه ، ثمّ صاح : (اتّقوا الله يا أهل قرن ماجد ، أين علبي؟) ، فصاروا يغضبون من ذلك.

وأمّا الوادي الأيسر : فأوّله على يمين الدّاخل إليه :

العرسمة (١)

وهي من كبريات قرى الوادي الأيسر ، كان بها ناس من آل مقيبل (٢) ، منهم : الإمام الفاضل المجذوب عبد الله بن أبي بكر مقيبل (٣) ، المتوفّى سنة (١١٩٥ ه‍)

ومنها : آل باشميل ، كانوا مشهورين بالعلم والصّلاح ؛ ومنهم : القاضي المشهور أحمد بن محمّد شميل ، له فتاوى مفيدة جامعة ، يقال : إنّها عند الشّيخ عبد الله بن سعيد باجنيد.

__________________

(١) بفتح العين وسكون الراء ، ثم فتحتين ، وهي في الجانب القبلي ، وحولها شعاب ؛ منها ذلّوت ، وشعب الغبرا ، وشعب كحيلا ، وشعب الأوسط.

(٢) آل مقيبل ـ تصغير مقبل ـ وهم : منسوبون للسيد الشريف أحمد مقيبل ابن علوي الأعين ابن عبد الله بن علوي بن محمد مولى الدويلة .. إلى آخر النسب ، وهو من أهل القرن العاشر ، توفي ابنه عمر شريف سنة (٩٩٦ ه‍) بتريم ، وعلوي سنة (٩٩٩ ه‍) ، ومن أبنائه أيضا : عبد الله ، توفي كإخوته بتريم ، وزين ، توفي بالشحر ، وله بها عقب.

(٣) ترجم له في «الشجرة العلوية» : كان إماما فاضلا ، وشريفا ناسكا ، مجذوبا وليا تقيا صالحا صوفيا ، له هيبة عظيمة ، وكرامات جسيمة ، توفي بالعرسمة من وادي دوعن الأيسر ، يوم الجمعة (٢) رجب سنة (١١٩٥ ه‍) ، ذكره في «فيض الأسرار» اه

وقد أفرده بالترجمة الشيخ أحمد باشميل بكتاب سماه : «النفحات السرية البهلوانية والنفثات البلهية البليانية في ترجمة السلالة الهاشمية والبضعة النبوية» تقع في (١٢٨) صفحة (مخطوطة) ، صنفها سنة (١٢٢٢ ه‍).


ومنهم : ابنه عبد الله بن أحمد بن محمّد شميل ، له رسالة في الحراثة ذات فصول ممتعة ، توفّي سنة (١٣٠١ ه‍).

ومنهم ـ الآن ـ سعيد بن عبد الله شميل ، طلب العلم بتريم ، وهو الآن معلّم مسجد العرسمة والمدرّس بها.

وفيها : آل باخشب منهم : المكرّم محمد بن بو بكر باخشب (١) ، له تجارة واسعة ، بأفريقيا وأوروبا وأميركا ومصر والحجاز ، وتصرّف في فنون الأعمال ، واتّصال بأعاظم الرّجال ، ووجاهة ظاهرة لدى الملوك فمن دونهم ، وشمم يبسط كفّه في معالي الأمور إلى حسن طريقة ، وصفاء طبيعة ، وسعة صدر ، وكرم نفس ، وصلة أرحام ، وإعانة على نوائب الحقّ. إلّا أنّني أخاف عليه اندفاعه في المروءة مع انتشار اللّؤم ، وتراذل الزّمان ، والنّاس ما ركبوا ظهرا إلّا أدبروه ، ولا جوادا إلّا عقروه ، وأكبر مؤرقيه وأعوانه على جلائل أعماله بلديّه الشّيخ سالم عبود بلّعمش (٢) ، وهو شابّ نشيط له يقظة حاضرة ، وذكاء غالب ، وتبصّر في الآراء ، ونسيم خفيف ، وكفاية تامّة ، تزيّنها بسطة في الجسم ، وشدّة في الأسر ، وحسن في البيان (٣).

__________________

(١) محمد أبو بكر عبد الله باخشب ، ولد بالعرسمة ، وتوفي بجدة سنة (١٣٨٨ ه‍) أو (١٣٩٠ ه‍). يعد من المساهمين الأساسيين في إنشاء جامعة الملك عبد العزيز بجدة ، إذ إنه في عام (١٣٨٦ ه‍) قدم تبرعا بمبلغ مليون ريال سعودي ، ويعد هذا المبلغ كبيرا جدا بمقياس ذلك الوقت ، وتقديرا لهذا فقد أطلقت الحكومة السعودية اسمه على أحد الشوارع الكبرى بقرب الجامعة في مدينة جدة.

(٢) توفي الشيخ سالم عبود بالعمش ب (جدة) سنة (١٣٩٦ ه‍) ، وهو كما ذكر المصنف من أهل الفضل والمعروف ، وفي «الشامل» : أن آل بالعمش كانوا في الأصل ب (هينن).

(٣) لم يذكر المصنف هنا سوى آل باخشب ، وآل بالعمش ، واختصر جدا كما فعل في بقية قرى الوادي الأيسر ، ربما لأنه لم يجد مسعفا بالمعلومات. ومما يذكر في تاريخ العرسمة كما في «الشامل» : أن حلفا قام بها بين خمس بيوت من بيوتاتها ، وهذه البيوت هي : آل باشميل ، وآل باجخيف ، وآل بالعمش ، وآل باحسن ، وآل بازعزوع. هؤلاء هم الأحلاف.

وتقدم ذكر آل بالعمش وباخشب ، وأما آل باجخيف فكانوا أهل زراعة وحرث ، ولهم عناية بزاوية شهيرة عندهم ، تسمى : زاوية الغزالي ، وقد قام بعمارتها منهم الفاضل الشيخ علي بن أحمد بن عبد الله باجخيف في سنة (١٣١٣ ه‍) ، ولا زالت معمورة إلى اليوم.


__________________

وأما آل باشميل : فهم من الأسر الشهيرة ، العلمية ، والمآثر الدينية ، وظهر فيهم رجال كانوا مفخرة ل (دوعن) ول (حضرموت) ؛ كالشيخ العلامة الفقيه : أحمد بن محمد باشميل الآتية ترجمته.

وفي «الشامل» : أن آل باشميل قدموا من العبر ، وهم من قبيلة معضّة ـ بالضاد أو الظاء مشددة ـ من قبائل الأزد القحطانية ، والشيخ أحمد باشميل ـ القديم ـ كان ينسب نفسه إلى معضّة حينا ، وإلى الأزد حينا آخر كما صنع في بعض مصنفاته ، ولنذكر أعلامهم :

الشيخ أحمد بن محمد بن علي باشميل ، من أهل القرن الثالث عشر الهجري ، لم يؤرخ أحد لمولده ولا لوفاته ، ولكنه أدرك السيد عبد الله مقيبل صغيرا.

أخذ عن عدد من علماء دوعن وسيئون وتريم ومكة المكرمة ؛ منهم الحبيب عمر البار مولى جلاجل ، والحبيب عمر بن سقاف ، والحبيب عمر بن زين بن سميط شيخ شيوخه ، والحبيب جعفر بن محمد العطاس صاحب (صبيخ).

وله ولدان : محمد وعبد الله. وكلاهما عالم فقيه ، وأشهرهما عبد الله ، الذي طلب العلم ب (مكة المكرمة) بعد أن قرأ وتفقه على والده ، وتولى القضاء في الأيسر مدة ، وله أخبار وحكايات تروى ، وكان يرافقه في طلب العلم ب (مكة) الجمعدار العولقي ، والشيخ القحوم المتقدم ذكره قريبا في قرن ماجد ، كما في «الشامل» ، توفي سنة (١٣٠١ ه‍) ، ومن الآخذين عنه : الحبيب طاهر بن عمر الحداد.

ومن آل باشميل : الشيخ محمد باعلي الفقيه باشميل ، المتوفى (١٣٨٦ ه‍) ، والشيخ سعيد بن عبد الله بن سعيد الفقيه باشميل ، المتوفى سنة (١٣٩٠ ه‍) تقريبا ، وكلاهما كان من أهل العلم ، درسا على يد السيدين العالمين عبد الله وعلوي ابني طاهر الحداد ، وتغربا في جاوة.

هذا وفي العرسمة مساجد ؛ منها : مسجد الذماري ، ينسب للشيخ العلامة عبد الله بن محمد الطيار ابن عثمان بن عمر مولى خضمّ ابن محمد ابن الشيخ سعيد العمودي ، المتقدم ذكره ووفاته في صيف ، وسمي بالذماري لموته ب (ذمار) ، مدينة مشهورة ب (اليمن).

وفي العصر الحاضر بني مسجد جامع بها هو مسجد خالد بن الوليد بناه الشيخ حنتوش رحمه الله تعالى.

تتميم :

ويأتي في الشق الشرقي تجاه العرسمة :

عقبة حليّه ـ بكسر اللام وتشديد الياء ـ ومنها تتفرع الطرق إلى المكلا ووادي العين.

وبعد العرسمه حصون متفرقة ، منها حصن الريضة للبابلغيث (حالكي) ، وهو تجاه قارة الدخان ، ولهم حصن فوق ساقية الطفله أسفل القارة المذكورة.

قارة الدخان : في الجانب الشرقي ، وهي قارة منفصلة عن الجبل الشرقي ، بجانب عقبة حلية


جحي الخنابشة

وهو قرية للخنابشة الآتي ذرو من أخبارهم في آخر قيدون ؛ منهم الآن : الشّيخ عبد الله بن سعيد بن سالم الخنبشيّ ، مضياف ، وله مروءة.

وفيها ناس من السّادة آل مقيبل ، منهم : السّيّد الغريب الحال ، الطّاهر البال : عبد الله بن أبي بكر الملقّب بالنوّام ، لكثرة نومه ، حتّى أنّه لينام على حماره ويسقط ولا يشعر.

وله أحوال شريفة ؛ منها : أنّه تذوكر إشراق النّور عند تلاوة القرآن والصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم .. فقال : هل ينكر ذلك أحد؟! فقال الحاضرون : هل تقدر أن ترينا ذلك؟ قال : نعم ، فتوضّأ وصلّى ركعتين ، ثمّ أمرهم بإطفاء السّرج ـ وكان الوقت ليلا مظلما ـ وشرع يقرأ : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) فأشرق المنزل بمثل ضياء الشّمس ، فبهت الحاضرون ، ولمّا انتهى الخبر إلى العلّامة السّيّد عبد الله بن هادون بن أحمد المحضار .. قال لآل مقيبل : لا تلوموا صاحبكم على شرب الدّخان ؛ وإلّا .. أوشك أن يطير عنكم.

وله مراء صادقة ؛ منها : أنّه انتبه مرّة منزعجا يقول : قتلوه ، قتلوه .. فجاء الخبر بمقتل سليم بن عيبان بالقوينص السّابق ذكر خبره في الكسر في تلك السّاعة.

ومن آل مقيبل بالجحي الآن : السّيّد حسين بن علويّ مقيبل.

ومنها : الشّيخ سعيد باحفظ الله السّابق ذكره في الرّشيد ، وكان يحبّ الخير ، وهو الّذي بنى جامع الجحي ، وله في القراءات إتقان بديع ، ومعرفة جيّدة ، وهو صاحب

__________________

شمالا ، وفي جوانبها وأعلاها أساسات ديار تدل على أنها كانت بلدا كبيرة ، وفي أسفلها ، جواب عديدة لخزن الماء.

وفي الجانب القبلي بسفح الجبل : كوكه ، وتقدم الكلام عنها.

وبعدها بقليل يلتقي مجرى الوادي الأيسر ومجرى وادي دوعن الأيمن.

ثم مخرج وادي فيل بالجانب الشرقي.


التّاريخ الّذي أخذه باصرّة ولم يردّه ، توفّي بعد الثّلاث مئة وألف.

ومنها : صاحبنا الفاضل ، الشّيخ عبد الله بن سعيد باجنيد ، طلب العلم بمكّة ، وولي قضاء دوعن والمكلّا عدّة مرّات ، ودرّس مدّة طويلة بمسيلة آل شيخ ، وكان في سنة (١٣٢٥ ه‍) بحوطة آل أحمد بن زين الحبشيّ يدرّس بها ، وله باع في الفقه ، وبضاعته مزجاة في النّحو ، ومع ذلك فقد درّس فيه بالحوطة ، وكان ليّن العريكة ، سهل الجانب ، عذب الرّوح ، دمث الأخلاق ، واسع الصّدر ، توفّي بالجحي سنة (١٣٥٩ ه‍) ، وله ولد اسمه محمّد ، تولّى القضاء بالمكلّا ، وكان طلب العلم بمصر ، ثمّ فصل عن قضاء المكلّا وجعل من أعضاء الاستئناف بها.

وآل باجنيد منتشرون في رحاب وهدون والجحي والمكلّا وعدن والحجاز ، ومثراهم بالخريبة ، حتّى لقد روي عن الحبيب حامد بن أحمد المحضار أنّه قال : دخلت الخريبة .. فإذا عالمها : باجنيد ، وقاضيها : باجنيد ، وتاجرها : باجنيد ، ودلّالها : باجنيد ، وقصّابها : باجنيد ، ونجّارها : باجنيد ، وسائر أعمالها بأيدي آل باجنيد.

وكانت الخريبة أولى بأخبارهم ، ولكنّها تدحرجت علينا إلى هنا ، ومنهم اليوم بعدن الشّابّ الغيور عبد الله بن سعيد بن بو بكر بن عبد الباسط ، له دين متين ، واهتمام بأمر المسلمين ، وأخوه المكرّم محمّد ، وابن عمّهم الشّيخ عبد القادر ، والشّيخ جنيد بن محمّد ، وكلّهم طيّبون مشكورون.

ومنهم : العلّامة الجليل الشّيخ عمر بن أبي بكر باجنيد ، الغني باسمه عن كلّ تعريف وهو أحد أكابر علماء مكّة المشرّفة ، بل إليه انتهت رئاسة الشّافعيّة بها بعد شيخه العلّامة الشّيخ محمّد سعيد بابصيل ـ وقد أخذنا عن الاثنين ـ توفّي الشّيخ عمر بمكّة المكرّمة سنة (١٣٥٤ ه‍) ، وقد سبق في الخريبة عن الحبيب أحمد بن محمّد المحضار ما يصرّح برجوع نسبهم إلى مضر.

ومن النّوادر : أنّ الشّيخ سعيد بن بو بكر باجنيد عمل للفاضل السّيّد حسين بن حامد المحضار ضيافة بداره في الخريبة سنة (١٣٣٧ ه‍) ، وما كاد يستقرّ به المجلس


حتّى قال له : خبّرونا عن نسبكم إلى من يرجع يا آل باجنيد ، إلى الحبوش أو السّواحليّة؟ فلم يزد الشّيخ سعيد على أن قال له : هذا جزاؤنا لمّا زوّجناك وضيّفناك.

هكذا أخبرني الشّيخ عمر بن أحمد باسودان ـ وكان حاضرا ـ ولو أنّ الشّيخ سعيد بن أبي بكر حفظ شعر الحبيب أحمد المحضار السّابق في الخريبة .. لرماه بحجره.

ثمّ يأتي من قرى الوادي الأيسر عرض باقار (١). ثمّ عرض باهيثم (٢). ثمّ الجديدة (٣). ثمّ جريف (٤) ، وهي قرى صغيرة كما يعرف من الإحصاء الآتي.

ومن جريف : السّيّد محمّد بن شيخ وولده علويّ ، فاضلان جليلان.

ثمّ صبيخ (٥) ، وهي قرية واسعة ـ كما يعرف من الكشف ـ وفيها السّيّد الجليل

__________________

(١) ويسكنه آل باقار ، وهم من بني حسن السابق ذكرهم في المكلا ، وفيه أيضا : عكابرة ، ويقال : إنه كان في هينن قبيلة من آل باقار.

(٢) وفيه : آل باهيثم وآل بلّعجم : نزحوا إليها من هينن.

(٣) وفيها : آل باحاذق ، وآل باسليمان ، وآل بايعشوت ، وآل باغزال ، ومنهم العالم الفقيه ، القاضي الشيخ : عمر باغزال ، من تلامذة السيد العلامة محسن بونمي ، يسكن الشحر الآن.

(٤) بكسر الجيم وفتح الراء ، فيها سادة من آل باصرة ، وفيها آل باهبري ، وآل بابقي ـ ومنهم جماعة في القرين ، وآل بالّحمر ، بتشديد اللام ـ وجماعة من الحالكة والخنابشة ، وجماعة من آل العمودي ، وباسويد. وبها سادة من آل باصرّة ؛ منهم : السيد محمد بن شيخ ، وابنه علوي ، فاضلان. وآل باهبري حالكة من سيبان ، وكانت لهم أحداث وحركات في التاريخ الحضرمي ، وفي «تاريخ شنبل» ذكر لبعض تلك الحركات ؛ منها إغارتهم سنة (٩٣٧ ه‍) على الشحر.

(٥) تقع صبيخ في الجانب الغربي للوادي الأيسر ، ويتصل بها من الشمال ساقية البلد وشروجها ونخلها ومالها. ولها تاريخ قديم.

ومن جملة سكانها من آل العمودي : آل باطويل ، وآل باصقر ، وآل المخشّب ، ومن أعيان هؤلاء : الشيخ الفقيه أحمد بن محمد العمودي.

ومنهم : الشيخ محمد بن أحمد المخشّب العمودي. ومنهم : الشيخ الفقيه النجيب : سعيد بن أحمد باصقر العمودي.

ومن آل العمودي أيضا بها : آل باعمر ، وآل بو بكر ، وبها من غيرهم : آل بايسر ، وآل باكوّاسه ، وآل مدهش ، وآل باحرزي ، وبابكور ، وباعويدين ، وباكلكا.

ومن آل باكلكا : الشيخ الفقيه القاضي سعيد بن سالم بن سعيد باكلكا ولد بصبيخ سنة


جعفر بن محمّد العطّاس ، أحد تلاميذ العلّامة السّيّد عليّ بن حسن العطّاس وزوج إحدى بناته (١) ، وقد سبق ذكر ولده محمّد بن جعفر بغيل باوزير.

وكانت صبيخ مهد علم ومغرس معارف حتّى لقد اجتمع فيها أربعون عذراء يحفظن «إرشاد ابن المقري».

وأكثر سكّانها من آل العموديّ ، ومنهم الشّيخ الوقور محمّد بن أحمد المخشّب ، له مساع مشكورة في إصلاح ذات البين ، وقد تزعّم حركة الإصلاح في وادي الأيسر لمّا اشتدّ عليهم الجور من أيّام الوزارة المحضاريّة ، وكان الشّيخ سالم عبود بلّعمش يساعده ، وهو لسانه وقلمه ، وصلا معا إلى سيئون وأقاما بها نحوا من (١٨) يوما للمفاوضة مع المستشار.

وكانت صبيخ تحت سلطة ابن خالد العموديّ ، وكان مضرب المثل في الجور والظّلم حسبما في «الأصل» ، وفي ذلك يقول شاعرهم :

يا نوب زنحي عامد الحيد البرق

عامد في الغرفه وهي محميّه

لا شي عسل منّه ولا هو ذي فرق

يرعى علوب الناس بالغصبيّه

فأجابه بادحدح بقوله :

الدّبر والعثّة يجيبه بالمدى

والطير لخضر بايجيبه بالدوام

لا عذر ما تمسي جبوحه خاليه

البطل ما له تاليه هو والحرام

و (الدبر) : معروف (٢). و (العثّة) و (الطير الأخضر) : آفات النّوب (٣).

__________________

(١٣٠٨ ه‍) ، وتوفي بالطائف سنة (١٣٧٥ ه‍). قدم إلى الحجاز سنة (١٣٢٠ ه‍) وهو دون البلوغ ، ودرس في الحرم المكي الشريف ، ثم سنة (١٣٥٢ ه‍) صدر أمر بتعيينه قاضيا بجدة ، ثم تنقل في الوظائف الحكومية حتى استقر في الطائف إلى وفاته. «تاريخ القضاء في العهد السعودي» عبد الله محمد الزهراني (٤ / ٣٠٢) ، «الطائف في عهد الملك عبد العزيز» محمد آل سرور.

(١) توفي الحبيب جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن عمر العطاس بصبيخ سنة (١٢٠٧ ه‍) ، أفرده بالترجمة تلميذه الفقيه أحمد بن محمد باشميل ، وله ترجمة في «تاج الأعراس».

(٢) أي : الزنابير.

(٣) النّوب : النّحل.


ثمّ قرى صغيرة (١).

ثمّ تولبة (٢) ، وهي قرية متوسّطة ، بينها وبين ضريح الشّيخ عمر نحو ساعة.

وفي رأس الوادي قرية على قلّة جبل مقطوع الرّأس من الجهات كلّها ، لا طريق له إلّا من الجهة الغربيّة في غاية الوعورة ، تتراءى ديارها الغبراء القليلة كما تتراءى طيور القطا ، يقال لها : حيد الجزيل (٣) ، مشهورة بزيادة حسن عسلها وهي على مقربة من ضريح الشّيخ عمر مولى خضمّ ابن الشّيخ محمّد بن سعيد العموديّ ، الّذي ينسب إليه وادي الأيسر كلّه ، فيقال : وادي عمر ، يعنونه (٤).

وأوّل ما يكون على يسار الدّاخل إلى وادي الأيسر : حصن الخنابشة.

ثمّ الدّوفة (٥) ، وفيها السّادة آل مقيبل ، يرأسهم الآن : السّيّد محمّد بن بو بكر وأخوه عبد الله.

__________________

(١) ومن هذه القرى : حصون باسعد : سكانها آل باسعد ، وبن العمر ، وهم حالكة. ودار بامحرز : فيه آل بامحرز وشرج آل بعسر : من الحالكة. وجحي باخطيب : فيه آل باخطيب. والمشقعه : فيها آل باوزير. ثم حصون بقشان وخيلة ، سيأتي ذكرها.

(٢) وهي في سفح جبل ، تستقبل الشمال والشرق ؛ وبجانبها شعب ، وفيه غيل ، يغرسون فيه بعض البقول. وفيها سادة أشراف من آل باعقيل السقاف ، وولاتها آل محمد بن سعيد العمودي ، ومن سكانها : آل باقادر العمودي ، وآل باقروان ، وآل بايونس ، وآل بازيد ، وآل باحيدان ، وآل بادعم ، وآل بلحمر ـ بسكون اللام وفتح الميم ـ من الحالكة.

(٣) حيد الجزيل : واسمه في «الشامل» : الحيد الجزيل ، قال : (وهو جبل مرتفع ، عليه قرية للمشايخ آل محمد بن سعيد ، وآل باموسى ، وعندهم : باصبان).

ثم قال أثناء ذكره مجاري الأودية التي تصب في الأيسر : (وإذا انحدرت من قرية الحيد .. كان أمامك المسجد والدار والجابية التي أقيمت لزوار ضريح الشيخ عمر مولى خضم ، وخلف ذلك القبة المقامة على قبره ، وعن يمينك مال الجزيل ، ثم مجرى الوادي ... إلخ).

(٤) ترتيب القرى من أعلى الوادي الأيسر هي هكذا : قبر الشيخ عمر مولى خضم ، فحيد الجزيل الذي بأعلاه قرية الجزيل ، فعرض البلّحمر ـ من سيبان ـ وهم رؤساء الحالكة ، وتقابله حوفة ، وبين العرض وبينها مسيل شعب الصيقة ، وفي العرض سادة من آل العطاس ، وآل البلحمر ، ثم حوفة ، وستأتي. وفي «الشامل» (١٧١ ـ ١٧٢) ، تفصيل دقيق للأودية ومسايل الماء التي تنزل من أعلى الوادي الأيسر ، وهي : وادي مراه ، ووادي عقرون ، ووادي صبيخ.

(٥) الدوفة : تقع في الجانب الشرقي ، وهي بضم الدال وسكون الواو ، قال صاحب «الشامل» : إن الدوفة الحالية العامرة إنما انتقل إليها سكانها من قرية أخرى قريبة كانت تسمى : المحوّقة ـ بتشديد


وفيها آل العموديّ ، ومنهم : الشّيخ عبد الله بن عثمان (١) ، كان الحبيب عبد الله بن علويّ الحدّاد كثير الثّناء عليه ، ويقول : ما نحن مستأمنين بأهل الوديان إلّا على السّيّد حسين بن عمر العطّاس ، والشّيخ عبد الله بن عثمان صاحب الدّوفة. وهو من مشايخ السّيّد عليّ بن حسن العطّاس صاحب المشهد.

ومنهم : العلّامة الشّيخ أحمد بن عبد الرّحيم العموديّ (٢).

وفي حدود سنة (١٣٦٢ ه‍) كان النّزاع قائما بين آل العموديّ آل باظفاريّ والخنابشة على جريب (٣) من الأرض ، ملكه لآل باظفاريّ ، ونشره (٤) للخنابشة ،

__________________

الواو ـ وكان بعض سكانها أشرارا قاموا بإحراق بعض القرى ، فشرد الناس منها إلى الدوفة.

وأما سكان الدوفة الحاليين : فمنهم : السادة آل مقيبل ، وآل باصرة ، وقد كان أسلافهم بهينن ، ثم نزحوا إلى الدوفة ، وآل باحسن. وبالدوفة جماعة من المشايخ آل العمودي : آل سعيد ، وآل مشعب ، وآل بحمد العمودي ، والباهمام ، وآل بامقعين ، والباوهّاب ، وهم من آل بامقعين ، وآل بامقعين هؤلاء كانوا بهينن ، ثم نقلوا عنها مع سبع قبائل أخرى تفرقوا في القرى ، وبقية الست القبائل : بالعمش ، وباحطّاب ، وبن جحلان ببلاد الماء ، وباجعمان بخديش .. وباريان بقرن ماجد ، وبلّعجم بعرض باهيثم.

وبها أيضا : آل باظفاري ، وباخضر ، وباعباد ، وباحكم ، وباصهي ـ وسيأتي ذكر آل باصهي بشبام ، وآل البحيث من آل باجعيفر ، وآل باسبعين ـ مثنى ـ والباطويل وهم غير باطويل العمودي .. وهؤلاء حالكة ، كما أن من آل باعشن بيت يقال لهم : آل باطويل.

(١) تمام نسبه : عبد الله بن عثمان بن أبي بكر بن عمر بن عمر بن محمد بن علي بن أبي بكر بن عبد الرحيم بن أبي بكر بن عثمان بن عمر مولى خضم بن محمد ابن الشيخ سعيد العمودي.

ترجم له العلامة محمد بن زين بن سميط ضمن تلامذة الإمام الحداد ، وأفرده بالترجمة الشيخ أحمد باشميل صاحب العرسمة ، توفي سنة (١١٤٣ ه‍) ، وهو والد الفقيه العلامة سعيد بن عبد الله الآتي في قيدون ، تنظر ترجمتهما في «الشامل» (١٨٣ ـ ١٨٤).

(٢) هو الشيخ أحمد بن عبد الرحيم العمودي ، كان من العلماء المتجردين للتعليم ، المشتغلين بالعبادة في مسجد منسوب لجده الأعلى الشيخ سعيد بن عيسى ، وله ولع ونهمة بالكتب ونساختها. «لشامل» (١٨٢)

(٣) الجريب : وحدة لقياس المساحات ، أصله فارسيّ ، وهو عندهم مساحة من الأرض تعادل عشرة آلاف متر مربّع ، اقتبسه العرب منذ بداية العصر الإسلاميّ مع اختلاف في المساحة ، واستخدموه في تحديد مساحات الأرض ، وهو عندهم أرض مربّعة ، طول أحد أضلاعها ستّون ذراعا بذراع الملك. وذراع الملك مقداره (٧٧ ، ٧٥ سم) ، وعليه .. فالجريب عند العرب يعادل (١٢٠٠ م ٢). وقد يراد به المزرعة ، ويسمّيها الحضارمة : الجرب ، بسكون الرّاء وفتح الجيم.

(٤) وهو عمارة الأرض بالزراعة بعد إهمالها ؛ أي : إحياؤها ، سواء كانت مواتا أم غيره. وهي من


فخرج آل العموديّ لحرثه فمنعهم أحد الخنابشة ، فلم يبالوا به ، فأقبل ثلاثة نفر من الخنابشة .. لاقاهم اثنان من آل العموديّ ، فاجتلدوا بالعصيّ ساعة ، ثمّ لم يشعر النّاس إلّا بواحد يمكّن خنجره من خاصرة عبود بن محمّد بن العسكر العموديّ ، فكانت القاضية.

واختلفت الرّواية ، فقيل : إنّ عبودا هذا من المشتركين في المخاصمة على الجريب. وقيل : إنّما كان من النّظارة فقط.

وقد طلّ دمه (١) ؛ إذ لم يتعيّن القاتل بالحجّة الشّرعيّة ، والتّهمة تحوم حول الخنابشة واللّوث الشّرعيّ ظاهر ، ولكنّهم إمّا لا يعرفون القسامة ، وإمّا لأنّهم لا يرون الأخذ بها تشفيا ، وإمّا لأنّهم لا يرون لها منفذا.

ثمّ انحطّت التّهمة على سعيد بن سالم الخضر .. فأودع السّجن ثلاثة أعوام ، ثمّ أطلق سراحه ، ولكن! بعدما تغيّر مزاجه ، وانحرفت صحّته ، فلم يعش بعد تخلية سبيله إلّا مدّة يسيرة.

وكما اختلفت الرّواية في مقتل عبود .. اختلفت في مبدئه ، فقيل : إنّه كمثل أخيه عثمان ، على رأي الإرشاديّين ، وإنّ لذلك مدخلا في قتله.

وقيل : إنّه إنّما كان يجامل أخاه بالتّظاهر بالإرشاد ؛ لأنّه وليّ نعمته (٢) ، وليس بالجادّ فيه.

__________________

المسائل المعمول بها على غير معتمد مذهب الشافعي تقليدا لغيره ، انظر (ص ١٦٤) «فتاوى مشهور» : المساقاة.

(١) طلّ دمه : هدر ولم يؤخذ بثأره.

(٢) ومن أعيان الدوفة وعلمائها المشهورين : الشيخ الصالح العالم الصوفي عمر بن زيد ، كان من أهل العلم والصلاح ، عاش في القرن العاشر ، قدم إلى تريم للأخذ عن السيد الشريف أحمد بن الحسين العيدروس المتوفى بها سنة (٩٦٨ ه‍) ، ولازمه وأخذ عنه ، كما ورد في «المشرع» (٢ / ١٢٥).

الفقيه العارف بالله الشيخ عبد الله بن عمر باعباد ـ بضم العين وتخفيف الباء ـ أخذ عن الحبيب عمر العطاس ، والشيخ علي باراس ، وله مصنف في مناقبهما.


ثمّ خيله (١) ، وهي حصون قليلة لآل بقشان ، ومنهم : أحمد وعبد الله ابني سعيد بن سليمان بقشان ، من الحالكة ، لهم أشغال مهمّة بالحجاز ، واتّصال أكيد بحكومة الملك الجليل ابن السّعود ، وعليهم يعتمد في كثير من الأمور ـ وهم عرضة ذلك أمانة وكفاية ـ وهم لا يقصّرون في حمل الكلّ وإعانة المنقطع ، ومساعدة المحتاج (٢).

ثمّ حصن باخطيب (٣).

ثمّ ضري ـ زنة (جري) ، وهو مصدر (جرى) ـ وهي من أكبر بلاد الوادي الأيسر ، وفيها آل علويّ بن ناصر ، سادة من آل شيخان.

وفيها ناس من آل باوزير وآل بالبيد وآل باسلم ، وناس من السّوقة (٤).

وقد بتنا بها ليلة في سنة (١٣٦٠ ه‍) بمنزل المكرّم الشّهم محمّد بن عوض اليافعيّ ، في دار جميلة ، مؤثّثة بالأثاث الطّيّب ، في دار قوراء ، جديدة العمارة على أحسن طراز (٥).

__________________

(١) خيله : تقع في الجانب الشرقي ، ويقابلها في الجانب الغربي : حصن بقشان ، وهذه كلها ديارهم ، وهم من الحالكة ، ويعدون من كبار تجار جدّة.

(٢) ومن أكبر الأعمال التي يقومون بها اليوم : شق طريق للسيارات من أعلى العقبة التي على رأس خيله ، وربطها بطريق المكلا ـ رأس حويرة ـ ؛ تيسيرا على المسافرين والقادمين من وإلى دوعن ، وقد بدأ هذا المشروع في مطلع هذا العام الهجري (١٤٢٣ ه‍). فجزاهم الله خيرا.

(٣) وهو حصن صغير ، يسكنه آل باخطيب.

(٤) وبها أيضا : آل بافرج ، وآل باجبيل ، وآل بايماني ، وآل بايسر ، وباداوود ، وآل الرباكي ، وكانت إمارتها وإمارة تولبة لآل بايحيى أو آل بابقي على ما في «الشامل».

(٥) ومن علماء ضري وأعيانها : العلامة الفقيه المعمر ، الشيخ أبو بكر بن أحمد باحميد ، من الآخذين عن الشيخ الفقيه سعيد بن عبد الله بن عثمان العمودي ، وعنه أخذ السيدان : عبد الله بن طه الهدار ، وطاهر بن عمر آل الحداد. «الشامل» (١٧٣).

والشيخ الفقيه : حسن بايماني ، قال عنه صاحب «الشامل» : (كان فقيها عارفا بعلم النحو ، وكان خيّرا ، حسن الخلق ، بيننا وبينه معرفة ومودة رحمه الله). اه وهو من الآخذين عن الشيخ محمد بن عبد الله باسودان ، وأخذ عنه الشيخ أحمد بن عبد الله با موسى العمودي ساكن حوفة.


ثمّ حوفة (١) ، فيها جماعة من ذرّيّة السّيّد عبد الله بن عبد الرّحمن الجفريّ (٢).

قال شيخنا المشهور في «شمس الظّهيرة» [٢ / ٤٢٨] : (ومنهم الآن ـ يعني سنة (١٣٠٧ ه‍) ـ : أحمد بن محمّد بن أحمد (٣) ، شريف متواضع) ، وهو جدّ السّيّد أحمد بن محمّد الجفريّ الّذي يعمل الآن في بير امبارك بسيئون للمكرّم سالم باحبيشيّ ، وهو سيّد لطيف نشيط متواضع ، مطرب الحداء ، جميل الصّوت ، يحفظ كثيرا من القصائد النّبويّة والصّوفيّة.

ومنهم : السّيّد صافي بن عبد الرّحمن بن صالح بن أحمد بن محمّد بن صالح بن عبد الله بن عبد الرّحمن مولى العرشة ، ذكره في «شمس الظّهيرة» وقال : (إنّه ذو جاه وحشمة وثروة) اه

وقد نجع من حوفة إلى المدينة المشرّفة ، ولم يكن له عمل إلّا الإنشاد على ضرب الطّار ، حتّى ضمّه حفل مع شيخ السّادة بها ، وهو السّيّد الجليل عبد الرّحيم بن سالم ـ الآتي ذكره في اللّسك ـ فلم يرقه أن يكون علويّ قوّالا ، فأخذه إلى بيته وعاتبه .. فاعتذر بالحاجة ، فقال له : الزم بيتي وأنا أكفيك المؤنة ، ففعل وخدم بنشاط ، فأحبّه وزوّجه من بنته آمنة ، ولم يزل معه في حال طيّب حتّى جاء الأمر من السّلطان عبد المجيد باستقدام شيخ السّادة هذا ، أو السّيّد المجمع على صلاحه وولايته : عمر بن عبد الله الجفريّ ، للتبرّك بأحدهما والصّلاة خلفه ، فلم يرغب في ذلك ، ولم يكن بدّ من إجابة الطّلب .. فبعث شيخ السّادة بختنه السّيّد صافي ، فكان له هناك جاه

__________________

(١) حوفة : تقع في عرض الجبل ، تتجه إلى الجنوب والغرب. سكانها : آل صافي ، آل الجفري ، وآل باصرة ، وآل باموسى (عمودي) ، والباجيل ، والبابقي ، وآل بوزينة ، وآل باشاعر ، وبن سويد ، وباضريس ، وباحبيشي ، وبارويح ، وبامعلم ، وبلخرم حالكة ، وباطرفي ، وباعوض ، وقديما كان يحكمها بامسعود.

(٢) والسيد عبد الله هذا له عقب بحوفة ، وبمكة ، والمدينة ، وبالهند ، وتريس ، والقنفذة ، وجاوة ، وجفل ، وتاربة ، وسيئون ، وسنغافورة.

(٣) ومنهم ابنه السيد محمد بن أحمد ، كان خطيب جامع حوفة ، فاضلا متفقها ، وابن عمه السيد محمد بن عبد الله ، كان فاضلا غيورا ، توفي سنة (١٣٥٢ ه‍). ذكرهما صاحب «الشامل».


واسع حتّى إنّ السّلطان أطلق يده في تحف القصر ، فكان في جملة ما أخذ : ستّة صحون من الذّهب مرصّعة بالجواهر ، قوّمت في تركته باثني عشر ألف جنيه.

وبإثر رجوعه إلى المدينة .. أمر السلطان عبد المجيد بزيادته المعروفة في الحرم الشّريف ، فكانت النّفقة على يد السّيّد صافي ، فابتنى له عدّة قصور شاهقة ، وتأثّل أموالا طائلة كان بها أغنى أهل المدينة ، إلّا أنّ الأيّام تذكّره بما كان فيه أوّلا ، فلم تنبسط يده في معروف ، ثمّ لم يحمد المآل بينه وبين وليّ نعمته السّيّد عبد الرّحيم ، فأبعده السّلطان عبد المجيد عن المدينة ، ثمّ لم يقدر على الرّجوع إلّا بعد انحلال دولة السّلطان عبد المجيد بعد أن خرّف وذهب أكثر شعوره ، وبها مات عن مئة وعشرين عاما.

وفيها جماعة من أعقاب السّيّد عقيل ابن سيّدنا عبد الرّحمن السّقّاف ، منهم : عقيل بن أبي بكر.

ومن حوفة : آل باحبيشي ، نجعوا إلى أسمرة ، ومن ذرّيّتهم بها الآن أحمد وعمر وسعيد وسالم بنو عبيد باحبيشي ، لهم تجارة واسعة ، وثروة طائلة ، ومآثر كريمة ، منها : مكتبة بنوها إلى جانب جامع أسمرة ، جمعوا لها نفائس الكتب وأعزّ دواوين الإسلام ، ومن محاسنهم إجراء عين ماء إلى حوفة ... إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق وجلائل الأعمال ، ولكبيرهم أحمد شجاعة وصرامة وشهامة ، وبعد عن الذّلّ واحتمال الضّيم ، ولسالم تعلّق بالصّحف والأخبار إلى تواضع عند الجميع.

وفي حوفة جماعة من آل باضريس ، يتّفقون بالنّسب مع أهل الغرفة ؛ منهم الشّيخ أحمد بن عمر بن عبد الله بن عليّ باضريس ، كريم الخيم ، نقيّ الأديم ، طاهر السّيرة ، أبيض السّريرة ، نجع إلى مكّة المشرّفة من نحو سبع وأربعين عاما ، يحترف بالتّجارة ، ومع ذلك .. فقلّما فاتته فريضة في المسجد الحرام ، وعليه كان نزولي في سنة (١٣٥٤ ه‍) ، فبالغ في راحتي ، وسهر على خدمتي حتّى كأنّني في أهلي ، فأسأل الله العظيم ربّ العرش الكريم أن يجازيه عنّي بأفضل الجزاء وأن يتقبّل ذلك منه بفضله وجوده.

وفي حوفة كثير من آل باعيسى العموديّين ، وهي مقرّ آل بلّحمر ، ومنهم : المقدّم الحاليّ سعيد بن عمر بلّحمر ، صاحب الرّئاسة العامّة على جميع سيبان ، وقد فصّلنا


أخباره في «الأصل» ويأتي شيء منها في قيدون.

وقد سبق في دوعن أن أحلنا على ما هنا في تسمية دوعن بهذا الاسم ، قال الطّيّب بامخرمة : (ودوعان مركّب ؛ ف (دو) بكلام فارس : عدد اثنين ، و (عان) المعدّ المرتفع من الأودية ، وهذان العانان أحدهما يمنة والآخر يسرة ، فالأيمن مدينة الخريبة ـ وقد تقدّم ذكرها في حرف الخاء ـ والأيسر مدينة الدّوفة ، وسيأتي ذكرها في هذا الحرف) اه (١)

وأهل وادي ليسر ينبزون مع مأثور شجاعتهم بشيء من اللّيونة في الكلام كآل دمّون الواقعة بأسفل حضرموت ، قال أحد شعراء الأيسر :

يا الله على روس ليسر من قنيف انبطح

تسمع رعوده كما ضفع البقر طح طح

وقد أغفلنا كثيرا من القرى الصّغيرة في الواديين (٢) ؛ لقلّة الأهميّة ، ولكنّني كلّفت الولد الفاضل محمّد بن سالم بن حفيظ بن عبد الله ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم مع زيارته الأخيرة إلى دوعن أن يسأل أهل الخبرة ويكتب لي ما يتلقّاه منهم ، ففعل كما تراه في الكشف الّذي يلي :

اسم البلد

عدد السّكان بالتّقريب

القبائل السّاكنة من سادة ومشايخ وغيرهم

كوكه

٣٠

قبائل من الحالكة ، يقال لهم : البلاغيث

خديش

٥٠٠

سادة آل بروم ، وآل العموديّ ، وقبائل من الحالكة ، وسوقة وغيرهم.

بلاد الماء

٧٠٠

آل بروم ، وآل خرد ، وآل العموديّ ، والحالكة ، والسّوقة

__________________

(١) نسبة البلدان (خ ١١٨).

(٢) منها : حصون الحالكة الواقعة حوالي صيف ؛ منها : حصن الشرقي ، وحصن بو حسن ، وفيه البو حسن ، فخيذة من الحالكة ، وحصن بن الزنو ، كان فيه الشيخ سالم بن أحمد بن عبود بن الزنو ، شهم ، كان مرجع الحالكة في بعض شؤونهم.


اسم البلد

عدد السّكان بالتّقريب

القبائل السّاكنة من سادة ومشايخ وغيرهم

بضه

٣٠٠٠

آل العطّاس ، وآل خرد ، وآل الجفريّ ، وآل العموديّ ، والسّوقة

حصن باعبد الصّمد

١٥٠

آل خرد ، وآل العموديّ ، وسوقة

الجبيل وقرن باجندوح

٥٠٠

آل الشّيخ بو بكر ، وآل باقيس ، وقثم ، ونوّح ، وسوقة

مطروح

٦٠٠

آل باجمّال ، وقثم ، ونوّح

عرض باسويد

١٠٠

نوّح

ظاهر

٢٠٠

نوّح

حزم آل خالد

٢٠

آل العموديّ

حويبة

٢٠

أخدام آل المحضار

حلبون

٥٠٠

آل باقيس ، وآل باجبع ، وسوقة ، وعبيد

القويرة

٩٠٠

آل المحضار ، وآل باحسين ، وآل باجبع ، وسوقة

الرّشيد

١٠٠٠

آل الحبشيّ ، وآل باناجة ، وآل بازرعة ، والخامعة

باشعيب

١٥

الخامعة

حصن باعوم

٧

آل باعوم

ذي بحور

١٠٠

مشايخ يقال لهم : آل محسن

الخريبة

٣٨٠٠

آل البار ، وآل العطّاس ، وآل الجفريّ ، وآل باهارون ، وآل العيدروس ، وآل الجيلانيّ ، وآل باسودان ، وآل باراس ، وآل حنشل ، وآل باحويرث ، وآل باجنيد ، وسوقة


اسم البلد

عدد السّكان بالتّقريب

القبائل السّاكنة من سادة ومشايخ وغيرهم

عرض آل منصّر

٦٠

آل العموديّ ، وسوقة

حصن خشامر

١

ليس فيه إلّا امرأة واحدة من آل العموديّ

قرن باحكيم

٨٠٠

آل باحكيم ، وآل باحشوان ، ودار من آل العطّاس ، وسوقة.

الحسوسة

٤٠

آل باشحبل ، وآل بامعلّم ، وسوقة

حصن تنسبه

٠٠٠

فارغ

قرحة آل باحميش

٢٠٠

آل باحميش ، وسوقة

غيل باحكوم

٦٠

آل باحكوم

قرن ماجد

١٧٠

آل العموديّ ، وسوقة

غيل بلخير

٢٠٠

آل بلخير ، وآل باطرفيّ

قارة الخزب

٥٠

آل بافنع

خسوفر

١٧٠

آل بغلف ، وسوقة

حصن الجبوب

٣٠

قثم

هدون

٦٠٠

آل باشيخ ، وآل باخشوين من سيبان ، وسوقة

رحاب

١١٠٠

آل الجفريّ ، وآل الحبشيّ ، وآل باعبد الله ، وآل شماخ ، وسوقة

القرين

١٧٠٠

آل البار ، وآل بلفقيه ، وآل بامشموس ، وسوقة

عورة

٦٠٠

آل باصرّة ، وآل باشنفر ، وسوقة

الشّقّ الشّرقيّ

٧٠

الخامعة من سيبان

باجاس

٥

من سيبان


اسم البلد

عدد السّكان بالتّقريب

القبائل السّاكنة من سادة ومشايخ وغيرهم

شويطة

٥٠

من سيبان

شرق وحصن باقعر

٣٥٠

آل باسودان وذيابنة ، وآل بامقر ، وآل بن زيد

حصن باحكيم

٠٠٠

فارغ

حصن المكعمة

١

جنديّ واحد فقط

حصن باصمّ

٢٠٠

آل باصم من نوّح

منوه

٤٠

سوقة

رباط باعشن

٢٥٠٠

آل العطّاس ، وآل الحامد ، وآل الصّافي ، وآل باعشن ، وآل باسندوة ، وسوقة

ليسر العرسمة

٧٠٠

آل باشميل ، والحالكة ، وسوقة

جحي الخنابشة

٤٥٠

آل مقيبل سادة ، وآل باجنيد ، والخنابشة من سيبان

عرض باقار

٦٠

آل باقار من قبائل بني حسن

عرض باهيثم

١٠٠

آل باهيثم

الجديدة

٢٢٠

الخنابشة

جريف

 ...

سادة من آل باصرّة ، وآل باهبريّ ، وسوقة

صبيخ

١٠٠٠

آل العطّاس ، وآل العموديّ ، والحالكة ، والخنابشة ، وسوقة

حصن بقشان

٧٠

آل بقشان من الحالكة

المشقعة

١٥٠

آل باوزير

حصن بعسر

٤٠

آل بعسر من سيبان

حصن ابن العمر

٥٠

آل باسعد من الحالكة


اسم البلد

عدد السّكان بالتّقريب

القبائل السّاكنة من سادة ومشايخ وغيرهم

تولبة

٥٠٠

آل باعقيل ، وآل العموديّ ، وسوقة

حيد الجزيل

١٥٠

آل العموديّ

حصن الخنابشة

٦٠

الخنابشة من سيبان

الدّوفة

٩٠٠

آل مقيبل ، وآل جمل اللّيل ، وآل العموديّ ، والخنابشة ، وحالكة ، وسوقة

خيله

١٥٠

الحالكة من سيبان

ضري

٧٠٠

آل علويّ بن ناصر ، وآل باوزير ، وغيرهم

حوفة وعرض الحمران

١٥٠٠

آل الجفريّ ، وآل السّقّاف ، وآل المحضار ، وآل باصرّة ، وآل العطّاس ، وآل العموديّ ، وحالكة من سيبان ، وسوقة

خليف آل باعبود

٥٠

آل العموديّ

صيف

هي بلدة عجيبة ، يقال : إنّها سمّيت باسم قبيلة من حمير يقال لها : صيف ، كانت تسكنها في سالف الزّمان.

لها جامع لا يوجد مثله بوادي دوعن في حسن العمارة.

وقال العلّامة السّيّد أحمد بن حسن العطّاس : (إنّ السّيّد شيخان جمل اللّيل ـ المقبور بصيف ـ يغلب عليه الجذب ، وإنّه صلّى بالنّاس الجمعة وسلّم من ركعة أطالها ، فقالوا له : إنّما صلّيت بنا ركعة واحدة! قال لهم : إنّما أهل صيف بقر ، والرّكعة عليهم كثير).


ولا إشكال في شيء من هذا ؛ لأنّ الحرج مرفوع عن السّيّد شيخان بجذبه ، ولأنّه لم يذكر أنّ آل صيف وافقوه على السّلام من الواحدة ، والسّياق ظاهر في تقطّع جنونه ، وإلّا .. لما انعقدت به من البدء.

ولصيف ذكر في كلام الحداد وثناء عليها ، حتّى إنّه همّ بالانتقال إليها.

ولها ـ أعني صيفا ـ قلعة صعبة المرتقى ، يسكنها الشّيخ باعليّ ، وهو شيخ شهم ، رحب الجناب ، واسع الصّدر ، كريم الشّيم ، من ذرّيّة الشّيخ عليّ بن سعيد بن عيسى العموديّ.

وفيها كثير من آل العموديّ ، وناس من آل جمل اللّيل (١) وجماعة من السّادة آل البلخيّ نجع جدّهم ـ وهو السّيد عمر بن حسين ـ من بلخ إلى حضرموت ، وأقام في وادي بن عليّ ، وبه توفّي ، ثمّ تفرّق أولاده ؛ فمنهم من سقط إلى غرفة آل باعبّاد ، ومنهم من ذهب إلى صيف ، ثمّ تفرّقوا في بلاد الله.

ومنهم الآن جماعة بمكّة المشرّفة ، وفيها جماعة من آل باناعمة أصلهم من سيئون ، وأوّل من سقط منهم إلى صيف : الشّيخ سالم باناعمة ، نجع إليها بإشارة عبد الله بن عمر الطّيّار العموديّ.

ومن اللّطائف : أنّ أحكام العادة والأعراف ترجع في سيئون إلى آل باناعمة ، ومن آخرهم بها الشّيخ بو بكر بن أحمد باناعمة ، وقد انتهت في صيف إلى الشّيخ أحمد بن سالم باناعمة .. فأطلق عليه لفظ العادة.

ومن أعقابه اليوم عبد الله وسالم ابنا أحمد بن عبد الله بن أحمد بن سالم ، يسكنون مكّة المشرّفة ، ولهم بها تجارة ومبرّات وصلات ، وحظّ عبد الله من الصّلاح أوفى

__________________

(١) منهم : السيد الفقيه محمد بن علوي باحسن جمل الليل ، طلب العلم بمكة ، ثم صار قاضيا بالليث أو القنفذة.

ومنهم : السيد محمد بن أحمد بن علوي جمل الليل ، ابن أخي السابق ، طلب العلم خارج حضرموت ، ثم عاد إلى صيف ، ودرس على السيد عبد الله بن طاهر الحداد ، وتوفي بالليث سنة (١٣٥٩ ه‍) ، وهما من ذرية السيد عقيل المتوفى بروغة سنة (١٠٥٩ ه‍) وهو ابن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحبيب محمد بن حسن المعلم باحسن جمل الليل.


وهو مستوي السّرّ والعلانية ، وسالم على جانب من الخير ، إلّا أنّ فيه ما في النّاس.

وآل باناعمة ينتسبون بالخدمة إلى السّادة آل الحدّاد ، وقد جاء في رحلة الحبيب حسن بن عبد الله الحدّاد إلى الحجاز قوله : وقدّمنا قبلنا من الحسيّسة الخادم عوض بن شعيب إلى سيئون يعلم الأخدام المباركين آل باناعمة بأنّا واصلون إليهم.

وسكّان صيف لا يزيدون الآن عن ألف وثمان مئة ، وهي قفل دوعن.

ولها ذكر كثير في التّاريخ ، وقد روي عن الشّيخ عمر بامخرمة أنّه قال لبدر بوطويرق : (حاذر على صيف ، شف ما دوعن الّا بصيف) في حديث طويل مستوفى ب «الأصل» ، عليه أثر الانتحال.

وكانت في القرن العاشر كثير من بلاد دوعن تحت حكم ثابت بن عليّ النّهديّ ، وفي سنة (٩٤٥ ه‍) خرج أهل صيف عن طاعته وبذلوا صيفا للسّلطان بدر بوطويرق ، فأهداها بدر للشّيخ عثمان العموديّ ، ثمّ ما زالت الحرب سجالا بينهم حسبما في «الأصل».

ومن وراء صيف إلى جهة الغرب على نصف ساعة .. بلاد قيدون (١).

وفي شرقيّ صيف مسيل الواديين الأيمن والأيسر.

ثمّ : فيل ، وهي قرية صغيرة يسكنها آل العموديّ ، ومنهم العلّامة الشّيخ عبد الله بن عمر بن عبد الله باجمّاح المتوفّى سنة (١٣٥٤ ه‍) ، له مؤلّفات كثيرة ، وأكثر أخذه في سربايا عن العلّامة السّيّد أحمد بن طه بن علويّ السّقّاف المتوفّى بسيئون سنة (١٣٢٥ ه‍) (٢).

__________________

(١) وفي جانب صيف الغربي يأتي : شعب الصيق ، وبه نخل وغيل يسقيها ، وتزرع به خضروات ، وأكثره لأهل صيف. وتحت صيف مال ونخل ، ثم الوادي ، وفي الجانب الشرقي مال ، ثم تأتي أموال أحجال ، وتوجد ثمة ثلاثة أسواق ، أكثرها لأهل قيدون.

(٢) وفي وادي فيل : قرية فيل ، فيها جملة من الأسر العمودية ، منهم آل فقيه ، والباصمد ، والباجمّاح ، آل باربود ، وجرت بين هؤلاء وبين آل بلحمر وقائع ذكر بعضها صاحب «الشامل».

ومن أعيان (فيل):


قيدون (١)

هي من قدامى البلاد ، وهي موطن الشّيخ الكبير سعيد بن عيسى العموديّ (٢).

وهو والفقيه المقدّم أوّل من سلك طريق التّصوّف بحضرموت ، وقد ترجمه غير

__________________

الشيخ عبد الله بن عمر باجمّاح ـ بضم الجيم وتشديد الميم ـ المولود بها سنة (١٢٨٣ ه‍) ، تلقى علومه على يد الشيخ حسن بايماني المتقدم ذكره ، ثم هاجر إلى جاوة ولازم بها عددا من العلماء ، وقرأ في الهند على الفقيه عمر بن سعيد بن أحمد الخطيب باراسين القيدوني في حيدرآباد ، ومن شيوخه ب (جاوة) السيد أحمد بن طه السقاف ، وكانت وفاته بعد عودته من جاوة في بلدته سنة (١٣٥٥ ه‍). له ذكر في «الشامل» (١٩٢ ـ ١٩٣) ، و «تاج الأعراس» ، ومن تلامذته الأكابر : السيد الجليل الحبيب أحمد بن محسن الهدار ، الملقب بالمحجوب ، المتوفى ب (المكلا) سنة (١٣٥٧ ه‍) ، ترجمه في «العقد الفريد» وغيره.

الشيخ محمد بن عبد الله بافيل الدوعني ، ثم المكي ، ولد بقرية فيل سنة (١٢٨١ ه‍) ، وقدم الحجاز وعمره (٢٠) سنة ، فأخذ عن السيد أحمد زيني دحلان ، وتفقه على يد الشيخ محمد سعيد بابصيل ، وتلميذه العلامة عمر باجنيد ، وغيرهم وكانت له خلوة في جبل قعيقعان ـ جبل هندي ـ في الطريق المؤدي إلى باب العمرة ، وكان يأتي إلى الحرم في الثلث الأخير من الليل ، ويمكث بعد الصبح حيث يعقد حلقته في حصوة باب العمرة ، ولم يزل هكذا دأبه لمدة ثلاثين عاما ، حتى توفي سنة (١٣٥١ ه‍) ب (مكة) ، ولم يخلف أحدا ، وترك بعض الثياب وكتبا وجبة وسجادة وعمامة فقط ، ولم تكن الدنيا له على بال. «سير وتراجم» عمر عبد الجبار (٢٦٦ ـ ٢٦٧).

وفي العصر الحاضر من أعيانهم الشيخ سعيد بن محمد معنوز بافيل ، نزيل الطائف صاحب أياد بيضاء ومكارم ومروءة وهو من السابقين إلى المكرمات متع الله بحياته.

(١) قيدون : من قدامى بلدان دوعن ، وحكمها عدة حكام في الأزمان المتقادمة ، وإنما اشتهر تاريخها وذكرها بعد ظهور الشيخ سعيد بن عيسى العمودي ، وأول ما يقابل الداخل إلى قيدون : الكريف الجديد ، الذي سعى السادة آل الحداد في بنائه وعمارته في سنة (١٣٤٦ ه‍) ، وجلبوا الماء إلى قيدون من غيل البويردة ، وتفصيل الكلام على ذلك في كتاب «الشامل».

(٢) الشيخ سعيد بن عيسى العمودي ، ولد بقيدون في مطلع الست مئة الهجرية تقريبا ، قال في حقه العلامة الشرجي الزبيدي (ت ٨٩٣) في «طبقات الخواص» : أحد كبار مشايخ حضرموت ، كان مشهورا بالولاية الكاملة ، والكرامات المتعددة ، يده في التصوف للشيخ أبي مدين المغربي بينه وبينه رجلان ، كان نفع الله به شيخا كبيرا ، كاملا مربيا ، تخرج به جماعة من كبار الصالحين ، وله في تلك الناحية ذرية مباركون ، وأتباع كثيرون ، يعرفون بآل أبا عيسى ـ على عرف أهل حضرموت في التزام الكنية الألف بكل حال ، على لغة القصر ـ ولهم هناك زوايا مشهورة) اه (١٤٥ ـ ١٤٦). ينظر : «الصفحات» لباوزير (١٤٩) ، «الشامل» (٢٢٩) وما بعدها.


واحد من أهل العلم ؛ كالشّرجيّ في «طبقاته» [١٤٥ ـ ١٤٦] ، واليافعيّ في «تاريخه» ، وصاحب «المشرع» (١) ، وعبد الله بازرعة.

وممّن ألّف في مناقبه : الشّيخ عليّ بن عبد الله باعكابة الهيننيّ ، والشّيخ عبد الله باسودان.

وكان صادعا بالحقّ ، لا يخاف فيه لومة لائم ، وكان كثير التّردّد على حضرموت ، حتّى لقد قال السّيّد عليّ بن حسن العطّاس في كتابه «القرطاس» : (لا إله إلّا الله ، عدد خروج الشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ إلى حضرموت).

ولم يزل يسلّك الطّالبين ، ويوصل الرّاغبين ، إلى أن توفّي بقيدون سنة (٦٧١ ه‍) ، وقصّته مع الشّيخ أحمد بن الجعد مع وصوله إلى حضرموت ، مشهورة ، وقد ابتلي إثرها بالجذام إلى أن وافاه الحمام.

وخلفه على منصبه ولده الشّيخ محمّد بن سعيد ، وما زال أبناؤه يتوارثون منصبه حتّى انتهى إلى دولة ورئاسة دنيويّة ، فاختلفوا وانقسموا ؛ كما سبق في بضه.

وجرت بينهم وبين آل فارس النّهديّين ، وبينهم وبين السّلطان بدر بوطويرق الكثيريّ .. حروب (٢).

وتقلّبت بقيدون الأحوال ، حتّى لقد خربت حوالي سنة (٩٤٨ ه‍) من كثرة ما أخذ بدر بوطويرق الكثيريّ من أهلها من الضّرائب ، ولم يبق فيها إلّا ستّة ديار ، وهرب الباقون من أهلها إلى صيف. وهنا شاهد على أنّ صيفا لم تكن إذ ذاك في حوزته (٣).

وجرت بين آل العموديّ وأعقاب بدر إلى أيّام السّلطان عمر بن جعفر الكثيريّ ـ المتوفّى بعمان أوائل القرن الثّاني عشر ـ أحوال كثيرة ، ذكرنا ب «الأصل» نتفا منها كافية للتّعريف (٤).

__________________

(١) لم يترجم له في «المشرع» ، وإنما ذكره عرضا في ترجمة الفقيه المقدم.

(٢) أخبار آل العمودي يمكن الرجوع إلها في «تاريخ شنبل» ، و «العدة المفيدة» وغيرهما.

(٣) ينظر هذه الحوادث في «تاريخ بافقيه» : (٢٨٨ ـ ٢٨٩).

(٤) وفي «تاريخ الدولة الكثيرية» و «الصفحات» لباوزير ، أخبار من ذلك القبيل.


وفي قيدون صهريج واسع يحفظ لأهلها الماء ، تنطق وثائق أوقافه أنّه من عمارة السّلطان عامر بن عبد الوهّاب الطّاهريّ السّابق ذكره في بضه ، والآتي ذكره في ثبي وغيرها (١).

وقد أنجبت قيدون كثيرا من العلماء والفضلاء ، وكان السّيّد يوسف بن عابد الحسنيّ أحد تلاميذ الشّيخ أبي بكر بن سالم يدرّس بها علم التّوحيد أوائل القرن الحادي عشر.

ومن علمائها في القرن العاشر : الشّيخ محمّد بن عمر معلّم له ذكر في «مجموع الأجداد».

والشّيخ عبد الله بن سعيد العموديّ ، في أيّام القطب الحدّاد ، وقد امتحنه بشرح خطبة معقّدة ، فشرحها شرحا جميلا قضى له فيه القطب الحدّاد بالنّجاح.

وفيها من ذرّيّة السّيّد محمّد بن عبد الله بن علويّ الحدّاد (٢) : الفاضل الصّالح ، الحسن الخطّ عمر بن أبي بكر (٣) ، المتوفّى بها.

وخلفه ابنه النّاسك الكريم طاهر بن عمر الحدّاد (٤) ، المتوفّى بها سنة (١٣١٩ ه‍) كان آية في حفظ القرآن ، وكانت في لسانه حبسة شديدة ، حتّى لقد أراد أن يعقد بإحدى بناته فلم ينطلق لسانه إلّا بعد الفراغ من الطّعام ، وكانت العادة والسّنّة تقديم

__________________

(١) يقع الكريف القديم وهو الذي ذكره المصنف هنا في غربي قيدون ، ينظر وصفه في «الشامل» (١٩٦ ـ ١٩٧).

(٢) توفي الحبيب محمد هذا بذمار ، وذريته إنما هم : بتريم ، وهرر بالحبشة ، والهند ، وبجاوة : بانقيل ، وقرسي. وليس له ذرية بقيدون ، والذين سيذكرهم المؤلف لا حقا هم ذرية أخيه الحبيب علوي المتوفى بمكة سنة (١١٥٣ ه‍) ، ثم سيلحقهم بذرية عمه عمر بن علوي أخي الإمام الحداد.

(٣) ههنا وهم من المصنف ؛ فالسادة آل الحداد الذين بقيدون هم من ذرية السيد علوي بن عبد الله الحداد ، أو من ذرية عمّه عمر بن علوي.

والحبيب عمر بن أبي بكر الذي ذكره المصنف هو : عمر بن أبي بكر بن علي بن علوي ابن الإمام عبد الله الحداد ولد بتريم سنة (١١٨٥ ه‍) ، وتوفي بقيدون سنة (١٢٨٧ ه‍) ينظر : «الشامل» (٢٥٠ ـ ٢٥١).

(٤) السّيّد العلامة ، الصالح الفقيه المرشد ، مولده بقيدون سنة (١٢٤٩ ه‍) ، تفقه بوالده وبعلماء بلده.

وتوفي بها يوم السبت (١٥) محرم سنة (١٣١٩ ه‍). انظر «الشجرة العلوية».


العقد فلم يؤخّروه إلّا اضطرارا ، ولكن متى شرع في القراءة في الصّلاة .. اندفع بسرعة السّهام المرسلة.

ولمّا مات ولده محمّد .. تحاشى النّاس عن إخباره ؛ لأنّه الأمر العظيم ، لكنّه لم يظهر بعد ما أخبروه إلّا بأكمل ما يكون من مظاهر الرّضاء التّامّ ، فلم ينزعج ولم يتغيّر ، ولم يحلّ حبوته ، وما زاد على الاسترجاع والاستغفار للفقيد والتّرحّم عليه ، فذكرت ما رواه أبو نعيم وغيره : أنّه لمّا مات ذرّ بن عمر بن ذرّ جاء أهله يبكون إلى أبيه ، فقال لهم : ما لكم؟! إنّا والله ما ظلمنا ، ولا قهرنا ، ولا ذهب لنا بحقّ ، ولا أخطىء بنا ، ولا أريد غيرنا ، وما لنا على الله معتب ، فلمّا وضعه في قبره .. قال : رحمك الله يا بنيّ ؛ لقد كنت بي بارّا ، وكنت عليك شفيقا ، وما بي إليك من وحشة ، ولا إلى أحد بعد الله فاقة ، ولا ذهبت لنا بعزّ ، ولا أبقيت علينا من ذلّ ، ولقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك .. يا ذر ؛ لو لا هول المطلع .. لتمنّيت ما صرت إليه ، ليت شعري يا ذرّ ماذا قيل لك وماذا قلت (١).

وكذلك الحبيب طاهر لم يزد على التّرحّم على ولده والاستغفار له.

أمّا ولده محمّد بن طاهر الحدّاد (٢) : فقد كان طود المجد الرّاسخ ، وركن الشّرف الشّامخ ، تتحيّر الفصحاء في أخباره ، وتندقّ أعناق الجياد في مضماره.

متنقّل في سؤدد من سؤدد

مثل الهلال جرى إلى استكماله (٣)

لم يزل يتوقّل (٤) إلى العلا ، ويتسوّر إلى الشرف.

__________________

(١) في «حلية الأولياء» (٥ / ١٠٨).

(٢) السيد الشريف ذو القدر المنيف : محمد بن طاهر بن عمر الحداد ، ولد بقيدون سنة (١٢٧٣ ه‍) ، وتوفي بالتّقّل بجاوة سنة (١٣١٦ ه‍) ، صنف في مناقبه تلميذه ورفيقه في أسفاره السيد العلامة عبد الله بن طاهر الحداد كتابا سماه : «قرة الناظر» يقع في (٣) مجلدات ، وكتب عنه ابن أخته السيد عمر بافقيه في كتابه «صلة الأخيار» ، وتلميذه العلامة علوي بن طاهر الحداد في «الشامل» ، وصاحب «تاريخ الشعراء» (٥ / ٤٣ ـ ٥٢).

(٣) البيت من الكامل ، وهو للبحتريّ في «ديوانه» (٢ / ٣٥).

(٤) يتوقّل : يعلو.


ويبيت يحلم بالمكارم والعلا

حتّى يكون المجد جلّ منامه (١)

لا يصعد قلّة .. إلّا تسنّم ذراها ، ثمّ اندفع إلى ما وراها.

ما زال يسبق حتّى قال حاسده :

له طريق إلى العلياء مختصر (٢)

ينقطع دونه الكلام ، وتتحيّر في وصفه الأقلام.

لم أجر غاية فكري منه في صفة

إلّا وجدت مداها غاية الأبد (٣)

له همم تنفسخ منها الجبال ، فضلا عن قوائم الرّجال.

همّة تنطح النّجوم بروقي

ها وعزّ يقلقل الأجبالا (٤)

وقد بلغ من شهامته وكبر همّته أنّه كان يحاول إغناء العلويّين بحضرموت من أدناها إلى أقصاها مع تحمّله من الدّيون الّتي أثقلت كاهله ولذاك ، أشار عليه أبوه ـ من أجلها ـ أن يتوجّه إلى حيدرآباد ، وكان له بها قدر عظيم ، وشأن فخيم ، وأسلم على يده كثير من النّاس ، إلّا أنّه كان بين جنبيه نفس عظيمة ، غالى بها عن الكرام حتّى لم يكن الطّغرّائيّ إلّا كالسّوقة في جنب الملك حيث يقول :

غالى بنفسي عرفاني بقيمتها

فصنتها عن رخيص القدر مبتذل

فوقع بذلك وبموافقته للعلّامتين أبي بكر بن شهاب ومحمّد بن عقيل في الإعراض عن السّلطان عوض بن عمر أن لاقاه ، واستعدّ لإنزاله في قصره ، وعمل لقدومه ضيافة عظيمة ، فتركها وكان في ذلك تمهيد السّبيل لمن كان يحسده من العلويّين ففتلوا في الذّرى والغوارب لفشله .. فلم يقع له ما يروم من أمله ولم يتيّسر قضاء دينه إلّا بعد انقضاء أجله ، ومنهم حسبما يتعالم النّاس : حسين وحسين وأبو حسين ـ ولا أدري كم عددهم يومئذ ؛ فإنّ المنايا تخطّفتهم ، والبلدان توزّعتهم ؛ فهم أقلّ بكثير ممّا

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو للبحتريّ في «ديوانه» (٢ / ٤١).

(٢) البيت من البسيط ، وهو للبحتريّ أيضا في «ديوانه» (٢ / ٣٠٩).

(٣) البيت من البسيط ، وهو للمتنبّي في «العكبريّ» (١ / ٣٥٢).

(٤) البيت من الخفيف ، وهو للمتنبّي في «العكبريّ» (٣ / ١٣٤) باختلاف بسيط. الرّوق : القرن.

يقلقل : يحرّك. الأجبالا : جمع جبل.


انتهوا إليه سنة (١٢٠٢ ه‍) إذ بلغ عددهم (١) بالتّحقيق يومئذ عشرة آلاف نفس.

في «تاريخ ابن حميد» : (أنّ القطب الحدّاد أشار بإحصاء العلويّين في سنة (١١١٨ ه‍) ؛ لدراهم وصلت من الهند على اسمهم ، فبلغوا نحوا من ألفين بعدّ الصّغار والكبار والذّكور والإناث ، من السّوم شرقا .. إلى هينن غربا) (٢).

والعجب أنّهم لم يدخلوا دوعن في حضرموت في هذا العدّ ، فلعلّ الدّراهم مخصوصة بأهل هذه النّاحية ، وإلّا .. أشكل الأمر (٣).

وأمّا في سنة (١٢٠٢ ه‍) .. فقد بلغ عددهم عشرة آلاف ؛ إذ جاءت صلة صاحب المغرب ودفعوا لمن بدوعن ومن بالشّحر ومن بأسفل حضرموت حسبما فصّلناه بالجزء الأوّل من «الأصل» ولا إشكال ؛ لأنّ الاعتبار إنّما هو بما انحطّ عليه اعتمادهم بإجماعهم آخرا ، وقد أحضرت الأنفس الشّحّ في صلة المغربيّ ، وهي متأخّرة عن تلك ، والعلماء في أيّامها أكثر ، ولا شكّ أنّهم مطّلعون على ما كان أيّام القطب الحدّاد من مثل ذلك فلا مجال للشّكّ ، لا سيّما وأنّ القطب الحدّاد من أهل الاجتهاد لا يتقيّد بمنقول المذهب بخلافهم.

ومن كتاب سيّره السّيّد عليّ بن شيخ بن محمّد بن شهاب للشّريف سرور بن مساعد بن حسن صاحب مكّة بتاريخ (١١٩٩ ه‍) يقول : وصلت الدّراهم وقدرها ثمانون ألف ريال وفرّقت على جميع السادة القاطنين بحضرموت من ثمانية ريالات إلّا ربع ، وتحديد حضرموت من عين بامعبد إلى ظفار.

وقد اتفق العلويون إذ ذاك على تفويض الأمر في قبض الدراهم وتحرير مشجّر للعلويّين ـ على حسابها ـ إلى السّيّد عليّ بن شيخ بن شهاب.

وأمضى في أعلى المسطور السّادة : سالم بن أحمد ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم

__________________

(١) أي : عدد آل باعلوي في جميع حضرموت.

(٢) «العدة المفيدة» (١ / ٢٧١). وفيه : أن عددهم (نحو ألف).

(٣) التحقيق أن دوعن بكافة أوديته الرئيسية والفرعية يدخل ضمن حدود حضرموت الكبرى ، لكن جرى العرف حتى عند أهل دوعن أن يقولوا للنازل إلى الوادي الكبير أنه خرج قاصدا حضرموت ، ويعنون بها ماوراء الهجرين من وادي العين إلى الكسر ، فالقطن ، فشبام ، فسيئون ، فتريم.


وأحمد بن عبد الله بن محمّد بن عليّ العيدروس ، وصادق بن شيخ العيدروس ، وسالم بن صالح العطّاس ، وحسين بن علويّ ، وهاشم ، وحسين وعبد الله ابنا أحمد ، وحسين وزين وأحمد بنو حسين بن أبي بكر ، وأحمد وعليّ ابنا محسن ، وأبو بكر بن عليّ ، وكافّة آل حسين بن عليّ العيدروس.

وفي أسفله : حسين بن أحمد بن سهل جمل اللّيل ، وأحمد بن حسن بن عبد الله الحدّاد ، وعمر بن أحمد بن حسن بن عبد الله الحدّاد ، ومحمّد بن حسن بن محمّد مولى خيله ، ومحمّد بن أبي بكر العيدروس ، وإسماعيل بن عيدروس بن عليّ بن عمر بن حسين ، وعليّ بن شيخ بن شهاب ، وطالب بن حسين بن عمر العطّاس ، وعبد الرّحمن ابن حسين العطّاس ، وعمر بن سقّاف بن محمّد بن عمر بن طه ، وهادون بن عليّ الجنيد ، وأحمد بن جعفر بن أحمد بن زين الحبشيّ ، وعبد القادر بن جعفر بن أحمد بن زين الحبشيّ ، وخادم الشّرع بتريم عمر بن إبراهيم المؤذّن بافضل ، وطالب بن عوض بن يحيى ، والمكتوب إليهم من أمين الدّراهم عبد الله بن حسين بن سهل ، وسالم بن أحمد بن عليّ ابن الشّيخ أبي بكر ، ومحمّد بن أبي بكر بن محمّد بن عبد الرّحمن العيدروس ، ومحمّد بن عبد الرّحمن العيدروس ، وأحمد بن حسن بن عبد الله الحدّاد ، وحامد بن عمر بن حامد ، وعليّ بن شيخ بن شهاب.

وفي حدود سنة (١٣١١ ه‍) أصفق (١) العلويّون ـ ومنهم سيّدنا الأستاذ الأبرّ فمن دونه ـ على تقديم صاحب التّرجمة السّيّد محمّد بن طاهر الحدّاد ، فوضعوا في كفّه لواء نقابتهم ، وعلى رأسه عصابة شرفهم ، وعلى منكبه رداء زعامتهم ، وأسجلوا له بذلك على أنفسهم ، وكتبوا له عهدا وثيقا ، فكان كما قال ذو الرّمّة [في «ديوانه» ١١٩ من الطّويل] :

وما زلت تسمو للمعالي وتجتني

جنى المجد مذ شدّت عليك المآزر (٢)

إلى أن بلغت الأربعين فأسندت

إليك جماهير الأمور الأكابر

فأحكمتها لا أنت في الحكم عاجز

ولا أنت فيها عن هدى الحقّ جائر

__________________

(١) أصفق : أجمع.

(٢) مذ شدّت عليك المآزر : أي من الحين الّذي خرجت فيه من حدّ الطّفولة ، وأصبحت تلبس المآزر.


وقد جرت بينه وبين العلّامة السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ مناقضات ، منها : أنّ هذا جزم في كتاب سيّره إليه بدخوله تحت دائرته وإن لم يشعر ، فأنكر الأوّل ذلك ـ وكان يتواضع أشدّ التّواضع بين يدي أستاذنا وأستاذه الأبرّ عيدروس بن عمر ـ وتقدّم إليه بأسئلة جزلة تدلّ على صدق حال وغزارة مادّة ، فأجابه الأستاذ بأفضل جواب.

وجرت بينه وبين علّامة جاوة السّيّد عثمان بن عبد الله بن عقيل بن يحيى (١) محاورات في الأوتار ؛ لأنّ الأوّل يحضرها والسّيّد عثمان يشتدّ في منعها ، وقد بسطت القول عن هذه المسألة في «بلابل التّغريد» بما لا يوجد في سواه.

وقد كان ما اشتهر من محاسن هذا الإمام ، وملأ سمع الأرض وبصرها .. يملأ قلبي حسرة ؛ إذ لم يقدّر لي الاجتماع به ، مع أنّه قدم ذات المرّات إلى سيئون وأنا موجود ، وقلّ من زارها من أهل الفضل إلّا زار والدي في مكانه علم بدر الّذي انجمع فيه بالآخرة عن النّاس (٢). بل لا يوجد من يتخلّف عنه سوى من كان يتودّد إلى طائفة باطويح القاعدين بكلّ مرصد يصدّون البسطاء عن سبيله وعن سبيل سيّدنا الأستاذ الأبرّ ومن على شاكلتهم ، ومعاذ الله أن يتأثّر بكلامهم السّيّد محمّد بن طاهر ، وهو الّذي لا يقعقع له بالشّنان (٣) ، ولكنّني لا أحفظ زيارته لوالدي مع أنّي لم أفارقه إلّا للحجّ في سنة (١٣٢٢ ه‍) ، وما كنت لأنسى زيارته لوالدي لو كانت ، وأنا أحفظ كلّ من زاره من أهل الفضل منذ الرّابعة من عمري ؛ لأنّه يقدّمني إليهم ـ ليبرّكوا عليّ ويلبسوني ولأقرأ عليهم شيئا من القرآن أو حديث معاذ في العلم وعلّ وصوله حضرموت صادف مرضي الشّديد في سنة (١٣١٣ ه‍) ؛ فإن كان كذلك .. فقد انحلّ الإشكال ـ إلّا أنّه يبلّ من غليل تلك الحسرة ما كان يمثّله لنا السّيّد عبد القادر بن محمّد السّقّاف ـ الآتي ذكره ـ من كلامه وقراءته ومشيته.

__________________

(١) توفي السيد عثمان في بتاوي جاكرتا يوم الأحد (٢١) صفر سنة (١٣٣٢ ه‍). وهو صاحب المصنفات الكثيرة الجمة.

(٢) أي : انقبض عنهم واعتزلهم.

(٣) القعقعة : صوت الشّيء الصّلب على مثله. الشّنان : القرب والجلود اليابسة. ومعناه : أنّه ليس ممّن تفزعه القعقعة. وهو مثل عربيّ يضرب للرّجل الشّهم الشّجاع لا يفزع بالوعيد.


ثمّ انحدر بعد ذلك إلى جاوة ، وأدركته المنيّة بالتّقّل ـ إحدى مدنها ـ في سنة (١٣١٦ ه‍) ، عن اثنين وأربعين ربيعا ، فكان أكبر من قول حبيب [أبي تمّام في «ديوانه» ٢ / ٢١٧ من الطّويل] :

فتى سيط حبّ المكرمات بلحمه

وخامره حقّ السّماح وباطله (١)

فتى جاءه مقداره ، واثنتا العلا

يداه ، وعشر المكرمات أنامله (٢)

فتى ينفح الأيّام من طيب ذكره

ثناء كأنّ العنبر الورد شامله

وقد زرت قبره ، وألفيت عليه من المهابة والجلال ما ذكّرني بقول الأوّل [من الطّويل] :

على قبره بين القبور مهابة

كما قبله كانت على ساكن القبر

وبإثره تقيّض فريقه ، وانتهج طريقه ولده الفاضل علويّ (٣) ؛ فلقد أحيا قدّته ، وأظهر جدّته ، وأطال مدّته ، وأعاد جوده ونجدته ، فما زال طويل العماد ، كثير الرّماد (٤) ، فحماد له حماد.

تنميه في قلل المكارم والعلا

زهر لزهر أبوّة وجدود (٥)

فرع من النّبع الشّريف إذا هم

نسبوا وفلقة ذلك الجلمود

__________________

(١) سيط : خلط. خامره : خالطه.

(٢) المقدار : الأجل.

(٣) ولد الحبيب علوي بن محمد بن طاهر الحداد بقيدون في رجب (١٢٩٩ ه‍) ، وتوفي بجاوة في سنة (١٣٧٣ ه‍) ، كان من أهل العلم وأهل الكرم والجود ، وله أعمال خيرية ، ومآثر تشهد له ، جمع شيئا من كلامه ومواعظه تلميذه السيد محمد بن سقاف الهادي ، وتلامذته كثيرون. ترجمته في : «تاريخ الشعراء» (٥ / ٢٥٩) ، «تعليقات ابن شهاب على شمس الظهيرة» (٢ / ٥٦٣) ، و «قرة الناظر» لتلميذه العلامة عبد الله بن طاهر .. وغيرها.

(٤) كثير الرّماد : كناية عن الكرم ؛ لأنّه يلزم من كثرة الرّماد كثرة الحطب المحروق ، وهو دليل على كثرة الطّبخ ، وكثرة الطّبخ دليل على الكرم.

(٥) البيتان من الكامل ؛ وهما لأبي تمّام في «ديوانه» (١ / ٢٢١) تنميه : تنسبه. قلل : قمم. زهر الأولى : اسم قبيلته. زهر الثّانية : ـ جمع أزهر ـ : وهو مشرق الوجه.


ويذكر أخوه الحسين (١) بجود غزير ، وفضل كبير ، يأتي فيه بحقّ قول الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ٢ / ٨ من البسيط] :

لو أنّ عين أبيه اليوم ناظرة

تعجّب الأصل ممّا أثمر الطّرف

ومن الأسف أن تستأثر جاوة بأمثالهم ، لكنّ الأمر كما قال حافظ [في «ديوانه» ١ / ٢٦٩ من البسيط] :

كم غادة في ظلام اللّيل باكية

على أليف لها يهوي به الطّلب

لو لا طلاب العلا لم يبتغوا بدلا

من طيب ريّاك لكنّ العلا تعب

وفي قيدون جماعة من ذرّيّة السّيّد عمر بن علويّ بن محمّد بن أحمد الحدّاد (٢) ، أخي القطب الحدّاد ، منهم :

الصّالح الفاضل السّيّد عبد الله بن طه بن عبد الله (٣) ، له أحوال غريبة ، ودعاء مستجاب ، يأخذه عند ذكر الموت حال عظيم يخرجه عن حسّه ويذهب به هائما على وجهه.

وعلى قريب من حاله كان ولده الدّاعي إلى الله محمّد ، المتوفّى بسيئون في أوائل سنة (١٣٢٤ ه‍).

وكان عيشه على قدم التّوكّل ، ولا تخلو عصمته عن أربع زوجات ، وله نوادر ، منها :

أنّه تعشّى عند أمّه في حوطة آل أحمد بن زين ، فقال : أريد السّمر عند بعض الإخوان.

فقالت : خذ مفتاح الدّار معك ؛ حتّى لا توقظني بقرع الباب.

__________________

(١) ولد السيد الحسين بن محمد بقيدون ، وتوفي في جاوة ، كان شهما أبيا محسنا اشتهر بالكرم وبذل الموجود ، على صفاء طوية وحسن نية.

(٢) توفي بتريم سنة (١١١٢ ه‍) ، وله ذرية كثيرة بسيئون والحوطة ودوعن والهند وجاوة ، وفي بيحان وأرض الرّصّاص وغيرها.

(٣) ولد بحاوي الحوطة ، وتوفي بها سنة (١٢٩٤ ه‍) ، أفرده بالترجمة حفيده العلامة علوي بن طاهر ، وهي ترجمة مفيدة ، تسمى : «نور الأبصار» ، ويلقب الحبيب عبد الله هذا بالهدار ؛ لكثرة هديره بالذكر.


فعنّ له أن يذهب إلى الفجير على نحو تسعة أميال من الحوطة ودون الميل من سيئون ، وكره أن يزعج أهل الفجير بالقرع ، فعمد لجذع طويل ألفاه هناك ، فتسلّق عليه منزل زوجته ابنة السّيّد شيخ بن أبي بكر مولى خيله ، ولمّا قضى وطره منها .. عنّ له أن يذهب إلى سيئون ، فحمل الجذع وتسوّر به على بيت امرأته الأخرى بسيئون ـ وهي أمّ السّيّدين : إبراهيم وموسى آل الحبشيّ ـ ولمّا أخذ مأربه منها .. ردّ الجذع إلى موضعه بالفجير ، ثمّ سرى ، ولمّا كان بالغرفة .. دخل جامعها وتطهّر وتهجّد ما شاء ، ثمّ سرى إلى الحوطة ، فلمّا وصلها .. عرف أنّه نسي مفتاح الدّار بجامع الغرفة ، فرجع أدراجه وأخذه من الميضأة ، وسار إلى الحوطة ، ولم يصلها إلّا بعد مطلع الفجر.

ومن نوادره : أنّ زوجته الّتي بسيئون هي بنت عمّه ، واسمها : شيخة بنت محمد الحدّاد ، وكان كلّما زارها .. وجد عندها ابنيها إبراهيم وموسى ابني عمر بن شيخ بن هاشم بن محمّد بن أحمد الحبشيّ .. فلم يتمكّن من الخلوة بها ، حتّى جاشت نفسه ذات يوم ، فقال :

خيره في العشق لي

فيه النّكد والنّغص

حلّيت في حصن لكن

فيه جملة لصص

خليّ خلي لي ول

كنّه شرد وافتحص

جفل كما الصيد لا

قد شاف همزة مقص (١)

ولو معي قرش باقنص

مثل من قد قنص

وكان وجد منها فرصة ، ولمّا جلس بين شعبها .. أحسّت بقدومهما ، فنهضت من تحته فقال الأبيات .. فأجابته من حينها بقولها :

قال ابن هاشم من ال

مولى هي الّا حصص

لو حد قسم غير ربّي

قلت قسمي نقص

__________________

(١) جفل : فر هاربا.


لو كنت عاشق دهنت

السير وارميت خص

لا جبت لي شرك في

قادم ولا جبت قص

من يطعم الخيل وكّب

به إذا شا ورصّ

كانّك بغيته على

ذا الشور والّا خلص

وذكرت عند هذا أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم كلّما دخل على أمّ سلمة بإثر بنائه عليها .. بكت بنتها ، فأخذت تعلّلها بالرّضاعة حتّى أخذها عمّار بن ياسر ـ وكان لها محرما ـ وقال : لقد حرمت هذه المقبوحة المشقوحة (١) رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ممّا يريد (٢).

ومن ذرّيّة السّيّد عبد الله بن طه بقيدون : السّيّدان الجليلان : الواعظ العابد الصّالح عبد الله بن طاهر (٣). والعلّامة الجليل علويّ بن طاهر (٤) ، علم علوم ، ونبراس فهوم.

__________________

(١) المشقوحة : المبعدة.

(٢) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٤ / ١٨).

(٣) العلامة الفقيه المرشد الصالح ، مولده بقيدون سنة (١٢٩٦ ه‍) ، من أعيان قيدون ، وكان يسافر إلى جهة الهند وجاوة ، ولم يزل قائما برباط العلم بقيدون .. حتى توفي سنة (١٣٦٨ ه‍) ، وله عدد من المصنفات ، ينظر : «تاريخ الشعراء» (٥ / ٢٤٧ ـ ٢٥٦) ، «الدليل المشير» (١٩٦ ـ ٢٠٣).

(٤) الإمام المحدث ، المفسر المسند ، الفقيه المؤرخ الجهبذ ، وحدث عن البحر ولا حرج ، وهو القائل فيه الشاعر صالح بن علي الحامد :

هذا الذي إن سما شعب يباهلنا

بعبقري به جئنا نباهله

ولد سنة (١٣٠١ ه‍) بقيدون ، وتوفي بجوهور في ماليزيا سنة (١٣٨٢ ه‍) ، وصنف المصنفات الرائعة النافعة ، التي لم يسبق إليها ؛ وانظر : «الدليل المشير» (٢٣٥ ـ ٢٤٠) ، «تاج الأعراس» ، «شمس الظهيرة».

ومن أعيان آل الحداد بها أيضا : السيد السند الداعي إلى الله ، الإمام العلامة الأديب المهيب : أحمد المشهور بن طه بن علي بن عبد الله الهدار الحداد ، المولود بها حدود سنة (١٣٢٢ ه‍) ، والمتوفى بجدة في ١٦ رجب (١٤١٦ ه‍). كان من كبار أدباء وعلماء عصره ، طلب العلم على عميه السيدين عبد الله وعلوي ابني طاهر الحداد ، واستقر في أفريقيا بكينيا ناشرا للدين الإسلامي ، ودخل على يديه إلى الإسلام ألوف مؤلفة ، له مصنفات ؛ من أجلها : كتاب «مفتاح الجنة» طبع مرّات وترجم إلى عدّة لغات ، وله «السبحة الثمينة في نظم مسائل السفينة» و «ديوان» احتوى على غرر القصائد ، وغير ذلك ، ولابنه السيد حامد ترجمة موسعة له طبعت مؤخرا.


ويكنى باسمه عن فضل علم

وكلّ اسم كنايته فلان (١)

فهو الخطيب المصقع (٢) ، والفقيه المحقّق ، والمحدّث النّقّاد ، وله في التّفسير الفهم الوقّاد ، ومؤلّفاته شاهدة وآثاره ناطقة (٣) ، ولم أعرف مبلغ معرفته بالفقه ، إلّا أنّه اختلف من نحو ثلاثين عاما هو والقاضي الشّيخ عبد الله سعيد باجنيد في مسألة في الشّفعة ، وكتب في ذلك رسالة أسهب فيها حتّى انتهى إلى الثّناء على السّيّد الفاضل حسن بن عبد الله الكاف ، ولمّا رفع إليّ كلام الاثنين للنّظر أظنّني ـ والعهد بعيد ـ رجّحت كلام القاضي ، فرأيت منه جفوة من حينئذ ما كان له أن يتحمّلها ؛ إذ لم يزل العلماء بين رادّ ومردود عليه ، لكنّ الإنصاف عزيز ، ولهذا لم أعامله بمثلها كما يعرف النّاس ، وإن انضمّ إلى ذلك اختلاف الآراء بشأن الرّابطة حسبما فصّل ب «الأصل».

وكان على الإفتاء في بلاد جهور من ناحية الملايا ، ثمّ انفصل في أيّام الحرب المشؤومة اليابانيّة.

وسبب كونهم بقيدون ما أخبرني به قاضي الحوطة الأسبق الفاضل السّيّد عبد الله بن حسين بن عبد الله الحبشيّ : أنّ جدّه لأمّه شفاء وهو السّيّد عبد الله بن طه بن عبد الله بن طه بن عمر بن علويّ الحدّاد ـ السّابق ذكر تردّده إلى هناك ـ حمل معه ابنه طاهرا ، فتزوّج على الشّريفة شفاء بنت عيسى أخت الحبيب عبد الرّحمن بن عيسى الحبشيّ ، وأولدها عبد الله في سنة (١٢٩٦ ه‍) ، وعلويّا في سنة (١٣٠١ ه‍) ، وفي نفاسها به مرّ عليه في قيدون عمّه جعفر بن طه ـ الآتي ذكره في الحاوي ـ وقال له : لماذا تجلس بقيدون تضع الأولاد؟! فتعال معي إلى جاوة ، ففعل ، ومات بعد

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لأبي العلاء المعريّ في «سقط الزّند» (٧٠) ، باختلاف بسيط.

(٢) الخطيب المصقع : البليغ الماهر.

(٣) ومن مؤلفاته رحمه الله : «عقود الألماس» و «المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى» ، مطبوع ، و «القول الفصل فيما لبني هاشم وقريش والعرب من الفضل» ، في مجلدين كبيرين ، و «الكلمات الجامعة في تفسير سورة الواقعة» ، و «دروس السيرة النبوية» ، و «إعانة الناهض في علم الفرائض» ، و «الفوائد اللؤلؤية في القواعد النحوية» ، ومؤلفاته تزيد على الستين.


وصوله بشهر ونصف شهر ، فعاشا في كنف أمّهما وأبيها ، وكانت أمّ أعمامهم محمّد وحسن وعليّ ـ وهي سعديّة بنت الحبيب محمّد بن أحمد بن جعفر بن أحمد بن زين الحبشيّ ـ تبعث لهم بالمواساة ، ولمّا يفع عبد الله .. نجع إليها بحوطة آل أحمد بن زين ، فكفلته ، وكان يتردّد إلى الغرفة ؛ فله أخذ عن الأستاذ الأبرّ الحبيب عيدروس بن عمر ، ولمّا استغلظ علويّ .. قدم عليها أيضا ، فآوته ؛ إلّا أنّها شغلته بالخدمة حتّى أنّها لا تمكّنه من حضور الرّوحة بالحوطة. هذا آخر كلام القاضي عبد الله بن حسين.

وأشهر أولاد عبد الله بن طه حالا ، وأعلاهم كعبا ، وأكثرهم جمالا : هو شيخنا صاحب النّفس الأبيّة ، والهمم العليّة ، والشّهامة والأريحيّة ، كثير العبادة والتّلاوة والأذكار ، ظاهر السّيادة والسّعادة والأنوار ، صالح بن عبد الله ، زرته بداره في نصاب آخر سنة (١٣٤٩ ه‍) فأجلّني وأكرمني وألبسني وأجازني وشابكني ودعا لي بدعوات عظيمة.

وممّن بقيدون من السّادة : آل بافقيه ، وقد مرّ في الخريبة ذكر السّيّد أبي بكر بن محمّد بافقيه (١) ، وأثنى عليه شيخنا المشهور في «شمس الظّهيرة» ، وقال : «إنّه توفّي بقيدون في سنة (١٠٥٣ ه‍)».

ثمّ رأيت الشّليّ ترجم له في «مشرعه» وأطنب في الثناء عليه ، وذكر له علما جمّا وفضلا كثيرا (٢).

وبقيدون جماعة من ذرّيّة السّيّد عمر بن عبد الرّحمن بن عقيل بن عبد الرّحمن السّقّاف (٣) ، وهم : آل باعقيل :

منهم : السّيّد الصّالح عبد الرّحمن ، صاحب المشهد المعروف بصيف ، توفّي ببضه منقرضا.

__________________

(١) انظر ترجمته في «الشامل» (٢٤٠ ـ ٢٤١).

(٢) «المشرع الروي» (٢ / ٤٤ ـ ٤٥).

(٣) توفي السيد عمر بن عبد الرحمن سنة (٩٦٧) أو (٩٩٧ ه‍) ، وأما والده فتوفي بتريم سنة (٩١٠ ه‍). وتقدم أن جده عقيل توفي بتريم سنة (٨٧١ ه‍).


ومنهم : السّيّد عمر بن علويّ باعقيل ، جمع ثروة طائلة بسربايا من أرض جاوة ، ولم ينس حقّ الله فيها ، من إعانة الضّعيف ، وإغاثة اللهيف ، وبقي مع كثرة أمواله على حاله من التّواضع ، توفّي بسربايا ، لعلّه في سنة (١٣٢٨ ه‍) ، وخلّف أولادا ، منهم : محمّد ، السّابق خبره في الضّليعة.

ومنهم : أحمد ، قتله السّيّد محمّد بن عبد الله بن عمر البارّ ظهر النّهار علنا ، وهو راكب سيّارته في الطّريق العامّة بسربايا.

ومنهم : محسن وحسين ، قامت بينهم منازعات تلفت فيها أكثر أموالهم. وقد سبق في خبر محمّد أنّ إخوانه دفعوا عنه بأمره خمسين ألف روبيّة للقعيطيّ ، وهي الّتي توقّف إطلاقه من السّجن على دفعها ، وقد تعهّد محمّد بتسليم مقابلها ، وأعطاهم وثيقة بذلك وهو مختار ، وعلّق طلاق نسائه بالثّلاث بتأخّره عن دفعها لهم مدّة معيّنة بعد القدرة ، مضت تلك المدّة وهو رخيّ الخناق ، وبقي مع نسائه مع عدم عذره في المطل ، ولمّا وصلت سربايا سنة (١٣٤٩ ه‍) .. سألني أصهاره (١) من بني عمّه .. فأفتيتهم بنفوذ الطّلاق.

ومنهم : السّيّد النّزيه النّديم ، الخفيف النّسيم ، صاحب النّوادر اللّطيفة ، والحالات الشّريفة ، عبد القادر بن محمّد السّقّاف (٢) ، وهو من المعمّرين ، عاش في أكناف الأكابر ، وحظي باعتنائهم وصحّة ولائهم ، وله دالّة عظيمة عليهم ، وكثيرا ما يمثّل هيآتهم وأصواتهم وقراءاتهم ، وكيفيّات مشيهم وحركاتهم ، فيخفّف من حسرتنا على عدم الاجتماع بكثير منهم ؛ كسيّدي طاهر بن عمر الحّداد ، وابنه محمّد ، وسادتي : عمر بن هادون ، ومحمّد بن صالح ، وعمر بن صالح ، وأمثالهم. وفي ذلك التّمثيل نوع من الوصال ليس بالقليل ، وهو الآن بمكّة المشرّفة على ضيافة صاحب المروءة الشّيخ عبد الله سرور الصّبّان ، أحسن الله جزاءه.

__________________

(١) الأصهار : أقارب الزّوجة.

(٢) وهو من آل باعقيل ، واشتهر بالسقاف ، توفي حدود سنة (١٣٦٧ ه‍) بقيدون ، وله بها ذرية وبجاوة.


وفي قيدون جماعة من السّادة آل الحبشيّ ، من آخرهم : الفاضل الجليل ، السّيّد عبد الرّحمن بن عيسى الحبشيّ (١) ، كان على قضائها في سنة (١٣٢٩ ه‍) وعنده علم غزير ، وتواضع كثير ، ونزاهة تامّة ، وصدر واسع ، وجانب سهل.

وآل قيدون يتعالمون بأخبار كبيرة عن نجاح الشّيخ أحمد بن سعيد باداهية (٢) في علاج الأمراض بطبّه العربيّ ، لو لا انتهاؤها إلى التّواتر المعنويّ .. لكذّبناها ؛ لأنّها ممّا تدهش العقول.

وفي قيدون عدد ليس بالقليل من حفّاظ كتاب الله ، وبينما أنا مرّة عند السّيّد حسين بن حامد المحضار بالمكلّا .. ورد شيخ من آل العموديّ ، يقال له : بن حسن ، عليه زيّ البادية ، فإذا به يحفظ كتاب الله ويجيد قراءته! ولمّا اشتدّ إعجابي به .. قال لي العمّ حسين : لكنّه سارق! فسألته ، فقال : نعم إنّي لأحد جماعة من الحفّاظ ، إذا كان من أوّل اللّيل .. سرقنا رأس غنم على أحد أهل قيدون واشتويناه ، ثمّ إذا كان من آخر اللّيل .. سرنا إلى الجامع نتدارس آيات القرآن بظهر الغيب.

وما أدري أقال ذلك مازحا ، ليوافق هوى الوالد حسين ، أم عن حقيقة؟ غير أنّني عند هذا تذكّرت ثلاثة أمور :

الأوّل : ما جاء في «مسند الإمام أحمد» [٢ / ٢٤٧] ونصّه : حدّثني عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا وكيع ، حدّثنا الأعمش ، قال : أنبأنا أبو صالح ، عن أبي هريرة قال : (جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : إنّ فلانا يصلّي باللّيل ، فإذا أصبح .. سرق! قال : «إنّه سينهاه ما تقول») وهذا السّند جيّد.

الثّاني : لمّا كنت بسربايا في سنة (١٣٤٩ ه‍) .. حضر مجلسنا رجل أصله من مكّة ، يقال له : محمود ، فقرأ لنا حصّة من الكتاب العزيز بصوت جميل كاد يقتلع

__________________

(١) هو السيد الفقيه عبد الرحمن بن عيسى (١٢٩٦ ه‍) بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن محمد ابن الحبيب عيسى بن محمد بن أحمد صاحب الشعب الحبشي ، توفي المترجم في حدود (١٣٥٠ ه‍) ، وترجم له ابن أخته العلامة علوي بن طاهر في «الشامل».

(٢) آل باداهية من الأسر العمودية ، يسكنون قيدون.


قلبي من مكانه ، فطربت لذلك ، وأمرتهم بالاكتتاب له ، فقالوا : إنّه يشرب الخمر! فقلت لهم : إنّ من أدرج كتاب الله بين جنبيه ، وحبّره هذا التّحبير .. لجدير أن لا يموت إلّا على حسن الختام ، وذكرت الحديث ، فاكتتبوا له على قدر هممهم بنحو من ثلاث مئة ربيّة.

والثّالث : قول النّجاشيّ الحارثيّ يهجو أهل الكوفة [من البسيط] :

إذا سقى الله قوما صوب غادية

فلا سقى الله أهل الكوفة المطرا

التّاركين على طهر نساءهم

والنّاكحين بشطّي دجلة البقرا

والسّارقين إذا ما جنّ ليلهم

والدّارسين إذا ما أصبحوا السّورا

ألق العداوة والبغضاء بينهم

حتّى يكونوا لمن عاداهم جزرا

وما إخاله في ذلك بارّا ولا راشدا ، وكيف يصدق وقد بلغ به الفسوق إلى انتهاك حرمة رمضان بالسّكر في أوّل يوم منه ، فحدّه مولانا عليّ بن أبي طالب وزاده عشرين فانسلّ إلى معاوية مع أحد نهد في خبر طويل ذكره شارح «النّهج».

وقد قال سفيان بن عيينة : (خذوا الحلال والحرام عن أهل الكوفة).

ومن النّوادر : ما أخبرني به منصب المشهد السيّد أحمد بن حسين : أنّ العبيد بدوعن ـ وفيهم كثرة لذلك العهد ـ يجتمعون ويتبعهم العتقاء لزيارة الشّيخ سعيد بن عيسى في آخر جمعة من رجب ، ويدخلون والخطيب في خطبته بطبولهم ومزاميرهم ، فقام لهم مرّة أحد آل العموديّ فكسرها عليهم ، وهمّوا بقتله لكنّهم احترموه لأنّ خاله الشّيخ عمر بن عبد القادر العلّامة المشهور الشّبيه الحال بالشّيخ بامخرمة ، ولكنّهم أجمعوا على الجلاء واجتمعوا بالسّويدا ـ وهي نخيل قيدون ـ فقال بعضهم : إنّ بالسّويدا رجالا.

وبينا هم معسكرون هناك للرّحيل بقضّهم وقضيضهم ـ وقد عجز أهل دوعن عن صدّهم ، مع أنّ أكثر أعمالهم وخدمهم متوقّفة عليهم ـ .. إذ جاء العلّامة السّيّد عليّ بن حسن العطّاس فسار إليهم ـ ومعه الشّيخ عمر بن عبد القادر العموديّ ـ وأعطاهم البنّ


ليطبخوا القهوة ، وسألهم عن شأنهم فأخبروه ، فقال لهم : لا تطيب لنا الأرض من بعدكم فسنرحل معا ، وما زال يلاينهم حتّى تمّ الأمر على أن تبقى زيارتهم بحالها وعلى أن تحبسوا الشّيخ الّذي كسر طبولهم شهرا ، وسوّيت القضيّة.

ثمّ إنّ الشّيخ عمر بن عبد القادر ـ أحد تلاميذ الأستاذ الحدّاد ـ قد قيل له : إنّ الشّيخ عمر بن عبد القادر يريد أن يكون مثل بامخرمة ، فقال الأستاذ الحدّاد : إنّه لأعظم حالا منه ، وكان يستعمل السّماع إذا وصل كحلان ، أمّا في تريم .. فلا ؛ أدبا. وقال مرّة للحبيب عليّ بن حسن العطّاس : ما قصرن إلّا القحيبات ؛ يعني : البغايا.

وقد ترجمه السّيّد عليّ بن حسن العطّاس وبالغ في الثّناء عليه ، وترجمه أيضا الشّيخ محمّد بن ياسين باقيس ، وكانت وفاته سنة (١١٤٧ ه‍) ، وهو من أهل التّخريب ، وذكره الشّيخ عبد الله بن أحمد باسودان في مواضع من كتبه ك «جواهر الأنفاس» وغيره.

عود إلى أخبار آل العموديّ ورئاستهم بعد انقسامهم : قد مرّ في بضه أنّ الكساديّ استولى على أكثر دوعن في حدود سنة (١٢٨٦ ه‍) ، غير أنّ العموديّين اجتمعوا إثر اغتيال الكساديّ أحد المشايخ ، وهو الشّيخ محمّد بن شيخ العموديّ ، في سنة (١٢٨٨ ه‍) (١) ، ونجعوا بالرّئاسة العامّة للشّيخ صالح بن عبد الله العموديّ ، فتحمّل أثقالا فادحة ، عهّد (٢) من أجلها أموالا طائلة بسهوة السّابق ذكرها في مرخة ، وساعدهم جميع قبائلهم من القثم وسيبان والمراشدة والجعدة وغيرهم ، فأيّدهم الله على عدوّهم ، فأصبحوا ظاهرين ، ولكن لم تأت سنة (١٣٠٠ ه‍) إلّا ووادي دوعن ، حسبما قال الإمام المحضار [من مجزوء الرّجز] :

انظر إلى الوادي فقد

حلّت به السّبع الشّداد

الأخمعي والمرشدي

هم والقثم بئس المهاد

__________________

(١) ينظر : «العدة المفيدة» (٢ / ٣١٧) وما بعدها.

(٢) عهّد : باع عهدة.


والدّيّني والمشجري

هو والعبيدي لا يعاد

وابن مطهّر سابع ال

غلمه وهو رأس الفساد

الله يهديهم ويه

دينا إلى طرق الرّشاد

والّا ينظّفهم من ال

وادي ويجعلهم بعاد

وقد سبق في بضه أنّهم منقسمون إلى قسمين : آل محمّد بن سعيد ، ولهم قيدون وما نزل عنها إلى الهجرين.

وآل مطهّر ، ولهم بضه وما إليها. وكان فيهم عدّة مناصب :

آل صالح بن عبد الله ، ببضه. والشّيخ عبد الرّحمن بن عليّ بن عبد الكريم صاحب شرق ، على مقربة من الخريبة. والشّيخ سعيد بن محمّد بن منصّر صاحب العرض ، بالخريبة أيضا. والشّيخ محمّد باعمر صاحب البراز ، قريبا من القرين.

وبينهم من المنافسات ما لا تبرك عليه الإبل ، وكلّ منهم يوضع في سبيل الجور والظّلم ، فلم يكن من أحد آل باسودان وأحد آل باعبيد .. إلّا أن رفعا شكوى إلى القعيطيّ بالمكلّا على الشّيخ عبد الرّحمن بن عليّ بن عبد الكريم ، فاستدعاه القعيطيّ ، فركب إليه مجلّلا محترما ، ولم يزل في مفاوضة معه حتّى تمّ الكلام على أن تكون الرّئاسة العامّة للقعيطيّ ، ولابن عبد الكريم استقلال داخليّ في الخريبة وأعمالها ضمن دائرة العدل ، وعلى أن ليس له أن يأخذ شيئا من الرّسوم سوى مئتي ريال شهريّا.

وقبض إزاء ذلك الصّلح من يد القعيطيّ ما لا يستهان به من الدّراهم ، وما كاد يصل إلى الخريبة حتّى حبس باسودان وباعبيد ، فاغتاظ السّلطان غالب بن عوض القعيطيّ ، ورأى أنّ شرفه مسّ ، وأنّ المعاهدة انخرمت بحبس ذينك ، وكره أن يتعجّل بعقوبة ابن عبد الكريم ، فأشار على الشّيخ صالح بن عبد الله أن يعذر إليه ، فأرسل بأخيه عبد الرّحمن ، وبالسّادة : حامد بن أحمد المحضار ، وحسين بن محمّد البارّ ، وحسين بن عمر بن هادون صاحب المشهد ، فلم يقبل ابن عبد الكريم لهم كلاما.


واتّفق أن وصل الشّيخ عليّ بن محمّد بن منصّر إلى المكلّا يتذمّر من مخالفة القعيطيّ لابن عبد الكريم ، فصادف سخطة القعيطيّ على الثّاني ، فحالف ابن منصّر بشرط أن يساعده على ابن عبد الكريم ، وما كاد يرجع إلى مكانه العرض .. حتّى أذكى نار الحرب على ابن عبد الكريم ، وجاءته نجدة القعيطيّ بقيادة عبد الله بن امبارك القعيطيّ ، فلم يثبت ابن عبد الكريم إلّا نحوا من أربعين يوما ، ثمّ هرب إلى جهة القبلة ، فصادف أحد زعماء العموديّين ، وهو : الشّيخ محمّد بن عبد الرّبّ ، فجمع له عسكرا كثيفا هاجم به الخريبة فاستولى عليها ، ودارت المفاوضات بينه وبين ابن منصّر صاحب العرض فانضمّ إليه ، وعند ذلك تراجعت عساكر القعيطيّ إلى الهجرين ، وغضب السّلطان غالب لذلك ، وأرسل عسكرا مجرا (١) بقيادة عبد الخالق ابن الماس عمر مولاهم ، ولاقاه صلاح بن محمّد القعيطيّ ـ من القطن ـ مددا له بمن كان معه ، وبفلول العساكر الّتي بالهجرين ، وعند ذلك قالوا لآل العموديّ : اهبطوا منها جميعا ، فانهزموا ولم يجدوا لهم ملجأ ولا مدّخرا إلّا الشّيخ صالح بن عبد الله العموديّ المحافظ على محايدته ، فنزلوا عليه .. فآواهم ، وكان ذلك في سنة (١٣١٧ ه‍).

وكان من رأي الأمير صلاح بن محمّد وعبد الخالق أن يطاردوهم وينتزعوهم من بضه ، لكنّ السّلطان غالب بن عوض كان كريما ، يجلّ الكرام ، فنهاهم عن ذلك احتراما للشّيخ صالح بن عبد الله ، وبإثر ذلك انتحر عبد الخالق الماس في القويرة ، ولم تطل أيّام الأمير صلاح .. بل مات وشيكا في سنة (١٣١٨ ه‍). وب «الأصل» تفصيل تلك الحوادث.

وأسند القعيطيّ عمالة وادي الأيمن للمقدّم عمر بن أحمد باصرّة ، وكان ما قد أسلفناه في عوره ، وبعد أن استولى القعيطيّ على الوادي الأيمن .. حمل المقدّم باصرّة كلّ أسلحة الدّهاء لحمل القعيطيّ على التهام الوادي الأيسر ، ولم يزل يتحيّن الفرص للوثوب عليه ؛ لما في قلبه من البغضة للحالكة.

__________________

(١) عسكرا مجرا : جيشا عظيما.


وكانت رئاسة الوادي الأيسر لآل الشّيخ محمّد بن سعيد ولقبائلهم الحالكة ، ومن مناصبهم : الشّيخ محمّد عبود القحوم ، السّابق ذكره في قرن ماجد ، وله بلاد الماء وخديش وقرن ماجد ، وهو من الوادي الأيمن ، وله العرسمة ونصف صبيخ ، وهي من الأيسر.

ومنهم : الشّيخ حسن بن بدر ، وله صيف وفيل.

ومنهم : الشّيخ أحمد بن حسين بن عبد الله بن محمّد ، وله حوفة وضري وتولبة.

ومنهم : الشّيخ عبد الله بن قاسم بن عبد الله بن محمّد (١) ، وله العرض ، ونصف صبيخ مثرى القحوم.

ومنهم : الشّيخ حسين بن محسن ، وعمر بن عبد الله ، ولهم حيد الجزيل.

وأوّل ما انفتح الباب لباصرّة إلى الوادي الأيسر : شرّ حدث بين الخنابشة وآل باهبري ، سببه : أنّ أحمد بن سالم باشجيرة الخنبشيّ تزوّج امرأة من آل باهبري ، يقال لها : قمر ، بدون رضا من بني عمّها ، فبينما امرأة من الخنابشة تستقي من غيل جريف .. إذ عمد لها بعض آل باهبريّ فأراق ماءها ، فخفّت (٢) إلى أهلها ، فكانت بينهم وقعتان ، قتل في الأولى عمر بن سالم الخنبشيّ ، وفي الثّانية أخوه عبد الله بن سالم الخنبشيّ ، وكان ذلك أوائل سنة (١٣٢٢ ه‍) ، فخاف آل باهبريّ من الخنابشة ، وكان شيخ قبائل الحالكة كلّها المقدّم عمر بن أحمد بلحمر ، فلجأ إليه آل باهبريّ ، فأعطاهم بعض رجاله بصفة الخفارة (٣) ، فسقط في يد الخنابشة ، وأيقنوا بتعذّر الثّأر ، فاستعانوا بالمقدّم عمر بن أحمد باصرّة ، وكان ينظر إلى واديهم نظر الجزّار إلى التّيس ، وتحالفوا معه سرّا حلفا هجوميّا دفاعيّا ، آثروا التّكتّم به ؛ لئلّا ينتبه آل باهبريّ فيأخذوا حذرهم ، ولمّا ظهر لهم قاتل أحد إخوانهم .. أطلقوا عليه الرّصاص فنضخ دمه في ثياب بلحمر ، فاستشاط المقدّم عمر بن أحمد بلحمر ،

__________________

(١) وترجمته في «الشامل» (١٧٩) ، ووفاته سنة (١٣٣٤ ه‍).

(٢) خفّت : أسرعت.

(٣) الخفارة : العهد والجوار.


وأحاط بجحي الخنابشة ، ولمّا اشتدّ الأمر .. أمدّهم باصرّة بأربع مئة مقاتل ، فأبلعوهم الرّيق.

وفي سنة (١٣٢٥ ه‍) سار بلحمر وأهل ليسر ـ ومنهم : آل بقشان ، ورؤساء الحالكة ، والشّيخ أحمد بن حسين العموديّ ـ إلى المكلّا ، وحالفوا القعيطيّ وأعطوه الوادي ، وأعلنوا ذلك بالأسواق ، ففتّ بذلك في أعضاد الخنابشة ؛ إذ لا يستطيعون مقاومة بلحمر إلّا بالقعيطيّ ، ومتى حالفه .. ماذا يفعلون؟ فبقوا ساكتين حتّى نزغ الشّيطان بينهم ، ونشبت الحرب مرّة أخرى ، وسرعان ما انعقد الصّلح بين الخنابشة وبلحمر على أن لا تكون مساعدة من القعيطيّ للخنبشيّ في مدّة الصّلح ، ولمّا انتهى .. حصلت مساعدة قليلة استمرّ بها الخنبشيّ على الحرب عشرة أشهر ، ولمّا اشتدّ الحصر على الخنابشة بالجحي .. جاءت نجدة المكلّا ، وتقدّم باصرّة من الوادي الأيمن ، وأحاط بالعرسمة فسلّمت في سنة (١٣٢٨ ه‍) ، ثمّ سلّمت الجديدة ، ثمّ صبيخ ، ثمّ جريف ، ثمّ الدّوفة.

ثمّ انعقد الصّلح بين القعيطيّ والحالكة على بقائهم بمساكنهم وأموالهم في الوادي الأيسر مجلّين محترمين ، إلّا أنّ المقدّم عمر بن أحمد بلحمر لم يطب له المقام مكتوف اليد ، فذهب إلى سيئون ثمّ إلى وادي العين ثمّ إلى ريدة الجوهيّين ثمّ إلى لبنة بارشيد عند نوّح ، فلم يعثر بطائل فعاد إلى بلاده ، وأجرى له السّلطان غالب بن عوض ما يكفيه ، وتفصيل هذه الأخبار ب «الأصل» (١).

ومن وراء قيدون عدّة قرى وشراج (٢) ، ومنها :

مسه ، وهي قرية صغيرة على يسار الذّاهب إلى دوعن ، يسكنها ناس قليل من آل

__________________

(١) وفي «الشامل» تفصيل أوسع مما هنا لحوادث الوادي الأيسر (ص ١٨٦ ـ ١٨٨) ، وينظر «تاريخ البكري» (٢ / ٣١ ـ ٣٤).

(٢) الشّراج : مسايل الماء ومن هذه القرى الصغيرة : قرية مسه ، وهي على يسار الذاهب إلى دوعن ، يسكنها آل بامحرز ، وآل العمودي. وبها كانت وقعة مسه في عام (١١١٥ ه‍) ، وتفصيلها في «العدة المفيدة» (١ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥).


بامحرز ، وفيها غيل جار ، عليه نخيل لآل بامحرز ولآل العموديّ ، وعليه تزرع الخضراوات ، وحواليها كانت وقعة مسه ، وحاصلها : أنّ السّلطان عيسى بن بدر بن عليّ بن عبد الله بن عمر بن بدر بوطويرق أغرى ولده جعفرا على الشّيخ محمّد بن مطهّر العموديّ في ألف وثمان مئة .. فلاقاه العموديّ في عدد قليل ، ولمّا رأى عسكر جعفر .. انهزم ، فتبعه عسكر جعفر ، ثمّ لم يشعروا إلا بكمين من العموديّ يركب أكتافهم ، ويفعل بهم الأفاعيل ، وفرّ الأمير جعفر بمن بقي معه إلى الهجرين ، وفي ذلك يقول شاعرهم :

سبعة ومئتين غلبوا سبعة عشر مية

وكان ذلك في حدود سنة (١١١٥ ه‍) كما فصّل ب «الأصل».

ومنها : نسرة ، فيها آثار ديار قديمة ، وقد بني فيها مسجد ومدرسة على نفقة الشّيخ أحمد بن مساعد (١) ـ أو مداعس ـ الموجود الآن فيما يقال بالحديدة.

وقد رجوت أن يحصل من هذه المدرسة ما كنت أؤمّله ؛ إذ لا يرجى الخير من مدرسة يختلط أبناؤها بالأوساط الفاسدة ، وإنّما يرجى من مدرسة داخليّة ينتخب لها معلّمون صالحون ، على أبلغ ما يكون من النّزاهة والتّقوى ، حسبما اقترحته على السّلطان القعيطيّ في أواخر ذكر المكلّا ؛ لأنّ الخلطة الدّاء ، وإنّما التّلميذ هو ظلّ المعلّم .. ينحو نحوه ، ويقتصّ أثره ، ولكن بلغني ـ ويا للأسف ـ أنّ تلك المدرسة أقفلت ، وطاحت تلك العبارات ، وفنيت تلك الإشارات ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله ، وما شاء الله .. كان ، وما لم يشأ .. لم يكن (٢).

__________________

(١) ويقال إنما هو بن مداعس ، والذي سمّاه وغيّر اسمه إلى مساعد هو الحبيب أحمد بن حسن العطاس ، وكان هو من محبيه المؤتمرين بأمره.

(٢) ولا زالت هذه المدرسة قائمة إلى اليوم ، وكان الطريق يمر من تحتها ، ثم لما شق الطريق الإسفلتي .. صار يمرّ بعيدا عنها ، وقبيل نسرة يمر بخريخر وفيها يمر أيضا تحت مدرسة بناها آل بن محفوظ باسم والدهم سالم بن محمد الشيبة بن محفوظ ، وفيها سكن داخلي.


الهجرين (١)

هي واقعة في حضن جبل فارد جاثم على الأرض كالجمل البارك من غير عنق ، تحفّ بسفوحه النّخيل من كلّ جانب ، متجانف طرفه الغربيّ إلى جهة الجنوب ، وطرفه الشّرقيّ إلى جهة الشّمال. وموقع الهجرين في جنبه الأيسر ، تشرف على سفوحه الجنوبيّة ديار آل مساعد الكنديّين ، وفي يسار سنامه ديار آل يزيد اليافعيّين ، ومن فوق ديار آل يزيد آثار حصن ، يقال له : حصن ابن ميمون.

وفي ضواحي الهجرين ثلاث حرار ، يقال لإحداهما : حرّة ابن ميمون ، وللأخرى : حرّة بدر بن ميمون ، وللثّالثة : حرّة مرشد بن ميمون.

وعلى حارك ذلك الجبل بليدة صغيرة (٢) ، يقال لها : المنيظرة (٣) ، قليل منها يشرف على جهة الجنوب ، والأكثر إنّما يشرف على جهتي الشّرق والشّمال ، وفيها مسجد قديم كثير الأوقاف ؛ لأنّ مساجد اندثرت هناك فتحوّلت إليه صدقاتها ؛ لأنّه أقرب ما يكون إليها.

وفي جنب ذلك الجبل الشّبيه بالجمل من جهة الشّمال آثار دمّون المذكورة في قول امرىء القيس [في «الأغاني» ٩ / ١٠٦] :

تطاول اللّيل علينا دمّون

دمّون إنّا معشر يمانون

وإنّنا لأهلنا محبّون

__________________

(١) الهجرين مدينة قديمة ، بها آثار ترجع إلى العصور الحميرية القديمة ، ويحيط بها واد خصيب ، وسكانها : آل النعمان ، وآل بانافع ، وآل بن عفيف ، وآل بن محفوظ ، والسادة آل الكاف ، وجماعة من آل العطاس ، وآل الجيلاني ، وآل الحامد ، وآل السعدي ، وقديما كان بها المشايخ آل بامخرمة.

وللسيد العالم الصالح الحبيب حسين بن أحمد بن عبد الله الكاف منظومة في عادات أهل الهجرين تسمّى : «مرآة الصّور فيما لأم الهجر وأهلها من العادات والسّير» ، مطبوعة.

(٢) الحارك للبعير : عظم مشرف من جانبه ، ومنبت أدنى العرف إلى الظهر الذي يأخذ به من يركبه ، وهو بأعلى الكاهل.

(٣) لهذه المنيظرة ذكر في التاريخ وأحداث هامة ، تنظر في «تاريخ شنبل».


وهي المذكورة أيضا في قوله السّابق بعندل [من الطّويل] :

كأنّي لم أله بدمّون ليلة

ولم أشهد الغارات يوما بعندل

ومتى عرفت هذا .. تقرب لك قول «القاموس» : (والهجران قريتان متقابلتان ، في رأس جبل حصين قرب حضرموت ، يقال لإحداهما : خيدون ، وللأخرى : دمّون).

قال ابن الحائك : (وساكن خودون : الصّدف ، وساكن دمّون : بنو الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار) اه (١)

والظّاهر أنّه لم يأخذ سكنى بني الحارث عن نصّ ، وإنّما استنتجه من شعر امرىء القيس ، ولا دليل فيه ؛ لأنّه إنّما لجأ إلى دمّون بعد ما طرده أبوه من أجل الشّعر ، كما في شرح (اليوم خمر وغدا أمر) من «أمثال الميدانيّ» [٢ / ٤١٧ ـ ٤١٨] ، ما لم يكن ابن الحائك يعني أعقابا لامرىء القيس في هذه البلاد لم ينته خبرهم إلينا.

وقول «القاموس» : (قريتان متقابلتان) صحيح ؛ لأنّ إحداهما في حضن الجبل الأيمن والأخرى في حضنه الأيسر ، فهما متقابلتان في الموقع ، أمّا في النّظر .. فيحول بينهما سنام الجبل ، ومنه يتبيّن لك وهمه إذ قال : (في رأس الجبل) وإنّما هما في جنبيه ، هذه حالتهما اليوم ، أمّا في ما مضى .. فلا يبعد التّناظر ؛ لاحتمال اتّصال العمارة إذ ذاك (٢).

أمّا قوله : (قريب من حضرموت) فمن أخطائه في حدودها ، وقد اضطرب كلامه وكلام «شرحه» في ذلك ؛ ففي دوعن منه : (ودوعن كجوهر واد بحضرموت وهو أبعد من الهجرين).

وفي مادّة (مأرب) يوسّع حضرموت جدّا ، فيقول : (إنّ مأرب في آخر جبال حضرموت). وفي (شبوة) يضيّق حدّها ، ويقول : (إنّها بلد بين مأرب وحضرموت).

__________________

(١) صفة جزيرة العرب (١٦٧ ـ ١٦٨).

(٢) ينظر ملاحظات بامطرف على «الصفة» للهمداني ، نشرت في مجلة العرب.


وجزم في وادي عمد بأنّه من حضرموت.

وذكر في مرباط (١) أنّها من أعمال حضرموت ، وهو الّذي جزم به صاحب «الخريدة» ، وفي رحلة السّيّد يوسف بن عابد الفاسيّ المغربيّ ثمّ الحضرميّ ما يصرّح بأنّ مأرب من حضرموت .. إذن فما منوا به من فرط الهجرة ليس إلّا نتيجة قولهم : (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) كما هو موضّح ب «الأصل».

وفي الجزء الثّامن [ص ٩٠] من «الإكليل» : أنّ دمّون من حصون حمير بحضرموت.

وهنا فائدة نفيسة ، وهي : أنّ كلّ من ذكر طرد حجر لولده امرىء القيس ممّن رأيته يقول : إنّ السّبب في ذلك هو قوله الشّعر ، وليس بمعقول ؛ لأنّ الشّعر عندهم من الفضائل التي يتنافسون فيها سوقة وملوكا ، لكنّ السّبب الصّحيح أنّه كان يشبّب بهرّ ، وكنيتها أمّ الحويرث ، وكانت زوجة والده ، فلذلك طرده وهمّ بقتله من أجلها كما في (ص ١٨١ ج ١) من «خزانة الأدب» ، و (ص ٥٣٩) من الجزء الأول منها.

وفي غربيّ جبل الهجرين : ساقية دمّون من أودية دوعن ، وفي غربيّها مسيل واد عظيم ، يقال له : وادي الغبر ، ينهر إلى الكسر.

وفي غربيّ ذلك المسيل بلدة : نحوله لآل عمر بن محفوظ ، وهي في سفح جبل ، في حضنه إلى جهة الجنوب :

قزة آل البطاطيّ ، وهم من بني قاصد ، ورئيسهم بيافع بلعفيف ، وآل يزيد وهم قبيلة واحدة ، ولآل البطاطيّ نجدة وشجاعة ، ومنهم : ناصر بن عليّ ، كان يحترف بالرّبا فأثرى ، وهو خال الأمير صلاح بن محمد بن عمر القعيطيّ ، فزيّنت له نفسه أن يستأثر بالقزة ونخيلها وعيونها فناشب آل البطاطيّ الحرب ، واستعان عليهم بأعدائهم آل محفوظ ، وضمّ إليهم صعاليكا وذوبانا من الصّيعر ونهد .. فلم يقدر عليهم ، واجتمعوا على حصاره ، فزال من القزة إلى خريخر عند صهوره آل عجران ، ولمّا

__________________

(١) ذكره في «التاج» في مادّة (ربط).


كثروه .. استعان عليهم بابن أخته الأمير صلاح فأعطاه جماعة من عبيده يخفرونه ، وقتلوا ولده قاسم بن ناصر بن عليّ في ثأر لهم عنده وعبيد صلاح في داره ، فغضب صلاح وجمع يافع لحربهم ، فوافقوه على ذلك إلّا بني أرض ، وضيّق عليهم الحصار ، وفي ذلك يقول شاعرهم الشّيخ ناصر بن جبران البطاطيّ :

بركات طرّب من قتلني بااقتله

ومن لقى في صوب ، بالقي فيه صوب

والله ما بانسى شروع القبوله

لو با ثمن في الدار هذا مية طوب

ولمّا اشتدّ الحصر عليهم .. تداخل الحبيب حامد بن أحمد المحضار في آخر حياة أبيه ، فسار بهم إلى الريّضة عند الأمير صلاح على أن يحكم عليهم بما شاء بعد أن تواضع هو وإياه على أن يكون الحكم بمسامحة آل البطاطي في قتيل لهم عند ناصر عليّ ، وعلى أن يدفعوا خمس مئة ريال أيضا ، ولمّا وصلوا فرط بني أرض والحبيب حامد أمامهم .. قال شاعرهم ابن جبران :

يالفرط ما تستاهل التفريط

لأنّ حبّك ما دخله السّوس

وأمّا الجماعه حبّوا التخليط

لكنّنا باكيّس القنبوس

ولمّا وصلوا الريضة .. قال :

يا راد يا عوّاد هذي الرّيّضه

قد ذكّرتني جمل في وادي حنين

والدرع والبيضه مع مولى بضه

شلّ الثقيله يوم ضاقت بو حسين

وأبو حسين هو الأمير عبد الله بن عمر القعيطيّ ، يشير بذلك إلى نجدته الّتي أعان بها آل البطاطيّ حتّى خلّصوهم من حصار آل كثير ، كما فصّلناها ب «الأصل» ، وأشرنا إليها فيما يأتي.

وفيها كان مسكن الشّيخ يحيى بن قاسم الجهوريّ اليافعيّ ، رجل شهم ، لا يقدع أنفه (١) ، ولا يتقنّع من مسوأة (٢) ، وله من الأعمال ما يصدّق قوله :

__________________

(١) يقدع : يقطع.

(٢) لا يتقنّع من مسوأة : ليس المقصود أنّه يعمل السيّآت ثمّ لا يستحيي منها .. بل المقصود : أنّه لا سيّآت


بو لحم قال كسّاب الجميل

إذا النّوائب فتح لي بابها (١)

ننفق على العزّ من كثر او قليل

ومحنة الوقت ما ندرى بها

إنّ الكرم يفتح ابواب السّبيل

ويمحي اوصال بعد اكتابها

والبخل قايد إلى الذّلّه ذليل

مولى الكرم همّته يعلى بها

والله ما قطّ يتجمّل بخيل

وان قام في حجّه ما أوشى بها

قومي بني مالك الحبّ النّصيل

جهاوره من فروع أنسابها

يسمع لهم في علا الوادي صهيل

كم من بلد زوّعوا بابوابها

لي يحكموا على الرّكب طيّ القتيل

إذا النّفوس أكثرت جلّابها

قولي ونا مسكني غلب الدّويل (٢)

في قرية العزّ ذي نزهى بها

وكأنّما أخذ قوله : (لي يحكموا على الركب .. إلخ) من فعل العنابس يوم الفجار ؛ إذ قيدوا أنفسهم خشية الهرب ، أو من قول البحتريّ [في «ديوانه» ٢ / ٦٣ من الخفيف] :

وكأنّ الإله قال لهم في ال

حرب كونوا حجارة أو حديدا

وفي كلام الحبيب أحمد بن حسن العطّاس : أنّ الحبيب أبا بكر بن عبد الله العطّاس يحبّ الاستشهاد بأبيات من هذه القصيدة.

وقال لي بعض الثّقات : إنّ مسكن الشّيخ يحيى بن قاسم الجهوريّ ليس بالقزة ، وإنّما هو بحصونهم أعمال القطن ، وإنّما كان يتردّد إلى القزه لصهر أو صداقة. أمّا الدّويل : فلعلّه يعني به حصن سيئون ، أو شبام ؛ فكلّ منهما يقال له ذلك.

__________________

له أصلا ، وذلك كالحديث الّذي يصف مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنّه (لا تنثى فلتاته) ؛ أي : لا تحفظ فلتات مجلسه ، وليس هذا هو المقصود ، بل المقصود : أنّه لا زلّات ولا فلتات في مجلسه أصلا. والله أعلم.

(١) جاء في هامش المخطوط : (بو لحم : بكسر الحاء واللّام وسكون الميم).

(٢) الغلب ـ بضم الغين وسكون اللام ـ : الغرفة التي تكون في أعلى البيوت ، وهذا الحصن (الدويل) لا زال قائما إلى اليوم ، وهو من الآثار الهامة في المنطقة.


ومن آل البطاطيّ (١) : أحمد بن ناصر ، الموجود بالمكلّا الآن (٢) ، وهو أدهى يافع وأرجحها عقلا فيما أراه اليوم ، إلّا أنّه نفعيّ يؤثر مصلحة نفسه على منفعة حكومته ، وربّما كان له عذر بإعراض موظّفي الحكومة بالآخرة عن إشاراته ، وعدم اعتبارهم لنصائحه ، وهو من أبطال بني مالك وشجعانها ، حتّى لقد أغضبه حال من أحمد بن محمّد بن ريّس العجرانيّ ـ وهو خال الأمير عليّ بن صلاح وله منه وجه وكفالة فقتله أحمد بن ناصر غير حاسب لذلك حسابا ، فتميّز الأمير عليّ بن صلاح من الغيظ ، ولم يكن إلا أن أرسل السّيّد حسين بن حامد بأحمد بن ناصر مع ولده أبي بكر بن حسين إلى الريضة للتّرضية ، فسوّيت المسألة.

وفي جنوب الهجرين أنف ممتدّ من جبل ، ذاهب طولا إلى دوعن ، وعليه بلدة لأناس من آل أحمد بن محفوظ ، يقال لها : صيلع ، وهي المذكورة في قول امرىء القيس [من الطّويل] :

أتاني وأصحابي على رأس صيلع

حديث أطار النّوم عنّي وأفحما (٣)

أقول لعجليّ بعيد إيابه

تبيّن وبيّن لي الحديث المجمجما

فقال : أبيت اللّعن عمرو وكاهل

أباحوا حمى حجر فأصبح مسلما

وقد ظفرت منها بضالّة منشودة ؛ لأنّها مقطع النّزاع في حضرميّة امرىء القيس ؛ ولذا كرّرتها ب «الأصل» اغتباطا واعتدادا بتدليلي بها ؛ إذ لم يقل أحد عند ذكرها ـ لا ياقوت ولا صاحب «التّاج» ولا شارح «الأمثال» ولا غيرهم ـ : إنّها تحاذي الهجرين بحضرموت غيري ، فلله الحمد.

__________________

(١) آل البطاطي فخذ من آل اليزيدي أهل يزيد من بني قاصد في يافع ، وكانوا ثلاثة أقسام : بطاطي حمومة ، وبطاطي الخضراء ، وبطاطي الجبل ، وكانوا على رأس الطوائف التي حكمت وادي دوعن فيما مضى.

(٢) تحدث عنه المستمر فلبي في كتابه «بنات سبأ» وقص بعض أخباره.

(٣) ذكر العلّامة الميداني رحمه الله في «مجمع الأمثال» (٢ / ٤١٨) : أنّ امرأ القيس كان يشرب هو وأصدقاؤه ، ثمّ أتاه خبر مقتل أبيه ، فقال : ضيّعني صغيرا ، وحمّلني دمه كبيرا ، لا صحو اليوم ، ولا شرب غدا ، اليوم خمر ، وغدا أمر ، ثمّ قال الأبيات.


وفي أخبار بدر بوطويرق الكثيريّ أنّه بنى صيلعا هذي في سنة (٩٤١ ه‍) (١) ، وأسكن فيها آل محفوظ وآل باداس المطرودين من الهجرين (٢).

ولا يحصى من أنبتته الهجرين من الرّجال ؛ إذ كانت فيهم ثالثة شبام وتريم.

ومنها آل عفيف الكنديّون (٣) ؛ منهم : الصّوفيّ الجليل ، الشّيخ أحمد بن سعيد بن عليّ بالوعار (٤) ، والشّيخ عمر بن ميمون الكنديّ ، من معاصري الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف ، والشّيخ فضل بن عبد الله بافضل ، والشّيخ محمّد بن عليّ العفيف الهجرانيّ ، كان من تلاميذ الحبيب عبد الله بن أبي بكر العيدروس ، المتوفّى سنة (٨٦٥ ه‍) ، وكان الشّيخ محمّد هذا يعرف الاسم الأعظم.

ومن كتاب سيّره العلّامة عليّ بن حسن العطّاس ما نصّه : (إلى حضرة سيّدي الولد الأمجد الأرشد الصّادق الأودّ الأنجد الشّيخ الأكرم الفاضل المحترم عفيف الدّين وسلالة الصّالحين وبركة المسلمين عبد الله ابن سيّدي الشّيخ العفيف ابن الشّيخ عمر ابن الشّيخ عبد الله ابن الشّيخ العفيف ابن القطب الشّيخ عبد الله بن أحمد بن محمّد العفيف عفا الله عنه) اه

__________________

(١) لصيلع ذكر في التاريخ قبل هذا كما في «تاريخ شنبل» (١٤٧) ، و «العدة» (١ / ١٣٤) ، و «الحامد» (٢ / ٦٨١) .. فليتنبه.

(٢) «تاريخ الشحر» للطيب بافقيه (ص ٢٢٨).

(٣) آل بن عفيف : من كندة ، كما في «جواهر الأحقاف» لباحنان (٢ / ١١). وهم أسر وبطون كثيرة ؛ منها : آل الشيبة ، وآل الحاج ، وآل بن وجيه ، وآل كديمة ، وآل السكوتي ، وآل باعلي ، وآل الصالب ، وآل بادحمان.

* تنبيه : آل بن عفيف هؤلاء هم غير آل العفيف سكان لجرات بدوعن ؛ فإن أولئك من الحالكة ، وقد يقال لسكان الهجرين : آل العفيف.

(٤) الشيخ أحمد بالوعار : هو العارف بالله الشيخ الصالح أحمد بن سعيد بن علي بن محمد بن عفيف الكندي ، الملقب : (بالوعار ـ أبا الأوعار) ، لقب بذلك لأنه كان يحمل نفسه على المجاهدات الثقيلة الشديدة على النفس ؛ تشبيها لسالك تلك الطريق بسالك الطرق الوعرة ، قال الحبيب أحمد بن حسن العطاس في «مجموع كلامه» : بلغنا أنه طلب العلم بظفار وأقام بها نحو ثمان سنين. وكانت وفاته بالهجرين سنة (٦٣٢ ه‍) كما نقل عن بعضهم.


وفي هذه الممادح ما يدلّ على أثيل مجد وعظيم فضل. وفي آل عفيف كثير من حفّاظ القرآن و «الإرشاد».

ومنهم : الشّيخ عليّ بن عمر باعفيف ، جاء في «مجموع الأجداد» أنّه : (بعث بأسئلة إلى قاضي مكّة محمّد بن عبد الله بن ظهيرة ، فأجابه عنها).

ومنها : آل بابصيل ، وفيهم علماء أجلّاء ؛ من آخرهم : مفتي الشّافعيّة بمكّة : الشّيخ محمّد سعيد بابصيل (١).

ومنها : آل بامخرمة (٢) ، وإنّما هاجروا منها إلى عدن وإلى غيرها.

وأطال «النور السّافر» في ترجمة الشّيخ عبد الله بن أحمد بامخرمة ، ثمّ استطرد إلى ترجمة ولده الصّوفيّ عمر بن عبد الله بامخرمة ، ولم يفرده بالتّرجمة ؛ لأنّه لم يعرف وقت وفاته ، وسيأتي في سيئون أنّها سنة (٩٥٢ ه‍) ، وقد أفرد ولده العلّامة

__________________

(١) آل بابصيل : أصلهم من الهجرين ، ومنها انتقلوا إلى مكة وجدة وغيرها.

ومن مشاهيرهم : الشيخ محمد بن سالم بابصيل ، وله شرح على «الرسالة الجامعة» منه نسخة بالحوطة.

والشيخ محمد سعيد بن محمد بن سالم بابصيل ، ومحمد سعيد اسم مركب ، فقد كان من العلم بمنزلة عالية ، وتولى إفتاء الشافعية بمكة المكرمة ، تتلمذ على السيد العلامة أحمد زيني دحلان ، وكانت وفاته بمكة سنة (١٣٣٠ ه‍) ، وله ابن عالم هو الشيخ بكر بن محمد سعيد ، توفي سنة (١٣٤٨ ه‍) ، كان من العلماء الأخيار.

وللشيخ محمد سعيد مصنفات ، منها : شرح «سلم التوفيق» في مجلدين ، ورسالة «الدّرر النقية في فضائل الذرية» ، و «رسالة في أحوال القبور وأهلها» ، وغير ذلك.

ينظر : «سير وتراجم» لعمر عبد الجبار (٨٤ ، ٢٤٤) ، و «تاج الأعراس» (٢ / ٦٩٣ ـ ٧٠٠) ، و «المختصر من نشر النور والزهر» لمرداد. وغيرها.

(٢) آل بامخرمة : من سيبان ، وهي أسرة شهيرة معروفة بكثرة علمائها ، وأقدمهم شهرة وأجلهم : الشيخ الإمام عبد الله بن أحمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم بامخرمة السيباني الحميري ، ولد الشيخ عبد الله بالهجرين سنة (٨٣٣ ه‍) ، وتوفي بعدن سنة (٩٠٣ ه‍) ، وله مصنفات عديدة. ينظر : «النور السافر» ، «السنا الباهر» ، «تاريخ بافقيه» كلها في حوادث سنة (٩٠٣ ه‍). وابنه العلامة المؤرخ محمد الطيب مصنف «تاريخ ثغر عدن» مطبوع ، «قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر» في (٣) مجلدات مخطوطة ، توفي الطيب سنة (٩٤٧ ه‍) ، تنظر ترجمته في المراجع السابقة.


عبد الله بن عمر المتوفى سنة (٩٧٢ ه‍) بالتّرجمة ، وذكر فيها عمّه الطيّب ابن عبد الله بامخرمة.

ومن الهجرين : كان الشّيخ محمّد بن عمر باقضام بامخرمة يجتمع مع الشّيخ عبد الله بن أحمد في الأب السّادس ، ولد ببلدة الهجرين ، ثمّ ارتحل إلى عدن وأخذ عن إماميها : عبد الله بن أحمد بامخرمة ، ومحمّد بن أحمد بافضل ، ثمّ سار إلى زبيد ، ثمّ عاد إلى عدن ولازم الإمام عبد الله بن أحمد بامخرمة ، وولده أحمد (١). وإليه انتهت رئاسة العلم بعدن بعد الشّيخين : عبد الله بن أحمد بامخرمة ، ومحمّد بن أحمد بافضل ، إلّا أنّه كان يتساهل آخر عمره في الفتاوى ، ويراعي أغراض السّلطان ، وذلك ممّا عيب عليه. توفّي بعدن في سنة (٩٥٢ ه‍).

وفي «شمس الظّهيرة» [٢ / ٤١٩] : (أنّ للسّيّد محمّد بن أحمد الكاف (٢) عقبا بالهجرين ، منهم : السّيّد الفاضل عليّ بن محمّد بن علويّ (٣) ، المتوفّى سنة (١٢٦٧ ه‍) ، وابنا أخيه الآن : عبد الرّحمن وعلويّ (٤) ، فقيهان فاضلان. وابن ابنه أحمد بن حسن بن عليّ (٥) ، ذكيّ نبيه متفقّه) اه

ولقد كان سروري عظيما ؛ إذ بقي إلى ساعتنا هذه من يثني عليه شيخنا المشهور

__________________

(١) كان عالما فاضلا فقيها ، تخرج بوالده وقرأ على علماء عدن ، وعليه قرأ باقضام المترجم ، وأخوه الفقيه عبد الله بن عبد الله المتوفى سنة (٩٠٤ ه‍) بجازان ، وتوفي الشيخ أحمد صغيرا.

(٢) هو السيد الشريف : محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر الجفري ، توفي حفيده السيد أحمد بن علوي بن أحمد بالهجرين سنة (١١٢٠ ه‍) ، وإليه وإلى أخيه محمد بن علوي ينسب آل الكاف الذين بالهجرين ودوعن ومحمدة.

(٣) الصواب أن اسمه : علي بن محمد بن علي.

(٤) أما علوي فيلقب بالنّوير ، قيل عنه في «الشجرة» : كان سيدا فاضلا فقيها متواضعا له خلق حسن ، وأما عبد الرحمن .. فتوفي سنة (١٣١٩ ه‍) ، ولقّبه في «الشجرة» بالقاضي.

(٥) وهو السيد أحمد بن حسن بن علي بن محمد الكاف ، ولد سنة (١٢٨٣ ه‍) ، وقد توفي سنة (١٣٧٤ ه‍) ، وهو من الآخذين عن الحبيب أحمد بن حسن العطاس. ومن أعيان السادة آل الكاف : السيد الجليل الحبيب عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله الكاف المولود سنة (١٣٢٠ ه‍) ، والمتوفى سنة (١٤٢٠ ه‍) ، عن مئة سنة وأشهر بجدة ، وقد كان نسخة من السلف الصالح في زهده وورعه وتقواه رحمه الله تعالى.


في سنة (١٣٠٧ ه‍) ممتّعا بالحواسّ والقوّة والعلم ، ولم يبق ممّن ذكر فيها سواه ، يخرج بمكتله صباح كلّ يوم إلى حقله فيؤدّي ما تعهّد به من الخدمة والتّنقية وإثارة الأرض على الثّيران ، ثمّ يرجع ويتنظّف ويجلس في مجلس القضاء ؛ لأنّه عليه بالهجرين وما قاربها منذ زمن بعيد.

وفيها جماعات من آل العطّاس (١) ، وآل الحامد ، وآل باسلامة (٢) ، وكثير من السّوقة.

ولا يزيد سكّانها عن ألفين وخمس مئة تقريبا ، وفي تربتها من لا يحصى من الصّالحين والعلماء.

وكانت ولاية الهجرين لآل محفوظ الكنديّين ، وهم من ذرّيّة آل جعفر الّذين امتدحهم الشّيخ عليّ بن عقبة الخولانيّ (٣) أثناء القرن السّابع بقصيدته السّائرة ، الّتي تعدّ ـ ولا سيّما أبياتها السّتّة ـ غرّة في جبين الشّعر العربيّ ، وهي [من الكامل] :

أصبرت نفس السّوء أم لم تصبري

بيني ومن تهوين يوم المحشر

إنّي امرؤ عفّ الإزار عن الخنا

لم أغش منذ نشأت باب المنكر

__________________

(١) ومن السادة آل العطاس بها : الحبيب أحمد بن عبد الله بن طالب العطاس من ذرية الحبيب علي بن حسن ، ولد بالهجرين سنة (١٢٥٥ ه‍) ، وتوفي بجاوة ببلدة فكالونفن ـ باكلنقان ـ سنة ١٣٤٧ ه‍ ، كان من العلماء الدعاة ، مهابا جليلا ، له ذرية لا تزال بالهجرين.

(٢) منهم الأمير الحسين باسلامة ، الذي كان حاكما على ذمار من قبل أئمة صنعاء ، توفي سنة (١٣٥٠ ه‍) ، أفرده المؤرخ محمد بن علي الأكوع بكتاب سماه : «حياة عالم وأمير» مطبوع.

ومن آل باسلامة جماعة في سيئون ، فيهم العلماء والصالحون ، ومن مشاهيرهم : العلامة المؤرخ حسين عبد الله باسلامة المكي صاحب «تاريخ الكعبة» ، و «تاريخ مكة» ، ولد بمكة سنة (١٢٩٩ ه‍) ، وبها توفي سنة (١٣٥٦ ه‍). «الأعلام» (٢ / ٢٤٢).

ومن فخائذهم : آل التّوي باسلامة ـ والتوي على وزن قصي ـ يسكنون مدينة شبام ، ومنهم جماعة بالحوطة ، لهم مكارم أخلاق ، وبنى بعضهم مدرسة بشبام في مطلع القرن المنصرم.

(٣) هو الشيخ الشاعر علي بن عقبة بن أحمد بن محمد أبو الحسن الزيادي ثم الخولاني ، قال عنه بامخرمة : كان فقيها فاضلا لا سيما في علم الأدب ، كان يقدم على المظفر الرسولي وله منه رزق يعتاده. اه وله ابن هو محمد ، توفي سنة (٧١٠ ه‍) ، «تاريخ الحامد» (٦٥٠ ، ٧٩٦).


والله ما صافحت كفّ بغيّة

كلّا ولا نادمت شارب مسكر

لكن على كسب العلوم مخيّم

وبكاي في طلب العلا وتحسّري

وقسمت حالاتي ثلاثا مثلما

قد كان قسّمها أبي الشّهم السّري

كرم تدين له الأنام وحالة

ظهر الحصان وحالة للمنبر

وتخذت أصحابا إذا نادمتهم

لم أخش منهم من ينمّ ويفتري

علمي وحلمي والحصان وصارمي

وندى يميني والعنان ودفتري

كذا هي في حفظي ، ولئن خالفت بعض ما هي عليه .. فإلى أحسن منه إن شاء الله تعالى.

وفيها ثلاثة أبيات مأخوذة من شعر الرّضيّ ، وهي قوله :

أعددتكم عونا لكلّ مكسّر

عرضي فكنتم عون كلّ مكسّر

وتخذتكم لي محجرا فكأنّما

ختل العدوّ مخاتلي من محجري (١)

فلأنفضنّ الكفّ يأسا منكم

نفض الأنامل من تراب المقبر

وهي في «ديوان الرّضيّ» [٢ / ٢٢٠ ـ ٢٢١] هكذا :

أعددتكم لدفاع كلّ ملمّة

عنّي فكنتم عون كلّ ملمّة

وتخذتكم لي جنّة فكأنّما

نظر العدوّ مقاتلي من جنّتي

فلأنفضنّ يديّ يأسا منكم

نفض الأنامل من تراب الميّت

وقد رأيت هذه الأبيات الثّلاثة في «معاهد التّنصيص» معزوّة لابن سناء الملك ، وما هو إلّا وهم ظاهر ؛ لأنّ قصيدة الرّضيّ الّتي منها الأبيات مشهورة ؛ ومنها [في «ديوانه» ١ / ٢٢٠ ـ ٢٢١ من الكامل] :

قل للّذين بلوتهم .. فوجدتهم

آلا وغير الآل ينقع غلّتي

تأبى ثمار أن تكون كريمة

وفروع دوحتها لئام المنبت

__________________

(١) المحجر : الحرمة. المخاتلة : مشي الصيّاد خفية ليرمي الصّيد.


لمّا رميت إليكم بمطامعي

كثر الخلاج مقلّبا لرويّتي (١)

ووقفت دونكم وقوف مقسّم

حذر المنيّة راجي الأمنيّة

فلأرحلنّ رحيل لا متلهّف

لفراقكم أبدا ولا متلفّت

يا ضيعة الأمل الّذي وجّهته

طمعا إلى الأقوام بل يا ضيعتي

وللرّضيّ في معنى هذه القصيدة كثير كالّتي منها قوله [في «ديوانه» ١ / ٦٦٦ من الطّويل] :

سأذهب عنكم غير باك عليكم

وما لي عذر أن تفيض المدامع

ولا عاطفا جيدا إليكم بلهفة

من الشّوق ما سار النّجوم الطّوالع

نبذتكم نبذ المخفّف رحله

وإنّي لحبل منه بالعذر قاطع

وكقوله [في «ديوانه» ١ / ٢٦١ من الوافر] :

فيا ليثا دعوت به ليحمي

حماي من العدا فاجتاح سرحي

ويا طبّا رجوت صلاح جسمي

بكفّيه فزاد فساد جرحي

ولإبراهيم بن العبّاس الصّوليّ في هذا المعنى عدّة مقاطيع ، يعبث فيها بابن الزّيّات ؛ منها قوله [من الطّويل] :

وإنّي وإعدادي لدهري محمّدا

كملتمس إطفاء نار بنافخ

وقوله [من الطّويل] :

وإنّي إذ أدعوك عند ملمّة

كداعية عند القبور نصيرها

وفي ترجمة ابن الزّيّات من «تاريخ ابن خلكان» [٥ / ٩٧] جملة منها.

وقد جاء في قصيدة ابن عقبة ذكر المراحل من الجوف إلى الهجرين ، وبينها ذكر منصح (٢) ، ولعلّها الّتي يقول امرؤ القيس بن عانس السّكونيّ في ذكر روضتها [من الطّويل] :

__________________

(١) الخلاج : ما ينازع القلب من أفكار.

(٢) انظر : «معجم البلدان» (٥ / ٢١٠).


ألا ليت شعري هل أرى الورد مرّة

يطالب سربا موكلا بغرار

أمام رعيل أو بروضة منصح

أبادر أنعاما وأجل صوار

وهل أشربن كأسا بلذّة شارب

مشعشعة أو من صريح عقار

إذا ما جرت في العظم خلت دبيبها

دبيب صغار النّمل وهي سواري

وقد تكون هذه الرّوضة في داخل حضرموت ، بأمارة أنّها لبني وكيعة الكنديّين وهم من وسط حضرموت ، وابن عانس من أسفلها فتكون غير التي ذكرها ابن عقبة إذن.

واسم ملك آل محفوظ لذلك العهد : محفوظ ، عرفناه من قصّته مع الشّيخ عبد الرّحمن جدّ الشّيخ عبد الله بن محمّد القديم عبّاد ـ الآتية في الغرفة إن شاء الله ـ ومن اسمه نفهم أنّ آل جعفر ممدوحي ابن عقبة بتلك القصيدة هم آل محفوظ.

ثمّ خلفهم على الهجرين آل فارس النّهديّون ، وقد ذكرنا ب «الأصل» من أخبارهم مع آل كثير وآل يمانيّ وآل سعد وغيرهم ما شاء الله أن نذكر.

ثمّ تغلّب عليها يافع كسائر بلاد حضرموت في سنة (١١١٧ ه‍) (١).

وفي آل عقبة الخولانيّين كثير من العلماء والشّعراء ؛ منهم الشّيخ أحمد بن عقبة الزّياديّ الخولانيّ الهجرانيّ ، أحد مشايخ الإمام محمّد بن مسعود باشكيل.

وفي حدود سنة (١٢٧٦ ه‍) قدم الشّيخ عمر بن سالم بن مساعد من بقايا آل محفوظ الكنديّين ـ وقيل : إنّه من آل بامطرف ـ بدراهم كثيرة ، فحدّثته نفسه بملك آبائه ، وتمنّى أن يخضع آل يزيد اليافعيّين السّاكنين بأعلى الهجرين ، حتّى لقد ورده الشّيخ صالح باوزير في جملة الوفود الّتي تتابعت لتهنئته ، فأكرم مثواه ، وأطال معه السّمر ، ولم يزل يتسقّطه الكلام ليرى ما قدره مع ثروته في نفس الشّيخ صالح ، فقال له : (إنّك لفوق القبيليّ ودون السّلطان) فلم يقتنع بذلك ، وجفاه ولم يقابله بعدها ،

__________________

(١) ينظر : «العدة المفيدة» لابن حميد الكندي (١ / ٢٦٥) وما بعدها.


فمرّ في خروجه على جماعة يتراجزون في شبوانيّ لهم (١) ، فقال :

يا بن مساعد قال صالح نعنبوك (٢)

يا الله متى الهوّاك في دارك يهوك (٣)

ولعاد باتنفع مياتك واللّكوك (٤)

باتصبح الّا عند بامهلس تحوك

والّا بعوره عند صالح بادكوك (٥)

وذهب الشّيخ صالح باوزير لطيّته (٦) ، وبقي الشّيخ عمر بن مساعد يساور (٧) الأحلام والآمال ، حتّى لجأ إلى آل عبد الله الكثيريّين بسيئون فنهضوا معه ، ولم يزالوا يوالون التّجهيزات حتّى استولوا على الهجرين في سنة (١٢٨٥ ه‍) ـ ومعلوم أنّ الهجرين مفتاح دوعن بأسره ـ ثمّ حطّوا على قزة آل البطاطيّ فانكسروا دونها ؛ لنجدة جاءت لأهلها من الأمير عبد الله بن عمر القعيطيّ بالشّحر ، فطردوا من حواليها من أصحاب الدّولة الكثيريّة ، وتراجعت فلولهم (٨) إلى الهجرين.

ثمّ لم يحسن المآل بين الشّيخ عمر بن سالم بن مساعد والدّولة الكثيريّة ؛ لأنّه استنفد أكثر ما في يده وعرف أنّ الدّولة لن تعطيه شيئا ممّا يتمنّاه ، وتحقّق استبدادهم عند رسوخ أقدامهم ، فاتّفق مع القعيطيّ وفتح له الطّريق فاقتحموها ، وحصروا بها

__________________

(١) الشبواني : رقصة شعبية حضرمية .. تنسب إلى شبوة ؛ لأنها جاءت منها. وفيها يحمل المرتجزون العصي ويهتزون على أصوات الطبول والدفوف ذات الجلاجل ويرددون الأراجيز الشعبية.

(٢) نعنبوك : كلمة توبيخ كثكلتك أمك في الفصحى ، ولعل أصلها : نعني بالذّم أباك.

(٣) الهوّاك : الصايح ، أو الناعي.

(٤) مياتك واللكوك : مئاتك ـ الدراهم ـ واللكوك : جمع لكّ ، وهو عبارة عن رزمة من المال.

(٥) آل بادكوك : أسرة في دوعن يسكنون عورة والقرين ، ظهر فيها أفاضل من الفقهاء ؛ منهم : الفقيه سعيد بن عبد الله بادكوك ، عاش في أواخر القرن الثالث عشر ، أخذ عن الشيخين سعيد باعشن وعبد الله باسودان ، وجمع فتاواهما في كتاب سماه : «فتح المنان بجمع فتاوى باعشن وباسودان».

منه نسخة خطية نفيسة بمكتبة الإمام أحمد بن حسن العطاس بحريضة ذكره السيد عبد الله الحبشي في «فهرس المكتبات الخاصّة باليمن».

(٦) ذهب لطيّته : لوجهه الّذي يريد.

(٧) يساور : يواثب.

(٨) الفلول : بقايا الجيش المنهزم.


الأمير الكثيريّ ـ وهو صالح بن مطلق ـ حتّى سلّم بشرط أن يتحمّل بما معه ممّا تقدر عليه الجمال ، ولهذا بقي بها مدفع الدّولة إلى اليوم ؛ لأنّه لم يدخل تحت الشّرط.

وقد وفّى السّلطان القعيطيّ للشّيخ عمر بن سالم بن مساعد بما اشترطه عليه ، والأخبار في ذلك طويلة شيّقة ، وهي مستوفاة ب «الأصل».

وفيه : أنّ آل محفوظ عدّة قبائل ؛ منهم آل عمر بن محفوظ أهل نحولة ، وآل أحمد بن محفوظ أهل صيلع ، وآل عجران منهم آل مرشد وآل ريّس وآل الشّيبة ، ومنهم : آل عبد الله بن محفوظ رهط الشّيخ عمر بن مساعد السّالف الذّكر.

المشهد

قرية صغيرة ، تبعد عن الهجرين في شمالها مسافة ساعتين ، وكان موضعه يسمّى (الغيوار) ، يكمن به اللّصوص فيخيفون السّابلة (١) ويقطعون السّبيل ، ويأتون في ذلك المكان المنكر.

وكان الحسد قد تكسّرت نصاله في الحبيب عليّ بن حسن بن عبد الله بن حسين بن عمر بن عبد الرّحمن العطّاس (٢) ؛ لعلوّ شأنه ، وغزارة علمه ، وقوّة عارضته ، وكان يتنقّل في البلدان لنشر الدّعوة إلى الله ، وكانت أمّه من المشايخ آل إسحاق السّاكنين بهينن ، فبدا له أن يختطّ بذلك المكان دارا ويبني مسجدا ، ورغّب النّاس في البناء بجواره ، وعندما رأوا عموم الأمان .. بنيت ديار حواليه ، فكان بناؤه هناك واختطاطه ذلك المكان حصاة صادت عصفورين ؛ إذ استراح هو من مناوأة الحسّاد ، وأمن به النّاس ، وزال البأس.

وكان يحتفل بمولد النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في اليوم الثّاني عشر من ربيع الأوّل في كلّ عام ، يتقاطر له الوفود من كل ناحية حتّى من قريب صنعاء ، وهناك تكثر

__________________

(١) السّابلة : أبناء السّبيل والمارّة في الطّريق.

(٢) الحبيب علي بن حسن العطاس (١١٢١ ـ ١١٧٢ ه‍) من أشهر مشاهير عصره ، تربى في حجر جده عبد الله ، وتفقه عليه ، وله مصنفات كثيرة وديوان كبير.


الفوائد ، وتبسط الموائد ، وتهتزّ الأبشار ، وتحنّ العشار ، وينظم الانتشار ، وتقشعرّ الأبدان ؛ لحضور الأرواح من بشّار.

هنالك يهتزّ الشّعور إذا التقى

من الملأ الأعلى كرام وطيّب (١)

وثمّ يطيب الاتّصال إذا انبرى

نسيم الرّضا وانهلّ بالفضل صيّب

ولا تزال تلك العادة متّبعة إلى اليوم ، وهذا المولد من أقلّ الموالد بدعا ومفاسد ، إلّا ما قد يقع من اختلاط الرّجال بالنّساء ، ولكن لم يشتهر عنه فساد ، ولا مانع أن يكون ذلك ببركة إخلاص مؤسّسه وحسن نيّته ، ولو رأيت ما يقع من فرح الوفود ، وزجل الأراجيز ، ودويّ المدافع ، وزمجرة الميازر.

والخيل تصهل والفوارس تدّعي

والبيض تلمع والأسنّة تزهر (٢)

والأرض خاشعة تميد بثقلها

والجوّ معتكر الجوانب أغبر

والشّمس طالعة توقّد في الضّحى

طورا ويطفئها العجاج الأكدر

 .. لرأيت ما يملأ عينيك نورا ، وقلبك سرورا.

وتقوم هناك سوق من أسواق العرب تدوم ثلاثة أيّام ، وتأتيها القوافل حتّى من نحو صنعاء.

وكان الحبيب عليّ بن حسن العطّاس ـ صاحب المشهد هذا ـ صدرا من صدور الرّجال ، وله مؤلّفات كثيرة ، منها : «القرطاس» في ثلاث مجلّدات كبار ، ومنها : «سفينة البضائع» ، وله «ديوان» عذب (٣) ، كأنّه اللّؤلؤ الرّطب ، وهو يمرّ في منظومه ومنثوره مع خاطره ، لا يتكلّف ولا يتنطّع ، ولا يدع شيئا بباله إلّا نفث به لسانه ، وعسل به قلمه ، من ذلك : أنّ جماعة من قرار (٤) شبام باتوا عنده ، فأكرمهم وأسبغ قراهم ، ومعهم جمّال من آل مهري ، سأل عنه الحبيب عند حضور العشاء ،

__________________

(١) البيتان من الطّويل.

(٢) الأبيات من الكامل ، وهي للبحتريّ في «ديوانه» (١ / ٢٤).

(٣) واسمه : «قلائد الحسان وفرائد اللسان».

(٤) القرار : أهل الحراثة والأرياف إذا اعتزلوها وسكنوا المدن.


فقالوا له : إنّه عند المراكيب ، فأخّر عشاءه حتّى نفرغ ، قال : لا يمكن أن نأكل إلّا ويده مع أيدينا.

واتّفق أنّ الحبيب دخل شباما بعد أمّة من الزّمان واجتمع بكلّ أولئك في الجامع ، ولم يقل له أحد تفضّل إلى منزلي ، وأبوا بلسان الحال أن يضيّفوه ، فاضطرّ إلى الخروج من شبام قريب المغرب ، فلاقاه ابن مهريّ خارجا من سدّة شبام وعزم عليه وألحّ ، وذبح له منيحة ولده ، فأنشأ الحبيب قصيدة يقول فيها :

علي بن حسن حوّط الغيوار وامسى مزار

وامسيت يالجحي جنّه بعد ما كنت نار

يا القروي القار يا عرق الحدج يا قرار

حبّ القبيلي وقيراط القبيلي بهار

وان جيت صرّ القبيلي ما لطف في الصّرار

وسيأتي في شبام أنّ لأهلها مكارم غزيرة ، ومحاسن كثيرة ، إلّا أنّهم لا يقرون الضّيف ؛ لضيق منازلهم وكثرة أشغالهم.

وكلام الحبيب في «ديوانه» ، وإن خرج عن قواعد الإعراب .. فإنّه عذب اللهجة ، حلو السّياق ، خفيف الرّوح.

أخذ عن كثير من المشايخ ، مرّ ذكر جملة منهم ، ومنهم : جدّ أبيه : الحبيب حسين بن عمر العطّاس ، وجدّه عبد الله بن جعفر مدهر ، والسّيّد أحمد بن زين الحبشيّ ، وغيرهم.

وكانت وفاته بالمشهد سنة (١١٧٢ ه‍) ، ولا يزال أولاده يتوارثون منصبه على البرّ والتّقوى ، وإكرام الضّيف ، وإعانة المنكوب ، وتأمين الخائف ، والإصلاح بين النّاس ، والحجز ما بين المتحاربين.

والقائم بمنصبهم الآن هو : أخونا المنصب السّيّد أحمد بن حسين بن عمر بن هادون (١) ، سخيّ الكفّ ، سليم الصّدر ، خفيف الرّوح ، قليل الغضب ، لا يشينه

__________________

(١) السيد الشريف أحمد بن حسين بن عمر بن هادون بن هود بن علي بن حسن العطاس ، ولد سنة (١٣٠١ ه‍) ، وتوفي سنة (١٣٧٨ ه‍) ، أخذ العلم عن عدد من الشيوخ ، وكان شهما كريما حكيما حليما.


عبوس ، ولا يبطره غنى ، ولا يذلّه بؤس.

لا مترفا إن رخاء العيش ساعده

وليس إن عضّ مكروه به خشعا

وفيه أقول من «الرّحلة الدّوعنية» [من الطّويل] :

وعجنا إلى الغيوار صبحا فأطلقوا

كذا وكذا عند التّحيّة مدفعا

وزرنا البعيد الصّيت حامي الحمى الّذي

به صار من عرّيسة اللّيث أمنعا (١)

وكان زعيم المشهد الشّهم غائبا

مضى هو والسّلطان في رحلة معا

وكان مكينا عنده حيث إنّه

بأخلاقه لم يبق للظّرف موضعا

سوى لحية فيها يسير زيادة

أريد على تقصيرها فتمنّعا

وفي جيده باللّيل أبصرت سبحة

من الرّقش خفنا أن تدبّ وتلسعا (٢)

ولا يشكل قولنا : (أبصرت) مع أنّه كان غائبا ؛ لأنّا اجتمعنا وإيّاه بعد ذلك مع السّلطان ، فكان ما في البيت.

ولقد أخبرني أنّ السّلطان صالح بن غالب أراده على حلق لحيته أيّام كان معه بمصر ؛ لأنّ أهل مصر لا يحبّون اللّحى ، وبذل له مئة دينار مصريّ فامتنع ، إلّا أنّه ندم بعد ذلك ، ولا سيّما إثر ما أخبرته باتّفاق الرّافعيّ والنّوويّ على كراهة حلقها لا حرمته ، وأنّ السّخاويّ ذكر في «الضّوء اللّامع» أنّ عبد الحقّ بن هاشم الجربيّ المغربيّ كان يحلق لحيته وشاربه ، وكان صالحا معتقدا ، وأصله من الينبوع فيما يذكر ، وقد تولّى مشيخة رباط السّيّد حسن بن عجلان بمكّة ، وبها توفّي سنة (٨٤٥ ه‍) فاشتدّ ندمه حينئذ ، وأنشد لسان حاله قول كثيّر عزّة [في «ديوانه» ٢٤٤ من الطّويل] :

لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها

وأمكنني منها إذن لا أقيلها

__________________

(١) عرّيسة الليث : عرينه.

(٢) الرّقش : الحيّات الّتي فيها سواد وبياض ، والمعنى : أن في جيده سبحة سوادها وبياضها يخيل للناظر أنه حية رقشاء.


وفي حوالي المشهد كثير من الأطلال والآثار العاديّة (١) ، وأكثرها في مكان يقرب منه ، يقال له : ريبون ، يزعمون أنّ به آثارا مطمورة بالتّراب ، كمثل الآثار الّتي اكتشفت بناحية حريضة ، أو أكثر (٢).

ميخ

وفي جنوب المشهد على نصف ساعة منه بالأقدام ، قرية يقال لها : ميخ ، فيها جماعة من ذرّيّة الشّيخ محمّد بن عبد الله ـ مولى الغيل ـ ابن عبد الله بن أحمد المشهور باستجابة الدّعاء ، يرجعون إلى عفيف الكنديّ.

ومنهم : الشّيخ سعيد بن محمّد الملقّب الصّوفيّ الكنديّ وهو منصبهم.

وفيها آل باسمح ، ولهم من اسمهم نصيب ؛ منهم : سالم وأحمد وعمر وسعيد بن محمّد باعمر باسمح ، لهم ثروة وخير وسماحة.

وفي غربيّ ميخ غيل أجراه الشّيخ محمّد بن عبد الله العفيفيّ الكنديّ ، وأعانه عليه الشّيخ عبد الله بن محمّد القديم عبّاد بخمس مئة ريال.

ومنها الشّاعر المشهور غانم الحكيميّ وهو القائل ينسب نفسه :

من نسل عذره بن سبا بن سام

وننسب لا نوح بن شيليخ

__________________

(١) العادية : نسبة إلى قوم عاد.

(٢) تقع ريبون غربي المشهد ، قال صلاح البكري : في هذه المنطقة أحجار كثيرة عليها كتابات حميرية ، وتوجد تلال تعلو إلى (٣٠) قدما على سفوحها أنقاض جدران ، وعلى إحدى التلال بئر اتساعها (٣٠) قدما وعمقها (٦٠). وقد عثر على آثار قيمة في هذه المنطقة. اه

وقال الأستاذ جعفر السقاف : تقع ريبون غربي المشهد ، وهي منطقة تزيد مساحتها على (١٠) هكتار ، وعليها الآن آثار المعابد والقصور والمساكن ومنشآت الحرفيين التي اكتشفتها البعثة اليمنية السوفيتية العلمية في موسم عملها لعام (١٩٨٣ م) ، وبها معبد الإله عشترم ، وبناؤه يعود إلى القرن السابع قبل الميلاد ، ثم أحرق في الفترة ما بين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الأول بعد الميلاد ، كما لاقت المدينة نفس المصير.

وكانت ريبون في الماضي مركزا لمنطقة زراعية كبيرة تقدر مساحتها بنحو (٥٠٠ ، ١) هكتار.


ما نكسب الّا من علوق الشام

مسرح مضوّي والمحلّه ميخ

ومن شعره في موسم المشهد :

اليوم صبّحناك يا علي بن حسن

يا معطي الزوّار كلّ لي بغاه

من ليس له نيّه في السّاده وظنّ

لا الرّزق قدّامه رجع لمّا قفاه

وقال أيضا :

اليوم صبّحناك يا علي بن حسن

يومك كما ياسين سلطان القران

طالب كرامه من بحورك يا علي

يا الطير لاخضر يا الشّقر يا الضّيمران

وقال :

يا الرّعد حنّيتي وحن دقم الحسي

لا (١) قام وادي العين ترغي من رغاش

في شهر لوّل تلتقي زوّارها

وبعد في الآراض تسعى للمعاش

و (الرعد) : اسم للطبل الكبير الذي يضرب بالعيدان المسمى بالطاسة وهي الخانة الكبيرة. و (الحسي) : جبل كبير في شمال المشهد بطرف وادي العين.

وقد ذكّرني قوله : (ترغي) بقول ناصر بن أبي المكارم الخوارزميّ [من الطّويل]

فإن تنكروا فضلي فإنّ رغاءه

كفى لذوي الأسماع منكم مناديا

وذكرني قوله : (تسعى للمعاش) أنّ الحبيب هادون بن هود بن عليّ بن حسن العطّاس كان متزوّجا بشريفة من آل الجفريّ ، فأمرها أن تعطي مساكين قدرا من الحبوب .. فنقصتهم منه ، فقال : ما قصّرت إلّا لأنّ أهلك طلب. فقالت له : أمّا أهلي إذا سألوا أحدا سألوه بسرّ ، وأمّا أنت وآباؤك .. فقد جعلوا للطّلبة مرافع وطوس فضحك الحبيب من ذلك الكلام ، وأعجب به ، ونشره ؛ لبعده عن الكبر والتّصنّع ، ولسيرهم كلّهم بسوق الطّبيعة ، وابتناء أمرهم على الإخلاص ولقد ذكر ذلك في مجلس حافل بعظماء العلويّين ، ومنهم إمام الدّعوة والإرشاد أحمد عمر بن سميط ،

__________________

(١) عامية بمعنى إذا الشرطية.


وسيّد الوادي حسن بن صالح البحر الجفريّ فانبسطوا ، وكلّهم عن الرّياء بمعزل ، ينطبق على كلّ منهم ما قاله ابن الخطّاب وقد رأى صفوان متبذلا : إنّه ليفرّ من الشّرف ، والشرف يتبعه.

وقول حبيب [في «ديوانه» ٢ / ١٠١ من الكامل] :

متبذّل في القوم وهو مبجّل

متواضع في الحيّ وهو معظّم

رضوان الله عليهم أجمعين.

وادي العين

هو واد واسع في شرقيّ المشهد ووادي ليسر ، تفصل بينها وبينه الجبال ، فيه كثير من الحصون والقرى ، ونحن نذكر ما يجمّع فيها (١).

وأكثر سكّانه من المشايخ آل باوزير والعوابثة. وقد مرّ في غيل باوزير ما يفهم منه أنّ الرّئاسة الدّينيّة كانت للمشايخ آل باوزير ، وأنّ العوابثة المذحجيّين كانوا ينتسبون إليهم بالخدمة والموالاة ، كأكثر قبائل حضرموت مع مناصبها.

وكان شيخ العوابثة حوالي سنة (٨٥٨ ه‍) رجل يقال له : عمر بن أبي قديم ، له ذكر في الحكاية (٣٩٩) من «الجوهر الشّفّاف» للخطيب [٢ / ١٦٢ ـ ١٦٣ (خ)] ، وفي وادي عمد ذكر عوبث وناعب وريام.

وأعلى وادي العين قرية يقال لها : شرج الشّريف ، فيها قرار ـ أعني : سوقة ـ وعوابثة ، وبعده : غورب ، مكان آل باذياب ، وبعده : الهشم ، فيه عوابثة ، ومشايخ من آل باوزير ، وبعده : الباطنة ، للمشايخ آل باوزير ، منصبهم : الشّيخ عبد الله بن محمّد بن أحمد باوزير. وبعده : البويرقات ، فيها مشايخ من آل باوزير ، وقرار وغيرهم. وبعدها : السّفيل ، فيها مشايخ من آل باوزير وسوقة ، والمنصب بها : أحمد بن صالح باوزير.

__________________

(١) يقصد القرى التي تصلى فيها الجمعة.


وبين البويرقات وغورب مكان لا جمعة فيه ، يقال له : الرّابية ، كانت تقيم فيه العرب سوقا.

قال اليعقوبيّ : (يقوم سوق صحار (١) في أوّل يوم من رجب ، ثمّ يرتحلون إلى دما ، وهي من بلاد عمان كما في (ص ٤٤٨) من آخر أجزاء «معجم البلدان» وغيرها.

ثمّ : سوق مهرة ؛ وهو سوق الشّحر ، يقوم تحت ظلّ الجبل الّذي عليه قبر هود عليه السّلام ، ولم تكن بها خفارة ، كانت المهرة تقوم بحفظها. ثمّ : سوق عدن أوّل يوم من رمضان. ثمّ : سوق صنعاء في النّصف من رمضان. ثمّ : سوق الرّابية بحضرموت ، ولا وصول إليها إلّا بخفارة ؛ لأنّها لم تكن أرضا مملّكة ، بل كان كلّ من عزّ بها .. بزّ ، وكانت كندة تخفر فيها ، ثمّ يقوم بعدها سوق عكاظ) اه

وقد ذكرت ما يتعلّق به في «الأصل» ، وقوله : (من عزّ .. بزّ) (٢) من الأمثال الّتي أرسلها عبيد بن الأبرص لمّا قدّمه المنذر اللّخميّ في يوم بؤسه للقتل.

وأبسط ما رأيت الكلام عن أسواق حضرموت بكتاب «الأمكنة والأزمنة» لأبي عليّ المرزوقيّ ، وهو مطبوع بدائرة المعارف الدّكنيّة ، وقد ذكر سوق الرّابية هذا.

ثمّ رأيت قول صاحب «قبائل العرب» : (تقوم سوق دومة الجندل أوّل يوم من ربيع الأوّل إلى النّصف منه. وتقوم سوق المشقر من أوّل يوم من جمادى الآخرة. ثمّ تقوم سوق صحار خمسة أيّام لعشر يمضين من رجب. ثمّ سوق الشّحر في النّصف من شعبان. ثمّ سوق صنعاء في النّصف من شهر رمضان إلى آخره. ثمّ سوق حضرموت في النّصف من ذي القعدة.

وتقوم سوق عكاظ بأعلى نجد قريبا من عرفات في نصف القعدة أيضا إلى آخرها ، وهو أعظم أسواق العرب ، تأتيها قريش وهوازن وغطفان وسليم والأحابيش وعقيل

__________________

(١) صحار : بلدة عامرة الآن بسلطنة عمان.

(٢) من عزّ .. بزّ ؛ أي : من غلب .. سلب.


والمصطلق وطوائف من العرب يبقون بها إلى هلال الحجّة فيأتون ذا المجاز ـ وهو قريب من عكاظ ـ فيقوم سوقه إلى التّروية فيصيرون إلى منى.

وتقوم سوق نطاه بخيبر ، وسوق حجر ـ بفتح المهملة وسكون الجيم ـ يوم عاشوراء إلى آخر المحرّم) اه

وقريب منه في (ص ٢٧٥ ج ٢) من «خزانة الأدب» وفي الّتي قبلها منها : أنّ أوّل ما ترك من أسواق العرب سوق عكاظ ، ترك في زمن الخوارج سنة (١٢٥ ه‍) ، وآخر ما ترك منها سوق جاشة في زمن عيسى بن موسى العبّاسيّ سنة (١٩٧ ه‍).

وممّا يتأكّد به عدم النّصف والأمان في ذلك المكان : ما أخرجه البخاريّ ، وأحمد ، والتّرمذيّ ، وأبو داود : عن خبّاب بن الأرتّ مرفوعا : «ليتمّنّ الله هذا الأمر حتّى يسير الرّاكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلّا الله والذّئب على غنمه» (١) ؛ لأنّ القوافل كانت تجيء لسوق الرّابية من صنعاء فتلاقي عناء من الخوف وخسارة من الخفارة ، ولو لم تكن أشدّ الطّرق خوفا .. لما كان أمنها إعجازا.

وحوالي قعوضة مكان يقال له : الرّابية أيضا ، قيل : إنّ السّوق إنّما كان فيه ، وإنّما بنيت قعوضة من أجله. والله أعلم.

ووادي العين من أطول أودية حضرموت ، من أعلاه ـ وهو شرج الشّريف ـ إلى السّفيل مسافة يوم للماشي.

ومن شرج الشّريف إلى أقصاه الجنوبيّ مسافة يوم كذلك للرّاجل ، إلّا أنّه يضيق وتنتهي المحارث.

وفي أعلاه عين ماء نضّاخة ، عليها نخيل تسقيها إلى مسافة ستّة أميال تقريبا ، ثمّ تغور في الأرض ، ولكن متى جاءت السّيول .. مدّت باللّيل إلى مسافة طويلة ، وتجزر بالنّهار ، ومن انحطّ عن مائها الدّائم المعتاد .. يحمي نخله عن مائها ؛ لأنّه

__________________

(١) الحديث أخرجه البخاريّ (٦٥٤٤) ، وهو بنحوه عند الإمام أحمد (٥ / ١٠٩) ، وأبي داود (٢٦٤٩).


يضرّه فيما يقولون ، وإنّما ينتفع به الّذي يألفه. وحيثما يجري ذلك الماء .. يكون الجوّ رديئا موبوءا ، يغلب على أهله الضعف وانتفاخ البطون وقصر الأعمار ، وقلّ من يبيت به ليلتين من غير أهله .. إلّا أصابته الحمّى ، ثمّ منهم من يسلم ، ومنهم من يذهب لما به.

وأهل النّخل به من غيره يبادرون بجذّ خريفهم وتحميله ، تفاديا عن البيات ؛ خوفا من أمّ ملدم.

ومن أخبار العوابثة الظّريفة : أنّ بعضهم أخفرت ذمّته ، فلم يقدر على جلاء العار وغسله عن وجهه ، وكان بينهم شاعر من الحاكة ، لا يشهد زفافا ولا غيره من احتفالات الأفراح .. إلّا غمزة بشيء من الكلام ، حتّى لقد توعّدوه بقطع لسانه إن بقي يعيّره ، ولكنّه لم يصبر ؛ ففي احتفال بفرح عندهم قال :

لا الحول حولي ولا لي من قدا الحول حول

لو شفت غربان سودا قلت ذولاك عول

ومعناها : إنّني لا أقدر على تعيير صاحب الوجه الأسود ، بل أقول : إنّه أبيض.

فأعادوا عليه الوعيد والتّهديد ، وكادوا يسطون به ، ولكنّه لم يصبر ، فعاد مرّة أخرى يقول في احتفال :

والله لا ثوّر النّائم إلمّا المقيل

وان لا كفت فوقه الشّقّه طرحنا المكيل

وأهل بلادنا يعرفون مغزى هذا الكلام .. فلا حاجة إلى الشّرح.

فلم يكن من العوابثة إلّا أن عيّروا صاحبهم وكان مثريا ، فحمل ولده على ركوب اللّيل ، واستأجر معه جماعة من أهل النّجدة ، فذهبوا إلى مكان المطلوب ، وكان آمنا ؛ لبعدهم ، ولما يعرفه من حال طالبه ، وأنه كما قال جرير [في «ديوانه» ٢٧٢ من الكامل] :

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا

أبشر بطول سلامة يا مربع

فلم يكن من الجماعة إلّا أن أمسكوه وكلّفوا الولد أن يطعنه ، فما كاد يفعل إلّا بعد أمر ما ، وعندما انتهى من العمل .. خرق وعقر ، فاحتملوه حتّى أوصلوه إلى أبيه في


زفّ كبير ، حضره ذلك الشّاعر ، فألقى عليهم ما يمحو بوادره السّابقة.

ومن أخبارهم : أنّه كان بين عبد الله باذياب (١) ـ صاحب غورب ـ وبين عبد الله بن عوض بن فاجع ـ صاحب الهشم ـ منافسات ، فبينا أحمد بن عبد الله باذياب يمشي ذات يوم مع اثنين من أصحابه على مقربة من الهشم .. إذ خرج عليهم عبد الله عوض صاحب الهشم في سبعة من أصحابه ، فأطلقوا الرّصاص على أحمد بن عبد الله فخرّ صريعا يتشحّط في دمه ، وهرب صاحباه ، فاحترق لذلك فؤاد والده عبد الله باذياب ، وأخذه من الأسف على ولده ما كاد يفلق فؤاده ، لا سيّما وقد أعياه الثّأر ؛ إذ أخذ عبد الله بن عوض بن فاجع بالحزم الشّديد ، فقلّما خرج من داره إلّا بعد الاستبراء.

ولمّا اشتدّ الأسف بباذياب .. خاطر ولده مانع بنفسه ، واقتعد اللّيل وكمن في خربة بالهشم ، ولمّا خرج أحمد بن عبد الله بافاجع .. قدر عليه ، ولكنّه تركه رجاء أن يخرج أبوه ليشفي غيظه وغيظ أبيه من نفس القاتل الّذي اقتطف ثمار قلوبهم ، فلم يكن من أحمد بن عبد الله إلّا أن نادى أباه وقال له : عارضني بمزحاة ومكتل (٢).

فقال له : سآمر أحد العبيد .. يأتيك بها. فلمّا أيس من الأب .. أطلق بندقيّته على أحمد .. فخرّ صريعا لليدين وللفم ، وانساب ابن ذياب انسياب أيم الرّمل (٣) ، ولمّا دنا من دار أبيه .. أطلق الرّصاص ؛ إشارة إلى الظّفر ، فاستقبله أبوه في حفل كبير ، وذبح الذّبائح وعمل ضيافة للنّاس.

وساغ له الشّراب وكان قدما

يكاد يغصّ بالماء الزّلال (٤)

والنّاس يعدّون صنيع مانع بن ذياب من المعجزات ، ولا بدع ؛ فإنّه من سرّ قوله

__________________

(١) الباذياب من الباعنس ، فخيذة من العوابثة.

(٢) المزحاة : هي آلة تشبه القدوم عند الحضارمة. والمكتل : هي الوعاء الذي يحمل فيه أيّ متاع من أكل وغيره.

(٣) الأيم : الحيّة الذكر.

(٤) البيت من الوافر ، وأصله للنّابغة الذّبياني في «ديوانه» (١١٨) بلفظ :

وساغ لي الشّراب وكنت قبلا

أكاد أغصّ بالماء الحميم


جلّ ذكره : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً)

ولم يعمّر بعدها عبد الله بن عوض بافاجع ، بل مات غبنا عند ما أيس من آل باذياب.

وذلك أوّل شرّ نجم بين العوابثة ، وإلّا .. فقد كانوا قبلها يتناصفون ويقتلون القاتل ، ولهم قوانين عادلة ، يحرسها في كلّ قرية رئيسها ، ثمّ يكون الاستئناف لمن لم يقتنع عند المنصب العامّ.

وكان لعبد الله بن أحمد باذياب هذا بنت تسمّى : عبودة ، تنافس عليها الخطّاب ، وكان منهم : محمّد بن عمر باعقيل ـ السّابق خبره في الضّليعة ـ وأعطاهم ألف ريال ، وشرطوا عليه معه هدايا طائلة ، إن جاء بها على ميعاد عيّنوه .. كان الإملاك والبناء ، وإلّا .. انفسخت وضاع الألف ، فتأخّر عن وعده فتركوه.

ويقال : إنّهم رفعوا أمره إلى السّيّد حسين بن حامد المحضار فقضى عليه ، وكلّفه مع ذلك غرامة الدّعوى ومقدارها مئتا ريال. وقيل : إنّه بنى بها ، وإنّما كان النّزاع بعد الزّواج. والله أعلم.

ومن غرائب الصّدف : أنّ عبودة هذه تزوّجت من الشّيخ حسن بن أحمد القحوم العموديّ ، وحملها إلى خديش ، وأولدها بنتا ، قضى الله أن تكون تلك البنت زوجة لأحد أولاد محمّد بن عمر باعقيل ، لا تزال تحته إلى اليوم.

سدبه

أوّل ضمير من وادي العين ، هو الّذي يسقي سدبه. وهي عدّة قرى ، منها : كيرعان (١) ومنها : عرض بو زيد.

وفيها شراج (٢) ونخيل ، وهي من قدامى البلدان ، ولها ذكر عند ابن الحائك

__________________

(١) كيرعان : وتسمّى : حوطة حميشة ، تنسب للسيد الحبيب سالم بن عمر العطاس ، وكان يلقب بمولى حميشة.

(٢) منها الشرج المسمى : قهول.


الهمدانيّ ، قال : (وهي قرية محمّد بن يوسف التّجيبيّ) اه (١)

وفيها جماعة من أعقاب السّيّد سالم بن عمر بن عبد الرّحمن العطّاس (٢).

وعلى قارة منها : حصن الرّكّة (٣) ، كان لمحسن بن عليّ الملكيّ ، وقد قتله مذحج بفنائه (٤).

وفي سنة (٨٢١ ه‍) .. هجم آل الملكيّ على صاحبهم في حوره ، وأعانهم عليه آل عامر.

وفي سدبه كثير من آل ربّاع يرجعون في نسبهم إلى مذحج (٥).

ومن خصائص سدبه ـ فيما يقال ـ : أن لا تدخلها الغربان. كما أنّ من خصائص قارّة الشّناهز : أن لا يأكل مزارعها الطّير. وأنّ من خصائص اللّسك : أن لا يسلّط عليها الجراد.

ويروى أنّ الأفاعي لا تضرّ في ثلاثة مواضع من اليمن ؛ وهي : صنعاء وناعط وظفار ؛ لتحصينها من أيّام حمير بالطّلاسم.

__________________

(١) صفة جزيرة العرب (١٧١).

(٢) منهم السادة آل الشامي العطاس ، ومن علمائهم : السيد الشريف حسين بن محسن بن حسين بن عبد الله بن حسين بن أبي بكر بن سالم بن عمر .. إلخ ، وهو الذي لقب الشامي لهجرته من وطنه.

ومنهم : ابنه العالم الحبيب عبد الله بن الحسين .. طاف على بلدان حضرموت ، وأخذ عمن بها ، ثم استقر به المقام بجاكرتا ، وأقام بها بعض الأسباب ، وكان عالما صالحا تقيا. فاجأته منيته بجاكرتا في شعبان سنة (١٤٢١ ه‍). وبسدبه جماعة من آل العطاس من ذرية السيد عبد الله بن علي بن الحسين بن عمر العطاس ، وآخرون.

(٣) اختلف المؤرخون في ضبط هذا الاسم .. ففي «شنبل» : الراكة ، وفي بعض النسخ : الدكة ، وكذا في «العدة» ، وغيرها.

(٤) جاء الخبر عند «شنبل» هكذا : وفيها في صفر قتلوا مذحج علي بن حسن الملكي تحت الراكة. اه (ص ١٦٣) ، حوادث سنة (٨٢٠ ه‍).

(٥) في «جواهر تاريخ الأحقاف» (٢ / ١١) ذكر آل باربّاع ، وقال : إنهم من كندة. وفيه أيضا : (٢ / ١٥٨) ذكر آل ربّاع وأنهم من كندة ، وأنهم هم الذين بنوا حصن الراكة سنة (٨٢٢ ه‍) ، ومساكنهم : سدبة وبدره قريتان بقرب حوره.


حوره (١)

قال ابن الحائك في موضع من «صفة جزيرة العرب» [١٦٨] : (هي مدينة عظيمة لبني حارثة من كندة).

وقال في آخر [١٧١] : (ولبدّا (٢) قرية أخرى ، يقال لها : حوره ، فيها بطنان يقال لهما : بنو حارثة ، وبنو محرية من تجيب ، ورأسهم اليوم : حارثة بن نعيم ، ومحمّد ، ومحرية أبناء الأعجم) اه

وقوله : (قرية) لا يخالف قوله : (مدينة عظيمة) ؛ لأنّ القرية قد تطلق عليها ، وقد سمّى الله مكّة قرية ، بل هي أمّ القرى.

وفي الجزء الثّامن [ص ٩٠] من «الإكليل» : (أنّ حوره من حصون حمير بحضرموت ، فيها كندة اليوم) اه

وكانت حوره في الأزمنة المتأخّرة تحت حكم النّقيب بركات بن معوضة اليافعيّ ، وله مكاتبات من الحبيب عليّ بن حسن العطّاس ، ثمّ استولت عليها عساكر السّلطان عبد العزيز بن محمّد بن سعود ، أو ولده سعود المتوفّى سنة (١٢٢٩ ه‍) ـ حسبما سبق في الشّحر ـ وطردوا النّقباء اليافعيّين.

وكانوا وصلوا إلى حضرموت سنة (١٢١٩ ه‍) ، ولكنّهم كانوا قليلا إذ ذاك فصدّهم السّلطان جعفر بن عليّ الكثيريّ عن شبام :

فإمّا أن يكونوا انحازوا من عامهم ذلك إلى حوره ، وطردوا النّقباء اليافعيّين منها. أو صالحوهم لاتّفاق في المبادىء ؛ فقد سمعت كلّا من أفواه المعمّرين.

__________________

(١) حوره ـ بفتح يميل إلى الضم ـ : مدينة مشهورة بوادي العين ، وهي منطقة زراعية تكثر حواليها النخل والسدر ، وتشكل اليوم مركزا إداريا تابعا لمديرية القطن ، ويشمل هذا المركز : النقعة ، المنبعث ، قعوضة ، سدبه ، عرض بوزيد ، الظاهرة ، كيرعان ، شريوف ، وفي حوره : آل باوزير ، وناس ترجع أصولهم إلى كندة.

(٢) بنو بدّا : بطن من تجيب.


وإمّا أن يكونوا عادوا أدراجهم واستأنفوا التّجهيز على حضرموت في سنة (١٢٢٣ ه‍) ، واستولوا به عليها ، وأقاموا بها ردحا (١) من الزّمن ، يبعثون البعوث بقيادة الأمير عليّ بن قملا وأخيه ناجي.

ففي سنة (١٢٢٤ ه‍) استولوا على حضرموت ، وهدموا القباب بها ، إلّا قبّة السّيّد أحمد بن زين الحبشيّ (٢) ؛ فإنّهم لم يعرّجوا عليها مراعاة لخواطر آل كثير الّذين فتحوا لهم الطّريق ولم يعارضوهم في شيء. وكذلك هاجموا حضرموت في سنة (١٢٢٦ ه‍) ، واختلفت الأقوال :

فقيل : إنّهم انكسروا دون شبام بقيادة الحبيب حسن بن صالح البحر. وقيل : إنّهم استولوا عليها ، كما اكتسحوها في سنة (١٢٢٤ ه‍).

ولم يكن سيّدنا الحسن البحر من المتعصّبين على الوهّابيّة ، ولا من المتشدّدين في إنكار مذهبهم كما يعرف من مواضع من هذا الكتاب ، منها : ما يأتي في تريس .. فلا يبعد أن يقود الجيوش لمحاربتهم ؛ لأنّه ينكر على غلاتهم تكفير المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم.

وفي «الأصل» : أنّ الجدّ علويّ بن سقّاف كتب للسّيّد عمر بن أحمد الحدّاد جاء فيه : أنّ المكرميّ خرج إلى حضرموت سنة (١٢١٨ ه‍) ، ولا يمكن أن يكون سيّد الوادي الحبيب حسن بن صالح تساند هو والسلطان جعفر بن عليّ في دحرهم ؛ لأنّ ظهور جعفر هذا إنّما كان في سنة (١٢١٩ ه‍).

وفي أشعار الحضارمة ومكاتباتهم ـ الموجود شيء منها ب «الأصل» ـ ما يدلّ على طول زمان الوهابيّة بحوره ، وأنّهم لبثوا مدّة ليست بالقصيرة يتجاذبون الحبال مع قبائل حضرموت مصالحة ومحاربة ، وكان أكثر من يتولّاهم يافع ، وأكثر من ينازعهم ناس من آل كثير ، وللحديث عنهم بقيّة تأتي في تريم وعينات إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الرّدح : المدّة من الزّمن.

(٢) وأيضا : قبة الشيخة سلطانة الزّبيدية ، وعبد الله بن علوي العيدروس (صاحب بور) ، وقبة الشيخ عبد الله بن ياسين باحميد صاحب مدودة.


وبعد ارتفاع أصحاب ابن قملا عن حوره .. استولى عليها عمر بن جعفر بن صالح بن مطلق ، من آل عمر بن جعفر آل عمد ، ثمّ ولده جعفر ، ثمّ ولده صالح ، ثمّ ولده مقبل بن صالح.

ثمّ أخذ القعيطيّ يسايسهم حتّى أدخلوه إليها ، وبقي نائبه هو وإيّاهم بحصنها ، يديرون أمرها معا ، حتّى استولى القعيطيّ على شبام ، فعندئذ قال نائبه بحوره لصالح بن مقبل : لا مقام لك بعد اليوم ، فإن شئت الخروج بالأمان ، وإلّا .. ناجزتك. فخرج إلى النّقعة عند المشايخ آل باوزير ، فأوصلوه ومن معه إلى العجلانيّة حيث يقيم بها أعقابه إلى اليوم.

وكان استيلاء القعيطيّ على حوره كلّها في سنة (١٢٧٢ ه‍) (١) ، وكانت هي وشبام أحبّ بلاده إليه ، وقد خصّهما الأمير الحاجّ عمر بن عوض القعيطيّ ـ وكذلك ابنه السّلطان عوض بن عمر ـ بحصّة وافرة من البرّ والإحسان في وصيّتهما ، وقد أوردنا وصيّة الأوّل ب «الأصل» ، وأمّا وصيّة الثّاني .. فإنّها مطبوعة منشورة ، وهي مع ذلك لا تخرج عن معنى وصيّة أبيه (٢).

ثمّ رأيت معاهدة بين السّلطان أحمد بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن عمر عنه وعن أولاده والّسّلطان مقبل بن صالح بن مطلق بن جعفر بن عمر عنه وعن أولاده من جهة ، ومن الأخرى الجمعدار محمّد بن عمر بن عوض القعيطيّ بتاريخ صفر من سنة (١٢٧٢ ه‍).

وفيها : أنّهم تناصفوا في بلد حوره ومصنعتها وجميع ما يتعلّق بها .. فلأحمد ومقبل ناصفة ، ولمحمّد بن عمر ناصفة في الحصن والبلاد والمراتب وكلّ ما يعتادونه في البلاد وخليانها وسدبة.

__________________

(١) «العدة المفيدة» (٢ / ١٥٩) ، وفيه : أن مقبل بن صالح وأحمد بن جعفر باعوا حوره بدراهم إلى نائب الجمعدار عمر بن عوض القعيطي مع الرضا من بعض نهد ، وذلك في (٢٦) رجب (١٢٧٢ ه‍).

(٢) والوصيتان بعضهما في كتاب «حياة السيد الزعيم» للسيد حامد المحضار ، وكتاب «تأملات عن تاريخ حضرموت» للسلطان غالب الثاني (١٢٣ ـ ١٢٩).


وفيها : أنّ الدّولة يشلّون أنفسهم وحاشيتهم عشر سنين ، وإن بدت فتنة في العشر السّنين .. فعلى محمّد بن عمر ثقلها ، وبعد العشر السّنين هم إخوة متّحدون في فائدة وخسارة.

والشّهود على ذلك الخطّ : عليّ بن سعيد بن عليّ ، وأحمد حسين بن عامر آل عمر نقيب القعطة ، وعبد الله بن عمر بن عوض القعيطيّ ، ومحمد بن سعيد بن محمّد بن سالم بن جنيد ، وعبد الله بن عليّ بن عبود بن طاهر ، ومحمّد بن سالم بن محمّد بن سالم بن عليّ بن جنيد.

وفي القرن العاشر عمّر الشّيخ عمر بن عبد الله بن عبد الرحمن باوزير (١) ضميرا لسقي أطيان حوره ونخيلها ، فمانعه بنو معاذ وأهل غنيمة والسّحارى والخطّة والمخينيق وحريز والعدان ، وقاموا عليه ، وساعدهم عليّ بن ظفر والي المخينيق ، وبنو ظنّة أهل السّور ، وبنو قيس ، والمقاديم والظّلفان من نهد ، وأمدّهم التّجّار بالمال ، وهم : أبو منذر ، وبو عيران ، وبو عسكر ، وحصل منهم ضرر عظيم على أهل حوره ، وعلى أهل عرض مخاشن.

وقام مع الشّيخ عمر باوزير آل عامر وآل بدر وآل بشر وآل فارس المجلف ، وامتدّ أمد الحرب ، وقتل خلق كثير من مذحج ، وانتهى الأمر بفوز الشّيخ عمر وانهزام أصحاب المخينيق والسّور ، وجاء من السّيل ما يكفي لحوره والنّقعة ولعرض آل مخاشن ، مع أنّ آل مخاشن لم يشتركوا في الحرب ، ولم يساعدوا بحارّة ولا باردة ؛ ولهذا استحقّوا الهجاء اللّاذع من الشّيخ في قصيدته المذكورة ب «الأصل» (٢).

وبما أنّ وادي العين هو وادي المشايخ آل باوزير وقبائلهم العوابثة .. فقد تدير كثير منهم بحوره ، وأظنّ السّابق منهم إليها هو : الشّيخ أبو بكر (٣) مولى حوره ، بن محمّد

__________________

(١) هو الشيخ عمر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر مولى حوره باوزير .. تنظر ترجمته الواسعة في «الصفحات» : (١٠٤ ـ ١٠٨).

(٢) انظر حوادث سنة (٩١٦ ه‍) من «تاريخ شنبل» (٢٤٤) ، و «تاريخ الشحر».

(٣) ولد الشيخ أبو بكر بحوره ، ونشأ بها بين أخواله آل باجابر ، ودرس على أبيه محمد مولى عرف ،


ـ مولى عرف ـ ابن سالم بن عبد الله بن عمر ابن الشّيخ يعقوب بن يوسف.

وأبو بكر مقبور بحوره ، وأخوه سعيد صاحب الجحش (١) مقبور عند رجليه (٢).

قال البكري : (حوره : موضع في ديار بني مرّة ، وقد شكّ أبو عبيدة في هذا الاسم ، وقال نصيب [من الطّويل] :

عفا منقل من أهله فنقيب

فسرح اللّوى من ساهر فمريب

فذو المرخ أقوى فالبراق كأنّها

بحورة لم يحلل بهنّ عريب

وقال في مادّة «رضوى» من حديث واقد بن عبد الله عن عمّه عن جدّه قال : نزل طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد عليّ بالتّجبار ـ وهو موضع بين حوره السّفلى وبين منخوس ، على طريق التّجّار إلى الشّام ـ حين بعثهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يترقّبان عير قريش).

وذكر حديثا طويلا يؤكّد أنّها ليست بالّتي نحن في سبيلها.

ثمّ رأيت الطّيّب بامخرمة يقول : (قال القاضي مسعود باشكيل : حوره اسم لقريتين باليمن :

إحداهما : قرية كبيرة لها قلعة حصينة من أرض حضرموت ، تسقى من وادي العين ، وسكّان تلك القلعة آل الملكيّ ، وسكّان أسفل القلعة آل باوزير المتصوّفة (٣) ، وبها قبور جماعة منهم ، أشهرهم وأقدمهم : أبو بكر وسعيد ابنا محمّد بن سالم ، والباقون أسباطهم ، نفع الله بهم أجمعين.

والثّانية : قرية كبيرة شرقيّ أحور ، سكّانها قوم من حمير ـ وبها قوم صالحون

__________________

وأخذ باليمن عن شيوخ كثيرين ؛ منهم : الشيخ محمد بن حسين البجلي ، وأوقف أوقافا على طلاب العلم بحوره ، وبنى بها مسجده المعروف بها ، وخلف مكتبة حوت نوادر المخطوطات.

«الصفحات» (ص ١٠١ ـ ١٠٢).

(١) كذا بالأصل ، ويقال له : مولى الجيش ، ومولى الجويب كما في بعض المصادر.

(٢) وهم ثلاثة إخوة ؛ ثالثهم : الشيخ عمر والد الشيخ عبد الرحيم مؤسس غيل باوزير.

(٣) ومقبرتهم معروفة ويقال لهم آل الدّرع ، وهي مطبخ الضيافة ومأوى للفقراء.


يسمّون الشّهداء ـ يطعمون القادم عليهم ، وهي على ساحل بحر يصطادون السّمك ، ويحرثون على البقر) اه ما ذكره القاضي مسعود ، وهو آخر كلام بامخرمة (١).

وقوله : تسقى من وادي العين .. يدلّ على أنّ الشّيخ عمر باوزير لم يبتدي ذلك الضّمير ؛ لأنّ القاضي مسعودا أقدم منه.

وقال الطّيّب في موضع آخر : (وآل الملكيّ ـ بفتحتين وكاف ـ جماعة من مسلمي الرّوم النّصارى) وقد استبهم عليّ أمرهم في «الأصل» (٢) ، ووقعت في إشكالات لم تنحلّ بهذا ، ولكنّها تنكشف بما سيأتي في مريمة ، ومنه يعرف كثرة من نجع إلى حضرموت من العجم ، وقد سمعت بمؤلّف في خصوص ذلك.

وفي حضرموت أسماء عجميّة لكثير من البلدان ، كما سبق أنّ دوعان مؤلّف من (دو) وهو الاثنان ، و (عان) وهو المكان المرتفع ؛ يعني واديين مرتفعين.

وفي «صفة جزيرة العرب» للهمدانيّ [ص ٢٧٨] : (يبرين في شرقيّ اليمامة ، وهي على محجّة عمان إلى مكّة ، وبينها وبين حضرموت العجم بلد واسع).

وبما أنّ اسم دوعن فارسيّ .. فالظّاهر أنّ كثرة أعاجمها منهم ؛ بأمارة : أنّ صعبة أمّ طلحة بن عبيد الله من بنات فارس ، وهي حضرميّة أخت العلاء بن الحضرميّ ، وكانت تحت أبي سفيان بن حرب ، فلم تزل به هند حتّى طلّقها وتبعتها نفسه ، فقال [من المتقارب] :

إنّا وصعبة فيما ترى

بعيدان والودّ ودّ قريب

فإلّا يكن نسب ثاقب

فعند الفتاة جمال وطيب

لها عند سرّي بها نخرة

يزول بها يذبل أو عسيب

ذكره ابن قتيبة في «عيون الأخبار» ، وذكره أيضا غيره ، والبيت الأوّل منها

__________________

(١) نسبة البلدان (خ ٩٧).

(٢) وبهذا يزول الإشكال من كتب التاريخ الحضرمي ؛ إذ ورد في بعضها تسميتهم بالحالكي أو المليكي أو المالكي.


مخروم ، وفي (ص ٣٨٨ ج ٢) من «الخزانة» عن السّهيليّ : أنّ ابن أبي عمرو مات في صعبة بنت الحضرميّ ، وعن «الأغاني» : أنّه مات في حبّ هند بنت عتبة ، ثمّ بسط القصّة.

وفي «غرر البهاء الضويّ» للعلّامة المحدّث محمّد بن عليّ خرد ما يفيد أنّ حوره هي الحوطة في عرف أهل اليمن ، وقد مرّ في النّقعة أنّها مرادفة للحوطة أيضا عند أهل اليمن.

النّقعة

هي قرية واسعة لآل جنيد (١) من المشايخ آل باوزير. وظنّي أنّ أوّل من سكنها منهم هو : الشّيخ عمر بن عليّ بن أحمد بن سعيد صاحب الجحش ، المقبور بحوره.

وعمر بن عليّ هذا هو جدّ آل جنيد ، وهم مشايخ كرام يغلب عليهم بياض الصّدر وصفاء السّريرة ، ومنصبهم الآن : الشّيخ محمّد بن بو بكر باوزير ، طويل النّجاد ، كثير الرّماد ، قريب البيت من النّاد (٢).

وله أخ يسمّى عليّا توفّي من قريب ، كان باذلا للطّعام ، وصولا للأرحام ، كثير الخيرات ، مبسوط اليدين في المبرّات.

وقد صهر إليهم منصب المشهد السّابق السّيّد حسين بن عمر بن هادون (٣) ، فهم أخوال ولده المنصب الحالي أحمد بن حسين.

وصهر إليهم الشّهم الكريم السّيّد عليّ بن حسن بن محمّد بن إبراهيم بلفقيه (٤) ،

__________________

(١) ومنهم الشيخ علي بن سالم بن جنيد باوزير ، له ذكر في كتاب «المقصد من شواهد المشهد» للحبيب علي بن حسن العطاس ، ويخاطبه في كثير من شعره في ديوانه «قلائد الحسان» وبينهما مساجلات.

(٢) أضيف في هامش المخطوط : (توفي المنصب من سنتنا ، ولكن بعد الفراغ من هذا الكتاب).

(٣) توفي سنة (١٣٢٩ ه‍).

(٤) ولد السيد علي بن حسن بتريم ، وتوفي بها في (٢٥) رمضان سنة (١٣٤٥ ه‍) ، وخلف ثلاثة ولد هم : عطاس وأحمد وعبد الرحمن المذكور هنا.


المنغّص الشّباب ، المتوفّى سنة (١٣٤٥ ه‍) ، فهم أخوال ولده النّبيل الوفيّ الوجيه عبد الرّحمن بن عليّ بلفقيه.

عرض آل مخاشن (١)

هو من وراء النّقعة في شرقيّها ، وهم من مذحج ، من أعقاب عمرو بن معديكرب الزّبيديّ ، إلّا أنّهم قد ينطبق عليهم قول الشّاعر (٢) [من الوافر] :

ورثنا المجد عن آباء صدق

أسأنا في ديارهم الصّنيعا

إذا الحسب الصّميم تداولته

بناة السّوء أو شك أن يضيعا

ولهم شارات حسنة ، وقامات مديدة ؛ إلّا أنّهم لم يسلموا ممّا وصل إليه قبائل حضرموت عامّة من التّراذل والتّخاذل ؛ لأنّ الشّرّ عمّ ، والبلاء قد طمّ ، وعلى من كان جدّه سعد العشيرة .. أن ينتبه لنفسه ، وأن يعتبر بماضيه.

وفي «الأصل» : أنّ الشّيخ عمر بن عبد الله باوزير كاتب عليهم إذ لم يساعدوه بنقير ولا قطمير (٣) في بناء ضمير حوره ، مع أنّه ينفعهم ؛ إذ لم يحرمهم الشّيخ من السّقيا مع عدم استحقاقهم لشيء منها.

وقد كان أصل الحرب الأخيرة الّتي التهمت الأخضر واليابس لنهد : أنّ خميس بن عبد الله بن عمر ـ أحد آل ثابت ـ قتل اثنين من آل البقريّ في بحران ، في حرمات ثلاث لم يبال بشيء منها ؛ الأولى : أنّه في شهر المشهد ، وهو شهر الميلاد النّبويّ ،

__________________

(١) العرض عند أهل حضرموت هو المنطقة الواسعة والمنبسطة ، وآل بن مخاشن هؤلاء يرى المصنف أنهم من مذحج اعتمادا على ما ورد في أنساب الأشرف الرسولي (ص ١٣٦) ، بينما يرى صلاح البكري أنهم من الحموم ، «تاريخ حضرموت السياسي» (٢ / ١٠٧) ، وفي «معجم المقحفي» (٢ / ١٤٤٨) : نسبتهم إلى نهد.

(٢) البيتان في «الأغاني» (١٢ / ٧٥) ، وهما لمعن بن أوس المزنيّ.

(٣) النّقير : النّقرة الّتي في ظهر النّواة. القطمير : القشرة الرّقيقة الّتي في النّواة. والمعنى : أنّهم لم يساعدوه أبدا.


والثّانية : أنّهما كانا إلى جانب السّيّد عبد الله بن عمر العيدروس ، والثّالثة : أنّ معهما واحدا من آل عجّاج ، وواحدا من آل مخاشن.

فأمّا آل عجّاج : فحميت أنوفهم ، وأذكوا نار الحرب حتّى غسلوا العار بالدّماء.

وأمّا آل مخاشن : فلم يشتركوا في الحرب ؛ لأنّ السّعيد من كفي بغيره ، ولأنّ أكبر العار في أعرافهم إنّما يتناول الأقرب ـ كما سيأتي في القارة ـ وابن عجّاج هو الأدنى في النّسب إلى آل ثابت.

وقد بقي منهم جماعة على النّخوة العربيّة ، والأنفة المذحجيّة ، منهم اليوم :

عبد الله بن سعيد بن مخاشن ، ومحمّد عمرو بن مخاشن ، وأظنّهما الآن في مقدشوه.

ومن أولي نجدتهم الشّيخ عمر بن عمرو ، وهو شيخ شهم ، نجذته الحروب ، وحنّكته التّجارب ، وعرك أذن الزّمان ، وتعمّر حتّى نيّف على الثّمانين ممتّعا بالقوّة والحواسّ ، ولم يمت إلّا في سنة (١٣٦١ ه‍) ، فكان كدريد بن الصّمّة ؛ إذ تركه قومه وانصرفوا عن رأيه إلى رأي مالك بن عوف النّصريّ ، فكانت الدّبرة عليهم في يوم حنين (١).

وإلّا .. فقد كانت لعمر وأبيه عمرو قبولة حارّة على عادات الجاهليّة الجهلاء ، منها : أنّ أحد آل مخاشن ـ واسمه قعاص ـ جاء بأموال طائلة من الهند ، وما له إلّا ولد صغير ، فخاف على نفسه أن يقتله قومه ليستأثروا بماله .. فطلب من نهد أن يعطوه خفيرا يأمن به عادية أصحابه ، فأعطوه واحدا من آل شريشر ، ونادوا في الأسواق بأنّه في جوارهم ، فلم يكن من عمرو إلّا أن اقتحم داره في جماعة من أصحابه ، فقتلوا قعاصا وولده وخفيره ، فهاجت نهد وحاصرت عمرا ، فثبت وانسلّ عنه أكثر آل مخاشن ، إذ كانت فعلته شنيعة.

وما زالت نهد مجدّة في حصار عمرو .. حتّى قتل أحد أسرته المرابطين معه ، فرأت نهد أنّ العار انمحى عنها وانصرفت ، وفي ذلك يقول أحد نهد :

__________________

(١) انظر «سيرة ابن هشام» (٥ / ١٠٥) ، و «جمهرة خطب العرب» (١ / ١٧٠) ، وغيرها.


يا العرض عربن لي ومدّ القاديه

والّا دخلنا لك بدحنات الرّجال

تمسي بك الفتنه وتصبح غاديه

مثل المسقّي في المطيره ما يزال

فأجابه عمرو بقوله :

العرض عاصي ما يمدّ القاديه

قل للحكم نعطيك شنطوب الجبال

ما انته من القوم القروم العاديه

إبليس غوّز لك ويفحس لك حبال

وفي عرض آل مخاشن كانت روضتهم الّتي يقول فيها الأخطل [في «ديوانه» بنحوه ٢٨٣ من الطويل] :

لها مربع بالرّوض روض مخلّق

ومنزلة لم يبق إلّا طلولها

وقد حصل ب «الأصل» انتقال فكر ، فذكرنا هذه الرّوضة في منوب ، وإنّما الّتي فيها روضة هطيف .. فهي ممّا يستدرك من رياض العرب على ياقوت.

ومن أيّام العرب : يوم مخاشن ، وفيه يقول جرير [في «ديوانه» ٣٨١ من الكامل]

لو أنّ جمعهم غداة مخاشن

يرمى به جبل لكاد يزول (١)

وكان عمرو بن معديكرب يقيم بالكسر كثيرا ، وذلك لا ينافي قول الهمدانيّ في «الصّفة» : (إنّ له بتثليث حصنا ونخلا) اه ؛ لأنّه كان كثير التّنقّل والغزو على عادة العرب ، وكانت المواصلات كثيرة ـ وسيأتي قبيل هينن قرب تثليث ـ ولا سيّما بمراحل الأقدمين.

وعمرو بن معديكرب فارس اليمن ، وهو القائل : (لو سرت بظعينة وحدي على مياه معدّ كلّها .. ما خفت أن أغلب عليها ، ما لم يلقني حرّاها أو عبداها) ؛ يعني بالحرّين : عامر بن الطفيل وعتيبة بن الحارث بن شهاب ، والعبدين : السّليك وأسود بني عبس. وبه ضرب أبو تمّام المثل في قوله [في «ديوانه» ١ / ٣٦٨ من الكامل] :

إقدام عمرو في سماحة حاتم

في حلم أحنف في ذكاء إياس

__________________

(١) في «الديوان» : (حضن) بدل (جبل). والحضن : اسم جبل بالعالية.


وأبو عبادة في قوله [في «ديوانه» ٢ / ٣١١ من الكامل] :

يهديهم الأسد المطاع كأنّه

يوم ازدحام الجحفل المتألّف

عمرو القنا في مذحج أو حاتم

في طيّء أو عامر في خندف

ومع ذلك فقد كانت له هنات ؛ منها : ما ذكره الهمدانيّ في الجزء العاشر [ص ١٨٧] من «الإكليل» : أنّ بني الأصيد ـ وهم قبيلة قليلة من سفيان بن أرحب ـ لقوه ، فسلبوه وأخذوا فرسه ، فلم يستح أن كتب لهم يقول [من الرّمل] :

يا بني الأصيد ردّوا فرسي

إنّما يفعل هذا بالذّليل

عوّدوه مثل ما عوّدته

مقحم الصّفّ وإيطاء القتيل

وفي «مروج الذّهب» : أنّ عمر بن الخطّاب آنس عمرا ذات يوم ، وذاكره الحروب في الجاهليّة ، وقال له : هل انصرفت عن فارس قطّ في الجاهليّة؟ فذكر له فرّة فرّها عن ربيعة بن مكدم في حديث طويل ، قال : ثمّ إنّ عمرا أغار بعد ذلك بزمان على كنانة في صناديد قومه وأخذ الغنائم ، ومنها امرأة ربيعة بن مكدم ، فشعر بهم ـ وكان غير بعيد ـ فاستردّها وهزمهم.

وله وفادة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قيل : مع الأشعث كما في «الأصل» ، وقيل : لنفسه ، ثمّ رجع إلى قومه.

ولمّا مصّرت الكوفة .. أقام بها ، وكان له نبأ مذكور في حرب القادسيّة ، وأخباره مشهورة.

الكسر (١)

هو صقع واسع من أحسن بلاد حضرموت تربة ، بل أحسنها على الإطلاق ، بشهادة ما جاء بالأصل من فضول صدقات تجيب وكثرتها. وسيأتي في قارّة الشّناهز

__________________

(١) عرف هذا الصقع بالكسر لوقوعه بين سلسلتي جبال من جانبيه الغربي والشرقي ، وقيل : لأنه يكسر السيول عن مدينة شبام ، وفي وسطه تسكن نهد. ومن قرى الكسر : العجلانية ، هينن ، الباطنة ، قعوضة ... وغيرها.


ما يفهم أنّ ناسا من قبيلة حضرموت يسكنونه في سنة (٦٠٥ ه‍).

قال ابن الحائك : (ويسكن الكسر في وسط حضرموت تجيب ، منهم اليوم بها أربع مئة فارس وإحدى عشر مئة راجل ، ويعرف الكسر بكسر قشاقش ، وفيه يقول أبو سليمان بن يزيد بن أبي الحسن الطّائيّ [من الطويل] :

وأوطن منّا في قصور براقش

فمأود وادي الكسر كسر قشاقش) اه (١)

وفي براقش (٢) يقول عمرو بن معديكرب الزّبيديّ ـ وكان ممّن يسكن الكسر ـ [في «شعر عمرو بن معدي كرب» ١٤٠ من الوافر] :

ينادي من براقش أو معين

فأسمع فاتلأبّ بنا مليع (٣)

وقال الطّائيّ أيضا [من المنسرح] :

تستنّ بالضّرو من براقش أو

(هيلان) (٤) أو يانع من العتم (٥)

__________________

(١) وذكر الهمداني من قرى الكسر : هينن ، وحوره ، وقشاقش ، وصوران ، والعجلانية ، وسدبه ، ومنوب ، ورخيه ، ووادييها. انظر «صفة جزيرة العرب» (١٧١).

(٢) ههنا استطرد المصنف رحمه الله إلى ذكر بلاد الجوف وما إليها .. فلنعرّف هنا ببراقش : هي مدينة أثرية هامة في وادي الجوف ، واسمها القديم (ثيل) ، تقع بجانب خرائب معين التي تعرف باسم : البيضاء. وتشكل هذه المدينة العاصمة الدينية لمملكة معين ، حيث كان يحج المعينيون معابدها العديدة ، وقد ظلت عامرة إلى القرن العاشر الميلادي ، ثم اندثرت ولم يبق منها اليوم سوى معالم سورها القديم ، وبقايا معابدها ، وبعض من النقوش. وهي في أصل جبل هيلان ، وفي عام (١٩٨٩ م) بدأت الدولة في إنشاء طريق من صنعاء يمتد إلى وادي الجوف عبر منطقة نهم ، وتمر بالقرب من خرائب هذه المدينة. اه «المقحفي» (١ / ١٥٠).

(٣) ينادي : الفاعل فيه عائد على كلمة (الدّاعي) في البيت قبله ، وهو :

أمن ريحانة الدّاعي السّميع

يؤرّقني وأصحابي هجوع

وريحانة : أخت عمرو. اتلأبّ : استقام. مليع : اسم طريق.

(٤) هيلان : جبل عال منيف يمتد من جنوب نهم إلى غربي مأرب ، عداده من بني جبر خولان العالية ، ويقع شمال صرواح بمسافة (٦٠ كم) ، وهو منطقة أثرية.

(٥) البيت للنّابغة الجعدي في «ديوانه» (١٥٨) تستنّ : تستاك. الضّرو : شجر طيّب الرّائحة يستاك بعيدانه ، ويجعل ورقه في العطور. هيلان : اسم واد أو جبل. يانع : ناضج. العتم : شجر الزّيتون البرّيّ.


يصف بقرا تستنّ بالضّرو ، وهو : شجر يستاك به.

وقال فروة بن مسيك المراديّ [من الوافر] :

أحلّ يحابر جدّي غطيفا

معين الملك من بين البنينا

وملّكنا براقش دون أعلى

وأنعم إخوتي وبني أبينا

وقال علقمة [من الوافر] :

وهل أسوى براقش حين أسوى

ببلقعة ومنبسط أنيق

وحلّوا من معين يوم حلّوا

لعزّهم لدى الفجّ العميق

ومعين : بلد بالجوف من بلاد حمير ، باقية آثارها ، وعلى كثير من أحجارها المنجورة كتابات بالمسند (١) ، وهو لسان عربيّ يعرفه كثير من أهل صنعاء ، كالشّيخ الفاضل محمّد بن أحمد بن عليّ الحجريّ (٢) ، منها ما وجد على مردم ضخم جدّا ، مستند إلى أسطوانتين عظيمتين ، في معبد قريب من مدينة معين ، وفيه كلمات لم تعرف من لغة حمير ، وأكثره عربيّ مبين ، وحاصله : (خال كرب ، صادق ابن أبيدع (٣) ملك معين ، بنى وأحدث رصيف بيت عثتر ، الّذي قبض ورثته بيوتهم).

__________________

(١) المسند : اسم لخطّ قديم ، كان شائعا عند العرب في جنوب ، بل وحتى شمال الجزيرة قبل الإسلام.

يتكون من (٢٩) رمزا ـ أبجديا ـ تمثل أحداث أصوات الحروف العربية الحديثة بزيادة صوت واحد ينطق قريبا من مخرج السين ، بينه وبين الشين على ما يبدو أمد. ويرجع أقدم النقوش اليمنية إلى أوائل القرن التاسع قبل الميلاد على أبعد تقدير .. ينظر «تاريخ اليمن القديم» (١٩١ ـ ٢٠٧).

(٢) هو الشيخ العالم الفقيه المؤرخ محمد بن أحمد الحجري الصنعاني ، ولد بذي يشرع من نواحي يريم ، وتفقه بذمار والأهنوم ويريم ، ولاه الإمام يحيى رئاسة ديوان المحاسبة العامة ، وكان ينتدبه هو وابنه الإمام أحمد لحضور المؤتمرات خارج اليمن ، توفي في حادث الطائرة الروسية على مقربة من موسكو يوم الأربعاء (٢٦) صفر (١٣٨٠ ه‍) مع بقية أعضاء الوفد الذي كان في طريقه إلى بكين برئاسة القاضي محمد بن عبد الله العمري. كان عالما متواضعا نزيها ، ملمّا بتاريخ اليمن وجغرافيته. وهو صاحب كتاب «معجم بلدان اليمن وقبائلها» ، الذي اتكأ عليه المقحفي وضمّنه معجمه وزاد عليه.

(٣) ورد اسمه عند بافقيه : (صدق إل) ملك حضرموت ، الذي حكم معين أيضا ، وانقسمت المملكة بعد موته بين ولديه : (شهر علن) الذي حكم حضرموت ، و (اليفع يثع) حاكم معين ، ثم جاء حفيده (اليفع ريام بن اليفع يثع) ليوحد المملكتين تحت حكمه.


وعثتر ـ بعين ، ثمّ ثاء مثلّثة ، ثمّ تاء مثنّاة من فوق ـ : صنم مشهور.

وقد بقي من آثار ذلك المعبد عدّة أسطوانات قائمات إلى ارتفاع خمسة أذرع ، وعلى رأسها مرادم ضخمة ، لا يقدر النّاس على رفعها ، في غاية من الجمال الهندسيّ.

وبلغني أنّ بعض الأجانب استخرج أسماء اثنين وثلاثين ملكا من الآثار الّتي بالجوف ، لكن بدون ترتيب ، والأجانب يخادعون أهل اليمن في مفاد تلك النّقوش ، ولكن .. قد انكشفت خلابتهم بمعرفتهم لقواعده (١).

والإفرنج يزعمون أنّ مملكة معين ظهرت في الألف الثّاني قبل الإسلام ، وأنّها أقوى وأغنى من مملكة سبأ ، وأنّ ملكها بلغ إلى غزّة ، وأنّ سلطانها انتقل إلى سبأ الّتي بدأت قوّتها في الظّهور أواخر أيّام مملكة معين ، وهو كلام متناقض ؛ لأنّ مملكة سبأ أقدم من ذلك بكثير ، وكلاهما من فروع الممالك القحطانيّة (٢).

وقحطان : هو ابن هود على ما يأتي في نسبه عند ذكره ، وهود عليه السّلام نبيّ عاد ، وقد نصّ القرآن على أنّ ملك عاد عقب نوح ، وذلك حيث يقول في سورة الأعراف : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فزعم أنّ عادا وثمود تفرّعوا عن الحمّورابيّين غلط ؛ لأنّهم أقدم من ذلك ، وفي «التّيجان» لابن هشام : أنّ عمرو بن القيس بن بابليون كان ملكا على مصر في أيّام إبراهيم عليه السلام ، وعمرو هذا من أهل سبأ.

قال الهمدانيّ في «الإكليل» : ما أعلم أحدا استوفى ما ذكره أبو علكم المرّاني ، أحد رجال همدان [من البسيط] :

نحن المقاول والأملاك قد علمت

أهل المواشي بأنّا أهل غمدانا

وأنّنا ربّ بينون وأضرعة

والشّيد من هكر ناهيك بنيانا

__________________

(١) خلابتهم : خداعهم.

(٢) ينظر للمزيد عن معين : «تاريخ اليمن القديم» (٢٥) .. وما بعدها.


براقش ومعين نحن عامرها

ونحن أرباب صرواح وريشانا

وناعط نحن شيّدنا معاقلها

ومأذنا وقرى نشق ونوفانا (١)

وقصر بينون علّاه وشيّده

ذو الفخر عمرو وسوّى قصر غمدانا

وقصر أحور رأس القيل ذي يزن

وقصر فيّاش في أرياب قد كانا

من قصيدة طويلة ، قال الهمدانيّ في «الإكليل» [٨ / ١٠٨] : (ما أعلم أحدا من شعراء اليمن استوفى ما ذكره من المواضع).

وقد ساق منها جملة فالتقطنا ما ذكرناه.

والشّعر في هذه المواضع أكثر ، ولكن لا حاجة إلى الإطالة ، وما أكثر ما يأتي ذكر بينون وغيره من هذه الحصون في أشعار العرب ، قال النّابغة الجعديّ [في «ديوانه» ١٤٩ من المنسرح] :

يا أيّها النّاس هل ترون إلى

فارس بادت وخدّها رغما

أمسوا عبيدا يرعون شاءكم

كأنّما كان ملكهم حلما

من سبأ الحاضرين مأرب إذ

بينون من دون سيله العرما

وفي الجوف عدّة مدن خاربة ، منها : معين هذه.

ومنها : براقش ، ورغوان ، والدّخناء ، والبيضاء ، وهي غير البيضاء الواقعة بأرض الظّاهر (٢) ، واسم البيضاء القديمة نشق ، وغير هذه المدن.

ثمّ إنّ معينا معدود في محافد اليمن (٣) المشهورة ؛ كغمدان ، وتلقم ، وناعط ،

__________________

(١) تداخل البيت على المؤلّف من بيتين وهما في «الإكليل» (٨ / ١٠٩) :

و (ناعط) نحن شيّدنا معاقلها

و (مأذنا) أو علا (نشقا) و (نوفانا)

و (تلفم البون) و (القصرين) من خمر

و (تنعما) وقرى (شرج) و (دعّانا)

(٢) واسم تلك : بيضاء الحسين ، تنسب للشيخ الحسين بن الشيخ أبي بكر بن سالم تمييزا لها عن غيرها.

(٣) المحافد بلغة اليمن القديمة هي عبارة عن قصور الملوك أو المدن التي تحيط بها الأسوار ، قال نشوان في «الشمس» : (المحفد أو المحافد ، هي قصور الملوك التي فيها الحفدة ، وهم الأعوان والخدم) اه


وصرواح ، وسلحين ، وظفار ، وهكر ، وظهر ، وشبام ، وغيمان ، وبينون ، وريام ، وبراقش ، وروثان ، وأريات ، وعمران ، والنجير (١) بحضرموت ، كما عند الهمدانيّ ، وفي مواضع من «الصفة» : أنّ من المحافد حوره. وتريم بحضرموت ، كما في مواضعها.

وقال ياقوت في «معجمه» [٥ / ٤٤٢] : (كانت منازل العماليق صنعاء ، ثم خرجوا فنزلوا حول مكّة ولحقت طائفة بالشّام ومصر ، وتفرّقت طائفة بجزيرة العرب إلى العراق والبحرين وعمان. وقيل : إن فراعنة مصر كانوا من العماليق ...) إلى آخر ما ذكر.

وقد دلّلت في «الأصل» على وصول سيّدنا عليّ بن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه ـ إلى الكسر بقصّة أصلها في «الصّحيح» ، ولها تتمة من «السّيرة الحلبيّة» ، وبسطها في «شرح ابن أبي الحديد» على «النهج».

قال الهمدانيّ : (والكسر قرى كثيرة ، منها : قرية يقال لها : هينن ، فيها بطنان من تجيب ، يقال لهما : بنو سهل وبنو بدّا ، فيهم مئتا فارس ، تخرج من درب واحد ، ورأسهم اليوم : محمّد بن الحصين التّجيبيّ) اه (٢)

وعن أحمد بن محمّد مؤذّن باجمال ، عن عوض بن أحمد الجرو : (أنّ يونس (٣) بن عبد الأعلى الصّدفيّ توفّي سنة (٢٦٤ ه‍) وكان ممّن يسكن الكسر) اه

وقد ترجمه ابن خلّكان [٧ / ٢٤٩] وأطال ، وكذلك الحافظ ابن حجر في «تهذيب التّهذيب» [٤ / ٤٦٩] ، والخزرجيّ في «خلاصته» ، وهو ركن من أركان الإسلام ، أخرج له النّسائيّ ومسلم وابن ماجه.

كانت ولادته في سنة (١٧٠ ه‍) وأقام شاهدا بمصر ستّين سنة ، ومع ذلك فلا يستبعد كونه من حضرموت ؛ لاحتمال خروجه منها وسنّه فوق العشرين أو الثّلاثين ؛ فالأمر جدّ قريب ؛ لأنّه كان من المعمّرين.

__________________

(١) لن نطيل بالتعريف بهذه المحافد كلها ، وليرجع المستزيد إلى معاجم البلدان اليمانية.

(٢) صفة جزيرة العرب (١٧١).

(٣) في المخطوط (يوسف) ، والّذي أثبت من «وفيات الأعيان» ، و «تهذيب التّهذيب».


إلّا أنّه يشكل عليه ما قيل : إنّ ولادته بمصر ، ولا إشكال حتّى بفرض صحّته ؛ لاحتمال مجيئه إلى حضرموت وهو صغير كما هي العادة عند المهاجرين بإرسال أولادهم إلى مرابع أناسهم صغارا ، وسكناه بها مدّة ؛ لأنّ الجرو من الثّقات.

وفي «مفتاح السّعادة والخير» لصاحب «القلائد» : (ومن حضرموت : أودية دوعن ، ووادي عمد وشبوة وما حواليها ، ومنها الكسر ، وهو ما يفيض إليه ماء هذه الأودية إذا زاد وانكسر ما يمنعه) اه

والواقع الآن أنّ سوم الأودية الواقع شرقيّ قعوضه الممتدّ من الشّمال إلى الجنوب ـ يسمّى بالعشرقة ـ ترجع عنه سيول الأودية إلى هينن وعرض آل حويل ومكان آل جذنان ورملة آل العيدروس ، ثمّ إلى الفوهة والخشعة.

وتخاف نهد من زيادة المياه على قعوضة والظّاهرة وشريوف ، ولكنّ الغالب انهيار ذلك السّدّ ؛ لأنّه لا يبنى إلّا من الطّين ، وإذا انهار إلى جانب هينن وما لفّها .. صارت المياه إلى الباطنة والقطن ثمّ المسحرة وأسفل حضرموت ، وكثيرا ما تتّهم نهد بكسره إذا جاءت السّيول ليلا .. فيقوم النّزاع بين الطائفتين.

وسمعت عن غير واحد من الثّقات عن الحبيب أحمد بن حسن العطّاس أنّه كان يقول : (إنّ المياه في أيّام سدّ سنا كانت تنكسر منه إلى الكسر ـ أي : ترجع منه إليه ـ ولذلك سمّي بهذا الاسم) وكنت أستشكله جدّا ؛ لأنّ تريما وغيرها من البلدان كانت موجودة لذلك العهد ، ولو كان ماء سنا يرجع إلى الكسر .. لأغرق شباما فضلا عمّا وراءها ، وما زال هذا الإشكال أثقل عليّ من الجبل حتّى انكشف بما سيأتي في الحسيّسة وفي سنا ، فليكشف ذلك الجواب من هناك.

ثمّ اعلم أنّ العبر (١) على قريب من محاذاة شبوة في الجهة الغربيّة ، وهو في شمال شبوة. ومن ورائه إلى الشّرق : ركبان.

__________________

(١) العبر : منطقة في الشمال الغربي من شبوه على بعد نحو (٨٠ كم) منها. وهي المنفذ الطبيعي إلى حضرموت للمتوجه من مأرب وهي منطقة جبلية وسط رمال واسعة ، محيط بها من الغرب رملة


وفي شمال ركبان إلى الغرب : وادي الجابية (١). ومن وراء ركبان إلى شرق : عكبان (٢). ثمّ السّور ، وسكّانه اليمنة من نهد. وعن شماله : واديه.

وعن جنوبه أرض واسعة ، يقال لها : الفوّهة (٣) ، وفيها بيرحمد ، تردها القوافل من القبلة ، وسكّان الفوهة آل بدر من نهد ، وفي شرقيّها الأرض الّتي يصلح فيها زرع البرّ صلاحا طيّبا ، وهي المسمّاة : الخشعة ، وهي أرض واسعة ، طيّبة التّربة ، قريبة المياه ، لا يزيد عمق البير عن سبع قامات ، مع أنّ الآبار في قعوضة وحواليها يبلغ سبع عشرة قامة ، وإليها ينحدر ما يزيد من مياه الأودية عن قعوضة ونواحيها ، ولو زادت مياه رخية .. لوصلتها ؛ لأنّها منخفضة عنها.

ومن ورائها إلى الشرق : رهطان. ومن ورائه متشاملة : بلد هينن. وعن شمالها : واديها ، هكذا أخبرني جماعة من ذلك الطّرف جاؤوا يستفتوني في قضيّة لهم .. فالعهدة عليهم.

والمراحل بسير الأثقال الآن : من قعوضة إلى الخشعة خمس ساعات. ومن الخشعه إلى صحراء واسعة اثنتا عشرة ساعة. ومن تلك الصّحراء إلى السّور أربع ساعات. ومنه إلى مرعى ستّ ساعات. ومن المرعى إلى الصّحراء الّتي وقعت فيها الواقعة بين نهد ودهم اثنتا عشرة ساعة. ومن هذه الصّحراء إلى قرن الذّئاب اثنتا عشرة ساعة. ومنه إلى العبر سبع ساعات.

__________________

السبعتين ، ومن الشمال رمال الربع الخالي. وتشكل منطقة العبر ، في أعمالها مديرية من مديريات محافظة حضرموت ، ومن أعمالها : جبل العبر ، حجر الصيعر ، زمخ ، منوخ ، حصن آل دحيان ، وادي هينن ، حصن الوهد ، حصن الشاهد ، حصن آل كسلان ، حجر آل عياف ، وغيرها ، وهي مساكن الصيعر. وبها آثار قديمة ، وكان وادي العبر مصبا لعدة أودية قديمة ، وتكثر فيه الآبار ، ويقال : إن به (٢٥٠) بئرا طمرتها السيول «المقحفي» (٢ / ١٠٠٨).

(١) هو واد شرقي حصن العبر ، وفي شماله الغربي بلدة الصيعر ؛ ريدة الصيعر.

(٢) واد شرقيّ العبر أيضا ، تنزل منه مسيلات ريدة الصيعر ثم تذهب إلى رملة الخرار.

(٣) بضم فتشديد الواو ، هضبة متسعة في الأطراف الغربية ل (حضرموت) ، كانت تمر بها القوافل الذاهبة إلى مأرب ، يسكنها آل بدر من نهد.


وفي الأعراف القديمة أنّ مبتدأ العبر من الجهة الغربيّة الشّماليّة هي : رملة وبار إلى الفوّهة والخشعة ، وفيه رمل الحزار الّذي جاء ذكره في قول ابن عقبة في قصيدته المشهورة [من الكامل] :

من شطّ ميناء الرّديف ترحّلت

سحرا وكان الفجر لمّا يسفر

قطعت ضحى رمل الكديف ومنصحا

والقري جازت فيه لم تتحيّر

وبمذنبي أنصاص ثمّ بحروة

نفرت نفور الخشف خوف المنسر

وردت قبيل الظّهر علقم شبوة

والآل يمكر بالصديّ ويغتري

وتروّحت عصرا وأمست ترتعي

وسطا وطار في الفلاة وتجتري

حتّى إذا ما اللّيل أدبر شطره

وسرت على الوجناء أمّ حبوكر (١)

بادرتها بالرّحل ثمّ نسأتها

فجرت كجري الأجدل المتحدّر

وبدهر جازت ثمّ رخية بعدها

وعلى الحزار كمثل برق مغور

ومدودة جازت ولم تلبث بها

إلّا مقام مسلّم ومخبّر

وبدا الصّباح فصبّحت من كندة

بقرار عرصتها سلالة جعفر

وفي «صفة جزيرة العرب» للهمدانيّ [٣٠٤ ـ ٣٠٥] : (أنّ محجّة (٢) حضرموت من العبر إلى الجوف ، ثمّ صعدة ، ويدخل معهم في هذه الطّريق أهل مأرب ، وبيحان ، والسّروين (٣) ، ومرخة ، فهذه محجّة حضرموت العليا.

وأمّا السّفلى : فمن العبر في شيز صهيد إلى نجران شبه من ثمانية أيّام ، وهي الّتي وصفها الأشعث الجنبيّ في شعره الآتي آخر الكتاب.

__________________

(١) أمّ حبوكر : الداهية ، ويقصد بها الشمس.

(٢) يقصد بالمحجّة : الطريق التي يسلكها الحاج قاصدا نحو مكة المكرمة.

(٣) أهل السروين : أي سرو حمير ، وسرو مذحج. والسرو هو ما ارتفع من الأرض عن مجرى السيل.

وسرو حمير : هو بلاد يافع وما جاورها من الأجعود. وسرو مذحج : المنطقة الواقعة جنوب وشرق البيضاء التي تشمل لودر ومودية وثره في أبين .. وكان أولا موطنا لحمير من ذي رعين ثم سكنته مذحج.


ثمّ من نجران : حبونن (١) ـ وبأعلاه قتل عبد الله بن الصّمّة ، قتله بنو الحارث بن كعب ـ ثمّ الملحات ، ثمّ لوزة ، ثمّ عبالم ، ثمّ مربع ، ثمّ الهجيرة ، ثمّ تثليث ، ثمّ جاش ، ثمّ المصامة ، ثمّ مجمعة ترج من ديار تميم بالدّهناء) اه

والعين : هو في غربيّ علبان ، وسكّانه الكرب وآل عبد الله بن عون من الصّيعر ، وكانت العين مجتمع مياه الأودية.

وفي غربيّ العين الأرض المسمّاة : المنغلقة ، وهي ذات عيون ونخيل غير مغروسة ، وإنّما تنبت ممّا تلقيه الرّكبان من النّوى بحافّات العيون ، وقلّ من ينتفع بها ؛ لأنّها مخوفة ؛ إذ هي مأوى الغزاة الباقين على عوائد الجاهليّة ، إلّا أنّها أمّنت الآن بعد تدخّل الحكومة الإنكليزيّة ، وهي تحت يد المسادسة من الصّيعر ، ولو وفّق الله المهاجرين من الحضارم لعمارتها .. لكان لهم فيها ما يغنيهم عمّا سواها ؛ لأنّها من أخصب بلاد الله.

وإذا صدق ما يتعالم به النّاس من وجود منابع للبترول بشبوة ـ وهي على مقربة منها ـ .. ستكون من جنّات الدّنيا.

أمّا وادي هينن : فيسكنه آل شرمان ، كبيرهم فرج بن عليّ ، وله ولأخيه عمر بن عليّ ، شمم وهمم ، وهما الآن في ممباسة. وفيه : آل سعدون من الصّيعر ، ثمّ دخلوا في نهد. وفيه : آل عزون ، وآل تيربان ، كلّهم من نهد.

وأمّا هينن (٢) : فتنقسم إلى قسمين :

أحدهما : الحثم المتكرّر ذكره في «ديوان الشّيخ عمر بن عبد الله بامخرمة» ، وفيه آل إسحاق ، ومنصبهم الآن : عبد الرّزّاق.

__________________

(١) حبونن ـ بكسر الحاء ـ : واد يغيب من بلد يام من ناحية سمنان ، وبه بئر زياد الحارثي جاهلية ، وهو من مناهل العرب المشهورة ، وكذلك بئر الربيع في عبد الله على مرحلة لمن قصدها من حضرموت ومأرب. «الصفة».

(٢) تقع غربي القطن ، وتعد من أعمالها.


والثّاني : الحزم ، وفيه آل إسحاق أيضا ، ومنصبهم الآن شيبان بن صالح (١).

وأوّل من اختطّه الشيخ عبد الرّحمن بن محمّد بن مرتع في القرن الحادي عشر ، ومرجع ال مرتع إلى ثور بن مرتع بن عفير الكنديّ ، ولا يزال به ناس منهم ، ويرأسهم يسلم بن سعيد بجاوة ، ومحمّد بن سعيد في مقدشوه ، وهو الّذي روى لي عن سلسلة ذوي الأنساب : أنّ آل مفتاح والعنابرة الموجودين بهينن هم عبيد لعبد يلهم بن مرتع الكنديّ صاحب صومعة دمّون. اه

وقال : إنّ أعقابهم لا يزالون مستخدمين لآل مرتع إلى اليوم.

وكان في هينن كثير من الإباضيّة ، كما يعرف من التجاء الإمام إبراهيم بن قيس إلى بني سهل فيها ، بشهادة قوله [من الطّويل] :

فيال بني سهل أضعتم جماعتي

وآويتموني يوم خرّب موطني

وصرت مليكا فيكم متمكّنا

كنينا حصينا مكرما غير هيّن

سوى أنّني يا قوم لم أقض حاجة

لديكم ولا عاينت أمرا يسرّني

فإن تنصروني فالرّجيّة منكم

وإن تعجزوا قابلت أرضا تعزّني

وسيأتي في شبام ما يصرّح بكثرة علماء الإباضيّة في هينن إذ ذاك.

ومن آل إسحاق (٢) بهينن : العلّامة الشّهير شيبان بن أحمد اليتيم ، تلميذ الشّيخ أبي بكر بن سالم.

والشّيخ أحمد اليتيم ، وهو ابن الشّيخ سهل بن عبد الله بن أحمد بن سهل بن عامر (٣) بن إسحاق.

__________________

(١) الشيخ شيبان بن صالح هذا عمر طويلا ، لأنه كان حيا سنة (١٣٦٦ ه‍) ، وكان في ذلك الوقت يقول الشعر ، وله مساجلات مع الحبيب أحمد المحضار صاحب القويرة ومدائح فيه ، فلعل مولده نحو (١٢٤٥ ه‍) ، والله أعلم.

(٢) آل إسحاق أو ابن إسحاق ، مشايخ لهم شهرة في القديم ، ويسكنون هينن منذ زمن بعيد ، ويقال : إنهم من كندة ، كما سمع من بعض حذّاقهم وكبار السن منهم.

(٣) في نسخة : (سهل بن أحمد بن عامر).


وقد سبق في عندل عن الحبيب عليّ بن حسن العطّاس ، أنّه يقال : إنّ آل إسحاق من ولد العبّاس بن عبد المطّلب ، ولكنّه لم يوافق عليه ، مع أنّهم أخواله ؛ لأنّ أمّه هي فاطمة بنت الشّيخ شيبان السّابق ذكره.

ومن أهل هينن : العلّامة الكبير ، صاحب الأحوال الغريبة ، الشّيخ عبد الرّحمن الأخضر بن عمر بن محمّد باهرمز (١) ، الصّوفيّ الشّباميّ ، ولد بشبام وأخذ العلم عن مشايخها ، ورحل إلى الشّحر ، وأخذ عمّن فيها ، ثمّ ارتحل إلى هينن ، ولم يزل بها إلى أن مات في سنة (٩١٤ ه‍).

وممّن أخذ عنه : الشّيخ معروف باجمال ، وكان يكثر التّردّد عليه إلى هينن للأخذ ـ ماشيا مع البعد ـ فأحاله على ابن أخيه الشّيخ إبراهيم ؛ لأنّه هو وإيّاه في شبام.

وممّن أخذ عنه : الشّيخ عمر بامخرمة (٢) ، جاء من الهجرين للإنكار عليه .. فعاد أخصّ تلاميذه! وجرى له قريب من ذلك مع الشّيخ باقيس صاحب حلبون.

وذكر المؤرّخون أنّ الشّيخ عمر بامخرمة وصل إلى تريم في جمع من أتباعه والسّماع بين يديه ، فانتهى خبر ذلك إلى الشّيخ الفقيه حسين بن عبد الله بن عبد الرّحمن بلحاج ، المشهور ، فقام من مدرسته في جمع من تلاميذه للإنكار عليه في ضرب السّماع والشّبابات ، فحين لاقاه .. طرب وغاب عن حسّه ، وصار يصفّق بيديه ، فأنشأ الشّيخ عمر ـ على البديهة ـ قصيدة يقول في أوّلها :

حسين هبّت نسيم القرب بعد المدى

سرت من النّجد فانا للنّجد واهله فدا

ونظيره ما يحكى : أنّ معاوية بن أبي سفيان ذهب إلى منزل عبد الله بن جعفر

__________________

(١) ولد الشيخ عبد الرحمن بشبام سنة (٨٤٠ ه‍) ، وتوفي بهينن ليلة الإثنين (١٤) محرم (٩١٤ ه‍).

انظر : «عقد اليواقيت الجوهرية». و «النور السافر» ، و «تاريخ الشحر» ، و «تاريخ الشعراء» (١ / ٩٤ ـ ٩٦).

(٢) كان أخذه وتحكّمه لشيخه الأخضر باهرمز في (٢) رجب سنة (٩١٣ ه‍) ، كما ورد في «تاريخ بافقيه».


للإنكار عليه ، فلمّا استقرّ بمنزله .. أطلع له جواريه يغنّين ، فطرب حتّى ضرب برجله الأرض ولم يثرّب ، فلمّا خرج ومعه عمرو بن العاصي .. قال له : إنّك لشرّ ممّن جئت للإنكار عليه ، فقال له : إنّ الكريم طروب (١). وتحقيق هذه المسألة في كتابي «بلابل التّغريد».

وممّن أخذ عن الشّيخ عبد الرّحمن باهرمز : ابن أخيه ـ السّابق ذكره ـ إبراهيم بن عبد الله بن عمر باهرمز.

وآل باهرمز منتشرون بالكسر وشبام والقبلة والمكلّا ؛ منهم الآن بها : الشّيخ عبد الرّحمن بن عوض باهرمز ، تاجر ، محبّ للخير ، كثير الصّلاح ، وابنه عبد الله مشارك في طلب العلم ، وله نباهة وتقوى وديانة وورع حاجز.

ومن أهل هينن : الشّيخ سعيد بن سالم الشّوّاف (٢) ، صاحب القصيدة المشهورة ب «قصعة العسل» ؛ لحلاوتها وعذوبتها ، وهو ـ كما في «المشرع» [٢ / ١٢٥] ـ (من تلاميذ الحبيب أحمد بن حسين بن عبد الله العيدروس ، المتوفّى سنة (٩٦٨ ه‍) ، نشأ ابن الشّوّاف في بلاده ، ثمّ ارتحل إلى تريم للكسب وطلب العلم ، ثمّ طوّحت به الغربة إلى وردة مصبح ـ قرية في المشقاص ، يضرب بها المثل في البعد ـ وكان من أهل الأحوال ، وكان يقابل كلّ من لقيه من أبناء العلماء والصّالحين بإجلال عظيم ، حتّى نهاه الشّيخ إبراهيم بن عبد الله هرمز ، وقال له : يا سالم ؛ إنّ كتم الحرمة لمثل

__________________

(١) إنّ الكريم طروب : قال في «المستقصى في أمثال العرب» (١ / ٣٤١): (يراد به أن الأريحيّة تهزّه ، وليس كاللّئيم الّذي تمكّنت القساوة والجفاء من طبعه .. فهو من الممادح).

والقصّة كما في «تاريخ الطّبريّ» (٣ / ٢٦٨) ، و «الكامل» لابن الأثير (٣ / ٣٧٤): (لام معاوية عبد الله بن جعفر رضي الله عنهم على الغناء ، فدخل عبد الله على معاوية ، وكان مع عبد الله بريح ، وكان معاوية قد وضع رجلا على الأخرى ، فقال عبد الله لبريح : إيه يا بريح ، فتغنّى .. فحرّك معاوية رجله ، فقال عبد الله : مه يا أمير المؤمنين ، فقال معاوية : إنّ الكريم طروب).

(٢) الشيخ سعيد بن سالم الشوّاف ، ولد بهينن سنة (٩٢٥ ه‍) ، توفي بريدة المشقاص ببلدة يقال لها : (وردة مصبّح ـ أو مسبح) سنة (٩٩٠ ه‍) ، «الشعراء» (١ / ١٧٧ ـ ١٧٩).


هؤلاء أصلح لهم ، وأسلم من الفتنة والاغترار ، وأسلم لك من الوقوع في النّهي ..) اه

وقوله : يا سالم موافق لما في «مقال النّاصحين» تأليف الشّيخ محمّد بن عمر باجمال ، أنّ اسم الشّوّاف سالم ، لكنّ الّذي في (ص ٥٨ ج ٢) من «المشرع» أنّ اسمه : سعيد بن سالم ، كما قدمنا.

ويحتمل أنّ باهرمز قال له : يا بن سالم ، فسقطت (ابن).

وفي سنة (٩٠٩ ه‍) حدثت معارك بين السّلطان عبد الله بن جعفر والد بدر بوطويرق وبين والي هينن (١) ، وهو من الظّلفان النّهديّين ، فتوسّط الشّيخ عبد الرّحمن الأخضر للإصلاح ، فلم يقبل له السّلطان كلاما ؛ لأنّ ذنب الظّلفان إليه كبير ؛ إذ كانوا هم الّذين قاموا على قتل أبيه في بور سنة (٩٠٥ ه‍) ، ولم تطل بعدها مدّة السّلطان (٢) ، فعدّها هواة الكرامات من جملة ما كان منها للشّيخ الأخضر ، أمّا الشيخ الأخضر .. فقد أظهر المساءة لمّا انتهى إليه موت السّلطان وقال يرثيه :

رحمة الله على من مات في حصن سمعون

رحمة واسعه فالعفو مرجو ومسهون (٣)

وسمعون هي : الشّحر كما سبق فيها. وما أدري ، أرثاه عن صحيح محبّة ، أم أراد أن يبرىء الموقف عن الشّماتة ليحفظ خطّ الرّجعة مع أسرته؟

وفي سنة (٧٩٥ ه‍) بني جامع هينن جميعه (٤) ، ولا شكّ أنّ هذه العمارة كانت تجديدا ، وإلّا .. فهي ذات جمعة من قديم الزّمان (٥).

وفي «سفينة البضائع» للحبيب عليّ بن حسن العطّاس ما يفيد أنّ آل طاهر بن راجح خلفوا آل كثير على هينن ، وأنّ يافعا طردتهم من مصنعتها لتسع خلت من ربيع

__________________

(١) كان ذلك في سنه (٩٠٧ ه‍) ، كما في «شنبل» (ص ٢٢٠) ، و «العدة» (١ / ١٥٧) ،

(٢) مات سنة (٩١٠ ه‍) ، كما في «شنبل» ، و «بافقيه» ، و «العدة» ، وغيرها.

(٣) والحصن المومأ إليه .. هو حصن ابن عيّاش المعروف في الشحر ، وقد دفن السلطان عبد الله هذا في تربة الشيخ سعد الظفاري.

(٤) كذا في بعض نسخ «تاريخ شنبل» ، وفي بعضها : جامع تريم ، كما أشار المحقق لذلك : (ص ١٥١)

(٥) ولها ذكر في حوادث (سنة ٦٢٥ ه‍).


ثاني سنة (١١٤٣ ه‍) ، وكانوا جاروا في هينن .. حتّى لقد نهبوا بيت الشّيخ سهل بن أبي بكر بن إسحاق فزال ، ولم يرجع إلّا بعد أن طردتهم يافع ، وساروا بعد جلائهم من هينن إلى صنعاء.

ولا يزال بهينن كثير من الآثار والكتابة بالمسند على الأحجار.

وفيها حصن كندة القديم الّذي كان يسكنه الأشعث بن قيس ، وكان يخرج منه ألف وخمس مئة فارس بشكّتهم ، ويطلق عليه اليوم : حصن فرحة.

ومن قرى الكسر : شريوف (١) ؛ لآل محمّد بن عبد الله.

وغنيمة آل عبري : منهم أحمد بن سالمين بن علي بن عامر. وجوّة الخناق ، وسكّانها : آل صائل من نهد.

وفي جنوبها : باحسّان ، سكّانها : آل طاهر ، منهم الشّيخ الفاضل عامر بن طاهر بن نهيد (٢) في ممباسا الآن يحبّ العلماء والمتعلّمين ، ولا يقصّر في إعانة المنكوبين ، وإكرام الواردين ، ويساعده أخوه عبد الله بن نهيد ، وصهره فرج بن محمّد بن طاهر وهو شابّ متحرّك.

ومنهم : رجل يقال له : يسلم بن عديان ، له أخبار هائلة منها : أنّ آل حويل بنوا كوتا على مقربة من أموال آل طاهر ، فلمّا سقيت من السّيل .. أرادوا حرثها فمنعهم آل حويل ، وتوسّط بعض المشايخ آل إسحاق ، فلم يقبلوا له كلاما ، فلم يكن من يسلم إلّا أن خرج في نحر الظّهيرة معتمدا على معنقة بندقيته ، حتّى وصل باب الكوت ، فنادى الّذي يرتّبه ـ واسمه كريد ـ فلمّا أشرف من النّافذة .. أطلق عليه الرّصاص ، فوقع ما بين عينيه ، فسقط يتشحّط ، فكسر باب الكوت واستولى عليه ، وأطلق ثلاث

__________________

(١) وهي غير (شريوف) الآتية التي في وادي عدم قرب تريم.

(٢) كان الشيخ عامر بن نهيد من أهل المروءة والكرم ، وله اتصال قوي ومتين بجناب السيد العلامة المعمر الحبيب عمر بن أحمد بن سميط مفتي جزر القمر ، المتوفى سنة (١٣٩٦ ه‍) ، وأيضا بالسيد العلامة الحبيب أحمد مشهور الحداد ، وكان يقيم المجالس الكبيرة الحافلة في عدد من المناسبات ، وكان المصنف قد تعرف به عندما ورد ممباسا إبان تصنيف هذا الكتاب ، وقام به المذكور المقام التام.


طلقات إلى نحو آل حويل ، فظنّوه صاحبهم يريد ماء ، فسيّروه له مع ثلاث من نسائهم ، فلمّا اقتربن منه .. قال لهنّ : قلن لأصحابكم : تعالوا لميّتكم ، وأمّا الكوت .. فقد استولى عليه عدوّكم. ولو سكت .. لتمكّن منهم.

ومنهم رجل يقال له : القوينص ، أصاب دما في آل سعدون .. فلم يقدروا على الثّأر منه ؛ لأنّه كان شجاعا لا يطاق ، فلم يكن منهم إلّا أن أرضوا بعض الخونة من أصحاب النّفوذ بما شاء من المال فأكمنهم في دار ، ثمّ استدعاه مخفورا بعبديه ، وبمجرّد دخوله الدّهليز .. أطلقوا الرّصاص عليه ، فوقع ميتا ، وكان ذلك في حدود سنة (١٣٤٢ ه‍).

وفي جنوب القارة : القفل ، لآل منيف. ثمّ : شراح ، لهم. ثمّ : لخماس ، لهم أيضا ، وقد مرّت هذه في عمد ، لأنّها كما تعدّ منه .. تعدّ من الكسر أيضا.

وفي جنوبها : حوطة السّيّد شيخ بن عبد الله العيدروس ، وهي مفرق الطّرق إلى عمد ، ودوعن ، والكسر ، ووادي العين.

وفي جنوبها : بحران (١) ، لآل ثابت ، وهو فلاة واسعة لا حجر فيها ولا شجر. فيها كان انهزام السّلطان بدر بن عبد الله الكثيريّ من جيش الصّفيّ أحمد بن الحسن ، سنة (١٠٧٠ ه‍).

وفيها كان انهزام السّلطان عمر بن جعفر الكثيريّ من يافع ، آخر سنة (١١١٧ ه‍) (٢) ، ولهذا كانت مضرب المثل .. فقيل : (أين بك يا شارد بحران).

وفي (الحجاز) مكان على اسمها ، فيه معادن ، قال ابن هشام : (قال ابن إسحاق : ثمّ غزا حتّى بلغ بحران ـ معدنا بالحجاز من ناحية الفرع ـ فأقام بها شهرين (٣) ثمّ رجع إلى المدينة ، ولم يلق كيدا) اه (٤).

__________________

(١) بحران : موضع معروف بالكسر.

(٢) ينظر : «تاريخ الدولة الكثيرية» ، و «العدة المفيدة».

(٣) وهما شهرا : ربيع الآخر وجمادى الأولى.

(٤) سيرة ابن هشام (٣ / ٣١٣).


ونقله ياقوت في «معجمه» [١ / ٣٤١] وزاد عليه ، ولهذا المعدن ذكر في «مجموع النّوويّ» و «أصله».

وفي جنوب بحران إلى شرق : دار ابن صريمان ، من آل ثابت ، فوق المضلعة الّتي من وادي دوعن إلى الكسر.

قعوضه

هي في جنوبيّ هينن في حضن الجبل ، وهي سوق عظيم ، تردها القوافل من صنعاء ، والجوف ، وبيحان ، ومرخة ، ونصاب ، ونجران ، وغيرها.

وفيها آل عجّاج (١) ، ورئيسهم : الشّيخ امبارك بن محمّد ، شيخ مجرّب خبير ، ثابت العقيدة في الدّين ، حلب الدّهر أشطره (٢) ، له شهامة ومروءة ، وشمائل عربيّة ، ومحافظة على الشّعائر الدّينيّة.

وأمّا نسبهم : فقد قال الملك الأشرف عمر بن يوسف بن عمر بن عليّ بن رسول المتوفّى سنة (٦٩٦ ه‍) في كتابه «طرفة الأصحاب في معرفة الأنساب» ـ وهو الّذي سمّاه صاحب «التّاج» في خطبته [ص ٩] : «تحفة الأحباب» ، أو هما كتابان ، أحدهما مختصر من الآخر ـ : (مشايخ حضرموت يرجعون إلى بطنين ، هما : نهد ومذحج) (٣).

ثمّ قسّم نهدا بالإطلاق الأوّل إلى عدّة قبائل ، ولكن لم يبق اسم نهد في الأخير إلّا خاصّا بقبائل الكسر.

__________________

(١) آل عجّاج : قبيلة من نهد إحدى أكبر قبائل المنطقة ، اشتهروا بتولي القضاء القبلي بالمنطقة ، ويعملون على الإصلاح والوساطة بين العشائر ، ولذا يلقبون : (الحكمان) جمع (حكم). ومن سكان قعوضة غير آل عجّاج : آل بامطرف ، وآل بن سنكر وغيرهم.

(٢) حلب الدّهر أشطره : مستعار من حلب أشطر النّاقة ، وذلك إذا حلب خلفين من أخلافها ، ثمّ يحلبها الثّانية خلفين أيضا. والمعنى : أنّه اختبر الدّهر ، شطري خيره وشرّه ، فعرف ما فيه. يضرب : فيمن جرّب الدّهر.

(٣) «الطرفة» (١٣٥ ـ ١٣٦).


وفي «التّاج» و «أصله» : (إطلاق نهد على قبيلة من قضاعة ، وعلى أخرى من همدان).

وقد استقربنا أن تكون هذه هي من نهد قضاعة ؛ لاتّصالها بوادي عمد وهو وادي قضاعة ، ولو لا أنّ الملك الأشرف جعل نهد حضرموت من قبيلة واحدة .. لقلنا : إنّ نهد الكسر من قضاعة ، ونهد همدان من همدان ، وهذا هو الأقرب ، كما يعرف ممّا يأتي في القارة وشبام.

وللأشرف أغلاط كثيرة لم نتعقّبها ، ومنها هنا : إغفاله لكندة وحضرموت وغيرهما من القبائل الّتي لا تزال بلاد حضرموت ملأى بأعقابهم ، وفيهم المشايخ البارزون.

ومرجع نهد الكسر إلى عمر بن عامر بن شمّاخ بن عبد الله بن عمر الرّوضاني النّهدي ، وإلى عامر بن فضالة بن شماخ بن عبد الله بن عمر الرّوضانيّ النّهديّ ، وهو المراد من المثل الحضرميّ السّائر : (ما كأنّ عامر تسوّق) ، وذلك أنّ الجهمة قتلته سنة (٨٨٢ ه‍) وهو خارج من السّوق ، وقبره في شرقيّ الجامع القديم بحثم هينن.

وروضان يجمع آل ثابت ، وآل عجّاج ، وآل مقيزح ، وآل نفير ، وآل عبد الله ، وآل بدر.

وبقيّة نهد ينقسمون إلى ثلاثة أقسام : المقاريم ، والظّلفان ، وبنو يزيد مجلّف.

وقد مرّ ذكر سدبه وحوره وأعمالهما ، وكلّها من الكسر ، وإنّما ذكرناهما هنا لاتّصالهما بوادي العين وشربهما من مياهه.

وسيأتي في القارة عن نهد ما له اتّصال بما هنا ، وقال باحلوان في «رشيدة الإخوان» : (بنو نهد بن زيد بن ربيعة بن مراد بن أسلم بن الحاف بن قضاعة ..

هاجروا من اليمن إلى حضرموت ، وسكنوا العروض ، ووالي حضرموت لذلك العهد : عبد الرّحمن بن راشد الحميريّ ، وكانت بلادهم من العجلانيّة إلى العروض ، ومن لخماس إلى أعلى سدبة ، وكانت فيها حدائق وزروع ونخل وعنب وسدر.

وكانت ولاية حضرموت الوسطى ـ شبام وتريم وما بينهما ـ لآل راشد الحميريّين


ولمّا ضعف سلطانها .. استنجد الأهالي بنهد ، وطردت بني راشد ، وظلّت نهد تحكم حضرموت إلى تريم.

ثمّ جاءت سيول هائلة أضرّت بالدّيار والأشجار ، وتلف الكثير من النّاس في العروض ، فاضطرّت نهد إلى مغادرة تريم وشبام والعودة إلى بلادها ، وتركوا أمر حضرموت الوسطى لعليّ بن عمر بن مسعود ، فاغتنمت الفرصة بنو راشد ، وكان ابن مسعود لا يقدر على مقاومة بني سعد وبني راشد ، فسلّم شبام لبني سعد وتوجّه بعسكره إلى الهجرين ، وتخلّت نهد عن تريم وشبام ـ ذات الثّروة ـ وقنعت بقعوضة وما إليها) اه بنوع من اختصار ، وفي «الأصل» تفاصيل ما جرى بين القبائل المذكورة والغزّ وغيرهم.

الظّاهره

هي في شرقيّ قعوضه إلى جهة الجنوب ، وفيها يقول السّيّد حسين بن حامد المحضار لمّا زارها في أيّام الحرب للإصلاح بين نهد فلم ينجح :

يا الظّاهره جيناش للمقدار

والبعد قرّبنا ميوحه (١)

والقبوله ما طعمها الّا قار

ماشي مصلّح من جبوحه (٢)

وقد ذكرت في «النّجم المضي لنقد عبقريّة الرّضي» أنّ هذا مثل قول حبيب [أبي تمّام في «ديوانه» ٢ / ٢١ من الكامل] :

والحمد شهد لا ترى مشتاره

يجنيه إلّا من نقيع الحنظل (٣)

مع يقيني أنّ العمّ حسينا لم يطّلع على بيت حبيب قطّ ، وإنّما هو دليل لما أقرّره من

__________________

(١) الميوح والميح (عامّيّة) معناها : الجهة وقطع المسافة ، والمعنى ظاهر.

(٢) الجبوح ـ جمع جبح ـ وهو : وعاء قرص العسل.

(٣) الشهد : العسل. المشتار : الّذي يجني العسل.


فحولة الشّعر الحضرميّ العاميّ ، وقوّة متنه وشدّة أسره (١).

ولقد كانت القبائل تضرب آباط الإبل من نواحي حضرموت المترامية إلى حكّام نهد في قعوضة والظّاهرة والقارة ، ولا يدخل من كان كبيرا منهم في نفسه إلّا في حفل وزفاف ، فتقابله نهد بمثله للتّرحيب ، ويتبادلون الأشعار الطّبيعيّة ، ويشرحون فيها ما يختلج بصدورهم وما يهجس على خواطرهم بين طلقات البنادق الدّاوية ، فمن ذلك :

أنّ جماعة من يافع ترافعوا إلى ابن عجّاج في مهمّة كبرى ، فقال شاعرهم :

ما شي بقش ما شي بقش

من لي يهزّون النّمش (٢)

يافع كما ناب الحنش

مقبوصهم ما له طبيب (٣)

فلم يبلع النّهديّ ريقه حتّى قال :

ما في قعوضه شي وخش

أوعال في روس الحمش (٤)

لو تغدي الأعظام طشّ

قوّس على الحكم الصّليب (٥)

وربّما نظم المدّعي دعواه في تلك الأراجيز فيجيب خصمه على غرار قوله ، وأتيا على أطراف الجرح والتّزكية في أشعارهم. ثمّ يصبّ حكم الحاكم النّهديّ في قالب البحر والقافية ، فلا ينتهون إلى دار الحاكم حيث تمدّ الأنطاع وتبسط الموائد .. إلّا

__________________

(١) للسيد الأستاذ محمد بن هاشم ثلاث مقالات عن الشعر العامي الحضرمي نشرت في مجلة «الإخاء» لسان حال جمعية الأخوة والمعاونة بتريم في الأعداد الأولى لعام (١٣٤٧ ه‍) ، وهي في «مجموع مقالات ابن هاشم».

(٢) البقش : الفلوس ـ الدراهم ـ النقود ـ العدّي.

(٣) المقبوص : الملسوع.

(٤) وخش : لعله يعني الظلم أو التعدي. وروس الحمش : أعالي الجبال.

(٥) تغدي : تصبح. قوّس : تمسك ؛ أي : حكمنا نافذ ولو أصبحت عظامنا مهشمة ، فتمسك به فهو الحكم الصائب.


وقد انفصلت القضيّة بالقضاء المبرم ، الّذي لا ينفذ إليه استئناف ، ولا يرقى إليه طعن ، ولا تعلق بذيله غميصة (١).

تلك هي حال نهد فيما غبر ، أمّا الآن .. فلا أدري ما الخبر!! أفليس أولئك على هذا الصّنيع البديع أحقّ بقول البحتريّ [في «ديوانه» ٢ / ٣١٢ من الكامل] :

وإذا خطاب القوم في الخطب اعتلى

فصل القضيّة في ثلاثة أحرف

وقد ذكرنا في «العود الهنديّ» بعض حديث هدبة بن الخشرم ، وأنّه لمّا حمل إلى معاوية .. قال له : قل يا هدبة .. قال : أكلاما أم شعرا تريد؟ قال معاوية : بل شعرا ، فارتجل هدبة قصيدة يقول منها :

رمينا فرامينا فصادف رمينا

منايا رجال في كتاب وفي قدر

فقال له معاوية : أراك أقررت يا هدبة ... إلى آخر القصّة المناسبة لما نحن فيه ، بما جاءت به من وصف الأمر في الشّعر.

وقد اختصم حيّان من العرب في ماء من مياههم إلى والي المدينة من قبل يزيد بن عبد الملك ـ وهو عبد الرّحمن بن الضّحّاك الفهريّ ـ وكان مصاهرا لأحد الحيّين ، فبرك بين يديه شيخ من الحيّ الآخر وهو سنان بن الفحل الطّائيّ فقال [من الوافر] :

إلى الرّحمن ثمّ إلى أميري

تعسّفت المفاوز واشتكيت

رجالا طالبوني ثمّ لجّوا

ولو أنّي ظلمتهم انتهيت

رجوا في صهرهم أن يغلبوني

وبالرّحمن صدق ما ادّعيت

وقالوا قد جننت فقلت كلّا

وربّي ما جننت ولا انتشيت

ولكنّي ظلمت فكدت أبكي

من الظّلم المبيّن أو بكيت

فإنّ الماء ماء أبي وجدّي

وبئري ذو حفرت وذو طويت

وقد خرج بخضوعه عن عادة العرب من التّمدّح بالقسوة والجلادة ، وهي تعيّر

__________________

(١) الغميصة : الاستحقار والنّقص.


الرّجال بمثل ذلك ، أمّا النّساء .. فلا ، ولهذا استحسنوا من فاطمة بنت الأحجم أن قالت بعدما لان جانبها ، وغاب ناصرها :

قد كنت لي جبلا ألوذ بظلّه

فتركتني أمشي بأجرد ضاحي

قد كنت ذات حميّة ما عشت لي

أمشي البراح وكنت أنت جناحي

فاليوم أخضع للذّليل وأتّقي

منه وأدفع ظالمي بالرّاح

وبها تمثّلت سيّدتنا فاطمة ـ رضوان الله عليها ـ بعد وفاة أبيها صلّى الله عليه وآله وسلّم.

فميل بين ما يكون من أحكام العصور الأولى ، وما سمعت عن نهد ـ وما بالعهد من قدم ـ وبين ما يكون من قضاة المحاكم اليوم .. ينكسر ذرعك ويتبادر دمعك ؛ إذ يكون غدوّ الدّعوى شهرا ورواحها مثله ، بلا دليل من فقه ، ولا مبرّر من شرع ، ولكنّها الأغراض المخلّة ، والجهالة المضلّة ، ولا ينكر اندفاع النّقض عن أحكام نهد لذلك العهد مع عدم الرّويّة ؛ لأنّ الحقّ مثل الصّدق أبلج ؛ والصّادق لا يحتاج إلى تفكّر ولا إلى تذكّر ، وكذلك العادل لا يطيف بحكمه إلّا التّمحّل الّذي لا ينفق عند أهل الإنصاف ، ولقد كانت الأحكام مثلما قال الأعشى [في «ديوانه» ٢٩١ من الطّويل] :

تعالوا فإنّ الحكم عند ذوي النّهى

من النّاس كالبلقاء باد حجولها (١)

ولقد شهدت اجتماع الحموم بالشّحر في سنة (١٣٣٣ ه‍) متنازعين في كثير من القضايا المهمّة الّتي حار فيها السّيّد حسين بن حامد ، فقال له حبريش : ردّها إليّ وأنا أحكم فيها على شرطين :

أحدهما : أن تجعل لي ألف ريال.

والثّاني : أن أضع أنا ألف ريال ، فإن نقض حكمي شرع أو عرف .. كنت في حلّ من ألفي.

فامتدّ عنقي لذلك البدويّ الّذي لم أعرفه من قبل ، وأكبرت تحدّيه للشّرع ، وقلت

__________________

(١) البلقاء : الفرس الّتي في لونها بياض وسواد. الحجل : البياض في قوائم الفرس.


له : هبك أمنت النّقض من جهة العرف والعادة ؛ لإتقانك لهما ، فمن لك بالأمان من جهة الشّرع ، أفتعرفه؟

فقال : لا ، ولكنّي سأحكم بالعدل ، والعدل لا يتغيّر ، ولا يمكن نقضه بحال.

فأكبرت ما في طيّ تلك الأسمال البالية (١) وتحت تلك اللّحية الشّعثة من الحكمة الّتي ابتعدت عن مجالس القضاة اليوم ، وزادني ذلك تصديقا لقول الإمام علي كرّم الله وجهه : (العلم نقطة ، وإنّما وسّعته آراء الجهّال) أو ما هذا معناه.

وقد قال زهير في جاهليّته [من الوافر] :

فإنّ الحقّ مقطعه ثلاث

يمين أو نفار أو جلاء

فكان ابن الخطّاب رضي الله عنه يتعجّب من معرفته بمقاطع الحقوق مثلما تعجّبت من حبريش.

وروى الشّيخ أحمد بن سهل (٢) ـ وكان جارا لقاضي مصر بكّار بن قتيبة (٣) ـ أنّه مرّ ببيت بكّار أوّل اللّيل وهو يتلو هذه الآية : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) قال : ثمّ انتبهت من آخر اللّيل فسمعته يكرّرها.

وقد كان بكّار من أعدل القضاة حكما ، وأشرفهم موقفا ، ولمّا حبسه أحمد بن طولون .. استردّ منه ما أعطاه ـ وقدره عشرة آلاف دينار ـ فألفاها بختمها ، لم يمسّها زهدا وورعا.

__________________

(١) الأسمال : الثّياب البالية.

(٢) هو أحمد بن سهل الهروي ، وهذه القصة رواها أبو بكر ابن المقري في «فوائده» قال : سمعت محمد بن بكر الشعراني يقول : سمعت أحمد بن سهل الهروي يقول : .. إلخ.

(٣) هو بكار بن قتيبة ، من ذرية الصحابي أبي بكرة الثقفي ، البكراوي ، ولد سنة (١٨٢ ه‍) ، وتوفي سنة (٢٧٠ ه‍) ، حنفيّ ، تفقه بهلال بن يحيى وعيسى بن أبان ، وأخذ الحديث عن أبي داود الطيالسي قال أبو عمر الكندي : وسمعت علي بن أحمد بن سلامة يقول : تعرف الإجابة عند قبر بكار بن قتيبة.

ترجمته في : «الولاة والقضاة» لأبي عمر الكندي (٤٧٧) ، «رفع الإصر» للحافظ ابن حجر العسقلاني ، و «السير» للذهبي.


وما كان حبسه ـ وإن كان له سبب معروف ـ إلّا ناشئا عن الحسد ؛ بأمارة أنّه قال له : غرّك قول النّاس : ما في الدّنيا مثل بكّار.

وقيل للقاضي إسماعيل بن إسحاق المالكيّ (١) : ألا تؤلّف كتابا في آداب القضاء؟

فقال : وهل للقضاء من أدب غير العدل؟ اعدل ومدّ رجليك في مجلس القضاء. أو ما هذا معناه. فمثّل بين هذا وبين ما أسلفناه عن القضاء في المكلّا.

وقال سعيد بن شريك في خطبته : (أيّها النّاس ، إنّ الإسلام حائط منيع ، وباب وثيق ، فحائطه الحقّ ، وبابه العدل. ولا يزال الإسلام منيعا ما اشتدّ السّلطان ، وليس شدّته القتل بالسّيف ، والضّرب بالسّوط ، لكن قضاء بالحقّ وأخذ بالعدل).

وقوله : (اعدل ومدّ رجليك .. إلخ) شبيه بما يؤثر عن بعض ملوك الهند في الموضوع.

وفي عهد عليّ للأشتر ما نصّه : ثمّ اختر للحكم بين النّاس أفضل رعيّتك في نفسك ممّن لا تضيق به الأمور ، ولا تمحكه الخصوم (٢) ، ولا يتمادى في الزّلّة ، ولا يحصر من الفيء إلى الحقّ إذا عرفه ، ولا تشرف نفسه على طمع ، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه ، وأوقفهم في الشّبهات ، وآخذهم بالحجج ، وأقلّهم تبرّما بمراجعة الخصم ، وأصبرهم على تكشّف الأمور ، وأصرمهم عند اتّضاح الحكم.

ويروى أنّ معاوية كثيرا ما ينشد إذا اجتمع النّاس قول سعيد بن غريض أخي السّموءل [من السّريع] :

إنّا إذا جارت دواعي الهوى

وأنصت السّامع للقائل

واعتلج القوم بألبابهم

في المنطق القائل والفاصل

لا نجعل الباطل حقّا ولا

نلطّ دون الحقّ بالباطل

__________________

(١) هو القاضي إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد الجهضمي الأزدي المالكي ، ولد سنة (٢٠٠ ه‍) ، وتوفي سنة (٢٨٢ ه‍) ، وبيت حماد بن زيد هم الذين نشروا مذهب مالك في العراق ، تردد العلم في بيوتهم (٣٠٠) عام ، وكان القاضي إسماعيل هو الباعث للمبرّد على تأليف كتابه «التعازي والمراثي». ترجمته في «الديباج المذهب» (٩٢) ، «تاريخ بغداد» (٦ / ٢٨٤).

(٢) تمحكه الخصوم : قال ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» : تجعله ماحكا ؛ أي : لجوجا.


وكان عبد الملك يأمر وصيفا ينشدها على رأسه عندما يجلس للقضاء.

ثمّ اعلم أنّ في كلّ ربع بني سعد ؛ إذ لا يمكن لعدل وجود مع ما منيت به المحاكم من الرّيث الّذي اتّخذه الحكّام والمحامون سبيلا للعيث.

وسكّان الظّاهرة : آل مقيزح النّهديّون. وفي جنوبها إلى المشرق :

القارة

هي قرية آل ثابت (١) ، وإلى جانبها قارة كان عليها حصن يقال له : حصن قشاقش.

وآل ثابت ليوث خفيّة ، وكان رئيسهم الشّيخ عبد الله بن ثابت توفّي سنة (١٣٢٨ ه‍) ، وخلفه ولده الشّيخ صالح بن عبد الله بن ثابت بن سلطان بن عبد الله بن ثابت بن علي بن فارس بن عقيل بن عيسى بن محمد بن عامر بن فضالة. أحد فحول الرّجال ، وحكّام العرب ، وأولي رأيها ، قتل في الحرب الّتي جرت بينهم وبين آل عجّاج ، في ليلة مظلمة ، فسمع فيها أصوات عبيد آل عجّاج .. فخرج عليهم بنفسه ، فأبصروه قبل أن يراهم .. فأطلقوا عليه الرّصاص سنة (١٣٥١ ه‍) فجاء موضع قول بشّار بن حزن [من البسيط] :

إنّا لنرخص يوم الرّوع أنفسنا

ولو نسام بها في الأمن أغلينا

قال المبرّد [في «الكامل» ١ / ١٥٠] : هو من الأجدع بن مسروق [من الطّويل] :

وأبذل في الهيجاء وجهي وإنّني

له في سوى الهيجاء غير بذول

أو من قول القتّال الكلابيّ [من الوافر] :

نعرّض للطّعان إذا التقينا

وجوها لا تعرّض للسّباب

وخلفه ولده عليّ بن صالح ، شابّ نشيط ظاهر الشّهامة ، جزل الرّأي ، كثير الرّماد.

__________________

(١) آل ثابت بطن من نهد ، تنسب إليهم هذه القارة وقرية بحران الآتي ذكرها قريبا.


صوران

هي في شرقيّ القارة وقعوضه ، وعلى بعض أحجاره كتابات كثيرة بالمسند ، ولها ذكر كثير في التّاريخ.

وقد جاء ذكرها في شعر أبي تمّام ، حيث يقول في هجاء عيّاش بن لهيعة [في «ديوانه» ٢ / ٢٦٣ من الكامل] :

والمدّعي (صوران) منزل جدّه

قل لي : لمن أهناس والفيّوم؟

وكانت تظهر بها نار يعبدها كثير من الحضرميّين.

وقال ياقوت : (صوران قرية للحضارمة باليمن ، بينها وبين صنعاء اثنا عشر ميلا ، خرجت منها نار فثارت الحجارة وحرق الشّجر ، حتّى احترقت الجنّة المذكورة في قوله تعالى : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) وإليها ينسب سليمان بن زياد بن ربيعة بن نعيم الحضرميّ الصّورانيّ ، مات سنة (٢١٦ ه‍) ، وابنه أبو يحيى غوث بن سليمان ، ولي قضاء مصر. وأبو زمعة ، عرابيّ بن معاوية ، وابنه زمعة روى عن أبيه وغيره) اه (١)

وقد ترجم الحافظ لسليمان بن زياد في «تهذيب التّهذيب» [٤ / ١٦٨] ، وأخرج له ابن ماجه ، والتّرمذيّ في «الشّمائل» ، ووثّقه يحيى بن معين.

وقد أخطأ ياقوت في قوله : (إنّ بينها وبين صنعاء اثنا عشر ميلا) ؛ لأنّ المسافة أكثر من ذلك ، كما سبق في شبوة ، ولا يمكن تأويلها ب (يوما) ؛ لأنّ المسافة أقلّ من ذلك ، إلّا أنّها تقارب ذلك ، بل تزيد عليه بالمراحل القصيرة الآن الّتي عليها العمل.

وقد توهّم صاحب «التّاج» أنّها مصحّفة عن ضوران ، وكأنّه لم يطّلع على ما في «المعجم».

وبعد هذا كلّه عرفت أنّ ياقوت وصاحب «التّاج» وكثيرا من المفسرين خبطوا في

__________________

(١) معجم البلدان (٣ / ٤٣٣).


ضروان خبطا كثيرا ، والّذي أصاب كبد الحقيقة فيهما إنّما هو ابن كثير ؛ إذ قال في تفسير سورة (ن) : (إنّ أهل الجنّتين كانوا من أهل اليمن ، قال سعيد بن جبير رضي الله عنه : كانوا من قرية يقال لها : ضروان ، على ستّة أميال من صنعاء. ثمّ نقل عن مجاهد أنّ حرثهم كان عنبا) اه (١)

فإنّه موافق لقول الهمدانيّ في الجزء الثّامن [ص ٦٧] من «الإكليل» : (ومخرج النّار من آخر ضروان على ما يقول علماء اليمن. والجنّة اقتصّ الله تعالى خبرها في سورة «ن») اه

وموافق لما يحدّث به من شاهد أنّها على ثلاث ساعات ونصف تقريبا من صنعاء.

ومن أثر احتراقها بالنّار الباقي إلى اليوم : خفّة حجارتها ؛ لما أخذ من ثقالها الاحتراق حتّى صارت قريبا من الحجارة الّتي تحرق للنّورة في خفّتها (٢).

أمّا البغويّ : فقد قارب ولم يبعد إلّا في قوله : (إنّها على فرسخين من صنعاء) وقوله : (إنّ حرثهم كان نخلا) (٣) ، وليست بذات نخل.

وأمّا ضوران : فغير ضروان ، وإنّما هو كما قال الهمدانيّ في ذلك الجزء : (جبل أنس بن الهان بن مالك بن ربيعة أخي همدان ، وهو جبل منيف فوق بكيل) اه (٤)

وأمّا ياقوت .. فقد خلط صوران الحضرميّة بضروان الصّنعانيّة.

ونار صوران على ما يقول الحضارمة : متكرّرة تعبد ، بخلاف نار ضروان الصّنعانيّة فإنّها ظهرت لإحراق الجنّتين ، فليعلم ذلك ، والله أعلم بحقيقة الحال (٥).

__________________

(١) تفسير ابن كثير (٤ / ٤٠٧).

(٢) ويقول بعض الباحثين : ما زالت حجارة ضروان بادية للعيان إلى اليوم على أنها بقايا أرض محترقة.

(٣) «تفسير البغوي» (٤ / ٣٧٩).

(٤) الإكليل (٨ / ٥٨).

(٥) وههنا ينبغي التفريق بين صوران وضروان .. أما صوران ـ بالصاد المهملة .. فتقدم كلام المصنف عنها آنفا.

وأما ضوران ـ بالضاد المعجمة ـ : فجبل مشهور بآنس ، وهو المعروف بالدامغ ، كما سيأتي نقل المصنف ذلك عن الهمداني ، وفي سفحه الشمالي تقع بلدة ضوران التي كانت تحمل اسم الحصين ،


ومن نيران العرب : نار الحرتين ، قالوا : كانت في بلاد عبس إذا كان اللّيل .. سطعت نارا ، ومتى جاء النّهار .. ارتفعت دخانا ، وربّما خرج منها عنق فأحرق من يمرّ بها ، فحفر لها خالد بن سنان ودفنها ، فكانت معجزة له.

وقال ابن قتيبة : كانت نار بأشواف اليمن ، لها سدنة ، إذا تفاقم الأمر بين القوم فحلف بها .. انقطع بينهم ، وكان اسمها الهولة ، ويقال لها أيضا : هولة.

قال الكميت [من الطّويل] :

هم خوّفونا بالعمى هوّة الرّدى

كما شبّ نار الحالفين المهوّل

وقال أوس بن حجر [من الطّويل] :

إذا استقبلته الشّمس صدّ بوجهه

كما صدّ عن نار المهوّل حالف

وكان السّادن عندما يأتي الحالف .. يضع فيها الكبريت والملح فتتنغّص ، فيقول : لقد تهدّدتك ، فإن كان مريبا .. نكل ، وإن كان بريئا .. حلف ومثله عن ابن قتيبة أيضا في [٧ / ١٥٢] من «خزانة الأدب».

ومن قرى الكسر : (حرّة العين) لآل البقريّ (١) ، أهل شهامة ومروءة ، لهم ثروة بجاوة.

__________________

ثم غلب عليها اسم جبلها. وهي مركز علمي مشهور ، اتخذها الإمام الحسن بن الإمام القاسم بن محمد مقرا لإمارته ، وتوفي بها سنة (١٠٤٨ ه‍) ، ثم اتخذها عمه الإمام المتوكل إسماعيل بن الإمام القاسم عاصمة ملكه ، وتوفي بها سنة (١٠٨٧ ه‍) ، والمدينة القديمة هذه كانت قائمة على جبل بركاني ، ثم تعرضت لكثير من الزلازل والهزات الأرضية ، آخرها زلزال سنة (١٩٨٢ م) الذي دمّرها بالكامل وجعلها أثرا بعد عين. ثم أقامت الحكومة بلدة أخرى تحمل نفس الاسم في منطقة بكيل بجوار بلدة البستان «المقحفي» (١ / ٩٥٠ ـ ٩٥١).

وأما ضروان ـ بضاد معجمة فراء محركتين ـ فهي قرية وواد في بني مكرّم من مديرية همدان صنعاء ، تقع بجوار جبل حنين إلى الشمال الغربي من صنعاء بمسافة (٢٥ كم) ، سميت نسبة إلى ضروان بن الرحبة بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي ، ويعرف واديها بوادي سليمان.

(١) آل البقري فخيذة من نهد ، ومن ديارهم : الحرة المذكورة ، وحوره.


ومن شراج الكسر : الرّملة (١) ، للسّادة آل العيدروس ، وآل جذنان ، وآل بايعشوت.

ومن قراه : المنبعث ، وإليها انتقل كثير ممّن يسكن المخينيق بعد خرابه ؛ كآل بو عسكر ، وآل بو عيران ، ومنهم : الشّابّ الأديب ، عبد اللّطيف بن منصور بن خميس بو عيران ، أحد أمناء القصر السّلطانيّ بالمكلّا منذ ثلاث وعشرين سنة ، ومثله في صدق إخلاصه للسّلطان لا بدّ أن يكون عرضة مرامي أهل الغشّ ؛ ليخلو لهم وجهه.

وفي غربيّ العجلانيّة إلى الجنوب : آثار قرية المخينيق (٢). البالية.

والعجلانيّة (٣) لآل عمر بن جعفر الكثيريّين (٤) ، موصوفين بشدّة البخل ، لا يقرون ضيفا ، ولا يؤوون طارقا ، وهي بسفح الجبل الذّاهب إلى جهة الجنوب ، وقد مرّ في قرن ابن عدوان من قرى وادي عمد عن الهمدانيّ أنّه قال : إن عمرو بن مرّة أولد قبائل بحضرموت ؛ منهم العجلان ، وإليه تنسب العجلانيّة بحضرموت اه فلعل هذه على اسمهم.

وفي شرقيّ قعوضة وشمال الطّريق المارّة في الكسر : حصن آل كوير (٥) ، ورئيسهم الآن بمقدشوه : محمّد بن عبد الله بن كوير ، وابناه ـ سعيد وعليّ ـ يبذلون

__________________

(١) وهذه الرملة غير رملة آل العيدروس التي بقرب تريم.

(٢) المخينيق : تقع في سفح الجبل للذاهب إلى الجنوب ، في جنوب غرب العجلانية. قال صلاح البكري : (وهي من المدن الأثرية الخاربة) اه وقد عادت هذه المنطقة إلى الحياة في هذه الأيام ، وعرفت باسم : بن عيفان ؛ نسبة إلى محطّة ومساكن لرجل من هذه الأسرة التي تسكن العادية قرب القطن ، وانتشرت إلى جانبها أسواق ومواضع للنزلاء من المارة والمسافرين ، وعندها مفرق الطرق للذاهب إلى سيئون والمكلا ، والطريق الذاهب إلى صنعاء عبر الخط الإسفلتي الجديد ، المعروف بطريق صافر.

(٣) ويقال : إن منها الشاعر عبد الله ابن العجلان النهدي ، انظر «تاريخ الشعراء» (١ / ٢٧ ـ ٣١).

(٤) المار ذكرهم في عمد وهم من آل عبد الله ، من سلالة بدر بوطويرق.

(٥) وهم بطن من آل كليب من نهد. ذكرهم عاتق بن غيث البلادي في كتابه : «بين مكة وحضرموت» (١٦٦).


المعروف ، ويكرمون الضّيوف ، ويحملون الكلّ ، ويعينون على نوائب الحقّ ، ولا ينصرف عنهم العفاة بمقدشوه إلّا رافعي عقائر الشّكر والثّناء عليهم.

وعندهم أعمال تجاريّة بمقدشوه ، ولهم مركز في المكلّا إلّا أنّني نصحت سعيدا عمّا يحاوله من احتكار الأسماك إذا كان فيه إضرار بالصّيّادين ومضايقة لأهل السّاحل في حضرموت ، فقال : ليس فيه إلّا خصبهم ومصلحتهم ، والله أعلم بحقيقة الحال.

وفي حصنهم بحضرموت جماعة ، يرأسهم سعيد بن أحمد بن كوير.

ثمّ : الوجيب ، وفيه الشّراشرة من نهد. ثمّ : الخديد ، لآل محمّد بن عامر ، وهم من الشّراشرة.

وعلى شمال الخديد : جوة آل مهنّا ، من نهد ، رئيسهم : امبارك بن يسلم وعامر بن سالم.

وفي شرقيّ الجوّة المذكورة : شعب آل نهيد ، ومقدّمهم : امبارك بن أحمد.

ثمّ : عنيبدة (١) ، لآل محمّد بن عامر من نهد ، مقدّمهم : سعيد بن عبد الله من الشّراشرة.

ثمّ : ركيكة (٢) ، للشّراشرة أيضا. ثمّ : غصيص ، لآل محمّد بن عامر ، وآل بني شبيب (٣).

الباطنة (٤)

هي في وسط الكسر ، وكانت للدّولة المراهين ، فاشتراها الحبيب عبد الرّحمن ابن عبد الله بلفقيه (٥) وأحسن حرثها ، وكان يتردّد إليها من تريم ، وخلفه ولده

__________________

(١) في نسخة : (عنيبذ) بالذال.

(٢) في نسخة : (زكيكة) بالزاي المعجمة.

(٣) آل شبيب من نهد أيضا.

(٤) الباطنة : هي منطقة زراعية تقع بين العجلانية وفرط بني أرض الذين استوطنوا حضرموت ، وأصلهم من البيضاء ، وهي قريبة من القطن ، وتكتنفها أطيان واسعة ، وتكثر فيها أحراج النخيل وحقول الذرة.

(٥) علامة حضرموت وفقيهها ، مولده بتريم سنة (١١٠٥ ه‍) ، وبها وفاته سنة (١١٦٣ ه‍) ، كان عالما


عيدروس (١) قاضي تريم ، ثمّ أولاده ، وهم خمسة : أحمد ، وحسين ، وإبراهيم ، وسالم ، وعمر.

وخلفهم الحبيب محمّد بن إبراهيم ، المتوفّى بتريم سنة (١٣٠٧ ه‍) ، وهو رجل عظيم الشّأن ، وكثيرا ما يذكره شيخنا العلّامة أبو بكر بن عبد الرّحمن بن شهاب ويثني عليه ثناء جمّا ، وله ذكر في بعض قصائده ، وقد أخذ لي الوالد عنه الإجازة في مؤلّفات أجداده.

وخلفه ولده الحسن بن محمّد (٢) ، كان رجلا صالحا ، أبيض القلب ، مشبوح الذّراع ، معمور الفناء (٣) ، توفّي بالقعدة من سنة (١٣٤٥ ه‍) ، وكان له ولده الشّهم عليّ ، توفّي قبله في رمضان من تلك السّنة ، فأوصى بنصيبه لأولاده ، ومنهم : قرّة العين ، الولد عبد الرّحمن بن عليّ بلفقيه. وما اشتدّ حزني على أحد مات بتريم ـ بعد مشايخي فيها ـ مثله على السّيّد الجليل عمر بن عيدروس ، والأخ الفاضل عبد الله بن عمر الشّاطريّ ، والشّهم الأريحيّ الحسن بن عبد الله الكاف ، المتوفّى سنة (١٣٤٦ ه‍).

فقدتهم مثل فقد العين ناظرها

يبكى عليها بها يا طول ذاك بكا (٤)

ثمّ تجدّدت الأحزان لفقد الأخ عليّ بن حسن المذكور.

فقدناه فقدان الشّباب وليتنا

فديناه من شبّاننا بألوف (٥)

__________________

متفننا ، وله مصنفات عديدة. انظر ترجمته في : «شرح العينية» ، و «بهجة الفؤاد» ، «مناقب آل بلفقيه»

(١) توفي بتريم سنة (١١٨٨ ه‍).

(٢) له مناقب حسنة وسيرة مستحسنة ، ينظر للتوسع : «تاج الأعراس» ، «تحفة المستفيد» ، «شمس الظهيرة» ، وغيرها.

(٣) الفناء : ساحة الدّار ، والتعبير بعمار الفناء : كناية عن الكرم وكثرة الزّوّار.

(٤) البيت من البسيط ، وهو للشريف الرضي في «ديوانه» (٢ / ١٠٦).

(٥) البيت من الطّويل.


إلّا أنه سلّى عن مصابه نجابة ولده عبد الرحمن المذكور ، وقيامه بمثل ما قام أبوه.

وإن يلحق أباه علا ومجدا

فهذي النّار من تلك الذّبال (١)

ومنهم : الأخ زين بن حسن بن محمّد بلفقيه (٢) ، حسن المحاضرة ، مليح المحاورة ، جميل الشّارة ، لطيف الإشارة. وقد ورد السّواحل الإفريقيّة سنة (١٣٦٤ ه‍) وكان له بها جاه أكبر ممّا يؤمّل ، وانطلقت لسانه فيها بالوعظ والتّذكير ، وكان له هناك جاه كبير. ويقال : إنّه انتفع به خلق كثير.

ومن قرى الكسر : العدان ، وهو في شرقيّ قعوضة ، كان السّكن العامّ لآل عامر الروضانيّين أجمعين ، ثمّ تفرّقوا في قرى الكسر ، واختطّ بعضهم المنازل ، ويحكى أنّ الشّيخ سعدا السّوينيّ أشار بفراسته إلى بعض أحوالهم من قصيدة يقول فيها :

بين آل عامر كلّ يوم بلوى

حول العدان منّه وعلوى

وقد جاء ذكر العدان في شعر عمران بن حطّان ، حيث يقول [من الوافر] :

نزلنا في بني سعد بن زيد

وفي عكّ وعامر عوبثان

وفي لخم وفي أدد بن عمرو

وفي بكر وحيّ ابن العدان

وما أدري ، أهو هذا كما يتوهّم من ذكر عوبثان ، أم غيره؟ كلّ محتمل.

وكان عمران كثير التّنقّل في القبائل بعد ما أطرده الحجّاج.

وقال يزيد بن الصعق [من الوافر] :

جلبنا الخيل من تثليث حتّى

وردن على أوارة فالعدان

ومنها العادية : لآل عيفان.

__________________

(١) البيت من الوافر وهو للشريف الرضي في «ديوانه» (٢ / ١٧٧).

(٢) ولد السيد زين بن حسن بتريم سنة (١٣٠٦ ه‍) ، وتوفي سنة (١٣٨٤ ه‍) ، كان عالما فقيها ، أديبا شاعرا جوّالا ، له مدائح في عدد من شيوخه ، ولا سيما الحبيب عمر بن سميط. ينظر : «رحلة تلبية الصوت» للحبيب عمر بن سميط.


ومنها السّلهبي : لابن الطّيير ، عبد الله بن أحمد بن عبود ، رجل شجاع ، حتّى لقد خطب امرأة فمنعها ، وفي ليلة البناء بها على الخطيب الآخر .. حضر السّمر ، وفي أثنائه أثار ضجّة قتل في أثنائها العريس وجماعة معه كانوا في حوش مغلق ، ثمّ تسوّر جداره وهرب ولم يصبه كلم ، وهو حيّ يرزق إلى الآن.

ثمّ : عرض آل حويل (١) ، ومن أخبار آل حويل الأخيرة : أنّ أحد آل بحرق من سيئون ادّعى على أحدهم بقطعة أرض لوقفهم ، فلم يثبت لهم بحجّة شرعيّة ، ولكنّه أرضى عامل القعيطيّ هناك فأوقفه عن أخذ شيء منها ، فأشار إلى امراته تأخذ من زرعها ، فضربها النّائب بعصاه ، فلم يكن منه إلّا أن خرج ببندقيّته في إثر النّائب ، فأرداه وهرب ، وهو اليوم بجاوة بارك الله فيه.

ثمّ : فريشه ، لصالح بن كليب ، بالهفلا. ثمّ : فنده ، لآل حويل أيضا. ثمّ : السّفوله ، كذلك لآل حويل أيضا. ثمّ : المتنه ، لآل عبري ومنهم الشّيخ عامر بن عبد الله بن عبريّ بن عامر بن عبد الله بن عامر.

وكلّ هذه القرى ـ المتنه فما قبلها ـ واقعة في غربيّ الباطنة فكان من حقّها أن تقدّم عليها في الذّكر.

وادي منوب

له ذكر في «صفة جزيرة العرب» لابن الحائك الهمدانيّ. وهو في جنوب الباطنة ، وأدنى قراه إلى الطّريق الّتي تمرّ في وسط الكسر : المدهر.

وسكّانه : آل نهيد ، وهم من المقاديم. ورئيس المقاديم جميعا لهذا العهد هو : الشّيخ امبارك بن عامر بن نهيد.

وفي جنوب المدهر : ظاهرة آل نهيد.

ثمّ : ظاهرة آل كليب. ثمّ : قرية صغيرة يقال لها : الخرابة ، سكّانها أكرة. ثمّ :

__________________

(١) آل حويل من نهد.


بلاد منوب ، وسكّانها سادة من آل السّقّاف (١) ، وسوقة. ثمّ : طهيف ، وبه روضة لم يذكرها ياقوت.

وقال البكريّ في «معجم ما استعجم» [١ / ٣١٧] : (تفيش ـ بفتح أوّله وكسر ثانيه ـ : قرية من قرى حضرموت ، وهي ومنوب ينزلهما بنو موصل ـ بفتح الميم ـ ابن جمّان بن غسّان بن جذام بن الصّدف بن مرتع بن معاوية بن كندة) اه

ولا يعرف الآن موضع بهذا الاسم بتلك النواحي وإنّما هناك قريتان يقال لكلّ منها : الفشلة ، إحداهما في عرض آل مخاشن ، والثّانية في وادي منوب ، شرقيّ قرية منوب. فيظهر أنّ إحداهما المرادة ، ثمّ سألت الخبراء من أهل ذلك الطّرف فقالوا : ينهر إلى منوب خمسة أودية ؛ أحدها الرّئيسيّ وهو الأوسط : وادي منوب ، وفي غربيّه واديان يقال لأحدهما : العلب ، والثّاني : عيفر ، وفي شرقيّه واديان ، يقال لأحدهما : تريم ، ولعله مصحّف عن تفيش ، فيكون هو المقصود ، والثاني يقال له : الدّليك.

ومن وراء الباطنة إلى شرق : ضبعان.

ثمّ : الفرط ، كلاهما لبني أرض ، يقال : إنّهم من أصحاب الرّصّاص صاحب مسورة (٢) الّذين يقال لهم : بنير ، فتصحّف الاسم على أهل حضرموت بعد ذلك ، فقالوا : بنو أرض.

ثمّ رأيت الشّيخ عمر بن صالح بن هرهرة سلطان يافع ، الّذي استولى على حضرموت سنة (١١١٧ ه‍) .. يذكر في بعض أخباره مع الإمام ما نصّه : (وأمّا السّلطان أحمد بن عليّ الرّصّاص .. فقد كان أرسل ولده ناصر بن أحمد ومعه بني أرض ، بقدر ستّ مئة مسلّحين بالبنادق) اه

__________________

(١) وبها أيضا : سادة من آل الحامد ابن الشيخ أبي بكر.

(٢) مسورة : مدينة أثرية خاربة في وادي مرخه من أعمال شبوة ، كانت عاصمة للمملكة الأوسانية ، وهي مركز قبيلة آل الرصّاص ، السابق ذكرهم.


فدلّ ذلك على أنّهم يسمّون بني أرض من يوم كانوا ، كما أنّ بعضهم يسمّيهم : بنير ، وربّما كانوا قبيلتين.

ثمّ : ديار بني بكر (١) ، ويسمّونها : بابكر ، ومنهم : المؤرّخ الأديب ، الشّيخ صلاح البكريّ (٢) ، ومع الأسف لم أطّلع إلّا على الجزء الأوّل من «تاريخه» ساعة من نهار ، فلم أعرف ماذا له وماذا عليه (٣) ، وبلغني أنّه الآن بالمكلّا ، وما أظنّه إلّا يحرص على زيارتي ، كما أنّي بالأشواق إلى مثله ، وبي شغف لاستطلاع أخبار النّهضة الحضرميّة الّتي تألّفت آخرا بمصر ؛ فقد وردني من رئيسها الشّيخ الأديب عليّ بن أحمد باكثير كتاب بدرجه منشور عن مقاصدها ، فإذا هي ضخمة جدّا ، شبيهة بمقاصد (الرّابطة العلويّة) ، الّتي عسر بها الولاد ؛ لأنّها ثقيلة ، لا يرجى من المهديّ المنتظر إلّا بعضها!!

وقد جاوبت هذه النّهضة عن كتابها لي بما أكثره التّحذير من عواقب (الرّابطة) ومآل (جمعيّة الدّفاع عن العلويّين) الّتي تألّفت بمصر ، وأمّلت أن يرفرف لواؤها على جميع الشّرفاء بشرق الأرض وغربها ، ولمّا سألنا عنها بعض من وصل حضرموت من أعضائها .. قال : إنّها لا تزيد عن أربعة نفر ، رابعهم رئيسهم (٤) ، ثمّ انقسموا بعد

__________________

(١) بنو بكر هؤلاء .. هم من يافع كما هو المعروف عنهم ، وقد سكنوا مريمه أولا زمن بوطويرق ، ثم انتقلوا إلى سدبه ، ثم توطنوا في الكسر ، ويقال : إن ديار آل بكر الآتي ذكرها بين الغرفة والحوطة تنسب لهم. والله أعلم.

(٢) الأستاذ صلاح عبد القادر البكري اليافعي الحضرمي ، ولد بأندونيسيا سنة (١٣٣١ ه‍) (١٩١٢ م) ، وكانت وفاته بمكة : سنة (١٤١٣ ه‍) (١٩٩٣ م).

له مؤلفات «تتمة الأعلام» (١ / ٢٤٦) ، «إتمام الأعلام» (١٣٤).

(٣) الذي ظهر وبان للكافة بعد أن كتاب «تاريخ البكري» ، وبعد السبر والفحص .. تبين بالدليل أن صلاح البكري لم يكن يعتمد منهج الإنصاف في كتاباته التاريخية ، بل إنه قد يتلاعب بتغيير بعض النصوص ليصل إلى مآرب ونوازع نفسية ، بعيدا عن الأمانة العلمية ، ومن أراد المزيد .. فعليه بكتاب «تاريخ حضرموت» للسيد صالح بن علي الحامد ، صفحة (٣١٨ ـ ٣٢٢) ، فقد أورد مثالا لما ذكرنا بالرجوع إلى المصدر الذي نقل عنه البكري وكيف حرّفه وتلاعب به.

(٤) كان رئيسها السيد : عبد الله بن محمد بن حامد السقاف ، صاحب كتاب «تاريخ الشعراء


ذلك ولم يبق إلّا الرّئيس ومعه واحد فقط ، فذكرت بذلك : (أنّ عبد الملك بن مروان سأل النّميريّ عن ركبه الّذي يقول فيه ، والضّمير فيه عائد إلى زينب بنت يوسف أخت الحجّاج [من الطّويل] :

فلمّا رأت ركب النّميريّ أعرضت

وكنّ من ان يلقينه حذرات

وقال له : ممّ يتألّف ركبك؟ قال : ما هو إلّا أنا ودابّتي) (١).

وربّما لم تكن دابّة كاملة ، وإنّما كانت ثلاثة أرباع أتان ، إذ قيل : إنّها تمشي على ثلاث.

(وأنّ ليلى بنت عروة بن زيد الخيل قالت لأبيها : أرأيت قول أبيك [من الطّويل] :

بني عامر هل تعرفون إذا غدا

أبو مكنف قد شدّ عقد الدّوابر

بجيش تضلّ البلق في حجراته

ترى الأكم منه مسحبا للحوافر (٢)

وجمع كمثل اللّيل مرتجس الوغى

كثير تواليه سريع البوادر (٣)

فهل حضرت هذه الواقعة؟ قال : نعم. قالت : كم كانت خيلكم؟ قال : ثلاثة لا غير ، لي ولعمّك ولجدّك) (٤).

وقال الخثعميّ : قتلت خثعم رجلا من بني سليم بن منصور ، فقالت أخته ترثيه [من الطويل] :

لعمري! وما عمري عليّ بهيّن

لنعم الفتى غادرتم آل خثعما

وكان إذا ما أورد الخيل بيته

إلى جنب أشراج أناخ فألجما

فأرسلها رهوا رعالا كأنّها

جراد زهته ريح نجد فأتهما

__________________

الحضرميين» ، وكان من الأعضاء : السيد علي بن محمد بن يحيى ، والسيد محمد بن أحمد بن سميط ، والسيد علي بن محمد باعبود.

(١) القصّة بنحوها في «الأغاني» (٦ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦).

(٢) البلق : الأفراس الّتي في لونها بياض وسواد ، والبلق للدّوابّ ، والبقع للطّيور. حجراته : نواحيه.

الأكم ـ جمع أكمة ـ وهي : التّلّة.

(٣) مرتجس : يحدث صوتا وجلبة.

(٤) القصة بنحوها في «الأغاني» (١٧ / ٢٥٨).


فقيل لها : كم كانت خيل أخيك؟ فقالت : والله لا أعرف إلا فرسه!!

فعسى أن لا تكون نهضتهم من هذا القبيل ، على أن لا مناسبة بين ما يكبّرونه من مقاصد تلك الجمعيّات عن غير حقيقة ؛ إذ لا غشّ في هذه ، بخلاف تلك ، فالتّنويه بشأنها لا يكون إلّا غشّا في استجلاب المساعدات بظنون ضائعة ، وآمال خائبة ، وهو الوزر العظيم والإفك المبين ، ولقد جاوبت النّهضة بشيء من هذا.

وعندما يزورني الأستاذ صلاح .. سأحفيه السّؤال عنها ، وهل يمكن أن تعلّق عليها الآمال ، أم قد اختنقت مثل أختيها في المشيمة؟

وكان بنو بكر أمراء مريمه إلى أن أجلاهم عنها السّلطان الكثيريّ في سنة (١٢٨٤ ه‍) ، واستولى على أموالهم ، وفيها كثرة ، وقد أسكنهم القعيطيّ في عرض مسرور ، وكأنّها لم ترق لهم ، فابتنوا لهم ديارا في هذا المكان بين الخبّة والفرط.

وسمعت كثيرا من الثّقات يقولون : إنّ بني بكر وبني أرض ليسوا من يافع ، وإنّما هم من آل الرّصّاص.

القطن (١)

هو صقع لا بأس به ، منه ديار بني بكر السّابق ذكرها ، وعاصمته : الرّيّضة (٢).

وهي المسمّاة : حوطة القعيطيّ ، وكان القعيطيّ اشترى أرضا واسعة هناك من السّادة آل عبد الله بن علويّ العيدروس بواسطة أحدهم ـ وأظنّه السّيّد علويّ بن حسين العيدروس ـ فكان الثّمن بخسا ، ولكنّ الدّلالة (٣) كانت وافرة جدّا من القعيطيّ ، فبنى

__________________

(١) القطن : في قلب الوادي ، تقع في ملتقى سيول الأودية الرئيسية كوادي عمد والعين ودوعن ، وتمتد من بروج غربا إلى العنين شرقا ، على شريط ضيق يقع على ضفاف مجرى الوادي ، وسكانها : نهد ويافع ، وبها كان مستقر السلطان الأمير علي بن صلاح القعيطي.

(٢) وهذه غير الريضة التي بجوار السويري بقرب تريم.

(٣) الدّلالة ـ بكسر الدال ـ أي : النقود التي دفعت للدلال (السمسار) لقاء تلك الصفقة.


حوطته هذه في جانبها الجنوبيّ إلى بقايا قرية كانت هناك قديمة.

وهي طيّبة الهواء ، نقيّة التّربة ، يختلف هواؤها عن شبام بكثير في الصّحّة والصّفاء.

ومررت فيها أيّام الأمير صلاح بن محمّد القعيطيّ (١) ، وكان شهما محنّكا ، وقور الرّكن ، غزير الحلم ، مشاركا في العلم والتّاريخ ، مقصودا ، رحب الجانب ، ينصف المظلوم من الظّالم ، وكان له شغل بالحرث ، يحصل منه على إيراد عظيم ينفقه بأسره في نيل المكارم وقرى الضّيفان.

وهو الّذي فتل في الغوارب والذّرى حتّى حمّل ابن عمّه منصّر بن عبد الله ـ لمّا بدؤوا ينافسونه ويضايقونه ـ ما حمّلهم من الحقد والمنافسة على عمّهم السّلطان عوض بن عمر ، وأوقعهم في الثّورة ، ولكنّه لم يجن ثمرة سياسته إلّا خلوّ حضرموت له من وجه منصّر بن عبد الله الّذي كان يضايقه ويتفضّل عليه ، وإلّا .. فقد مات وشيكا في سنة (١٣١٨ ه‍) ـ كما سبق في قيدون ـ عن ولدين.

أحدهما : الأمير محمّد بن صلاح ، مرّت أيّامه في خدمة الجيش الآصفيّ بحيدر آباد الدّكن ، إلى أن مات ، وهو رجل مشكور ؛ إلّا أنّ للفرزدق شاعر الهند المجهول أهاج لاذعة أقذع له فيها غاية الإقذاع.

والثّاني : عليّ بن صلاح (٢) ، رجل نبيه ، تكرّرت ولايته على شبام وعزله عنها ؛

__________________

(١) هو الأمير صلاح بن محمد بن عمر بن عوض القعيطي ، توفي بالقطن سنة (١٣٣٦ ه‍) كما يقول حفيده عبد العزيز بن علي بن صلاح ، وليس كما ذكر المصنف هنا من أنه توفي سنة (١٣١٨ ه‍) ؛ لأن ابنه السلطان علي ولد سنة (١٣١٤ ه‍) وتوفي أبوه وعمره (١٦) سنة تقريبا ينظر كتاب «علي بن صلاح» (٣٦).

(٢) الأمير ـ أو السلطان مجازا ـ علي بن صلاح بن محمد بن عمر القعيطي ، ولد بقرية خريخر قرب الهجرين ، عند أخواله آل بن محفوظ الكنديين ، وتوفي بالريضة سنة (١٣٦٨ ه‍). كتب عن أخباره السياسية وحوادث عصره ابنه الأصغر الأستاذ عبد العزيز بن علي ، وصدر الكتاب عن دار جامعة عدن في سنة (١٩٩٩ م) ، ثم عن دار الساقي لعام (٢٠٠١ م).


لأنّ السّيّد حسين بن حامد كان منحرفا عنه في باطن الأمر ، كلّما ولّاه مديدة .. أبعده.

وصلح حاله أوّلا مع الأمير سالم بن محمّد القعيطيّ نائب السّلطان عمر بن عوض ، ثمّ تغيّر ، وفي الأخير ناب مديدة أقصر من ظمء الحمار بالمكلّا عن السّلطان صالح بن غالب ، ثمّ أقيل ، واشترك بعدها مع الأمير عبيد صالح بن عبدات في حركاته ، ووجدوا عنده كتبا له منه تصرّح بالتّمرّد على الدّولة القعيطيّة ، والنّاس يعلمون أنّ ذلك لم يكن عن عقد ضمير وعزيمة صادقة ، وجدّ في الخلاف ولكن ليقضي حاجة في نفسه من الأمير عبيد صالح ، فحوكم ونفي إلى المكلّا ، ولكن شفع له المرض فسمح له بالرّجوع إلى مسقط رأسه ، لكن لا إلى حصنه الّذي استولت عليه حكومته ، بل إلى دار آخر ؛ لأنّهم صادروه.

وكلّ ذلك دون ما فعله بمربّيه الشّيخ عوض بن سعيد بافضل ، وقصّة ذلك : أنّ عليّ بن محمّد التّويّ أرضى عليّ بن صلاح ، على أن يخطب له بنت الشّيخ عوض ، ولمّا قال له : إنّها مخطوبة للسّيّد عليّ بن حسن بلفقيه .. استعر غضبا وصادر أموال الشّيخ عوض ، صامتها وناطقها ، وأمر عبيده بقتله ، فكبر عليهم ، فأنذروه ، فهرب إلى سيئون ، وولده الشّيخ سالم إلى عدن ، ولم يرجعوا إلى القطن أبدا.

ولأمّ عليّ بن صلاح حديث طريف : ذلك أنّ أحد أقاربها من آل محفوظ خطبها .. فردّوه ، ثمّ تزوّجت آخر فما زال الأوّل يترقّب الفرص حتّى هجم عليه ـ مع اثنين من أصحابه ـ وأطلقوا عليه الرّصاص ، وكانت المرأة خارج الدّار .. فأسرعت إليه ، فلاقاها القتلة فقالوا : ابكي محمّد ، فقالت : سالف القبوله ، وكان معها خنجر فبعجت به بطن الأوّل ثمّ الثّاني ثمّ الثّالث ، ثمّ خفّت إلى والدها تخبره بالحال.

وهذا خبر عظيم لو لا أنّ الّذي أخبرني به ثقة ضابط .. لما كتبته ، ألا وهو الشّيخ سالم بن عوض بافضل ، وذكر أنّ هذا هو رغّب الأمير صلاح بن محمّد فيها ، ولم تكن تصلح إلّا له ، ولم يكن يصلح إلّا لها ، غير أن ابنها لم يكن كما هناك.


واسم هذه المرأة : شيخة ، وقارن بينها وبين فطوم الآتي خبرها في وادي الذّهب ، وسألت بعض شيوخ نهد عن هذا الخبر فكذّبه وقال : إنّما قتل قتلة زوجها إخوانها. والله أعلم.

وبالرّيّضة من القطن جماعة من ذرّيّة السّيّد الصّالح أحمد الهدّار بن هادي بن عليّ بن محسن بن الحسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم (١) ، وناس من آل باهرمز (٢) ، وناس من آل بافضل ، منهم الرّجل السّياسيّ المحنّك الّذي له الضّلع الأقوى في إقامة الدّولة القعيطيّة : الشّيخ عبد الله بن سعيد بافضل ، وكان السّلطان عوض يعدّه أحد أولاده ، بل يعتمد عليه أكثر منهم ، ولا يسمع فيه لأحد كلاما ، وهو أهل لذلك فحولة وذكاء وحسن رأي ، وصدق فراسة ، إلى حسن تواضع ودماثة أخلاق ، فلم تغيّر فخفخة الدّولة شيئا من أخلاقه ، بل بقي على زيّ أهله وأصحابه وعاداتهم ، وله أخبار جزلة كثيرة.

ومنهم : متولّي أنكحتها وأهلّتها ، الشّيخ عليّ بن أحمد بافضل. وجماعة من آل بامطرف الكنديّين ، خلعوا السّلاح ـ كأصحابهم السّابق ذكرهم في غيل باوزير ـ ولبسوا ثياب الصّلاح ، منهم اليوم : محمّد عبيد وإخوانه ، مذكورون بجميل ومعاملة طيّبة ، حتّى لقد بقوا ينفقون على عملائهم الّذين انقطعت صلاتهم من جاوة مع تفارط الأيّام وطول المدّة بنصف ما كانوا يعتادون في أيّام السّعة ، وهذه حسنة غرّاء محجّلة ، لا سيّما إذا قرنتها لما عليه آل سيئون ، فأنا أعرف أحد السّادة بها ، لا يكون عنده اثنان إلّا كان الثّالث وكيله ، الّتي تصل دراهمه من جاوة وسنغافورة عن طريقه ، ويخصم عليه منها خدمة وافرة ، وينتفع بإبقائها تحت يديه ؛ لأنّه لا يأخذ منها إلّا للحاجة تدريجا ، ولا يحاسبه في شيء قطّ ، بل يدع حبله على غاربه ليفعل ما يريد ، وبمجرّد

__________________

(١) ما ذكره المصنف من نسبتهم إلى أحمد الهدار بن هادي بن علي مخالف لما في الشجرة العلوية.

وهناك جماعة من آل الهدار بعينات ينسبون إلى الحبيب هادي بن علي بن محسن بن حسين.

(٢) تقدم ذكر آل باهرمز في هينن ، ومنهم جماعة سيأتون في شبام ، وهم ينتسبون إلى بني شيبة كما في مشجراتهم.


ما انقطعت الأسباب .. تنكّر له تنكّرا فاحشا ، حتّى لقد كاد ينقطع السّلام والكلام ، فلعنة الله تترى على اللّئام!

وبعضهم يزعم أنّ قطنا هو هذا المذكور في قول امرىء القيس [في معلّقته من الطّويل] :

أصاح ترى برقا أريك وميضه

كلمع اليدين في حبيّ مكلّل

يضيء سناه أو مصابيح راهب

أهان السّليط في الذّبال المفتّل

قعدت وأصحابي له بين ضارج

وبين العذيب بعد ما متأمّل

على قطن بالشّيم أيمن صوبه

وأيسره فوق السّتار ويذبل

وقول سحيم بن وثيل الرّياحيّ [من الوافر] :

متى أحلل إلى قطن وزيد

وسلمى تكثر الأصوات دوني

وجاء في (ص ٥٧ ج ٥) من «صبح الأعشى» في ترحيل الطّريق من البصرة إلى عمان (١) أنّها : (تنتهي إلى ساحل هجر ، ثمّ إلى العقير ، ثمّ إلى القطن ، ثمّ إلى السبخة ، ثمّ إلى عمان) اه

وقطن هذا ، وفي الشّعر الماضي بالتّحريك ، وأمّا الّذي نحن فيه .. فساكن الوسط.

ومن قرى القطن وحصونه : دار آل رشيد. ودار آل النّقيب. وساحة الحضارمة (٢)

وحصن آل الزّوع ، وهم من نهد ، ولهم مروءة ، وهم مثل آل شبيب ـ أصحاب غصيص بن يزيد المجلّف ـ من نهد عرما ودهر حسبما يقال. إلّا أنّ منهم واحدا لو امتزج لؤمه بماء النّيل والفرات .. لعاد ملحا أجاجا.

__________________

(١) في «صبح الأعشى» : (عبّادان).

(٢) نسبة إلى آل الحضرمي ، من بيوت يافع.


وساحة آل عليّ الحاجّ (١).

وساحة الجهاورة ، ومنهم الشّيخ يحيى بن قاسم الجهوريّ اليافعيّ ، رجل شهم جزل لا يتقنّع من سوءة ، وله شعر جميل (٢). وكان يكثر الكون في قزة آل البطاطيّ ، أخبرني المنصب أحمد بن حسين العطّاس قال : إنّ جماعة من الصّيعر سرقوا عجلا للعبس من رعيّة العوابثة في وادي العين وذبحوه وحملوا به إلى عند آل باربّاع في سدبة ، وأخبروهم بالحال ، فقالوا لهم : لا ترضون علينا فإنّنا نخاف العوابثة ، فساروا إلى القزة ونزلوا على يحيى بن قاسم هذا ، وأخبروه فآواهم ، ثمّ إنّ العوابثة قدّموا دعوى عند الحاكم النّهديّ على أولئك الصّيعر .. فأنكروا ، فقال لهم النّهديّ : شهودكم؟

فأتوا بآل ربّاع ، فقال لهم : ما عندكم؟ قالوا : ما عندنا إلّا أنّنا سمعنا الكلب ينبح ، ثمّ جاء هؤلاء الصّيعر ومعهم شيء يحملونه لا ندري ما هو ، فقال لهم النّهديّ : ليست هذه بشهادة ، فاستدعوا يحيى بن قاسم وأرسلوا له مطيّة ، فقال : مطيّتي أسرع ، وعندما وصل .. سأله الحاكم عمّا عنده بعد شرح الحال ، فقال له : أشهد بالله أنّ هؤلاء أقرّوا بأنّهم سرقوا جحش العبس الأخضر وذبحوه ، وأروني جلده ورأسه ، وأعطوني ربعه مع الكبد ، ورجلي في القيد وبندقيّتي عدالة إن أنكروا.

فاستجهر الصّيعر هذا الكلام الصّريح ، وهالهم ، فقالوا له : شهادتك مقبولة من الأرض إلى السّماء ، ودفعوا الثّمن.

ولمّا عزم الجهوريّ على النّهوض .. قال له الحاكم : والله لا تخرج إلّا بعد أن تتغدّى ؛ فلقد ذبحت لك كبشا أنت به في شهامتك جدير ، وقال لآل باربّاع : اخرجوا من داري يا مفخطة النّخل ، كتمتوا شهادتكم خوفا من الصّيعر.

وأخبرني بعض ثقات يافع : أنّ يحيى بن قاسم المكنّى بو لحم ـ هذا ـ كان في

__________________

(١) وهم من بيوت يافع العليا.

(٢) تقدم ذكر الشيخ ونموذج من شعره في (قزة آل البطاطي).


سيئون ، ولمّا زالوا .. سكن بنخر عمرو ، قبلي شبام ، ثمّ سار إلى هينن وطرد آل طاهر بن راجح فلجؤوا إلى مصنعة خربة باكرمان في وادي عمد ، وهي مصنعة ، منيعة لا تزال معهم إلى الآن.

ثم إنّ آل سدبة اشتكوا إليه من ظلم البكريّ ، فحاربه ، واستولى على سدبة وذهب البكريّ إلى عندل ، ولا تزال مصنعتها بأيديهم إلى الآن ، ولكنّهم لا يسكنونها ولا يأتون عندل إلا وقت حصاد زروعهم ، وثمار أموالهم بها ، وإنّما يسكنون بالقطن ، وقد مرّ قبيل القطن أنّ آل البكريّ وبني أرض ليسوا من يافع ، وإنّما هم من قبائل الرصّاص. اه

وقوله : (إنّه طرد آل طاهر بن راجح بعد جلائه من سيئون) .. لا يتّفق مع ما سبق قبيل قعوضه : أنّ آل طاهر بن راجح خلّفوا آل كثير على هينن ، وأنّ يافعا طردتهم سنة (١١٤٣ ه‍) ؛ لأنّ جلاء يافع عن سيئون إنّما كان سنة (١٢٦٤ ه‍) ، والتّعدّد بعيد ، وكلام الحبيب عليّ بن حسن هو الأثبت ؛ لأنّ ما يتلقّى من الأفواه يزيد وينقص.

ومن الجهاورة : جابر بن قاسم بن صالح الجهوريّ ، كان من رماة الحدق ، متفوّقا في الرّماية ، يضرب به المثل فيها ، حتّى إنّه ليضع البيضة على رأس عبده ثمّ يطلق الرّصاص عليها من بعد .. فلا يخطىء المكان الّذي يرسمه منها.

وسمعت سيّدي العلّامة حسين بن محمّد الحبشيّ يخبر والدي بنظير ذلك عن بعض العلويّين بالمدينة ، حتّى لقد عزم أحد الأشراف على تأديبهم لأمر جرى منهم ، فخيّم بعسكره في العريض ، ولمّا تناول فنجان القهوة .. قال العلويّ لأصحابه : سأرميه ، قالوا : لا تصيب الشّريف فتعرّضنا للبلاء ، فقال لهم : لا تخافوا ، ثمّ التقط الفنجان ببندقيّته من بين أصابع الشّريف من غير أن يمسّها بسوء ، فأكبر الشّريف هذه المروءة والمهارة ، فانصرف بالقوم.

أمّا قول يحيى : (مسكني حصن الدّويل) .. فمحتمل لأن يكون المراد حصن سيئون أو حصن شبام ؛ إذ كلّ منهما يقال له : حصن الدّويل.


ومن قرى القطن : حصن المداشلة.

وحوطة النّور ، للسّيّد الجليل محمّد بن سقّاف ابن الشّيخ أبي بكر (١) ، وهي عبارة عن دار ومسجد ، وبساتين نخل له هناك ، وقد ألّف بشأنها رسالة سمّاها : «جالب السّرور في تاريخ حوطة النّور» ، وخلفه عليها ولده عبد الله ، وهو رجل شهم غيور ، وله أولاد مباركون.

وفي شرقيّ حوطة النّور بوادي الحبظ ديار آل بالحامض ، لا يزال بها منهم اليوم نحو الأربعين رجلا وهم من نهد.

ومن قرى القطن ديار آل أحمد ، ومنهم : صاحبنا الشّيخ صلاح أحمد الأحمديّ ، رجل كريم ، شريف النّفس ، طويل القامة ، جميل الصّورة ، فاضل الأخلاق ، قويّ العارضة ، له شعر جزل بالطّريقة الدّارجة حتّى إنّ بعضهم ليتّهم ـ كما سيأتي في عرض مسرور ـ أنّه هو الفرزدق الشّاعر المجهول الّذي دوّخ الهند بأهاجيه ، وملأ البلاد دويّا وضجيجا ، وهو الآن يخنق المئة ، ممتّعا بالعقل والحواسّ ، لا حرمنا الله لقاءه في خير ؛ فإنّي كثير الحنين إلى مثله من قدامى الأصحاب والمعارف ، كما قال أبو الطّيّب [في العكبريّ ٤ / ٢٨٤ من الطّويل] :

خلقت ألوفا لو رددت إلى الصّبا

لفارقت شيبي موجع القلب باكيا

وهو من أصحاب شيخنا العلّامة ابن شهاب ، المختصّين به (٢).

والعنين (٣) ، وهو من قدامى بلاد القطن.

__________________

(١) هو الحبيب الفاضل الصالح المؤرخ محمد بن سقاف بن أبي بكر بن أحمد بن سالم بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن سالم بن أحمد بن الحسين ابن الشيخ أبي بكر. مولده بعينات في حدود (١٢٧٧ ه‍) ، ووفاته بالمكلا في حدود (١٣٥٠ ه‍) ، له مؤلفات ممتعة عجيبة مفيدة.

(٢) توفي صلاح الأحمدي بالهند حيدرآباد سنة (١٣٧٤ ه‍) ، عن (١٠٦) سنوات ، وآل الأحمدي من بطون يافع ، ومقرهم جبل لبعوس ، كان الشيخ صلاح شاعرا كبيرا ، وكان له صوت في نقد الأوضاع السياسية والاجتماعية في حضرموت من مقر إقامته بحيدر آباد.

ينظر كتاب السيد حامد المحضار «حياة السيد الزعيم».

(٣) ويسكن العنين جماعة من آل بامطرف ، وآل حسّان الذين نزح جماعة منهم إلى شبام وتوطنوها ،


ثمّ : عقدة آل المصلّي والشّاووش (١). ثمّ : ديار آل سعد.

ثمّ : عرض آل بلعلا ، وسمعت أنّهم من آل بالحارث أهل بيحان ، وهم من المنتسبين ـ كآل الزّوع ـ بالخدمة والولاء إلى السّادة آل خيله (٢) ، وكانوا يأتون إليهم في كلّ سنة فيكرمونهم ، ولكنّهم جاؤوا إليهم مرّة وفي العيش يبس ، فأرادوا مداعبتهم .. فتلقّوهم ، وبعد أن صافحوهم واتّجهوا بهم إلى منازلهم .. همّوا بالارتجاز ، فقال شاعرهم

حيّا بذي السّاده ومن جا سعفهم

يا داخلين العرض في أيّام الصّيوف

العام قد جيتوا ، وجيتوا ذي السّنه

ماشي على العدّان بقعا الّا حفوف

فغضب آل خيله ، وصرفوا أعنّة الدّوابّ ، فأقبل عليهم آل بلعلا يترضّونهم ويعتذرون إليهم .. حتّى رضوا وساروا معهم إلى عرضهم وزادوا على العادة في إكرامهم. وآل بلعلا من كرام القبائل ، يتّصل طارفهم بتليدهم (٣) ، وكان فيهم علماء وشعراء ، أمّا العلم .. فقد انقرض ، وأمّا الشّعراء .. ففيهم إلى الآن ، وفي عرض آل بلعلا ناس من آل السّقّاف ؛ منهم السّيّد صالح بن عبد الله بن عبد الرّحمن.

ثمّ : نقق ، فيه سادة من آل الحبشيّ ، وناس من آل جابر ، ولقد مررت ذات سنة ـ في طريقي إلى المشهد ـ بتلك المنازل في طريقي إلى دوعن .. فإذا أكثر حصون يافع خالية عن الرّجال ، فتذكّرت قول أبي عليّ البصير [في «ديوانه» من الكامل] :

فكأنّما تلك الشّوارع بعض ما

أخلت إياد من البلاد وجرهم

__________________

واشتهروا بصياغة الذهب. ومن سكان العنين : آل وحدين ، بطن من آل شراحيل ، ينسبون لجدهم الشيخ عبد الواحد شراحيل الملقب وحدين ، وقد نزحوا من العنين وتوطنت جماعة منهم بالمكلا ، وجماعة بشبام. ومنهم بيت بغيل أبي وزير ، صاحبه سالم امبارك وحدين ، كان نجارا ماهرا متواضعا حسن الخلق.

(١) العقد ـ جمع عقدة ـ والمراد : عقدة آل المصلي ، وعقدة آل الشاوش ، وكلاهما من ديار يافع ، وظهر من آل المصلي علماء وفقهاء أفاضل ، منهم الشيخ محفوظ بن سعيد المصلّي ، انظر «الفكر والثقافة» (١٨٤). ومنهم جماعات في المهاجر لا سيما السعودية وبلاد الخليج.

(٢) أخوال المؤلف رحمه الله ، وسيأتي ذكرهم في سيئون.

(٣) طارفهم بتليدهم : حديثهم بقديمهم.


كانت معادا للعيون فأصبحت

عظة ومعتبرا لمن يتوسّم (١)

تبكي بظاهر وحشة وكأنّها

إن لم تكن تبكي بعين تسجم

وكأنّ مسجدها المشيد بناؤه

ربع أحال ومنزل مترسّم

وترى الذّراري والنّساء بضيعة

خلف أقام وغاب عنه القيّم

نسأل الله أن يردّ المياه إلى مجاريها ، ويسكن الدّيار ببانيها.

المسحرة

أرض واسعة خصبة ، يحدّها قبليّا : ذبور الباطنه ، ونجديّا : الجبال ومفتك وادي سرّ ، وجنوبا : القطن وقراه ، وشرقيّا : الموزع.

يندفع فيها ما يزيد من مياه عمد ودوعن ووادي العين ، ومتى شربت .. يخصب النّاس ويرغد العيش.

وفي طرفها الجنوبيّ : دار الرّاك ؛ وهي ديار خربة للحكومة القعيطيّة.

ومن وراء دار الرّاك إلى جهة الجنوب : وادي عقران.

وفي شرقيّه : الموزع (٢) ؛ وهو ضمير في عرض مسيال سر ، يردع المياه إلى شبام ومنه تسقى ، وكثيرا ما تضرّه السّيول ، فيتكبّد آل شبام في إعادته خسائر باهظة ، إلّا أنّ عمارته الأخيرة كانت قويّة محكمة فلم يجرفها تيّار السّيول ، وأعان على ذلك أنّهم لم يعلوها كثيرا ، فخفّ عنها فرط الصّدام.

__________________

(١) المعاد : المرجع.

(٢) الموزع ـ بضم الميم وسكون الواو وكسر الزاي ـ هو : بناء كما ذكر المؤلف في عرض وادي سر ، شبيه بالسّد ، إلا أنه لا يحفظ المياه خلفه وإنما يعمل على تصريفها ودفعها بطريقة هندسية محكمة إلى جروب شبام ومزارعها ، وكانت آخر عمارة محكمة له في سنة (١٣٦٤ ه‍) تقريبا ، وكانت تشكلت في شبام لجان من كبار السن وعقال البلاد وحذّاقها للنظر في شؤون هذا الموزع ، لأن عليه اعتمادهم في حفظ مياه الأمطار والسيول والاستفادة منها ، إذ بدونه يفقدون تلك الكميات الهائلة من المياه ، ويخسرون الموسم الزراعي.


ومن وراء الموزع : خشامر ، وهي : قرية آل عليّ جابر اليافعيّين ، وهم قبيلة خشنة.

تنميهم من ذي رعين أسرة

بيض الوجوه إلى المكارم تنتمي (١)

من كلّ أغلب ودّه أنّ ابنه

يوم الحفاظ يموت إن لم يكرم

ولو لم يكن لهم إلّا سالم بن يحيى بن عبد الحبيب بن عليّ جابر ، السّابق ذكر أكرومته في غياض الشّحر .. لأبقى لهم مجدا مخلّدا. ولهم مع الدّولة القعيطيّة حروب ومواقف لم تضرع فيها خدودهم (٢) ، ولم تعثر منها جدودهم (٣).

من ذلك : أنّ الحدّاديين أفسدوا بعض نخل آل عليّ جابر بالقاز ، ومن عاداتهم : أنّ من فعل هذا الفساد لا يخفره أحد ، ولكنّ ناصر محمد الدّهريّ ـ وقت ما كان على شبام من جهة القعيطيّ ـ أعطى ثلاثة من الحدّاديين خفارة بعبد ، فتعرّضهم آل عليّ جابر وقتلوا الثّلاثة وهرب العبد ، فحطّ عليهم ناصر بالمدافع ، ولكنّ السّيّد أبا بكر ابن عبد الله المحضار وأخاه محمّدا كانوا ودّا لآل عليّ جابر ، فكلّموا السّلطان غالب بن عوض فيهم ، فأمر برفع المحطّة.

ومنها : أنّ لآل عليّ جابر كوتا في أرض تسمّى الصباح ، شرقيّ خمور وقبل خميّر ، بعضها عامر وأكثرها غامر ، فادّعاها عليّ بن صلاح في أيّامه للقعيطيّ ، ولمّا جاء الخريف .. قال لأكراته : اذهبوا فعرّشوا فيها ، فطردهم آل عليّ جابر ، فأرسل بجماعة من آل الدّهريّ وطائفة من العبيد ليفعلوا ما قدروا عليه في آل عليّ جابر ، ولكنّ آل عليّ جابر أطلقوا عليهم الرّصاص بمجرّد ما وصلوا ، فسقط خمسة من العبيد مع الباروت وهرب الباقون ، فحطّ عليهم عليّ بن صلاح بالمدافع ثلاثة أشهر بدون نتيجة ، فأشار على بعض آل كثير بالتّوسّط ، فتواضعوا على الهدنة وتفويض الأمر للسّلطان عمر بن عوض ، فأرضى آل عليّ جابر عن الأرض بثلاثة آلاف ريال ،

__________________

(١) البيتان من الكامل ، وهما للبحتريّ في «ديوانه» (١ / ١٤٤) بتغيير بسيط.

(٢) ضرع الخدّ : كناية عن الذّلّ ، وعدمه كناية عن عدمه.

(٣) جدودهم : حظوظهم.


وتحمّل عنهم النّفقات البالغة نحوا من ستّة آلاف ريال ، وأجزل لهم الهدايا ، ورضي عنهم ورضوا عنه ، وخرج هو وإيّاهم خرجته الّتي زار بها داخل حضرموت.

وشيخ آل عليّ جابر الآن : يحيى بن عبد الحميد ، قد خنق من عمره التّسعين ، وهو من بقايا الكرام.

خمور

هي للسّادة آل المحضار (١) ، وآل الحسن من آل الشّيخ أبي بكر بن سالم (٢) ، وكانت لآل هظيل من آل كثير ، فصهر إليهم أحد السّادة آل المحضار. ورزق ولدا ثمّ مات ، وخلفه على امرأته أحد آل الحسن بن الشّيخ ، ورزق ابنا فوهب لهم آل هظيل خمورا ، وقد مرّ للسّيّد أبي بكر بن عبد الله المحضار وولده صالح ذكر في المكلّا.

وفي شمال خمور مكان يقال له : جوجه (٣) ، من ديار بني سعد ، كان يصيّف به

__________________

(١) من ذرية السيد أبي بكر بن الشيخ عمر المحضار بن الشيخ أبي بكر بن سالم ، ومنهم : السيد أبو بكر بن عبد الله المحضار ، وابنه : صالح ، من معاصري المؤلف.

(٢) الذي في شجرة آل باعلوي كما نقل عنها شيخنا الأستاذ الشاطري ، أن السادة آل خمور ، هم من ذرية السيد صالح بن حسن بن الحسين بن الشيخ أبي بكر بن سالم ، وعرفوا بآل خمور ، قال شيخنا العلامة الأستاذ الشاطري رحمه الله : (وإنما لقب كل منهم بخمور ـ بفتح الخاء المعجمة وضم الميم ـ اسم لموضع معروف غربي شبام بجنوبها لأن جدهم ساكن به ، فيقال لكل منهم : خمور كالمعتاد في أمثاله من الاكتفاء بالمضاف إليه ، فلا يقولون ساكن خمور ، بل يقولون خمورا اختصارا) اه «المعجم اللطيف» (٨٦).

(٣) جوجه : منطقة زراعية يسكن في أطرافها جماعة من آل السعدي كما ذكر المؤلف ، وبها أرض واسعة في ملك السادة آل سميط ، أهل شبام ، آل محمد بن زين ، وآل عمر بن زين ، وبها مسجد بناه الإمام الكبير الحبيب محمد بن زين بن سميط ، وإلى جواره بئر عميقة ، وهو داثر الآن ، وإلى جوار المسجد بركة ماء جابية يقال لي : إن الذي بناها هو السيد طاهر بن حسين بن عمر بن محمد بن عمر بن زين بن سميط. أو والده. وفي منتصف الجبل المطل على جوجه يوجد كهف واسع ، قيل : إن السادة آل سميط كانوا يتعبدون فيه ، ولا سيما سيدنا الإمام العابد السجّاد الحبيب عبد الله بن عمر بن سميط.

ويوجد بها الآن خزان ماء يسقي بيوت شبام من بئر ارتوازية حفرت في جوجه. وبها صخور كبار عليها كتابة قديمة ، وبها أشكال غريبة.


سيّدنا الحبيب أحمد بن عمر بن سميط ، ويخترف في بستان نخل له به. وبها جماعة من آل مرزق (١).

ثمّ : السّعيديّة (٢) ، عبارة عن كوت واحد في طرف سحيل آل مهريّ الغربيّ.

وادي سر وقبر نبيّ الله صالح

في شمال الكسر : وادي سر (٣) ، يفصل بينهما جبل لا عرض له ، والظّاهر أنّه محرّف عن الرّسّ ، ومثل ذلك التّحريف واقع بكثرة عند الحضارم وغيرهم. وهو واد واسع ، تصبّ إليه أودية وجبال كثيرة.

وفي سفح الجبل الّذي بأعلاه مكان يقال له : (عسنب) : قبر نبيّ الله صالح عليه السّلام ، والأدلّة على وجوده بحضرموت كثيرة ، منها : قوله جلّ ذكره : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) إذ الخلافة صريحة بوجودهم بديار عاد ، وهي حضرموت غير مدافعة.

__________________

(١) السادة آل مرزق ـ بفتح الميم وسكون الراء وفتح الزاي ـ منتماهم إلى جدهم أحمد الملقب مرزق بن عبد الله وطب بن محمد بن عبد الله المنفّر بن محمد بن عبد الله باعلوي .. إلخ.

وقد سكنوا شباما منذ القرن الحادي عشر أو العاشر .. وظهر فيهم أعلام أكابر ، من أشهرهم السيد العلامة الفقيه القاضي عمر بن حسين مرزق المتوفى بشبام سنة (١٢٦٥ ه‍) تقريبا.

(٢) حصن سعيديّة : حصن حربي قديم ، لعل بناءه يعود إلى أيام الدولة الكثيرية الأولى ، وفي حوادث سنة (١٢٦١ ه‍) أخذ السلطان منصور بن عمر بن عيسى بن بدر حصن السعيدية على الشنافر آل عبد العزيز قهرا ، ثم أخذ منهم في (١٢٦٤ ه‍) ، ثم استولت عليه عساكر يافع في سنة (١٢٧٣ ه‍) ، كما يعلم من «العدة المفيدة» لابن حميد. وسيأتي ذكر آل مهري في السحيل لاحقا.

(٣) وادي سر : مسيال ماء شمال القطن ، يسيل من ريدة الصيعر ، وتذهب مياهه لتروي الأراضي والنخيل ، المحيطة بمدينة شبام.


وقال غير واحد من المؤرّخين ، منهم اليعقوبيّ : (إنّه لمّا هلكت عاد .. صار في ديارهم ثمود) (١).

وفي (ص ٥٩٠ ج ٢) من «شرح النّهج» : (قال المفسّرون : إنّ عادا لمّا هلكت .. عمّرت ثمود بلادها ، وخلفوهم في الأرض).

وفي «التّاج» : (أنّ العرب العاربة ـ وهم : عاد وثمود وأميم وعبيل ... ووبار ـ كلّهم نزلوا الأحقاف وما جاورها).

وقال ياقوت [٣ / ٤٣] : (روي أنّ الرّسّ ديار لطائفة من ثمود).

وقال البغويّ عند تفسير قوله تعالى : (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) (روي عن الضّحّاك أنّ هذه البئر كانت بحضرموت) (٢)

ويتأكّد هذا بما سيأتي في بور وحنظلة بن صفوان عليهما السّلام ، ولا يغبّر على شيء ما صحّ أنّ ثمود بالحجر ؛ لأنّ الموجودين بحضرموت إمّا أن يكونوا نجعوا إليها بعد نجاتهم من العذاب كما فصّل ب «الأصل» ، وإمّا أن يكونوا ضاربين من هناك إلى حضرموت ؛ إذ لا يستنكر ذلك من أمّة عظيمة يملأ خبرها سمع الأرض وبصرها وقد سبق في أخبار حجر القول بأنّ فيها الوادي المشار إليه في قوله جلّ ذكره : (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ)

وأخبرني غير واحد من أهل تلك النّاحية أنّهم لا يقدرون أن يقبروا أحدا في موضع يرى من مكان قبر نبيّ الله صالح عليه السلام ؛ فإن قبروا أحدا من الجهلة أو تركة الصّلاة بحيث يتراءى من موضع قبره عليه السّلام .. لفظته الأرض.

وإنّما يقبرون من وراء جبل يسترهم من مكان ضريحه صّلى الله عليه وعلى نبيّنا وآله وسلّم.

وأكثر وادي سرّ لآل كثير ؛ فهم بغاية الحاجة إلى التّردّد إليه.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٢).

(٢) تفسير البغوي (٣ / ٢٩١).


وفي حدود سنة (١٣٠٧ ه‍) بدا لعبد الحميد بن عليّ جابر أن يبني كوتا في موضع يقال له : (قلات) على طريقهم ، فاشتدّ عليهم الأمر ، وجاء محمّد بن بدر إلى لحمان بن عبد العزيز فقال له : سر وأخبر عائض بن سالمين ، فسار إلى بابكر وأخبر آل عبدات ، فكاتبوا السّلطان وآل كثير ، فلم يجبهم أحد ، فعاد على غبيراء الظّهر فلاقاه لحمان إلى بعض الطّريق ولمّا خبّره بالجليّة .. سبّه وأخذ جمله وركب عليه وهو أرمد إلى عائض ، فكتب للسّلطان ولآل كثير من اللّيلة الثّانية : أن وافوا إلى القارّة ، فجاؤوا بقضّهم وقضيضهم ، وشعر بهم عبد الحميد ، فجاء إلى منصّر بن عبد الله يطلب النّجدة فلم يساعده ، وقال له : نحن نحبّ إخماد الشّرّ وأنت تثيره ، وهجم عائض بمن معه على الكوت وأحرقوه ، وكان فيه تسعة ؛ اثنان من الطّراشمة (١) رمى بهم البارود إلى مكان بعيد فسلموا ؛ وسبعة من العبيد سقط عليهم الكوت فهلكوا.

هذه رواية امبارك بن جعفر القحوم والّذي في «الأصل» غيرها ، والله أعلم.

وادي يبهوض

هو واد واسع عن يمين الدّاخل من الشّرق إلى وادي سر ، إلّا أنّ الجبال الّتي تدفع إلى وادي سر أكثر منه ، وفيه قرى صغيرة.

وبعد أن تسقى الشّراج الّتي فيه .. يفيض ماؤه على : شراج الجواده ، وهي قرية يسكنها ناس من آل حريز ، وهم قبائل من حملة السّلاح ، ينتسبون بالخدمة إلى القطب الحدّاد ، ولهم فيه اعتقاد جميل ، وظنّ حسن.

ومن اللّطائف : أنّ أحد متأخّريهم كان يتّصل بواحد من السّادة آل سميط ، وآخر من السّادة آل العيدروس ، وكان يحبّهما ويواسيهما ، فتنافساه ، وأراد العيدروسيّ أن يستأثر به ، فقال له : إنّ صاحبك السميطيّ ليس بكامل السّيادة ؛ لأنّه لم يكن من ذرّيّة الفقيه المقدّم.

__________________

(١) الطراشمة : هم الذين وظيفتهم صيانة المدفع وضربه.


فعظمت على ابن حريز ، ورأى أنّها منقصة عظيمة ، فانقطع عنه ، فعرف دخلة الأمر .. فتصيّده ، ولمّا اجتمع به .. قال له : ما أخّرك عنّي؟

فقال له : ما أحبّك إلّا على ظنّ كمال سيادتك ، ثمّ تبيّن لي أنّك لست من ذرّيّة الفقيه المقدّم.

فقال له : اسمع ، أمّا أنا والقطب الحدّاد .. فعلى رجل واحد ؛ وهو عمّ الفقيه ، وأمّا العيدروسيّ .. فإنّما هو والجفريّ على رجل واحد.

وكان السّادة آل الجفريّ منحطّين في أنظار العامّة ؛ لاحترافهم بجلب الأبقار والحمير ، فانعكست نتيجة التّدبير ، وكانت الفيصولة بين الحريزيّ والعيدروس.

ولآل شبام وغيرهم أموال كثيرة بيبهوض ، وما يزيد من سيله عن الجواده وما إليها .. يجتمع مع مياه سر.

وفي حوادث سنة (٧٩٤ ه‍) : أنّ آل سويد بن عسّال بنوا قرن بالميص بوادي يبهوض.

عرض مسرور

هو أرض واسعة في جنوب الجبل الشّماليّ عن شبام ، في غربيّها مفتك (١) وادي سر ، وكانت لآل سالم بن زيمة الكثيريّين.

ولمّا استولى السّلطان الكثيريّ على أموال بني بكر بمريمه ، بعد إبعادهم عنها في سنة (١٢٨٤ ه‍) حسبما تقدّم في ذكرهم .. حصل من السّلطان القعيطيّ ردّ فعل ، فطرد آل سالم بن زيمة من عرض مسرور (٢).

وفي جانبه الغربيّ : حويلة آل الشّيخ عليّ ، وفيها آل نهيم ، من المشايخ آل باوزير ، لا يزيد رجالهم بها اليوم عن خمسة عشر ، وآل حويل من آل كثير ، ومن بقاياهم بها الآن نحو خمسة رجال بعائلاتهم.

__________________

(١) أي : مسيل وادي سر.

(٢) كان ذلك في سلخ ذي القعدة (١٢٨٤ ه‍) «العدة» : (٢ / ٢٧١) والحاصل : أنه أسكن كلّا منهم في محل الآخر. وجرت حوادث قبل ذلك في سنة (١٢٧٠ ه‍) «العدة» (٢ / ١٢٣).


وفي شرقيّ حويلة : مصنعة آل سالم بن عليّ وآل عبد الله بن عليّ. وفي جانبه الشّرقيّ : حصون آل الشّيخ أحمد بن عليّ أيضا ، ولا تزال بينهم خماشات ؛ وأمّا آل سالم بن حسين بن يحيى بن هرهرة .. فكانت ديارهم في وسط سيئون ، وكانت لهم رئاسة شهارة بسيئون والسّوق ، وكان سكن رئيسهم ـ بل رئيس آل الظّبي بسيئون : الشّيخ صالح بن سالم الشّرفيّ ـ : حصن الدّويل بسيئون ، ولمّا زالوا عنها .. انتقلوا أوّلا ، ثمّ ابتنوا لهم حصونا (١) بالقطن ، بين آل الفضليّ وآل المصلّي ، وما بها منهم الآن غير الأطفال والنساء ، وأمّا الرّجال ف (بجاوة).

وآل الشّيخ عليّ كلّهم مساعير حرب (٢) ، وأباة ذلّ ، وحماة حقائق ، ينطبق على جدّهم قول أبي تمّام [في «ديوانه» : ١ / ٢٢٩ من الكامل] :

أكفاءهم تلد الرّجال وإنّما

ولد الحتوف أساودا وأسودا

وهذا البيت من البدائع ، وقد تحرّش به الرّضيّ فيما يأتي عنه في حصن العزّ ولهم أخبار كثيرة في «الأصل».

وكان بينهم وبين جدّنا العلّامة الإمام محسن عداء وسوء تفاهم (٣) ، أراد الماس عمر مولى القعيطيّ بدهائه ـ الّذي تتمزّق به سحب المشكلات ـ أن يزيله .. فلم يقدر ، ولو نجح .. لما قامت لآل كثير قائمة قطّ.

وعدد آل الشّيخ عليّ هؤلاء لا يزال قليلا ، لكنّهم كما قال أبو تمّام من القصيدة الأخرى [في «ديوانه» : ١ / ٢٤٤ من البسيط] :

فلّوا ولكنّهم طابوا فأنجدهم

جيش من الصّبر لا يحصى له عدد (٤)

__________________

(١) كان زوالهم من سيئون ونواحيها في ربيع الأول عام (١٢٦٩ ه‍) «العدة» (٢ / ١٠٣).

(٢) مساعير ـ جمع مسعر ـ وهو : الّذي تحرّك به النّار. ومسعار حرب : كناية عن الشّجاع الّذي يؤجّج نار الحرب.

(٣) بدأ الخلاف من سنة (١٢٦٤ ه‍) «العدة» (١ / ٤٣٩ ـ ٤٤٢ ـ ٤٥١).

(٤) فلّوا : هربوا ، وليس المقصود هنا هروبهم حقيقة ، بل المقصود أنّهم انهزموا قليلا بحيث لو كان هذا الانهزام بغيرهم فلّ وهرب ، ولكنهم طابت أنفسهم بالموت ، وصبّروا أنفسهم .. فربحوا.


إذا رأوا للمنايا عارضا .. لبسوا

من اليقين دروعا ما لها زرد (١)

نأوا عن المصرخ الأدنى فليس لهم

إلّا السّيوف على أعدائهم مدد (٢)

ومن أخبار آل سالم بن عليّ ـ وهم صالح بن سالم وحسين بن سالم ، وعليّ بن سالم ـ أنّ أحد آل جوفان في حدود سنة (١٣٣٠ ه‍) كان يمشي بحمل من الحطب ، ومعه عبد صغير لآل الشّيخ المشار إليهم ، فلقيه بعض الغرباء من يافع ، وكان يطلبه بثأر .. فأرداه ، فسار العبد يقود بعير الجوفانيّ ، وأخبر مولاه الشّيخ حسين بن سالم بن عليّ ، فجمع أولاده وقال لهم : أمّكم طالق بالثّلاث إن لم تبيّضوا وجهي اليوم ولم أقتل أحدا منكم غدا.

فخفّوا إلى شبام ـ وعليها الشّيخ يحيى بن عبد الحميد بن عليّ جابر نائبا من جهة السّلطان غالب بن عوض ـ وحالا طلعوا إلى الحصن ، وأغلقوا الأبواب ، وقالوا للشّيخ : إمّا أن تسلّم لنا القاتل ، وإلّا .. تقاسمنا الموت في هذا المنزل حتّى لا يسلم إلّا من عصمه الأجل.

ولمّا عرف أنّ الأمر جدّ .. تخلّص من فناء النّفوس الكثيرة بتسليمه ، وما كادوا ينفصلون به عن شبام حتّى ذبحوه ، غير أنّ السّلطان غالبا تميّز من الغيظ على يحيى ولم يولّه عملا بعدها ، وقد تمكّن منه ، ولو لا أنّه جبل على العفو وكلّمه النّاس .. لقطّعه إربا إربا ؛ لأنّه كان قدر عليه ؛ لأنّه لو لم يرض .. لم يقدر آل الشّيخ على ما فعلوا ، ففي القضيّة ضمير تقديره : أنّ آل الشّيخ عليّ أرضوا آل عليّ جابر ، وإلّا .. فما كانوا ليؤخذوا ضغطة ، وإنّما أشاعوا ما سبق للتّغطية ، وإلى ذلك يشير شاعر الهند المجهول الملقّب بالفرزدق :

يا بن علي جابر تحيّل

ما الجماعه للنقود

__________________

(١) العارض : السّحاب المعترض في السّماء وكأنّه يبشّر بهطول المطر ، وهو هنا على الاستعارة ؛ أي : إذا رأوا بوادر وعوارض الموت .. فرحوا بذلك وثبتوا بشكل غريب ، وهو أنّهم يثبتون ويقاتلون بدروع ليس لها زرد ؛ أي : حلق. والله أعلم.

(٢) المصرخ : المغيث.


ضحك عليهم قد حشمتوهم

وسرحوا بالبرود

وقد اختلف في هذا الشّاعر ؛ فقيل : إنّه العلّامة ابن شهاب ، وقيل : إنّه الأمير حسين بن عبد الله القعيطيّ ، وقيل : إنّه الشّيخ صلاح أحمد لحمديّ ، وقيل : إنّه عبد القويّ بن سعيد بن عليّ الحاج.

وأمّا آل أحمد بن عليّ (١) : فيرأسهم الشّيخ عليّ بن أحمد ، صاحب الدّار الّتي بجانب سدّة سيئون القبليّة ، وكان موجودا في سنة (١٣٢٨ ه‍) ، ثمّ أصابته رصاصة غرب من آل سالم بن عليّ ، كان فيها حتفه.

واتفّق أن كان عندهم يوم قتله رجل شرّير من آل عليّ جابر يثير لأصحابه الفتن ، فزعم أنّ قتله وهو عندهم يخفر ذمّته ؛ فأشار الشّيخ يحيى بن عبد الحميد بقتله ، وكان له ابن غائب ، فقدم حتّى ختل يوما عبد الله بن عبد الحميد فأطلق عليه الرّصاص مع خروجه لصلاة الصّبح ، ولكنّ آل عليّ جابر قتلوه في الحال ، وما شيّعوهما إلّا معا.

ولعبد الله بن عبد الحميد هذا شذوذ ، حتّى إنّه نزل مرة على الشّيخ محمّد بن عليّ بن عبود في باندوم ، ولمّا شرعوا في راتب الحدّاد .. قال الشيخ عبد الله بن عبد الحميد : هذا بدعة. فقال الشّيخ محمّد بن عليّ : لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. إلخ .. بدعة!! وطرده.

والشّيخ عليّ بن أحمد هو والد الشّيخ عبد القادر بن عليّ ، الّذي أقام دهرا طويلا على إمارة شبام بالنّيابة عن السّلطان غالب بن عوض ، وكان حسن الأخلاق موطّأ الأكناف ، محبوبا عند النّاس (٢).

__________________

(١) وهم أصحاب المصنعة المقدم ذكرها.

(٢) آل الشيخ علي هرهرة ، من قبائل يافع العليا ، ينسبون لجدهم الأعلى الشيخ علي هرهرة ، الذي نصب سنة (٩٩٢ ه‍) ليكون مرشدا دينيا على بلاد يافع ، وخلفه ابنه أحمد ، فصالح ابن أحمد الذي تسلم زمام قيادة قبائل يافع ، وأعلن تغيير اللقب من شيخ إلى سلطان ، واستمر إلى سنة (١١١٧ ه‍) ، وخلفه ابنه ناصر الذي امتد حكمه إلى الشحر وخلفه أخوه السلطان عمر بن صالح الذي مر ذكر بعض أخباره ورحلته سابقا. ولما مات السلطان عمر .. انقسمت يافع ، ولم تزل زعامة آل هرهرة قائمة إلى عام (١٩٦٧ م) ، وكان آخر السلاطين هو الشيخ فضل بن محمد هرهرة. «المقحفي».


نخر عمرو (١)

هو مكان في غربيّ شبام على ساعة ، يسكنه الجهاورة من يافع أصحاب الشّيخ يحيى بن قاسم السابق ذكره ، وهم خوّاضو غمرات ، وحتوف أقران. وكان على رئاستهم عليّ بن عبد الكريم الجهوريّ.

وكانت لآل النّقيب (٢) دولة بشبام ، فضرب أحدهم مسكينا من مساكين نخر عمرو فاشتكى إلى عليّ عبد الكريم ، فأكنّها في نفسه ، حتّى سمع بعض التّعيير من الشّعراء والسّماسرة ، فحمل أصحابه على أن يتسوّروا سور شبام باللّيل ، فكمنوا تحت الجامع حتّى أقبل عليهم اثنان من آل النّقيب فقتلوهما ، ثمّ التحم الحرب ، وقتل اثنان من الجهاورة وآخران من آل النّقيب ، ثمّ خفّ الجيران (٣) لإيقاف الحرب ، وأوّل من وصل : صالح بن عبد الحبيب بن عليّ جابر في حشد من أصحابه ، فحجز بين الفريقين ، وعقد بينهم هدنة لمدّة ما يجهّزون قتلاهم ، وفي أثنائها .. وصلتهم الذّبائح من النّقيب للجهاورة إلى الدّار الّذي هم فيه بشبام ، وهكذا كانت بنو مالك.

إذا افترقوا عن وقعة جمعتهم

لأخرى دماء ما يطلّ نجيعها (٤)

تذمّ الفتاة الرّود شيمة بعلها

إذا بات دون الثّأر وهو ضجيعها (٥)

تقتّل من وتر أعزّ نفوسها

عليها بأيد ما تكاد تطيعها

إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها

تذكّرت القربى ففاضت دموعها

ولا عيب إلّا أنّ حلم حليمها

يسفّه في شرّ جناه خليعها

__________________

(١) لفظة (النّخر) بضم فسكون ، تكررت في بعض مناطق حضرموت .. فهناك : نخر عيقون. في غيل بن يمين ، ونخر كعدة قرب تريم ، وهذا ، ونخر عينات وغيرها ويطلق على المحلة المقامة جوار الأرض التي نخرتها السيول.

(٢) آل النقيب من بطون يافع ، وكانت سيطرتهم في السابق على تريس ، ثم سكن منهم جماعة شباما ، ثم جلوا عنها ، وتقدم ذكر عقدتهم في القطن.

(٣) خفّ الجيران : أسرعوا.

(٤) الأبيات من الطّويل ، وهي للبحتريّ في «ديوانه» (١ / ٩ ـ ١١). يطلّ : يهدر. نجيعها : دمها.

(٥) الرّود : الفتاة الجميلة الحسنة الشّابة ، وهي مسهّلة من : الرّؤود.


والبيت الأوّل شبيه بقول عبد الله بن الحرّ [من الطّويل] :

إذا خرجوا من غمرة رجعوا لها

بأسيافهم والّطعن حتّى تفرّجا

وهو من قصيدة قالها وهو في حبس مصعب بن الزّبير.

لقد كانت يافع على أحسن ما كانت العرب عليه من الوفاء بالذّمم ، وصدق الكلم ، وبعد الهمم ، إلّا أنّهم بالآخرة بغوا وتكبّروا ، وكثر من سفهائهم الظّلم ، والجور والفساد ، وما أحسن قول أبي تمّام [في «ديوانه» : ٢ / ٩٨ من البسيط] :

لا تجعلوا البغي ظهرا إنّه جمل

من القطيعة يرعى وادي النّقم (١)

نظرت في السّير اللّاتي خلت فإذا

أيّامه أكلت باكورة الأمم

أفنى جديسا وطسما كلّها وسطا

بالأنجم الزّهر من عاد ومن إرم

أردى كليبا وهمّاما وهاج به

يوم الذّنائب والتّحلاق للّمم (٢)

يا عثرة ما وقيتم شرّ مصرعها

وزلّة الرّأي تنسي زلّة القدم

__________________

(١) الظّهر : ما يركب فوقه ويحمّل عليه الأمتعة من الحيوانات. والمعنى : لا تبغوا وتجعلوا البغي كالجمل الّذي تحمّلون عليه متاعكم ؛ لأنّه كالجمل غير الذّلول ، وربّما أكل صاحبه.

(٢) كليب : هو كليب وائل ، أخو المهلهل (الزّير سالم) ، وهو الّذي كانت تضرب الأمثال بعزّته.

همّام : هو ابن مرّة من بكر ، وهو الّذي طلب التغلبيّون أن يقتلوه بكليب الّذي قتله جسّاس بن مرّة.

يوم الذّنائب : يوم ظفر فيه بنو تغلب على بني بكر. تحلاق اللّمم : هو اليوم الّذي ظفر فيه الحارث بن عباد على بني تغلب ؛ من أجل أنّ الزّير سالم (المهلهل) قتل بجير بن الحارث هذا.

مع العلم أنّ الحارث بن عباد كان من حكماء العرب ، وقد اعتزل حرب البسوس من أوّلها ، وقال : (لا ناقة لي فيها ولا جمل) فغدا كلامه مثلا.

ثمّ لمّا أكثر المهلهل وأسرف في القتل .. جاءت وفود العرب إلى الحارث هذا ، وطلبوا منه أن يكلّم المهلهل في ذلك .. فأرسل ابنه رسولا للمهلهل في كتاب ، وقال في آخر الكتاب : (وإن لم يكن قلبك قد اشتفى بقتلك من قتلت .. فاقتل ابني بجيرا بكليب ، وأنه الحرب ، وتكون قد قتلت ملكا بملك) .. فثار عند ذلك غضب المهلهل ، وطعن بجيرا في بطنه وقال : (بؤ .. بشسع نعل كليب).

ولمّا بلغ الحارث بن عباد هذا الكلام .. طار لبّه ، وفقد رشده ، وثار ونادى بالحرب ، وارتجل قصيدته المشهورة ، الّتي كرّر فيها قوله : (قرّبا مربط النّعامة منّي) أكثر من خمسين مرّة ، والنّعامة : اسم فرسه ، فجاؤوه بها ، فجزّ ناصيتها ، وقطع ذنبها ـ وهو أوّل من فعل ذلك من العرب فاتّخذ سنّة عند إرادة الأخذ بالثّأر ـ وأمر جميع من معه بأن يحلقوا لممهم ـ ومن هنا سمّيت المعركة هذه باسم :


شبام (١)

قال ياقوت : (وشبام حضرموت (٢) : إحدى مدينتيها ، والأخرى تريم.

قال عمارة اليمنيّ : وكان حسين بن سلامة ـ وهو عبد نوبيّ (٣) وزر لأبي الجيش بن زياد صاحب اليمن ـ أنشأ الجوامع الكبار ، والمنائر الطّوال من حضرموت إلى مكّة ،

__________________

تحلاق اللّمم ـ وثار على قوم المهلهل بني تغلب ، وقتل منهم الكثير ، وانتصر عليهم ، وأسر المهلهل ، فجزّ ناصيته وأطلقه ، وأقسم أن لا يكفّ عن تغلب حتّى تكلّمه الأرض فيهم ، فأدخلوا رجلا في سرب تحت الأرض ، ومرّ به الحارث ، فأنشد الرّجل :

أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا

حنانيك بعض الشّرّ أهون من بعض

فقيل : برّ القسم ، واصطلحت بكر وتغلب. والله أعلم.

(١) شبام : درة وادي حضرموت ، وتاج سريره ، ولم يزل يزهو بها وبرجالها ، وكما قيل كثرة الأسماء تدل على شرف المسمّى فإن لشبام أسماء عديدة تعرف بها في الجهة ، وبعضها قديم ، فمنها : شبام ، العالية ، الصفراء ، أم الجهة ، الزرافة ـ لعلوّها ـ ، بيحم ، الدمنة.

وهي الآن مصنفة ضمن أقدم بلدان العالم ، وتقوم منظمة اليونسكو العالمية برعايتها وترميمها ، وتصرف أموالا ضخمة لحماية مبانيها ، وللمنظمة المذكورة مكتب دائم بالحصن الشرقي بشبام.

وطالما كتب الرحالون العرب ، بل والأجانب عنها ، وسموها ناطحات السحاب ، بل هي أقدم ناطحات سحاب في العالم ؛ لعلو مبانيها ، ويسميها بعض الرحّالة الغربيين : مانهاتن الصحراء ، على اسم مدينة أمريكية معروفة بعلو مبانيها ، ولكن مباني شبام علت برجالها وقومها الصالحين ، أما تلك فعلوّها بأموال الربا ، وشتّان ما بينهما.

(٢) شبام حضرموت : أي الموجودة في حضرموت وليس المقصود أن اسمها كذلك والإضافة هنا للتبيين ؛ أي : لتبيينها عن غيرها ؛ إذ قال ياقوت قبل ذلك : (وحدثني بعض من يوثق بروايته من أهل شبام : أن في اليمن أربعة مواضع اسمها شبام :

شبام كوكبان : غربي صنعاء ، وبينهما يوم ... ومنها كان هذا المخبر.

شبام سخيم : بالخاء المعجمة والتصغير ، قبلي صنعاء بشرق ، بينه وبين صنعاء نحو ثلاثة فراسخ.

شبام حراز : بتقديم الراء على الزاي وحاء مهملة ، وهو غربي صنعاء نحو الجنوب ، وبينهما مسيرة يومين.

شبام حضرموت : ....) وهي التي ذكرها المؤلف رحمه الله ؛ وقد تسمّى شبام سخيم بشبام الغراس ؛ لقربها من مدينة الغراس.

(٣) النّوبة : جيل من السّودان ، الواحد منهم : نوبي.


وطول المسافة الّتي بنى فيها ستّون يوما ، وحفر الآبار المروية ، والقلب (١) العاديّة ، فأوّلها شبام وتريم مدينتا حضرموت ، واتّصلت عمارة الجوامع منها إلى عدن عشرون مرحلة (٢) ، في كلّ مرحلة جامع ومئذنة وبئر) اه (٣)

وقد سبق في شبوة ما لاحظناه على ابن الحائك في تسميتها (٤) ، وفي «روضة الألباب» للشّريف أبي علامة اليمانيّ : أنّ تريما وشباما وسنا .. هم بنو السّكون بن الأشرس بن كندة. وفيها ـ أيضا ـ : أنّ تريما والأسنى بحضرموت.

وأكثر النّاس على أنّ شباما لقب عبد الله بن أسعد بن جشم بن حاشد بن جشم بن حيران (٥) بن نوف بن همدان ، وبهذه القبيلة سمّيت المدينة اليمانيّة الواقعة في قضاء كوكبان ، وبها أيضا سمّيت القلعة الواقعة بقمّة الجبل الخشام ، المسمّى باسمها أيضا ، وهو واقع في قضاء حراز ما بين الحديدة وصنعاء ، وقد نزل بعض تلك القبيلة بحضرموت ، وسكنوا شباما فسمّيت بهم أيضا (٦) ، وبه يتأكّد أنّ أهل شبام وأهل قارة آل عبد العزيز من نهد همدان ، لا من نهد قضاعة.

أمّا حنظلة بن عبد الله الشّباميّ الّذي قتل مع الحسين عليه السّلام .. فيحتمل أنّه من شبام حضرموت ، ويحتمل أنّه من شبام اليمن (٧).

ومن العجب أنّ صاحب «التّاج» قال في مادّة (كثر) : (وآل باكثير ـ كأمير ـ : قبيلة بحضرموت ، فيهم محدّثون ، منهم : الإمام المحدّث المعمّر عبد المعطي بن

__________________

(١) القلب : الآبار ، جمع قليب. والعادية نسبة إلى قوم عاد ، فلعلها كانت هناك قلب قديمة طمرتها السيول والرمال فأعادها واستخرجها الحسين بن سلامة.

(٢) المرحلة : المسافة الّتي يقطعها السّائر في نحو يوم وليلة.

(٣) معجم البلدان (٣ / ٣١٨).

(٤) من قوله : إن الأصل في شبام : شباه ؛ لأن أهل شبوة هم أول من سكنوها ، ثم أبدلت الهاء ميما!!.

(٥) في نسخة : (خيران) بالخاء المعجمة.

(٦) وهناك قول آخر وهو : إنما سميت باسم بانيها الحميري شبام بن الحارث بن حضرموت الأصغر بن سبأ الأصغر بن كعب بن سهل بن زيد الجمهور المنتهي إلى سبأ الأكبر بن قحطان. ينظر : «معجم البلدان والقبائل» (١ / ٨٤٥) ، «تعريفات تاريخية» (ص ٢٣).

(٧) هو من شبام كوكبان لا شبام حضرموت ، كما يعلم من عبارة ياقوت في «البلدان» (٣ / ٣١٨).


حسن بن عبد الله باكثير الحضرميّ (١) ، المتوفّى ب (أحمدآباد) ، ولد سنة (٩٠٥ ه‍) وتوفّي سنة (٩٨٩ ه‍) ، أجازه شيخ الإسلام زكريّا ، وعنه أخذ عبد القادر بن شيخ بالإجازة.

ومنهم : عبد الله بن أحمد بن محمّد بن عمر باكثير الشّباميّ (٢) ، ممّن أخذ عن البخاريّ) اه

ووجود اسم عمر في عمود هذا النّسب ممّا يتأكّد به ما قرّرته في قول شيخنا المشهور ، وشيخه أحمد الجنيد ـ : إنّ العلويّين كانوا يجتنبون اسم أبي بكر وعمر ؛ لأنّ أهل حضرموت شيعة ـ من تخصيص التّشيّع بالعلويّين ومن على شاكلتهم.

وإنّي بتمعّني العموم ، وأكثر أهل حضرموت إذ ذاك إباضيّة ، وقد راجعت «تهذيب التّهذيب» للحافظ ابن حجر فلم أر لعبد الله بن أحمد هذا ذكرا ، ولكن .. من حفظ حجّة على من لم يحفظ.

ولكنّي تبيّنت بعد ـ كما يأتي في تريس ـ أنّ البخاريّ في «التّاج» ليس إلّا محرّفا تحريفا مطبعيا عن السّخاوي ، فقد جاء في «الضّوء اللّامع» له ذكر : عبد الله بن أحمد هذا وأنّه أخذ عنه ، ويتأكّد بتأخير «التّاج» له عن عبد المعطي ، ولو كان قديما .. لقدّمه عليه.

أمّا عبد الجبّار بن العبّاس الهمدانيّ الشّباميّ (٣) ، المحتمل النّسبة إلى شبام هذه وإلى غيرها .. فقد أخرج له التّرمذيّ وأبو داود في (القدر) ، والبخاريّ في «الأدب المفرد»

وفي شبام جماعة كثيرة من آل باكثير ، منهم : الشّيخ عبد الله بن صالح بن أحمد بن عبد الله بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن سلمة باكثير ، ترجم له السّيّد محمّد بن زين بن سميط في كتابه : «غاية القصد والمراد» ، وكان من خواصّ القطب

__________________

(١) ترجمته في «النور السافر» حوادث سنة (٩٨٩ ه‍) ، و «البنان المشير» (٣٥ ـ ٣٩).

(٢) توفي الشيخ عبد الله هذا سنة (٩٢٥ ه‍) بمكة ، وكان مولده سنة (٨٤٦ ه‍).

(٣) إنما هو من شبام كوكبان ، كما في «التهذيب» في ترجمته : وشبام جبل باليمن اه


الحدّاد ، وله منه مكاتبات كثيرة ، توجد في «مجموعها» ، توفّي بشبام.

ومن «تاريخ باشراحيل» أنّه : (وقع وباء شديد في سنة «٧٨٤ ه‍» ، مات منه خلق كثير بشبام ، كان منهم : الشّيخ محمّد بن عبد الله باجمّال ، والشّيخ عبد الرّحمن ابن عبد الله باعبّاد ، والشّيخ عبد الله ابن الفقيه محمّد بن أبي بكر عبّاد ، والفقيه عمر بن عبد الله بامهرة (١) ، والفقيه أحمد بن أبي بكر حفص ، والفقيه ابن مزروع ، ودام ذلك الوباء نحوا من أربعة أشهر .. ثمّ زال) اه

ومن هذه السّياقة .. تعرف ما كانت عليه شبام من الثّروة العلميّة.

ومن فقهاء شبام وعلمائها (٢) : الشّيخ محمّد بن أبي بكر عبّاد (٣) ، كان الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف يقصده من تريم إلى شبام للقراءة عليه.

وفي الحكاية (٣٠٨) من «الجوهر» [٢ / ٥٨] : عن محمّد بن أبي سلمة باكثير قال : (صعدت مع بعض آل باوزير إلى شبام ، فبينما نحن عند العارف بالله محمّد بن أبي بكر عبّاد ـ وهو في آخر عمره ـ إذ جاء الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف ، فأجلّه واحترمه ، وأخذا يتذاكران من الضّحى إلى الاصفرار ، لا يرفعان مجلسهما إلّا للضّروريّات ، وكان الفقيه باعبّاد شيخ السّقّاف ، ولكنّه يحترمه) اه بمعناه.

وفي سنة (٧٥٢ ه‍) قدم الشّيخ يحيى بن أبي بكر بن عبد القويّ التّونسيّ إلى شبام في رجب ، وسافر في رمضان من تلك السّنة ، وقد ترجمه الطّيّب بامخرمة ، وذكرت في «الأصل» أنّ قدومه إلى حضرموت كان في سنة (٧٧٢ ه‍) بناء على ما وجد بخطّ سيّدنا الأستاذ الأبرّ ، لكنّ الّذي في «سفينة البضائع» للحبيب عليّ بن حسن العطّاس

__________________

(١) كان من كبار فقهاء عصره ، وله ذكر في «مجموع بن طه الفقهي» وغيره.

(٢) ومن أجل علماء شبام الحافظ المحدث الرحالة المسند الإمام أبو نزار ربيعة بن الحسن الشبامي ثم الصنعاني ، مولده بشبام حضرموت سنة (٥٢٥ ه‍) ، ووفاته بمصر القاهرة سنة (٦٠٩ ه‍) ، أخذ عن كبار حفاظ عصره ، ورحل إلى أصبهان وهمذان والعراق والشام والحرمين ومصر. له ترجمة في : «تذكرة الحفاظ» ، و «سير النبلاء» للذهبي ، و «التكملة لوفيات النقلة» للمنذري.

(٣) الشيخ الإمام الكبير ، وفاته بشبام سنة (٨٠١ ه‍) ، وتمام نسبه محمد بن أبي بكر بن عمر بن محمد باعباد ، وعم أبيه هو الشيخ الكبير عبد الله بن محمد الملقب بالقديم باعباد.


و «عقود اللآل» لسيّدي الأستاذ الأبر : أنّ قدومه لم يكن إلّا سنة (٧٥٢ ه‍) ، وتكرّر عنه أخذ الشّيخ محمّد بن أبي بكر عبّاد.

ونقل الطّيّب أنّه وقع موت كثير بحضرموت أوائل سنة (٩٣٠ ه‍) ، وفيها توفّي الفقيه شجاع الدّين عمر بن عقيل بلربيعة ، وعبد الله بن عمر باعقبة ، وأخوه أحمد بن عمر باعقبة ، وعمر بن أبي بكر باذيب في نحو أربع مئة جنازة من شبام وحدها.

وكان الشّيخ أبو بكر بن سالم يتردّد إلى شبام للأخذ عن الشّيخ معروف باجمّال ، وكذلك السّيّد أحمد بن حسين بن عبد الله العيدروس المتوفّى سنة (٩٦٨ ه‍) يتردّد على الشّيخ معروف ، والسّيّد أحمد بن حسين هذا من كمّل الرّجال ، قال الشّيخ عمر بن زيد الدّوعنيّ : (خرجت من بلدي أطلب مربّيا ، فلمّا دخلت إلى تريم .. دلّوني على الشّيخ أحمد بن حسين ، فخدمته ولازمته ، وفتح عليّ من الفضل والخير ما لم يبق فيّ اتّساعا للغير).

والشّيخ معروف (١) أوحد صوفيّة شبام في زمانه ، ولقيته محن شديدة .. فزال عن شبام ثلاث مرّات :

ـ الأولى : سنة (٩٤٤ ه‍) إلى السّور ، وكان معه في هذه المرّة عشرة من تلاميذه وفقرائه ؛ منهم : محمّد بن عمر جمّال (٢) ، وعمر بن محمّد جمّال ، ومحمّد بن

__________________

(١) هو الشيخ الكبير معروف بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد مؤذن بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن إبراهيم باجمال الكندي الشبامي الحضرمي ، مولده بشبام ليلة (١١) رمضان سنة (٨٩٣ ه‍) ، ووفاته ببضه بدوعن ليلة السبت (١٥) صفر (٩٦٩ ه‍). تربّى ونشأ في حجر والده ، وتخرج بشيخه الكبير الشيخ عبد الرحمن الأخضر باهرمز ، وكان صاحب دعوة وهمّة عظيمة. ينظر ترجمته في : «مواهب الرب الرؤوف» الذي أفرده لترجمته تلميذه الشيخ محمد بن عبد الرحمن سراج باجمّال ، و «النور السافر» ، و «السناء الباهر» ، و «تاريخ الشعراء» (١ / ١٤٧).

(٢) الشيخ محمد بن عمر باجمّال : من أجل تلامذة الشيخ معروف وأكثرهم ملازمة له ، ولد بشبام سنة (٩٠٥ ه‍) ، كان عالما إماما محققا ، له مجاهدات عظيمة ، مكث (٤٠) سنة يصوم ولا يفطر إلا في العيدين وأيام التشريق. له مؤلفات عظيمة منها : «مقال الناصحين» وهو أشهر كتبه ، وقد طبع بدار الحاوي ببيروت في طبعة فاخرة مجلدة. و «الكفاية الوفية في إيضاح كلمات الصوفية». وغير ذلك ، توفي ببضه سنة (٩٦٤ ه‍). «المجتمع الشبامي» (خ).


شعيب ، وأحمد معدان ، وأحمد مصفّر ، وحيدرة بن عمر ، ومحمّد باكحيل ، وعمر قعيطيّ ، وامبارك بازياد. وأقام بالسّور نحو سنة ، ثمّ عاد إلى شبام سنة (٩٤٥ ه‍).

ـ ثمّ خرج إلى عندل بالكسر أواخر عمد سنة (٩٤٥ ه‍) ، وعاد بعد سنة.

ـ ولمّا استولى بدر بوطويرق على شبام .. أهانه إهانة بالغة ، حتّى لقد طافوا به في شوارع شبام وفي جيده حبل من مسد (١) ، فخرج إلى بضه في سنة (٩٥٧ ه‍) ، وبقي بها في ضيافة أمير دوعن الشّيخ الجليل عثمان بن أحمد العموديّ إلى أن توفّي بها سنة (٩٦٩ ه‍) عن ستّ وسبعين عاما.

وكان محلّ دعوة الشّيخ معروف بشبام .. هو مسجد الخوقة (٢).

ثمّ في سنة (٩٣٢ ه‍) أمر بعمارة مسجد المقدشيّ (٣) ، وكان بناؤه في سنة (٩٣٦ ه‍) ، ولكنّه اندثر ، ولم يبق له أثر ، حتّى جدّده الشّيخ معروف.

وكان الحبيب أحمد بن زين الحبشيّ يذهب إلى شبام كلّ خميس وكلّ إثنين ماشيا ؛ للقراءة على الشّيخ الأنور : أحمد بن عبد الله باشراحيل ، وكان يثني عليه ، ويسند كثيرا من مرويّاته إليه ، والشّيخ أحمد هذا من الآخذين عن الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس ، ثمّ عن تلميذه القطب الحدّاد ، وله أخذ أيضا عن الحبيب عبد الله بن أحمد بلفقيه.

ومن الصّالحين المشار إليهم بالولاية في شبام : الشّيخ أبو بكر بن عبد الله باصهي. والشّيخ المجذوب أحمد بن جبير شراحيل.

__________________

(١) المسد : هو الليف.

(٢) مسجد الخوقة من مساجد شبام القديمة ، وكان في العهود السالفة مقرا للإباضية ، ورد ذكره في حوادث سنة (٥٩١ ه‍) عند شنبل ، فقال : (وفي سنة «٥٩١ ه‍» أزيلت الإباضية من مسجد شبام المعروف بمسجد الخوقة) اه

(٣) بني مسجد المقدشي سنة (٦٣٦ ه‍). وأعيد تعميره سنة : (٧٩٩ ه‍) كما في «شنبل». وهذا المسجد صار يعرف بمسجد الشيخ معروف الطّالعي ـ (الفوقاني) ، تمييزا عن مسجد الشيخ معروف الواقع خارج سور بلد شبام من الجهة القبلية.


ومن أكابر علماء شبام : العلّامة الفقيه عمر بن عبد الله الشّباميّ (١) ، مؤلّف كتاب «قوارع القلوب» ، وهو إمام جليل ، من أكابر أعيان القرن العاشر ، معاصر للفقيه عبد الله بلحاج وابن مزروع. قاله أحمد مؤذن ، ونقله عنه جدّنا طه بن عمر في «مجموعه».

ومن علماء شبام :

الشّيخ عمر بن سالم باذيب (٢). والشّيخ سالم بن عليّ عبّاد. والشّيخ عمر باشراحيل ، له ذكر في «مجموع الأجداد» (٣).

ونقل المناويّ في «طبقاته» عن الشّيخ أحمد بن عقبة الشّباميّ (٤) الحضرميّ أنّه قال : (ارتفعت التّربية بالاصطلاح من سنة (٨٢٤ ه‍) ولم يبق إلّا الإفادة).

وآل عقبة الشّباميّون من كندة ، وهم غير آل عقبة الخولانيّين السّابق ذكر شاعرهم بالهجرين (٥).

ومنهم : العلّامة الفقيه عليّ بن عمر عقبة تلميذ الشّيخ محمّد بن أبي بكر عباد.

ومن «رحلة السّيّد يوسف بن عابد الحسني» [ص ١٠٥ ـ ١٠٦] أنّ الشّيخ أحمد بن

__________________

(١) هو من آل باجمّال ، ولعل السابقين لم يذكروا لقبه لشهرته عندهم. ولد بشبام سنة (٨٥٧ ه‍) ، وبها توفي سنة (٩١٦ ه‍) ، وهو أخو الشيخ محمد بن عمر.

(٢) الشيخ عمر بن سالم بن أبي بكر باذيب ، من كبار أصحاب الحبيب عمر بن عبد الرحمن العطاس ، وبعد وفاته سنة (١٠٧٢ ه‍) صحب الإمام الحداد. وكان من المشهود لهم بالصلاح ، ترجم له الحبيب محمد بن زين بن سميط في «بهجة الزمان».

(٣) الشيخ عمر بن عبد الله شراحيل ، من كبار فقهاء عصره ، عاش أواخر القرن العاشر.

(٤) الشيخ أحمد بن عبد القادر بن عقبة الشبامي ، المولود بشبام ، والمتوفى بصحراء مصر غريبا وحيدا سنة (٨٩٥ ه‍) ، ترجم له السخاوي في «الضوء» ، والمناوي في «الكواكب الدرية» (٢ / ٢) ، ضمن الطبقة التاسعة.

(٥) من آل عقبة هؤلاء ـ سكان شبام ـ المشايخ آل سديس ـ مصغر سدس ـ لقب أطلق على جدهم الشيخ عوض بن أحمد عقبة لأنه كان يقسم التركات .. فإذا وجد في القسمة سدسا .. قال : وهذا السديس نصيب فلان ، فأطلق عليه : (سديس). توفي المعلم عوض بشبام سنة (١٢٩٩ ه‍). وله رسالة عن وظيفة جامع شبام سمّاها : «تقريب الشاسع في ترتيب وظيفة الجامع» مفيدة وهامة.


عبد القادر بن عقبة انتفع بالشّيخ عبد الله بن أبي بكر العيدروس ، وهو الّذي أشار عليه بالسّفر من شبام إلى الحجاز ، ثمّ جاء إلى مصر واستوطنها ، وفيها اتّفق بالشّيخ زرّوق ، وكان من أمرهما ما اشتهر في رسائل زرّوق و «مناقب الشّيخ أحمد عقبة» (١).

وممّن سكن شباما : السّادة آل سميط ، وأوّلهم (٢) : العلّامة الجليل محمّد بن زين بن علويّ بن سميط ، وصلها لغرض السّفر منها إلى القبلة ، فأبطأت عليه القوافل ، فأشار عليه الحبيب أحمد بن زين الحبشيّ أن يتديّرها للإرشاد والتّعليم ، وقال له : إنّ آل شبام أهل اعتقاد وانتقاد ، فامتثل وبقي بها إلى أن توفّي بها سنة (١١٧٢ ه‍) ، ترجمه الشّيخ معروف بن محمّد باجمال بكتاب كامل سمّاه : «مجمع البحرين» (٣).

وكان الشّيخ عليّ بن محمّد لعجم يسير إلى حذية عند الشّيخ عمر باهرمز ، فإذا أنشد قول القائل [من الوافر] :

سألت النّاس عن خلّ وفيّ

فقالوا ما إلى هذا سبيل (٤)

تمسّك إن ظفرت بودّ حرّ

فإنّ الحرّ في الدّنيا قليل

__________________

(١) «مناقب الشيخ أحمد عقبة» هو الكتاب الذي ألفه الشيخ زروق في شيخه المذكور ، وضمّنه المكاتبات والرسائل المشار إليها.

(٢) كان قدوم السادة آل سميط إلى شبام في سنة (١١٣٥ ه‍) ؛ إذ قدم السيد الفاضل زين بن علوي بن عبد الرحمن بن سميط ومعه أولاده السادة محمد وعمر وعلي ، وكان السبب في قدومهم هو ابنه الحبيب محمد بن زين الذي كان ملازما للإمام الحداد ، ولما توفي الإمام سنة (١١٣٢ ه‍) .. ضاقت تريم على الحبيب محمد ، وسار إلى الحوطة عند شيخه الثاني الحبيب أحمد بن زين الحبشي ، وبعد مداولات .. استقر عزمه على الجلوس في شبام بإشارة الحبيب أحمد وترغيبه له في ذلك ، ولما تهيأت الأمور ووضحت الرؤية .. قدم بكافة أفراد أسرته ، فقدموا في ذلك العام. وتوفي السيد زين بن علوي وابنه علي في سنة واحدة كليهما في عام (١١٤٠ ه‍). ترجم لهما الحبيب محمد في «بهجة الفؤاد».

(٣) يقع في مجلد ، والشيخ معروف هذا توفي سنة (١٢٦٤ ه‍) ، كان من صالحي شبام وعلمائها ، متواضعا خمولا.

(٤) البيتان لأبي إسحاق الشيرازي ، كما في «معجم السفر» (١١٣).


.. يقول باهرمز : تدري من الحرّ اليوم يا عليّ؟ فيقول باهرمز : إنّه محمّد بن زين بن سميط. وخلّف ولدين : أحدهما : عبد الرّحمن ، وقد تزوّج بابنة سيّدنا عليّ بن عبد الله السّقّاف ، وأخذ عنه ، وانتفع به. والثّاني : زين ، وكان من الصّالحين. وأعقبه بها أخوه الفاضل البدل عمر بن زين (١) ، المتوفّى سنة (١٢٠٧ ه‍) عن تسعين عاما قضاها في الخير ونشر الدّعوة إلى الله ، وكانت سكناه بشبام لمّا توفّي أخوه محمّد ، وترك ـ أعني الحبيب عمر ـ ستّة أولاد ذكورا ، وهم : عليّ وعبد الرّحمن وحسين وأبو بكر وأحمد ومحمّد ، ومن كلامه ـ كما يرويه ابنه العلّامة أحمد بن عمر ـ : أن تسعة أعشار أهل حضرموت كانوا لا يصلّون ، والعشر الّذي يصلّي لا أدري ما صلاته.

قال سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر : إنّ الحبيب عمر بن زين مكث سبعة عشر عاما لا يضع جنبه على الأرض ؛ اجتهادا في العلم والعبادة ، وكان ولده أحمد بن عمر أكثر من يقرأ عليه الكتب ، وإذا غلبه النّوم .. أعطاه شيئا من اللّوز والزّبيب ؛ ليطرد به النّعاس وينشط للقراءة.

وممّن أثنى عليه العلّامة السّيّد عبد الله بن حسين بن طاهر من آل سميط : الفاضل الجليل عبد الرّحمن بن محمّد بن سميط ، وابنه العبّاد الإمام عليّ بن عبد الرّحمن.

ومنهم : القطب المجدّد الدّاعي إلى الله ابنه أحمد بن عمر بن زين بن سميط (٢) ، لقد كان علم هدى ، ونبراس دجى ، ونور إسلام ، وفرد أعلام ، أردت أن أتمثّل له

__________________

(١) ولد بتريم سنة (١١٢٠ ه‍) ، حضر عند الإمام الحداد ، ثم انتقل إلى شبام بصحبة أخيه الأكبر الحبيب محمد ، كتب بعض مواعظه ومنثور كلامه الشيخ عبد الله بن عوض باذيب.

(٢) ولد الحبيب أحمد بن عمر بشبام سنة (١١٧٨ ه‍) ، كان صاحب بصيرة عظيمة ، توفي سنة (١٢٥٧ ه‍) ، وقد كان القائم بالدعوة في شبام بعد وفاة الحبيب عمر بن زين : الحبيب عبد الرحمن بن محمد بن زين ، المتوفى سنة (١٢٢٣ ه‍) ، وقد لازمه الحبيب أحمد بن عمر بعد وفاة والده إلى وفاته ، ثم خلفه هو في مقامه.


بما يناسب ، ولكن رأيت مقاما عظيم الشّأن حيّرني ، فلم يحضرني إلّا قول الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ٢ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩ من الرّمل] :

إرث آباء علوا ، فاقتعدوا

عجز المجد ، وأعطوه السّناما

شغلوا قدما عن النّاس العلا

ورموا عن ثغر المجد الأناما

لم يعش من عاش مذموما ولا

مات أقوام إذا ماتوا كراما

يعظم النّاس ، فإن جئنا بكم

كنتم الرّاعين ، والنّاس السّواما

وهو الّذي اهتمّ بإقامة دولة ل (حضرموت) ، واشتدّ لذلك أسفه ، وتوالى لهفه ، ولئن مات بحسرة على ذلك .. فقد كلّل الله أعماله بالنّجاح في نشر الدّعوة إلى الله ، حتّى انقشعت الجهالة ، واندفعت الضّلالة ، وانتبه الجمّاء من النّوم ، وتقيّل آثاره أراكين القوم ؛ كسادتي : حسن بن صالح البحر ، وجدّي المحسن ، والحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر وغيرهم ، حتّى لقد مرّ بعضهم وإحدى بنات آل همّام بحصن تريم تقول : جاء جبريل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وتكرّر حديث الدّين (١) ، فقال : (ما كان جبريل ليدخل دار آل همّام لو لا أحمد بن عمر). توفّي بشبام سنة (١٢٥٧ ه‍).

وخلفه على منهاجه العلّامة الجليل ، الصّادع بالحقّ ، النّاطق بالصّدق ، عمر بن محمّد (٢) ابن سميط.

القائل الحقّ فيه ما يضرّ به

والواحد الحالتين السّرّ والعلن (٣)

فكان يغلظ القول للسّلطان عوض بن عمر وهو إلى جانب منبر شبام في جامعها ،

__________________

(١) هو الحديث الّذي أخرجه مسلم (٨) عن سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ، الّذي يأتي فيه جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والسّاعة.

(٢) الحبيب عمر بن محمد بن عمر بن زين ، ولد بشبام حدود سنة (١٢٠٨ ه‍) ، تخرج بعمه الإمام أحمد بن عمر ، وخلفه في مقام الدعوة إلى الله والقيام بوظيفة الوعظ والإرشاد ، له مصنفات ورسائل وعدد من المختصرات.

(٣) البيت من البسيط ، وهو لأبي الطيّب المتنبي في «العكبري» (٤ / ٢١٦).


ويقول : إنّ العدنيّ يقول من قصيدة [في «ديوانه» ١٨٨] :

نرميه باسهمنا ولا يرانا

 ...

ونحن نرميه بأسهمنا وهو يرانا ، والسّلطان عوض يحتمل ذاك ؛ لأنّه يعظّم أهل الدّين ، والعلماء إذ ذاك يكرّمون أنفسهم ، ويصونون العلم ، ومقامه كبير في العيون ، جليل في الصّدور ، ولم يزل ناشر الدّعوة ، آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، حتّى توفّي بشبام سنة (١٢٨٥ ه‍) ، ووقع رداؤه على ابنه ـ الخليفة القانت الأوّاب ، الّذي لا يداهن ولا يهاب ـ : عبد الله بن عمر (١) ، المتوفّى بها سنة (١٣١٢ ه‍).

ومنهم : السّمح الكريم ، الرّاوية لأخبار السّلف الطّيّب : حسن بن أحمد بن زين بن سميط (٢) ، المتوفّى بها سنة (١٣٢٣ ه‍) ، وقد رثيته بقصيدة توجد بمحلّها من «الدّيوان».

ومنهم : السّيّد الواعظ الفقيه : طاهر بن عبد الله بن عبد الرّحمن ، المتوفّى بها سنة (١٣٣١ ه‍).

ومنهم : السّيّد الجليل المقدار : أحمد بن حامد بن عمر بن زين ، المتوفّى بها سنة (١٣٣١ ه‍).

ومنهم :

علّامة العلماء واللّجّ الّذي

لا ينتهي ولكلّ لجّ ساحل (٣)

الفاضل الجليل العلّامة المحقّق المتفنّن : أحمد بن أبي بكر بن عبد الله بن

__________________

(١) هو الحبيب عبد الله بن عمر ، كان من كبار عباد الله الصالحين ، زاهدا متواضعا ، لا يخاف في الله لومة لائم ، وكان يقيم أكثر وقته في جوجة وكان يأكل من عمل يده ، وله رسائل وعظية لطيفة. ترجم له باحسن في «تاريخ الشحر».

(٢) الحبيب حسن بن أحمد بن زين بن محمد بن زين : توفي والده الحبيب أحمد سنة (١٢٨٠ ه‍) ، وولد هو بسيئون سنة (١٢٥٠ ه‍) تقريبا ، وكان يتردد على الشحر ونواحيها متاجرا.

(٣) البيت من الكامل.


عبد الرّحمن بن محمّد بن زين ، ولد بأنزيجة من السّواحل الأفريقيّة (١) ، وبها تعلّم ، وأخذ العلوم عن أبيه (٢) وعن غيره ، وقدم حضرموت عدّة مرّات ، منها : سنة (١٢٩٨ ه‍) ، ومنها : سنة (١٣١٦ ه‍) ، وآخر مرّة قدمها سنة (١٣٢٥ ه‍) وشهد زيارة هود عليه السّلام ، وكان له بوالدي اتّصال عظيم ، وارتباط وثيق ، وأخذ تامّ ، وله مؤلّفات كثيرة ، وأشعار جزلة :

من كلّ قافية فيها إذا اجتنيت

من كلّ ما يشتهيه المدنف الوصب

حسيبة في صميم المدح منصبها

إذ أكثر الشّعر ملقى ما له حسب

توفّي في زنجبار سنة (١٣٤٣ ه‍) (٣).

ومن اللّطائف : أنّني عملت احتفالا لتأبينه والتّعزية به في مسجد طه ، وأعددت كلمة في نفسي ، وإذا بمؤبّر نخلي يكرّر ويتغنّى بقوله : (لا حلّ للموت) فقط ، فبقيت على أحرّ من الجمر في انتظار الباقي ، حتّى قال :

لا حلّ للموت ما

خلّى كبد ساليه (٤)

شلّ الوجيه الرضي

يّه واللّحى الغاليه

فذهب ما في نفسي ، وأخذني شأن عظيم درّ به كلام أحسن وأبلغ وأنجع ممّا كنت أعددته ؛ لأنّ ذلك الوصف منطبق عليه.

ولم ينس سعي العلم خلف سريره

بأكسف بال يستقيم ويظلع (٥)

وتكبيره خمسا عليه معالنا

على أنّ تكبير المصلّين أربع

__________________

(١) مولده سنة (١٢٧٧ ه‍).

(٢) والده الحبيب أبو بكر ، ولد بشبام ، وهاجر إلى أفريقيا ، وبها توفي سنة (١٢٩٠ ه‍) ، كان من أكابر تلامذة الإمام أحمد بن عمر بن سميط ، وصار له ولأولاده جاه كبير في شرق أفريقيا ، لا سيما بجزر القمر.

(٣) ترجمته في : مقدمة «منهل الوراد» بقلم الحبيب أحمد مشهور الحداد ، وفي مقدمة «الابتهاج» بقلم ابنه الحبيب عمر ، و «لوامع النور» (١ / ٣٢٥) و «رحلة باكثير» (١٥٦).

(٤) لا حلّ : عامّية بمعنى لا أحلّه ؛ أي لا أسامحه ، يقال عند القبر بعد الدفن : فلان يطلب الحلّ من الكلّ.

(٥) البيتان من الطّويل ، وهما لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ٣٠٩) ، بتغيير بسيط. أكسف : أسوأ.

يظلع : يعرج في مشيه.


فعظمت بموته الرّزيّة ، ولكن كان ولده عمر بقيّة (١).

فإنّه نحوه في حسن سيرته

منذ الشّبيبة وهو الآن مكتهل (٢)

أضحى لنا بدلا عن فقد والده

والشّبل من ليثه إمّا مضى بدل

فخلاه اللّوم ؛ إذ سدّ مسدّ القوم ، لم ينقطع رشاه ، ولا قالوا : فلان رشاه (٣).

وما رأيت أحدا بعد أستاذي الأبرّ عيدروس بن عمر ، وسيّدي عبد الله بن حسن البحر يستجهر النّاس بفرط الوسام ، وبسطة الأجسام ؛ كالسّادة آل سميط ، لا يراهم النّاظر .. إلّا تذكّر قول جرير [في «ديوانه» : ٤٥٦ من الطّويل] :

تعالوا ففاتونا ففي الحقّ مقنع

إلى الغرّ من أهل البطاح الأكارم

فإنّي أرضي عبد شمس وما قضت

وأرضي الطّوال البيض من آل هاشم

فأولئك البيض الطّوال ، وثمّة الهمم العوال.

آراؤهم ووجوههم وعلومهم

في الحادثات إذا دجون نجوم (٤)

فيها معالم للهدى ومصابح

تجلو الدّجى والأخريات رجوم

فأحوالهم جليلة ، وأخلاقهم جميلة ، وأخبارهم عريضة طويلة (٥) ، ينطبق عليهم

__________________

(١) الحبيب العلامة المعّمر عمر بن أحمد بن أبي بكر بن سميط ، ولد بزنجبار سنة (١٣٠٣ ه‍) ، وبها توفي سنة (١٣٩٦ ه‍) ، ودفن إلى جوار والده ، كان كثير التردد إلى شبام ، ومكث فيها عند أهله وأعمامه سنوات ، ودوّن رحلاته وفترات جلوسه بها بما صار مرجعا عن أهل شبام وحضرموت عموما ، في رحلتيه : «تلبية الصوت» ، و «النفحة الشذية» وكلاهما مطبوعتان ، وتلامذة الحبيب عمر كثير. وقد تقلد وظيفة الإفتاء بجزر القمر ، وكان له جاه عظيم ، وأصدرت الحكومة القمرية طوابع بريد تحمل صورته.

(٢) البيتان من البسيط ، والبيت الثّاني منهما فقط في «ديوان أبي تمّام» (٢ / ٣٢٦).

(٣) رشاه : الأولى مسهّلة من رشاء ، وهو الحبل. والثّانية : فعل ماض من الرّشوة.

(٤) البيتان من الكامل ، وهما لابن الرومي في «ديوانه».

(٥) وممن ينبغي أن يذكر من أعيان السادة آل سميط : الحبيب محسن بن حسن بن أحمد ، المتوفى بشبام سنة (١٣٤٤ ه‍) ، وأخوه الحبيب محمد بن حسن بن أحمد ، المتوفى سنة (١٣٨٧ ه‍) ، وتوفي ابنه الحبيب علي بسيئون سنة (١٤١٠ ه‍). ومنهم : الحبيب مصطفى بن عبد الله بن طاهر ، المتوفى سنة


قول المسيّب بن علس [من المتقارب] :

وكالشّهد بالرّاح أخلاقهم

وأحلامهم منهما أعذب

وكالمسك ترب مقاماتهم

وترب قبورهم أطيب

ومن متأخّري علماء شبام : الشّيخ سالم بن عبد الرّحمن باصهي (١) ، أحد تلاميذ والدي ، وشيخ العلّامة الجليل الأمير محمّد بن عليّ الإدريسيّ (٢) ، وكان هو همزة الوصل بيني وبينه في المعرفة الّتي كان أوّلها تعزية منه لي بواسطته في والدي ، ثمّ استمرّت المواصلات والمراسلات بما آثارها من القصائد موجودة بمواضعها من «الدّيوان» [٣٧١ و ٣٨٤].

ومن علماء شبام ـ فيما رأينا بأبصارنا ـ أربعة إخوان ، كلّهم علماء ؛ وهم : أحمد ، ومحمّد ، وعمر ، وعبد الرّحمن أبناء أبي بكر باذيب (٣).

ومن كبار علمائهم ومصاقع شعرائهم : الشّيخ أحمد بن محمّد باذيب ، المتوفّى بسنغافورة في حدود سنة (١٢٧٩ ه‍) (٤).

__________________

(١٣٧١ ه‍) ، وأخوه الحبيب محمد المتوفى سنة (١٣٧٤ ه‍) ، وآخرهم وخاتمة عقدهم : السيد الفقيه مربّي الأجيال عبد الله بن مصطفى ، المتوفى سنة (١٣٩١ ه‍) وممن لا زال منهم بشبام : الحبيب عبد الله بن عمر بن عبد الله بن سميط رحمه الله.

(١) ولد الشيخ سالم بن عبد الرحمن بن عوض بن أحمد باصهي بشبام سنة (١٢٨٠ ه‍) ، وتوفي بها سنة (١٣٣٦ ه‍) ، كان عالما جليلا ، فقيها نحويا ، داعيا إلى الله ، له سيرة عطرة وأخبار زكية ، جاوزت مصنفاته العشرين ، في الفقه والعقيدة والسلوك.

(٢) مؤسس الدولة الإدريسية بجنوب الجزيرة العربية ، المتوفى بصبيا سنة (١٣٤٥ ه‍) ، ينظر : «ملوك العرب» للريحاني ، و «تاريخ المخلاف السليماني» للعقيلي.

(٣) وهم أبناء الفقيه الصالح الشيخ أبي بكر بن محمد بن عبود بن عمر بن عبد الرحمن باذيب ، المتوفى بشبام سنة (١٣١٢ ه‍) ، أحد علماء شبام وفقهائها واعتنى بتربية أولاده وتعليمهم فكانوا جميعهم فقهاء علماء صالحين. أكبرهم : الشيخ عمر ، توفي بشبام سنة (١٣٣٥ ه‍) ، والثاني : الشيخ محمد ، المولود سنة (١٢٧٠ ه‍) ، والمتوفى سنة (١٣٢٤ ه‍) ، والثالث : الشيخ أحمد ، الرابع : الشيخ عبد الرحمن ، توفي سنة (١٣١٩ ه‍) ، وبقية إخوانه لهم عقب ، وأما هو .. فلم يعقب.

(٤) إنما هو أحمد بن عمر باذيب ، كان عالما جليلا رحالا ، صادعا بالحق ، كان نادرة في الزمان ، وغرة


وعن الشّيخ سالم بن عبد الرّحمن باسويدان وغيره : أنّ سبب سفره من شبام هو أنّ خطيب الجمعة تأخّر مرّة ، فأشار عليه الحبيب أحمد بن عمر بن سميط أن يقوم بأداء الواجب من أركان الخطبة ، فارتجل ما ملأ الأسماع إعجابا ، والنّفوس إطرابا ، فخشي عليه العين ، فأمره بمغادرة البلاد وكان آخر العهد به وكان أهل شبام معروفين بالإصابة بالعين. ومن أواخرهم المتّهمين بذلك : الشّيخ معروف باذيب ، والشّيخ سالم بن هادي التّويّ.

ومن عيون صلحائها وأفاضلها الشّيخ عوض بن محمّد باذيب ، وأولاده عليّ وأحمد ومحمّد ، لهم مروءة حيّة ، واعتبار تامّ ، ودين ثابت ، وكانت الأعيان تزور الشّيخ عوض وتتبّرك برؤيته ودعائه.

ومن متأخّري علمائها : الشّيخ عبد الرّحمن حميد ، وولده عبد الله.

ومن آل شبام : آل جبر ، وآل التّويّ ، وآل باعبيد ، وهم أربعة إخوة : محمّد وعمر وعوض وأحمد بنو سالم باعبيد ، إليهم الآن أزمّة التّجارة بشبام ، ولهم مراكز في عدن وغيرها ، وقد مات عمّا قريب أحبّهم إليّ ، وهو أحمد ، فرحمه الله وأخلفه بخلف صالح.

وممّن تديّر شباما الحبيب علويّ بن أحمد بن زين الحبشيّ ، وبها توفي.

وفي «كلام الحبيب أحمد بن عمر بن سميط» : أنّ والده لمّا مات .. قال : مات من يستحيا منه ، وإنّ آل شبام كانوا يهابونه ، وكان آل أحمد بن زين يزورونه في محرّم من كلّ سنة ، ومتى قاربوا شبام .. تنابز غوغاؤهم مع آل شبام بالألقاب ، وقالوا : (الهر لعل القعيطي يفر) فأوقفهم منصّر بن عبد الله طائفة من النّهار في الشّمس ، فتركوا الزّيارة ، ولمّا زال منصّر وشيكا .. كتب لهم صلاح بن محمّد بالاعتذار ، فأعادوها.

__________________

في جبين الدهر ، ترجمته في «تاريخ الشعراء الحضرميين» (٤ / ٢٢).


ومن أدبائهم وأكابر أولي المروءة منهم : الشّيخ سالم بن عبد الرّحمن باسويدان (١).

وفي مبحث صلاة الجمعة من «مجموع الأجداد» : (أنّ شباما من كراسي حضرموت ، بل لا مدينة في حضرموت إلّا هي وتريم ، هاتان المدينتان المذكورتان في التّواريخ فقط ، ويكاد أن يكون ما يتعلّق بشبام ومن سكنها من المشايخ والعلماء ، ومن له فيها أثر من مسجد وغيره من دائم النّفع ، يكوّن نبذة صالحة) اه

ولأهلها مناقب كثيرة ، ومحاسن شهيرة ، ولا سيّما في الورع وصدق المعاملة مع الله ، وحمل الكلّ ، وفعل المعروف ، والإعانة على نوائب الحقّ ، أخبرني المكرّم الشّيخ كرامة بن أحمد بن عبد الله بركات قال : كنت بمقدشوه في سنة (١٣٣٤ ه‍) فأرسلت بثلاث مئة وخمسين ربّية برعما ـ وهو نوى القطن ـ إلى عدن عند الشّيخ أحمد بن عمر بلفقيه ، فباعه لي وأربحني النّصف ، وأبرق إليّ : أن خذ كلّ ما تقدر عليه منه وحوّل لي بالثّمن ، فاشتريت أوّلا بنحو من ألف ربّية ، وثانيا بمثله ، وقدّمت له حسابا في ثمنه وسائر مصاريفه ، وخدمته ولم يبق لي عنده بحسب ما قرّرته في دفتري إلّا أربعون ربّية فقط ، ولمّا وصلت عدن بعد خمس سنوات .. أعطاني كاتبه ـ وهو الشّيخ محمّد بن سالم باعبيد ـ تحويلا إلى شبام في ألفين ونحو خمس مئة ربّية ، فشككت فيها ، وتوهّمته غالطا ، ولمّا قدمت شباما .. أخبرت الوالد أحمد بن عمر بلفقيه ، فأخذ بأذني وقال : إذا لم نربّك نحن .. فمن يربّيكم؟ وقد ربّانا ناس على مثل هذا ، فنحن مدينون به.

وإذا به قيّد لي أرباح البرعم بأسرها ، فرحمة الله على هذا الإنسان وعلى جميع أهل الإحسان.

وبلغني أنّ الشّيخ عوض بن عبد الله باذيب اشترى خرابة من الأمير عليّ بن صلاح ، قيل : إنّ بعض أهلها معروف في غيبته الطّويلة ، وأنفق على بنائها سبعة آلاف

__________________

(١) ولد الشيخ سالم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله باسويدان بشبام سنة (١٢٥٨ ه‍) ، وتوفي بها في (٢٦) رجب (١٣٣٦ ه‍).


ريال ، ولمّا احتاج ورثته لبيعها .. لم تنفق إلّا على واحد من آل باهرمز بألفين من الرّيالات فقط ؛ لأنّ آل شبام ـ بما بقي في قلوبهم من هيبة الدّين والورع ـ تحاموها ، وإلى الآن وهم يتحامون عن شراء التّمر الّذي يجمعه من المكس صاحب السّدّة ؛ مع أنّه أرخص من غيره بثلث القيمة.

وبلغني أنّ لبعضهم رسائل في سير آل شبام وأخبارهم الشّاهدة بالتّقوى والورع ، وهي من أنفع ما يكون لهم لو تدارسوها على عادتهم في درس يوم الثّلاثاء الّذي رتّبه الحبيب أحمد بن عمر بن سميط ، ـ متنقلا في ديارهم ؛ سياسة في حضورهم ـ ؛ إذ هي خير حافز للأحفاد على ترسّم آثار الأجداد ، ومن كلامه المنثور : إنّ شباما كانت بلاد المنقود (١) ، وأنّ أحد أهل شبام أخذ دراهم من أحمد ناصر اليافعيّ ، فهجروه حتّى ردّها.

وأنّ ثمانين حملا من الحوير وردت شباما ، وفيها حمل لأحد آل كثير بن سلامة ، فاشتروها بأسرها إلّا ذلك الحمل لم يأخذه أحد وعاد به صاحبه.

وفي كلامه ثناء كثير على محمّد بن عوض باذيب ، وعلى أخيه عبود ، وأنّه حصل عليهما خلل فشاورا الحبيب عبد الله الحدّاد فقال لهما : بيعا جميع ما معكما ولو لم يخلف لكم إلّا حليّ نسائكم ، فباعاه وقضيا ما عليهما من الدّيون ، وبقيت ثلاث مئة ريال ، فذهبا إلى الحاوي ، ولمّا وصلا .. قال محمد لعبود : إن وافقتني .. أعطينا الحبيب عبد الله مئة واقتنعنا بالمئتين ، فوافقه ، فقبلها الحبيب وأشار على محمّد بالسّفر إلى الشّحر ، وبقي يتردّد إليها ، ويقيم بها شهرين أيّام الموسم ، ويمرّ في ذهابه وإيابه بالحاوي.

ولمّا علم الحبيب عمر البارّ بقصّة المئة .. قال لمن حضره : أيصحّ أنّ أحدا يتصدّق بثلث ماله؟! وكان عنده دلّال من آل باخيضر. فقال : إن كان من آل شبام .. فنعم.

__________________

(١) أي : أن أهلها ينتقدون ما خالف الشرع والأدب.


ومنه (١) : أنّ محمّد لعجم من السّابقين ؛ لأنّه سبق سلفه.

ومنه : أنه لمّا توفّي أحمد بكار لعجم .. قال والدي : توفّي وهو خير من بالبلد.

ولمّا توفّي عبد الله بن عمر لعجم .. قال الحبيب أحمد بن عمر بن سميط : إنّه من الأخيار الّذين يدفع الله بهم البلاء ، ومن الّذين يحييهم ويميتهم الله في عافية ، وكانت وفاته بسبب الوباء الّذي وقع بشبام وسيئون وبور في سنة (١٢٥٠ ه‍).

ومنه : أنّ الحبيب محمّد بن زين بن سميط قال : ما تحقّقت أنّ أحدا يحبّ للمسلمين ما يحبّ لنفسه إلّا عبد الله بن زين الحبشيّ صاحب ثبيّ ، وبكّار بن عوض لعجم ؛ فإنّ هذا يقوم إليّ في الدّرس ويقول : تكلّم في كذا ؛ فإنّ النّاس واقعون فيه.

ومنه : أنّ الشّيخ أحمد صلعان ممّن ترجم له الحبيب محمّد بن سميط ، وأن محمّد صلعان كثيرا ما يستشهد بحكم ابن عطاء الله يكاد يحفظها ، وأنّ القرآن معجون بمحمّد بن عقبة سديس.

ومنه : أنّ المرحوم محمّد بن أحمد بايوسف ـ جدّ آل بايوسف ـ من الصّالحين ، وكذلك ولده أحمد.

ومنه : أخبرني عبد الله باسعود عن الحبيب جعفر بن أحمد بن زين قال : أدركنا أهل شبام ثلاث طبقات : أوّل طبقة لباسهم كوافي بيض وأردية شمال ، وثاني طبقة كوافي سوسي وملاحف بيض ، وثالث طبقة كوافي صنعانيات من نصف ريال وملاحف سود.

قال : ومن بعد توسّعوا مصانف وكوافي صنعانيّات من ريالين.

ومنه : أنّه لمّا توفّي عمر بن أحمد معاشر .. قال : إنّه من الّذين يمشون على الأرض هونا ، وقال مثل ذلك لمّا مات أحمد بن محمّد جبر.

ونقل الشّيخ عليّ بن عبد الرّحيم بن قاضي في ترجمته لنفسه : أنّ والده تولّى

__________________

(١) أي : من كلام ابن سميط.


القضاء بشبام أكثر من سنتين ، وأنّه يثني على أهلها بالتّناصف والتّعاون على الحقّ ، وأنّه كان يزورهم ويأتي إليهم من تريم لحسن حالهم. اه

ولو أرسلنا القلم ملء فروجه في مكارم الشّيخ عبد الرّحمن باصهي ، الملقّب بالطّويل (١) .. لاندقّت عنقه قبل أن نبلغ منه ما نريد ، وهي مشهورة ، وآخرها : وصيّته بأن تبقى يده مكشوفة مع تشييعه في الجنازة ؛ لاستخراج الاعتبار بأنّه مع ما كان من ثروته الطّائلة لم يخرج من الدّنيا إلّا صفر اليد وقد نفّذوها على ما فيها من الاختلاف بين الرّمليّ وابن حجر ؛ لما في ذلك من المصلحة والعظة البالغة.

وكان سيّدي حسن بن أحمد بن سميط يتفتّح عن ثبج بحر عندما يفيض فيها ، إلّا أنّ تلك المكارم انطوى نشرها ، ولم يبق إلّا ذكرها.

ونذكر تلك المكرمات وحسنها

وآخر ما يبقى من الذّاهب الذّكر (٢)

ولآل شبام عامّة وآل باصهي خاصّة ، نجوع إلى صنعاء وإلى البيضاء من أرض الظّاهر ، وقد وقفت على وثيقة من الإمام المهديّ لدين الله ، هذا نصّها :

الخطّ الكريم والرّسم العالي الفخيم الإماميّ المهدويّ أعزّه الله ، وأقرّ عين المتمسّكين به وأرضاه ، وأنفذه في جميع الأقطار الإماميّة وأسماه ، إن شاء الله ، بيد الحاجّ الأكرم جمال الدين سالم بن عبد الله باصهي وكافّة إخوته وبني عمّه ، قاض لهم بالإجلال والإكرام ، والرّعاية والاحترام ، والإعزاز والإعظام ، فيجرون على أجمل العوائد وأتمّ القواعد ، ليس عليهم حال يخشونه ، ولا أمر يتوقّونه ، وأنّهم منّا وإلينا ، وممّن تحوطه شفقتنا ، وأنّ واجباتهم الشّرعيّة يسلّمونها بالأمانة ، ليس على أموالهم حيث كانت حرص ولا اعتراض بمحروس البيضاء وحضرموت.

__________________

(١) الشيخ عبد الرحمن الطويل باصهي ، لقّب الطّويل لطول يده في الخير والإحسان ، وله مناقب ومكارم أخلاق كثيرة ، وكانت له تجارة وأراض في عتق ، وصاحبه ورفيقه هو السيد زين بن علوي بن سميط جد السادة آل سميط سكان شبام ، وكانا يمكثان معا في عتق مدة من الزمان ، ثم يعودان بالخير إلى شبام.

(٢) البيت من الطّويل ، وهو للبحتريّ في «ديوانه» (٢ / ٧٤) ، بتغيير بسيط.


وأنّهم يخرجون ما دخل فيه غيرهم من الفرق والمطالب والسّوائب والنّوائب.

وليس عليهم إلّا الحقّ الواجب وزكاة الأموال وزكاة التّجارة والفطرة ، يسلّمونها إلى العمّال بالأمانة من غير واسطة.

وليس عليهم مجبى أينما توجّهوا في البلاد الإماميّة ، في جميع الأسواق والمراسي والطّرقات والبنادر ، فلا يعترضوا بشيء من ذلك ، وذلك لما هم عليه من المحبّة والنّصيحة لهم ولسلفهم ، فيجرون على ذلك وتقرّ أعينهم بما هنالك ، وعليهم التّوقّف على أمرنا ، والكون عند رأينا ، وموالاة الموالي ، ومعاداة المعادي ، فليثقوا بذلك ، وبالله الثّقة ، وبه الحول والقوّة ، وهو حسبنا وكفى ، ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النّصير.

حرّر في محرّم الحرام عام سبعة وثمانين وألف (١٠٨٧ ه‍) ، وكان الشّيخ عبد الرّحمن باصهي معاصرا للحبيب أحمد بن زين الحبشيّ ، وعرض عليه أن يحجّ هو ومن معه على نفقته ، فلم يقبل ، كما في «كلام الحبيب أحمد بن عمر بن سميط».

ولم يبق بأيدي آل شبام اليوم من المناقب الشّريفة السّابقة لأهلهم .. إلّا حسن التّأسّي فيما بينهم ، ومساعدة الضّعيف ، وقضاء الحاجة ، وجبر المنكوب ، حتّى لقلّما ترفع من أولي مروءتهم دعوى إلى القاضي ، وإنّما يسوّون أمورهم فيما بينهم بالإصلاح ، وهذا ليس بالقليل مع تراذل الزّمان.

وذكر ابن الحائك : (أنّ مصبّ مياه الأودية الغربيّة كلّها كان في شمال شبام ، بينها وبين القارة) (١).

وهو صادق في ذلك ؛ لأنّه الواقع فيما قبل .. حتّى كان السّيل العظيم الهائل في سنة (٦٩٩ ه‍) فأخرب الأحجاز ، وأخذ كثيرا من البشر ومن المواشي (٢) ، وانتقل

__________________

(١) صفة جزيرة العرب (١٦٩).

(٢) في «تاريخ شنبل» : أن ذلك كان سنة (٦٩٨ ه‍) ، وزيادة على ما ذكر المؤلف .. فإن ذلك السيل أخذ قطعة من جنوبي شبام فيها ثلاثة مساجد ، وما والاها من الدّيار ، وأخذ بني سعد وبني حارثة ، وأخرب حبوظة الراك ، وذلك في رمضان من تلك السنة.


بقوّته من شمال شبام واتّخذ له أخدودا بجنوبها ؛ إذ قد اجتاح كثيرا من الخبّة (١) الّتي كانت متّصلة بشبام ، ثمّ عمّرت شيئا فشيئا ، وما زالت معمورة حتّى اجتاحها سيل الإكليل الجارف في سنة (١٠٤٩ ه‍) (٢).

ثمّ أحبّ آل شبام التّنزّه .. فعمّروها واحدا واحدا ، حتّى صارت قرية ، وعند ذلك ابتنى السّيّد عقيل بن عليّ السّقّاف مسجدا في حدود سنة (١٠٦٣ ه‍) ، وأحبّ أن يجمّع فيه ، فاختلف عليه العلماء ـ حسبما فصّلناه ب «الأصل» ـ فامتنعت الجمعة (٣)

وما يفهمه قول ياقوت السّابق : (إنّ الحسين بن سلامة (٤) ابتنى جامع شبام) محمول على التّجديد أو التّرميم ، وإلّا .. فقد كان جامعها مبنيّا قبل ذلك بزمان ؛ ففي تاريخ القاضي محمّد بن عبد الرّحمن باشراحيل أنّه (بني في سنة «٢١٥ ه‍» ، وأنّه كالقطب الّذي تدور عليه غالب شعائر الدّين بشبام).

وله أوقاف تنسب إلى هارون الرّشيد ، وهو شاهد بأنّ بناءه كان متقدّما على هذا التّاريخ الّذي ذكره باشراحيل ؛ لأنّ وفاة الرّشيد كانت في سنة (١٩٣ ه‍).

وممّا يدلّ لتقدّمه : ما نقله الشّيخ العلّامة عبد الله بلحاج ، عن العلّامة الشّيخ محمّد بن سعيد باشكيل : (أنّ آل باذيب من الأزد ، وأصلهم من البصرة ، ثمّ استوطنوا شباما.

__________________

(١) الخبّة ـ بتثليث الخاء ـ : هي الطريق الرملية ، كما في «القاموس». ويطلق هذا الاسم على البقعة التي يعلوها جبل الخبّة جنوب مدينة شبام ، وهي القرية المسمّاة : (السّحيل ـ سحيل ابن مهري).

(٢) «عقد الجواهر والدرر» ، و «العدة المفيدة» (١ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧) ، وكان سيلانه في صفر. وهناك سيل آخر يسمى : الإكليل ، سال سنة (١٣٣٥ ه‍) ، ويعرف بسيل بن ربيدان.

(٣) المسألة في «مجموع» الحبيب طه بن عمر الصافي (١٠٨ ـ ١١٢) ، وهو جواب صدر من العلامة الكبير الشيخ أحمد صفي الدين القشاشي المدني ، وذيّل على الجواب بكلام نفيس محرر الإمام الفقيه أحمد محمد مؤذن الصبحي باجمال ، وحاصل الفتوى : أن مباني الخبة وهي حدود (٢٠٠) دار والثلاثة المساجد التي بها لا تعد قرية مستقلة ، بل هي من أعمال شبام .. فلا يصح فيها إقامة الجمعة.

(٤) هو الحسين بن سلامة النوبي ، أمير تهامة اليمن ، كان نوبيا من موالي بني زياد ولاة اليمن ، ولما تضعضع حكم آل زياد .. نهض الحسين وتسلم مقاليد الإمارة في حدود سنة (٣٧٥ ه‍) ، وكان رجلا عادلا ، واختط عدة مدن ، وأنشأ الجوامع وحفر الآبار .. أقام في الحكم (٣٠) سنة ومات بزبيد سنة (٤٠٢ ه‍).


قال : وذكر عمر بن عبد الله باجمّال الشّباميّ : أنّ آل باذيب خرجوا من البصرة إلى حضرموت في أيّام الحجّاج ، وبقيت طائفة منهم بالبصرة ، ولهم حافّة عظيمة بالبصرة ، يقال لها : حافّة الأسد ـ بالسّين ، لغة في الأزد ، بالزّاي ـ ولمّا وصلوا حضرموت .. آواهم أمير شبام وأجلّهم ، وكان فيهم قضاة الدّين وقضاة الدّولة بشبام ، وقد اجتمع منهم في زمن واحد سبعة مفتون ، وقاضيان : شافعيّ وحنفيّ) اه

وهذه فائدة نفيسة ، ونقل عزيز نحتاجه في كثير من المواضع ، ونضرب عليها بنغمات متعدّدة ، وبعيد أن ينتشر فيها الإسلام والمسلمون ثمّ لا يبنى بها جامع إلّا في آخر القرن الثّاني ، هذا ما لا يتمعنى بحال ، لا سيّما وأنّها كانت دار إقامة زياد بن لبيد الصّحابيّ المشهور ، كما في «مفتاح السّعادة والخير» لمؤلّف «القلائد» ، وغيره (١).

وفي سنة (٥٣٢ ه‍) عمّر مقدّم جامع شبام (٢) ، وجدّد منبره بأمر الملك المنصور الرّسوليّ ، وذلك المنبر هو الّذي يخطب عليه إلى اليوم. وكانت هذه العمارة على يد عبد الرّحمن بن راشد في ولاية نصّار بن جميل السعديّ (٣).

وفي موضع من «صفة جزيرة العرب» لابن الحائك [ص ١٦٩] يقول : (وأمّا شبام : فهي مدينة الجميع الكبيرة ، ويسكنها حضرموت ، وبها ثلاثون مسجدا ، ونصفها خراب ، أخربته كندة ، وهي أوّل بلد حمير ثمّ. وساكن شبام : بنو فهد من حمير) اه

وأقول : أمّا فهد .. فهو ابن القيل بن يعفر بن مرّة بن حضرموت بن أحمد بن قحطان بن العوم بن عبد الله بن محمّد بن فهد بن القيل .. إلى آخر النّسب.

وسيأتي بيت نشوان مع ما يتعلّق به عمّا قليل.

أمّا مسجدهم الباقي بين منازلهم الخاصّة في جانب خبّة شبام الغربيّ المسمّى

__________________

(١) وينظر : «أدوار التاريخ الحضرمي» (٨٧) نقلا عن «البرد النعيم» للخطيب.

(٢) هذه العمارة الأولى القديمة والتي بعدها كانت سنة (٥٣٩ ه‍) ، كما في «شنبل» (ص ٣٥).

(٣) كانت عمارة الجامع وتجديد المنبر سنة (٦٤٣ ه‍) ، كما في «شنبل» (ص ٩٢).


الآن : مسجد الطّيّب .. فقد بقي بأيديهم ، والظّاهر أنّه وقع فيما اجتاحه سيل سنة (٦٩٩ ه‍) الآتي ذكره ، وإلّا .. لما طمع السّيّد عقيل ـ حسبما يأتي ـ في التّجميع بمسجده الّذي بناه بجانب خبّة شبام الشّرقيّ ، إلّا أن يكون اختلاف المذهب داخلا تحت عسر الاجتماع ، المسوّغ للتّعدّد .. فللبحث مجال ، وبين العلماء اختلاف حتّى بين المتأخّرين من الحضارم ؛ كابن يحيى ، وبلفقيه ، والسّيّد عثمان بن يحيى ، وبعض علماء الحجاز ، وهو معمور إلى الآن.

وأمّا كثرة المساجد بها .. فإنّما كانت قبل أن تجتاح أطرافها السّيول (١) ، ويكون مجراها في جنوبها. وكان مسجد الخوقة بشبام هو مسجد الإباضيّة إلى أن غلبهم الأشاعرة عليه في سنة (٥٩١ ه‍).

ومن أشعار إمام الإباضيّة بحضرموت في القرن الخامس إبراهيم بن قيس (٢) قوله [من الطّويل] :

فقلت : وما يبكيك يا خود؟ لا بكت

لك العين ما هبّت رياح زعازع

فقالت : بكيت الدّين إذ رثّ حبله

وللعلما لمّا حوتهم بلاقع

فأين الألى إن خوطبوا عن دقائق

من العلم .. أفتوا سائليهم وسارعوا؟!

فقلت لها : هم في شبام ومنهم

بميفعة قوم حوتهم ميافع

وفي هينن منهم أناس ومنهم

بذي أصبح حيث الرّضا والصّمادع

ومنهم بوادي حضرموت جماعة

وأرض عمان سيلهم ثمّ دافع

__________________

(١) كان بشبام (٣٠) مسجدا ، كما في التواريخ القديمة ، وأما اليوم فالذي بداخلها ستة مساجد فقط :

المسجد الجامع ، ومسجد الخوقة ، ومسجد الشيخ معروف ـ المقدشي سابقا ـ ومسجد باذيب ، ومسجد باجرش ومسجد بن أحمد ، ومسجد مدرسة الحارة القبلية. وخارج السور : مسجد معروف الهابطي. وفي السحيل : مسجد عقيل ، ومسجد بامكا ، ومسجد طيب ، ومسجد باعشرة. ويوجد قرب المقبرة مسجد السبع.

(٢) إبراهيم بن قيس بن سليمان الهمداني الحضرمي ، ولد (بحضرموت) ، ومات نحو سنة (٤٧٥ ه‍) ، استعان بالخليل بن شاذان الإمام الإباضي بعمان ، واستولى على حضرموت باسم الخليل ، وأقامه عليها عاملا .. وكان شجاعا جلدا ، وله غزوات إلى الهند ، له مصنفات. «الأعلام» (١ / ٥٨).


وفي أوائل القرن التّاسع كان قضاء شبام للشّيخ عبد الرّحمن باصهي (١) ، وله قصّة مع عليّ بن سعيد باصليب ، الملقّب بالرّخيلة ، مذكورة في الحكاية (٤٥٧) (٢) من «الجوهر الشّفّاف».

ومن قضاة شبام في القرن الثّاني عشر : السّيّد عليّ بن علويّ عيديد (٣).

وكان بشبام جماعة من آل بامهرة فيهم العلماء والقضاة ، وجماعة من آل شعيب مشهورون بالعلم ؛ منهم :

الشّيخ عبد الرّحمن بن عبد الله شعيب. والشّيخ أبو بكر بن شعيب ، له شرح على «المنهاج». ولا اتّصال لهؤلاء بآل باشعيب الآتي ذكرهم في الواسط (٤).

وذكر الطّيّب بامخرمة في «تاريخ عدن» : (أنّ العلماء آل الشّمّاخ (٥) أصل جدّهم من حضرموت ، تفقّه بزبيد ، ولمّا أراد الرّجوع .. رغّبه السّلطان عمر بن المظفّر فأقام هناك إلى أن مات ، فآل الشّمّاخ من ذرّيّته) اه

وقريب جدّا أن يكون آل شمّاخ الموجودون بشبام إلى اليوم متفرّعين عن ذلك الأصل الّذي نجع منه جدّ آل الشّمّاخ إلى زبيد.

ولمّا ذكر علّامة اليمن السّيّد عبد الرّحمن بن سليمان الأهدل عادة آل زبيد في قراءة «البخاريّ» بشهر رجب .. قال : إنّها ـ فيما أحسب ـ من أيّام الشّيخين : أحمد بن أبي الخير منصور الشّمّاخيّ ، ووالده الفقيه أبي الخير منصور الشّمّاخيّ

__________________

(١) الشيخ الفقيه الإمام عبد الرحمن بن محمد باصهي ، توفي بشبام سنة (٨٧٠ ه‍) ، وهو والد الشيخ محمد بن عبد الرحمن الآخذ عن الحافظ السخاوي والشيخ علي بن أبي بكر السكران. والمترجم هنا هو غير الشيخ عبد الرحمن باصهي صاحب الصدقة ، وناظر أوقاف جامع شبام ؛ فإن هذا الناظر من أهل القرن العاشر الهجري.

(٢) في نسخة : (٤٩٧).

(٣) السيد علي بن علوي بن عمر بن عبد الرحمن عيديد ، توفي بتريم سنة (١١٠٩ ه‍).

(٤) وكان بعض آل شعيب سكان شبام يقول : إن أصلهم من الجوف. «مجموع الحييد».

(٥) آل الشماخ بطون كثيرة باليمن ، وأما آل الشماخي سكان زبيد .. فمن بطون آل سعد. وفي «تاريخ شنبل» ذكر لكثير منهم.


السّعديّ نسبا ، الحضرميّ أصلا ، الزّبيديّ مهاجرا ، الآخذ عن جماعة من أصحاب الحافظ السّلفيّ ، توفّي بمدينة زبيد سنة (٦٨٠ ه‍).

ولآل شبام نوادر ، لو لم يكن إلّا ما يروى عن السّيّد زين بن أحمد بن سميط (١) .. لكفى ، فمن ذلك :

أنّ لآل الشّحر اعتقادا فيه ، حتّى إنّهم ببساطتهم يمكّنون نساءهم من مصافحته ، مع أنّه لا يتورّع بعض الأحيان من غمز إحداهنّ ، فدخل عليه الشّيخ أبو بكر بن سعيد الزّبيديّ وعنده فتاة جميلة ، فعلقتها نفسه ، وتبعها هواه ، فتوسّل إليه أن يخطبها له ، فقال له : يمنعك عنها بخلك. فقال له : اطلب لها ما تريد. فخرج ، ثمّ عاد ، وقال : إنّ أهلها يطلبون ثلاث مئة ريال. فنجع بها طيّبة نفسه ، فواعده أن يجيء إلى ذلك المكان من آخر ليلته ، وعقد له بعجوز قد تغضّن (٢) وجهها ، وانتثرت أسنانها ، وانطبق عليها قول البحتريّ [في «ديوانه» : ٢ / ٢٧٢ من المنسرح] :

والسّنّ قد بيّنت فناءك في

شدق على الماضغين منخسف

ودفع لتلك العجوز عشرة ريالات ، وهرب هو بالباقي إلى شبام حضرموت ، وكانت سفرة طيّبة ، ووقع الشّيخ في الشّبكة.

ومنها : أنّ الجمعدار عبد الله (٣) كان يأنس به ، ويتسلّى بأحاديثه عن أنكاد حوادث صداع ، ومعه السّيّد حسين بن حامد المحضار ، وكان لا يصبر لهم إلّا إذا سلّموا له إمامة الصّلاة ، فأذعنوا له بها ، حتّى جاءهم أحد العلماء .. فاستحيوا أن يقدّموا عليه زينا ؛ مع ما عرف به من التّهاون في الطّهارة ونواقض الوضوء ، فصلّى بهم الشّيخ العشاء ، وقرأ في الأولى (الضّحى) فلم يجد إليه زين سبيلا ، ولمّا قرأ في الثّانية

__________________

(١) هو السيد زين بن أحمد بن زين بن محمد بن زين بن سميط ، ولد بشبام ، وتوفي بزنجبار سنة (١٣٠٨ ه‍) وله ذرية بجاوة.

(٢) أي : ظهرت فيه التجاعيد.

(٣) هو الجمعدار عبد الله بن عمر القعيطي ، أخو السلطان عوض بن عمر ، مر ذكر الخلاف بين أبنائه وعمهم السلطان عوض في القطن.


ب (الزّلزلة) .. سنحت له الفرصة ، فقطع الصّلاة ، وقال له : زلزل الله بوالديك يا شرّ المشايخ! وهل للزّلزلة مكان بعد ما نحن فيه؟ الجمعدار مزلزل ، والمحضار مبهذل ، وأنا مسفّل ، ثمّ تأتي لنا فوق ذلك بالزّلزلة.

وهكذا سمعتها ، ولكنّ وجود السّيّد حسين بن حامد لذلك العهد بصفة النّديم أو نحوه للجمعدار عبد الله .. لا يخلو من البعد .. فلعلّ النّظر انتقل عن أبيه أو غيره إليه.

ومنها : أنّه مرّ بشباميّ ويهوديّ يتلاطمان في عدن ، فلمّا أراد أن يبطش بالّذي هو عدوّ لهما .. انسلّ الشّباميّ ، وترك زينا مع اليهوديّ ، حتّى حجز بينهما الشّرط ، وساقوهما إلى السّجن ، فسأل زين عن المقرّبين لدى الحكومة ، فقيل له : صالح جعفر ، فأرسل إليه .. فوصل ، فاستخفّ روحه ، فضمن عليه وأخذه إلى داره وأكرم مثواه ، فرأى عنده من النّعمة ما لا يعرف شيئا منه في بيوت آل شبام بعدن ، فانقطع عنهم ، وما زالوا يبحثون عنه حتّى ظفروا به ، فسبّهم وقال : لقد خرجت من النّار إلى الجنّة. قالوا : لكنّك لا تدري ما حال صالح جعفر. قال : وما حاله؟ قالوا : يبغض الشّيخين أبا بكر وعمر. فاستعظمها ، وقال : إذا كان يبغض هذين .. فأيّ دين له ، ومن يحبّ؟ قالوا : لا يحبّ إلّا فاطمة وزوجها وأولادها رضي الله عنهم. فازدهر وجهه بعد العبوس ، وقال : أمّا إذا كان يحبّ أهلي .. فليبغض من شاء ، وأنا كبدي محترقة من بو بكر لعجم وعمر بن بو بكر باذيب ، فسألعنهما جبرا لخاطره.

ثمّ نهض من فوره ودخل على صالح جعفر فأوهم أنّه عثر .. فقال : لعنة الله على أبي بكر وعمر (١).

__________________

(١) وفي فعله هذا تورية عن سب الشيخين رضي الله عنهما بسب معاصريه ، ولفعله شواهد كثيرة كقصة الإمام مع المأمون في مسألة خلق القرآن وغيرها ، ولكن رغم ذلك لم يخرج عن الإعذار ؛ فإنه لا يجوز لعن المعيّن ، بل هو حرام ، وكان على المؤلف رحمه الله أن لا يذكر الأشخاص كما فعل السيد صالح الحامد في «رحلته» ؛ فإنه ذكر الحكاية بدون ذكر الأشخاص.


وللشّيخ أحمد بركات (١) من هذا القبيل ما ليس بالقليل ، إلا أنّه لم يكن كالسّيّد زين في خفّة الظّلّ ؛ لأنّ عنده شيئا من الكلفة ؛ من نوادره :

أنّ شيخنا الشّهير أحمد بن حسن العطّاس مرّ بداره فناداه : أعندك رطوبة نطلع لها؟

قال له : احذف الطّاء واطلع. يعني أنّ عنده روبة (٢).

وبها ذكرت أنّ ابن عمّار قال للدّاني : اجلس يا داني بلا (ألف) ، فقال : نعم يا ابن عمار بلا (ميم).

وكان سنة (١٣١٨ ه‍) بدوعن في منزل استأجره ، فاتّفق أنّ بنتا لأهل المنزل استعارت ثوبا من أمها لتلبسه في وليمة زواج ، ففقد لهم عقد من الفضّة يسمّونه (مريّة) ، فاتّهموا بها الشّيخ أحمد ، فقال لهم : كم ثمنها؟ فقالوا : ستّة ريال. فدفعها لهم ، ولمّا عادت البنت بالثّوب .. ألفوا المريّة معها ؛ لأنها كانت بين طيّات الثّوب ، فردّوا ريالات الشّيخ أحمد واعتذروا له ، ولمّا انتهى الخبر إلى باصرّة .. عاتب الشّيخ أحمد وقال : لو رضيت برفعهم أمرك إليّ .. لما ألزمتك بشيء ، فقال : من يدفع التّهمة بعد الرّفع ؛ إذ لا بدّ من علوقها على أيّ حال ، فاخترت السّتر احتفاظا بالمروءة ، لا سيّما والمبلغ زهيد.

ودخل أحد أهل شبام على صديق له بها وهو يتغدّى ، فقال له : أما عندك ثمانية وسبعون؟ يعني لحم.

قال : لا ، ولكن عندي مئة وخمسون. وأحضر له عكّة السّمن ، وكلّ ذلك على الرّويّة من دون تفكير (٣).

__________________

(١) أحمد عبد الله بركات ، توفي بشبام سنة (١٣٤٦ ه‍) ، وله أشعار ونوادر ، جمع بعضها المستشرق سارجنت في كتابه : «الأدب العامي في حضرموت» ، وله مقامات أدبية نشرت ضمن «مجموع المقامات اليمنية» التي جمعها الأستاذ عبد الله محمد الحبشي ، وجمع بعض نكاته السيد الفاضل حسن بن سالم السقاف (السوم) ، المتوفى بجدة سنة (١٤١٨ ه‍) ، وسماها : «النوادر المضحكات من أخبار أحمد بركات».

(٢) الروبة : اللبن الرائب الحامض.

(٣) يعني بالثمانية والسبعين : مجموع حروف كلمة (لحم) ؛ فاللام ـ ٣٠ ، والحاء ـ ٨ ، والميم ـ ٤٠.


وكان لهم ـ كما سبق عن الحبيب أحمد بن عمر ـ في نقد الرّجال الفهم الوقّاد ، وعندهم من الإزكان (١) والتّخمين (٢) ما لا يحصره التّعداد. من ذلك :

أنّ امرأة لأحدهم كثيرا ما تأكل اللّحم وتعتذر بالهرّة ، فلم يكن منه إلّا أن وزن الهرّة عند السّاعة الّتي يتّهمها فيها بأكل اللّحم ، وخرج من الدّار ، ثمّ عاد وقال لها : أين اللّحم؟ فقالت : أكلته الهرّة. فوزنها ثانيا ، فلم يزد فيها شيء ، فانكشف الخيم ، وانهتك الحريم.

وآل شبام يغضبون من وزن الهرّة إلى اليوم لذلك السّبب ، بل يكرهون من غيرهم لفظ الوزن وإن لم يذكر معه الهرّ.

حدّثني المرحوم الوالد أحمد بن عمر بن يحيى قال : كتب إليّ بعض أهل التّيمور يطلب كميّة من البقر فأخذتها ، وفي العشيّ كنت أنا والشّيخ الفاضل سالم بن عبد الرّحمن باسويدان بمنزل أمير الإحسان ، السّيّد محمّد بن أحمد السّقّاف بسنغافورة ، فذكرت شراء البقر ، فقالوا : كيف كان شراؤك لها؟

فقلت لهم : بالوزن. فغضب الشّيخ سالم ، وظنّ أنّ فيه تنكيتا عليه ، وأنا لم أتعمّد شيئا من ذلك ، وإنّما أرسلتها بحسب السّجيّة ، وبقي على غضبه مدّة ليست باليسيرة.

ولسماسرة شبام اليد الطّولى في سنّ الفاتر ، وتعيير العائب ، إلّا أنّهم لا يسلمون من التّحريش بين النّاس ؛ بينما أحد شعرائهم بالسّوق ـ واسمه عليّ ـ .. إذ ظهر قرنه الّذي يهاجيه ـ وهو بازياد ـ فأشلوه عليه ، فتفطّن لها بازياد وقال :

يا علي خذ لك نصيحه

من رفيقك بازياد

الشّتم بيني وبينك

والضّحك لاهل البلاد

__________________

وبالمئة والخمسين : مجموع حروف كلمة (سمن) ؛ فالسين ـ ٦٠ ، والميم ـ ٤٠ ، والنون ـ ٥٠.

(١) الإزكان : الفراسة والفطانة.

(٢) التّخمين : ظنّ الشّيء بالحدس.


فارعوى عليّ ، وكان ذلك سبب الصّلح بينهما.

ولشبام ذكر عند الطّيّب بامخرمة ولكنّه قليل ؛ إذ لم يزد على قوله : (شبام مدينة عظيمة بحضرموت ، بينها وبين تريم سبعة فراسخ ، إليها ينسب جمع كثير ، وخرج منها جماعة من الفضلاء والعلماء والصّالحين ، منهم : الفقهاء بنو شراحيل ، والفقيه أبو بكر بامهرة ، والفقيه الإمام محمّد بن أبي بكر عبّاد ، والفقيه الصّالح برهان الدّين إبراهيم بن محمّد الشّباميّون. ومنهم : الفقيه وجيه الدّين عبد الرّحمن بن مزروع (١) ، والفقيه الصّالح محمّد بن عبد الرّحمن باصهي) اه (٢)

__________________

(١) هو العلامة الفقيه مفتي حضرموت ، له «فتاوى» جمعها تلميذه السيد القاضي أحمد شريف بن علي خرد توفي أوائل القرن العاشر ، وينقل عنها العلامة طه بن عمر الصافي في «المجموع الفقهي».

(٢) نسبة البلدان (خ ١٦٠) ، توفي سنة (٩٠٣ ه‍) ، أخذ عن الحافظ السخاوي وطبقته. ذكره في «الضوء اللامع».

تتمة : مدارس شبام : أقدم مدرسة قامت بشبام هي (مدرسة ومسجد الحارة القبلية) ، تبرع بأرضها المقامة عليها أحد السلاطين في مطلع القرن الثالث عشر الهجري ، وكانت هذه الحارة مصدر إشعاع علميّ وثقافي عمّ حضرموت بأسرها ؛ إذ كان إمام الدعوة الحبيب أحمد بن عمر بن سميط (١٢٥٧ ه‍) متوليا للإشراف عليها ، وأوقفت عليها وعلى طلبتها الأوقاف ، واستمرت هذه المدرسة تقوم بدورها حتى منتصف القرن الرابع عشر الهجري إلى حدود سنة (١٣٦٠ ه‍) ، وبعدها أغلقت لاحتياجها للترميم.

المدرسة الشرقية : تقع في الجهة الشرقية من شبام ، أسسها وبناها المشايخ آل التوي ، وكان كبيرهم المتولي لذلك العمل هو الشيخ أبو بكر بن محمد التوي ، وتاريخ وقفيتها يعود إلى سنة (١٣٣٥ ه‍) ، وقام بالتدريس بها محمد وعمر ابنا أبي بكر التوي ، وتولى إدارتها أولا الشيخ القاضي محفوظ المصلي ، ثم تعاقب على الإدارة شخصيات أخرى ؛ كالسيدين علي بن محمد بن سميط وعبد الله بن مصطفى بن سميط. ومرّت على المدرسة مدة توقفت خلالها ، لا سيما بعد وفاة الشيخ أبي بكر التوي وانقطاع الموارد المالية ، فقام الشيخ أحمد جبران بن عوض جبران بترميمها ، وجلب بعض مدرسين من تريم ؛ منهم الشيخ : عبد القوي الدويلة بافضل. ثم توقفت بعد مجيء الحزب الشيوعي ، وأخذت أرضها ظلما وبني عليها منزل لأحد الأهالي ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم في سنة (١٣٧٢ ه‍) فتحت المدرسة الحكومية في عهد السلطان صالح القعيطي ، وكان مديرها السيد عبد الله بن مصطفى بن سميط ، ثم ضمت بعد الثورة إلى مدارس الحكومة ، وسميت بعد ذلك بمدرسة الشهيد غسان ، وحاليا تسمّى : مدرسة الرشيد.


أمّا أحوال شبام السّياسيّة : فقد تقلّبت كسائر بلاد حضرموت ؛ إذ كانت أوّلا لحمير ، ثمّ تجاذبت فيها الحبال قبيلتا كندة وحضرموت ، وقد ذكرنا من ملوكهم ما انتهى إليه العلم في «الأصل» ، على ما في تلك الأخبار من الاضطراب والتّناقض.

ونزيد هنا ما جاء في «النّفحة الملوكيّة» (ص ٨٤) (١) : (أنّ مدّة ملوك كندة بالحجاز كانت من سنة (٤٥٠) إلى سنة (٥٣٠) ميلاديّة ، وأوّل من ملك منهم : حجر بن عمرو آكل المرار.

وكانت كندة ـ قبل أن يملّك عليهم ـ فوضى ، يأكل قويّهم ضعيفهم ، فلمّا تملّك حجر عليهم .. سدّد أمورهم ، وانتزع ما كان بأيدي اللّخميّين من أرض بكر بن وائل.

وكان ابتداء ملكه ـ حسبما مرّ ـ من سنة (٤٥٠) ميلاديّة ، ولمّا مات .. تملّك بعده ابنه عمرو بن حجر ، الملقّب بالمقصور ؛ لأنّه اقتصر على ملك أبيه فلم يتجاوزه.

وأقام ما شاء الله في الملك ، إلى أن قتل ، ثمّ خلفه ابنه الحارث بن عمرو ، وكان شديد البأس ، كثير المغازي والغارات ، فملّك ابنه حجرا على بني أسد وغطفان ، وابنه شرحبيل على بكر بن وائل ، وابنه معديكرب على بني تغلب ، والنّمر بن قاسط ، وسعد بن زيد مناة (٢) ، وطوائف أخرى من بني دارم والصّنائع. وابنه سلمة على بني قيس.

ثمّ إنّ الحارث بن عمرو كان قد سار إلى وادي سحلان فقتله بنو كلب ، وكان حجر بن الحارث أساء معاملة بني أسد ، وأهان سراتهم وقهرهم ، فهجموا عليه بغتة واغتالوه) اه

__________________

(١) اسمه بالكامل : «النفحة الملوكية في أحوال الأمة العربية الجاهلية» لمؤلفه الشيخ عمر نور الدين القاضي الأزهري الحنفي ، انظر : «معجم المطبوعات» لسركيس ص (١٥٢٤).

(٢) في «الكامل» لابن الأثير (١ / ٤٠٠) : أنّ معديكرب ملك : قيس عيلان وطوائف غيرهم.

وسلمة ملك : تغلب ، والنّمر بن قاسط ، وبني سعد بن زيد مناة من تميم. والله أعلم.


وزعم العينيّ في «شرحه لشواهد الألفيّة» : أنّ حجر بن الحارث هذا هو والد امرىء القيس أول ملوك كندة ، وأخطأ في ذلك أو انتقل عنده الفكر من حجر بن عمرو إلى هذا.

على أنّ ما سبق من بدء ملك حجر بن عمرو إنّما هو بالنّسبة إلى الحجاز ، أمّا في حضرموت .. فقد كان لهم ملك قديم قام على أنقاض ملك حمير حسبما أسلفنا.

وسبب تمليك الحارث أولاده على العرب أنّه ـ كما في «الكامل» [١ / ٤٠٠] ـ : (لمّا كان الحارث بالحيرة .. أتاه رؤساء القبائل من نزار ، وقالوا له : قد وقع بيننا من الشّرّ ما تعلم ، فنحن في طاعتك ، فوجّه معنا بنيك ينزلون فينا. ففرّق أولاده في قبائل العرب ملوكا عليهم).

وهذا ، وإن ذكر أكثره ب «الأصل» ، وكان ممّا يتعلّق بالحجاز لا بحضرموت .. فإنّ فيه زيادة ؛ ولكن كندة كانت تسكن البحرين ، ثمّ انتقلت إلى حضرموت وزهت بها دولتها ، وإنّما نجعت إلى أرض معدّ حين كرهت محاربة حضرموت ، ولانت لها بسبب اختلافها على الرّياسة بعض اللّين ، حسبما بيّناه في «الأصل».

وقد أقمت الحجّة فيه على من يريد أن يباعد ما بين امرىء القيس والأشعث بن قيس في المناسب بما لا يحتاج إلى الإعادة.

وفي «سبائك الذّهب» : أنّ معديكرب جدّ الأشعث من ولد حجر القرد ابن الحارث بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع ، والحارث بن عمرو بن معاوية هو الجدّ الثّالث فيها لامرىء القيس.

والملك في قبائل العرب لآل الحارث بن عمرو ، إلّا أنّ النّعمان بن المنذر ـ نائب أنو شروان ـ كان يبغض الحارث بن عمرو ، فله يد في قتله ثمّ في قتل ثلاثة من أولاده ، وإضعاف ملكهم حتّى لم تبق لهم إلّا مناطق محدودة بين الحجاز والشّام والبحرين ونجران اليمن وغمر ذي كندة. وأمّا ملك كندة بحضرموت .. فللمتوّجين من بني معاوية الأكرمين ، وآخرهم الأشعث بن قيس.


وجاء الإسلام وكندة على ملكها في بلاد حضرموت ، وكان ما كان من أخبار الرّدّة.

وفي سنة (١١٩ ه‍) نجمت الخوارج ، وتفرّعت عنها الإباضيّة الّتي بقيت منها ـ كما سبق في الرّشيد ـ بقيّة مذكورة في حضرموت حتى أواخر القرن الثّامن ، كما ذكره ابن خلدون في (ص ١٧٠ ج ٣) من «تاريخه» : (وأمّا مسجدهم الّذي بخبّة شبام فقد بقي بأيديهم إلى ما بعد ذلك بزمان طويل ، وما زالت نقاط محدودة من حضرموت ـ مع الاضطراب الهائل بالخوارج والإباضيّة ـ وكانت تلك النّقاط الّتي بأيدي الخلفاء ـ مع هذا الزّحام ـ تنبسط تارة ، وتنقبض أخرى ، حتّى كانت أيّام المأمون فخرجت عنه تماما ، فاستعان ببني يزيد الأمويّين ، فأخضعوها سنة «٢٠٦ ه‍» ، واستمرّت بها دولتهم إلى سنة «٤١٢ ه‍».

إلّا أنّه جاء في «التّاريخ» : أنّ المعتمد ابن المتوكّل أسند ولاية اليمن لمحمّد بن يعفر (١) ، ففتح حضرموت في حدود سنة «٢٧٠ ه‍» ، وولّى الهزيليّ شباما.

فأشكل ذلك عليّ بما اتّفقوا عليه من دوام ملك اليزيديّين الأمويّين إلى سنة «٤١٢ ه‍» بالنّيابة عن بني العبّاس ، حتّى رأيت في بعض تواريخ اليمن للكبسيّ : أنّ محمّد بن يعفر كان لا يرى مقاومة ابن زياد ، بل يهدي له ، ويوهمه الاعتراف له ، وربّما ذكره في الخطبة ، وكان مستقلا بأمر التّهائم) اه

وكان محمّد بن يعفر بن عبد الرّحيم أخذ البيعة في حياة أبيه من أهل اليمن للمعتمد بالله فولّاه ، فغلب على مخاليف اليمن ، إلّا التّهائم ، فبقيت تحت آل زياد كما تقدّم.

وفي سنة (٢٦٧ ه‍) حجّ محمّد بن يعفر ثمّ عاد وبنى جامع صنعاء. وفي سنة

__________________

(١) آل يعفر من ولد يعفر بن عبد الرحمن بن كريب الحوالي ، ومؤسس دولة آل يعفر هو يعفر بن عبد الرحيم الحوالي ، استمرت دولتهم من عام (٢٢٥ ه‍) إلى عام (٣٩٧ ه‍). كانوا أمراء على بلاد شبام كوكبان ، وامتد نفوذهم إلى صنعاء والجند وحضرموت. وهم غير آل يعفر الكهلانيين ، بنو يعفر بن مالك بن الحارث بن مرة بن أدد الكهلاني. قتل محمد بن يعفر سنة (٢٦٩ ه‍) على يد ابنه إبراهيم ، بإيعاز من أبيه يعفر بن عبد الرحيم. «بلوغ المرام» (١٨).


(٢٦٩ ه‍) أمر يعفر بن عبد الرّحيم حفيده إبراهيم بن محمّد بن يعفر بقتل أبيه محمّد بن يعفر ، فقتله فانتقضت عليه وعلى جدّه الأمور ، ثمّ وصل العهد من المعتمد ليعفر بن إبراهيم بن محمّد بن يعفر ، فقتل بشبام سنة (٢٧٩ ه‍) وقام بعده يعفر (١) بن عبد القاهر بن أحمد يعفر ، ثمّ عاد الملك لإبراهيم بن محمّد بن يعفر في سنة (٢٩٠ ه‍) ، وقام بعده ابنه أسعد بن إبراهيم ، وفي أيّامه ظهر عليّ بن الفضل القرمطيّ ، فاستعمل أسعد هذا على صنعاء ، ولمّا قتل القرمطيّ .. استولى أسعد على ملكه وعلى بناته ، وقتل ولده ، ثمّ توفّي أسعد سنة (٣٣٢ ه‍) ، وقام بعده ابنه يعفر ، غير أنّه مات بعد سبعة أشهر.

وأمّا الهزيليّ الّذي أسندت إليه ولاية شبام .. فمن بني فهد ، فالكلام متّفق مع ما مرّ عن ابن الحائك الهمدانيّ.

قال نشوان بن سعيد الحميريّ [من الكامل] :

وبنو الهزيل وآل فهد منهم

من كلّ هشّ للنّدى مرتاح (٢)

وآل يعفر بطن من حمير ، ويقال لهم : الأوزاع ، وقد رفع نسبهم صاحب «سبائك الذّهب» إلى زيد الجمهور بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أبير بن حمير بن سبأ (٣) ،

__________________

(١) في تلك الأثناء قدم إلى اليمن وال من قبل الخليفة العباسي ، وهو علي بن الحسين الملقب (حفتم) ، وهو آخر ولاة بني العباس باليمن ، ودخل صنعاء الإمام الهمداني ، ثم هرب منها ورجع الأمر للحواليين.

(٢) بنو الهزيل ـ بالزاي ـ وليس بالذال ، وكذا في «شرح قصيدة نشوان». قال في «شرحها» (ص ٢١٦) : من آل الهزيل : السلطان راشد بن أحمد بن الدغار بن أحمد بن أبي العلاء بن أبي الهزيل بن أبي النعمان بن هزيل بن فهد بن محمد بن عبد الله .. إلخ النسب المتصل بحضرموت من سبأ الأصغر.

ولهم بقية إلى اليوم ؛ منهم جماعة في قرية باهزيل الواقعة في وادي بن علي.

(٣) مر أن آل يعفر من الحواليين ، والحواليّون بطن من حمير ، فيه فخائذ عدة ؛ منها : ١ ـ بنو يعفر هؤلاء. ٢ ـ الأوزاع والأصابح بالحجرية. ٣ ـ العواسج في حيدان من خولان صعدة. ٤ ـ آل الأكوع.

٥ ـ آل الزواحي ، مؤسس الدولة الصليحية.


وكانوا يسكنون بجبل شبام (١) ، ولهم فيه حصون هائلة ، وهو جبل أشمّ ، صعب المرتقى ، ليس له طريق إلّا من جهة واحدة على خمس وعشرين ساعة من صنعاء.

وقال في «الإكليل» [٨ / ٨٥] : (وشبام مملكة آل يعفر الحواليّين ، وهي إحدى جنان اليمن) اه

ثمّ استولى من بعد آل يزيد أو زياد ـ الأمويّين نسبا ، العبّاسيّين دولة ـ بنو معن (٢) على عدن ولحج وأبين وحضرموت ، ثمّ جاءت دولة الصّليحيّ (٣) في سنة (٤٥٥ ه‍) وكانت شيعيّة تدعو وتخطب للأئمّة الفاطميّين بمصر والمغرب ، إلّا أنّ إمام الإباضيّة إبراهيم بن قيس كان يراوغ أئمّة عمان ، ويستدرّ منهم المعونة والمؤونة بزعم أنّه يزاحف الصّليحيّ ، وهو غير بارّ في قوله [من الطّويل] :

وأمّا نواحي حضرموت فإنّها

بحول إلهي طوع أمري وخاتمي

ولم يبق لي إلّا الصّليحيّ قائما

وها هوّ أيضا سعده غير قائم

وقد نزعت عنه القبائل نحونا

لما نظرت من رغمها في المآتم

وإنّما كان الأمر بالعكس ، وما نجّاه من براثن الصّليحيّ إلّا هربه ولياذه بتجيب ، وخضوعه لهم ، وتملّقه إليهم ، بشهادة ما سبق في هينن وغيره من أشعاره المذكورة في «الأصل» ؛ فلقد جاءهم بجريعة الذقن فأجاروه ، وأجاز الصّليحيّ جوارهم إيّاه.

وبإثر مقتل الصّليحيّ .. تقوّضت دعائم ملكه وشيكا عن حضرموت ، وبقيت الدّولة بها لآل قحطان الحميريّين بنفوذ محدود في نقاط لا تتجاوزها ؛ لانطباع حضرموت على الفوضويّة ، ولهم مشاغبات كثيرة مع بعضهم ومع الإباضيّة وقبائل

__________________

(١) المراد شبام كوكبان ، وكان يسمّى شبام اقيان.

(٢) كان ابتداء ملكهم سنة (٤١٢ ه‍) ، ينظر ما كتبه عن بني معن السيد أبو بكر المشهور في «تاريخ أحور».

(٣) وهم الباطنية ، أو الإسماعيلية ، ومنهم فرقة تسمّى : (البهرة) بعدن ، وسلطانهم بالهند ، إلى اليوم ، وفرقهم وجماعاتهم كثيرة.


البلاد ، حتّى جاء الأيّوبيّون ومواليهم الغزّ (١) في سنة (٥٧٥ ه‍) فعاثوا في البلاد ، وفعلوا الأفاعيل ، وماجت حضرموت بالقبائل النّاقلة إليها كما يموج البحر.

وسبق في آخر مادّة قعوضه أنّ نهدا لم تجىء من اليمن إلّا لأنّ حضرموت استنجدت بها. والله أعلم.

وفي سنة (٥٩٠ ه‍) ورد طغتكين بن أيوب إلى تريم وأخذ شباما (٢) ، وعاد إلى اليمن ومات به ، وطالت مدّة الغزّ بحضرموت ، والدّولة الاسميّة في خلال ذلك لبني قحطان ، تنازعهم شقّ الأبلمة (٣) فيها أمراء الطّوائف ورؤساء القبائل ، من بني حارثة الكنديّين ، وبني سعد ، وبني حرام ، وبني ظنّة ، وغيرهم.

وسياسة الغزّ تتقلّب ، تارة مع هؤلاء ، وتارة مع هؤلاء ، حسبما فصّل ب «الأصل». وجرت بينهم حروب وخطوب.

وآل يماني بن الأعلم وآل سعد يتناوبون على شبام وعلى غيرها من بلاد حضرموت ؛ لأنّ الحرب سجال بينهم ، وجرت مع الحبوظيّ في تلك الأثناء أحوال مفصّلة ب «الأصل».

وفي سنة (٦٧٨ ه‍) تمّ استيلاء الملك المظفّر الرّسوليّ على حضرموت (٤).

وفي سنة (٦٨٧ ه‍) توفّي السّلطان محمّد ابن السّلطان عبد الله بن راشد وكان مشهورا بالفقه (٥).

وبعقب انقضاء ملك آل قحطان ، وتلاشي أمر الرّسوليّين بحضرموت .. آل ملكها إلى آل أحمد بن يمانيّ والصّبرات.

__________________

(١) الغزّ : قبائل بدائيّة ، أصلها من الأتراك غير المسلمين ، اكتسحت إيران قبل انسياح التّتار بمناطق الشّرق الإسلاميّ.

(٢) تقدم سابقا ذكر بعض الغز في الشحر ، وكانت بداية دخولهم اليمن سنة (٥٦٩ ه‍) بقيادة توران شاه.

(٣) الأبلمة : بقلة لها قرون كالباقلّاء ، إذا شققتها طولا .. انشقّت نصفين سواء من أوّلها إلى آخرها.

وشقّ الأبلمة : مثل يضرب في المساواة والمشاركة في الأمر.

(٤) «شنبل» (١٠٣).

(٥) «شنبل» (١٠٧) ، وفيه سنة (٦٨٩ ه‍).


ثمّ إلى آل كثير (١).

ثمّ إلى الإمام المتوكّل على الله إسماعيل ، ثمّ ليافع ، إلّا أنّ يافعا لم تدّع سلطنة ، بل متى انتصب لهم سلطان .. بخعوا له بالاسم مع الاستبداد عليه بالعمل ، وقد يستغنون عن السّلطان بالكلّيّة ، إمّا برؤسائهم وإمّا بمنصب سيّدنا الشّيخ أبي بكر بن سالم.

وفي أيّام يافع كانت الدّولة الكثيريّة لآل عيسى بن بدر بشبام ، أوّلهم : عمر بن جعفر بن عيسى بن بدر.

ثمّ أخوه عبد الله ، وهو الّذي باع ليافع ناصفة شبام.

ثمّ منصور بن عمر بن جعفر بن عيسى بن بدر ، وكان شهما شجاعا حميّ الأنف ، أبيّ الضّيم ، وله تعلّق بجبل المجد ونجم الشّرف : السّيّد عمر بن محمّد بن سميط ، فكانت له عبادة ؛ منها : أنّ ورده في اليوم واللّيلة مئة ركعة.

ومن أخباره : أنّ السّيّد سالم بن صالح الحبشيّ كان من أثرياء شبام ، فطلب منه منصور إعانة ، فشكا إلى الحبيب عمر بن محمّد ، فعاتبه ، فقال : أنا لا أحبّ الظّلم وأكره أن أسيء أحدا من أهل البيت ، ولكنّ السّيّد سالما عنده من جيف الدّنيا ، لو وضعت جيفة عند المنبر في الجامع .. لأسرعت إليها الكلاب والضّرورة تحوج ، فقال الحبيب عمر للسّيّد سالم : أعطه.

وحجّ السّلطان منصور مع الحبيب عمر بن محمّد وأشيع موتهما كذبا ، ثمّ عادا بالسّلامة ، أخبرني بجميع هذا الأخ الصّالح المنصب عليّ بن عبد الرّحمن الحبشيّ.

ثم إن منصورا بقي كما كان عمّه مع يافع على المناصفة بشبام ، وجرت بين كلّ منهم وبين يافع وبين أصحابهم آل كثير مشاغبات ومحاربات من أشهرها : أنّ منصور بن عمر سمع حمود بن سعيد بن عبد العزيز يتهدّد رجلا من أهل شبام

__________________

(١) لمعرفة أخبار هذه الدويلات ينظر : «أدوار التاريخ الحضرمي» ، و «تاريخ حضرموت» و «تاريخ الدولة الكثيرية» ، و «الصفحات».


بالجامع ، فأمر عبيده أن يقتلوه بعد انفصاله عن حريم شبام ، ففعلوا ، فشقّ على آل كثير ؛ لأنّ حمودا عظيم المكانة بينهم ، فحصروا شباما وأخربوا موزعها ، حتّى جمعهم سيّد الوادي الإمام حسن بن صالح وأصلح بينهم وبين منصور بن عمر ، إلّا أنّهم بقوا في نفرة عنهم ؛ لأنّه لا يقرّ على ظلم أحد منهم ، ولا على تعدّيه ، حتّى وقعت (حادثة تريس) في حدود سنة (١٢٥١ ه‍).

وحاصلها : أنّ آل كثير وحلفاءهم هجموا على تريس واستولوا على جانبها الشّرقيّ ، فاستغاث صاحبها ابن النّقيب بيافع ، فأسرعوا ، وكانوا :

لا يسألون أخاهم حين يندبهم

إلى القتال على ما قال برهانا

فحصروا آل كثير ، ولمّا خرجوا .. لاقتهم شرقيّ البلد ، وأثخنت فيهم قتلا ، وسلبت قتلاهم ، فعادوا يتودّدون إلى منصور بن عمر ، وهيّجوه على يافع ، وكان يحرق عليهم الأرّم من الغيظ (١).

ولمّا كانت ليلة الفطر من سنة (١٢٦٠ ه‍) فعل منصور بن عمر فعلته الّتي فعل ، وانتهز فرصة خروج أكثر من بشبام من يافع إلى منازلهم خارجها للعيد .. فأعلن ثورته ، وقتل من بقي منهم بشبام وهم غارّون في المساجد ، واستقلّ بملك شبام (٢).

وقد أنكر العلويّون صنيعة ذلك ، إلّا الحبيب عبد الله بن عمر بن يحيى ؛ فإنّه هنّأه به في كتابه المطوّل الّذي سيرّه إليه بتاريخ عشر شوال من نفس السّنة ، وقد نشرت ذلك الكتاب في «الأصل» مع ما تعاظمني من إشكال صنيع الحبيب عبد الله بن عمر.

وفي آخر القعدة سنة (١٢٦٤ ه‍) باع منصور بن عمر ناصفة (٣) شبام على غالب بن محسن الكثيريّ صاحب سيئون وتريم بدراهم معيّنة ، بواسطة عبود بن سالم ، أعطوه قليلا ، ولووه بالباقي ، وعقدوا بينهم حلفا ؛ من شروطه : أن يتولّى الماليّة ، وينفق

__________________

(١) يحرق عليهم الأرّم من الغيظ : مثل يضرب عند شدّة غيظ الإنسان. والأرّم : الأسنان. وحرق : مأخوذ من قول العرب : حرق ناب البعير .. إذا صوّت.

(٢) «العدة المفيدة» (١ / ٣٣٤) ، «تاريخ الدولة الكثيرية».

(٣) ينظر : «العدة المفيدة» نهاية الجزء الأول وبداية الثاني.


على حربهم مع القيعطيّ ويافع مناصفة ، وعلى أن يبقى الحكم في شبام لمنصور بن عمر ، وعلى أن يدفع له من جباية ناصفته الباقية كلّ يوم سبعة ريال ، وبقي الأمر بينهم على وفق ، ولم يسلّموا له ما بقي من ثمن النّاصفة حتّى سفر بينهم النّاس ، ففسحوا له الصّفقة ، وردّوا له خطّ البيع ، وبقيت المنازعات بينه وبين آل كثير على أشدّ ما يكون من قيامها على السّاق والقدم ، ومثلها كان بينه وبين يافع .. فهو كما قال حبيب [في «ديوانه» ٢ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧ من الكامل] :

ما كفّ عن حرب الزّمان ورميه

بالصّبر إلّا أنّه لم ينصر

ما إن يزال بجدّ حزم مقبل

متوطّئا أعقاب ملك مدبر

حتّى ضاقت نفسه ، فباع ناصفة شبام الغربيّة للسّلطان القعيطيّ بعد أن حذّره الحبيب عمر بن محمّد وقال له : إنّ في هذا هلاكك ، قال له : لقد ضاق النّاس ، وواحد ولا جماعة.

وبقي هو وعوض القعيطيّ على المصافاة في العلانية والمكايدة في السّرّ ، ولكن .. ما كل مرّة تسلم الجرّة ، وفي الأثر : «بشّر القاتلين بالقتل». فدعوه في (٣) شعبان من سنة (١٢٧٤ ه‍) ـ وهي سنة الشّراء بنفسها ـ للمشاورة في أمر فضحّوا به وتغدّوه قبل أن يتعشّاهم ، وتمّ ملك شبام للقعيطيّ من ذلك اليوم إلى الآن ، والله وارث الأرض ومن عليها (١).

وأزياء آل شبام شبيهة بأزياء آل صنعاء ، إلّا في تطويل أكمام القمصان ، غير أنّ المتأخّرين من آل شبام غيّروا تلك الأزياء سيرا مع الظّروف.

وبيوت شبام كذلك على شبه بديار صنعاء ؛ فهي متضايقة ، ومنازلها وأزقّتها

__________________

(١) ولا زال أهل شبام يتناقلون أخبار المناصفة وكيف كانت الأحوال آنذاك في شبام ، من انتشار العساكر والجنود في الأزقة ، مع أن القعيطي بنى لجنوده مراكز عند كل مدخل. ويذكرون أن إحدى نساء شبام رأت جنديا يسير في الشوارع فخافت أن يداهم منزلها ، فلما قارب سدة بيتها .. أرسلت عليه حجر الرحى فرضّت رأسه فمات لتوه ، فلم يعد الجنود يسيرون بين البيوت ، بل اكتفوا بأماكنهم في الأطراف والأركان.


ضيّقة ، وجوّها ليس بالنّقيّ ؛ لكثرة مياه المراحيض (١) ، مع أنّ الشّمس لا تتخلّلها لطول ديارها ، فلا تقصر ما بها من الجراثيم.

وقد بلغني أنّ المتوفّاة بالسّلّ من نسائها كثير ، ومن كلام الحبيب أحمد بن عمر بن سميط عن الحبيب جعفر بن أحمد الحبشيّ : أنّ جوّ شبام كان طيّبا يشبه جوّ قارّة الصّناهجة ، وإنّما عرض لها الوخم من البواليع ومجاري القاذورات.

وكان لهم تشدّد بليغ في الحجاب ، حتّى إنّ أكثرهنّ لا تخرج إلّا جنازتها من سدة البلاد.

وقد اتّفق أن دخلت ساعة من نهار دار الشّيخ أحمد كويران ، فحدث لي اتّعاظ عظيم ، واقشعرّ جلدي ، وترطّب خدّي ، وذكرت ضيق القبور ، نسأل الله العافية والسّلامة.

وكانت بنت الشّيخ أحمد كويران هذا تحت الشّيخ جمعان بشير ، وقد ابتنى له ولعمّه دارا في جنوبنا ، حيث الفضاء الرّحب والهواء الطلق ، والنّسيم النّقيّ ، ومع ذلك فلا يبعد أن تحنّ إلى دار أبيها ، ومسقط رأسها ؛ فقد قال الأوّل [من الطّويل] :

وقد تعشق الأرض الّتي لا هوى بها

ولا ماؤها عذب ولكنّها الوطن

وكنت حريصا على سؤال الشّيخ جمعان عن ذلك ، ولكنّه كلّما جاءني في الأعياد .. نسيت.

أمّا ديار شبام الّتي تشرف على الفضاء من أطرافها .. فمن أجمل ما يكون ؛ لأنّ المناظر الّتي حواليها جميلة ، والفضاء واسع ، ولا سيّما في أيّام الخصب ، وأثاث الزّروع ، وانتعاش النّخيل ، إلّا أنّ الفضاء يقلّ في الجهة الجنوبيّة (٢) لقرب الجبل ، وأمّا في الثّلاث .. فإلى أبعد من مدّ النّظر.

__________________

(١) كان ذلك في السابق ، أما بعد زمن المؤلف .. فقد أدخلت المواسير والأنابيب ولم تعد المجاري مكشوفة.

(٢) وهي المشرفة على جبل الخبّة والسحيل والبطحاء.


وقد رأيت في صحيفة تسمى «المستمع» ـ تصدر من عاصمة الجزائر البريطانيّة ـ رسما شائقا ل (شبام) ، كتب تحته : ناطحات السّحاب بحضرموت!

ولا بدع ؛ فقد عرف ملوك حضرموت من الأمم العاربة كيف يبنون نواطح السّحاب قبل أن يسمع النّاس باسم أمريكا بألوف السّنين ، وإنّما سمع اسمها في الأخير ، وأوّل من ذكرها الصّوفيّ الكبير ابن عربيّ ، كما ذكرها بيرم في «تاريخه» ، ولكنّ الإفرنج يريدون أن يستأثروا باكتشافها دونه ؛ غمطا للحقّ ومعاذ الله ، أن يتلثّم.

نعام

هو واد في شمال شبام ، يفصل بينهما جبل ، تكون قارّة آل عبد العزيز في سفحه الشّرقيّ الجنوبيّ يذهب ذلك الوادي طولا من الشّرق إلى الغرب ، والجبال الّتي تنهر إليه متّصلة بالجبال الّتي تدفع إلى وادي سر ويبهوض ، بينه وبين جعيمه جبيل يسايرها غربا إلى مفتك الدّائرة ، وفي نعام قرى صغيرة ، وهو ممتدّ من الشّرق إلى الغرب ، وأوّل تلك القرى من الشّرق : بامشجع ، لآل ابن سبعين.

ثمّ : المحجر ، وهو الآن لآل مرعيّ ، طائفة من السّاكنين في بلّيل.

وفيه أطلال قديمة ، ترجّح أنّه محجر الزّرقان الّذي فتك فيه المهاجر بن أبي أميّة المخزوميّ وزياد بن لبيد بكندة.

وقد اقتصر «التّاج» و «أصله» على قولهما : (ومحجر الزّرقان موضع بحضرموت ، أوقع فيه المهاجر بن أبي أميّة بن المغيرة بأهل الرّدّة).

وزاد ياقوت [٣ / ١٣٧] على هذا قول المهاجر [من المنسرح] :

كنّا بزرقان إذ يشرّدكم

بحر يزجّي موجه الحطبا

نحن قتلناكم بمحجركم

حتّى ركبتم من خوفنا السّببا

إلى حصار يكون أهونه

سبي الذّراري وسوقها جنبا


وفي «الأصل» : أنّ كندة انهزمت من واقعة محجر الزّرقان ، ثمّ انحازت إلى النّجير ؛ فإمّا أن يكون في الجهة الغربيّة حصن يقال له : النّجير.

وإمّا أن تكون كندة ذهبت بالهزيمة عريضة ، وهذا هو الأقرب. أمّا محجر الزّرقان .. فما إخاله إلّا هذا. ثمّ : صهيبة ، للصقعان من آل عبد العزيز. ثمّ : مريخ ، لآل عبد العزيز أيضا. ثمّ : الحرية ، لهم وللمسامير. ثم : شرج نعام.

جعيمه

هي واديان ، يقال لأحدهما : الخطّ ، وللثّاني : الدّائرة.

فوادي الدّائرة يذهب إلى الغرب طولا إلى جبال وادي سر ، وشمالا إلى نجد آل كثير.

والخطّ يذهب إلى جهة الشّرق حتّى ينتهي إلى الجبال الّتي تنهر إلى وادي الذّهب.

وفي جعيمه قرى كثيرة ، غير أنّها صغيرة جدّا ، أوّلها من الجهة الغربيّة :

الشّاغي ، لآل بدر بن عبد الله ، وآل الشّرعيّ من آل سعيد. ثمّ : العقيقه ، لآل عوض بن عليّ من آل عبود بن عمر آل عبدات. ثمّ : هشيمه ، لآل سعيد ، ويقال : إنّ مرجع آل سعيد في النّسب إلى سعيد بن عليّ بن عمر ، واسم جدّهم : بدر بن سعيد ، وله أخوان ، وهما : مرعيّ جدّ آل بلّيل ، وجعفر جدّ الدّحادحة. ولسعيد بن عليّ أخوان ، وهما : يمانيّ جدّ آل يمانيّ ، وفلهوم جدّ آل فلهوم ، هكذا يقال.

ولآل سعيد شهرة بالفطنة ، ومن حكّامهم عبود بن بدر بن سلامة بن سعيد ، بلغ من ذكائه أنّ رجلا من آل شبام أكل تمرا هو وامرأته ، ثمّ قال لها : إن لم تميّزي نواي من نواك .. فأنت طالق ثلاثا ، فأعيت على كثير من العلماء ، فسئل عنها ، فقال : تجعل كلّ نواة وحدها ، وتنحلّ اليمين.

وهذه الفتوى هي عين ما يقوله الفقهاء في المسألة ، قال في «المنهاج» [٢ / ٥٦٢ ـ ٥٦٣] : (ولو أكلا تمرا وخلطا نواهما ، فقال : إن لم تميّزي نواك .. فأنت


طالق ، فجعلت كلّ نواة وحدها .. لم يقع) اه وذكر شرّاحه تفصيلا لا حاجة بنا إليه.

ومن آل سعيد : الشّيخ امبارك بن جعفر بن عمر بن عامر بن بدر بن سعيد بن عليّ بن عمر ، أبيض القلب ، مستوي السّرّ والعلانية.

ومنهم صالح بن محمّد بن بدر ، رجل له فكر ثاقب ، ورأي صائب ، توفّي ببتاوي ، ويأتي في حصن الحوارث ذكر محمّد بن عليّ بن عبود ، ولا يزال في آل سعيد بقيّة صالحة.

وهناك هشيمة أخرى لآل باوزير المشايخ ، ومنصبهم : الشّيخ كرامة بن سعيد.

ثمّ : الخندق ، لآل سعيد والخبارين. ثمّ : توخّري ، مساكن لآل زيمة. ثمّ : لصف ، لآل منيباري. ثمّ : مكان آل حصن.

ثمّ : مطارح ، لآل جعفر بن بدر العوينيّين ، ومقدّمهم : بقيّة العرب الصّميم ، محمّد بن سالمين.

ثمّ : جحورب ، لآل عامر بن محمّد من آل سعيد. ثمّ : الحوطة ، لآل باوزير ، ومنصبهم : الشّيخ سعيد بن عليّ باوزير. ثمّ : الجحي ، لآل جعفر بن بدر وآل سعيد بن عبد الله الوزيريّين ، من أواخرهم : الشّيخ عليّ بن سعيد باوزير ، المتوفّى سنة (١٣٢٤ ه‍) ، كان رجلا صالحا ، سليم الصّدر ، مجاب الدّعوة ، وله نوادر ؛ منها : أنّه كان راكبا مرجعه من عند الصّيعر ، ومعه ولده صالح ، ورجل من آل جوفان يشتكي من ألم العروق ، فقال يخاطب صالح بن عليّ :

يا شيخ صالح ؛ عسى عندك دوا للعروق؟ فأجابه الشّيخ عليّ بقوله : يخرجن منّك ويلحقن الولد لي يسوق ـ لولد يسوق معهم الأغنام الّتي أهديت لهم ـ فمنّ الله على ابن جوفان بالعافية ، وأصيب ذلك الولد بالعروق في الحال.

وكان مرة بدار أحد آل فحيثا ، فقال : (الحمد لله ، يا ساتر على كلّ حال) ، فصادف خروج السّيّد حسن بن عبد الله الحدّاد خارجا من بيت الخلا ، فقال :


(لا صدت نجوه ولا حصّلت ماء في الجحال (١)). فقال الشّيخ عليّ : (اللّوم والله عليهن ما نلوم الرّجال).

ثمّ : رضيمة ، لآل عليّ بن سعيد. ثمّ : شرج مدرك ، لآل جعفر بن بدر العوينيّين. ثمّ : حصن الرّكيّة ، للشّيخ محمّد بن سالمين السّابق ذكره. ثمّ : القطّار ، لآل زيمة. ثمّ : شرج آل القحوم.

ثمّ : العرقوب ، لآل عبود بن عمر آل عبدات. ثمّ : الجدفره ، فيها المسامير وآل الشّرعيّ. ثمّ : الختّ ، مكان آل دحدوح. ثمّ : بالسان ، مكان عوض بن سالم من آل عليّ آل سعيد. ثمّ : روضة آل مهري ، وروضة آل باهديله. ثمّ : صنعنون ، وباخبره ، والسّحيل : مكان آل سعيد.

سحيل آل مهري (٢)

هو واقع في جنوب شبام ، بسفح جبل الخبّة.

وفي أوّل سنة (١٢٨٢ ه‍) اتّفق رأي السّلطان غالب بن محسن وآل كثير على غزو شبام ، وجعلوا سحيل آل مهري مخزن التّموين ، وبعقب ذلك .. اشتعل الحرب ، وبقيت سجالا ، إلّا أنّ جانب القعيطيّ يقوى ، فانعقد الصّلح في القعدة من نفس السّنة ، وسلّم المعيقاب (٣) وحصون آل مهري للقعيطيّ على عشرة آلاف ريال ،

__________________

(١) الجحال ـ مفرده جحلة ـ : زير الماء.

(٢) آل مهري ، أو بن مهري : أسرة تنحدر من سلالة عيسى بن بدر بوطويرق ، من آل كثير. ديارهم بوادي سرّ قرب شبام إلى الجنوب. وإليهم ينسب هذا السحيل الواقع في سفح جبل الخبّة. «المقحفي» (٢ / ١٦٧٦).

(٣) المعيقاب : اسم حصن كان يقع قريبا من الحزم ، وكان يمثل الحدّ بين سلطنتي آل كثير والقعيطي ، وبه جماعة من السادة آل العيدروس من ذرية السيد محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن الشيخ الحسين بن عبد الله العيدروس ، ومن ذرية أخيه حسين بن علي ؛ منهم الحبيب العلامة الفقيه حسن بن عبد الله بن حسين العيدروس ؛ المتوفى بمكة سنة (١٢٩٨ ه‍) ، ومنهم حفيده السيد حامد بن محمد بن حسن العيدروس أحد أصدقاء المؤلف ، ذكره في «بضائع التابوت». وبالمعيقاب أيضا آل العيدروس ،


تسلّمها السّلطان غالب ، وتكدّر لذلك رؤساء آل كثير. وكانت هذه العشرة الآلاف نفقة الجيش الّذي فتح الشّحر في جمادى الأولى من سنة (١٢٨٣ ه‍).

وفي (٢٨) القعدة من السّنة المذكورة كان انهزام السّلطان غالب من الشّحر ، واستيلاء القعيطيّ عليها ، حسبما تقدّم في أخبارها.

الحزم

هو قرية بسفح جبل الخبّة الشّرقيّ الشّماليّ ، وأصلها : أنّ الشّيخ عون بن سعيد من آل روّاس بنى مسجدا في جانبه الشّرقيّ الجنوبيّ ، وبنى عنده سقاية وسقيفة إلى جانبه ؛ ليقيل فيها من ينحدر من شبام بعد قضاء حاجته ؛ لأنّ أهل تلك الأطراف يمتارون من شبام ، وأهلها لا يعرفون قراء الضّيف ، فلا يجد هؤلاء من يفتح لهم بها داره.

وكان أوّل من سكن الحزم وبنى به دارا هو : الحبيب أحمد بن عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الرّحمن بن محمّد بن أحمد بن حسين بن عبد الله العيدروس ، وكان ذلك في سنة (١١٢٧ ه‍) وبقي ـ مع إيثاره الخمول ـ يدعو إلى الله ، ويرشد الحائر ، ويعلّم الجاهل ، ثمّ ظهر ولده عمر بمظاهر المناصب فنسب إليه الحزم ، وقيل : حزم عمر بن أحمد (١).

ومن ذرّيّته : شيخنا الفاضل الجليل عيدروس بن حسين (٢) ، وصفه شيخنا

__________________

يقال لهم : آل شريم ، جدهم السيد محمد بن حسين بن علي بن محمد .. إلخ ، وقد انتشروا في شبام ودوعن وجاوة ومليبار بالهند.

ومن ذرية أخيه السيد أبي بكر بن حسين ، وقد انقرضوا من حضرموت ، وكان منهم السيد عباس بن عبد الله العيدروس بجاوة ، ذكرهم السيد المشهور في «الشمس» (١ / ١١٦).

(١) توفي الحبيب عمر بالحزم سنة (١١٩٩ ه‍) ، ودفن بشبام.

(٢) الحبيب المعمر عيدروس بن حسين بن أحمد بن عمر بن أحمد العيدروس ، ولد بالحزم سنة (١٢٤٤ ه‍) ، وتوفي سنة (١٣٤٦ ه‍) بالهند ، طلب العلم على والده وعمه وعلى علماء شبام ودوعن ، كان من كبار أهل عصره ، صاحب جاه وحشمة. ينظر «صلة الأخيار».


المشهور في «شمس الظّهيرة» بالشّرف والفضل والصّدارة ، وهو من أعظم المناصب شأنا ، وأثبتهم جنانا ، وأبعدهم مسافة غور عقل ، وكانت له هيئة وهيبة تملآن الصّدور ، وتستلفتان الأنظار ، وكان عالي الهمّة ، أبيّ النّفس ، حميّ الأنف ، يتحمّل الكلف الكثيرة في الإصلاح ، حتّى لزمته بذلك ديون كثيرة ، سافر من أجلها إلى الهند ، واتّصل به كثير من المريدين ، فبقي يتردّد إليها.

وفي إحدى قدماته إلى حضرموت وصل بأنابيب الحديد والآلات الارتوازيّة ، وشرع في حفر بئر لذلك ، تكبّد فيها الخسائر الباهظة ، وانتهى الأمر فيها إلى الفشل.

وقد ورد سيئون في سنة (١٣٢٦ ه‍) لزيارة جدّه المهاجر أحمد بن عيسى فنزل عندي ، وأقام يومين لم يزر فيها شريفا ولا مشروفا ، كنت فيها أنا وأولاده نجري الخيول من العشيّ وهو يتفرّج.

وبعقب ذلك أبحر إلى الهند ، ولم يزل ناشر الدّعوة فيها إلى أن توفّي سنة (١٣٤٦ ه‍) ، وله أولاد منهم : حسين ، ومحمّد ، وأحمد ، وأبو بكر ، وزين.

ومن ذرّيّة السّيّد عمر بن أحمد : الفاضل الفقيه السّيّد عمر بن عبد الرّحمن بن عليّ العيدروس ، له نكات ونوادر ، وتعلّق بسيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس ، توفّي بالحزم سنة (١٣٤٧ ه‍) (١).

الدّحقه

هي في جنوب الحزم ، وفيها آل سند ، كان منهم الشّيخ محمّد عامر بن سند ، حرّ كريم ، وعربيّ صميم.

فتى يتّقي أن يخدش الذّمّ عرضه

ولا يتّقي حدّ السّيوف البواتر

__________________

(١) ولد بالحزم في (٢) رجب سنة (١٢٧٩ ه‍) ، وشيخ تخرجه هو الحبيب عيدروس بن حسين السابق الذكر ، والحبيب عيدروس بن عمر الحبشي ، وكان يقيم بالغرفة مددا متطاولة للأخذ عنه ، كما طلب العلم بشبام. ترجم له في «تاريخ الشعراء» (٥ / ٧١ ـ ٧٩) ، وكانت وفاته (٥) شوال من السنة المذكورة.


ولكنّه بإصراره على مبدئه الكثيريّ لم يجن إلّا خيبة الأمل ؛ إذ ترفّع عن مواساة القعيطيّ ، ولم يظفر بشيء من الكثيريّ ، حتى إنّ خلفه جاء مرّة وافدا من الدّحقه فلم يجد من يسقيه الماء بسيئون ، فعاد أدراجه ينفض مذرويه من ساعته.

ومرجع آل سند في النّسب إلى بني أميّة ، ولكنّه دخل في عداد الفخائذ آل كثير.

وجرت بينهم وبين آل مرعيّ بن طالب حروب لم يزلّ فيها نعلهم ، ولم يمل ركنهم.

السّليل أو السّرير (١)

لكلّ منهما ذكر لا يهمّنا عند ياقوت ، ونقل البكريّ عن ابن إسحاق أنّ واديي خيبر : خلص والسّرير.

والّذي نحن بسبيله على اسم موضع باليمن ، لا أذكر محلّه الآن من «الأصل». وقال ابن خلدون : (السّرير آخر أعمال تهامة من اليمن ، وهي على البحر دون سور ، وبيوتها أخصاص) اه

و (السّليل) أو (السّرير) : فضاء واسع ، في غربيّه شبام ، والجبل الّذي يكون الحزم بسفحه ، فالدّحقه داخلة فيه ، ويمتدّ إلى أسفل حضرموت ، ثمّ إلى سيحوت وبلاد المهرة.

وفي شماله الجبل النّجديّ الّذي أوّله : فرط قبوسه ، وحدّه من الجنوب الطّريق السّلطانيّة.

ومن ورائها : وادي بن علي ، وأوّله فيما يلي الطّريق الّتي إلى جنوبها : حوطة آل أحمد بن زين ، فليست من السّليل ، ولكنّها قاعدة بلاد بني سعد من وادي بن عليّ.

__________________

(١) وهو عند بامطرف : المنطقة المزروعة ذات النخيل ، الواقعة بين مصب وادي بن علي غربا ، وبين مصب وادي شحوح شرقا.


ويدخل في السّليل كلّ ما كان من قرى آل كثير وحصونهم ، من الحزم إلى محاذاة سيئون في عروضها الشّماليّة ، بل إلى ما وراء ذلك.

ومن أوائل السليل : فرط قبوسه (١) ، وهو مكان مشهور بكثرة الكنوز الحميريّة المدفونة فيه ، وكان الشّيخ عبد الله معروف باجمال (٢) يجزم بها وبكثرتها جدّا ، وله شعر في ذلك أوردناه في «الأصل» ، وذكرها أيضا غيره.

وقال الهمدانيّ في الجزء الثّامن [ص ١١٨ ـ ١٢١] من «الإكليل» : (ذكر بعض حمير عن أسلافه ، عن كعب الأحبار : أنّه أدرك من لقي من عشيرته سطيحا وخبّره أعقاب من لقي شقّا : أنّهما سئلا عن كثير من أخبار اليمن ، فخبّرا بأحداث كثيرة ، منها : أنّهما قالا : باليمن أربع بقاع مقدسة أو مرحومة ، وأربع محرومة أو مشؤومة ، وثمانية كنوز). ثمّ عدّد جميع ذلك ، وذكر أنّ الثّامن من الكنوز : بالحمراء من حضرموت ، وساق خبرا طويلا قال في آخره : (وهذا حديث مرسل ، لم يقع لنا بإسناد ، فذكرناه على حاله) اه

وأهل حضرموت يسمّون ذلك المكان : فرط الحميرا ، كما جاء في شعر الشّيخ باجمّال ، فهو هو.

ومن وراء قبوسة جنوبا : القارة (٣)

وهي كما قال ابن الحائك الهمدانيّ : (هي قرية عظيمة لهمدان ، وفيها حصن) اه (٤)

__________________

(١) قبوسه : تقع شمالي شبام إلى الغرب ، وفيها بئر قبوسه التي يقال : إنها تعود إلى عهد عاد ، فيقال لها : البئر العادية. وآل قبوس أو بن قبوس : أسرة معروفة ؛ منهم جماعة يسكنون الحوطة ، وجماعة في جعيمه. ولعل هذه المنطقة نسبت إليهم.

(٢) هو ابن الشيخ معروف بن محمد باجّمال السابق ذكره في شبام توفي الشيخ عبد الله بشبام سنة (١٢٩٢ ه‍) أو بعدها ، وهو شاعر شعبي وأديب بليغ ، له مقامات وأدبيات جميلة. ينظر : «تاريخ الشعراء».

(٣) وتعرف بقارة آل عبد العزيز.

(٤) صفة جزيرة العرب (١٦٩).


وسكّانها من زمان قديم : آل عبد العزيز ، في عداد آل كثير من قبيلة آل عامر.

والسّيّد أحمد بن عبد الله شنبل لا يطلق لفظ الشّنافر إلّا على آل عبد العزيز ، لكنّ الأمر يتردّد بين هؤلاء والعوامر ، فإنّه كما يقال لأهل القارة : آل عبد العزيز ، كذلك يقال للعوامر : آل عبد العزيز.

وقد ذكر لهم في حوادث سنة (٩١٦ ه‍) أمورا جرت بينهم وبين آل محمّد الكثيريّ في مدوده ، والعوامر أقرب إلى مدوده من أهل القارة ، ويتأكّد ذلك بما سيأتي في تاربه.

ثمّ إنّ قرب القارة من شبام ـ وهما كما مرّ لهمدان ـ يرجّح أنّ سكّانها الآن من آل عبد العزيز هم من أعقاب الهمدانيّين ، كما أنّ آل كثير مصفقون على أنّهم بأسرهم من همدان ، والمؤرّخون متّفقون على أنّهم ـ أعني آل كثير ـ من بني حرام ، وبنو حرام كما قرّره الملك الأشرف من نهد ، فتأكّد أنّ نهد شبام والقارة ومن لفّهم يرجعون إلى نهد همدان ، وأنّ أهل الكسر ومن لفّهم يرجعون إلى نهد قضاعة ، كما يظهر أنّ نهد قضاعة ناقلون إلى حضرموت ، ونهد همدان من أتلاد البلاد.

هذا ما تنصبّ عليه القرائن وتلتئم به أطراف الكلام ويؤكّده الاستصحاب المقلوب (١).

وسيأتي في ريدة الصّيعر ـ آخر الكتاب ـ عن ابن الحائك أنّ فرقة من همدان ، يقال لهم : المحائل ، كانت من كندة ، فلعلّهم أصول آل كثير.

أمّا المهرة والحموم والمناهيل .. فإنّهم وإن كانوا من قضاعة الحميريّين .. فلا يمكننا الجزم بأنّهم من قضاعة دون نصّ صريح ، أو قرائن تتأكّد بها الظّنون.

__________________

(١) الخلاف في نسب آل كثير ، وحاصله :

من يرى أنهم من بني ظنّة ؛ فهم من نسل سبأ بن حمير. ومنهم : الحبيب أحمد بن حسن العطاس ، والأستاذ الشاطري.

ومن يرى أنهم من نهد قضاعة ؛ فمرجعهم في النسب إلى همدان. وهو ما حكاه الهمداني ، والأشرف الرسولي ، والمؤلف.

ينظر : «الأدوار» (٢٣٤) «تاريخ الدولة الكثيرية» ، «المقحفي».


وآل عبد العزيز ثلاث فرق :

آل سويد ، والصّقعان. وآل جعفر بن سويد. وآل عمر بن عليّ.

يبلغ عدد رجالهم بالقارة سبعين رجلا ، وكان من أواخر رؤسائهم : الشّيخ لحمان بن عليّ ، وكان آل عمر بن عليّ قتلوا إباه في حرب بينهم ، ولمّا تراخت وكثر دونها عدد الأيّام .. جرت بينهم الإصلاحات على عاداتهم ، ونهنهت الأحقاد حتّى جاء في اليوم الثامن والعشرين من شعبان أحد آل عمر بن عليّ إلى عند الشّيخ لحمان في طلب الصّلح لرمضان وما بعده فلم يسعفه ، ولمّا خرج من عنده وكاد يصل إلى داره صوّب إليه بندقيّته فأرداه ، وأشاع من عشيّة يومه أنّ رمضان قد دخل ، والعرب قد يتسامح بعضهم بالقتل في اليوم التّاسع والعشرين من الشّهر ويسمّونه الفلتة ، كما بسطت الكلام عليه في «الأصل».

أمّا الثّامن والعشرون .. فلا يستحلّه أحد منهم ، وفي حين دفن المقتول من اليوم التّاسع والعشرين .. استسقى أحد آل مرعيّ ماء ، فشربه أمام النّاس ؛ ليحرّش به على الشّيخ لحمان ، وما زال رئيسا على قومه إلى أن مات فخلفه ولده عبد الله بن لحمان.

ومن آل عبد العزيز الآن : الشّيخ ناصر بن عبد الله ، رجل شهم يسكن السّواحل الأفريقيّة.

وفي حضرموت : الشّيخ سعيد بن محمّد ، شاعر جزل بلسانهم ، وهو الّذي أشار إلى تعيير الشّيخ عبيد صالح بن سالمين بن طالب ، لمّا توارى عن غسل العار الّذي جرّه الشّيخ عليّ بن سالم بن طالب بن يماني عليه وعلى الدّولة وعلى آل عبدات وجماعات من القبائل بقتله الماس وهم يخفرونه جنبا بجنب في سنة (١٣١٩ ه‍) ـ بقوله :

الهيج لي بين العدل ما ثار

سمين والذّروه كبيره

يا ريت له بيعه على جزّار

والّا على منصب عقيره

وإنّما لصق العار بعبيد صالح أكثر من لصوقه بمن سواه وفيهم الدّولة الكثيريّة ؛


لأنّه أقربهم إلى عليّ بن سالم ، ولأنّه شيخ آل كثير إذ ذاك ، فشأنه فيهم أقوى من شأن السّلطان.

ومن أخبار سعيد بن محمّد هذا أنّه كمن في أحد مساجد الغرفة مع عبدين لهم ، فأردى حمود بن عزّان الفاس في قتيل لهم عند آل الفاس ، وكان حمود هذا خرج من حصنهم متّعدا مع أحد آل خالد بن عمر في حاجة إلى الغرفة ، وكلّ منهما خفير الثّاني ، إلّا أنّ سعيدا أرداه قبل أن يتلاقيا ، ولكنّهما متخافران وما بينهما إلّا قيس السّهم ، فزعم الشّيخ صالح بن محمّد بلفاس أنّها مكيدة من آل خالد ليمهّدوا لصاحبهم الثّأر إذ هم كلّهم من آل عامر وبإثر ذلك اتّقد الشّرّ بينهم ، وهجم آل فاس على بافيّوح وجرى ما هو مفصّل ب «الأصل».

وآل كثير ثلاث فصائل :

ـ آل عامر : ومنهم آل عبد العزيز هؤلاء وآل عبدات وغيرهم.

ـ وآل عمر : ومنهم آل طالب وآل العاس وآل الفاس وآل فلهوم وغيرهم.

ـ والفرقة الثّالثة فخائذ ، وهم : آل عون ، وآل منيباري ، وآل زيمة ، وآل الصّقير ، ومن لفّهم ، ولهم مشجّر يحفظ أنسابهم ، موجود عند الشّيخ عبد الله بن سالمين بن مرعيّ الآتي ذكره في بلّيل.

وفي شرح البيت (٣٧) من «الأصل» ما يتعلّق بآل كثير ، وأنّهم من بني ظنّة ، وأنّ بني ظنّة من بني حرام ، ولكن ممّا يستدرك عليه : أنّ بالسّلمات (١) من بلاد الجوف ناسا من آل كثير ، يرجعون في النّسب إلى همدان ، يقال لسلطانهم الموجود اليوم : منصّر قوزان.

وقال الهمدانيّ في «الصّفة» [٢٣٢] : (وبلد حرام من كنانة ، وهي : وادي إثمد ، وضنكان ، فالحرّة حرّة كنانة ، والعقد ، وحلي ، وهو مخلاف ، وقصبتها الصّحاريّة موضع رؤساء بني حرام) اه

__________________

(١) منطقة في جنوب مدينة الحزم من بلاد الجوف ، فيها قبائل بني نوف ، وهي واقعة على أكمة مرتفعة.


وفي موضع آخر «منها» [٢٢٨] ـ بعد أن عدّد مواضع ـ قال : (يسكن هذه البلاد من قبائل نهد : معرّف ، وحرام ـ وهي أكثر نهد ـ وبنو زهير ، وبنو دريد (١) ، وبنو حزيمة ، وبنو مرمّص (٢) ، وبنو صخر ، وبنو ظنّة ـ وظنّة من عذرة ـ وبنو يربوع ، وبنو قيس ، وبنو ظبيان) اه

وبالقارة ناس من آل الحامد بن الشّيخ أبي بكر بن سالم.

وكان فيها الشّيخ عليّ قيران (٣) ، سائل مدفوع عن الأبواب ، ولكنّه من أهل السّرّ والخصوصيّة ، يسأله أرباب القلوب عن مشكلات صوفيّة ، فيجيبهم عنها بما لا يخطر لأحد على بال ، نازله حال وهو يلقّم بقرة بالأجرة فاندهش عقله ، وألقي على لسانه اسم البقرة المصفرّة ، فبقي يلهج ويوشح بها كلامه.

وفي كتاب «المعمّرين» لأبي حاتم السّجستانيّ : (أنّ النّمر بن تولب رضي الله عنه تعمّر مئتي سنة وخرف وألقي على لسانه : انحروا للضّيف ، أعطوا السّائل) اه

ولعليّ قيران غرائب وعجائب ولمّا مات .. لم يشعر أحد بموته ؛ إلّا بعد ما شرعت الوحوش تأكله ؛ لأنّه أشعث أغبر ، ساقط عن العيون ولكنّه داخل تحت قوله : «ربّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب .. لو أقسم على الله لأبرّه». وكان والدي رضوان الله عليه يبرّه ويطلب دعاءه.

ومن وراء القارة إلى جهة الجنوب حصن الهاجريّ : وهو أوّل حصون آل كثير في شرقيّ شبام.

وفي شرقيّه : حصن قسبل ، لآل سويد ، وله ذكر في التّاريخ.

وفي شرقيّه : مسيال وادي بن عليّ.

وعلى ملتقاه بمسيال سر يكون : القروقر هو حصن لآل خالد بن عمر في شرقيّ

__________________

(١) في «صفة جزيرة العرب» : (دويد).

(٢) في «صفة جزيرة العرب» : (مرمّض) ؛ بالضاد المعجمة.

(٣) الشيخ علي قيران ، مدفون في سفح جبل يقع خلف القارة ، على مسيرة نصف ساعة بالسيارة لوعورة الطريق المؤدية. وهو من أهل القرن الرابع عشر.


القارّة إلى جهة الجنوب ، ابتنوه في الوقت الأخير على أنقاض أطلال بالية ، يحيط به فضاء واسع ؛ لأنّ النّظر يمتدّ منه جنوبا إلى أن ينقطع أمده دون أقصى وادي بن عليّ ، وغربا إلى أقصى وادي نعام ، وشرقا إلى أقصى حضرموت ، وشمالا إلى فرط قبوسه.

وتحفّ به تربة طيّبة ، تدلّ على سابق عمران ، وخصوبة جناب ، فلهو جدير أن يكون محرّفا عن قراقر الّذي يقول عمرو بن شاش الأسديّ في روضته [من الطويل] :

وأنت تحلّ (الرّوض) (روض قراقر)

كعيناء مرباع على جؤذر طفل (١)

المحترقه

هي واقعة في شرقيّ هدّامه إلى شماله ، وهي المسمّاة في سابق الزّمان : أنف خطم.

وفيها صدر الحكم من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بين المتنازعين في أرض منها ، حسبما هو مفصّل ب «الأصل».

وفيها كان غدر آل وبر بولاة الحول آل الجرو ؛ فلقد استأصلوهم قتلا في سنة (٦٠٤ ه‍) ، وما أفلت منهم إلّا عشرة.

وآل وبر من همدان ، كانت مساكنهم بالجوف خلف صنعاء ، فنجع هؤلاء إلى حضرموت ، وبه يتأكّد ما تقرّر من الفرق بين نهد قضاعة ونهد همدان ، ووجود الفرقتين بحضرموت.

وكان آل الجرو (٢) أمراء على الحول ، ولهم خيل وحول وقوّة وشوكة ، غير أنّ آل وبر أخذوهم بالحيلة.

__________________

(١) العيناء : البقرة الوحشيّة. جؤذر ـ بفتح الذّال وضمّها ـ : البقرة الوحشيّة أيضا. الطّفل : المولود.

(٢) ومن أعلام آل الجرو المتقدمين : الشيخ عوض بن أحمد الجرو ، سبط الفقيه الإمام محمد بن عمر بحرق ، عاش في القرن العاشر ، وله كتاب هام في التاريخ والأنساب يسمّى : «الفرج بعد الشدة في إثبات فروع كندة». ومن آل الجرو جماعة بشبام ؛ منهم : الشيخ الفاضل عبد الرحمن بن عبد الله بن سالم الجرو ، الملقب أبو البلاد ، توفي بشبام سنة (١٤٠٧ ه‍) ، ومنهم جماعة بالحوطة ونواحيها.


وآل الجرو وآل باحلوان إخوة من أمّ وأب ، ونسبهم في كندة ، ولا يزال منهم جماعة ، بحوطة آل أحمد بن زين من حضرموت ؛ منهم :

صديقنا الشّيخ عليّ بن عمر الجرو ، كان تاجرا ، ولكن عليه آثار الشّهامة التي يظهر بها سرّ انتسابه إلى الملوك حتّى في صوته الأجشّ ، وكلامه الجزل ، توفّي بحوطة آل أحمد بن زين في حدود سنة (١٣٦٠ ه‍).

وكان أبوه من أهل الصّدق الصّالحين ، وكذلك كان أخوه عبد الله بن عمر الجرو ، ولعبد الله هذا ولد اسمه : صالح ، ذكيّ أديب ، وفيّ الذّمام ، صادق الكلام ، مرضيّ الخلائق ، محمود الشّيم ، له تجارة بعدن.

وعلى مقربة من هذا المكان كانت الواقعة الهائلة ، المسمّاة : (حادثة المحائل) بين القعيطيّ والكساديّ من جهة ، وآل كثير وسلطانهم من الأخرى في سنة (١٢٨٥ ه‍).

بحيره

هي في شرقيّ القروقر ، وهي قسمان :

جانبها القبليّ لآل محمّد بن عمر ، من فصيلة آل عامر تغلب عليهم البساطة والسّلامة ؛ فهم أسلم آل كثير اليوم جانبا ؛ لأنّهم يمشون بسوق الطّبيعة ، ولا يزيد عدد رجالهم اليوم عن عشرين.

وجانبها الشّرقيّ : لآل كدّه من آل عامر أيضا ، ولا يزيد عدد رجالهم عن عشرة.

وكان فيها جماعة من ذرّيّة السّيّد عيدروس بن سالم بن عمر بن الحامد ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم ، ولكن استأثرت بهم الغرب والمنايا ، ولم يبق منهم باقية إلّا النّساء (١).

وكان ينتابها الشّيخ عتيق باجبير ، وهو رجل تقيّ نقيّ ، صادع بالحقّ ، آمر

__________________

(١) بل لا زال منهم جماعة بها.


بالمعروف ، ناه عن المنكر ، كثيرا ما يجابه الجائرين بقول الحقّ ، لا يهاب ولا يداهن ، وكان مع ذلك مضحاكا مزّاحا ، وله دالة عظمى على الأكابر.

وأصله من الحوطة ، وله بها مسكن صغير ؛ مرّ الحبيب حسن بن صالح البحر تحته مرّة فناداه : يا حسن ؛ ألا تحبّ أن تزور الملك ـ يعني نفسه ـ في قصره؟ فقال له : بلى.

ولمّا عزم على الدّخول ـ وكان الباب قصيرا ـ .. قال له : طأطىء رأسك كما هي العادة في الدّخول على الملوك ، ففعل ، ثمّ قدّم له طاسة من الفخّار تفهق (١) بالماء ، وقال له : اشرب ؛ فإنّ هذا كأس الملك ، وسيّد الوادي يمتثل كلّ ما يقول بصدر مشروح وخاطر مبسوط.

ولعتيق هذا نوادر :

منها : أنّه أراد أن يختبر أهل بلاده بحيره ، وكان إمامهم وخطيبهم ومعلم أولادهم ، فقال لهم : إنّ لي شغلا يوم الجمعة بشبام ، وأنتم بالخيار :

إمّا أن تكفوا أنفسكم بغيري يقوم بالواجب.

وإمّا أن تتركوها.

وإمّا أن نقدّمها يوم الخميس؟ فاختاروا هذه ، فجمّع لهم يوم الخميس.

وقال في الدّعاء : لكم الهجّ والرّجّ والحصا المدحرج ، فقالوا : آمين!

وقد رأيت في بعض التّواريخ أنّ عمرو بن العاصي أشار على معاوية أن يختبر طواعية أهل الشّام بتقديم الجمعة ، فرضوا ، وصلّاها بهم يوم الثّلاثاء.

وكان ذلك أيّام خروجهم إلى صفّين ، ففي ذلك أسوة ليست بالحسنة.

ومنها : أنّ أحد أعيان السّادة آل أحمد بن زين الحبشيّ طلب إليه أن يذهب معه إلى هينن ، فرضي على شرط أن يعقبه على الفرس إذا تعب ، وأن لا يأكل إلا ويده معه.

__________________

(١) تفهق : تمتلىء.


فلم يف السّيّد بالشّرط ، فركب فرسه على غفلة منه ، وأقبل على الحوطة يصيح بنعيه ، فصلّوا عليه ، واقتسموا تركته ، ولبست ثياب الحداد امرأته!

ولمّا أقبل السّيّد يقضم الإرمّ عليه من الغيظ ، عازما على قتله لأخذه الفرس .. وجد أنّ الأمر أدهى وأمرّ ، ولكنّ عتيقا لاذ بالمنصب فأدخله بين عياله حتّى سوّيت المسألة.

ومرّة : دعا آل أحمد بن زين من الحوطة إلى سيئون في رمضان للإفطار والعشاء عنده في أيّام الخريف ، ولمّا تتامّوا في البيت بعد أن نفخ القرب وأشعل النّار في المطبخ .. أغلق الدّار عليهم ، وركب أحد خيلهم إلى الحوطة حيث استجار بالمنصب ـ وكان أحدهم يتظاهر بالشّجاعة ـ فتصور له بصورة منكرة ، يوهم أنّه جنّيّ ، وتسوّر عليه الجابية وصاح في وجهه ، فخرج السّيّد عريانا ، فلاقاه مع جماعة أعدّهم له ، وقال له : أين الشّجاعة الّتي تدّعيها؟

ومرّة : نادى سيّد الوادي الحبيب حسن بن صالح البحر بصلح ما بين قبائل آل كثير بأسرها ، ولمّا فرغ المنادي من ذلك .. قام عتيق ينادي ويقول : حسن بن صالح عقد صلح بين القبائل على المساكين ؛ ليتفرّغوا لهم ويفعلوا فيهم ما يشاؤون من التّعدّي والجور ، فأمر البحر المنادي أوّلا بأن يقول : ومن تعرّض لمسكين .. فهو خارج عن الصّلح.

وكان النّاس إذ ذاك يوفون الكلام ويبلغون الذّمام ، فمرّت الأيّام بسلام.

وله من الجرأة على العلماء والكبراء في الممازح ما لا يحصى.

فلله منه جانب لا يضيعه

وللهو منه والبطالة جانب (١)

وأخباره في المعنى لا يرقى إليها الحصر ، ولا تنالها الأعداد.

__________________

(١) البيت من الطّويل.


هدّامه

في شرقيّ بحيره وغربيّ المحترقه ، لآل كدّه ، لا يزيد عدد رجالهم بها الآن عن ثمانية.

حواليها كانت الحادثة الكبرى بين آل جعفر بن طالب من جهة وآل كدّه ، وآل محمّد بن عمر من الجهة الأخرى ، وفيها كان قتل عائظ بن سالمين بن عبد الله بن سعيد ، في جماعة من أصحابه ، وأشار إلى ذلك باعطوة بقوله في رثائه :

جبل عرض له جبل من دون هدّامه

وتعاطبوا بالجنابي والرّصاص السّود

وسبب تلك الحادثة أنّ أحد آل كدّه أخذ عذق خريف من نخل آل جعفر بن طالب ، فقتلوا واحدا أو اثنين من آل كدّه ، فغضب من قتل رجالهم في عذق ، وأصبح برجاله على شعب آل جعفر بن طالب ، فخرجوا عليهم ، فانسحب آل كدّه بانتظام ، وسقط منهم اثنان ، ولمّا بلغوا المسيال .. أراد عائض الرّجوع ؛ لأنّه قد ملك ، فما أراد أن يسجح ، لا سيّما وقد أصاب الغرض ، فأراد أن يطفىء ، ولكن عيّره بعض أصحابه وقال له : تريد القهوة عند غصون؟ وهي امرأته ، وكانت من آل عبدات ، فتقدّم بهم وكان آل كدّه تمنّعوا بكوت لهم وبأكوام من الرّمل ، فحمل آل طالب بالسّلاح الأبيض.

وأراد سيّدي عبد الله بن حسن بن صالح البحر أن يخرج بلوائه وطبوله ليحجز بينهم السّيّد عبد القادر بن حسن البحر ، فدعا عائض وما خرج .. إلا وقد جاءت الطّامّة والخرائب أنّ أحد آل كدّه ـ واسمه هو يديّ تماسك هو وعائض بن صالح بن سالمين ، وأثخن كلّ صاحبه ، وحمل هو يديّ إلى القارّة بآخر رمق ، ولمّا دخل عليه النّاس .. سأل عن عائض ، فقالوا : نحن نسألك عن نفسك وأنت تسأل عن عدوّك؟! قال : أمّا أنا .. فكم من بدويّة ستأتي بمثلي وأفضل ، أمّا عائض .. فقد عقمت النّساء أن تلد مثله ، فقالوا له : هلك.

قال : طاب الموت ؛ لأنّ آل كثير سيموتون من بعده ، ثمّ لم يلبث أن فاضت روحه .. فرحمة الله على أهل الإنصاف ؛ فإنّه عندي أكبر من قبولة عائض ، ولجدير بالنّساء أن لا يعقمن من مثل هويديّ المذكور.


مسيلة آل كدّه (١)

هي واقعة في شرقيّ القروقر إلى الجنوب ، فيها حصن للشّيخ سعيد بن عوض بن كدّة وهو حصن رفيع منيع ، إذا أنير أعلاه بالكهرباء .. ذكّرك بقول البحتريّ [في «ديوانه» ١ / ٤١ من الكامل] :

عال على لحظ العيون كأنّما

ينظرن منه إلى بياض المشتري

وبما أنّ هذا من عيون الأشعار وفرائدها. فقد تولّع الشّريف الرّضيّ باختلاسه ، فقال [في «ديوانه» ٢ / ٢١٦ من البسيط] :

عال على نظر الأعداء يلحظهم

لواحظ الصّقر فوق المربأ العالي

وقال من أخرى (٢) [من البسيط] :

عال على نظر الأعداء يلحظهم

لواحظ الصّقر فوق المربأ العلل

ثمّ كان الشّيخ سعيد ليّن الجانب ، سهل الأخلاق ، بعيدا من الشّرّ ، يحبّ قضاء الحاجات ، وتفريج الكربات ، لا يردّ مقترضا قطّ ، ثمّ إن أعاد له ما اقترضه .. وثق به ، واستمرّ على قضاء حاجته عند كلّ طلب ، وإن لم يردّ .. كانت الفيصولة بدون مطالبة فيما عنده.

مات آخر سنة (١٣٦٠ ه‍).

وقد خلّف عدّة أولاد غائبين ، وما كان حاضرا عنده يوم توفّي إلّا ولدان ، أحدهما صغير ، والآخر هو : محمّد بن سعيد ، وكان من أوفى الخلق ذمّة ، وأصدقهم لهجة ، وأوفاهم عهدا ، ولكنّها لم تطل مدّته ، بل مات وشيكا بعد والده في سنة (١٣٦٢ ه‍) ، فاستولى على أموالهم رجل تواطأ مع قاضي سيئون ووزيرها ، وأرضاهم حتّى أثبتوا رشد ولد الشّيخ سعيد الّذي ذكرنا أنّه صغير ، والحال أنّ بينه وبين

__________________

(١) آل كدّه ـ بضم الكاف فتشديد الدال المكسورة ـ : فخيذة من آل عامر من بطون آل كثير ، ومنهم جماعة بالمهرة يسكنون محيفيف.

(٢) لم نعثر في «الديوان» المطبوع على هذا البيت في قصيدة غير التي ذكرناها.


الرّشد مسافات فيح ، تلغب بينهنّ الرّيح ، فناب ذلك الرّجل عنه ، وأساء الصّنيع ، وعمل فيهم بوصيّة الحطيئة (١) ، فتزوّج مخلّفة الشّيخ سعيد عوض ، وخضم (٢) أموالهم خضمة الإبل نبتة الرّبيع ، وليته وقف عند ذلك الحدّ ، بل ما كفاه ذلك حتّى طرد ولد محمّد بن سعيد عن حصن أبيه وجدّه ، فأيّ محبّ لا يشتكي من الألم؟ وقديما كان يقال : من استرعى الذّئب .. ظلم ، وجاء في تلك الديار موضع قول القائل [من الكامل] :

عرصات عزّ كان يذكر أهلها

بالخير خيّم في رباها اللّؤّم

وقد اتّهم هذا الرّجل بالمشاركة في قضيّة عبيد صالح بن عبدات ، فأصابه شؤبوب من البلاء الّذي نزل به ، فكسبوا حصن الشّيخ سعيد من أجله ، وأخذوا شيئا ممّا فيه ، إلّا أنّه استغلّ ذلك فاتّهمهم بأكثر ممّا أخذوا ؛ ليبرّر خيانته بذلك ، ولكنّ الحقائق لا تخفى عند البريء من الغرض. وما في مسيلة آل كدّه الآن أكثر من خمسة عشر رجلا.

ومنها كان عامر بن كدّه قاتل عائظ بن سالمين ، وولده بشر بن عامر ، كان معمور الفناء ، مفتوح الباب ، ولذا تراكمت عليه الدّيون ، وكان يعطي لغرمائه عهدة فوق عهدة من حيث لا يشعر أحدهم بالآخر ، ومرّ ذلك في ستر جوده وكنف سياسته حتّى توفّي في حدود سنة (١٣٦٢ ه‍) ، فانكشف الأمر.

وفي جنوبها مائلا إلى جهة الغرب مكان يقال له : بارفعه ، فيه شخص واحد من آل السّقّاف يحترف بالرّبا.

وجماعة من آل هذبول ، ونحو عشرين رجلا من آل عمر بن طالب.

وإلى جنوبه مكان يقال له : العادي ، فيه نحو عشرة رجال من آل كدّه ، رئيسهم : بدر بن محمّد بن كدّه.

__________________

(١) روى أبو الفرج الأصفهانيّ في «الأغاني» (٢ / ١٨٨ ـ ١٩٠) وصية الحطيئة مطولة .. فلتنظر هناك.

(٢) خضم : قطع.


وفي جنوبه إلى الشّرق : مكان آل الوعل (١) ، فيه منهم نحو عشرة رجال.

ثمّ : مكان آل فحيثا ، فيه منهم نحو عشرين رجلا.

الحاوي (٢)

فيه جماعة من ذرّيّة السّيّد عمر بن علويّ الحدّاد ، أخي القطب الحدّاد ، من أواخرهم : السّيّد جعفر بن طه الحدّاد ، وكان مضرب المثل في القوّة والأيد ، حتّى لقد اجتمع عليه أربعون من الصّينيّين في بتاوي فهزمهم ، وأثخن فيهم ضربا ولكما ، ولمّا رفعت عليه الدّعوى .. قضى له الحاكم الهولنديّ بالبراءة.

وأنشد بلسان حاله قول المرأة [من الطّويل] :

تجمّعتم من كلّ صوب ووجهة

على واحد لازلتم قرن واحد

وكان يخرج باثني عشر جملا موقرة من عدن إلى مكانه الحاوي وحده ، لا يعينه أحد ـ في حطّها وترحالها ـ من خلق الله ، وله أولاد كثير (٣) :

منهم : السّيّد طه بن جعفر ، يكرم الضّيوف ، ويفعل المعروف ، ويصل الأرحام ، ويواسي المنقطعين من الأنام ، وله محبّة في الخيل ، ومهارة في ركوبها عليها كسائر أسرته وأولاده ، وهو الآن بجاوة في قرية تقرب من بتاوي.

__________________

(١) آل الوعل ، منهم الشاعر الشعبي المعروف عايض الوعل ، وهم من بطون كندة.

(٢) ويقال له : حاوي الحوطة ؛ تمييزا له عن الحاوي الشهير الذي بقرب تريم ، وسيأتي ذكره ، وأول من سكنه من السادة آل الحداد هو الحبيب العلامة طه بن عمر بن علوي الذي أصهر على ابنة الحبيب أحمد بن زين وهي الشريفة (الحبابة) سلمى بنت أحمد ومنه تسلسلت ذرية آل طه بن عمر ، وأما آل محمد بن عمر .. فلهم وجود بسيئون ونواحيها ، ومنهم جماعة بشبام.

(٣) لم يذكر سنة وفاته بالأصل ، ولم يترجم له في «نور الأبصار في مناقب الهدار» ، ومن ذريته : السيد الفاضل عباس بن عبد الله بن جعفر الحداد ، ولد بالجهة الجاوية حدود عام (١٣٣٧ ه‍) ، وأخرجه والده إلى حضرموت للدراسة في رباط تريم ، وانقطعت أخباره عن والده بسبب الحرب العالمية ، وعاش زمنا بين شبام والغرفة والحوطة ، ثم استقر به الأمر في الشحر ، وهو بها الآن.


ومنهم : السّيّد طه بن عليّ (١) ، وصل الحاوي عمّا قريب ، وهو رجل صالح مشارك في طرف من العلم ، وقد سرّني لقاؤه في ربيع الأوّل من عامنا هذا بالحوطة ؛ لأنّه يناهز الثّمانين ، وقد أدرك الرّجال وأخذ عنهم ، فأطربني بأحاديثه الشّهيّة عنهم ، في أخبارهم حتى تذكّرت قول العباس بن الأحنف [من الطّويل] :

وحدّثتني يا سعد عنهم فزدتني

شجونا فزدني من حديثك يا سعد

وممّا أفادني في ذلك اليوم أنّه قال : حضرت مجلسا ببتاوي شهده كثير من أعيان العلويّين ؛ منهم الحبيبان محمّد بن أحمد المحضار ومحمّد بن عيدروس الحبشيّ فأنشد ولدي مشهور قصيدة بصوت شجيّ ، أثلجت خواطرهم ، وملكت سرائرهم ، واستجلبت خشوعهم ، واستمطرت دموعهم ، ولمّا سألوا عنها .. قال ولدي مشهور : إنّها لك ـ يعنيني ـ قال : فأطنب الحبيب محمّد المحضار في تفضيلك وفي الثّناء عليها وعليك ، حتّى استغرق ذلك المجلس الّذي حضره جماعة من أصحابك ؛ منهم : السّيّد عبد الله بن أحمد بن طه السّقّاف ، وما أظن ذلك إلّا قد بلغك من أحدهم.

فقلت له : كلّا وإنّ توكّن (٢) غربان الأحساد في صدورهم ليمنعهم عن مثل ذلك ؛ إذ هم كما قال طريح بن إسماعيل الثّقفيّ [من البسيط] :

إن يسمعوا الخير أخفوه وإن سمعوا

شرّا أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا

وكما قال الشّريف الرّضيّ [من البسيط] :

إن عاينوا نعمة ماتوا بها كمدا

وإن رأوا غمّة طاروا بها فرحا

وللسّيّد طه هذا ولد يقال له : أحمد مشهور ، أديب ذكيّ ، وهو الآن في ممباسا من السّواحل الأفريقيّة ، وقاضي الحاوي الآن هو السّيّد عبد الله بن طه الحدّاد ، حسن السّمت ، كثير التّواضع (٣).

__________________

(١) السيد طه بن علي بن عبد الله الهدار الحداد ، ولد (بجاوة) ، وتوفي بالحاوي سنة (١٣٦٨ ه‍).

(٢) توكّن : عشعش ، والوكن : عش الطائر.

(٣) أضيف في هامش المخطوط : (توفي السيد عبد الله هذا في عامنا بعد إنجاز هذا).


وادي بن علي (١)

بما أنّنا ذكرنا بعض حصون وقرى السّليل ، وكانت الحوطة في جنوبه ، وهي آخر بلاد وادي ابن عليّ .. اقتضى الحال أن ننتقل إليه ، ثمّ نعود لما نزل عنه من باقي السّليل.

فوادي ابن عليّ داخل في النّجد الجنوبيّ كدوعن ووادي العين وساه وما لفّها ، وهو أكبر أودية حضرموت ، حتّى إنّهم ليقولون : لا يضرّ بحضرموت جدب متى أخصب ، ولا ينفع خصبها متى أجدب.

وهو واسع الأطيان والشّراج ، كثير القرى ، ونحن نذكرها على حسب مواقعها ، مبتدئين من أعلاه الجنوبيّ.

فأوّل قراه : القيرح (٢) ، وديار الزّمالكه وآل منيف. ثمّ : عقدة الوهالين. ثمّ : البريكه لآل ثابت. ثمّ : جروب البريكه.

وهاته القرى والشّراج بين مسيلين للماء ، أوسعها الغربيّ ، وأمّا الشّرقيّ .. فإنّه ساقيتان بينهما العقبة ، ثمّ الظّاهره ، ثمّ تلتقيان.

وأمّا الغربيّ : فمن ورائه قرى كثيرة ، من جنوبه إلى شماله ، أوّلها : الخنم.

ثمّ : خموسة. ثمّ : الظّاهر. ثمّ : ديار آل مبارك. ثمّ : عرض الرّبيخة. ثمّ : زهر الجنان للسّادة آل الحامد ؛ ومنهم : السّيّد الصّالح الجليل ، صاحب المناقب

__________________

(١) ينسب وادي بن علي إلى قبيلة آل علي جابر من الشنافر ، والشنافر يطلق كما سبق على : آل كثير ، وآل علي جابر ، والعوامر ، وآل باجري ينظر «أدوار التاريخ الحضرمي» (٣٧٦) وما بعدها.

ومن فخائذ آل علي جابر : آل يماني ، وآل حسن وهم سكان الوادي ، وآل عامر.

(٢) القيرح هذه لا تعدو كونها بيتين ، فيها السيد المعمر الصالح حسن بن صالح بن حسن الحامد ، المتوفّى سنة (١٤٢٠ ه‍) عن نحو (١٣٠) سنة ، وهو ممن أدرك مسند حضرموت الحبيب عيدروس بن عمر الحبشي ورآه عيانا ، وحصلت له منه الإجازة العامة ، حيث دخل في إجازته لأهل عصره.


الكثيرة ، والكرامات الشّهيرة حامد بن حسن (١). ومنهم : ولده محمّد ، شهم نافذ في الأمور ، فيصل في الأحكام.

ثمّ : باهزيل. ثمّ : ركبة محيصن. ثمّ : جروب آل جعفر المسيطيّ. ثمّ : موشح (٢). ثمّ : جدفرة الصّيعر. ثمّ : السّفوله لآل سيف. ثمّ : بامعد. ثمّ : بامعدان لآل عبد الله محمّد من آل مرعيّ بن طالب ، كان منهم صديقي الوفيّ ، الشّيخ طالب بن مرعيّ ، رجل شهم ، مستوي السّريرة والعلانية ، إذا وعد .. صدق ، وإذا قال .. وفّى ، ذهب مع ظلم اليابانيّين ، وكان آخر العهد به ـ رحمة الله عليه ـ وله عدّة أولاد نجباء ؛ منهم : محمّد وعوض ، إلّا أنّ الأوّل يتشدّد في مبادىء الإرشاديّين ، والثّاني يتقبّله.

__________________

(١) الحبيب حامد بن حسن الحامد من آل الشيخ أبي بكر بن سالم ، وكان يلقب : (بيّاع السيول) لظهور كراماته وانتشارها بين الناس ، توفي أواسط القرن الرابع عشر.

(٢) موشح هذه كانت بلادا وبيئة مشهورة بكثرة الجن ، وكانوا في زمن الإمام الحداد يتخطّفون الصغار ، فوضع الإمام الحداد راتبه الشهير لما اشتكى أهلها عنده.

وبها سادة من آل العطاس ، منهم السيد الفاضل الحبيب أحمد بن حسين بن محمد بن شيخ بن أحمد بن حسين بن محسن بن حسين بن الحبيب عمر العطاس ، المتوفى نحو سنة (١٣٩٢ ه‍) ، وكان مولده بسدبة ، ثم انتقل إلى موشح وتديرها ، وبها ولد ابنه السيد حسين بن أحمد الموجود بها الآن.

ومن موشح هذه نجع بعض من آل باقلاقل وسكنوا شبام ، وهو الفاضل هادي باقلاقل ، والد سعيد ومبارك ابني هادي ، وكان الشيخ مبارك هذا من الفضلاء الصالحين ، شديد الملازمة للسادة آل سميط ، لا سيما الحبيب مصطفى بن عبد الله ، وكان ابنه الشيخ الفاضل محفوظ بن مبارك من طلاب العلم النابهين ، تخرج من المدرسة الشرقية عند الشيخ محفوظ المصلي ، ولازم السيد عبد الله بن مصطفى إلى وفاته ، وهو مقيم بالخبر شرقي السعودية.

وابن عمه الشيخ الفقيه الدكتور صالح بن سعيد بن هادي ـ المولود بشبام حدود (١٣٦٥ ه‍) ، والمتوفى بالمدينة المنورة في (١٤١٧ ه‍) ـ كان عالما فاضلا ، ذكيا ألمعيا ، خفيف الظل ، درس بشبام على يد السيد عبد الله بن مصطفى ، وبتريم على السيد محمد بن سالم بن حفيظ وشيوخ الرباط ، ثم واصل دراسته الجامعية في الجامعة الإسلامية المدينة المنورة ، وتخرج منها بدرجة الدكتوراه عام (١٤٠٧ ه‍) تقريبا ، وظل مقيما بها حتى توفي في التاريخ المذكور آنفا ، رحمه الله وخلفه بخلف صالح.


ثمّ : مسجد النّور. ومن وراء السّاقية الشّرقيّة : المصنعه. ثمّ : ظلوم. ثمّ : حبره. ثمّ : النّخش. ثمّ : الرّوضه. ثمّ : ديار الصّويل.

ثمّ : بلاد الغريب (١) وقد كانت معمورة ، وفيها جامع وصدقات واسعة.

وفيها : الشّيخ حارث باشراحيل ، جدّ آل باشراحيل ، والشّيخ عبد القادر باشراحيل ، وهو الّذي بشّر بالحبيب أحمد بن زين ، وهو في بطن أمه ، ولموته قصة توجد في «مجموع» كلام الحبيب أحمد بن عمر بن سميط.

وفيه : أنّه كان في شبابه على زيّ الجند ، حتّى لقيه بعض السّادة بتريم فقال له : ابن من أنت؟ فقال : ابن الشّيخ محمّد باشراحيل ، فقال له السّيّد : حاشا محمّد باشراحيل منك ، فوقعت من قلبه ، وجاء إلى مسجد حارث ، وآلى على نفسه أن لا يخرج منه إلّا بعد أن يختم القرآن ، ثمّ كان من أمره ما كان.

ومن بلاد الغريب أيضا : الفقيه أحمد بن عبد الله بن عمر باشراحيل ، من مشايخ الحبيب أحمد بن زين الحبشيّ.

وقد ذكرت في الشّحر أنّ آل باشراحيل يرجعون إلى عباهلة حضرموت ، والدّليل على ذلك : قول العلّامة المحقّق الشّيخ عمر بن عبد الرّحمن ، صاحب الحمرا ، في مناقب شيخه العيدروس : (وجدت بخطّ الشّيخ أحمد بن محمّد باشراحيل العبهليّ الحضرميّ ..) إلى آخر القصّة الّتي رواها عن شيخه فضل بن عبد الله بن فضل الّتي لا يعنينا منها إلّا قوله : (العبهلي) ، والظّاهر أنّ الشّيخ أحمد ليس إلّا من آل باشراحيل المذكورين.

والعباهلة هم المشار إليهم بقول نشوان بن سعيد الحميريّ [من الكامل] :

وعباهل من حضرموت من بني

حمّاد والأشبا وآل صباح

قال في شرحها : (العباهلة : الّذين أقرّوا على ملكهم لا يزالون عنه ، ومن ذلك : كتاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الأقيال والعباهلة من آل حضرموت.

__________________

(١) بلاد الغريب هذه اندثرت الآن ولم يبق لها أثر.


وذو حمّاد وذو جدن بطنان من ولد الحارث بن حضرموت بن سبأ الأصغر ، وكذلك سبأ بن الحارث ، وهم الأشباء ؛ منهم : محمّد بن عمر بن عبد الله ، قاتل معن بن زائدة ببست) اه (١) ، وقد فصّلت مقتل معن ب «الأصل».

وفي سنة (٥٨٣ ه‍) بني مسجد الغريب ، وهو أوّل ما بني في القرية.

ومن وراء بلاد الغريب إلى الشّمال : ديار آل عبود. ثمّ : بلعقبة. ثمّ : زبيد ؛ وهي : ديار وشراج كانت لآل عبدات ، ثمّ غلبهم عليها آل مرعيّ بن طالب وأخذوها منهم عنوة عليهم بعقب قتال ، مفصّل خبره ب «الأصل». ثمّ : محلّ الصّقعان. ثمّ : جفل (٢) ؛ وهو مكان واسع ، فيه جملة قرى ، أوّلها من جهة الجنوب : الجدفره : لآل سلامة بن مرعيّ. ثمّ : الجوة : وهي حوطة الشّريفة سلوم بنت زين بن علويّ بن أحمد بن هاشم المقبور بالحسيّسة. ثمّ : سحيل الفقرا : فيه آل باشراحيل وغيرهم.

ومن الاصطلاح أنّ من وضع السّلاح يقال له : تفقّر ، وكان آل باشراحيل وضعوا السّلاح ودخلوا في طريق التّصوّف ، فقيل لهم : فقراء ، ونسبت إليهم هذه القرية. وفيها أيضا آل السّقّاف ؛ منهم :

المرحوم السّيّد عبد الله بن أحمد بن سالم سبول السّقّاف ، السّابق ذكره في الشحر ، وعبد الله هذا أحد صدور العلويّين ووجهائهم ، توفّي بسنغافورة في أيّام اليابان ، وله ولد نشيط يسمّى عبد الرّحمن.

وأكبر ما يطلق جفل على هذه القرية والنّاس يلفظون بها بالجيم ويكتبونها كذلك ، ولكنّ الحبيب محمّد بن زين بن سميط ضبطها في «قرّة العين» بالياء المثنّاة من تحت ، مع أنّها تطلق أيضا على الجهة عامّة ، وفي «تاريخ الطّيّب بافقيه» أنّ الفقيه الصّالح أبا بكر بن محمّد بلحاجّ والوليّ الصّالح عبد الله بن عمر باهرمز توفّيا فجاءة بيفل في سنة (٩٠٤ ه‍).

__________________

(١) «خلاصة السيرة» (٢١٣).

(٢) وتنطق (يفل) ، بكسر الياء والفاء ، وفيها مسجد ينسب لبعض المشايخ آل باصهي فقهاء شبام ، ولعله الفقيه سالم بن عبد الرحمن باصهي القديم.


وقد بناها آل جميل السّعديّون بمساعدة آل يمانيّ وآل أحمد والصّبرات ، وآل ثعلب ، وصاحب مريمه ، وبعض آل كثير ، وكان هؤلاء اتّفقوا في سنة (٨٤٥ ه‍) للقضاء على الدّولة الكثيريّة ، وحاصروا الحصن الّذي بنته في الغرفة شهرين ، فانتهز تلك الفرصة آل جميل وابتنوا قرية جفل بمساعدة أولئك (١) ، وكان ذلك في أيّام السّلطان عبد الله بن عليّ الكثيريّ (٢) ، المتوفّى سنة (٨٥٠ ه‍).

وقال الشّيخ محمّد بن عمر باجمال في كتابه «مقال النّاصحين» : (حكي أنّ السّلطان عبد الله بن عليّ حاصر بني سعد بقرية جفل في رمضان ، فناداه أحدهم وقال له : أهذه صدقتك؟! ، فارتحل عنهم.

ويحكى : أنّه أهدى فرسا لفاضل بالكروس السّعدي ، ولما أراد اللّحوق بأصحابه وهم حرب للسّلطان .. ردّ فرسه ، وقال : حاشا لله أن أستعين عليه بفرسه).

وقد ذكرت لهذه أمثالا كثيرة في «بلابل التّغريد» تستخرج التّرحّم على أهل الوفاء من أعماق القلوب ، وصوادق الألسنة.

وعلى ضدّها ما جاء في الثّورة العربيّة : أنّ الشّريف فيصل بن الحسين تسلّم عشرات ألوف الدّنانير من الأتراك في اللّيلة الّتي أعلن حربه عليهم من صبيحتها.

وإنّي لأعجب ممّن يسمّى : الحسين المنقذ .. بعد ما شاع أنّه أخذ المسلمات من نساء الأتراك وهنّ متعلّقات بأستار الكعبة ، وسلّمهنّ في جملة الأسرى للإنكليز مجرّدات (٣) ، مع أنّ الدّولة العثمانيّة هي الّتي ربّت شحم كلاه.

أقول هذا لا عن تعصّب ، بل لو كانت بي محاباة .. لحابيته ؛ إذ لم يكتب لأحد بحضرموت غيري بنبأ تلك النّهضة المشؤومة ، ولكنّ الدّين فوق كلّ عاطفة ، ولئن

__________________

(١) «تاريخ شنبل» (١٧٧).

(٢) السلطان عبد الله بن علي بن عمر بن جعفر بن بدر الكثيري ، تولى حكم حضرموت من سنة (٨٢٥ ه‍) تقريبا إلى وفاته بعيد سنة (٨٥٠ ه‍) ، «تاريخ الدولة الكثيرية» : (٢٠ ـ ٢٢).

(٣) ولقد كوفىء على فعله هذا بأن سجنته حكومة الإنكليز بجزيرة قبرص ، ومات فقيرا جائعا شريدا طريدا ؛ مصداقية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أعان ظالما على ظلمه .. سلطه الله عليه».


صحّت الأخبار بأخذه نساء الأتراك القانتات المؤمنات على تلك الحال .. فما هو إلّا أمر عظيم ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

وانظر فرق ما بين هذا وما فعله الإمام يحيى ؛ فلقد أحسن وأفضل ، وأعان وأجمل ، ولم يخذل الدّولة العثمانيّة عندما تقاصرت خطاها ، بل ساعد بما أشرنا إلى قليل منه في «الأصل» ، مع ما بينهما من الأشلاء الممزّقة ، والأرواح الذّاهبة.

فلقد أخبرني العلّامة الشّيخ محمّد بن عليّ بن طه الهتاريّ (١) قال : (أخبرني خليل أفندي ، أمين صندوق الحديدة للأتراك في أيّامهم : أنّ الّذين قتلوا في حروب اليمن من عساكر الدّولة العثمانيّة يبلغون بالإحصاء الرّسميّ سبع مئة وخمسين ألف قتيل) ولا بدّ بالطّبع أن يقتل من اليمانيّين ما يناسبهم ، ولكنّ الإمام يحيى أظأرته الرّحم الإسلاميّة ، فحيّاه الله وبيّاه ، لقد اقتنى بذلك كمالا وجمالا ، وتأثّل به الشّرف الخالد ، والأجر التّالد ، وكانت له العاقبة الحسنة.

وبلغني : أنّه كان يثني على الشّريف محمّد بن عليّ الإدريسيّ بأنّه لم يسلّم أسيرا ولا شبرا من بلاده للأجانب ، على كثرة ما ابتزّ من خزائنهم من أموال.

ومن وراء جفل إلى الشّمال :

حصن آل الرّباكيّ

وهو أطلال حصن داثر ، بقلّة قارة شاهقة ، فيها بئر عميقة ، وفي جانب تلك القارة غار يصل إلى البئر ، كأنّ أحدا حاصر الحصن ، ولمّا أعياه .. حفر بجانب القارّة حتّى انتهى إلى البئر فقطع على أهله الماء.

وقد انتصبت القرائن على أنّ هذه القارة هي قارة الأشباء ، ومنها بيت نشوان بن سعيد الآنف الذّكر ، وقد جاء في «تاريخ شنبل» : أنّ قارة الأشباء عند آل حسن ،

__________________

(١) كان إمام وخطيب مسجد الهتاري بعدن ، في التواهي ، كان فاضلا مشاركا في العلم ، وله اتصال بالعلامة علوي بن طاهر الحداد ، وبينهما مكاتبات.


وهم من بني سعد كما سيأتي في الحوطة (١).

وفي أخبار سنة (٨٠٨ ه‍) : (أنّ آل جميل بنوا قارة الأشباء) ، وكأنّها خربت سريعا ؛ ففي «تاريخ شنبل» : (أنّ محمّد بن عليّ بنى قارة الأشباء في سنة ٨٢٧ ه‍) (٢).

وفي أخبار سنة (٨٤٠ ه‍) أنّ الكثيريّ أخرب باهزيل بجهة الغريب والأشباء ، وكانتا تحت يده يومئذ.

فكلّ هذه الأخبار ترجّح أنّها هي هذه القارّة ، ولا يغبّر عليه قول ابن الحائك الهمدانيّ : (ثمّ حوره ، وهي مدينة عظيمة لبني حارثة من كندة ، ثمّ قارة الأشباء ، وهي لكندة) اه (٣).

فإنّه قد يفهم من هذا أنّ قارة الأشباء قريبا من حوره ، ولكن يجاب عنه بشيئين :

أحدهما : أنّ الهمدانيّ في «الصّفة» كثيرا ما يخطىء في مواضع قرى حضرموت وترتيبها ؛ كما فعل في النّجير.

والثّاني : أنّ الأشباء (٤) منتشرون في وسط وادي حضرموت وأسفلها ، وقد قال الهمدانيّ نفسه في العجز ـ وهو أسفل حضرموت ـ : (إنّه مقسوم بين الأشبا وحمير) (٥)

وأخرى وهي الظّاهر : أنّ قرية الأشباء في أيّامه كانت في أيدي أهلها الحضرميّين نسبا ، لا في أيدي كندة.

__________________

(١) في حوادث سنة (٧٧١ ه‍) ، (ص ١٣٤).

(٢) «شنبل» (ص ١٦٨) ، ومحمد بن علي هو أخو السلطان عبد الله بن علي الآنف الذكر ، تولى بعده ، وكان معوانا لأخيه في فترة حكمه ، وقد أرسله في عام (٨٢٥ ه‍) إلى الكسر لإخضاع أهلها ، ثم جعله حاكما عليها.

(٣) صفة جزيرة العرب (١٦٨).

(٤) الأشباء والأيزون : كانوا سكان شبوه من بطون حمير ، وقيل ينسبون ل (حضرموت) القبيلة. وتقدم التعريف بالأيزون. والأول هو ما اعتمده الهمداني في الجزء الثاني من «الإكليل» ، ومن فروع الأشباء : آل هزيل ، وآل فهد ، وآل الحارث. «معجم البلدان والقبائل» للحجري ، والمقحفي.

(٥) صفة جزيرة العرب (١٦٩) ، وفي ص (١٩٣) قال : (مخلاف شبوة ، يسكنه الأشباء والأيزون) اه


ثمّ رحابة : وهي لآل عبيد بن مرعيّ. ثمّ : سحيل غانم. ثمّ : التّبيقول ، وفيه حصن الشّيخ سالم بن محمّد بن يمانيّ المثري الشهير ، وقد أخبرني بسبب سفره من حضرموت وبما كان يؤمّله يومئذ.

أمّا سبب سفره .. فقال : مرّ ذات يوم جابريّ في ردائه قيد بعير يقعقع ، فظنّه والدي ريالات ، وكان يهوى الشّرّ لقومه آل مرعيّ بن طالب الأقربين ديارا من آل جابر ، فأطلق عليه الرّصاص ، ثمّ خفّ هو وعمّي عبد الله ، فلمّا أكبّ الثّاني عليه ليطعنه وفيه رمق .. استلّ خنجره ومكّنه من ثغرة عمي ، وفاضت روحاهما معا ، ولمّا عرف أبي أنّ الّذي طمع فيه إنّما هو قيد بعير لم يحصل عليه إلّا بثمن غال وهو أخوه .. ندم ، فضاقت بي الدّنيا ، وسافرت وأنا أتمنّى من الله أن أحصل في كلّ شهر على ثلاثين ريالا ، فانثالت عليه الأموال ونمت كما ينمو الدّود حتّى لقد بلغ إيراده الشّهريّ من أجور عقاره بجاوة وسنغافورة ومصر ما يقارب ستّين ألف ريال.

وقد أخرج أبو نعيم في «الحلية» [٣ / ١٨٨] : (أن قلّ يوم إلّا كان عمر بن الخطّاب يتمثّل بهذا [من الطويل] :

وبالغ أمر كان يأمل دونه

ومختلج من دون ما كان يأمل) اه

وهذا البيت منطبق برمّته على الشّيخ سالم ، أمّا صدره .. فممّا تقدّم ، وأمّا عجزه .. فقد عاش بحسرة ؛ لقلّة الأمن بحضرموت ، وعندما بدأ ينبسط فيها .. مات.

وحديثه معي عمّا ذكر كان أوائل سنة (١٣٣٠ ه‍) ببتاوي .. فربّما يزيد أو ينقص ؛ لأنّ الحفظ يخون ولكنّه لا يخرج عن ذلك المعنى.

وقال الشّيخ حسن بن ربيع : لم يكن المقتول جابريّا ، وإنّما هو ابن جوفان والصّفوانيّ من الجوادة ، أطلق الرّصاص عليهما محمّد بن سالم وأخوه عبد الله فخرّ الصّفوانيّ قتيلا ، ثمّ إنّ ابن جوفان قتل عبد الله بن سالم ، ثمّ إنّ محمّد بن سالم قتل ابن جوفان.


وكان للشّيخ سالم ولد شهم شجاع ، هو : الشّيخ عليّ بن سالم بن محمّد بن يمانيّ ، له همّة عالية ، ورأي جزل ، وعنده مشاركة في بعض الفنون العلميّة ؛ لأنّه أطال الإقامة بالحجاز ، وثافن العلماء بمكّة والمدينة ، وقليل ما يحصل منه في تينك البلدتين .. خير من كثير ما يحصل في غيرهما ، والنّصّ ثابت في مضاعفة الصّلاة (١) ، وغيرها لا يخرج عنها.

وكانت بيني وبين الشّيخ عليّ بن سالم هذا صداقة متينة ، ولمّا مات سنة (١٣٣٧ ه‍) .. اشتدّ بي الحزن عليه ، وكان من كتابي لوالده في التّعزية به :

إنّنا كنّا نؤمّل أن نموت ويعيش عليّ ؛ ليبني قصور المجد بما تأثّلته من الأموال.

فأجاب بما معناه : إنّ الّذي تتمنّاه كان نفس ما أتمناه ، ولكن .. لا خيرة لأحد مع الله.

ولمّا كانت ثروة الشّيخ سالم لا تريد الشّرّ ، وكان هو لا يتمنّاه حتّى ولو أركب عليه ولم يكن لأقفال صناديقه مفتاح غير الحرب .. أحبّ أخوه عبد الله أن يوقعه في الشّبكة ، وكان الشيخ عليّ بن سالم أراد أن يعود لمطلّقته بنت ريس بن سعيد ، فأبوا أن يقبلوه ، فحمله عمّه عبد الله أن يقتل الّذي تزوّجها في ليلة زفافه سنة (١٣٢٠ ه‍) ، فأخطأه وأصاب عبد الله بن عامر العاس ، وكان في القوم جماعة من عبيد الدّولة والقبائل الكثيريّة ، وجماعة من أصحاب عبيد صالح بن طالب وغيرهم من القبائل ، نضخ رشاش دمه في ثيابهم ، فظنّ عبد الله بن محمّد والنّاس معه أنّ القيامة ستقوم ، وأنّ حربا ستنشب بين سالم بن محمّد والقبائل الّتي أخفر ولده ذمامهم ، فلا تنغلق صناديقه أبدا ـ وكان سالم بن محمّد يومئذ في طريقه إلى حضرموت فما هو إلّا أن وصل الشّيخ سالم إلى حضرموت ، واجتمع بالشّيخ عبيد صالح بن طالب في دار

__________________

(١) روى البخاريّ (١١٣٣) ، ومسلم (١٣٩٤) : عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه .. إلّا المسجد الحرام».


مشعبي بالحوطة ، فسوّيت المسألة ، ولم تنتطح شاتان ، حسبما سبق طرف من ذلك في القارّة.

ولمّا خاب أمل عبد الله بن محمّد من هذه الناحية .. جاء ذات ليلة إلى بيت أخيه سالم ، وقال له :

إنّني من جملة من لحقه العار بقتل العاس ، فإمّا أن ترضيني ، وإلّا .. كان ما لا تحمد عقباه.

فلاينه الشّيخ سالم ، ثمّ ترك الأرض له من اليوم الثّاني ، وكان آخر العهد به ، إذ توفّي بعدن حوالي سنة (١٣٥٨ ه‍) ، بعد أن ذرف على التّسعين.

وللشّيخ عليّ بن سالم ذكر جميل ب «الأصل».

وبحاجة الشّيخ عبد الله بن سالم إلى طعن الجابريّ .. ذكرت أنّ ابن المستوفي انتقد قول الشّاعر [من الطّويل] :

ونطعنهم حيث الكلى بعد ضربهم

ببيض المواضي حيث ليّ العمائم

وقال : إنّه ممّا لا يحسن الافتخار بمثله ؛ لأنّهم إذا لم يموتا بالضّرب حيث ليّ العمائم ، واحتاجوا إلى الضّرب حيث الكلى ، أو حيث الحبا .. دلّ ذلك على الضّعف والخوف وعدم التّمكّن ، وإنّما الجيّد قول بلعاء بن قيس من بني ليث بن كنانة [في «ديوان الحماسة» ١ / ١٣ من البسيط] :

وفارس في غمار الموت منغمس

إذا تألّى على مكروهة صدقا

غشّيته وهو في جأواء باسلة

عضبا أصاب سواء الرّأس فانفلقا

بضربة لم تكن منّي مخالسة

ولا تعجّلتها جبنا ولا فرقا

وما أشبه ضربة بلعاء بقول قيس بن الخطيم الأوسيّ [في «ديوانه» ٤٦ من الطّويل] :

طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر

لها نفذ لو لا الشّعاع أضاءها (١)

__________________

(١) الشّعاع : الدم ، والمعنى : لو لا الدم .. أضاءت حتى تستبين.


ملكت بها كفّي فأنهرت فتقها

يرى قائم من دونها ما وراءها (١)

وتدبّر أيّها النّاظر هل ينحطّ شيء من نقد ابن المستوفي على قول الفرزدق [في «ديوانه» ٢ / ٧٩ من الطويل] :

قريناهم المأثورة البيض قبلها

يثجّ العروق الأزأنيّ المثقّف

أم لا؟ والفرق أقرب.

ومن وراء البريكة الواقعة بين المسيلين إلى جهة الشّمال : الحدبه. ثمّ : القوز.

ثمّ : العقده ، وهي مسكن الشّيخ جعفر بن سالم بن مرعيّ بن طالب ، وله أشعار وأخبار في «الأصل» ، وقد مات عن جماعة من الأولاد ، وهم : عمر ، وطالب ، ومرعيّ ، وسالم ، وصالح.

أسنّهم : عمر ، وكان مع السّلطان عبود بن سالم لمّا قتل في صيق العجز ، وهو مكان في غربيّ يبعث ، ينهر إلى حجر ابن دغّار ، وله محاسن.

ومن النّوادر : أنّني وصلت وادي بن علي مرّة في شراء أخشاب ، فأبردت عنده ، فقال لي : لقد رأيت البارحة جدّك محسنا جاء إلى بيتي ، وجلس في مكانك ، وسألته عن عدّة مسائل تتعلّق بالطّهارة والصّلاة ـ وأنا ذاكرها لك ـ فأجابني عنها ، ولمّا أراد الانصراف .. دفعت له خمسة وعشرين ريالا.

ثمّ إنّه ذكر لي الأسئلة فأجبته عنها ، فقال لي : هكذا ـ والله ـ كان جواب جدّك. وعلى الجملة فقد كان معي في اليقظة ـ حسبما يقول ـ كلّ ما كان مع جدّي في النّوم ، ما عدا الخمسة والعشرين الرّيال .. فإنّه لم يكن لها أثر في اليقظة.

أمّا الشّيخ طالب : فقد كان أصدقهم لسانا ، وأبسطهم بنانا ، وأبيضهم جنانا ، وأملأهم جفانا.

عشق المكارم فهو معتمد لها

والمكرمات قليلة العشّاق (٢)

__________________

(١) ملكت : شددت. أنهرت : أجريت الدم كالنهر.

(٢) البيت من الكامل ، وهو في «جمهرة خطب العرب» (٣ / ٢٩٠) ، ضمن أبيات بتغيير بسيط ، والأبيات هي :


كلم غالية ، وهمم عالية ، ووجه أبيض ، وبنان مبسوط.

مجد رعى تلعات الدّهر وهو فتى

حتّى غدا الدّهر يمشي مشية الهرم (١)

بناه بأس وجود صادق ومتى

تبنى العلا من سوى هذين تنهدم

لم يزل معمور الفناء ، مفتوح الباب ، مهزول الفصيل (٢) ، يقصد بالآمال ، وتشدّ إليه الرّحال ، وقور الرّكن ، أصيل الرّأي.

ما تملّيت مثل ذاك الحجا المع

رق في الحلم والسّجايا العتاق (٣)

خالص الودّ والتّقى في زمان

فرّخت فيه أمّهات النّفاق

لقد كان لآل كثير ركنا ركينا ، وحصنا حصينا ، ولمّا مات في سنة (١٣٤١ ه‍) .. افترق ملؤهم ، واضطرب حبلهم ، فجاء موضع قول عبدة بن الطّيّب [من الطّويل]

وما كان قيس هلكه هلك واحد

ولكنّه بنيان قوم تهدّما

وكان هو صاحب الضّلع الأقوى في حرب قسبل المفصّل خبرها ب «الأصل».

وفي العقده الآن ديار شاهقة ، ومنازل ضخمة ، كلّها لآل جعفر بن سالم. ولم يضنّ الشّيخ أحمد بن طالب بميراث أبيه ، بل بقي يبذل حقوق العزّ والدّين فيه ، فانطبق على كاسب ذلك ما قال ابن مطير [من الطّويل] :

فتى عيش في معروفه بعد موته

كما كان بعد السّيل مجراه مرتعا

وبما أنّ الكرام عرضة البلاء والامتحان .. فقد أصيب أحمد هذا بريح لا يزال منه أسير الفراش ، ولكنّه ممتّع بالعقل والإحساس ، وكلّ أمر أهون من غيره ، والله مع الصّابرين.

__________________

ما لي أرى أبوابهم مهجورة

وكأنّ بابك مجمع الأسواق

حابوك أم هابوك أم شاموا النّدى

بيديك فاجتمعوا من الآفاق

إنّي رأيتك للمكارم عاشقا

والمكرمات قليلة العشّاق

(١) البيتان من البسيط ، وهما لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ٩٥).

(٢) مهزول الفيصل : يضرب مثلا لمن كثرت ضيوفه ، وكثر منه نحر الفصائل ، فلم تتوفر عنده حتى تسمن.

(٣) البيتان من الخفيف ، وهما أيضا لأبي تمّام في «ديوانه» (١ / ٤٥٤ ـ ٤٥٥).


حصن الشّاووش

هو رجل (١) من آل مرعيّ بن طالب الكثيريّين ، أقام زمانا طويلا بحيدرآباد الدّكن من الهند في خدمة النّظام الآصفي ، وترقّى في المراتب العسكريّة حتّى انتهى إلى رتبة شاووش ، فأفاد بها مالا طائلا ، وأكثر ما يفيض الأموال على مثله هناك ؛ كالقعيطيّ ، والعولقيّ ، وغالب بن محسن ، على حساب من تحت رئاستهم من العساكر حتّى جاء صرار جنك فضبط الأمور ، وفي ذلك يقول شاعر الحضارم :

ما اليوم جاء صرّار صرّ الملك صرّ

وألقى سياسه من سياسة لنقليز

إن عاد شي تركوب وإلا شي بصر

وإلا مع الله يا طيور الطّيز ويز

ولمّا وصل حضرموت .. كانت همّته متوجّهة إلى الإصلاح بين آل كثير ، وتوحيد كلمتهم ، وتأطيد الدّولة الكثيريّة بهم ، فبذل فيها أموالا كثيرة ، بسخاء عظيم ، ولم يتمّ له شيء ، إلّا أنّه وقع على شهرة عظيمة ، حتّى إنّه لمّا دخل إلى سيئون .. استقبله سلطانها المنصور بن غالب استقبالا شائقا ، حتّى كاد الأمراء يتساورون على الإمساك بيده في معرض استقباله .. حتّى اقتسموها ، فكانت لأحدهما اليمين ، وللآخر الشّمال ، إلّا أنّ صاحب اليمين ندم ؛ إذ مرّ أكثر الوقت وهي منتزعة منه لكثرة المصافحين!

وسمعت أنّ الشّيخ جعفر بن سالم ـ والد الشّيخ طالب بن جعفر وإخوانه ـ كان وكيلا له ، فأمره ذات يوم أن يعطي أحدا ممّن لا يؤبه به من آل كثير كمّيّة وافرة من الرّيالات ، ليستعين به على الإصلاح ، فقال له : إنّ هذا لا ينيخ ولا يثوّر ، ولا يملك شيئا من أمر الإصلاح فعزله ، وأضعف لذلك الصّعلوك العطاء.

وما زال كذلك حتّى ضحك عليه آل كثير ، وأتلفوا ماله بدون فائدة.

وفي أخبار الكساديّ والعموديّ من «الأصل» : أنّ آل عبد الله أمروا بنفوذ أربع مئة

__________________

(١) اسمه بدر بن علي بن جعفر بن مرعي بن طالب. «العدة» (٢ / ٢٩٣).


مقاتل في (٢٤) صفر سنة (١٢٨٨ ه‍) لمساعدة العموديّ ، وأكثر خرجهم من الشّاووش بدر صاحب جفل.

وفي أخبار الهجرين منه : أنّ الشّاووش بدرا وصل من الهند إلى عدن سنة (١٢٨٥ ه‍) ، وأنّه متوجّه إلى مكّة بداع من الشّريف محمّد بن عون والسّيّد فضل ، وذلك لتدبير الحملة التّركيّة الّتي سعى القعيطيّ في فشلها ، بواسطة بعض العلماء من آل العطّاس ، فتمّ له ما يريد.

الحوطة (١)

هي مدينة وادي بن علي ، وهي من قدامى البلدان ، وكانت قاعدة ملك بني سعد.

قال الملك الأشرف المتوفّى سنة (٦٩٦ ه‍) : (وآل جميل ، ويقال لهم : بنو سعد ، وليسوا من بني ظنّة ، ومشايخهم : عيسى بن جميل بن فاضل ، وابن أخيه محمّد بن نصّار بن جميل بن فاضل.

__________________

(١) الحوطة وقديما كانت تسمّى : خلع راشد ؛ لأنها كانت منطقة زراعية وبها نخل ومال كثير خلعه ـ أي زرعه ـ السلطان راشد بن شجعنه بن فهد بن أحمد بن قحطان ، وهو من سلاطين العهد الراشدي بحضرموت ، ولد سنة (٥١٧ ه‍) ، وتوفي سنة (٥٩٣ ه‍) ، وهو والد السلطان عبد الله بن راشد الذي ينسب وادي حضرموت له فيقال : وادي ابن راشد ، وهو يمتد من العقاد غربا إلى قبر هود شرقا كما مرّ في التعريف بحضرموت أول الكتاب .. ينظر لمعرفة أخبار آل راشد «أدوار التاريخ» (١٦٩ ـ ٢١٤).

أما إطلاق اسم الحوطة .. فهو من التحويط أو الإحاطة ، فهذا مصطلح عند المتقدمين من الحضارمة ، ويقصد به المنطقة أو البلدة التي يسكنها أحد العلماء أو المرشدين الكبار ويسكنها تلامذته فتكون في حمايته وحراسته من أي اعتداء على أحد من الناس ، محميّة بجاه ذلك الشيخ. ويقابل هذا المصطلح لفظ : (هجرة) عند علماء المناطق الشمالية ، وقد جمع تواريخ الهجر وتراجم علمائها شيخنا العلامة إسماعيل الأكوع ، وتعريف الحوطة بما ذكرته هو التعريف الذي أورده العلامة الفقيه محمد بن عمر باجمّال في «مقال الناصحين». وأما هذه الحوطة ـ وهي حوطة أحمد بن زين ـ ..

فإنها حوّطت بعد سكنى مولانا الإمام الحبيب أحمد بن زين واستقراره بها ، وقد كانت معقلا من معاقل العلم والدعوة إلى الله ، وتبعد الحوطة عن سيئون مسافة (١٠ كم) تقريبا.


ومن بني سعد : آل حسن. ومشايخهم : عليّ بن جبل بن حسن ، وفاضل ، وابن عمّه عبد الله بن جميل بن حسن بن فاضل) اه

وكان نصّار بن جميل بن فاضل (١) ـ وهو أبو محمّد السّابق ذكره في كلام الأشرف ـ أحد كبار أمراء الطّوائف بحضرموت ، وكانت تحته شبام ، وله غزوات إلى دوعن وإلى تريم وغيرها (٢) ، وكان ظالما ، إلّا أنّه تاب على يد الشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ ، وحجّ ولم يتمكن من الزّيارة ، ولمّا وصل إلى مأرب مرجعه من الحجّ .. لاقاه أحد معارفه فلامه ، فعاد ليزور فمات في أثناء الطّريق.

ولبني سعد أخبار كثيرة ممتزجة ب «الأصل» بأخبار الغزّ ونهد وآل يماني ، وآل أحمد والصّبرات وآل كثير.

ولم يزل أمر آل كثير يقوى ، وأمر بني سعد يضعف حتّى صاروا سوقة.

وكان الحبيب أحمد بن زين الحبشيّ (٣) داعيا إلى الله ، وجبلا من جبال العلم ، وركنا من أركان الإسلام.

عليه من النّور الإلهيّ مسحة

تكاد على أرجائه تتدفّق

وكان بالغرفة يصلّي جماعة في مسجد ينسب لبعض الفقراء من أهل الغرفة ، ويدرّس لهم العلم ، فحصل من أولئك الفقراء ـ المنسوب إليهم ذلك المسجد المسمّى بالحمّام ـ أذى ، فتحمّله ، وما زالوا به حتّى أخرجوه من المسجد ، وأخرجوا كتبه ، وآذوا من يتردّد عليه ، فلم ينزعج ولم يظهر منه إلّا الصّبر والثّبات.

وانتقل إلى الحوطة الغربيّة ـ وهو المكان المسمّى بالبهاء في غربيّ خلع راشد ـ

__________________

(١) في ولايته عمّر مقدّم جامع شبام سنة (٦٤٣ ه‍) بأمر الملك المنصور الرسولي.

(٢) كما جاء في حوادث (٦٤٤ ه‍) عند «شنبل» ، وبنى قارة العزّ تحت تريم سنة (٦٥٥ ه‍).

(٣) ولد الحبيب أحمد بن زين في الغرفة سنة (١٠٦٩ ه‍) ، وتوفي سنة (١١٤٥ ه‍) ، كان إماما عالما ، عاملا فقيها ورعا ، أخذ عن كثير من علماء عصره ، وفي مقدمتهم العلامة الحبيب عبد الله بن أحمد بلفقيه ، والحبيب الإمام عبد الله بن علوي الحداد الذي هو شيخ فتحه وتخريجه ، أفرده بالترجمة تلميذه العلامة محمد بن زين بن سميط بكتاب سماه : «قرة العين».


وبنى بها مسجده وداره ، ولم يزل يتردّد إلى خلع راشد للتّدريس في مسجد جدّه أحمد بن محمّد صاحب الحسيّسة ـ وهو أصل الجامع الموجود اليوم (١) ـ وإلى شبام للأخذ عن علمائها.

قال السّيّد عليّ بن حسن العطّاس في «سفينة البضائع» : (جئت إلى شبام وأنا في نحو (١٤) سنة ، وقصدت عند الخال بكّار بن محمّد بن أحمد بن عقبة ، وسرت أنا وهو إلى مسجد ابن أحمد (٢) ، وفيه سيّدي العلّامة محمّد بن زين بن سميط ، فبينما نحن جلوس ، وأنا بغاية الشّوق للحبيب أحمد بن زين .. إذ دخل علينا كأنّه البدر في تمامه ، وعليه كساء فاخر أبيض ؛ قميصان وعمامة ، وشال أبيض مشجّر بأسود) اه

توفّي الحبيب أحمد بالحوطة فجأة في سنة (١١٤٤ ه‍) ، ودفن بشرقيّ الحوطة ، وعملت عليه قبّة ، ولم يتمكّن الوهّابيّة من هدمها ؛ لاستعجالهم مع نوع من المجاملة لآل كثير ؛ لأنّ بعضهم كان عونا لهم على تنفيذ كثير من الأمور.

وله عدّة أولاد ؛ منهم : علويّ ، وقد توفّي بشبام ، وكان أهلها يهابونه هيبة عظيمة ، حتّى لقد قال الحبيب عمر بن زين بن سميط : لقد مات اليوم من يستحيا منه ، وآل شبام لا يسمّون إلى اليوم بعلويّ ؛ إجلالا له.

ومنهم : جعفر (٣) ، وهو الّذي خلف أباه ، له مظهر عظيم ، إلّا أنّه من أهل الأحوال الّتي يتطرّق إليها انتقاد الفقهاء بحقّ ، وفي «المواهب والمنن» : أنّ القطب الحدّاد ألبسه وألبس إخوانه مرارا عديدة ، وكان الحبيب أحمد بن زين يزور القطب

__________________

(١) يعني به الإمام أحمد صاحب الشعب ، المتوفى سنة (١٠٣٨ ه‍) ، وهذه فائدة عزيزة.

(٢) مر ذكر مسجد بن أحمد في شبام ، وهو مسجد قديم يعود بناؤه إلى القرن العاشر تقريبا ، وفي بعض المصادر أنه ينسب إلى الشيخ أحمد جبير شراحيل ، وقد قام الحبيب أحمد بن زين بعمارته وترميمه لشغفه الكبير بعمارة بيوت الله ؛ إذ بلغ عدد المساجد التي عمرها أو بناها أو جددها (١٧) مسجدا ، فكان شيخه الإمام الحداد يسميه : (أبا المساجد).

(٣) توفي الحبيب جعفر بن أحمد سنة (١١٩٠ ه‍) تقريبا ، وكان يسمّى : جعفر السلطان ؛ لعظم جاهه ، ترجم له باسودان في «الفيض» ، وأفرده بالترجمة السيد الفاضل عبد القادر (قدري) ابن حسين الحبشي ، وسمّاها : «ذخيرة الأوطان».


الحدّاد آخر عمره في كلّ سنة فيلبسه ويلبس أولاده ، وكانوا كلّهم أئمّة فحولا علماء ، سادة وقتهم ومكانهم.

وفيها يقول الحبيب حسن ابن القطب الحدّاد : كنت أقرأ أنا والسّيّد أحمد بن زين في بعض الكتب ـ وأظنّه «المستطرف» ـ فانتهت بنا القراءة إلى ذكر الممتّع ، وكان الحبيب جعفر أصيبت إحدى عينيه وهو صغير ، ولم ننتبه لحضور جعفر إلّا بعد القراءة ، فحصل معنا الأسف.

توفّي الحبيب جعفر بخلع راشد ، وخلفه ابنه العلّامة الجليل أحمد بن جعفر (١) ، فانتقل إلى خلع راشد ، وكان له اثنا عشر ابنا.

بنو أغرّ من الأقوام شاد لهم

مجد الحياة وأقناهم إلى الأبد (٢)

يقفون منه خلالا كلّها حسن

إن عدّدت غادرت فضلا على العدد

فابتنى لهم ديارا في خلع راشد بعددهم ، فتديّروها. كان بناء الدّيار لا يكلّف كثيرا حسبما يعرف ممّا يأتي في حاوي تريم ، عن بناء القطب الحدّاد لأولاده ، ولم يبق من أعقاب الحبيب أحمد بن زين بالحوطة الغربيّة المسمّاة بالبهاء إلّا القليل.

ولمّا مات الإمام أحمد بن جعفر .. خلفه ولده الفاضل محمّد بن أحمد ، المتوفّى بخلع راشد سنة (١٢٥٣ ه‍) ، وهو الشّيخ الرّابع من مشايخ سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر.

وخلفه ابنه عبد الله بن محمّد بن أحمد ، وكان فقيها نبيها على القيام بمنصبه.

ثمّ نزل عنه لأخيه صالح بن محمّد (٣) ، وكان كاسمه صالحا ، وكان لا يتكلّم إلّا بالعربيّة الفصحى ، ولذلك سبب ، وهو :

أنّه وصل إلى بيت مفتي الشّافعيّة بمكّة السّيّد محمّد بن حسين [الحبشي] أيّام كان

__________________

(١) توفي سنة (١٢٢٠ ه‍).

(٢) البيتان من البسيط ، وهما للبحتريّ في «ديوانه» (١ / ١٣١). أقناهم : أعطاهم ما يقتنى ـ يجمع ـ فأغناهم.

(٣) توفي سنة (١٣٠٣ ه‍).


بالقنفذة ، فسأل عنه باللّغة الدّارجة ، فضحكت منه واستهزأت به بنته آمنة (١) ـ الّتي تزوّجها بعد السّيّد علويّ السّقّاف (٢) صاحب الحاشية على «فتح المعين» ـ واستهزأت بكلامه ، فآلى على نفسه أن يتعلّم النّحو ، وأن لا يتكلّم إلّا بالإعراب ، ولم يحنث.

وكان أبيض القلب لا يعرف حيل آل كثير ، حتّى لقد ذهب مرّة للإصلاح بين آل عبدات وجيرانهم من آل عمر ، فأجابوا على شرط أن لا يخرج أحد من داره إلّا بخفير ، فاقتنع بذلك ، ولمّا اجتمع بأخيه عبد الله .. قال له : أيّ معنى للصّلح إذا.

وانتهى به الصّلاح إلى أن تجوهر قلبه فتفرّس قرب أجله ، فسيّر كتبا للأعيان ، منهم : سيّدنا الأبرّ عيدروس بن عمر بيوم وفاته ، وبات ليلتها يعظ النّاس ويذكر أعيان زمانه بما فيهم ، وممّن فاز ببالغ ثنائه ليلتئذ : الأستاذ الأبرّ ، وسيّدي عبد الله بن حسن البحر ، مع أنّ آل أحمد بن زين ينفسونهما ، ولا سيّما الثّاني ، ثمّ مات من آخر تلك اللّيلة.

وعاد السّيّد عبد الله بن محمّد (٣) إلى المنصبة ، وكان طلب العلم بمكّة المشّرفة وغيرها ، وكان يجعل الطّلاق الثّلاث باللّفظ الواحد واحدة فقط ، وكنت أستشكل ذلك ؛ لإجماع الفقهاء الأربعة على خلافه ، حتّى أمعنت النّظر فيما قرّره العلّامتان ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم ، فرأيت حججا تنقطع دونها ألسنة الاعتراض ، ومع ذلك بقيت على التّوقّف ؛ لأنّ السّادة الحنابلة مع إعظامهم لهذين الشّيخين لم يوافقوهما على هذا القول ، حتّى رأيت ما ذكره الشّوكانيّ في «نيل الأوطار» (٤) وقول الإمام الرّازيّ في تفسير آية الطّلاق من سورة البقرة : (إنّه الأقيس) (٥) .. فانشرح صدري لذكري إيّاه لمن يسألني من العامّة.

__________________

(١) توفيت بمكة سنة (١٣٤٢ ه‍) ، ترجمتها في «الدليل المشير» لسبطها القاضي أبي بكر الحبشي (ص ٦٤ ـ ٦٨).

(٢) العلامة الفقيه ، توفي بمكة سنة (١٣٢٩ ه‍) ، ترجمته في «الأعلام» ، و «سير وتراجم» (١٣٧).

(٣) كان الحبيب عبد الله هذا متوليا القضاء في شبام ، ومن الآخذين عنه العلامة الحبيب عيدروس بن حسين عيدروس المقدم ذكره في الحزم.

(٤) انظر «نيل الأوطار» (٧ / ١١ ـ ٢٠) ؛ فهو البحث المراد.

(٥) انظر «التّفسير الكبير» للرّازي (٦ / ٩٦). وآية الطّلاق هي قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ ...)


وكذلك بلغني عن السّيّد عبد الله بن محمّد أنّه يمنع نفوذ طلاق الغضبان! فقفّ شعري أوّلا ، ثمّ رأيت ما ذكره ابن القيّم في «الزّاد». وفي رسالة أخرى مطبوعة إلى جانبها قصيدة آنقتني (١) لشاعر العراق معروف الرّصافيّ.

ومع ذلك فلم أجسر على تصويبه في ذلك ، حتّى صوّبت النّظر في قوله جلّ ذكره : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)

وقد روي : (أنّ التّوراة كانت سبعة ألواح ، فلمّا ألقاها موسى .. تكسّرت إلّا واحدا ، فرفعت ستّة أسباعها ، وفيها تفصيل كلّ شيء ، وبقي منها سبع واحد فيه الرّحمة والهدى) ، إلّا أنّه قد يغبّر على هذه الرّواية إمكان تقريرها حتّى من رضاضها وقد قال تعالى : (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ) مع ما يوجد من الأحكام (٢) والقصص بكثرة في «التّوراة».

ومهما يكن : فلو كان الغضبان مؤاخذا .. لوقع موسى عليه السّلام من ذلك في أمر عظيم لا يكفي للجواب عنه أن يقال : إنّ شرع من قبلنا ليس بشرع لنا ؛ لأنّه لا يقال ذلك إلّا فيما لا يتعلّق بأصول الإيمان والدّين ، أمّا هذا .. فإنّه ممّا يدخل تحتها.

فالقائل بمؤاخذة الغضبان يلزمه من إساءة الأدب على موسى عليه السّلام ما لا ينطلق به لساني ، ولا يخلّصه منه قولهم : إنّ لازم المذهب ليس بمذهب.

والّذي ينبغي أن يقال به في طلاق الغضبان : إجراؤه مجرى المسكر : فإن كان سببه مباحا ، وانتهى بصاحبه إلى الحدّ الّذي يغطّي على عقله أو يحول بينه وبين نيّته .. لم يؤاخذ. وإلّا .. أوخذ.

__________________

ولمعرفة مزيد تفصيل في هذا الموضوع ينظر كتاب : «الإشفاق في أحكام الطلاق» للعلامة المحقق محمد زاهر الكوثري ، مطبوع. وللعلامة الشيخ الفقيه عبد الله باجمّاح العمودي رسالة أيضا في هذه المسألة ، وللعلامة محمد الخضر الشنقيطي مثلها ، وكلها مطبوعة.

(١) آنقتني : أعجبتني.

(٢) الرضاض : الفتات.


وأمّا القول بالمؤاخذة على الإطلاق .. فجرأة على نبيّ الله موسى ، وعثرة لا ينبغي أن يقال لصاحبها : لعا (١).

أقول قولي هذا ببادىء الرّأي مع وجوب إعادة النّظر واستئناف العناية ؛ لأنّ المسألة ـ كما قرّرنا ـ أصوليّة لا فروعيّة ، فلا ينبغي فيها الاختلاف ، والله أعلم.

ولا يزال في نفسي شيء من قول فقهائنا : إنّ شرع من قبلنا ليس لنا بشرع وما كفاهم ذلك حتّى زادوا في الطّنبور نغمة بقولهم : وإن ورد في شرعنا ما يقرّره ؛ لأنّه مع تقليله لكثير من فوائد قصص التّنزيل وأخباره .. لا يتّفق مع قول الله تعالى في (الأنعام) : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ)

ومخالف لقول النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في كسر رباعية الرّبيّع بنت معوذ : «كتاب الله القصاص» (٢) ووجه المخالفة أنّه لم يرد القصاص بالسّنّ إلّا في الكلام عن غير هذه الأمّة ؛ حيث يقول جلّ وعزّ : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ)(٣).

وكان السّيّد أحمد بن جعفر بن أحمد بن جعفر بن أحمد بن زين الحبشيّ (٤) أحد العلماء المحقّقين ، وكان على رأي ابن تيمية يجعل الثّلاث باللّفظ الواحد طلقة واحدة ، وكان له اتّصال وثيق بسيّدنا الحسن بن صالح البحر ، وقد أفتى مرّة بتوحيد الطّلاق ممّن نطق بالثّلاث في لفظ واحد ، فاشتدّ النّكير عليه ، حتّى انعقد لذلك مجلس بدار الحبيب البحر تقاطر له العلماء من دوعن ومن تريم وما بينهما ، ولم

__________________

(١) لعا : كلمة يدعى بها للعاثر ، معناها الارتفاع.

(٢) الحديث أخرجه البخاريّ (٤٣٣٥).

(٣) الجواب على هذا الإشكال ما قرره الحافظ تقي الدين السبكي في «الإبتهاج» بقوله : ليس الكلام فيما لم نعلمه إلا من كتبهم ونقل أحبارهم الكفار ؛ فإنه لا خلاف أن التكليف لا يقع به علينا ؛ ولا فيما علمنا بشرعنا أنه كان شرعا لهم ، وأمرنا في شرعنا بمثله ، كقوله : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ، وقد قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) فإن الإجماع منعقد على التكليف به ، وإنما الخلاف فيما ثبت أنه من شرعهم بطريق صحيح نقبله ولم نؤمر به في شريعتنا. اه من تقريرات الشربيني على شرح «الجمع» (٢ / ٣٥٢).

(٤) توفي ليلة الجمعة (٢٦) محرّم سنة (١٢٨٩ ه‍) ، «العدة المفيدة» (٢ / ٣٢٦).


ينفصل الأمر بأثر المناظرة مع السّيّد أحمد بن جعفر إلّا بتسليم ما قال ، وكان ذلك حدثان وصول «نيل الأوطار» للشّوكانيّ إلى حضرموت.

ومع ذلك .. فلا أجزم بأنّ الاقتناع كان لذلك ؛ إذ يحتمل أن يكون في صيغة الطّلاق ما يعود عليه بالإبطال على المذهب الشّافعيّ ، والله أعلم.

وفي النّفس شيء ممّا نقله الشّيخ عبد الله باسودان عن السّيّد يوسف البطّاح الأهدل ، من حصول التّثليث مثلا بقول المصلّي في الرّكوع : (سبحان ربّي العظيم وبحمده ثلاثا) ، وفي السّجود مثله ؛ أخذا من حديث «سبحان الله وبحمده عدد خلقه» [م (٢٧٢٦) (٧٩)].

والّذي لا أشكّ فيه : أنّه كلام أجنبيّ تبطل به الصّلاة ، فضلا عن أن تحصل به السّنّة.

ثمّ رأيت العلّامة السّيّد محمّد بن عبد الرّحمن الأهدل نقل عن شيخه محمّد بن أحمد بن عبد الباري الأهدل عن السّيّد عبد الله بن يحيى بن عمر الأهدل مثل ما ذكرته من بطلان الصّلاة بذلك ، وكفى بهؤلاء حجّة ، فلله الحمد على التّوافق.

وكان السّيّد أحمد بن جعفر يقوم من مجالس أصحابه ومدارسهم إذا سمع بما لا يوافق مشارب الوهّابيّة ، ثمّ صار ينكر عليهم أحيانا بلسانه ، ولكنّه لم يصبر حين أنشدوا الأذكار في المسجد على نغمات الدّفوف ، ولم يتمالك أن نهض لتكسيرها ، فلبجوه لبجا (١) شديدا ذهب منه مغاضبا إلى خشامر عند آل الشّيخ عليّ جابر الوهّابيّين ولكنّه غيظ الأسير على القدّ (٢) ، وما أدري أبقي بخشامر إلى أن مات ، أم راجعه قومه؟

وما كان ذلك ليكون في عهد سيّدنا البحر ، وإلّا .. لأدّى الواجب من نصرته.

ورأيت كتابا سيّره له أحد السّادة آل السّقّاف من قسم ، يقول له فيه : (أمّا أهل

__________________

(١) لبجوه لبجا : ضربوه ضربا.

(٢) القدّ : حبل يشدّ به الأسير. قال أبو الطّيّب المتنبّي :

وغيظ على الأيّام كالنّار في الحشا

ولكنّه غيظ الأسير على القدّ

والمعنى : لي غيظ على الأيّام يلتهب في الحشا التهاب النّار ، ولكنّه غيظ على من لا يكترث ولا يبالي بغيظي ، فهو كغيظ الأسير على ما يشدّ به من القدّ.


حضرموت .. فلا يجادلون بحقّ ، إنّما يقولون : الوهّابيّة أهل البدعة الردية.

فقلنا : وما بدعتهم؟ قالوا : يكفّرون المسلمين ، ويستحلّون أموالهم ، ولم ينظروا إلى نواقض : لا إله إلّا الله ، وقواطع الإسلام بكلمة أهون من أفعال أهل هذا الزّمان.

وأمّا «الدّلائل الواضحة» (١) .. فلسنا برادّيه إلّا بعد نقله ، حيث هو أعجوبة الزّمان ؛ أذعن لمصنّفه من لا يحبّه ، لا سيّما ترجمته لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السّلام ـ رحمه الله ـ والذّبّ عن عرضه وعرض ابن القيّم وابن عبد الوهّاب ، الّذين عمي عن نورهم الخفّاش الّذي يضرّه نور الشّمس ، والجعل (٢) الّذي يضرّه ريح المسك.

والسّلام عليك وعلى أصنائك (٣) سالم ومحسن ، والولد علويّ بن سقّاف الجفريّ ، والخطّ لك وله واحد) اه

وسيأتي لبعض ما في هذه القطعة شرح في تريس إن شاء الله تعالى.

توفّي السّيّد عبد الله بن محمّد الحبشيّ في محرّم سنة (١٣١٤ ه‍) ، وخلفه على المنصبة السّيّد صالح بن أبي بكر بن محمّد الحبشيّ خلفا صالحا ، وكان شهما شجاعا ، إلّا أنّها لم تطل مدّته كثيرا ، بل توفّي في حدود سنة (١٣١٨ ه‍) ، وله أخ اسمه عليّ ، توفّي بالصّرع على إثره في منتصف رمضان من تلك السّنة ، وأخ آخر اسمه محمّد ، توفّي سنة (١٣٢٩ ه‍) ، وانقرض كلّهم من الذّكور ، وبعد وفاة السّيّد صالح .. خلفه السّيّد سالم بن طه الحبشيّ ، وكان فاضلا مضيافا إلّا أنّه كان ليّن العريكة ، دمث الأخلاق ، وفي أصحابه شراسة فتهضّموه ، وبقي على المنصبة إلى أن توفّي سنة (١٣٣٤ ه‍).

ثمّ خلفه عليها السّيّد عبد الرّحمن بن حسن بن شيخ إلى أن توفّي سنة

__________________

(١) هو كتاب «الدلائل الواضحة في الرد على رسالة الفاتحة» ، للعلامة علوي بن سقاف الجفري ، يرد فيه على رسالة للعلامة طاهر بن حسين بن طاهر ، انظر كلام المصنف عنها في تريس لاحقا.

(٢) الجعل : حيوان كالخنفساء يكثر في المواضع النّديّة.

(٣) أصناء ـ جمع صنو ـ وهو : الأخ الشّقيق والعمّ والابن.


(١٣٣٦ ه‍) ، ووقع اختيار آل أحمد بن زين ومنصب الحدّاد على السّيّد عمر بن عبد الله بن محمّد بن أحمد الحبشيّ ، وكان فكها أديبا ، له نوادر وولع كثير بالأغاني والأوتار ، وله تهجّد واتّصال بالسّادة الأخيار ، ولهذا ذكرت في تأبينه ما جرى بين معاوية وإحدى نسائه في عبد الله بن جعفر ؛ فلقد سمعته في أغانيه بين جواره وأصحابه ، فقالت لمعاوية : تعال ، فهذا الّذي أنزلته بين جلدك ولحمك كيف يفعل؟! فسكت ، ولمّا كان من آخر اللّيل .. سمعه يرتّل آيات القرآن فأنبهها وقال لها : تعالي فاسمعي مكان ما أسمعتيني.

على أنّ لي في الأوتار كلاما لم أسبق إليه ، فصّلته في الفائدة (٢٤) من «بلابل التّغريد» ، وكانت وفاة السّيّد عمر بن عبد الله في آخر جمادى الآخرة من سنة (١٣٦١ ه‍) ، وخلفه السّيّد عليّ بن عبد الرّحمن الحبشيّ ، وهو رجل لطيف شديد التّواضع ، جميل الأخلاق (١) ، وقد زاده نبلا في عيني ، ومحبّة في صدري : أنّ النّجم الهادي عبد الله بن عمر بن سميط ربّاه في شبام ؛ إذ كان خال أمّه ، وماتت وهو في السّابعة وقد فقد أباه من قبل ذلك ، أطال الله عمره وإيّانا في خير وعافية ، وكانت منصبتهم ولا سيّما في أيّام السّيّد محمّد بن أحمد وولده عبد الله ، عبارة عن دولة قاهرة ، وسلطان نافذ ، إلّا أنّها لم تخل من شيء من الاستطالة ، أمّا الآن .. فقد تلاشى نفوذها بما كان من تداخل الأجانب بحضرموت.

وفي الحوطة بقايا من بني سعد ، ومن آل وبر ، ومن آل الجرو ، ومن آل مشعبي ، وآل باشراحيل ، وآل باطاهر ، وآل سمير ، وآل التّوي ، وآل بشير ، وآل غانم ، وآل باسيف (٢) ، وآل جوبح ، وآل مربش ، وآل الجريديّ وغيرهم.

__________________

(١) توفي السيد علي بالحوطة سنة (١٣٨٦ ه‍) ، والقائم بمنصب آل أحمد بن زين اليوم هو السيد الفاضل شيخ بن عبد الله بن سالم بن طه الحبشي.

(٢) وبها أيضا آل باقلاقل ، وآل جوبح ، وآل مربش ، وسادة من آل بلفقيه ، وأما آل مشعبي .. فشهرتهم في سيئون ؛ لأنهم كانوا تجارا بها ، حتى إن الشاي كان ينسب لهم فيقال : شاهي مشعبي ، وآل باطاهر كثير منهم في الحاوي.


أرباض الحوطة :

قد علم ممّا سبق أنّ الحوطة في آخر حدّ وادي بن عليّ الشّماليّ ، فأرباضها من مثاوي آل كثير داخلة في حدود السّليل.

أمّا حاوي آل الحدّاد .. فبإزائها إلى الجنوب.

وفي شرقيّها إلى الشّمال : ديار لآل عمر بن سعيد ، تتلوها ديار لأناس من آل عمر بن سعيد أخرى إلى شمالها.

وفي شرقيّ هذه : قرية تسمّى بالفغوة ، للمشايخ آل باوزير ، إلى جانبها ضريح السّيد صالح بن عيدروس البحر والد سيّد الوادي الإمام حسن بن صالح.

وحوالي الفغوة من الجهات : حصون لآل كثير ونخيل منتشر.

وفي جنوبها حصون آل سلامة بن جعفر بن طالب ، كانت لهم قبولة حادّة ، مشوبة بكثير من التّعدّي والبغي ، حتّى لقد كان جعفر بن عبود بن عون ـ وهو من أواخرهم ـ يتخطّف صبيان المساكين ويبيعهم على بني أرض ، وهم يبيعونهم على من يذهب إلى القبلة والحجاز ، وقد حاق به بغيه حتّى مات في سجن الحكومة الكثيريّة.

وحصلت بينهم في الأخير مشاغبات وفتن داخليّة ، أثخنتهم ، فقلّوا وذلّوا ، وما كاد أمر الإنكليز يستفحل إلّا وقد انتهوا من الانحطاط إلى قراره.

ذي أصبح (١)

هي من قدامى بلدان حضرموت ، لها ذكر عند الهمدانيّ وغيره. وكان بها كثير من الإباضية كما ينطق بذلك ما سبق في شبام من شعر إمامهم إبراهيم بن قيس.

__________________

(١) ذو أصبح : هو اسم لأحد أقيال حمير ، واسمه الحارث بن مالك بن زيد بن قيس بن صيفي بن حمير الأصغر ، سمّي ذا أصبح لأنه غزا عدوّا وأراد أن يبيته ثم نام دونه حتى أصبح الصباح ثم قال لجيشه أصبح ، فسمّي ذا أصبح. وهو الذي أحدث السياط الأصبحية .. فنسبت إليه. هذا ما قاله نشوان في شرح قوله :

أم أين ذو قيفان أو ذو أصبح

لم ينج بالإمساء والإصباح

«خلاصة السيرة الجامعة» : (ص ١٩٣). وهناك أقوال أخرى.


واقتصر الطّيّب بامخرمة في كتابه «نسبة البلدان» [خ / ١٢٤] على قوله : (وذي أصبح قرية بحضرموت لآل باعبّاد) اه

وصدق في قوله : (لآل باعبّاد) ؛ فكلّ من أراد أن يبني بها .. لا بدّ وأن يأخذ إجازة منهم ؛ لأنّ أراضيها من جملة أوقافهم ، ولكنّها قد اندثرت وجهلت مقاديرها ، وكثير من بقاعها.

وجامعها الموجود الآن هو من بناء المكرّم عون بن سعيد بن روّاس السّابق ذكره بالحزم.

ومنها كان العلّامة الجليل الشّيخ عبد الله بن سعد بن سمير ، وهو الشّيخ (١٩) من مشايخ سيّدي الأستاذ الأبرّ ، توفّي سنة (١٢٦٢ ه‍) ، وخلفه علما وصلاحا ولده العلّامة سالم بن عبد الله ، وكان السّيّد عبد الله بن عمر بن يحيى جعله وزيرا للسّلطان عبد الله بن محسن بن أحمد حينما كان نائبا عن أخيه غالب في أوائل دولتهم ، واشترط عليه أن لا يخرج عن رأيه ، وأن لا يخلو بأحد إلّا وهو معه ، فبقي على ذلك مدّة يطالع السّيّد عبد الله بن عمر فيها بكلّ ما يجري ، وينفّذ كلّ ما يشير به عليه ، ولكنّ السّلطان عبد الله لم يقدر على ذلك .. فنقضه ، وكان السّيّد عبد الله بن عمر يرشحه لقضاء تريم ليكون تحت إشارته في كلّ كبير وصغير ، ولكن كان أهل تريم وفي مقدّمتهم الجليل عبد الله بن حسين بلفقيه ـ الشّيخ (١٢) للأستاذ الأبرّ ـ مخالفا للسّيّد عبد الله بن يحيى على خطّ مستقيم ؛ حتّى لو قال أحدهما : (تمرة) .. لقال الآخر : (جمرة) ، وما نظنّ بهما إلّا الحقّ ، غير أنّ الهوى يصوّر الشّيء في عين صاحبه بغير ما هو عليه ، وكلّ يؤخذ من كلامه ويترك.

وكان الشّيخ عبد الله أحمد باسودان يفضّل بلفقيه في سعة العلم وغزارة المادّة.

ثمّ إنّ الشّيخ سالم بن عبد الله بن سمير توجّه إلى جاوة ومات ببتاوي في سنة (١٢٧٠ ه‍).

وبذي أصبح سكن قطب الجود ، وكعبة الوفود ، سيّدنا الإمام حسن بن صالح


البحر (١) ، لقد كان علم هدى ، ومصباح دجى ، ومناط آمال ، وحمّال أثقال ، وغرّة زمان ، وحرز أمان ، ومعقل إيمان ، عقل الدّين عقل وعاية ورعاية ، لا عقل تدريس ورواية ، أمّا العبادة .. فيبيت صافّا قدميه إذا استثقلت بالمؤمنين الوسادة.

يبيت يجافي جنبه عن فراشه

إذا استثقلت بالمخلصين المضاجع

فلو زلزلت الأرض زلزالها .. لم يشعر بشيء مع استغراقه بالتّهجّد ، ولقد جرت له في ذلك أخبار لا نطيل بها ، من جنس ما وقع لابن الزّبير ؛ إذ صبّوا على رأسه الماء الشّديد الحرارة لمّا اتّهموه بالرّياء وهو ساجد فما أحسّ به.

ولقد كان يصلّي مرّة ومن ورائه الحبيب محمّد بن أحمد الحبشيّ وأخوه صالح وعتيق ـ السّابق ذكره ، الّذي كان لا يجازف قيد شعرة في تصوير الرّجال ـ ولمّا فرغوا .. قال عتيق : لقد تمثّلت واحدا نثر أمامنا صرّة من الرّيالات ونحن نصلّي ، فقلت في نفسي : أمّا حسن .. فلن يشعر بها أصلا ، وأمّا صالح .. فسيطاعن عليها ، وأمّا محمد .. فسيجمع بيديه ويقول : سبحان الله ، سبحان الله ، فبكى محمّد وقال : لقد جعلتني شرّهم ؛ إذ تلك سمة المنافقين.

وما تفرّسه عتيق هو عين الحقيقة ؛ أمّا الإمام البحر .. فقد زمّت التّقوى أموره ، وامتلك الإحسان شعوره ، فما هو إلّا ملك في المعنى وإن بقي إنسانا في الصورة.

فما دهره إلّا جهاد يقوده

لإحقاق حقّ أو صلاة يقيمها (٢)

كلّما حزبه أمر .. فزع إلى الصّلاة ، فيصير عندها الجبل الخشام (٣) كرمل الفلاة.

وأمّا الشّجاعة : فقد رادى جبال الجور فأزالها ، وكان لهاشم في النّجدة مثالها :

رسا جبلا في الدّين فهو بنصره

إذا ما تراخى الصّادقون مكلّف

__________________

(١) أفرده بالترجمة أستاذه ومعلمه الفقيه الشيخ عبد الله بن سعد بن سمير في كتاب سمّاه : «قلادة النحر في مناقب الحسن بن صالح البحر».

(٢) البيت من الطّويل.

(٣) الخشام : العظيم.


ترى ملكا في بردتيه وتارة

ترى اللّيث من أعطافه الموت ينطف

إذا سار هزّ الأرض بأسا وقلبه

إذا قام في المحراب بالذّكر يرجف

يلوح التّقى في وجهه فكأنّه

سنا قمر أو بارق يتكشّف

فكثيرا ما قاد الكتائب للطّعان ، ونصب صدره للأقران ، فلقد صدّ عادية قوم في غربيّ شبام جاؤوا ليجتاحوا حضرموت ، وأوقع بهم شرّ هزيمة ، وقد أشكل عليّ أمر أولئك أوّلا ، يمكن أن يكون المكارمة الّذين جاؤوا في سنة (١٢١٨ ه‍) ، والنّاس يقولون : إنّهم الوهّابيّة ، ولكنّ بعض أهل حضرموت يطلقون على المكارمة الباطنيّة لقب : الوهّابيّة ؛ لأنّهم لا يفرّقون بينهم ـ على ما بينهم من البون ـ فالصّواب ـ كما يعرف من بعض المسوّدات ـ : أنّهم المكارمة ، جاؤوا هاجمين مرّة أخرى غير الأولى فكسرهم ، ولكنّ الّذي نقله والدي عن الأستاذ الأبرّ : أنّ بعض آل كثير قاوموا الوهابيّة ، وساعدهم بعض السّادة ، وحملوا السّلاح ، وجرح السّيّد شيخ بن عبد الله الحبشيّ جرحا خطيرا ، فشفاه الله بدعاء سيّدنا الحسن البحر ، ولم يفصح سيّدي الوالد فيما كتبه بأنّ أمير القوم إذ ذاك هو سيّد الوادي مولانا الحسن البحر ، ولكنّني سمعت من لسانه ذات المرّات أنّه هو ، وقد مرّت الإشارة إليه في حوره.

وكان سيّدنا الحسن البحر لا يقرّ على كظّة ظالم ، ولا على سغب مظلوم (١) ، ولقد جمع كلمة الشّنافر بعد جهد جهيد على ردّ الحقوق وإقامة الحدود ، وأخذ منهم العهود والرّهائن ، حتّى توجّه على رئيس منهم قصاص في قتل ، ولمّا صمّم على استيفائه .. احتال بعضهم على امرأة المقتول ـ وكانت أجنبيّة ـ فعفت ، فدخل الوهن على تلك الجمعيّة ؛ لأنّ أكثرهم بسطاء لا يفهمون ، ولو أنّه اطّلع على قول بعضهم بتحتّم القصاص إذا التزم الكاملون من الورثة بنصيب القاصرين ، أو الّذين يعفون من الدّية .. لأخذ به ؛ لأنّه مع قوّة عزيمته كان من أهل الاجتهاد والتّرجيح.

وكان لا يقوم أحد لغضبه إذا انتهكت حرمة الله أو اعتدي على من لا ناصر له

__________________

(١) الكظّة : امتلاء البطن حتى لا يستطيع معه التنفّس. السغب : الجوع. والمعنى : لا يترك الظالم ظالما ، ولا المظلوم مظلوما .. بل سرعان ما يأخذ الحق من الظالم ويرده للمظلوم.


سواه ، وكان لا يخاطب عبد الله عوض غرامة فمن دونه من الرّؤساء في المعتبة إلّا باسمه ، مجرّدا عن كلّ صفة ، يسكت لغرامة على آرائه الوهّابيّة ؛ لأنّ بعضها يوافق ما عنده من تجريد التّوحيد ، ولكن لا هوادة له عنده متى انبسطت يده في ظلم من لا ناصر له إلّا الله ، فهو ركن الإسلام ، وموئل الأنام.

ترى النّاس أفواجا إلى باب داره

كأنّهم رجلا دبى وجراد (١)

قلّما تجد جذعا من النّخيل الحافّة بداره إلّا مربوطا بها ـ في أيّامه ـ حصان أو حمار.

ولقد رأى كثرة الوفود مرّة ببابه .. فخرج بمنجله يحتطب ، ثمّ جاء أمامهم بحزمة على رأسه ، وقال لبعض خاصّته : لقد أعجبتني نفسي فعمدت إلى وقذها ، ومازال بها حتّى أماتها كما فعل ابن الخطّاب رضي الله عنه.

وإن كان ليقوم بالمصحف في الجامع ، فقال له السّيّد عقيل الجفري ـ وكان آية في الإخلاص والنّصح ـ : نعم هذا لو كان في بيتك ، فما أجابه إلّا بقول ابن الفارض [في «ديوانه» ٤٦ من الطّويل] :

فأبثثتها ما بي ولم يك حاضري

رقيب لها حاظ بخلوة جلوتي

فاقتنع ؛ إذ كان لا يختلجه أدنى ريب في صدقه.

وبحقّ يقول فيه الإمام المحضار :

ومن في (ذي صبح) (٢) أصبح

وذبّاح بها يذبح

وطبّاخ بها يطبخ

وبو صالح بها ينضح (٣)

بلا عجب ولا كبر

__________________

(١) البيت من الطّويل ، وهو لأبي نواس في «ديوانه» (٤٧٢). الرّجل : القطيع من الجراد ونحوه من الخلق. الدّبى ـ جمع دباة ـ وهي : أصغر ما يكون من الجراد والنّمل.

(٢) ذي صبح : هكذا ينطق اسم البلدة عند العامة.

(٣) إما بالحاء المهملة من النضح ، أو (ينذخ) بذال وخاء ؛ أي : يعطي ويقسّم.


وكان في الجود آية ، وفي الشّفقة بالأيامى واليتامى والضّعاف غاية ، وإن كان جاهه الضّخم في آخر أيّامه ليدرّ عليه بالأموال الطّائلة من شرق الأرض وغربها ، ثمّ لا يبيت عنده دينار ولا درهم ، ولقد أراد جماعة من محبّيه أن يشتروا له عقارا .. فغضب عليهم.

وورده مرّة ألف ريال (١) فلم يمس منه شيء.

جود يحرّك منه كلّ عاطفة

ورحمة رفرفت منه على الأمم (٢)

ولقد كاد مع وقار ركنه يطير طربا عندما تمثّل له جدّي في مناسبة بقول جوبة بن النّضر [من البسيط] :

إنّا إذا اجتمعت يوما دراهمنا

ظلّت إلى طرق المعروف تستبق

لا يعرف الدّرهم المضروب صرّتنا

لكن يمرّ عليها وهو منطلق

لأنّ ذلك حاله رضوان الله عليه ، لا ينزل موضعا إلّا عمّه نورا ، وملأه سرورا.

إن ضنّ غيث أو خبا قمر

فجبينه ويمينه البدل (٣)

وله من التّحنّن على الفقراء ما من أمثلته : أنّ جدّي المحسن طلب يد بنته بهيّة ، فعمل لهم ضيافة حسب العادة ، وبينما هو في انتظارهم .. أطلّ من النّافذة ، فإذا الدّار محفوف بالنّظّارة من المساكين ، فأمر بإدخالهم وتقديم الطّعام لهم ، ثمّ لمّا أقبل جدّي بخيوله ومركبه وطبوله .. استأنف لهم الذّبائح والطّبخ. وله من هذا النّوع أمثال كثيرة ، يعظّم أهل الدّين ، ويكرم الفقراء والمساكين ، وإن كان الأغنياء والرّؤساء في مجلسه لأذلّ منهم في مجلس سفيان الثّوريّ ، وأخرج أبو نعيم [٦ / ٣٦٥] بسنده إلى عيسى بن يونس قال : (ما رأينا الأغنياء والسّلاطين في مجلس قطّ أحقر منهم في

__________________

(١) من الريالات الفرانصة (ماريا تريزا) المتداولة آنذاك.

(٢) البيت من البسيط ، وهو لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ٩٧). باختلاف بسيط.

(٣) البيت من الكامل وهو للطّغرّائيّ في «ديوانه» ، وفيه لف ونشر مشوّش ، إذ ذكر في الشطر الأوّل الغيث والقمر ، ثمّ ذكر في الشّطر الثّاني الوجه واليمين ، ويناسب الغيث .. اليمين ، ويناسب القمر .. الوجه ، والله أعلم.


مجلس الأعمش ، وهو محتاج إلى درهم) ، ولئن صحّ هذا أو لا .. فقد جاء العيان بسيّد الوادي فألوى بالأسانيد.

مناقب يبديها العيان كما ترى

وإن نحن حدّثنا بها دفع العقل (١)

وقد اعترف السّيّد أحمد بن عليّ الجنيد ـ وهو من أقرانه ـ بالعيّ عن وصف ما شاهده من أعماله واجتهاده في سفره .. فكيف بمثلي؟

وهو بذلك جدير ؛ إذ الإمام البحر أكبر من قول أبي الطّيّب [في «العكبريّ» ١ / ٣٥٢ من البسيط] :

لم أجر غاية فكري منه في صفة

إلّا وجدت مداها غاية الأبد

على أنّني لا أريد من عدم النّفاد إلّا ضيق العبارة عن سعة المعاني ، وإلّا .. فكلّ شيء في الحياة نافد ما عداه جلّ جلاله.

وكان جدّي المحسن كثيرا ما يقول : إنّنا لا نعني الجوارح إلّا بطريق المجاز عندما نقول : اللهمّ متّعنا بأسماعنا وأبصارنا ، وأمّا على الحقيقة .. فلا نقصد إلّا حسن بن صالح ، وأحمد بن عمر بن سميط ، وعبد الله بن حسين بن طاهر ، فهؤلاء الثّلاثة هم أركان الإسلام والشّرف لذلك العهد ، فلله درّ البحتريّ في قوله [في «ديوانه» ٢ / ٧٧ من الطّويل] :

فأركانهم أركان (رضوى) (ويذبل)

وأيديهم بأس اللّيالي وجودها

وقد كان بينهم من التّصافي والاتّحاد ما يشبه امتزاج الماء بالرّاح ، والأجسام بالأرواح ، وكلّ واحد منهم أمّة تنكشف به الغمّة.

لعمرك ما كانوا ثلاثة إخوة

ولكنّهم كانوا ثلاث قبائل (٢)

والمفاضلة بينهم لا تليق بمثلي ، ومن دون ذلك الفلوات الفيح والعقبات

__________________

(١) البيت من الطّويل ، وهو لأبي الفتح البستيّ في «ديوانه».

(٢) البيت من الطويل ، وهو من قطعة لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ٣٢٢) ، وما أجمل توافق الاستشهاد بهذا البيت مع من ذكرهم من الأعلام وكانوا ثلاثة!.


الكأداء ، غير أنّ ما يتفضّل به علينا التّاريخ من يوم إلى آخر يجعلنا لا نعدل بالحبيب حسن أحدا ، لا في شهامته ، ولا في شدّته في الله ، ولا في قوّة ثقته به وفرط توكّله عليه وتفانيه في مواقع رضاه.

وبهذه المناسبة ذكرت شيئين :

أحدهما : ما رواه غير واحد أنّ الإمام أبا حنيفة سئل عن الأسود وعلقمة وعطاء أيّهم أفضل؟ فقال : والله ما قدري أن أذكرهم إلّا بالدّعاء والاستغفار ؛ إجلالا لهم ، فكيف أفاضل بينهم؟

هذا ما يقوله أبو حنيفة عن هضم للنّفس فيما نخال ، وإذا نحن قلنا نحوه في أمثال هؤلاء .. فإنّما نتحدّث بالواقع ، ونخبر عن الحقيقة ؛ لأنّ الحكم بالشّيء فرع تصوّره ، والأمر كما قال البوصيريّ [من الخفيف] :

فورى السّائرين وهو أمامي

سبل وعرة وأرض عراء

والثّاني : ما ذكره ابن السّبكيّ في «طبقاته» [٥ / ٣٥٣] وياقوت في مادّة (المقدس) من «معجمه» [٥٤ / ١٧٢] وغيرهما ـ عن بعض أهل العلم قال : (صحبت أبا المعالي الجوينيّ بخراسان ، ثمّ قدمت العراق ، فصحبت الشّيخ أبا إسحاق الشّيرازيّ ، فكانت طريقته عندي أفضل من طريقة الجوينيّ ، ثمّ قدمت الشّام فرأيت الفقيه أبا الفتح نصر بن إبراهيم المقدسيّ ، فكانت طريقته أحسن من طريقتهما جميعا).

وقد ميّلت بين الجوينيّ والشّيرازيّ في «العود الهنديّ» قبل اطّلاعي على هذا بزمان طويل بما لا يبعد عنه ، وما ظنّي بالرّاوي لو اطّلع على ثلاثتنا .. إلّا تفضيلهم في التّقوى والدّين ، وإن كان أولئك أغزر في العلم.

فما كان بين الهضب فرق وبينهم

سوى أنّهم زالوا وما زالت الهضب

وكلّا والله لم يزولوا ولكنّهم انتقلوا فعولوا ، وقد جاء فيما يقولوا [من الكامل] :

وإذا الكريم مضى وولّى عمره

كفل الثّناء له بعمر ثاني

وما أحسن قول أبي القاسم ابن ناقياء في رثائه لأبي إسحاق الشيّرازيّ [من الكامل] :

إن قيل مات فلم يمت من ذكره

حيّ على مرّ اللّيالي باقي


والله أعلم بحقائق الأمور والمطّلع على خفيّ ما في الصّدور.

ولمّا توفّي في سنة (١٢٧٣ ه‍) بقرية ذي أصبح عن عدّة أولاد .. لم يرث حاله منهم إلّا ولده عبد الله (١) ، وكان يسمّيه : قرّة العين ، بسبب أنّه وصل له مال دثر فقال لأولاده : خذوا ما شئتم ، فكلّ أخذ من الرّيالات ما يقدر على حمله .. إلّا عبد الله (٢) فإنّه اقتصر على طلب الدّعاء بالثّبات على الإيمان ، فقال له : قرّت بك عيني يا ولدي ، فأطلق عليه ذلك اللقب من يومئذ ، فكان هو خليفته ووارث سرّه.

أبقى لنا العبّاس غرّتك ابنه

مرأى لنا وإلى القيامة مسمعا (٣)

لقد كان ركن إسلام ، وطود تقوى ، وعمود محراب ، وثمال أيامى ، وموئل يتامى ، ومعاذ مظلوم .. وحامي حمى ، وحارس حدود.

مزايد نفس في تقى الله لم تدع

له غاية في جدّها واجتهادها (٤)

فما مالت الدّنيا به حين أشرقت

له في تناهي حسنها واحتشادها

لسجّادة السّجّاد أحسن منظرا

من التّاج في أحجاره واتّقادها

لقد كان يستجهر النّاس بوسامته وما على جبينه من آثار القبول وارتسامه ، ولا سيّما إذا قام في محفل يذكّرهم بالجلالة ، بوجه جميل ، عاليه جلالة ، وتغشاه من الأنوار هالة.

من البيض الوجوه بني عليّ

لو انّك تستضيء بهم أضاؤوا (٥)

هم حلّوا من الشّرف المعلّى

ومن كرم العشيرة حيث شاؤوا

__________________

(١) ينطق بكسر الدال وترقيق اللام الأولى ؛ (عبد اللّاه).

(٢) ينطق بكسر الدال وترقيق اللام الأولى ؛ (عبد اللّاه).

(٣) البيت من الطّويل ، وهو لأبي الطّيّب المتنبّي في «العكبريّ» (٢ / ٢٦٨) ، والمعنى : قد خلّف ـ أبوك ـ العبّاس طلعتك ، يا ابنه ؛ فهو على حذف حرف النّداء ؛ أي : قد خلّف طلعتك لنشاهد فضلك وكرمك ، وليبقى ذكرها إلى يوم القيامة.

(٤) الأبيات من الطّويل ، وهي للبحتريّ في «ديوانه» (١ / ١٢٧ ـ ١٢٨).

(٥) البيتان من الوافر.


تزيده تلك السّجّادة نورا ، فتمتلىء بمرآه القلوب سرورا ، وما زال كأبيه علم المهتدين ، وأسوة المقتدين ، ومنهل الشّاربين ، ومأمن الخائفين إلى أن دعاه الحمام (١) ، وهو يردّد كلمة الإسلام بقريته ذي أصبح ، في سنة (١٣١٩ ه‍) عن غير أولاد ذكور.

وكانت صغرى بناته ، وموضع رعايته ، وأحبهنّ إليه .. هي زوجتي المعمّة المخولة ؛ إذ كانت أمّها هي البرّة التّقيّة رقوان بنت سيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، المتوفّاة على أبلغ ما يكون من الثّبات على الإيمان في الحجّة من سنة (١٣٦٢ ه‍).

تخيّرتها من بنات الكرام

ومن أشرف النّاس عمّا وخالا (٢)

وهي أمّ أولادي : حسن ، ومحمّد ، وعيدروس ، وأحمد ، وعلويّ ، وشقائقهم الموجودين اليوم ، وقد مات لي منها : بصريّ ، واشتدّ حزني عليه ، ورثيته بعدّة مراث توجد بمواضعها من «الدّيوان» ، وعليّ ، ورثيته بمرثاة واحدة ، وأكبر وجدي عليه ؛ لأنّه جدّد الجروح الّتي لم تكن لتندمل على بصريّ [من الطّويل] :

فما سرّ قلبي منذ شطّت به النّوى

نعيم ولا كأس ولا متصرّف

وما ذقت طعم الماء إلّا وجدته

سوى ذلك الماء الّذي كنت أعرف

ولم أشهد اللّذّات إلّا تكلّفا

وأيّ نعيم يقتضيه التّكلّف

وقد أشرت في بعض مراثيه إلى تكذيب زهير بن جناب في قوله [في «ديوان الحماسة» ٢ / ١٠٢ من الوافر] :

إذا ما شئت أن تنسى حبيبا

فأكثر دونه عدّ اللّيالي

وممّا صغّر المعرّيّ في نفسي قوله [في «سقط الزّند» ٢٠ من الطّويل] :

فإنّي رأيت الحزن للحزن ماحيا

كما خطّ في القرطاس رسم على رسم

__________________

(١) الحمام : الموت.

(٢) البيت من المتقارب.


فله اليوم منذ قضى سبع وعشرون عاما ، والجرح عاند ، والصّبر يعاند ، ولا أزال أتمثّل بقول البهاء زهير [من الوافر] :

فيا من غاب عنّي وهو روحي

وكيف أطيق من روحي انفكاكا

يعزّ عليّ حين أدير عيني

أفتّش في مكانك لا أراكا

ختمت على ودادك في ضميري

وليس يزال مختوما هناكا

فوا أسفي لجسمك كيف يبلى

ويذهب بعد بهجته سناكا

ويعجبني قول ابن الرّوميّ في رثائه ليحيى بن عمر بن حسين بن زيد بن عليّ [من الطّويل] :

مضى ومضى الفرّاط من أهل بيته

يؤمّ بهم ورد المنيّة منهج

فلا هو أنساني أساي عليهم

بلى هاجه والشّجو للشّجو أهيج

وقول المرار العدويّ [من البسيط] :

لم ينسني ذكركم مذ لم ألاقكم

عيش سلوت به عنكم ولا قدم

وقد مات لي منها أيضا غير هذين ، ومع فرط الحزن .. فلم نتدرّع إلّا بالصّبر ، ولم نستشعر إلّا الرّضا ، ونحتسبهم عند الله فرطا وذخرا ، ونرجو بهم مثل ما رآه مالك بن دينار عن بنته في الدّار الأخرى :

وهوّن بعض الوجد عنّي أنّني

أجاوره في داره اليوم أو غدا

ويعجبني قول شبيب بن شبّة للمهديّ في التّعزية عن بنت : ثواب الله خير لك منها ، ورحمة الله خير لها منك ، وأحقّ ما صبر عليه .. ما لا سبيل إلى ردّه ، وهو مثل قول الآخر [من الكامل] :

اصبر نكن بك صابرين فإنّما

صبر الّرعيّة بعد صبر الرّاس

خير من العبّاس ربّك بعده

والله خير منك للعبّاس

وخير منه ما عزّى الأشعث به ابن أبي طالب ، وأشار إليه أبو تمّام بما لا حاجة إلى


الإملال به ، وقد أشرت في بعض المراثي إلى أنّ نصيبي من الرّحمة كان أوفر ، وأنّ حظّها من الرّضا بقضاء الله كان أكثر ، وهي كما قال حسّان [في «ديوانه» ٣٧٧ من الطّويل] :

حصان رزان ما تزنّ بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل (١)

راضية بعيشها ، قانعة برزقها ، مصونة في قصرها ، من اللّاء يقول في مثلهنّ الفرزدق [في «ديوانه» ١ / ٤٠٧ من الكامل] :

رجح ولسن من اللّواتي بالضّحى

لذيولهنّ على الطّريق غبار (٢)

وكما يقول قيس بن الأسلت [من الطّويل] :

ويكرمنها جاراتها فيزرنها

وتعتلّ عن إتيانهنّ فتعذر

وليس بها أن تستهين بجارة

ولكنّها من ذاك تحيا وتخفر

وقول عليّة بنت المهديّ [من الطّويل] :

فما خرّقت خفّا ولم تبل جوربا

وأمّا سراويلاتها فتمزّق

أي : لشدّة لزامها ؛ من فرط الصّون والعفاف.

قائمة بحقّ ربّها ، صالحة في دينها على جانب واسع من المعرفة والأدب ، لا يعرض لها حال إلّا تمثّلت ببعض بيت ؛ إذ كان عندها مئات الأطراف من الأبيات ،

__________________

(١) الحصان : العفيفة. الرّزان : المرأة الّتي عليها الثّبات والوقار. ما تزنّ : لا تتّهم. غرثى : جائعة.

الغوافل : النّساء الغافلات. والمعنى : لا تأكل لحوم النّاس لأنّها لا تتكلّم في أعراضهم.

(٢) رجح : صاحبات عقول راجحة. وظاهر معنى البيت ـ كما في «المثل السائر» (٢ / ٦٢ ـ ٦٣) ـ أن هؤلاء النساء يمشين هونا لحيائهن .. فلا يظهر لذيولهن غبار على الطريق. وليس المراد ذلك ، بل المراد أنهن لا يمشين على الطريق أصلا ؛ أي : إنهن مخبآت لا يخرجن من بيوتهن ، فلا يكون إذا لذيولهن على الطريق غبار. اه بلفظه من «المثل السائر». وهذا من المبحث البلاغي (نفي الشيء بإيجابه) ؛ كقولهم عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (لا تنثى فلتاته) وظاهر هذا الكلام أنه تكون في مجلس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هفوات .. لكنها لا تنثى ـ أي : تذاع ـ وليس ذلك مرادا البتة ، بل المراد : أنه لا هفوات فيه أصلا. ومثله بيتنا هذا كما في نفس المرجع والله أعلم.


ولكنّها بالأكثر لا تستوفي البيت حفظا ولا تقيمه لحنا ، غير أنّها متى أنشدت بجملة منه .. ذكّرتني بباقيه فأنشدته إن حضرت.

وكانت إحدى بناتها ـ وعندها شيء من العلم ـ لا تقتدي بها (١) ؛ تزعم أنّها لا تحسن الضّاد ، بل تبدلها ظاء ، ولكنّ أكثر أهل العلم كما ذكره ابن كثير في «تفسيره» [١ / ٣١] على اغتفاره.

وأنا وإيّاها ـ ولله الحمد ـ في عيش طيّب ، وبال رخيّ ، وسكون تامّ ، ومودّة ورحمة ، واسترسال ومؤازرة ، لا نختلف في شيء قطّ من أمر الدّنيا ، وإليها ـ مع أنّها أمّيّة لا تكتب ولا تحسب ـ أمر البيت كما قضى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بين عليّ وفاطمة ، إلّا أنّ من شأنها :

١ ـ بطء الحركة ، ومن طبيعتي الاستعجال.

٢ ـ وهي مبتلاة بضياع المفاتيح ـ وكلّها في يدها ـ فكثيرا ما أعدم حاجتي عند طلبها.

٣ ـ وقد تقصر عن فهم إشارتي ولا تستوضحها ؛ اعتمادا على فهمها ، أو خشية أن تقطع عليّ فكرا أو كتابة أو مطالعة ، من أمثلة ذلك : أنّه وردني ضيف وهو السّيّد عبد القادر بن عمر بن محمّد بن أحمد الحبشيّ بعد ما ترجّل النّهار (٢) ، فأشرت بذبح جدي لا تزيد قيمته عن أربع روبيّات ، فذهب وهمها إلى شاة تزيد عن ثلاثين ، وأدخلوا اللّحم على حاله لم تؤثّر فيه النّار.

٤ ـ وأنّها لا تلوم أحدا من أولادها .. إلّا كنت معها عليه ، ومتى انعكست القضيّة .. كانت معه إلبا عليّ ، مع اعتقادي أنّي مصيب في الحالين.

أمّا من هذه المواضع .. فإنّ الشّيطان يجد السّبيل المهيع (٣) ، فيذكي جمرات الغضب ، ويثير معركة النّزاع ، ويقف مع النّظّارة ، ولا تسل عمّا يجري حينئذ.

وربّما يكون أوّل المعركة العتب الجميل لشيء صغير من أنواع ما تقدّم ، فيحصل في

__________________

(١) أي : في الصلاة.

(٢) ترجّل النّهار : ارتفع.

(٣) السبيل المهيع : الطّريق الواسع.


الاعتذار لون من التّلبيس ، فعند ذلك يشتعل الوطيس ، ويبلغ ما يريده الشّيخ إبليس.

ومن سيّئاتها : أنّها لم تغرس لنفسها هيبة في صدور أولادها تعينها على ما يجب على الأمّ من التّأديب والتّثقيف والتّعليم والتّهذيب .. بل تلقي لهم الحبال على الغوارب ، فلا تعاتب أحدا على تقصير ، ولا تزجره عن إساءة أدب ، ولا تكلّف أحدا بعمل ينفعه عند الحاجة ، فهي تسيء إليهم من حيث تريد الإحسان.

غير أنّه يكفّ من ثورتي عليها لذلك قول الإمام مالك : (الأدب أدب الله لا أدب الآباء والأمّهات) ، وقول الشّعرانيّ : (لقد كنت في عناء من تأديب ولدي عبد الرّحمن ، حتّى وكلت أمره إلى الله .. فصلح) أو ما يقرب من هذا.

ومن جرّاء ذلك : استهان الخدم بأوامرها ؛ ولطالما أشرت عليها أن تعزم عليهم بقشر الباذنجان الأحمر ـ لأنّي أكره قشره وبذره ـ .. فلم يفعلوا يوما ما ، وإنّه ليأتيني في كلّ وجبة بقشره وبذره على ما لا أحبّ ، فإما أن تكون مستخفّة بعتبي ـ على شدّته في بعض الأحيان ـ وإمّا أن يكون الطّهاة غير مبالين بأمرها وإرشادها ، ومهما يكن من الأمر .. فإنّ إفراطها في المياسرة مع رعيّتها .. قد أتعبنا وإيّاها ، وأدى إلى خسائر جسيمة وإلى خلل لا يحتمل ، ولا سيّما في تدبير أمر البيت ؛ لأنّني أجعل تبعة تقصيرهم عليها ؛ بحكم قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «والمرأة راعية في بيت زوجها ، ومسؤولة عن رعيّتها» (١).

ومتى عاتبتها وأجابت بما لم ترعو عنه من الأجوبة الباردة .. أصعبت لها القول ، وناشبتها الشّرّ ، فزاد النّكد ، واشتدّ التّعب ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

ومن النّوادر : أنّني لمّا ذاكرتها مرة بمسألة الشّاة .. تنصّلت من الذّنب ، وأحالته على شؤم ناصية الضّيف ، وقالت : إنّه قد جاءك مرّة ، وأرسلت في شراء لحم له فأنسي الرّسول ، ثمّ استأنفت رسولا فجاء به متأخّرا ، واقتضى الوقت إدخاله عليه في مثل حال لحم الشّاة.

__________________

(١) أخرجه البخاري (٨٩٣).


وأخرى ، وهي : أنّ سروات النّساء (١) يقصدنها للمشاورة في أمورهنّ ، فيحمدن عاقبة رأيها لهنّ ، ولكنّي لست كذلك ؛ ولئن وجد عندي ضعف في مشاورة النّساء عندما تكلّمت على انطلاق خديجة برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى ورقة بن نوفل في كتابي «بلابل التغريد» .. فما هو إلّا من هذه البابة ، وأسأل الله أن ييسّرني وإيّاها وأولادنا لليسرى ، وأن يجنّبنا وإيّاها العسرى ، وأن يجمع لنا ولهم بين خيرات الدّنيا والأخرى ، وأن يحسن عاقبتنا وعاقبتهم في الأمور كلّها ، ويجيرنا وإيّاهم من خزي الدّنيا وعذاب الآخرة ، وأن يبارك لي فيها وفي أولادها ، ولا يضرّهم ، وأن يجنّبنا وإيّاهم الشّيطان ، ويرزقنا برّهم ، وأن يطيل لنا ولهم الأعمار في خير ولطف وعافية وثبات على الإيمان ، بمنّه وجوده.

ومن آل ذي أصبح : العلّامة الجليل ، الشّيخ عبد الله بن سعد بن سمير (٢) ، وهو الشّيخ التّاسع عشر من أشياخ أستاذنا الأبرّ ، توفّي سنة (١٢٦٢ ه‍).

وكانت وفاة ابنه العلّامة سالم (٣) بن عبد الله في بتاوي (٤) سنة (١٢٧٠ ه‍) ، وكان

__________________

(١) سروات النّساء : ساداتهن وأشرافهن.

(٢) كان مولده بذي أصبح عام (١١٨٥ ه‍) ، وتوفي في الحوطة في (٢٨) ذي القعدة (١٢٦٢ ه‍) ، أخذ عن كثير من شيوخ عصره ؛ كالحبيب عمر بن سميط ، والحبيب أحمد بن جعفر الحبشي والحبيب عمر بن سقاف ، وغيرهم ، وكان هو مقرىء الحبيب عمر المذكور ، ثم لما ظهر نبوغ الحبيب الحسن وعلو قدمه في العبادة .. صار ملازما له ومستفيدا منه كمثال ونموذج للتواضع والاعتراف بالفضل.

وللشيخ عبد الله عدد من المصنفات. ينظر : «عقد اليواقيت الجوهرية» ، و «تاريخ الشعراء» (٣ / ١٢٢ ـ ١٣٥).

(٣) ولد الشيخ سالم بن عبد الله بذي أصبح ، وتربى في حجر والده وقرأ عليه مبادىء العلوم ، كان من الأذكياء ، وله معرفة بعتاد الحروب ، سار إلى الهند ليختار للدولة الكثيرية خبيرا عسكريا في شؤون المدافع ؛ إذ كان مستشارا للسلطان عبد الله بن محسن كما ذكر المصنف. دخل مكة المكرمة ، وكان كثير العبادة والإفادة ، يقول عنه معاصره الشيخ أحمد الحضراوي : إنه كان يختم القرآن الكريم وهو يطوف بالبيت الحرام. ثم سار إلى جاوة وتديرها ، وبها مات سنة (١٢٧٠ ه‍) ، وتردد على سنغافورة. ينظر : «مقدمة الدرة اليتيمة» بقلم السيد عمر الجيلاني ، «الجامع» لبامطرف ، وقد أخطأ في اسم المترجم فجعله : سالم بن سعد ، وهذا وهم فليتنبه له. والله أعلم.

(٤) بتاوي هي (بتافيا ـ BTAVIA) عاصمة إندونيسيا إبّان احتلالها من قبل هولندا ، وهي المسمّاة


العلويّون جعلوه وزيرا للسّلطان عبد الله بن محسن حينما كان نائبا من أخيه أوائل دولتهم ، واشترطوا عليه أن لا يخرج عن رأيه ، وأن لا يخلو بأحد إلّا وهو معه ، فنقض ذلك ، وسار الشّيخ إلى جاوة (١).

وفي «مجموع الجدّ طه بن عمر» ذكر للشّيخ عبد الوهّاب بن عمر بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن أحمد بن سمير ، ولكتابه «الرّوضة الأنيقة» (٢).

وأكثر سكّان ذي أصبح من الحاكة والأكرة ، وكانوا يبلغون أربع مئة نفس ، لكنّ الأزمة اجتاحتهم ، فلن يبلغوا اليوم الأربعين ، فهي خاوية على عروشها بعد تلك العهود ، وازدحام الوفود.

أقوت فلم أذكر بها لمّا خلت

إلّا منى لمّا تقضّى الموسم (٣)

ولقد أراها وهي عرس حقبة

فاليوم أضحت وهي ثكلى أيّم (٤)

نسأل الله أن يعمر الدّيار بأهلها ، وأن يديل حزن الأيّام بسهلها (٥).

الشّعب (٦)

هي قرية تحاذي ذي أصبح في جنوبها بسفح الجبل الواقع عن يسار الذّاهب غربا في الطّريق السّلطانيّة ، فيه جماعة من آل كثير ، يقال لهم : آل جعفر بن طالب ، تنتهي إليهم زعامة آل كثير ، منهم : عبد الله بن سعيد ، ثمّ ولده سالمين بن عبد الله الّذي

__________________

اليوم : جاكرتا ، وإنما الحضارمة حرّفوا بتافيا إلى بتاوي.

(١) إذا أطلقت جاوة .. فالمراد بها جهتها ؛ أي : دولة إندونيسيا.

(٢) اسمه كاملا : «الروضة الأنيقة والعروة الوثيقة في الرد على من لا يعرف المسائل الدقيقة».

(٣) البيتان من الكامل ، وهما لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ١٠٠). أقوت : خلت.

(٤) العرس : العروس. الثكلى : من أفجعتها المصائب. الأيّم : الّتي لا زوج لها.

(٥) يديل : يأخذ الدّولة والغلبة من شيء ويضعها في الآخر. والمعنى : نسأل الله تعالى أن يأخذ الغلبة من أيّامنا الصّعبة ، ويضعها في أيّامنا السّهلة الحلوة ؛ فيكون بذلك قد أدال حزن الأيّام بسهلها ، ونكون بذلك من السّعداء.

(٦) وقد خططت منطقة الشعب مؤخرا ، وبنيت فيها بيوت كثيرة ، وأصبحت آهلة بالسكان.


يضرب به المثل ، فيقال : (سالمين في الخرابة) وشرحه : أنّ آل كثير انهزموا في حرب بينهم وبين يافع ، وركبت يافع أكتافهم ، ولكنّهم لم يقدروا على خرابة كان فيها سالمين بن عبد الله هذا ، وكلّما همّوا بالهجوم عليها وقيل لهم : سالمين في الخرابة .. تراجعوا.

وخلفه ولده صالح بن سالمين ، ثمّ أخوه عائظ بن سالمين ، وكان جمرة حرب ، شجاعا ، وهّابا نهّابا لا يزال منه آل شبام على وجل ؛ إذ كانت غاراته تترى على ضواحيها ، وهو كما قال الأعشى [الباهليّ من البسيط] :

لا يأمن النّاس ممساه ومصبحه

إن يغز .. يؤذ وإن لم يغز ينتظر

قال الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ١ / ٣٦٩ من الطّويل] :

فقل للعدا أمنا على كلّ جانب

من الأرض أو نوما على كلّ مرقد

فقد زال من كانت طلائع خوفه

تعارضكم في كلّ مرعى ومورد

وبه تأطّدت دولة آل كثير.

وكان ذكر الصّلح بين القعيطيّ وآل كثير أكبر العار والغدر في أيّامه ، وهكذا تفعل الدّعايات في تكبير الأمر وتفخيمه ، ونظير ذلك : ما انتشرت به الدّعايات اليوم لفلسطين ، مع أنّ غيرها من بلاد المسلمين لا يقلّ عنها أهميّة وخطرا ، ولم يكن لها ولا معشار صدى فلسطين ؛ كحيدر أباد ، والمسلمين في الحبشة ، وجاوة وليبيا وغيرها.

مع أنّي لا آمن أن يكون في الفلسطينيّين من يوطّىء مناكب قومه لليهود ، بل رأيت في العدد الصّادر (١٣) رجب من هذا العام ـ أعني سنة (١٣٦٧ ه‍) من «أخبار اليوم» : أنّ عمدة سمخ ورئيس اللّجنة القوميّة فيها حضر لدى المسؤولين ، وقال : أعطونا مالا وذخيرة وبنادق ، وإلّا .. فسنضطرّ إلى التّسليم. ولمّا أعطوه .. باع الذّخيرة والبنادق لليهود!!

ومن ذلك العدد أيضا أنّ سمخ ـ وهي قرية عربيّة ـ باعتها اللّجنة القوميّة .. فحرّرتها


الجيوش السّوريّة ، على حين لم يبق منها إلّا أطلال ، ولهذا فإنّي لا أخلو عن ظنّ سيّء بمن تقدّمت في تاريخه مع المسلمين نقاط سوداء ، وأرى أن لا أمل فيمن لا يستمدّ نفوذه أو إمارته إلّا من الأجانب ؛ لأنّهم من أعرف الخلق بشراء الضّمائر ، فلن ينصّبوا ولن يرشّحوا إلّا من يملأ هواهم ، ويتابع رضاهم ، ويتفيّأ حيثما مال ريحهم ، ويدور حيثما دارت زجاجاتهم ، حتّى لقد عزمت أن أبرق إلى عزّام باشا ـ لنوع تعارف بيننا ـ بما هذه صورته : إنّي لأحذّركم أن يكون جيشكم تمام العشرين ، ولكن :

تكنّفني الوشاة فأزعجوني

فيا لله للواشي المطاع

ولا سيّما بعد أن فسّرت لهم معناه ، وما أشير به إليه.

ومهما يكن من الأمر .. فالمستقبل كشّاف الحقائق ، والفشل مأمون ، والنّصر بشرطه مضمون ، ولكنّه بيد الله يؤتيه من يشاء ، وإنّما الواجب على الزّعماء والصّحفيّين وغيرهم أن يشرحوا الوقائع ناصعة ، ويلزموا كلّ طائر عنقه ، ويذكروا المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، وإلّا ساء الظّنّ بهم أجمعين.

ومن اللّطائف : أنّا كنّا يوما نتذاكر مساعدة فلسطين ، فقال لنا بدويّ من آل كثير ، واسمه محمّد بن سالمين : ولم هذه المساعدة؟ قلنا له : إنّ اليهود يريدون الاستيلاء على بلاد العرب.

فقال : أو ليس النّصارى مثل اليهود؟ وقد سعى بعضكم ـ أيّها السّادة ـ في بيع حضرموت عليهم ، والثّمن مع ذلك منهم لا من النّصارى. فكان جوابا مسكتا.

وكان القعيطيّ حريصا على محالفته بما شاء فلم يفعل وكيف يفعل وللدّعاية ذلك التأثير العظيم يومئذ.

وكان على سنّة العرب في إكرام الضّيفان ، ونقل الجفان ، وإغلاء الكلام ، وتوفية الذمام. وبه كان صدع آل كثير منشعبا ، ووهيهم منجبرا ، وشتّهم مجتمعا ، يسعى بذمّتهم أدناهم ، ولا تزال مطيّته مرحولة لرتق فتوقهم ، وإصلاح شؤونهم ، وهم أتبع له من الظّلّ ، وأطوع من الخاتم.


ولمّا كان الهاجريّ أدناهم إلى شبام مع قلّة المال والرّجال .. جعل إليه الخفارة ، فكلّ من أخذ منه شفرة أو نحوها .. أمن بها ومرّ على رؤوس العفاريت. قتل في سنة (١٣٠٨ ه‍) بعد أن :

ملأ الزّمان جرائحا ومنائحا

خبطا ببؤسى في الرّجال وأنعم (١)

فغدت عرانين العلا وأكفّها

من بين أجدع بعده أو أجذم

وسبب قتله (٢) : أنّ أحد آل كدّه أخذ عذق خريف (٣) من نخيلهم فقتلوه ، فكبر عليهم قتل ولدهم في عذق خريف ولا سيّما بعدما عيّرهم سماسرة شبام ، فكمنوا من اللّيل على مقربة من الشّعب ، وفي الصّباح أطلقوا عليه البنادق ، فخرج عليهم عائظ بأصحابه وأردى منهم اثنين واستلبوهما ، ولمّا كادوا يصلون مسيال سر الفارق بين ذي أصبح وبحيره .. كفّ عنهم ، وكان الصواب فيما فعل ، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم لسلمة بن الأكوع : «ملكت فأسجح» (٤).

ولكن أحد أصحابه كان شريرا مع منافسته له ، فقال له : تريد القهوة عند غصون؟ وهي امرأة عائظ من آل عامر أصحاب آل كدّه ، فحمي ، وتقدّم بهم ، وقد تستّر آل كدّه بأشجار الأراك وأكوام الرّمل ، وجاءتهم نجدة آل محمّد بن عمر ، فأصلوهم نارا حامية ، فعمد عائظ وأصحابه إلى السّلاح الأبيض.

وما زالوا يتناحرون حتّى حجز بينهم السّيّدان عبد الله بن حسن بن صالح البحر ، وعيدروس بن حسين العيدروس ، ولكن بعد ما قتل من آل كدّه وآل محمّد بن عمر سبعة ، ومن آل جعفر بن طالب ثلاثة عشر قتيلا وثلاثون جريحا.

وكانت الحادثة المذكورة على مقربة من هدّامه ، كما مرّ فيها.

وعظم المصاب على آل كثير بمقتل عائظ واصطكّت بعده ركبهم ، وتخاذلت

__________________

(١) البيت من الكامل وهو للشّريف الرّضيّ في «ديوانه» (٢ / ٢٩٠) بتحريف بسيط.

(٢) أي : عائظ بن سالمين.

(٣) العذق : العنقود. الخريف : هو الرّطب من النخلة ؛ في عرف الحضارمة.

(٤) أخرجه البخاري (٣٠٤١) ، ومعنى فأسجح : أحسن وارفق.


أيديهم ، بل وعلى يافع ؛ لأنّهم شعروا باستغناء القعيطيّ عنهم من بعده.

ولمّا قتل عائظ بن سالمين .. وقع رداؤه على عبيد صالح بن سالمين بن عبد الله بن سعيد ، وهو ابن أخيه ، وكان مديد القامة ، كبير الهامة.

سبط البنان إذا احتبى في مجلس

فرع الجماجم والرّجال قيام (١)

ومعنى سباطة البنان هنا : طولها لا سماحها ، وكان قويّ العارضة ، يخلط الجدّ بالهزل ، فيتّقي الرّؤساء لسانه ، ولا يبقى لأحد معه كلام ؛ لأنّه لا يتّقي العوراء فيه ، ولم يكن له همّ بعد عمّه إلّا تغيير تلك السياسة ، ومصالحة القعيطيّ ، فغزا شبام بآل كثير ، فأنذر بهم ريّس بن محمّد الملقّب عبلّه عن أمره ـ فيما يقال ـ لتتمهّد له الوساطة في ذلك ، وكانت النّهاية : انبرام الصّلح.

والأخبار في ذلك والماجريات بين السّيّد حسين بن حامد المحضار وعبيد صالح وبيني وبينهم طويلة ، وفي «الأصل» منها الشّيء الكثير.

وهو أقوى من عمّه عائظ في الحجّة ، وأهيب في المنظر ، وأرجح في الحجا ، ولكنّه أقلّ منه في النّجدة والجود ، وقد قصر كلامه في آخر وقته ، وقلّت هيبته ، وضعفت زعامته وعجز عن أخذ ما له من ثأر عند آل عامر ، وعند آل بلّيل الّذي يلي هذا ، ومن بقايا حظّه أن مات في ستر الله في حدود سنة (١٣٥٣ ه‍) قبل أن يصل آل كثير إلى الحدّ النّهائيّ من التّخاذل والسّقوط ، وإلّا .. لحلّ به ما حلّ بهم.

ومع انتهائهم إلى القرار من المهانة بحضرموت .. فإنّ لهم جمعية تذكر ببتاوي (٢)

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو لأبي نواس في «ديوانه» (٤٠٩).

(٢) هي الجمعية الشنفرية الكثيرية ، ولها نظام ودستور وتنظيم ، مثلها مثل غيرها من الجمعيات التي قامت في جاوة. ومن أعلام آل طالب ممن امتهن الصحافة : فرج بن طالب الكثيري ، الذي كان له نشاط صحفي بارز في المهجر الحضرمي سنغافورة ، وقام بإصدار (٤) صحف خلال أربعة أعوام وهي : «القصاص» : جريدة نصف شهرية ، أصدرها باللغة العامية الحضرمية في فبراير (١٩٣٢ م) ، وتوقفت في جولاي (١٩٣٣ م).

«الشعب الحضرمي» : أيضا بالعامية الحضرمية ، بدأت بالصدور في فبراير (١٩٣٤ م) ، ولم تستمر طويلا.


من أرض جاوة ، يرأسها الشّيخ سالمين بن عليّ الكثيريّ وأحرى أن يناط بها الأمل ، ويربط بها الرّجاء إذا سلموا من التّحاسد.

أمّا المطامع .. فما أظنّها تصل بهم كما وصلت بالجمعيّتين السّابق ذكرها قبيل القطن .. لما لدى أكثرهم من الثّروة.

بلّيل

هو من وراء ذي أصبح والشّعب إلى الجهة الشّرقيّة ، يسكنه آل مرعيّ بن سعيد ، ومرجعهم إلى الفخائذ ، وهم وآل بدر بن سعيد وآل جعفر بن سعيد ـ أصحاب جعيمه ـ على رجل واحد ، وهو سعيد بن عليّ بن عمر ، وقيل : إنّ عليّ بن عمر هذا أخ ليمانيّ بن عمر ، وعامر بن عمر ، وفلهوم بن عمر ، وإنّما دخل في الفخائذ من آل عون بالخؤولة.

وكان في آل مرعيّ المذكورين حكّام مبرزون ؛ من أواخرهم : عوض بن ريّس بن جعفر بن عبود بن بدر ، وكلّ آبائه المذكورين من حكّام حضرموت ، حتّى لقد ذكروا أنّ آل عجّاج وآل ثابت من نهد ، وهم أراكين الأحكام في حضرموت ، وردوا على جعفر بن عبود فقدّموا دعاويهم إليه ، وكان في أثناء حوارهم يكثر الالتفات من النّافذة إلى فخّ له بالأرض منصوب لليمام ، فعاتبوه ، فقال : إنّي لا أسمع الكلام بعيني ، ولكن بأذني ، وهي إليكم ، وفي الأثناء وقعت يمامة في الفخّ ، فخرج وذبحها ، ونصبه ثانيا ، وأصاخ إلى حوارهم حتّى انتهوا من الدّعاوى إلى الأجوبة وإقامة الحجج وعرض الوثائق.

قدّم لهم الغداء وقال لهم : استريحوا. وبعد أن انتبهوا وأدّوا فريضة الظّهر

__________________

«الجزاء» : نصف شهرية ، باللغة الفصحى ، أصدرها في إبريل (١٩٣٤ م) ، استمرت إلى مايو (١٩٣٤ م).

«المجد العربي» : نصف شهرية ، أصدرها في مارس (١٩٣٥ م)،استمرت إلى سبتمبر(١٩٣٦ م)


وأبردوا .. استأذنوه في الانصراف ، وطلبوا موعدا يعودون فيه للفصائل ، وكان كتبها في أثناء استراحتهم ، فأعطاهم إيّاها ، فتعجّبوا من قوّة حفظه وحدّة فهمه وحسن توفيقه ، فاقتنعوا ؛ لأنّ العدل مقنع. فلتضمّ هذه إلى ما سبق في الظّاهرة وجعيمه.

ومن متأخّريهم : العلّامة الفاضل الشّيخ عبد الله بن سالمين بن مرعيّ ، كان يكتب لي من الهند ويرفع لي منها الأسئلة العلميّة ، توفّي رحمة الله عليه بحيدرآباد الدّكن ، وترك ولدين فاضلين : سليمان ومحمدا.

ومن آل مرعيّ أيضا : الشّيخ عوض بن جعفر بن مرعيّ ، جمع ثروة لا بأس بها ، ولكنّه لمّا وصل إلى حضرموت في حدود سنة (١٣٣١ ه‍) .. أسرف فيها بالجود حتّى فنيت ، فسافر ، وتغيّر عقله ، وانطبق عليه قول العنبريّ [من الكامل] :

ما كان يعطي مثلها في مثله

إلّا كريم الخيم أو مجنون (١)

وقول حبيب [في «ديوانه» ١ / ٣١٦ من الوافر] :

له خلق نهى القرآن عنه

وذاك عطاؤه السّرف البدار

ومن وراء بلّيل شرقا : مكان آل البرقيّ (٢). ثمّ : مكان آل كحيل.

ثمّ : الغييل ، لآل عمر بن بدر ، وكانوا قبيلة خشنة ، ولهم قبولة حارّة ، حتّى لقد كانت بينهم وبين آل بابكر حروب أردوا في عشيّة واحدة سبعة من آل بابكر.

ثمّ ما زال بهم الظّلم والاعتداء على ضعفاء السّوقة والقبائل ، وعلى أوقاف لهم أهليّة ، حتّى قلّ عددهم ، وافترق ملؤهم ، ولم يبق منهم بحضرموت اليوم إلّا نحو العشرين رجلا ، أسنّهم رجل لئيم نيّف على التّسعين ، جمع ثروة لا بأس بها ، إلّا أنّها بجلّها أو كلّها من الرّبا ، ولا يزال مع هذا السّنّ مصرّا على ذلك الصّنيع المقبوح.

ويتعالم النّاس بأنّ النّخيل الّتي تحت يده مشترك بينه وبين أخيه عبد الله ، وأنّ هذا هو الّذي اشتراه ، والوثائق ناطقة ، ولكنّ عبد الله جنّ ، ثمّ مات ولم يترك إلّا ولدا

__________________

(١) الخيم : الأصل.

(٢) آل البرقي : من قبائل آل مرعي بن سعيد الكثيري.


صغيرا منعته أمّه المنازعة ؛ لخوفها عليه أن يقتله عمّه ، فآثرت روحه على ماله ؛ لأنّه لو نازع .. لذهب الاثنان.

بابكر

هو في جنوب الغييل إلى شرق ، فيه فرقتان من آل عبدات ، وهم : آل الطّمل في جانبه القبليّ. وآل عليّ بن عمر في جانبه الشّرقيّ ؛ منهم : الشّيخ عبد الله بن عوض بن ناصر ، صليب رأس ، وحميّ أنف ، وغالي كلام ، وأصيل رأي ، ورجيح عقل.

وهو الّذي عمّر الرّوضة بشحوح ابن يمانيّ ، تزيد مساحتها على ثلاثين ألف مطيرة ، باعتبار المطيرة ستّة أذرع في مثلها.

وكان ممّن أمضى على الوثيقة الّتي تتضمّن اعتراف الموقّعين عليها بالتّبعيّة للدّولة العثمانيّة الآتي خبرها في سيئون ، وإنّما ذكرته بالخصوص مع أنّ الموقّعين عليها كثير ؛ لأنّ كلّهم لم يمض عليها إلّا رغبة ، وأمّا هو .. فقد أمضى عليها بدافع الدّين ؛ وذلك أنّني اجتمعت به في غرض ، فسألني عنها ـ بعد ما غضبت منها الحكومة الإنكليزيّة فطلبها ليمضي عليها ـ فقلت له : ربّما يلومك عمر عبيد بن خالد بن عمر ، أو حفيدك عوض بن عزّان بن عبد الله عوض ، أو تنال أولادك مشقّة من الإنكليز بسنغافورة أو عدن. فأخذه زمع (١) وقال : أوفي دين الله وسلطان المسلمين الّذي ندعو له على المنابر محاباة أو وليجة؟ والله لو أنّ الإنكليز يذبح أولادي أمامي .. ما انحجزت عن التّوقيع عليها ، فأمضى عليها ، وبعثنا بنسختها إلى قائد الجيوش العثمانيّة بلحج علي سعيد باشا ، فلم تصله إلّا بعد إعلان الهدنة.

توفّي الشّيخ عبد الله عوض في حدود سنة (١٣٤٢ ه‍) عن عمر قارب فيه المئة ، وله أعقاب كثيرة بحضرموت وجاوة ؛ منهم : ولده الشّهم الكريم ، والعربيّ

__________________

(١) الزمع : رعدة تعتري الشجاع عند الغضب.


الصّميم ، عزّان بن عبد الله ، أحد تجّار بوقور (١) الواقعة بجوار بتاوي من أرض جاوة ، له محاسن ومكارم ، وصلات أرحام ، بارك الله فيه.

وقد جرت بين آل بابكر وآل خالد بن عمر حروب ، بسبب أنّ محسن قاسم اشترى بئرا يقال لها : (بن بقيل) ، فقال عمر عبيد : نحن أولى بها ، وحمل أخاه صالحا على أن يشتدّ في ذلك ؛ ليسوغه ما شاء من الأموال ، فطالبوا بها بحكم العادة القبليّة لا الطّريقة الشّرعيّة ، وكان بينهم ما هو مفصّل ب «الأصل».

وكان إيراد محسن قاسم وقتما كنت بجاوة سنة (١٣٤٦ ه‍) لا يقلّ عن خمسة عشر ألف ربيّة هو لنديّة شهريّا ، وقد ذهبت أدراج الرّياح ، وصار أبناؤه تحت رحمة المحسنين.

الحول (٢)

قد علم ممّا مرّ في المحترقه أنّ إمارته كانت لآل الجرو إلى أن غدر بهم آل وبر (٣) ، ثمّ سكنه آل باعبّاد ، وكان في الأخير لآل الفاس ، وفي الصّلح الأخير ما بينهم وبين آل خالد بن عمر تحوّل للأخيرين ، في قصص منشورة ب «الأصل» ، وأخباره ممزوجة بأخبار الغرفة وهو الآن بخلوّه عن السّكّان عبرة للمعتبرين.

الغرفة

هي على مقربة من بابكر. وكان الشّيخ عبد الله بن محمّد بن عبد الرّحمن عبّاد (٤)

__________________

(١) بوقور : مدينة إندونيسية كبيرة ، لها تاريخ عريق ، وسكنها كثير من الحضارمة ، ووصفها وصفا جميلا السيد الأديب صالح الحامد في رحلته : «جاوة الجميلة».

(٢) لها ذكر عند شنبل في حوادث سنة (٦٠١ ه‍) و (٧٢٣ ه‍) و (٧٣٠ ه‍). فلتنظر هناك.

(٣) وذلك أن آل وبر وآل باصهي كانوا متحالفين ومحلتهم تريس ، ثم كان من آل وبر أن أخذوا آل الجرو بالخداع وغدروا بهم في (أنف خطم) .. وهزموهم هزيمة منكرة ، وقتلوا عددا من رجالهم حتى لم يبق منهم إلا عشرة رجال فقط ، وذلك في القرن السابع الهجري. ينظر : «جواهر الأحقاف» ، و «نبذة الأنساب» للعطاس ، وغيرها.

(٤) آل عبّاد هؤلاءهم آل باعبّاد ، المشايخ ذوي الصيت الذائع بحضرموت ، أما عن تحقيق نسبتهم


ـ المشهور بالقديم المتوفّى سنة (٦٨٧ ه‍) (١) عن إحدى وسبعين سنة ـ أوّل من بنى غرفة بسفح الجبل الّذي يطلّ عليها ، وحفر عندها بئرا سمّاها : غرفيّه ، لا تزال تملأ منها جوابي مسجد عليّ بن عبد الله إلى الآن.

ثمّ زاد الشّيخ محمّد بن عمر بن محمّد بن عبد الرّحمن (٢) سنة (٧٠١ ه‍) في بناء تلك الغرفة حتّى صارت دارا ، ثمّ انتقل إليها ولده الشّيخ عبد الله بن محمّد بن عمر من شبام بعائلته وتلاميذه ، وابتنوا بها جامعا.

وكان لآل باعبّاد منصب عظيم عليه بإشارة الفقيه المقدّم ـ على ما يروى ـ كان انبناء دولة آل كثير ، حسبما فصّل ب «الأصل».

وقال الطّيّب بامخرمة : (الغرفة : قرية معروفة بأعلى حضرموت ، ذات نخيل ومزارع ، بها فقراء صالحون ، يعرفون بآل أبي عبّاد.

ومن مشايخهم الكبار ومشاهيرهم : الشّيخ الكبير ، العارف بالله : عبد الله بن محمّد بن عبد الرّحمن باعبّاد ، وهو أوّل من اشتهر بالتّصوّف بحضرموت ، له ذرّيّة

__________________

فينظر كلام المؤلف الآتي. ولإزالة الوهم .. فإن هناك أربع أسر تسكن ما بين شبام والغرفة متشابهة في رسمها ـ أي : كتابتها ـ .. وهي :

١ ـ آل باعبّاد ، وهم هؤلاء أهل الغرفة ، بتشديد الباء.

٢ ـ وآل عبّاد أيضا بتشديد الباء ، وهم من آل باذيب سكان شبام ، ويقال لهم : عبّاد باذيب ، ومنهم جماعة في عدن ، سماهم الناس : باعبّاد ، وليسوا منهم.

٣ ـ وآل باعباد ـ بتخفيف الباء ـ وهم من سكان شبام ، ولعلهم من كندة.

٤ ـ آل عباد ، وهم من سكان دوعن ليسر ، سبق ذكرهم في حوفة ، وينطقونها بضم العين ، ومنهم جماعة في بعض مناطق حدرى. والله أعلم.

(١) «تاريخ شنبل» (ص ١٠٦) ، وجاء في حوادث (٦٨٦ ه‍) : خرج الشيخ أبو عباد من شبام إلى الغريب. وقد توفي والد الشيخ القديم بالشحر سنة (٦٢٢ ه‍) كما تقدم فيها. وللشيخ عبد الله القديم ضريح في مقبرة شبام جرب هيصم ، ولعله من أقدم القبور المعروفة بالجرب إن لم يكن أقدمها. وله مناقب تسمّى : «المنهاج القويم في مناقب الشيخ القديم» ، تأليف الشيخ محمد بن أبي بكر باعباد.

(٢) توفي الشيخ محمد بن عمر سنة (٧٢١ ه‍) في حياة والده ودفن بشبام ، أما والده .. فتوفي سنة (٧٢٧ ه‍) عن (١٠٥) من السنين. والشيخ عمر هذا ثاني ثلاثة إخوة ، ثانيهم : القديم ، وثالثهم : عبد الرحمن ، توفي سنة (٧١١ ه‍) عن نيف وتسعين سنة.


وفقراء أخيار صالحون ، دفن بشبام ، وتربته من التّرب المشهورة ، المقصودة بالزّيارة من الأماكن الشّاسعة ، ومنصبهم من أعلى مناصب حضرموت) اه (١)

وقوله : (إنّ الغرفة بأعلى حضرموت) .. من الأوهام ، وكذلك قوله : (إنّ الشّيخ عبد الله أوّل من اشتهر بالتّصوّف). وأمّا قوله : (إنّ منصبهم من أعلى مناصب حضرموت) .. فنعم كما سيأتي.

ومن أكبر مناصبهم : الشّيخ محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن محمّد بن عبد الرّحمن عبّاد (٢) ، الّذي يقال له : صاحب الجابية ؛ لأنّه بنى جابية للواردين عليه من الحنفيّة ، ولا يزال في ضيافته خمس مئة نفر غير الطّارئين. وكان حمّالا للأثقال ، يتحمّل المغارم ، ويدفع المظالم.

وفي مناقبه : أنّ أحد أهل اليمن ساءت حاله ، ولزمه دين يقدّر بمئة دينار ، وانقطعت به الحيل ، وانسدّت في وجهه الأبواب ، فطوى البلاد سائرا إلى الغرفة ، فاستجهره ما رأى من عظيم حال الشّيخ وكثرة وفوده ، فهابه ولم يقدر على مكالمته ، إلى أن سنحت له الفرصة ، فذكر له حاله ، فأعطاه ألف دينار ، ولمّا كان في أثناء الطّريق .. انتهبه اللّصوص ، فعاد أدراجه إلى الغرفة حرّان (٣) آسفا (٤) ، فعوّضه الشّيخ بألف آخر أعطاه به تحويلا إلى الشّحر كيلا يأخذه اللّصوص مرّة أخرى. وبالثّمرة الواحدة تعرف الشّجرة.

وكان للشّيخ عبد الله القديم ولذرّيّته من بعده تعلّق عظيم بالعلويّين ، وسمعت من بعض المشايخ أنّهم أوّل من سنّ تقبيل أيدي العلويّين بحضرموت ، إلّا أنّه حصل بعد ذلك ما يقتضي التّنافر ، وأوّله ـ فيما أظنّ ـ ما وقع في زمان الشّيخ عمر المحضار

__________________

(١) نسبة البلدان (خ / ١٨٩).

(٢) توفي الشيخ محمد هذا سنة (٨٠٥ ه‍) ، كما في «شنبل» (١٥٦) ، و «الحامد» (٢ / ٢٨٤).

أما والده الشيخ عبد الله بن محمد .. فيلقب بعبد الله الأخير ؛ تمييزا له عن الشيخ عبد الله بن محمد القديم المتقدم الذكر ، توفي هذا الأخير في (٢٥) رجب سنة (٧٦٣ ه‍) «شنبل» (١٣٠).

(٣) حرّان : عطشان.

(٤) آسفا : شديد الحزن.


والشّيخ عقيل باعبّاد (١) ، حتّى أصلح بينهما الفقيه محمّد بن حكم باقشير ، حسبما ذكرناه ب «الأصل» عن «مفتاح السّعادة والخير في مناقب السّادة آل باقشير» لمؤلّف «القلائد».

وعن الفاضل السّيّد عليّ بن عبد الرّحمن المشهور عن والده مفتي الدّيار الحضرميّة أنّه يقول : (سمعت كثيرا من مشايخي يقولون : كانت المشيخة بتريم للخطباء وآل بافضل ، فلمّا سكنها العلويّون .. تنازلوا لهم عن تقبيل اليد ولبس العمامة ، والنّداء بلفظ الحبيب ، فمحوه عن أنفسهم وخصّصوه بالأشراف ، وجعلوه علامة لهم) اه

وهو في حاجة إلى البحث والنّظر والرّجوع إلى ما يأتي في المبحث الثّالث من الحسيّسة.

وقال لي بعضهم : إنّ آل باعبّاد هم الذين حملوا النّاس على دعائهم بالحبيب ، وعلى تقبيل أيديهم ، لا على تقبيل أيدي العلويّين.

وآية هذا أنّهم لا يزالون على ذلك بين أتباعهم إلى اليوم ، والمسألة لا تعدو دائرة الظّنّ والاحتمال ، لا سيّما وأنّ الخطباء وآل بافضل لا يزالون معمّمين ، وإنّما كان جلّ آل سيئون لا يلبسون العمامة ، إمّا اقتصادا ، أو أدبا مع الأشراف والفقراء من آل بارجاء تلاميذ آل باعبّاد ، والأقرب الثّاني ؛ بأمارة وجود الكثير ممّن أدركنا من آل حسّان يلبسون القلنسوة المخصوصة بالعمامة ـ وهي المسمّاة بالألفيّة ـ من دون عمامة ، ومهما يكن من الأمر .. فترك العمامة من البدء أخفّ إشكالا من ترك أهل العلم لها بعد استعمالها.

وللحضارمة أوليّات من هذا القبيل ؛ منها : ما أظنّني ذكرته في الجزء الأوّل من «البضائع» : (أنّ الأشعث بن قيس الكنديّ أوّل من ركب والرّجال تمشي بين يديه).

__________________

(١) الشيخ عقيل هذا هو عقيل بن عبد الله باعباد ، توفي سنة (٩١١ ه‍) ، وهو غير الشيخ عقيل بن أحمد باني جامع الغرفة ، وسيأتي ذكره لاحقا.


وكان السّلف إذا نظروا إلى راكب ورجل يحضر معه .. قالوا : قاتله الله من جبّار.

وكان الحبيب أحمد بن محمّد الحبشيّ ـ المتوفّى سنة (١٠٣٨ ه‍) ـ كثيرا ما يشكو إلى شيخه الشّيخ أبي بكر بن سالم ما يلقاه من أذيّة آل باعبّاد إذا جاء يدعو إلى الله بالغرفة ، فقال له : (لعلّ الله يخرج من ذرّيّتك من يتبرّكون به) فلم يظهر أثر هذا الدّعاء إلّا في سيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر.

وفي آل باعبّاد كثير من العلماء ، ومن أكابرهم ـ كما في «جوهر الخطيب» ـ : إمام الطّريقين ومفتي الفريقين ، الشّيخ محمّد بن أبي بكر عبّاد ، ترجم له الأستاذ الأبرّ في «العقد» وقال : (إنّه ولد سنة «٧١٢ ه‍» ، وتوفّي أوّل القرن التّاسع) وقد مرّ ذكره في شبام.

ورأيت في رسالة كتبها السّيّد شيخ بن عمر في «العهدة» : (أنّ الشّيخ محمّد بن أبي بكر هذا دعا على آل باعبّاد أن لا يجعل الله منهم عالما ؛ لقضيّة منكرة أوجبت ذلك جهلا ، فاستجاب الله دعوته) اه

وفي «مجموع الجدّ طه بن عمر» [ص ١٣١] عن أحمد مؤذّن ما حاصله : (كان في الغرفة قبل أن تقام فيها الجمعة مسجدان متجاوران : أحدهما : لآل باعبّاد ، والثّاني : لآل باجمّال ، فأراد الشّيخ الجليل باني الجامع جعلهما مسجدا واحدا ، واستفتى العلماء فتوقّفوا عن الجواب ، فلم يكن منه إلّا أن خلطهما بدون فتوى من أحد ، وسرّ العلماء بتوقّفهم عن الجواب) اه

وفي «مواهب البرّ الرّؤوف» لابن سراج التّصريح بأنّ الّذي جعل المسجدين واحدا هو الشّيخ عقيل ، وهو ابن أحمد بن عمر بن محمّد بن عمر عبّاد (١) ، وقد سبق أنّ محمّد بن عمر هذا هو الّذي زاد في سنة (٧٠١ ه‍) في غرفة عمّه حتّى صارت دارا.

والعمل بخلط المساجد واقع بكثرة في تريم ، حتّى لقد سمعت أنّ الجامع كان

__________________

(١) الشيخ عقيل بن أحمد توفي سنة (٨٤١ ه‍).


سبعة مساجد ، ومسجد الشّيخ عليّ كان خمسة ، وهلمّ جرّا.

وقد اختلف العلماء في نظير المسألة : فأفتى أحمد بن موسى بن عجيل المتوفّى سنة (٦٩٠ ه‍) بجواز نقض المسجد لتوسعته وإن لم يكن خرابا ، ومنعه أبو الحسن الأصبحيّ اليمنيّ المتوفّى سنة (٧٠٠ ه‍).

وقال بعض شرّاح «الوسيط» : يجوز بشرط أن تدعو الحاجة إليه ويراه الإمام أو من يقوم مقامه ؛ فقد فعل بالحرمين مرارا ، مع وجود المجتهدين من غير نكير.

وقال الأشخر في «فتاويه» : (قال ابن الرّفعة : كان شيخنا الشّريف العبّاسيّ يقول : بتغيير بناء الوقف في صورته عند اقتضاء المصلحة. قال : وقلت ذلك لشيخ الإسلام ابن دقيق العيد فارتضاه.

وقال السّبكيّ : الّذي أراه : الجواز بثلاثة شروط : أن يكون التّغيير يسيرا لا يزيل اسم الواقف. وأن لا يزيل شيئا من عينه ، بل ينقل نقضه من جانب إلى آخر ، فإذا اقتضى زوال شيء من عينه لم يجز ، فتجب المحافظة على صورته من حمّام ونحوه كما تجب على المادّة وإن وقع النّسخ في بعض الصّفات. وأن تكون فيه مصلحة للوقف) اه كلام الأشخر باختصار وزيادة من «تيسير الوقوف».

وأمّا هدم المسجد الخراب وإعادته .. فجائز بلا خلاف. ولا يعدم الشّيخ توسعة لما صنع من بعض هذه النقول. والله أعلم.

وكان آل باجمّال ولاة بور ، فأخذها منهم آل بانجّار ، فانتقلوا إلى شبام ، ثمّ انتقل بعضهم إلى باثور من أعمال الغرفة ، ثمّ انتقلوا إلى الغرفة.

وكان الشّيخ إبراهيم بن محمّد باهرمز يهنّىء آل شبام بمجاورة الفقيه عبد الله بن عمر جمّال ، ويهنّىء أهل الغرفة بمجاورة الفقيه عبد الله بن محمّد جمّال.

وقال الشّيخ محمّد بن سراج (١) : (لم يخل زمن من الأزمان من عصر قديم عن

__________________

(١) هو العلامة الفقيه النحرير ، مؤرخ آل باجمّال وعالمهم المبرّز في عصره ، ولد سنة (٩٤٤ ه‍) ، وتوفي سنة (١٠١٩ ه‍) ، ترجمته في : «الجواهر والدرر» للشلي ، و «خلاصة الأثر» للمحبّي.


كثير فيهم من العلماء إلى وقتنا هذا ، وقلّما نقصوا فيما مضى عن أربعين عالما ، وبقيّة عامّتهم أخيار وصلحاء) اه

ونقل عن الشّيخ صالح بن محمّد بن أحمد عبّاد أنّه قال : (يكفينا فخرا مجاورتنا للفقيه عبد الرّحمن بن سراج ، وخاله عبد الرّحمن بن عبد الله جمّال).

وكانت صلاتهم في المسجد الّذي يقال له : باجريدان في الغرفة ، وقد سبق في الشّحر ذكر تخرّج الشّيخ عبد الرّحمن بن سراج من مدرستها ، وقبل ذلك وبعده كان أخذه عن علماء بلاده ـ وفي مقدّمتهم : أبوه ـ كثيرا أثيرا.

وقد اضطرب الكلام في نسب آل باعبّاد بما هو مفصّل ب «الأصل» ، والأكثر على أنّهم من بني أميّة ، ولكن نقل بعضهم ـ أعني آل باعبّاد ـ عن «تاريخ ابن حسّان» : (أنّ جدّ الشّيخ القديم ، وهو الشّيخ عبد الرّحمن ، خرج وثلاثة معه من الحجاز للسّياحة ، فنزلوا بالهجرين على الأمير محفوظ ، فأحبّه وزوّجه بنته ، فأولدها محمّدا والد القديم ، فلمّا شبّ ـ أعني محمّدا ـ .. جاء إلى باثور فألفى فيه باجمّال ، فخطب إليه بنته. فقال له : ما نسبك؟ فقال : التّقوى. فزوّجه ابنته ، فأولدها عبد الله ، وعبد الرّحمن ، وعمر) اه

وهو صريح في كونهم طارئين على حضرموت لا من صميمها ، ولماذا يعدل الشّيخ عن ذكر نسبه وهو من أشرف الأنساب؟! وعلّ له عذرا ونحن نلوم ؛ فلربّما كان المانع عن التّصريح بنسبه الخلافات المذهبيّة ؛ فإنّها كثيرة إذ ذاك ، وهي عرضة المواربة والتّقيّة.

أمّا بنو أميّة اليزيديّون : فقد مرّ في شبام أنّ دولتهم استمرّت بحضرموت من سنة (٢٠٦ ه‍) إلى سنة (٤١٢ ه‍) ، وكون هؤلاء من الحجاز يمنع كونهم منهم ، ولكنّ آل باعبّاد لم يدّعوا إلى يزيد ، وإنّما ادّعوا في آل عثمان ، وهم موجودون إذ ذاك بالحجاز ، والبحث مستوفى ب «الأصل».

وفي «ذيل رشيدة الإخوان» لعبد الله بكران : (أن آل باحلوان وآل باعبّاد في


الغرفة لهم مآثر وصدقات جارية ، وأوقاف ورثوها عن آبائهم وأجدادهم ، قال ابن خلدون في «مقدّمة تاريخه» : بنو عامر وبنو عبّاد من موالي بني أميّة ، وكان أهلهم قضاة بني أميّة) اه

ونقل بعده عن ابن خلدون : أنّ بني عبّاد أصحاب إشبيلية من لخم ، من قحطان وهو مناف لكونهم موالي بني أميّة ، إلّا أنّه أشار إلى أن الموالاة كانت بالحلف ، وبعيد أن يرجع نسب آل باعبّاد إلى أصحاب إشبيلية ؛ لما عرف ممّا سبق.

ومن المقبورين بالغرفة : الشّيخ عمر بن عيسى باركوه السّمرقنديّ ، أطال سيّدي الأستاذ الأبرّ في ذكره ، وأثنى عليه ثناء جمّا ، وهو من تلاميذ الشّيخ أبي بكر بن سالم.

وممّن أخذ عنه : السّيّد عمر بن عبد الرّحمن العطّاس ، والشّيخ أحمد بن عبد القادر باعشن ، صاحب الرّباط. وغيرهما. وله ذكر كثير في «القرطاس» و «شرح العينيّة» وغيرهما.

ومن أهل الغرفة : الشّيخ الصّالح الشّهير سالم بن عبد الله باعامر ، له مسجد صغير في طرفها الشّرقيّ ، اتّخذه آل الفاس مخفرا بالآخرة. وله أيضا مسجد آخر في جنوب البلاد ، بسفح الجبل الّذي يطلّ عليها.

ومن اللّطائف : أنّ الشّيخ عوض بامختار (١) ـ وكان مشهورا بالولاية والصّلاح ـ ماتت له امرأة ، فاشتدّ وجده عليها ، وبينا هو واضع كفّ حائر على ذقن نادم ـ من فرط اللّوعة ـ على دكّة دار بالغرفة .. إذ مرّ به الشّيخ عمر بن عبد الله بامخرمة ، فقال له

يا عمر ؛ (آه) طب أهل القلوب المراض؟

فأجابه الشّيخ عمر قبل أن يبلع الرّيق :

طبّه العذب لي ينزح على بير راضي

__________________

(١) هو الشيخ عوض بن عبد الله بامختار ، ولد بالغرفة سنة (٩١٣ ه‍) ، وتوفي بها سنة (٩٧٨ ه‍) ، كان أميا من الصالحين العارفين. «السناء الباهر» ، «تاريخ الشعراء» : (١ / ١٦٦).


وهي بئر يستقى منها بالغرفة ـ فذهب إليها فألفى امرأة تنزح منها فتزوّجها ، وكان وإيّاها كما قال قيس [المجنون في «ديوانه» ١٦٦ من الطّويل] :

محا حبّها حبّ الألى كنّ قبلها

وحلّت محلّا لم يكن حلّ من قبل

وبالغرفة جماعة من أعقاب السّيّد أحمد بن محمّد الحبشيّ ، المتوفّى سنة (١٠٣٨ه‍)

منهم : السّيّد زين بن علويّ بن أحمد ، المتوفّى بها سنة (١١٠٠ ه‍).

ومنهم : الإمام الجليل ، صاحب الفراسة الصّادقة والكشف الخارق ، السّيّد عبد القادر بن محمّد بن حسين بن زين بن علويّ بن أحمد ، المتوفّى بها سنة (١٢٥٠ ه‍) (١) ، فلقد كان جليل الشّأن ، عظيم المقدار ، حتّى إنّ سيّد الوادي الحسن بن صالح البحر لا يزوره إلّا بعد أن يغتسل ويتطيّب ، ويبالغ في احترامه ، وبما غرس الله له من المحبّة في القلوب .. أقبلت عليه النّاس ، فقامت عليه بعض نفوس السّادة آل أحمد بن زين وعقروا فرسه ، وأصيب عاقرها ، وتكلّموا عليه بما لا يليق ، كما يعرف بعض ذلك من كتاب بخطّ يده سيّره إليهم ، وهو هذا :

بسم الله الرّحمن الرّحيم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ ...) الآية.

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ) الآية.

(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ...) إلخ.

(وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)

__________________

(١) كان الحبيب عبد القادر من أهل الصلاح ، ولم يكن مشهورا في زمانه ، وقد ذكره في «العقد» ، وجمع بعض أحفاده مكاتباته مع معاصريه.


الحمد لله حمد من ردّ أمره إليه ، ولجأ في مهماته عليه ، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد أفضل الخلق لديه ، وعلى آله وصحبه وسائر ذويه.

من عبد خائف من مولاه ، الحقير عبد القادر بن محمّد الحبشي إلى إخوانه وأصحابه في الله السّادة الأشراف آل جعفر بن أحمد بن زين الحبشي ، وكذلك محب أهل البيت عبد الله بن سعيد بن سمير .. سلك الله بهم إلى الطّريق السّديدة ، ودلّهم على الأفعال الحميدة وإيّانا آمين.

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، صدرت الأحرف من الغرفة والموجب ـ يا سادتي وأنت يا محب عبد الله ـ أنّ هذا أمر جرى في جنابنا وردّينا أمرنا إلى مولانا إخمادا للشرور وتقييدا للمحتري من الأشرار ، ومعاملة مع عالم خفيات الأسرار ، الّذي لا تضيع المعاملة لديه ، والّذي كلّ شيء تحت حكمه وبين يديه ، وبعد :

إنّ السادة يا محب عبد الله يتكلّمون بكلام قبيح ما يقال في البلدان ، ويقولون : عاد نحن مرادنا منه الشّريعة ، وكسر الشريعة وسار إلى سيئون خوف من طلّاب الشّريعة ، ونحن سرنا إلى سيئون من القيل والقال على أنفسنا وقلوبنا ممّا جرى فينا من الأمور الشّنيعة ، وجاؤوا لنا وسائط الله أعلم هل هم من طرف السّادة؟ أو هم حق فضول منهم؟ وقلنا نحن قد عفينا في الحقّ الّذي لنا ولا نحن طالبين حق من السّادة ، وطرّبنا في السّوق أنّ كلا معذور من القبائل ووجهه أبيض من الّذي حضروا والّذي هم شالّين عنّا على أنفسهم ، وفي وجيههم اعذرناهم ومرادنا السّكون لنا ودحر للسّادة حسبما حضر الولد جعفر بن هاشم ، وما قد بلغكم ، وبعد أن السادة بقي يصدر منهم كلام فينا ويزعمون أنّهم طالبين نحن الحقّ ، وبعد جاء لنا واحد من أهل الفضل وقال : ما يمكن ما تعطي الحقّ السّادة في هذا الكلام الشّنيع ، إن كان السّادة مطالبين .. نحن فيما يقولون الوعد منهم ، وحيث أرادوا قريب أو بعيد وموفين لهم الحقّ في هذا الأمر وربّما وفّينا شيء من هذا الكلام ولا حد عالم به ، ونحن مصرّين على فاحشة وإن لم يكن عندنا حق للسّادة ولا فينا شيء من هذا الكلام ، وهذا إلّا بهتان ولغو وافتراء على الله ؛ فالأمور كلّها إلى الله ، (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ


أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) ولا نقول إلّا ما قاله الصّابرون : : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) و (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) وهو حسبنا ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، ولنا أسوة بمن مضى من سادتنا العلويّين كما قال سيدنا عبد الله الحداد [في «ديوانه» ١٢٧ من الرّمل] :

بهتونا بمقال سيّء

كانت الأحرى به لو أبصرت

قد حلمنا وصفحنا عنهم

وبذا أسلافنا قد أخبرت

و (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً)

ومن أجل الأمور الذي دخل في خواطر السادة من طرفها ، يشهد الله علينا وملائكته : أنا ما طلبناها ولا دوّرنا لها غير جاءت نحن من غير طلب. انتهى الموجود من الكتاب.

وقد حذفت منه آيات وحديثا لا تكثر فيها مناسبة الموضوع ، وفي الكتاب أغلاط حتى في الآيات تعرف بالفهم والذّوق (١) ، والله أعلم.

قال سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر : وكانت للحبيب عبد القادر المذكور أمور غريبة من الرّياضات والخلوات ، وله أربعينيّات متعدّدة.

وربّما تخلّف عن شهود الجمعة ؛ لأنّ الله كشف له عن أحوال النّاس الباطنة ، فيراهم في صور معانيهم. حتّى دعا له الحبيب حسن بن صالح البحر فستر الله ذلك عنه.

ومنهم السّادة الأجلّاء : عيدروس بن عبد الرّحمن بن عيسى الحبشيّ. وولداه : العلّامة الجليل محمّد بن عيدروس ، المتوفّى بها سنة (١٢٤٧ ه‍). وأخوه العلّامة الإمام عمر بن عيدروس ، المتوفّى بها سنة (١٢٥٠ ه‍) .. مناهل علوم ، ومفاتح فهوم ، وقرّات عيون ، وآحاد هي المئون ، وصفاء كأنّما أخلصته القيون :

لهم سرّة المجد التّليد وسرّه

ومحض المعالي فيهم والمناقب (٢)

__________________

(١) وقد أصلحنا الآيات القرآنية.

(٢) البيت من الطويل ، وهو للشريف الرضي في «ديوانه» (١ / ٩٠).


ومنهم مسند حضرموت بل مسند الدّنيا كلّها في عصره إذ زلّت عن مرقاته الأصول ، ولم يتّفق لأحد إلى مثل علوّه الوصول : أستاذنا الأبرّ عيدروس بن عمر ؛ فإنّه مجمع المفاخر ، وبحر العلم الزّاخر ، وزينة الزّمن الآخر :

أزالت به الأيّام عتبي كأنّما

بنوها لها ذنب وهذا لها عذر (١)

وهو الإمام بحقّه ، والكمال بصدقه ، وعلى الجملة : فإنّي لا أجد عبارة ترضيني في وصف ما شاهدته من محاسنه ، فضلا عمّا لم أشاهده ، ولم ينته إلى تصوّره إذ ذاك سنّي ؛ إذ الأمر كما قال أبو الطّيّب [في «العكبريّ» ٢ / ٢٨٧ من الطّويل] :

وما حارت الأفهام في عظم شأنه

بأكثر ممّا حار في حسنه الطّرف

جمال يحسر الأنظار ، وكمال يدهش الحضّار ، وجلال يملأ البصائر ، ومقام يملك الضّمائر ، ووقار يأخذ النّفوس ، فلا يبقى لديه رئيس ولا مرؤوس .. إلّا وهم خاضعو الأذقان ، ناكسو الرّؤوس.

كأنّ شعاع عين الشّمس فيه

ففي أبصارنا عنه انكسار (٢)

وحديث يهزّ الشّعور ، ويجلب السّرور ، كأنّما هو اللّؤلؤ المنثور ، وتهتزّ له الجبال الرّكينة ، وكأنّما تنزل عنده السّكينة.

أندى على الأكباد من قطر النّدى

وألذّ في الأجفان من سنة الكرى (٣)

وممّا أستخرج به العجب من القوم ، ولا أزال ممتلئا به في نفسي إلى اليوم .. أنّني وأترابي من الصّغار ـ مع الانطباع على الحركة ـ نبقى في مجلسه الشّريف الساعات العديدة ، وكأنّما على الرّؤوس الطّير.

فبقايا وقاره عافت النّا

س وصارت ركانة في الجبال (٤)

__________________

(١) البيت من الطويل.

(٢) البيت من الوافر ، وهو لأبي الطّيّب المتنبّي في «العكبريّ» (٢ / ١١٠).

(٣) البيت من الكامل ، وهو من قصيدة رائيّة مشهورة لابن عمّار يمدح بها المعتضد عبّاد ، والد المعتمد ، تجدها في «نفح الطيب» (١ / ٩٥). السّنة : النّعاس. الكرى : النّوم.

(٤) البيت من الخفيف ، وهو لأبي الطّيّب المتنبّي في «العكبريّ» (٣ / ١٩٩). عافت : كرهت.


وكيف لا أعجب من شمول السكون ، مع أنّنا لا نعرف كلّ ما يكون ، وإنّما نلتذّ بريّاه ، وننعم بمحيّاه ، وحيّاه الله وبيّاه ، فمع قصورنا عن فهم الكثير مما يسرح فيه من المعاني الرّائقة ، والعبارات الفائقة .. نحسّ كأنّما تبسط له الملائكة أجنحتها ، وتلقي ـ وما تدري ـ له الأكفّ أسلحتها ، لا سيّما إذا ازدحم الجمع يستجلون هلاله ، ويسمعون منه كلمة الجلاله.

فتلقي وما تدري الأكفّ سلاحها

ويخرق من زحم على الرّجل البرد (١)

وقد سبق في القويرة : أنّ شيخنا العلّامة ابن شهاب يقول : (لو لا أنّي رأيت ثلاثة ؛ وهم : محسن بن علويّ السّقّاف ، وأحمد بن محمّد المحضار ، وعيدروس بن عمر الحبشيّ .. لما صدّقت بما يروى عن الرّجال من مقامات الكمال) ولكن جاء العيان فألوى بالرّوايات ، وقد قال أبو عبادة [البحتريّ في «ديوانه» ٢ / ٣١٠ من البسيط]

رأيت مجدا عيانا في بني أدد

إذ مجد كلّ قبيل غيرهم خبر

ولا جرم فقد كان الأستاذ نسخة السّيرة النّبويّة ، لا يحيد عنها شعرة ، ولا يلتفت يمنة ولا يسرة.

فما هو إلّا نبعة من غصونه

وطلعة نور من شريف خلاله (٢)

ولقد زرت هودا عليه السّلام معه في سنة (١٣١١ ه‍) ، ورأيت النّاس حافّين به.

كأنّهم عند استلام ركابه

عصائب حول البيت حان قفولها (٣)

__________________

الرّكانة : الرّسوخ. والمعنى ـ كما في العكبريّ ـ : وما بقي من حلمه الّذي أعطاه الله .. كره النّاس ، فلم يحلّ بهم ، فحلّ في الجبال ، فصار ركانة فيها وثبوتا.

(١) البيت من الطويل ، وهو متداخل من بيتين للمتنبي في «العكبري» (٢ / ٥) ، والبيتان هما :

بمن تشخص الأبصار يوم ركوبه

ويخرق من زحم على الرّجل البرد

وتلقي وما تدري البنان سلاحها

لكثرة إيماء إليه إذا يبدو

(٢) البيت من الطّويل.

(٣) البيت من الطّويل ، وهو للبحتريّ في «ديوانه» (١ / ٤٠٠).


وهو يسير بسير ضعيفهم ، وكلّما مشى ميلا .. عرض العقبة (١) على مولى له ـ يقال له : فرج ـ يسير أمام دابّته ، ينبو عن جنبه الرّمح ، كأنّه المهر الأرن (٢) من فرط القوّة والنّشاط ، ولكن هكذا كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وما قدر ثنائي عليه بعدما كان ثناء مشايخه عليه الباب الواسع؟! ومن قيّل بين ما يأتي آخر هذا الكتاب من احتياط سيّدنا عبد الله بن حسين بلفقيه في توثيق الرّجال .. وبين ممادحه الضّخمة للأستاذ الأبرّ في أيّام شبابه .. عرف صدق ما أقول.

وصحّ أنّ أبناء الإمام الشّهير عبد الله بن حسين بن طاهر عادوا من زيارة دوعن ، ولمّا سألهم أبوهم : هل عرّجتم على الولد عيدروس بن عمر؟ قالوا : لا. قال : لا تحلّوا الرّحال حتّى ترجعوا فتزوروه ؛ لأنّ الأمر كما قال ذو الرّمّة [في «ديوانه» ٢٧٠ من الوافر] :

تمام الحجّ أن تقف المطايا

على خرقاء واضعة اللّثام

ومع إجماع النّاس على تفضيله ، وإصفاقهم بتفرّده ؛ لأنّ أمره كما قال الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ٢ / ٤٠٣ من الطّويل] :

ولو لم يقرّ الحاسدون بمجده

أقرّوا على رغم بفضل التّقدّم

 .. فإنه لم يسلم من أذى الحسّاد ، بل كان له منه النّصيب الكاثر ، إلّا أنّه لمّا أبرّ عليهم .. سقطت هممهم عن منافسته ، وكانوا معه كما قال مروان [في «ديوانه» ٧٤ من الطّويل] :

فما أحجم الأعداء عنك بقيّة

عليك ولكن ما رأوا فيك مطمعا

ولمّا لم يجدوا وسيلة لما يشفي ضباب ضغنهم عليه .. أرضوا المعلّم عليّ بن سعيد حميد ابن عبد هود على أن يسحره ـ وكان متمكّنا في ذلك الفنّ ـ ففعل.

ولمّا عرف خبره وانكشف أمره .. جاؤوا به إلى حضرة الأستاذ ، فاعترف وقال :

__________________

(١) العقبة : النّوبة.

(٢) الأرن : النّشيط.


إنّه بإغراء من بعض العلويّين وأحد آل باجمّال ، واعتزم الشّيخ صالح بن محمّد بلفاس قتله ، ولكّن الأستاذ حال بينه وبين ذلك ، واقتنع منه بالتّوبة.

ثمّ إنّه خان وعاود العمل برشوة كبرى من أولئك ، وهرب عن حضرموت ، واشتهر أمره فقتل ، والأمر أجلى من ابن جلا.

وما عسى أن أقول فيمن حفّه التّوفيق .. فالمجال رحب ولكن في الكلام ضيق ، وما يزال بعيني ذلك الوجه الرّضي كأنّما هو فلقة القمر المضي ، لا يكسف نوره بوس ، ولا يغيّره عبوس ، بل كان جبل رضا لا يتحلحل ولا يتكدّر ما عليه من الوسام ، وقد تعوّد أن يطرد البكاء كلّما عرض له بالابتسام ، كأنما عناه تميم بن المعزّ بقوله [من الطّويل] :

وبي كلّ ما يبكي العيون أقلّه

وإن كنت منه دائما أتبسّم

ولقد مات له حفيد يسمى أحمد ، كأنّه زهرة شرف في روضة ترف.

زهرة غضّة تفتّح عنها ال

مجد في منبت أنيق الجناب (١)

قصدت نحوها المنيّة حتّى

وهبت حسن وجهها للتّراب

تعنو له البدور ، كأنّما خلق من نور ، وتلوح عليه شواهد الفتوح ، ويضمّ إلى الشّرف والجمال خفّة الرّوح.

رأته في المهد عتّاب فقال لها

ذوو الفراسة هذا صفوة الكرم (٢)

ولا عبارة تفي وقد بذّ جماله المكتفي ، ومع الكمال النّاجم .. لم يأخذ بقول كشاجم [في «ديوانه» ٦١ من الكامل] :

شخص الأنام إلى كمالك فاستعذ

من شرّ أعينهم بعيب واحد

دو كانت وفاته في جمادى الآخرة سنة (١٣١٣ ه‍) ، فاشتدّ عليه وجده ، وغلبته

__________________

(١) البيتان من الخفيف ، وهما لأبي تمام في «ديوانه» (٢ / ٢٨٣).

(٢) البيت من البسيط ، وهو لأبي تمام في «ديوانه» (٢ / ٩٤). عتّاب : هم آل عتاب بن سعد بن زهير ، يتصل نسبه بربيعة بن نزار بن معد بن عدنان ، من بني تغلب.


عينه ؛ لأنّه وإن كان من سادات العارفين الّذين لا تبقى لهم مع الله إرادة .. لم ينس مقام الرّحمة ، بل وفّى كلّا حقّه ، كما قلت عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم من مطوّلة نبويّة [في «ديوان المؤلّف» ١٤٤ ـ ١٤٥ من الكامل] :

واذكر مصارع آله فهم الألى

يتقدّمون إذا الفوارس أحجموا

فلطالما حزن النّبيّ لجعفر

ولعمّه وهو الكميّ المسلم (١)

وبكى عبيدة يوم بدر قبلهم

عيناه تدمع والفؤاد مسلّم (٢)

وقلت في رثائي لثمرة الفؤاد ولدي بصريّ السّابق ذكره في ذي أصبح [من الكامل] :

هذا الكمال فلو أخلّ بمظهر

لأتى إلى أخلاقه يتذمّم

وقلت من أخرى :

وما زال حرب بين صبري ورحمتي

وإنّي لراج فيهما كامل الأجر (٣)

وقد أنكروا فعل الفضيل ومشيه

لدفن ابنه في حبرة ضاحك الثّغر (٤)

وخير الورى في غير ما موقف ذرى

وبلّ الثّرى دمعا يفوق على الدّرّ

أمّا سيّدنا الأستاذ الأبرّ .. فلو رآه أكبر أديب بذلك اليوم الرّهيب .. لما خرج عن قول حبيب [في «ديوانه» ١ / ١٢٣ من الكامل] :

ورأيت غرّته صبيحة نكبة

جلل فقلت : أبارق أم كوكب؟!

ومع ذلك فقد وفّى حقّ المقامين يومئذ فأذال الدّمع باديا ، ثمّ لجأ إلى التّبسّم

__________________

(١) جعفر : هو سيّدنا جعفر الطّيّار بن أبي طالب ، استشهد في غزوة مؤتة. لعمّه : هو سيّدنا حمزة بن عبد المطّلب ، استشهد في غزوة أحد. الكمّي : الشّجاع. المعلم : المشهور.

(٢) عبيدة : هو عبيدة بن الحارث الصّحابي ، من آل بيت النّبوّة ، استشهد في يوم بدر ، عليه رحمات الله.

(٣) الأبيات من الطويل ، وهي في «ديوان المؤلف» ق (٩٦).

(٤) فعل الفضيل : هو ما رواه غير واحد ؛ منهم الحافظ أبو نعيم في «الحلية» (٨ / ١٠٠) قال : عن أبي عليّ الرّازيّ قال : (صحبت الفضيل بن عياض ثلاثين سنة ، ما رأيته ضاحكا ولا متبسما إلّا يوم مات ابنه عليّ ، فقلت له في ذلك! فقال : إنّ الله عزّ وجلّ أحبّ أمرا .. فأحببت ما أحبّ الله).


ثانيا ، على حدّ قول الرّضيّ [في «ديوانه» ٢ / ٢١١ من الكامل] :

ولربّما ابتسم الفتى وفؤاده

شرق الجنان برنّة وعويل

وذكر الجنان بعد الفؤاد من الحشو القبيح.

وقول الآخر [من الطّويل] :

ضحكت وكان الصّبر منّي سجيّة

وقد يضحك الإنسان وهو حزين

وقال الأوّل [من الكامل] :

ولربّما ابتسم الكريم من الأذى

وفؤاده من حرّه يتأوّه

ثمّ إنّ ابتسامة الأستاذ لم تكن إلّا عن برد الرّضا ، ولكنّها وقعت على والدي وأمثاله من محبّيه وعارفيه أمثال الصّاعقة ، فانقبض رجاهم ، واطلخمّ دجاهم ، وفاضت منهم العبرات وتصاعدت منهم الزّفرات ، وكان له أمر غريب ، ومشهد مهيب ، وزاد الطّين بلّة أنّ سيّدي علويّ بن عمر شقيق الأستاذ ـ وكان جبلا من الحلم والعبادة ، وركنا من أركان الشّرف والسّيادة ـ توفّي قبله في جمادى الأولى من تلك السّنة.

والشّابّ المنغّص الشّباب أحمد ، قال الشّيخ عمر شيبان ـ وقد أظهر الشّماتة له بعض أهل الظاهر ـ فقال أبياتا في يوم الإثنين (٢٩) جمادى الآخر سنة (١٣١٣ ه‍) [من مجزوء الخفيف] :

نحن بالله عوذنا

والحبيب المقرّب

كلّ من رام ضرّنا

من قريب واجنبي

سهمنا فيه قولنا

حسبنا الله والنّبي

في أبيات ضعيفة التّركيب ؛ لأنّ الله لم يعلّمه الشّعر لعظيم نصيبه من الوراثة النّبويّة فيما أظنّ ، وقد دعا فيها على الشّامت فاستجاب الله دعاءه إن كان الّذي عرفته في لحن القول برغم تكتّم والدي ورفاقه بذلك لبعدهم عن المنافسات رضوان الله عليهم.


وقد قرأت على سيّدنا الأستاذ الأبرّ ، وسمعت منه ، وحضرت لديه ، وتكرّرت لي الإجازة والمصافحة والتّلقيم والإلباس منه ، وتلقّيت عنه المسلسلات بالفعل بعضا ، والإجازة في الباقي ، وأخلصني بدعائه ، وشملني باعتنائه ، وما ألذّ على لساني وقلمي من ثنائه ، ولله درّ المتنبّي في قوله [في «العكبري» ٣ / ٢٦١ من الكامل] :

ما دار في الحنك اللّسان وقلّبت

قلما بأحسن من نثاك أنامل (١)

وقد ذكرته في «الأصل» و «الدّيوان» بأكثر ممّا هنا ، وكلّه قليل ، لا يشتفي به الغليل ؛ لأنّ محاسنه الفضاء لا يقطعه نسر ، والكثير لا يشمله حصر.

وتحيّرت فيه الصّفات لأنّها

ألفت طرائقه عليها تبعد (٢)

وقد انتهت مناقب السّلف الصّالح إليه ، وما رأى النّاس إجماعا على فضل أحد مثل إجماعهم عليه.

ما زال منقطع القرين وقد أرى

من لا يزال مشاكل يلقاه (٣)

ليس التّفرّد بالسّيادة عندنا

أن توجد الضّرباء والأشباه

ثمّ إنّه لم يزل يعاني الآلام ، في ثبات الأعلام ، حتّى نزل به الحمام ، فاستدعى أهله وأولاده ، وشرب من ماء سقاهم فضله ، وودّعهم وأوصاهم ودعا لهم ، ثمّ أخذ الموت يلتاط به ، حتّى بردت أطرافه ، ونزل به قوم من آل أحمد بن زين الحبشيّ فأمر بتسخين يده كيلا ينكروا بردها ، وأذن لهم وقرأ الفاتحة ، ولمّا نهضوا .. عزم على الصّلاة ، فأريد على التّرخّص في الطّهارة لضعفه وموت أطرافه .. فقال : كيف آخذ بالتّوسعة وهذه آخر صلاتي في الدّنيا وقد قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : «صلّ صلاة مودّع» (٤).

__________________

(١) نثاك : خبرك ، وهو هكذا بتقديم النّون. والمعنى ـ كما في «العكبريّ» ـ : ما تكلّم ولا كتب بأحسن من أخبارك.

(٢) البيت من الكامل ، وهو للمتنبي في «العكبري» (١ / ٣٣٣).

(٣) البيتان من الكامل ، وهما للبحتري في «ديوانه» (١ / ٣٣٧).

(٤) أخرجه ابن ماجه (٤١٧١) ، والطّبرانيّ في «الأوسط» (٤ / ٣٥٨).


فما تلكم الأخلاق إلّا مواهب

وإلّا حظوظ في الرّجال تقسّم (١)

وبعد أن فرغ من صلاة العصر على أتمّ حال .. أمر بأن يوجّه إلى القبلة على شقّه الأيمن ، وما كاد ينتهي من الجلالة حتّى فاضت روحه في التّاسع من رجب سنة (١٣١٤ ه‍) ، ولم يزل حيّا بآثاره المشاهدة ، ومناقبه الخالدة ، ونشره الفائح ، وابنه الصّالح ، غزير الحلم ، ومن له من المكارم أفضل سهم ، والصّادق عليه قول عليّ بن الجهم [من الطّويل] :

فما مات من كان ابنه لا ولا الّذي

له مثل ما سدّى أبوه وما سعى

فلقد خلفه ولده جمال الدّين محمّد على مزايا فاضلة ، وأخلاق كاملة ، وخيرات شاملة ، ولكنّه لم يطل عمره ، بل مات وشيكا في سنة (١٣١٩ ه‍) ، واتّفق أن توارد كثير من أهل هذا البيت الطّيّب ـ نساء ورجالا ـ على حياض المنيّة ، قبيل وفاة الأستاذ الأبرّ وعقيبها ، فكانوا كما قيل [من الخفيف] :

أهل بيت تتابعوا للمنايا

ما على الموت بعدهم من عتاب

وكما قال الرّضيّ [في «ديوانه» ١ / ١٨٢ من الكامل] :

هتف الرّدى لجميعهم فتتابعوا

طلق العطاس بني أب وبني أب

والقائم في مقامه اليوم ، وترتيب مجالسه ومدارسه : حفيده الفاضل المكرّم عليّ بن محمّد بن عيدروس أخو أحمد السّابق ذكره ، نسأل الله أن يسلك بنا وبه الطّريق ، ويلحقنا وإيّاه بأولئك الفريق ، ويعمّر بنا وبه الدّيار ويحيي بنا وبه الآثار ، ولله درّ أبي عبادة في قوله [في «ديوانه» ١ / ٣٣٦ من الكامل] :

لا عذر للشّجر الّذي طابت له

أعراقه أن لا يطيب جناه

ونسيت ـ ما أنساني إلّا الشّيطان ـ ذكر أن لا مناسبة بين كلام سيّدنا الأستاذ الأبرّ في مجالسه وبين قلمه ؛ إذ كان لا يريد من قلمه إلّا تقييد الشّوارد وتحصيل الفوائد ، وكذلك كان شعره ضعيفا.

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو للبحتري في «ديوانه» (١ / ١١٢).


أمّا مجالسه .. فقد كانت بساتين نافحة الأزهار يانعة الأثمار ، كما يعرف بعض ذلك بما حصّله والدي رضوان الله عليه باستذكاره بعد وفاته من كلامه.

ومن فضلاء الغرفة : شيخنا الإمام ، السّيّد : شيخان بن محمّد الحبشيّ (١) ، كان بحرا من بحور العلم ، وجبلا من جبال العبادة ، ونجما من نجوم الإرشاد ، ورجما من رجوم الإلحاد.

إمام رست للعلم في أرض صدره

جبال جبال الأرض في جنبها قفّ (٢)

أقام في طلبه زمانا بمكّة المشرّفة ، وأخذ عن أراكينها ، وكان سريع المطالعة ، طالع تفسير «الخازن» في أربعة أيّام مطالعة بحث وتحقيق ، وكتب عليه تعليقات ، وله شعر يرتفع عن أشعار العلماء ، منه القصيدة الطّولى الّتي استهلّها بقوله [من الرّمل] :

لمع البرق على أطلال ميّ

وسقى الودق هضيبات لؤيّ

وورد مرّة إلى سيئون سؤال من آل يحيى ، يتعلّق بسجود التّلاوة في الصّلاة ، فكتب عليه السّيّد محمّد بن حامد بن عمر السّقّاف جوابا ، صادق عليه العلّامة السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ وجماعة من طلبة العلم بسيئون ، فوافق وصول العلّامة السّيّد شيخان ، فعرضوه عليه ، وطلبوا منه المصادقة ، فأبى إلّا بعد المراجعة ، فأعطوه «حاشية الإقناع» فاستند في ردّ ذلك الجواب إلى عبارة عن المدابغي ، فقال له السيد محمد بن حامد : دعنا من المدابغيّ ، فغضب السّيّد شيخان وقال للسّيّد محمّد : لا صواب في جوابكم إلّا البسملة وما والاها ، فحالا أخذ السّيّد العلّامة عليّ بن

__________________

(١) هو الحبيب شيخان بن محمد بن شيخان بن محمد بن شيخان بن حسين بن محمد بن حسين بن أحمد الحبشي ، ولد بالغرفة سنة (١٢٥٩ ه‍) ، وتوفي بسيئون سنة (١٣١٣ ه‍). نشأ يتيما في حجر والدته وجده لأمه العلامة عبد الله بن حسن الحداد ، وأدرك جملة من الأكابر ؛ كالحبيب الحسن بن صالح البحر ، رحل إلى مكة لطلب العلم عام (١٢٨٣ ه‍) ، وأقام بها (٤) سنوات ، ثم عاد وحصل به نفع عظيم. وله بسيئون ذرية مباركة ، ومن أعلام ذريته : الفقيه حسن بن عمر بن شيخان.

(٢) البيت من الطّويل ، وهو لأبي الطّيّب المتنبّي في «العكبريّ» (٢ / ٢٨٥) ، بتغيير بسيط. القفّ : الغليظ من الأرض ، ولكنه لا يبلغ أن يكون جبلا. والمعنى : ـ كما في «العكبريّ» ـ : أنّ جبال الأرض ، تصغر في جنب الجبال الّتي في صدره من العلم.


محمّد الحبشيّ الجواب ، وسحب مصادقته ، وشطب اسمه.

وقد نوّهت بهذا في إحدى خطبي بالمحافل العامّة ، وأشهد لتبقى أقدامه وسوقه متورّمة مدّة من شوّال ؛ لكثرة قيامه برمضان ؛ إذ كان يتلو ختمة باللّيل وختمة بالنّهار ، كلّها من قيام.

وكان شديدا على أهل المنكرات ، متجافيا عن أبناء الدّنيا منحرفا عنهم ، يغلظ القول لهم ، ولا يحابي ولا يداهن. وطائفة بني طويح يبغضونه ، ويزعمون أن الحال خرج به عن حدّ الاعتدال ، ولذا لم يجر الأمر بينه وبين العلّامة الشّهير السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ على ما تقتضيه القرابة ؛ إذ كانا مستويين في تعدّد النّسب ، يجتمعان في الجدّ الخامس لكلّ منهما وهو السّيّد محمّد بن حسين بن أحمد الحبشيّ صاحب الحسيّسة.

وقد بدا له أن ينتقل في آخر أيّامه من الغرفة إلى سيئون ، فاشترى أرضا (١) ـ في شرقيّ حوطتنا علم بدر ـ واسعة بثمن يسير لائق بذلك الزّمان ؛ لأنّها كانت غامرة (٢) ، فابتنى له بها دارا واسعة على طبقة واحدة ، لم يقدر على إكمالها ؛ لضيق يده ، وشدّة يبوسة عيشه ، وصار يتردّد بينها وبين الغرفة إلى أن ألقى بها العصا وحطّ الرّحل.

وكان يتردّد على والدي كثيرا ، وكان والدي يجلّه ويكرمه ، ويجعله في مقام أشياخه. قرأت عليه وأخذت عنه وسمعت منه ، مع أنّه لم يأخذ عنه إلّا القليل ؛ كالشيخين عوض بكران الصّبّان وأخيه أحمد ، والأخوين محمّد بن هادي بن حسن ، وشيخ بن أحمد بن طه.

ولا يخلو الجوّ بينه وبين سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر من تكدير نشأ عن وجود بنت الأستاذ الأبرّ في بيته عند ولده محمّد بن شيخان ، فلم يحسنوا عشرتها ، ولم يؤدّوا حقّها ، ومع ذلك فكانت تأتيه منهم قوارص بظهر الغيب.

__________________

(١) عرفت هذه الأرض إلى يومنا هذا باسم صاحب الترجمة .. فيقال : فلان في شيخان ، وذهب إلى شيخان ، وجاء من شيخان ...

(٢) غامرة : مهجورة.


ويرى بعضهم أنّ ذلك هو السبب في قلّة الانتفاع به ، ولا غرو ؛ فقد أشار القشيريّ أنّ ما وقع للحلّاج سببه الاعتراض على المشايخ ، وذكر اليافعيّ في «تاريخه» [٣ / ٤٧٧] أنّ ما جرى على ابن الجوزيّ سببه الكلام على الإمام الرّبّانيّ سيّدنا عبد القادر الجيلانيّ ، توفّي المترجم في رجب من سنة (١٣١٣ ه‍) وانطبق على ذلك العام قول حافظ إبراهيم [في «ديوانه» من الطّويل] :

فيا سنة مرّت بأعواد نعشه

لأنت علينا أشأم السّنوات

إذ مات بإثره جماعات من أراكين حضرموت ، كان صاحبنا الشّيخ محمّد الدّثنيّ يوصلهم إلى خمسة وعشرين ، كلّهم أعيان ، ومع الأسف لم تكن أسماؤهم مجموعة ، وإلّا .. فقد كان تقييدها من الفوائد ، على أنّ كثيرا منهم يعرف ممّا في غير هذا المكان (١).

لقد أولع الموت الزّؤام بجمعهم

كأنّ الرّدى فيهم تحلّل من نذر (٢)

مضوا فكأنّ الحيّ فرع أراكة

على إثرهم عري من الورق النّضر

وصلّى عليه الأستاذ الأبرّ ، وحصل ساعتئذ نزاع بين السّادة محمّد بن عبد الله الحدّاد ـ السّابق ذكره في قيدون ـ وبين رجل آخر من آل الحدّاد بالغرفة ، ارتفع فيه الصّوت ، حتّى أسكتهم الأستاذ الأبرّ بإشارته ، وسبب ذلك اختلاف الرّجلين في المكان الّذي يصلّى فيه على الجنازة.

وبإثر انتقال الحبيب أحمد بن زين الحبشيّ من الغرفة ـ حسبما تقدّم بالحوطة ـ بقي بها ولده محمّد بن أحمد إلى أن مات ، ولا يزال بها أعقابه (٣).

وبالغرفة جماعة من ذرّيّة السّيّد عمر بن علويّ الحدّاد.

__________________

(١) ممن مات في تلك السنة : الحبيب عبد اللاه بن عمر بن سميط بشبام ، والحبيب شيخان بن علي بن هاشم السقاف بالمكلا ، والعلامة عبد الله بن محسن السقاف ـ عم المؤلف ـ والسيد المنصب عبد القادر بن أحمد بن عبد الرحمن الحداد بالحوطة ، وجماعة غيرهم.

(٢) البيتان من الطويل ، وهما للشريف الرضي في «ديوانه» (١ / ٥٠٦).

(٣) ومن عقبه : السيد الجليل الحبيب هاشم بن شيخ بن هاشم بن محمد بن الحبيب أحمد بن زين الحبشي ، عداده في أهل المدينة المنورة ، توفي بها سنة (١٢٩٥ ه‍).


منهم : الشّيخ الرّابع من مشايخ سيّدنا الأستاذ الأبرّ ، وهو : السّيّد الإمام عبد الله بن حسن بن عبد الله بن طه بن عمر المذكور ، المتوفّى سنة (١٢٨٥ ه‍) (١).

ومنهم : الفاضل الجليل ، أحد تلاميذ والدي السّيّد حسن بن أحمد الحدّاد (٢) ، توفّي بالحرشيّات مرجعه من الحجّ سنة (١٣٤٩ ه‍) ودفن بالمكلّا (٣) ، وقد سار ولده المبارك أحمد (٤) الموجود الآن بالغرفة في طريقه.

ومن صلحاء الغرفة : الشّيخ عمر عبود بلخير ، كان قطعة من النّور ، كأنّما هو من فرط العبادة وصفاء السّريرة وصدق الفراسة ، ملك من الملائكة ، أخذت عنه ، ولبست منه ، توفّي بالغرفة في حدود سنة (١٣١٦ ه‍).

وكان بالغرفة كثير من آل باحفين ، وآل فضل ، وآل عطوفه ، وآل مسلّم ، ومنهم : آية الورع ، ومثال النّزاهة ، صاحب القصّة المذكورة ب «الأصل» ، أحمد بن سالم بن عمر بن مسلّم ، المتوفّى بها في سنة (١٣٥٢ ه‍).

ومن أهل الغرفة : آل شيبان ؛ منهم : الرّجل الصّالح ، حليف المكارم ، وحمّال المغارم ، عوض بن عمر شيبان (٥).

لا يتبع المال أنفاسا مصعّدة

ولا يعير العطايا زفرة النّدم (٦)

توفّي بالغرفة سنة (١٣٢٩ ه‍).

ومنهم : ابنه ـ الّذي حظي بخدمة سيّدنا الأستاذ الأبرّ ، وكان يده ولسانه وموضع

__________________

(١) هو العالم الصالح ، الزاهد المتبتل ، عبد الله بن حسن بن عبد الله بن طه بن عمر بن علوي الحداد ، ولد الحبيب المترجم بالغرفة سنة (١٢٠٨ ه‍) ، ونشأ بها ، وسكنها حتى توفي يوم الإثنين في رجب (١٢٨٥ ه‍)

(٢) هو السيد حسن بن أحمد بن حسن بن عبد الله ، حفيد السابق ، ولد بالغرفة سنة (١٢٨٧ ه‍) ، وتولى القضاء بها ، وتوفي سنة (١٣٤٩ ه‍).

(٣) في قبة الحبيب شيخان بن هاشم السقاف.

(٤) ولد بالغرفة سنة (١٣١٤ ه‍) ، وتوفي بها في رجب سنة (١٤٠٣ ه‍) ، أخذ عن جمع غفير من الأكابر. «نور الأبصار» (١٣٩ ـ ١٤٠).

(٥) ترجم له السيد محمد بن حسن عيديد في «الإتحاف» ، وهو مجاز منه.

(٦) البيت من البسيط ، وهو للشريف الرضي في «ديوانه» (٢ / ٣٠٦).


ثقته ، ونجيّ روحه ، وأنيسه في خلواته ، وكاتبه وجامع بعض مناقبه ـ عمر بن عوض بن عمر شيبان (١) ، المتوفّى بالغرفة في سنة (١٣٥٦ ه‍).

ومنهم : آل بلخير ، أسرة الشّيخ عمر السّابق ذكره. يقال : إنهم من ذرية أبي الخير الكندي الآتي ذكره أوائل تريم.

ومن آل الغرفة : آل ابن ثعلب (٢) ؛ فإنّهم لمّا تفرّقوا بعد زوال دولتهم بتريس .. توطّن بقاياهم بالغرفة.

ومن أهلها : آل بن ذياب ، وآل بلجون ، وآل طرموم ، وآل باحارثة ، وآل عمران ، وآل منقوش ، وآل باحلوان ، وأصلهم من اليمن من بلدة يقال لها : برط من أعمال صعدة ، ولكنّ جدّهم قيس بن زمليّ بن عمر عبد الله بن قاسم بن عبد الله بن فضل بن ناصر الدّين عبد الله باحلوان .. جاء هو وأولاده أحمد وبوبكر وزمليّ وعبد الله في جيش الصّفيّ أحمد بن حسن فاتح حضرموت للمتوكّل على الله إسماعيل ، وبقي أميرا على الهجرين من جهة الإمام إلى أن توفّي بها سنة (١٠٦٨ ه‍) ، ثمّ انتقل أولاده السّابق ذكرهم إلى الغرفة ، وانتشروا ، وهاجر ناس منهم إلى جاوة ، وأعقبوا هناك.

وزمليّ والد قيس هو مؤلّف كتاب «رشيدة الإخوان» الّذي نقلنا عنه في وادي عمد ، وغيره.

وناصر الدّين باحلوان هو أمير زيلع ، وهو صاحب الشّيخ أبي بكر العدنيّ.

__________________

(١) ترجم له السيد محمد بن حسن عيديد في «الإتحاف».

(٢) آل بن ثعلب ، يعود أصلهم إلى حضرموت القبيلة كما ذكر العلامة الناخبي في كتابه «حضرموت» ، وأخبر أن هذه القبيلة هي الوحيدة التي بقيت معروفة بحضرموت كونها من قبيلة حضرموت. ونذكر استطرادا هنا : أن من بقايا قبيلة حضرموت الأم المشايخ آل الحضرمي ذرية الشيخ الولي الكبير إسماعيل الحضرمي صاحب بلدة الضحي بتهامة اليمن ، ومنهم العلامة الفقيه الشيخ إسماعيل بن زين الحضرمي الضحوي ، المتوفى بمكة المكرمة سنة (١٤١٥ ه‍) ، وهو من العلماء المبرزين ، وله طلاب كثيرون ، ومصنفات فقهية. وآل الحضرمي هؤلاء غير آل الحضرمي الذين هم من يافع العليا ، وأما آل بن ثعلب هؤلاء .. فقد كان أسلافهم يحكمون بلدة تريس ، وسيأتي ذكرهم فيها.


أمّا حالات الغرفة السّياسيّة : فقد كان آل كثير ينتسبون للشّيخ عبد الله القديم عبّاد بالخدمة ؛ لأنّ جدّهم تربّى به.

وكانوا يزورون الشّيخ محمّد بن عمر فيها ، ويتردّدون عليه بها ، ويتبرّكون بدعائه ، كما كانوا عليه مع عمّه ، حتّى لقد كاد من اعتقادهم فيه يكون هو الأمير لا على الغرفة فقط .. بل على كلّ ما تحت نفوذهم من بلاد حضرموت.

وفي الحكاية (٣٤٩) من «الجوهر الشّفّاف» ما يعرف منه أنّ جاه آل باعبّاد كان أضخم من جاه العلويّين ـ وسيأتي ما يؤكّده في مدوده ـ غير أنّ السّلطان عبد الله بن عليّ بن عمر الكثيريّ المتوفّى سنة (٨٩٤ ه‍) (١) هو الّذي ابتدأ بإساءة الأدب على آل باعبّاد ، فابتنى حصن الغرفة على القارة الّتي بها حصون آل عبود بن عمر الآن ، فعظمت الرّزيّة على المشايخ بضغطه عليهم ، وعزموا على التّحوّل من الغرفة.

أمّا بدر بوطويرق : فقد دلّت الأخبار على أنّ وطأته عليهم كانت أشدّ ؛ إذ تدخّل في كلّ شيء من أمرهم ، ونزع عنهم نظارة أوقافهم ، وصار يولّي ويعزل ، وبعث مرّة من الشّحر بعزل الشّيخ محمّد بن عقيل عبّاد ، وإبداله بالشّيخ حسين بن عليّ عبّاد.

ولمّا ضعفت دولة آل عبد الله الكثيريّين (٢) .. استبدّ عليهم آل كثير بأمر الغرفة ، وجعلوا لآل باعبّاد الاستقلال الاسميّ ، وهم يفعلون ما شاؤوا بدون أن يتناهوا عن منكر يفعلونه بها قطّ ؛ إذ لا وازع إلّا منصبة باعبّاد ، وما سلاحها إلّا أمثال التّمائم ، وقد قال أبو الطّيّب [في «العكبري» ٤ / ١١١ من الطّويل] :

ديار اللّواتي دارهنّ عزيزة

بطول القنا يحفظن لا بالتّمائم

__________________

(١) عبد الله بن علي ، تقدم ذكره قريبا ، وكانت وفاته سنة (٨٥٠ ه‍) ، وهذه الحادثة إنما جرت لابنه بدر بن عبد الله المتوفى في ذلك التاريخ. وإزالة للوهم والإشكال .. فهناك عبد الله بن علي الكثيري مات سنة (٨٩٨ ه‍) ، وعبد الله بن علي الكثيري الأسقع قتل سنة (٨٧٥ ه‍) على يد السلطان جعفر بن عبد الله .. وهذان غير السلطان الآنف الذكر ، وخبرهما عند «شنبل» وغيره.

(٢) آل عبد الله هم السلاطين نسل بدر بوطويرق ، من ذرية حفيده عبد الله بن عمر بن بدر ، وهم سلاطين حضرموت إلى ما قبل الثورة ، فيقال لهم : آل عبد الله ، ولغيرهم : آل كثير ؛ تمييزا لبيت السلطنة عن غيره.


وفي سنة (١٣٤٤ ه‍) نشبت الحرب بين آل خالد بن عمر (١) ، الّذين يرأسهم صالح عبيد وعمر عبيد ، وبين آل بابكر الّذين يرأسهم عوض بن عزّان بن عبد الله بن عوض بن ناصر بن عبدات ، بالسّبب الّذي سبقت الإشارة إليه في بابكر ، فلم يكن من آل بابكر إلّا أن وضعوا بعض عسكرهم بالغرفة بإشارة من عبيد صالح بن سالمين بن طالب ؛ لأنّ عبد الله بن محسن بن قاسم ـ الّذي كانت عامّة كلف الحرب على كيس أبيه ـ كان يستنصحه ويأخذ بإشارته ـ وهو له غاشّ ـ فلم يسع عوض بن عزّان إلّا الموافقة ، فتضرّر أهل الغرفة.

ونصحت أنا عبيد صالح بن سالمين ، فوعدني أن يشير عليهم برفع عسكرهم عنها ، ولم يفعل ؛ لأنّه كان يبغضهم في السّرّ ـ وإن تظاهر بمساعدتهم فيما يرى النّاس ـ فلم يكن من صالح عبيد بن خالد بن عمر إلّا أن هجم على الغرفة وأخذ أكثرها عنوة ، ثمّ أخذ البقيّة الباقية عن رضى من عوض بن عزّان بن عبد الله بن عوض بن ناصر ، إزاء ثمان مئة ريال قبضها من آل خالد ، حسبما يخبرني هو بنفسه.

ولمّا وضعت الحرب أوزارها بين آل عبدات بعضهم بعضا ، ورسخت قدم صالح عبيد بالغرفة .. سيّر الكتب لقبائل آل كثير ، وللسّيّد حسين بن حامد (٢) ، ولدولة آل عبد الله بسيئون وتريم يخبرهم بأن لا قصد له إلّا إصلاح الغرفة وحفظها وتأمينها ، ويدعو إلى المشاركة في الرّأي ، فعادت أجوبتهم عليه بما يبرّر صنيعة ، ثمّ جاشت جوائشهم ، والّذي تولّى كبر أمرهم هو : الشّيخ سالم بن جعفر بن سالم بن مرعيّ بن طالب ، والشّيخ عامر بن جعفر بلفاس ، وساعدهما السّيّد حسين بن حامد ، ودولة آل عبد الله ، وحاصروا الغرفة وآل خالد بالحول ، واحتلّوا الجبل الّذي يطلّ على الغرفة من جنوبها ، وأذكوا نار الحرب ، وصوّبوا المدافع ، ولم يظفروا بطائل.

ثمّ تدخّلت حكومة عدن ، وطلبت إيقاف الحرب ووصول المتحاربين ، فذهب

__________________

(١) من آل كثير ، وهم المسمّون : آل عبدات.

(٢) كان السيد حسين بن حامد آنذاك مقيما بشبام لأمور سياسية ونفسية اقتضته أن يبعد عن المكلا ؛ لوجود السلطان عمر بها ، كما يعلم من كلام المؤرخ البطاطي في كتابه «إثبات ما ليس مثبوت».


الشّيخ صالح عبيد عن طريق البرّ ، وذهب الآخرون عن طريق الشّحر ، وأكثروا من العرائض هناك ، ولم يحصل للقضيّة حلّ نهائيّ ، ونشر الشّيخ صالح عبيد كتابا في ذلك فرّقه بين النّاس من إنشاء الفاضل النّاقد الشّيخ عبد القادر بن عبد الله باحميد .. فلم يردّ عليه أحد.

وأريق في تلك الفتنة دماء غزيرة من أبرياء أهل الغرفة ، يغضب لقتلهم جبّار السّماء.

وبقي على إمارة الغرفة عمر عبيد بالنّيابة عن أخيه صالح (١) ، وكانوا متساندين في أمورهم ، وكان الشّيخ عمر عبيد من الموقّعين على «هدنة الثّلاث سنين» (٢) الّتي اقترحها الضّابط السّياسيّ (انجرامس) ، وأوّلها ـ فيما أظن ـ سنة (١٣٥٦ ه‍).

ولمّا مات صالح عبيد بجاوة .. وصل ولده عبيد صالح من سنغافورة إلى المكلّا ، ومنها بطريق السيارات المستحدثة إلى تريم ، ومنها إلى مكانه الحول ، ولم يجلس مع عمّه عمر إلّا يوما واحدا بإثره مات الشّيخ عمر في سنة (١٣٥٧ ه‍) فاستقلّ ولده عبيد صالح بالغرفة.

ولمّا انتهت هدنة الثّلاث سنين .. لم يشعر النّاس إلّا بمنشورات توزّع بين النّاس

__________________

(١) لأن الشيخ صالح هذا كان صاحب تجارة وثروة في جاوة ، يصرف منها على أخيه عمر عبيد وعلى ثورته.

(٢) هدنة الثلاث سنين هذه .. كتبت سنة (١٩٣٢ م) ، فقد نجح المستر انجرامس في توقيعها بين مجموعتين من فخائذ آل كثير هما : آل الفاس ، وآل مرعي بن طالب ، ومن بنودها : تعيين حدود مدينة الغرفة. والكف عن تبادل إطلاق النار بين الغرفة والمناطق الكثيرية المجاورة لها. وحرية الخروج والدخول من وإلى الغرفة. وحق أهل البلاد بالتمتع بحرية النفس. وعدم فرض رسوم وضرائب على السكان. وإرجاع العبيد والجواري اللاجئين في الغرفة إلى ملاكهم ، والحفاظ على الملكية الشرعية.

قال بعض الباحثين : وتعتبر هذه الاتفاقية بحق شهادة لإثبات أفضلية الأوضاع الاجتماعية في الغرفة عنها في المناطق الكثيرية الأخرى حينئذ ؛ بدليل لجوء العبيد والجواري إلى الغرفة هروبا من الاستغلال والاضطهاد الكثيري لهم ، ورغبتهم في التمتع بالعدل والمساواة تحت رعاية الحكم الإرشادي الجديد في الغرفة. اه «بحوث المقاومة الشعبية» (٥٤).


بهدنة لمدّة عشر سنوات ، وفيها وعد بتحسين القضاء ؛ لأنّ الجور تفشّى عن مجلسه بسيئون المؤلّف من السّادة : محمّد بن أحمد كريسان ، وعيدروس بن سالم السّوم ، وعبد القادر بن عبد الله الحامد ، والشّيخ محمّد مسعود بارجا ، في مدّة الثّلاث السّنين تفشيا هائلا .. فكان الوعد بإصلاحه من بين سائر الأمور شاهد عدل ودليل صدق على ما تقرّر من فرط فساده وجوره.

ولم يطلبوا توقيعا من أحد على تلك الهدنة بخلاف الأولى ـ فإنّها لم تكن إلّا بالرّضا ـ فلم يرض عبيد صالح بن عبدات بالإذعان لهذه الهدنة بالضغط والإكراه.

وحدث أنّ عبيده ضربوا مولى لابن عمّه حسن بن عوض بن عبدات ، وكان مطرودا في أيّام عمّه عمر من الغرفة ؛ لتعدّيه على المساكين من الرّعايا.

فرفع الأمر إلى سيئون ـ وكان يحسد صالح عبيد ابن عمّه ويبتغي له الغوائل ، ويتطلّب له العثرات طمعا في أن تسند الحكومة إليه إمارة الغرفة ـ فطلبت حكومة سيئون بقوّة الضّابط (انجرامس) إرسال الضّاربين إلى سيئون للمحاكمة .. فامتنع عبيد صالح عن إرسالهم ؛ لأنّه لا يعترف لصاحب سيئون بولاية على بلده الغرفة فليست المحاكمة من اختصاصه ، وحدثت أمور أخرى نشب بها الحرب بين سلطان سيئون وعبيد صالح.

وفي ربيع الأوّل من سنة (١٣٥٩ ه‍) ألقت الطّائرة كتابا على عبيد صالح يعزم عليه بالحضور إلى سيئون للمحاكمة ، فردّ عليه بأنّه مستعدّ للمحاكمة إلى الشّريعة في الموضع الّذي لا تأثير لدولة الكثيريّ ولا لدولة القعيطيّ عليه.

ثمّ طلب من الضّابط السّياسيّ أن يقوم بتأديبه ، فامتنع إلّا بمبرّر لرميه عليه ، فأمضى نحو ستّين من العلويّين ومن لفّهم بسيئون على مذكّرة تبرّر حربه.

وكان الغبن لو ذلّوا ونالوا

فكيف إذا وقد ذلّوا وخابوا؟! (١)

فجهّزوا عليه جيشا يقدّر بنحو أربع مئة مقاتل بسائر المعدّات من المدافع

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو للشريف الرضي في «ديوانه» (١ / ١٢٥).


والرّشّاشات وغيرها ، وشرعت الطّيّارات ترمي بقنابلها على ضواحي الغرفة ثمّ عليها ، وتكرّر الهجوم من الجيش البرّيّ ، إلّا أنّه يتراجع في كلّ مرّة.

وقد وصفت الحالة وما جرى على الغرفة من الأنكاد بقصيدة مؤثّرة توجد بموضعها من ثالث أجزاء «الدّيوان».

ودام الرّمي من الطّائرات ومرابطة الجيش حول الغرفة تسعة وعشرين يوما (١) ، ولكن لمّا انضمّت إيطاليا إلى ألمانيا في الحرب الأخيرة .. اهتمّ الإنكليز لذلك ، وسعى لإيقاف حرب الغرفة ، ونشرت إعلانات بأنّ الشّيخ عبيد صالح أذعن لما حكم به عليه ؛ وهو : مغادرة الغرفة في ظرف ستّة أشهر. ودفع غرامة مقدّرة بنحو ثلاثة وثلاثين ألف ربيّة.

وهذا نصّ الإعلان : (ليكن معلوما لدى العموم أنّ عبيد صالح بن عبدات ، أمضى اليوم على وثيقة ، مطيعا لأوامر الحكومة ، أي دفع (٢٥٠٠٠) ربيّة ،

__________________

(١) كان السبب الأول في إشعال فتيل هذه الحرب غير العادلة هو حقد المستر إنجرامس.

وأما البداية .. فقد كانت في مكتب المستشارية البريطانية في سيئون ؛ إذ أصيب جهاز اللاسلكي فيها بخلل ، فأراد انجرامس أن يستخدم الجهاز المماثل الموجود في شبام ، ولما أراد اختراق الغرفة .. اعترضه الحراس ، ولما أذن له بالدخول .. وجد باب الخروج مغلقا ، وأخذه الجنود إلى ابن عبدات بعد تمنع ، ولما قابله .. أخذ ابن عبدات يوبخه على تصرفاته المشينة ، مؤكدا له أن الغرفة هي أرض مستقلة عن التبعية ل (بريطانيا) ، ثم خرج انجرامس ذليلا ، وقد أضمر الشر في نفسه.

بعد هذا .. قامت طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني بالقصف الجوي على الغرفة بالقنابل لمدة (٣) أيام دون جدوى ؛ إذ كان الجنود من الحموم متمركزين في أعالي الجبال وأرغموا الطائرات على المغادرة وعدم الاقتراب من سماء الغرفة ، وكان هذا القصف متزامنا مع المساعي البريطانية لتمديد الهدنة إلى (١٠) سنوات قادمة.

ولما أنّ ابن عبدات كان صعب المراس ورجل موقف .. فلم يتقبل هذا التمديد ، فقامت القوات البريطانية بضربه للمرة الثانية ، ولكنها استمرت هذه المرة لمدة (٢٩) يوما ، فضربت الغرفة من الجو (٩) طائرات قاذفة قنابل (فنسنت) بدءا من يوم الأربعاء (٢٤) أبريل (١٩٤٠ م) ، وقدمت من المكلا فرق من الجيش النظامي وشنت هجوما عسكريا ، لكنها باءت بالفشل في اقتحام الغرفة ، واضطرت للانسحاب تحت ضربات رجال المقاومة التابعين لابن عبدات. والغريب أن عددا من القنابل التي رميت بها الغرفة لم تنفجر ، بل كانت تسقط دون أن تحدث أي أضرار تذكر ، وكان الجنود يجمعونها ويعرضونها أمام أسوار الغرفة!!.


و (٨٠٠٠) ربيّة ، قيمة (٤٠٠٠٠) حبّة رصاص ، وأن يغادر حضرموت وهو دافع ستّة آلاف ربيّة ، وقد سمح له بأن يدفع الباقي ويغادر حضرموت في ضمن ستّة أشهر ، وقد تعهّد أن لا يعمل أيّ اضطرابات أخرى) اه

غير أنّه لم ينفّذ شيء من ذلك ، ولم يظهر له أثر (١).

وبقي الشّيخ عبيد صالح على حاله متملّكا بالغرفة يأمر وينهى ، ويحكم ويرسم ، غير أنّه بدأ في سنة (١٣٦١ ه‍) يجور على رعاياه ويأخذ حبوب الفلّاحين بثمن بخس ، ينسؤهم (٢) بالثّمن لا إلى غاية محدودة ، ثمّ يردّ عليهم بعضه للاقتيات الضّروريّ بأغلى ممّا أخذه منهم ، فاشتدّ البلاء ، وضجّت الأرض والسّماء ، وأحدث جمركا على الطّريق ، يأخذ من كلّ ما يمرّ بها من البضائع نحو العشور ، واستهان بالدّولة الكثيريّة ، وتخطّم أنوف الشّنافر ، وأبقى عليهم بالعجز عن النّصفة عارا لا يفنى ، كما قال إياس بن الوليد [من البسيط] :

تبقى المعاير بعد القوم باقية

ويذهب المال فيما كان قد ذهبا

وتعالم النّاس حينئذ بأخبار شنيعة عن جوره بحقّ وبباطل ، فتألّمت من ذلك ، وأنشأت قصيدة فصّلت الأمور فيها ، كان إنشاؤها لخمس من شوّال سنة (١٣٦٣ ه‍) ، وأنشدتها حينئذ لكثير من رادتي (٣) ، ومنهم : السّلطان عبد الله بن محسن بن غالب ؛ لأنّه كان من محبّيه وتربطه به قرابة دنيا ؛ إذ كانت جدّتاهما أختين ، وتناولته بكثير من المعتبة والمذمّة ، وأقذعت له ، ولكن ذكر لي بعض أعدائه أنّه اطّلع على وصيّته بين أوراقه الّتي أعجلوه عن أخذها يوم جلائه ، وفيها الأمر بردّ كلّ مظلمة إلى صاحبها ، والفضل ما شهدت به الأعداء ، فعدت لبعض ما كنت عليه من ظنّ أمثليّته.

__________________

(١) إن هذه مزاعم تفتقر إلى دليل مادي ، فهي في واقع الأمر محض افتراء استعماري أرادت به بريطانيا إبراز قوتها في المنطقة وإضعاف حركة المقاومة الوطنية في الغرفة. «بحوث المقاومة» (٦٩).

(٢) ينسؤهم : يؤخّرهم.

(٣) أي : الذين يرتادون مجلس المؤلف.


وبالحقيقة : أنّه أعان على نفسه بترفّعه عن أبناء جنسه بعد سلامته من تلك الحرب الضّروس الّتي فرّج الله عنه منها بالطّليان ، وخرج منها وقلوب النّاس معه ، وبعض أهل الخبرة لا يعيبه إلّا بسلامة صدر انطلى عليه بسببها غشّ جليس له لا يهمّه إلّا حمايته عن نصح العقلاء كيلا يشيروا عليه بإبعاده ، وقد ضاقت به الأرض ولم يجد ملجأ بحضرموت إلّا إليه.

واتّفق أنّ أحد السّيّاح الإنكليز أراد أن يمرّ بالطّريق الّتي تلي بحيره ، وهو قد حماها بعسكره كيلا تهرّب البضائع من ناحيتها بعدما جعل العشور ضربة لازب على كلّ وارد ، فمنعوا السّائح المرور ، ولمّا أظهر العناد .. أطلقوا عليه الرّصاص بقصد التّخويف ، ولكنّ الحكومة الإنكليزيّة رأت أنّ شرفها مسّ بذلك الإطلاق ، فأنذرته ، ثمّ جهّزت إليه جيشا عرمرما لم تعرف البلاد مثله ، يقوده الجنرال السّيّد أحمد بن محضار العيدروس (١) الآتي ذكره في بور ، فيه من المدافع الضّخمة ، والدّبّابات الهائلة ، والسّيّارات المصفّحة بالفولاذ ما تتفسخ له العقول ، ومع ذلك .. فقد ثبت وبقي يدافع ويطلق الرّصاص بدون جدوى ؛ لأنّه لا يؤثّر في تلك السّيّارات ، وانسلّ عنه لواذا (٢) كلّ من كان معه ، ما عدا قاضيه الشّيخ محفوظ المصلّي اليافعيّ (٣) ، وحينئذ بخع بتسليم نفسه ، فأركبوه على السّيّارة العسكريّة إلى مطار القطن ، حيث أخذوه بالطّائرة إلى عدن ، ولم يشمتوا به عدوّا ، ولم يؤلموا به صديقا ، ولم يمكّنوا أحدا من منافسيه ومبغضيه حتّى من النّظر إليه ، فشكر العقلاء من النّاس للدّولة الإنكليزيّة تقديرها لشهامته وأنفته.

__________________

(١) في بعض المصادر أن اسمه : الميجر جنرال أحمد عبد القادر العيدروس ، القائد العام لقوات ولاية حيدرآباد ، جاء مرافقا للكولونيل دي. جي ـ ايجرتون ، كمستشار عسكري لجميع القوات التي ستقتحم الغرفة. «بحوث المقاومة» (٩١).

(٢) لواذا : عائذا.

(٣) الشيخ محفوظ بن سعيد بن ثابت المصلّي ، وكان قدومه إلى الغرفة بعد سنة (١٩٣٧ م) إثر عزل الأمير علي بن صلاح من ولاية شبام على يد انجرامس ، وتلا ذلك تدخل الحكومة وأصحاب الجاه والنفوذ في شؤون القضاء بالدولة.


وقد قلت بمناسبة ذلك قصيدة توجد بمحلّها في الجزء الثّالث من «الدّيوان» ، ومنها [من الكامل] :

لا شامت قرّت له عين ولا

تركته يسمع في الطّريق موبّخا

ومنها ما قلته في وصف ذلك الجيش ومعدّاته الهائلة :

جيش تميد به الفلاة ومنظر

منه الرّعان تكاد أن تتفسّخا (١)

هضبات فولاذ تقلّ مدافعا

ملئت وقد سارت قطارا فرسخا

وقذائف لا يستقلّ لرميها

حصن وطيد الرّكن حتّى ينفخا

سلّ الأمير وما بمحجمة دم

يوم الهجوم من البريء توسّخا

يوم أجرّ من المذلّة ألسنا

وأمدّ أخرى بالتّطوّل بذّخا

فيه الشّنافر يضحكون شماتة

وسيجهشون إذا الظّلام تدخدخا (٢)

كم من طويل شامخ عرنينه

لا بدّ بعد اليوم أن يتنخنخا (٣)

وكذلك كان الأمر ، فقد صار الشّنافر بعده أذلّ من أبناء السّبيل ، حتّى لقد منعوا حمل السّلاح ، بل منعوا من إطلاق البنادق في أفراحهم.

ومن الغرائب : أنّ ضبعا وقع في شبكة أحدهم ، فما جسر أن يطلق بندقيّته عليها ، فبقيت تناوص وهو ينظر إليها حتّى هربت.

وما أظنّ الأمر يبلغ إلى ذلك ، ولكنّه من خور العزائم واستيلاء الذّلّ ، وما أجد لصاحب الضّبع مثلا إلّا عليّة بنت المهديّ ، فلقد منعها الرّشيد أن تذكر غلاما كانت تتّهم بهواه ، واسمه طلّ ، فبينما هي تتلو كتاب الله إذ انتهت إلى قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ) فلم تجسر أن تقول (فَطَلٌ) وإنّما قالت : (فإن لم يصبها وابل .. فما

__________________

(١) الرعان : الجبال الطويلة ، تميد : تميل.

(٢) جهش للبكاء : استعدّ له واستعبر. تدخدخ : اختلط ظلامه.

(٣) يتنخنخا : مأخوذ من النّخّ ، وهو بروك الإبل ، وهو هنا كناية عن الذّلّ ، على حدّ قول الشّاعر :

ما طار طير وارتفع

إلّا كما طار وقع


نهى عنه أمير المؤمنين). فظهر عليها وكان ذلك بمسمع من الرّشيد بحيث لا تشعر وقال لها : ولا كلّ ذلك يا أخيّه (١).

أمّا نفقات ذلك الجيش فلا يزال أمرها مجهولا ، وقد أخبرني من لا يتّهم أنّ أحد رؤساء الإنكليز خطب بالمكلّا مع سفره عنها ، وقال في خطبته : إنّ البتّ في نفقات ذلك الجيش مؤخّر إلى الفرصة المناسبة ، ولا شكّ أنّها ستكون باهظة جدّا (٢).

أمّا عبيد صالح .. فقد بقي بعدن موفور الكرامة مدّة من الزّمان ، ثمّ أذن له في السّفر إلى سنغافورة ، وبقي يتردّد بينها وبين بتاوي ، معتمدا على أمواله ، رخيّ البال ، مشروح الصّدر ، قد أراحته الحكومة من الحالة الّتي توغر الصّدر ، وتقبض النّفس ، وتطيل التّعب والعنا في مسايسة من لا بدّ له منهم في الدّفاع عن الغرفة ، من أمثال الحموم الّذين يتجنّون عليه ويملؤون قلبه كلّ يوم قيحا وغيظا ، ويأتي فيهم قول المتنبّي [في «العكبريّ» ١ / ٣٧٥ من الطّويل] :

ومن نكد الدّنيا على الحرّ أن يرى

عدوّا له ما من صداقته بدّ

حصون آل كثير

والغرفة محاطة بحصون آل كثير :

ففي شرقيّها : حصون آل خالد بن عمر ، وفي الرّسالة الّتي طبعها الشّيخ عبيد بن عبدات ووزّعها بين النّاس ، ما يصرّح بأنّ آل خالد بن عمر لم يبنوا ديارهم بذلك المكان إلّا بمخابرة من آل الفاس.

وفيها أيضا : أن ديار آل الفاس كانت بالجانب الغربيّ من السّليل ، في شمال ديار آل فحيثا.

__________________

(١) القصّة في «المستطرف» (١ / ١٠٠).

(٢) لمعرفة نهاية أمر ابن عبدات .. ينظر : «حركة ابن عبدات في الغرفة بحضرموت ١٩٢٤ ـ ١٩٤٥ م» بحث أعده الأستاذ المساعد الدكتور محمد سعيد داود بكلية التربية بالمكلا ، ضمن فعاليات الندوة التاريخية حول «المقاومة الشعبية في حضرموت» المنعقدة في كلية التربية (٢٥ ـ ٢٦) فبراير (١٩٨٩ م).


وفيها أيضا : أنّ لآل الفاس ذكر في كلام الشّيخ سعد السّوينيّ حيث يقول : (باسير أرض لنفاس من ظلم بلفاس) وهذا يدلّ على تقادم عهدهم.

وفي الصّلح الواقع بين آل خالد وآل الفاس سنة (١٣٣٦ ه‍) .. كان من الشّروط لآل خالد : أن يستقلّوا بولاية الحول.

ومن الشّروط عليهم : أن تهدّم حصونهم تلك ، فهدّمت ، ولكنّ آل الفاس ابتنوا بها مخفرا وسمّوه (خيبر) تشبيها لآل خالد باليهود ، فكانت حزازة في نفس الشّيخ صالح عبيد ، يتحيّن الفرص لأن يثأر بها فمات بحسرته ، ولكنّ ولده عبيدا أثلج خاطره وبلّ غليله ، فتمكّن من استمالة عزّان بن محمّد أحد بلفاس ، حتّى مكّنه من دياره ومن دار محمّد بن شعبان في مثوى آل الفاس ومن ذلك المخفر فهدمه ، ولكنّها لم تطل مدّته من بعد ذلك.

وبينما عزّان بن محمّد راجع من الغرفة ذات يوم ، بعد تسليمه دياره لعبيد صالح .. بصر به آل الفاس ، فأطلقوا عليه الرّصاص حتّى قتلوه ، ورفعوا محمّد بن شعبان إلى الحكومة ، فأخذته إلى المكلّا ، ثمّ ردّته إلى سجن سيئون ، وبه كان هلاكه.

ومن اللّطائف : أنّني زرت سيّدي الشّهم الفاضل محمّد ابن سيّدنا وشيخنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر في سنة (١٣١٨ ه‍) .. فألفيت منزله ملآنا برجال آل الفاس ، للتّرضية عن حال صدر عن بعض سفهائهم إزاء بعض أتباعه وخدمه ، وإذا رجال عليهم وسام ، ولهم بسطة في الأجسام ، وغرر باهرة ، ووجوه زاهرة ، ولحى غالية ، وهمم عالية.

إذا لبسوا عمائمهم طووها

على كرم وإن سفروا أناروا (١)

ورئيسهم لذلك العهد الشّيخ صالح بن محمّد بلفاس ، قدّموه عليهم عندما بقل عارضاه ، وما زال على رئاستهم إلى أن مات عن عمر طويل ، وكان جميلا طويلا ، يأتي فيه قول الرّضيّ (٢) :

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لأبي الطمحان القيني.

(٢) البيت من الطويل ، وهو ليس للشريف الرضي ، بل للبحتري في «ديوانه» (١ / ٧٤) ، من قصيدته


مضى مثل ما يمضي السّنان وأشرقت

به بسطة زادت على بسطة الرّمح

وقول ليلى الأخيليّة [من الطّويل] :

فنعم فتى الدّنيا وإن كان فاجرا

وفوق الفتى لو أنّه غير فاجر

بعد إبدال (فاجر) ب (ظالم) ، وقد ذكرنا هذا البيت لمحسن بن عبد الله بن عليّ العولقيّ ولغيره ، وصالح محمّد هو الأحقّ به.

وقبيل أن يهلك محمّد بن شعبان وردني في جماعة من آل الفاس ـ لا يقلّ عددهم عن عشرة ـ في مسألة ، فتعجّبت من قصر قاماتهم وصغر هامتهم ، ولم أصدّق ـ إلّا بعد الإلحاح في السّؤال ـ أنّهم من سلالة أولئك ، وهكذا يهرم الزّمان ، وتتراذل الأيّام.

وكانت لآل الفاس قبولة حارّة ونجدة قويّة ، ولهم مع آل خالد بن عمر خاصّة ، ومع آل عبدات عامّة حروب لم تضرع فيها خدودهم ، ولا زلّت فيها نعالهم.

وقد بلغ من جرأتهم أنّهم أخفروا آل جعفر بن طالب ، وقتلوا واحدا من آل عبدات في غربّي تريس ، ومعه أحد آل جعفر بن طالب ، فنضخ رشاش دمه في ثيابه ، ولم ينتصفوا منهم.

ولم يبق بحصونهم منهم اليوم إلّا نحو الثّلاثين رجلا ؛ إذ صار مثوى العلويّين وآل كثير اليوم بجاوة.

وحصون آل الفاس : واقعة في شمال حصون آل خالد بن عمر المهدومة. وفي شرقيّ الغرفة متشاملة : حصون آل العاس ، لا يزيدون عن اثني عشر رجلا. ثمّ : حصون آل عون ، وهم نحوهم في العدد. ثمّ : حصون آل مهريّ ، الّتي سكنوا بها بعد جلائهم عن سحيل شبام ، وعددهم بحضرموت نحو العشرين رجلا.

__________________

التي يمدح فيها الفتح بن خاقان ، والتي مطلعها :

هل الفتح إلّا البدر في الأفق المضحي

تجلّى فأجلى اللّيل جنحا على جنح


يرقق

هو وادي الغرفة في شرقيّها ، وهو واد أنيس ، في أعلاه قلوت كثيرة يتنزّه النّاس فيها بعقب السّيول ، ينهر إليه الماء من النّجد المنبسط من حضرموت إلى ما شاء الله.

وهو نجد واسع تتفرّق مياه الأمطار منه على وادي العين ، ووادي بن عليّ ، ووادي يرقق ـ هذا ـ ووادي شحوح ، ووادي يثمة ، ووادي يثيمة ، ووادي مريمه ، ووادي تاربه.

وليرقق ذكر كثير في «ديوان الشّيخ عمر بن عبد الله بامخرمة».

وكان سيّدي الأستاذ الأبرّ كثير التّحنّث فيه ، وربّما أقام به اللّيالي العديدة في أوائل أمره يتعبّد الله.

وفي منتصف الجبل الّذي بجنوب الغرفة بقايا مخفر يقال له : كوت ابن قملا (١) ، وقد اختلف عليّ المعمّرون في الجواب عنه :

فبعضهم قال : ابن قملا استولى على الغرفة وابتنى ذلك الكوت ليأمن به عادية آل كثير. وقال آخرون : إنّما بناه آل كثير ليكون حاميا لهم من شرّه.

والحقّ أن لا تخالف ؛ لأنّ ابن قملا إنّما يصول في جهة آل كثير بهم .. فهو وإيّاهم ومن تابعه من غيرهم يد واحدة. والله أعلم.

حصون العوانزه

هي واقعة في شرقيّ حصون آل الفاس. والعوانزه من العوامر ، وهم قوم كرام ، وفيهم صالحون فضلاء.

منهم : الشّيخ عوض بن عبد الله بن عانوز ، له مناقب شهيرة ، ومحاسن كثيرة ،

__________________

(١) الكوت : هو كما قال عنه المؤلف يشبه المخفر ، أو مركز مراقبة ، يبنى بأعلى الجبال المطلة على المدن الشهيرة بحضرموت ، ويوجد لهذا الكوت نظائر كثيرة ، منها كوت الخبّة المطل على شبام ، الذي بني سنة (١٣٣٣ ه‍) كما في «مذكرات» الشيخ سالم باسويدان.


كان سيّدي الأستاذ الأبرّ يزوره ، ويطلب دعاءه ، ويتبرّك بالنّظر إليه.

وكان له الضّلع الأقوى في حادثة المحايل ، ولمّا انتهت بانهزام يافع .. خرج السّلطان غالب بن محسن إلى عند الشّيخ عوض بن عبد الله بن عانوز ، بكثير من الرّصاص والباروت ، مكافأة له على ما أبلى وأنفق ، فردّه وقال : إنّما أردت بمعونتي وجه الله تعالى ، فعرض عليه ولاية تريس .. فلم يقبل ، وقال له : لا أريد منكم إلّا الشّفقة بالّذين يحرثون آبارنا بأعمال تريس.

ومنهم : الشّيخ جعفر بن عليّ بن عانوز ، كان كسابقه ، كثير العبادة ، شديد الورع ، طويل الصّلاة. وكان سيّد الوادي الحسن بن صالح البحر إذا كتب إليه .. يقول له : (الولد جعفر بن عليّ).

وكنت أقول له : هل قتلت أحدا بيدك في واقعة المحايل؟ .. فيقول : إنّهم بغاة.

ولأبيه ذكر كثير في الحروب الواقعة بين يافع وآل كثير ، يدلّ على أنّه صدر من صدور القبائل وأولي رأيها وزعامتها.

وكان العوانزه يسكنون المحترقه ، فتنكّدوا من ملوحة مائها ، ولحقهم من ذلك عناء شديد ، فانتقلوا عنها إلى تلك الحصون الّتي لم يتمكّنوا من بنائها إلّا باجتماع خرق العادة من آل كثير والعوامر ، ورابطوا حواليها إلى أن انتهى بناؤها بالرّغم من معاطس يافع بتريس وغيرها ، وجرت بينهم في ذلك معارك ، وأريقت فيه دماء.

ومع صلاح العوانزه وفضلهم .. فقد كانوا من أشجع النّاس وألدّهم على الأعداء ، ولهم في واقعة المحايل المشهورة اليد البيضاء ، والنّصيب الأوفى.

أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا

وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا (١)

وإن قال مولاهم على جلّ حادث

من الأمر : ردّوا فضل أحلامكم ردّوا

ومنهم قوم منتشرون بوبار وعمان ، ولا يزالون معهم على اتّصال ، وفي الوقت الأخير ـ أي منذ نحو من خمس سنوات ـ زارهم شيخ من العوانزه بعمان ، يظهر على

__________________

(١) البيتان من الطّويل ، وهما للحطيئة في «ديوانه» (٤١).


وجهه وعينيه أثر الشّهامة والنّجدة ، وقد قضى عندي سحابة يوم حدّثني عن أخبارهم وكثرتهم وعن وبار وخصوبتها .. بالتّعاجيب ، ولكنّي نسيت اسمه حال رقم هذا.

ورجال العوانزه بحصنهم اليوم ، لا يزيدون عن اثني عشر رجلا.

حصون آل جعفر بن بدر

من الفخائذ

هي واقعة بإزاء الغرفة من الجبل النّجديّ في شرقيّ المحترقه ، وهم أهل بساطة وحسن ظنّ وسلامة صدور ، ينتسبون بالخدمة إلى السّادة آل خيله ، ورئيسهم اليوم : محمّد بن سالمين ، على غرار السّابقين في استواء العلانية والسّريرة ، والسّير بسوق الطّبيعة ، والبعد عن الخداع والاحتيال.

وعدد رجالهم اليوم بالتّقريب أربعون.

وأقرب النّاس إليهم : آل منيباري ، ولكن نزغ بينهم الشّيطان في الأخير ، وجرى بينهم من الشّرّ ما أشرنا إلى بعضه في «الأصل».

حصون آل منيباري (١)

وهي من وراء حصون آل جعفر بن بدر. ويقال لمجموعهما : حصن خزام.

وقد ذكرنا في «الأصل» أنّ أوّل من بناه : الشّيخ سعيد بن عامر بن منيباري ، وذكرنا جملة من أخباره ، وأنّه كان بسحيل سيئون فانتقل إلى الحصن لمّا أثرى ، وكان فقيرا مملقا لا يملك غير اثني عشر ريالا ، اشترى بها ثورا في حلقة ، فشكا إلى الحبيب عبد الله بن علويّ العيدروس .. فدعا له ، فابتاع الثّور في يومه بأربعة وعشرين ريالا ، فبارك الله فيها ونمت تجارته كما ينمو الدّود ، فتأثّل الأموال الكثيرة.

__________________

(١) آل منيباري : فخيذة من آل عون من آل كثير الشنافر.


وكان آل منيباري أهل نجدة ، حتّى إنّه لا يقوم ليافع أحد من آل كثير سواهم ، فكانوا يحسبون لهم ألف حساب.

وإليهم وإلى آل عبد الله بن سعيد بن جعفر بن طالب كان مرجع آل كثير في عظيمات الأمور ، وكانوا كما قال الشّريف الرّضيّ [من الطّويل] :

مليّون في يوم القضاء إذا انتدوا

بجدع القضايا من أنوف المظالم

وإن منعوا النّصف .. اقتضوه وأفضلوا

على النّصف بالأيدي الطّوال الغواشم

وكان لهم حصن في نخيل سيئون في شمالها ، بنوه في أيّام يافع بعكر البارود (١) ، في الوقت الّذي نهضوا فيه ببناء حصن العوانزه ، فآل كثير ساعدوا العوامر على بناء حصن العوانزه ، والعوامر ساعدوا آل كثير في بناء حصن آل منيباري المسمّى حصن العجوز ، وكانت يافع تمنعهم عن بنائه ، حتّى لقد أصلحوا اللّبن لبنائه ، فمرّ عليه أحد آل باعطوه وقال :

يا المدر يا المدر با تبتني وين عادك

تبتني تبتني مالين إلّا سرادك

عادنا انفعك في مضواك ولّا برادك

فهيّج آل كثير بذلك ، فحالفوا العوامر ، وتمّ ما أرادوا.

وكان هذا الحصن بلاء على الدّولة الكثيريّة ؛ إذ لا ينجم بينهم أدنى حادث إلّا رابطوا فيه ، وأطلقوا الرّصاص منه على ضواحي سيئون وجانبها الغربيّ ، فانقطعت الأسباب ، وتعطّلت المعايش.

وكان السّيّد حسين بن حامد حريصا على محالفتهم ؛ لقبضهم بالمخنق في سيئون ، وما زال يكاتبهم ويخاطبهم في ذلك حتّى استقدمهم هم وآل جعفر بن بدر إلى المكلّا ، وهناك تمّ الحلف بينهم ، وفي وثيقته المحرّرة بتاريخ (١٢) محرّم سنة (١٣٣٣ ه‍) ، عاهد آل منيباري وآل جعفر بن بدر على أنّهم عيال الدّولة وأولاده ،

__________________

(١) هي كلمة تقال لغرض الأمر بالقوة ؛ أي : ابتنوه على الرغم من يافع .. فهو مدح لهم بالشجاعة.


ومنه وإليه ، وأرضهم ومثاويهم أرض الدّولة ومثاويه ، وأرض الدّولة كذلك لهم المنافع مثل أرضهم ، وهم تبعة وسمعة للدّولة القعيطيّة مثل أمثالهم من الحلفاء ، ولا يعتذرون عن داعي الدّولة عند الحاجة ، والدّولة كذلك لهم منه المنفعة ؛ بحيث يصل نفعه قريب أو بعيد.

وعليهم للدّولة أن يقوموا حسب طاقتهم وقدرتهم ، بكلّ ما يجلب للدّولة الصّلاح ويبعد عنه الضّرر ، وكذلك الدّولة من جانبه.

وشلّوا وبدّوا بوجوههم (١) أنّ كلّ ما يشوم ويلوم الدّولة ويعلق بوجهه .. فهو بوجههم ، من حال ومال ، وطارفة عسكريّ أو رعويّ ، أو غيرهما .. يتعلّق بالدّولة فعليهم إذا علموا بخلاف على الدّولة أن يقوموا فيه حسب طاقتهم.

وقد كتب بينهم وثر بتاريخ هذا الحلف على شروط عليهم للدّولة ، وشروط لهم من الدّولة ، وأقرّ المذكورون بالسّيادة للدّولة القعيطيّة في الجهة الحضرميّة الجميع ، وبالله الاعتماد.

وعليه إمضاء السّلطان غالب بن عوض ، وشهادة السّيّد محمّد بن سقّاف ، والسّيّد حسين بن حامد وغيرهم.

ولكنّه لم ينّفذ منه شيء ؛ لأنّ السّيّد حسين رغب فيما بعد ذلك إلى مصالحة الدّولة الكثيريّة ، ولمّا تمّت .. استغنى بها عن حلفهم وحلف آل جعفر بن بدر ـ الّذي لم يجعله إلّا تمهيدا لحمل الدّولة على المصالحة ـ ولكنّ حلف الدّولتين لا يزال على دخن إلى اليوم.

وبإثر جلاء عبيد صالح بن عبدات وهن جانب آل كثير ، واستنهر فتقهم (٢) ، وانهار ركنهم ، فتوسّعت مملكة الدّولة الكثيريّة على حساب النّفوذ الإنكليزي ، وجاءها القوس بلا ثمن ، واستولت على حصن بئر العجوز صفوا عفوا ، وجرى أخيرا على

__________________

(١) هذه من عبارات تلك المعاهدة ، وشلّ فلان بوجهه وبدّى ، أي : التزم بالعهد.

(٢) استنهر النّهر : حفر لمجراه موضعا مكينا ، واستنهر الفتق : كناية عن تأصّله وتمكّنه وتوسعه.


رئيس آل منيباري ـ وهو الشّابّ الشّهم النّشيط محمّد عامر بن محمّد بن منيباري ـ نوع من الضّغط بسيئون ، ثمّ سوّيت المسائل بالحسنى.

وعدد آل منيباري اليوم لا يزيد مع عبيدهم عن خمسة وأربعين رجلا.

تريس (١)

هي من قدامى البلدان ، ولم يذكرها ياقوت ، ولم يزد الطيّب بامخرمة على قوله : (تريس : قرية من قرى حضرموت ، شرقيّ محلّة المشايخ آل باعبّاد المعروفة بالغرفة ، ذكرها القاضي مسعود) اه (٢)

وفي موضع من «صفة حزيرة العرب» للهمدانيّ [ص ٢٩٣] : (تريم من ديار تميم ، وتريس بحضرموت) اه

ولعلّ تريسا فيه محرّفة عن تريم ؛ لأنّه الأليق بالسّياق.

وفي «الأصل» عن صاحب «معجم البلدان» عن «معجم البكريّ» أنّها : (سمّيت باسم تريس بن خوالي بن الصّدف بن مرتع الكنديّ) اه

ثمّ رأيت «معجم البكريّ» فإذا النّقل صحيح ، وفيه : أنّ لتريس أخا اسمه مديس ، وما ذكره من سبب التّسمية معقول ؛ فإن أغلب سكّانها من أعقاب الصّدف ، ففيها مثرى المشايخ آل باكثير ، وقد سبق في شبام أنّ منهم الشّيخ عبد الله بن أحمد بن محمّد ، أحد أصحاب الإمام البخاريّ.

ولكنّه جاء في «الضّوء اللّامع» [٥ / ١١] للسخاوي ذكر : عبد الله بن أحمد باكثير هذا ، وقال : إنّه أخذ عنه ، فتبيّن به أنّ البخاريّ في «التّاج» [١٤ / ٢١] مصحّف تصحيفا مطبعيّا عن السّخاويّ ، وقد ترجم السّيّد عبد القادر العيدروس في «النّور السّافر» [١٧٨] للشّيخ عبد الله بن أحمد باكثير هذا ، وذكر أنّ وفاته سنة (٩٢٥ ه‍) ،

__________________

(١) تبعد عن سيئون (٣) أميال إلى جهة الغرب.

(٢) نسبة البلدان (ق ٦٠).


وولادته بحضرموت ، وطلبه للعلم بغيل باوزير. وكانت وفاة السّخاويّ بالمدينة المشرّفة سنة (٩٠٢ ه‍).

ولا بأس بعلامة الدّرك بعد الفوت أن نتمثّل بقولهم : (إن ذهب عير .. فعير في الرّباط) ؛ لأنّه إن فاتنا الشّيخ عبد الله بن أحمد باكثير .. ففي أيدينا من هو أقدم وأولى بالذّكر منه وهو الشّيخ عبد الله الحضرميّ الّذي كان يخطّىء الفرزدق في أشعاره ، فهجاه فخطّأه في نفس هجائه .. جاء في «خزانة الأدب» [١ / ٢٣٧] بعد ذكره لذلك ما نصّه : (وعبد الله هذا هو عبد الله بن أبي إسحاق الزّياديّ الحضرميّ ، قال الواحديّ في كتاب «الإغراب في علم الإعراب» كان عبد الله من تلامذة عتبة بن سفيان ، وهو من تلامذة أبي الأسود الدؤليّ واضع النّحو ، وليس في أصحاب عتبة مثل عبد الله ... إلى أن قال : وكان يقال : عبد الله أعلم أهل البصرة وأعقلهم ، وفرّع النّحو وقاسه ، وكان أبو عمرو بن العلاء قد أخذ عنه النّحو ، ومن أصحابه الّذين أخذوا عنه النّحو : عيسى بن عمر الثّقفيّ ، ويونس بن حبيب ، وأبو الخطّاب الأخفش) اه

توفي سنة (١١٧ ه‍) ، وهو ابن ثمان وثمانين سنة ، وصلّى عليه بلال بن أبي بردة ، وقد ذكرناه هنا عن غير كبير مناسبة ؛ لأنّ فيه تعزية عن باكثير. قال شنبل : وفي سنة (٩١٢ ه‍) توفّي الفقيه القاضي شجاع الدّين محمّد بن أحمد باكثير في سيئون ، ودفن بها.

وفي سنة (٩١٣ ه‍) : توفّي الرّجل الصّالح عتيق بن أحمد باكثير ، وهذا هو جدّ آل بن عتيق أصحاب مدوده.

وقد ألّف العلّامة الجليل ، شيخنا الشّيخ محمّد بن محمّد باكثير كتابا سمّاه «البنان المشير إلى علماء وفضلاء آل باكثير» (١).

وممّن بتريس منهم : الشّيخ أبو بكر بن عمر ، عنده حظّ وافر من الفقه ، قال الشّيخ عليّ بن عبد الرّحيم : (ولم أعلم له مشاركة في غيره ، ولي قضاء شبام بعد والدي

__________________

(١) طبع هذا «البنان» في حياة ابن المؤلف الشيخ عمر المتوفى سنة (١٤٠٥ ه‍) ، وقام بتحقيق الكتاب السيد عبد الله الحبشي.


وولي قضاء الغرفة وقضاء هينن ، وإليه المرجع عند المنازعات بين الدّرسة) اه

قال الشّيخ محمّد باكثير : (وكانت وفاته في حدود سنة ١٠٨٣ ه‍) (١).

ومنهم : الشّيخ عبد الرّحيم بن محمّد بن عبد الله المعلّم بن عمر بن قاضي باكثير (٢) ، وإنّما قيل لجدّهم : (قاضي) ، ولم يكن به ؛ لأنّه حضر نزاعا في مشكل فحلّه بفهمه ، فقيل له : إنّك لقاضي ، فلزمه ، تولّى الشّيخ عبد الرّحيم القضاء ببور نحوا من سنتين ، ثمّ حصلت عليه شدّة من بعض الظّلمة فعزل نفسه وعاد إلى بلده تريس ، ثمّ طلبه السّلطان لقضاء شبام ، ففعل وأقام سنتين وخمسة أشهر ، ثمّ تعصّب عليه الحسّاد فعزل ، وعاد إلى تريس ، واشتغل بالمطالعة ، ثمّ تولّى قضاء تريم في سنة (١٠٩٤ ه‍).

وفي سنة (١٠٩٦ ه‍) تنازع هو وآل تريم في قضيّة الهلال ، وردّ على جواب في القضيّة للشّيخ محمّد بن عبد الله باعليّ برسالة سمّاها : «المنهل الزّلال في مسألة الهلال» ، فوافقه السّيّد علويّ بن عبد الله باحسن ـ مع أنّه كان من منابذيه ـ ، والشّيخ عبد الله بن محمّد بن قطنة (٣) ، والشّيخ عبد الله قدريّ باشعيب.

وفيه يقول عبد الله قدريّ [من السّريع] :

فتريم قاضيها التّريسي غدا

يقوّم الدّين لتهنا تري

فبالحري من بعد عري أتت

تريم تزهو في ثياب الحري

وفي البيتين الاكتفاء (٤) ، وأمّا حذف الهمزة من (تهنا) للجزم .. فكما جاء في

__________________

(١) «البنان» (٧٤).

(٢) كان طلبه للعلم على يد والده ؛ إذ علمه القرآن العظيم ورباه ، وتفقه بالشيخ الفقيه النحوي عامر بن أحمد بن طاهر الخولاني ، والشيخ علي بن حسين بامهير. ورحل إلى مكة المكرمة وطلب العلم على الشيخ عبد الله بن أبي بكر القدري باشعيب وغيره.

(٣) هو الشيخ الفقيه عبد الله بن محمد بن عوض بن قطنة الشبامي. كان عالما فقيها ، له مصنفات ، عاصر الإمام الحداد ، وله ذكر في «مناقبه» ، وكان معدودا من أصحابه ، وله آثار علمية.

(٤) الاكتفاء من أبواب البديع ، وهو في قوله في البيتين : (تري) أي تريم ، و (الحري) أي (الحرير) ، وتعريف الاكتفاء وما إلى ذلك يؤخذ من كتب البلاغة.


حديث توبة كعب بن مالك : «لتهنك توبة الله عليك» (١). ولم يعلم بموته ولا قبره (٢)

ومنهم : الشّيخ أبو بكر بن عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن عمر باكثير (٣) ، ولم يعلم وقت وفاته ، ولكنّه من تلاميذ السّيّد أحمد بن محمّد الحبشيّ ، المتوفّى بالحسيّسة سنة (١٠٣٨ ه‍) ، والسّيّد عبد الرّحمن الجفريّ مولى العرشة ، المتوفّى بتريس سنة (١٠٣٧ ه‍).

ومنهم : الشّيخ أبو بكر بن عثمان باكثير ، له ذكر في «مجموع الأجداد».

ومنهم : الشّيخ عبد القادر بن إبراهيم بن عبد القادر باكثير ، توفّي بتريس (٤).

ومنهم : الشّيخ إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم باكثير (٥) ، توفّي بتريس.

ومنهم : الشّيخ أبو بكر بن أحمد بن محمّد باكثير (٦) ، له مسجد بتريس.

ومنهم : الفاضل الجليل عليّ بن عبد الرّحيم بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن قاضي ، ولد بتريس سنة (١٠٨١ ه‍) ، له ترجمة طويلة بلا ذكر وقت الوفاة (٧) وقد ترجم لنفسه ، وذكر جماعة من آل باكثير ، ومنهم الشّيخ عبد الصّمد باكثير ، بينه وبين العلّامة أحمد بن حسن الحدّاد مساجلات شعريّة ؛ منها أنّ عبد الصّمد أرّخ ميلاد السّيّد حامد بن أحمد بن حسن بأبيات جاء فيها قوله :

__________________

(١) الحديث أخرجه البخاريّ (٤١٥٦) ، ومسلم (٢٧٦٩) بلفظ : (لتهنئك توبة الله عليك) في حديث طويل وشيّق .. فليراجع منهما. والله أعلم.

(٢) ترجمته في «البنان» : (٧٦ ـ ٨٠) ، ومن الآخذين عنه : السيد علوي باحسن ، والحبيب أحمد بن زين الحبشي.

(٣) «البنان» (ص ٨٠).

(٤) ترجمته في «البنان» (٣٣ ـ ٣٥).

(٥) ترجمته في «البنان» (٨٢).

(٦) «البنان» (٨٥).

(٧) في «البنان» (٩١ ـ ١١١) ، وفي النسخة المطبوعة التي نعزو إليها أن وفاته سنة (١١٤٥ ه‍) ، فلعل المؤلف اطلع على نسخة خطية لم تكمل. وللشيخ علي مصنفات كثيرة ، تفوق العشرين مصنفا.


وقد أرّخت مولده بقولي :

(شريف عارف حبر أديب)

(٥٩٠) + (٣٥١) + (٢١٠) + (١٧) ـ

سنة (١١٦٨ ه‍)

فأجابه الحبيب أحمد بقصيدة من بحره وقافيته.

ومنهم : صاحب التّصانيف الكثيرة ، الشّيخ عليّ بن عمر بن قاضي (١) ، توفّي حوالي سنة (١٢٣٠ ه‍).

ومنهم : الخطّاط الشّيخ أحمد بن عمر بن محمّد بن عمر بن عبد الرّحيم (٢) ، توفّي بتريس سنة (١٢٤٧ ه‍). وغيرهم.

ومرجع أكثر آل باكثير في النّسب إلى الشّيخ محمّد بن سلمة بن عيسى بن سلمة الكنديّ (٣) ، تلميذ الشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ المتوفّى بقيدون سنة (٦٧١ ه‍).

وقال الملك الأشرف المتوفّى سنة (٦٩٦ ه‍) : (وجدّ بني شهاب الّذين ينسبون إليه هو : محمّد بن سلمة الكنديّ ، وهو الّذي انتجع من حضرموت ، وسكن بالبلاد الشّهابيّة من أعمال صنعاء ، وله ثلاثة أولاد : حاجب وعطوة ودغفان ، ولكلّ منهم أولاد) اه (٤)

ولكن لا يمكن أن يكون هذا هو المراد ؛ لأنّ قوله : (وجدّ بني شهاب .. إلخ) يدلّ على تقدّم زمانه ، ولم يذكر من أولاده من اسمه أحمد ، ولكنّه لا يبعد أن يكون محمّد بن سلمة المذكور في كلام الأشرف هو جدّ محمّد بن سلمة المذكور في نسب آل باكثير ، والمدار في ذلك على النّقل ، فعسى أن يوجد ما يوافق هذا.

__________________

(١) «البنان» (١٢٨ ـ ١٣٤) ، وتأريخ وفاته بسنة (١٢٣٠ ه‍) يحل إشكالا سببه ما ذكره صاحب «تاريخ الشعراء» من كون وفاته سنة (١٢١٠ ه‍) ؛ لأنّ أحد أولاده وهو الشيخ عمر بن علي ولد سنة (١٢١٢ ه‍). له مصنفات كثيرة.

(٢) «البنان» (١٣٤ ـ ١٣٦).

(٣) ترجمته في «البنان» (١٣ ـ ١٤).

(٤) «الطرفة» (١٢٥) ، وقد فصّل فخائذهم فيما تلاها من الصفحات.


وفي تريس خاصّة وحضرموت عامّة كثير من آل باعطوة ، فيهم الشّعراء والشّحّاذون ، فلا يبعد أن يكونوا من ذرّيّة عطوة بن محمّد بن سلمة جدّ بني شهاب (١) ، بل إنّ الأمر قريب من بعضه جدّا.

ومن أهل تريس : آل ابن حميد الصّدفيّون ، منهم : القاضي الفاضل ، الفقيه الصّالح المؤرّخ الشيخ : سالم بن محمّد بن سالم بن حميد (٢) ، توفّي بتريس في حدود سنة (١٣١٤ ه‍) عن عمر ناهز المئة ، قضاه في أعمال البرّ. وقد أحضرني والدي إليه ، فألبسني ، وأجازني ، وبارك عليّ.

أمّا السّادة العلويّون الّذين بتريس .. فقد سبق منهم ذكر السّيّد عبد الرّحمن الجفريّ ، وهو المعروف بصاحب العرشة (٣) ، ومن خطّ سيّدي عبد الرّحمن بن عليّ السّقّاف : أنّ الأستاذ الحدّاد ذكر من أمر ونهى في القرون الماضية حتى وصل إلى ذكر القرن العاشر فذكر عن الشيخ عبد الرّحمن بن محمّد الجفريّ صاحب تريس فقال : إنّه كان قد طلب العلم وعمل وسلك ولقي المشايخ ، وكان إذا أمر ونهى .. لا يبالي بمن يأمره كائنا من كان ، وإنّه رأى رجلا في المسجد يقرأ القرآن وهو لا يحسن القراءة ، فبعد الصّلاة سأل عنه؟ قال له رجل من أصحاب الدّولة : إنّه ألثغ ، وهذا مقدوره .. فقال له : وأنت يوم تصلّي ولا تطمئنّ يا فاعل يا تارك ، وبقي يصيح عليه حتّى انهزموا من المسجد ، وكان يكتب إلى بعض سلاطين الجهة : (إلى فليّن ، مردم جهنّم) اه

وقوله : فليّن : تصغير فلان.

__________________

(١) «الطرفة» (١٢٨).

(٢) ولد بتريس سنة (١٢١٧ ه‍) ، وهو مؤلف كتاب «العدة المفيدة من تواريخ قديمة وحديثة» في مجلدين وقد طبع بتحقيق السيد عبد الله الحبشي عام (١٤١١ ه‍) عن مكتبة الإرشاد بصنعاء ، وقد استقى المؤلف منه كثيرا. ينظر المقدمة التي كتبها السيد عبد الله الحبشي (١ / ٥ ـ ١٩).

وللفائدة .. فآل بن حميد هؤلاء من كندة ، وهم غير آل حميد شراحيل سكان شبام والشحر. وغير آل باحميد سكان مدوده وسيئون ، وكلهم بضم الحاء وفتح الميم ـ تصغير حمد.

(٣) المتوفى سنة (١٠٣٧ ه‍) ، ترجمته في «المشرع» (٢ / ٣٢٠ ـ ٣٢١).


وقد كان جدّه عبد الله من أهل تريس (١) ، ومن ذرّيّته السّيّد علويّ بن عمر بن سالم (٢) ، تولّى القضاء بشبام.

وعيدروس وعبد الله ابنا أحمد أخيار فقهاء ، توفّي الأخير منهما بتريس سنة (١٢٦٤ ه‍).

ومن ذرّيّة شيخان بن علويّ بن عبد الله التّريسيّ (٣) : العلّامة الجليل علويّ بن سقّاف بن محمّد بن عيدروس بن سالم بن حسين بن عبد الله بن شيخان المذكور ، وهو الشّيخ الخامس عشر من مشايخ سيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر (٤) ، كان واسع العلم والرّواية ، متفنّنا ، وله رحلات إلى اليمن وغيرها.

وكان هو وسيّدي الجدّ محسن بن علويّ أخصّ تلاميذ سيّدنا الحسن بن صالح البحر ، وكان الحقّ عنده فوق كلّ عاطفة ، من ذلك :

أنّ بعض الوهّابيّة أنكر على آل حضرموت جعلهم ختم المجالس بالفاتحة على الكيفيّة المعلومة سنّة مطّردة ، مع أنّه لا دليل على ذلك ، فردّ عليه سيّدنا طاهر بن حسين بردّ خرج مخرج الخطابة والوعظ (٥) ، فنقضه الحبيب علويّ بن سقّاف الجفريّ هذا برسالة سمّاها «الدّلائل الواضحة في الرّدّ على رسالة الفاتحة» ، ترجم فيها لابن تيمية ، وتلميذه ابن القيّم ، وللشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب صاحب الدّعوة المشهورة ، وأطنب في الثّناء عليهم.

__________________

(١) وهو الملقب بالتريسي ، وأخواله هم آل بادبّاه من قوم الشيخ عمر المتقدم ذكره في صداع.

(٢) ذكره الحبيب عيدروس في «العقد» ، عاش في القرن الثالث عشر ، وهو من شيوخ العلامة علوي بن سقاف الجفري.

(٣) قال في «شمس الظهيرة» (٢ / ٤٢٤): (وأما شيخان بن علوي بن عبد الله التريسي .. فعقبه آل الجفري بجاوة بسورابايا ، وقدح ، وبهان ، والمدينة ، وتريس) اه ومنهم : آل الصافي الجفري بدوعن ومصوّع وسواكن وعدن ، وغيرها.

وقوله : قدح وبهان ينطقان الآن (كده) و (فاهانغ) وهما في جمهورية ماليزيا حاليا.

(٤) ترجمته في «عقد اليواقيت» : (٢ / ١٩ ـ ٢٤).

(٥) وهو المسمّى : «المقالة الواضحة».


ولمّا اطّلع عليها الحبيب عبد الله بن حسين .. كتب عليها بخطّه : (علويّ بن سقّاف يقول الحقّ ولو كان مرّا)!!

غير أنّني تحيّرت زمانا في الحبيب عبد الله بن حسين هذا المقرّض ، أهو بلفقيه أم ابن طاهر؟ حتّى تذكّرت ما جاء في خطّ السّقّاف الّذي سيّره للسّيّد أحمد بن جعفر الحبشيّ ـ حسبما سبق في الحوطة ـ من قوله : (وأذعن لمصنّفه من لا يحبّه) ، فعرفت أنّ المراد بلفقيه ؛ لأنّه هو الّذي لا يحبّ مؤلّف «الدّلائل الواضحة» ؛ لاتّساع شقّة الخلاف بينهما في عدّة مسائل فروعيّة ، تبودلت بينهما في بعضها الرّدود اللّاذعة من الطّرفين.

وكانت «الدّلائل الواضحة» عندي .. فاستعارها منّي الفاضل الأديب السّيّد حسن بن عبد الله الكاف ، ثمّ لم يردّها وأحالني إلى عدن بعدّة كتب قياضا عنها ، فلم تدفع الحوالة ، وأخاف أن يكون أعدمها ؛ فإنّه بخوف شديد من أن يطّلع عليها الإرشاديّون فيجمعوا منها أيديهم على حجّة ضدّ العلويّين فيما هم فيه مختلفون.

ومن هذا ومن أخذ الجماعة كلّهم عن السّيّد أبي بكر بن عبد الله الهندوان (١) ـ وهو وهّابيّ قحّ ـ تبيّنت أنّ عند مولانا شيخ الوادي الحسن بن صالح مسحة من تلك الآراء بغاية الاعتدال ؛ لموافقتها لما هو فيه من الاستغراق في تجريد التّوحيد ، وعدم التفاته إلى غير الحميد المجيد.

ولا يشكل ـ على هذا ما في «بغية المسترشدين» عن فتاوى الحبيب علويّ بن سقّاف الجفريّ هذا .. من جواز التّوسّل ؛ لأنّه إنّما يبيح منه ما لا يوهم القدح في التّوحيد ، كما لا يشكل ما يوجد في بعض مكاتبات الحبيب عبد الله بن حسين بلفقيه ـ مع توهيبه ـ من الإنكار على بعض المتشدّدين في ذلك ؛ لأنّ ذلك الإنكار إنّما كان للتّهوّر وفرط الغلوّ اللّذين اشتطّ فيهما الرّجل ، وظنّي أنّه السّيّد جعفر السّالف الذّكر عمّا قريب.

__________________

(١) المتوفى بتريم سنة (١٢٤٨ ه‍) ، وهو حفيد العلامة أحمد بن عمر الهندوان ، وله ذكر في «عقد اليواقيت».


وقد قال أبو سليمان الخطّابيّ ـ وهو أحمد بن محمّد بن إبراهيم ـ [من الطّويل] :

ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد

كلا طرفي كلّ الأمور ذميم

ومعاذ الله أن يخرج مولانا البحر ومن على طريقه عن حدّ الاعتدال ، ويقول بتكفير أحد من المسلمين ، إلّا بعد ثبوت المكفّر والإصرار عليه بعد الاستتابة ، وقد قال العلّامة ابن تيميّة في (ص ٢٥٨) من ردّه على البكريّ : (فلهذا كان أهل العلم والسّنّة لا يكفّرون من خالفهم) اه

مع أنّ هؤلاء ينكرون إنكارا شديدا على القبوريّين وجهّالهم ـ حسبما قاله لسان حالهم الشّيخ عبد الله بن أحمد باسودان في غير موضع من كتبه ـ ولم يكونوا في ذلك بمقلّدين ، بل كما قال سيّدي عبد الله بن حسين بلفقيه حين رمى كتاب غرامة : (نحن وهّابيّون من أيّام محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الّذي جاء بتكسير الأوثان ، والحنيفيّة البيضاء).

ورأيت للسّيّد محمّد بن أحمد الأهدل سياقة توافق ما هم عليه ؛ منها : أنّ طلب التّوجّه إلى الله في المهمّات من الأولياء ـ مع اعتقاد براءتهم من الحول والقوّة والاتّصاف بالعبوديّة المحضة ـ جائز ، وهو معنى التّوسّل. ولكنّه لا يكون إلّا عند ضعف اليقين ، والأولى للمؤمن القويّ الإيمان أن لا يجعل بينه وبين الله واسطة ؛ فقد قال تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ)

وقد كان صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يستعين إلّا بالصّبر والصّلاة ، ومتى حزبه أمر .. فزع إلى الصّلاة.

أمّا الأولياء .. فإنّهم ـ مع وجاهتهم وقرب دعائهم من القبول ـ ضعفاء فقراء لا يملكون لأنفسهم ـ فضلا عن غيرهم ـ نفعا ولا ضرّا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. والمكفّرات مقرّرة حتّى في المتون ، والاستتابة واجبة ، والكلام في العلل والأسباب معروف ، والتّوسّلات من جملة ذلك .. فلا حاجة إلى الشّغب فيما الاتّفاق على أصله حاصل.


وذكر البرزالي وغيره أنّ شيخ الصّوفيّة كريم الأبليّ وابن عطاء جاءا ومعهم جماعة نحو من خمس مئة يشتكون إلى الدّولة من تقيّ الدّين ابن تيميّة .. فعقد له مجلس قال فيه أن لا يستغاث إلّا بالله ، حتّى لا يستغاث بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ الاستغاثة بمعنى العبادة ـ ولكنّه يتوسّل ويتشفّع به إلى الله .. فبعض الحاضرين قال : ليس في هذا شيء ، ورأى قاضي القضاة أنّ فيه قلّة أدب ؛ فالأمر لو لا الحسد والمنافسات الحزبيّة .. أدنى إلى الوفاق.

وما أكثر ما يوجد التّوسّل في شعري بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أصلا وببقيّة الخمسة الأرواح تبعا ، مع فرط تكيّفي بما في السّياق السّابق من أنّ التّوسّل به صلّى الله عليه وآله وسلّم ليس كغيره ، كما نقله ابن القيّم وغيره عن ابن عبد السّلام ؛ لحديث الأعمى ، وهو مرويّ عند أحمد [٤ / ١٣٨] والبيهقيّ ، والتّرمذيّ [٣٥٧٨] ، والنّسائيّ [في «الكبرى» ٦ / ١٦٩] ، وابن ماجه [١٣٨٥] ، والحاكم [١ / ٧٠٧] ، وغيرهم.

وذكره ابن تيميّة في «القاعدة الجليلة في التّوسّل والوسيلة» ، ولم يقدر على تضعيفه بحال ، بل ولا على إنكار الزّيادة المشهورة فيه عند الطّبرانيّ [طب ٩ / ٣٠] والبيهقيّ ، وقال في تلك الرّسالة : (إذا كان التّوسّل بالإيمان بالنّبيّ عليه السّلام ومحبّته جائزا بلا نزاع .. فلم لا يحمل التّوسّل به على ذلك ، قيل : من أراد هذا المعنى .. فهو مصيب في ذلك بلا نزاع) اه

ومن هنا يكثر التّوسل في أشعاري ، ويشتدّ على القبوريّين إنكاري ؛ لأنّهم لا يقصدون ما أقصده ، وإنّما يأتون بصريح الإشراك والجهل ، فالقرائن محكمة ، والعلاقات معتبرة ، والفروق بين الحقيقة والمجاز مرعيّة ، وكلا جانبي الإفراط والتّفريط مردود.

ورأيت العلّامة ابن تيميّة في (ص ٢٥١) من ردّه على البكريّ يعذر الشّيخ يحيى الصّرصريّ الشّاعر المشهور في سؤال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد وفاته ما كان يسأل فيه أيّام حياته ؛ حيث يقول : (وهذا ـ مشيرا إلى التّسوية ما بين المحيا والممات ـ ما علمته ينقل عن أحد من العلماء ، لكنّه موجود في كلام بعض النّاس


مثل الشّيخ يحيى الصّرصريّ ؛ ففي شعره قطعة منه ، والشّيخ محمّد بن النّعمان كان له كتاب «المستغيثين بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في اليقظة والمنام» ، وهذا الرّجل قد نقل منه فيما يغلب على ظنّي ، وهؤلاء لهم صلاح ودين ، ولكنّهم ليسوا من أهل العلم) اه

وحسبنا منه عذرهم ، وبه يتبيّن أنّ ابن تيميّة لم يثبت في إنكاره الاستغاثة والتّوسّل على حال واحد ، بل يقول تارة : إنّه شرك ، وأخرى : إنّه بدعة ، والثّالثة : إنّه يعذر من يفعله من أهل الدّين والصّلاح ، وكلامه الّذي يوافق الجمهور أحبّ إلينا من كلامه الّذي ينفرد به ، وقد قال الإمام عليّ بن أبي طالب في أمّهات الأولاد قولا غير الّذي قاله بموافقة عمر ، فقال له قاضيه : رأيك مع عمر أحبّ إلينا من رأيك في الفرقة. وحسب ابن تيميّة من منصفيه أن يقولوا هكذا. والله أعلم.

رأيت في «مجلّة الفتح» أنّ أشدّ ما يتألّم منه ملك الحجاز ونجد : أن يشيع المرجفون عنه أو عن قومه أنّهم يكفّرون المسلمين أو يخرجونهم عن دائرة الدّين .. إذن فنحن وإيّاهم من المتّفقين ، وما ذكره العلّامة ابن تيميّة عن الصّرصريّ موجود بكثرة عند أهل العلم ؛ كالحافظ ابن حجر ، وابن الزّملكانيّ ، وابن دقيق العيد ... وغيرهم ، وحسبنا بهم أسوة.

ورأيت ابن القيّم في «الزّاد» يعتبر كلام الصّرصريّ في زمن ولادة النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ويعدّ قوله في شعره عنها من الأقوال الّتي تذكر ، ومعاذ الله أن يثني العلّامة السّيّد علويّ بن سقّاف الجفريّ على الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب وهو يعلم أنّه يكفّر أحدا من المسلمين بمجرّد التّوسّل والاستغاثة القابلين الاحتمال ، وكان العلّامة السّيّد محمّد بن إسماعيل الأمير امتدح الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب بقصيدة تستهلّ بقوله :

سلام على نجد ومن حلّ في نجد

ولمّا بلغه عن قومه ما لا يرضاه من الغلوّ .. أنشأ قصيدته المستهلّة بقوله :

رجعت عن القول الّذي قلت في النّجدي


وقد مرّ في ذي أصبح ما يعرف منه تعصّب عبد الله عوض غرامة لآراء الوهّابيّة ، وأنّ الإمام البحر ينكر عليه جوره بعبارات قاسية تكاد تشقّق منها الحجارة ، حتّى إنّه لا يقول في كتبه إليه عندما يثور عليه إلّا : من حسن بن صالح البحر إلى عبد الله عوض غرامة ، السّلام على من اتّبع الهدى ... ثمّ يصعب له القول ، ويطيل في وعظه الجول ، ولو كان من رأيه إنكار توهيبه .. لما سكت له في ذلك ، وهو لسان الدّين النّاطق ، وبرهان الحقّ الصّادق.

توفّي الحبيب علويّ بن سقّاف الجفريّ المذكور بتريس ، سنة (١٢٧٣ ه‍) (١) قبيل وفاة شيخه البحر بمدّة يسيرة (٢).

وخلفه ولده العلّامة الفقيه سالم بن علويّ (٣) ، وكان على قضاء تريس ، وجرت بيننا وبينه محاورات ومناقضات ورسائل ؛ وخبر ذلك أنّني لمّا عدت من جاوة مشبّعا بالآمال في الإصلاح .. خطبت في الجامع في سنة (١٣٣٠ ه‍) إثر الصّلاة ودعوت إلى التّسامح والتّصالح والتّآلف والاجتماع ، فاستاءت لذلك طائفة باطويح ، واشتدّ عليهم أن أتكلّم بمرأى ومسمع من حضرة السّيّد العلّامة عليّ بن محمّد الحبشيّ ، وربّما فهموا من السّياق تعريضا بانحراف السّيّد عليّ عن سير السّلف الطّيّبين ، فلم أشعر بعد مدّة إلّا بورقة فيها ما يشبه الرّدّ على بعض نقاط من تلك الخطبة الّتي اختزلها بعض الطّلبة (٤) ووزّع نسخا منها بين النّاس ، معزوّة تلك الورقة إلى الفاضل الأديب ـ الّذي أخلص صداقتي فيما بعد ـ السّيّد عيدروس بن سالم بن علويّ الجفريّ ، فكتبت ردّا عليها من لسان القلم عزوته إلى غيري.

وبعد شهر تقريبا وصلتني عدّة أوراق ـ نحو العشر ـ يراد منها دفع ذلك الرّدّ ،

__________________

(١) كانت وفاته عصر يوم الخميس (١٦) ربيع الأول ، ودفن بكرة الجمعة ، وله ذكر في مواضع من «العدة» لابن حميد.

(٢) إذ وفاة الإمام البحر في ذي القعدة.

(٣) ولد السيد سالم بتريس سنة (١٢٦٥ ه‍) ، ذكره السيد ضياء في «تعليقاته على شمس الظهيرة» (٢ / ٤١١).

(٤) الذي كان يختزل خطب ابن عبيد الله هو تلميذه النجيب السيد محمد بن أحمد بن عمر بن يحيى فلعله هو.


فنقضتها في بضعة أيّام برسالة ضافية الذّيول ، سمّيتها ب : «النّجم الدّرّيّ في الرّدّ على السّيّد سالم الجفريّ» فكانت القاضية ـ في أخبار طويلة مستوفاة ب «الأصل» ـ فلم يكن منه ـ أعني السّيّد سالم بن علويّ رحمه الله ـ إلّا أن جاءني بعد ذلك على شيخوخته ، وصارحني بأنّه لم يراجعني القول إلّا عن إيعاز قويّ ممّن يذبّ عنهم ، وأنّه مكره لا بطل ، وأنّ الصّواب تبيّن له من «النّجم الدّرّيّ» فرجع إليه ، فأكبرته وأعظمت طيب نيّته ، وسلامة صدره ، إلى ذلك الحدّ الّذي يصعب مثله إلّا على أهل الإخلاص ، وقليل ما هم.

ومن العجب العجيب أنّ كلام العلّامة السّيّد سالم بن علويّ رحمه الله في دفاعه عن صاحبه كان مخالفا على طول الخطّ لما قرّره أبوه في «الدّلائل الواضحة» وهي موجودة عنده ، والحقّ فيها أعظم وأوضح ممّا هو في «النّجم» ، وما وقعت عليها إلّا بعد ذلك من يد ولده الفاضل السّيّد عيدروس ، ولو كانت عندي من قبل .. لكانت الحجّة أدمغ والعبارة أبلغ ، ويقيني أنّه لم يكن على ذكر منها حين كتب ما كتب ، توفّي رحمه الله في حدود سنة (١٣٣٦ ه‍).

وخلفه على القضاء والتّدريس بتريس ولده العالم الجليل ، والفاضل النّبيل عيدروس (١) ، وكان أديبا شاعرا ، جميل الوجه ، نظيف الثّوب ، حسن الشّارة ، كبير الهمّة ، لم تضع الأعادي قدر شأنه وقتما كان على القضاء ، ولكنّه أراد ما أراده الطّغرائيّ في قوله [من البسيط] :

__________________

(١) السيد العلامة الرحالة عيدروس بن سالم ، ولد بتريس في (١٥) شعبان (١٣٠٩ ه‍) ، وتوفي ببلدة فالو بجزيرة سولاويسي بجاوة يوم الإثنين (١٢) شوال (١٣٨٩ ه‍).

وهو مؤسس مدارس الخيرات منذ عام (١٣٣٩ ه‍) ، ولهذه المدارس فروع بلغت إلى (٧٠٠) فرع في أنحاء إندونيسيا ، بها ألوف الطلبة ، تشمل : مدارس رياض الأطفال ، ومدارس المعلمين ، ومدارس تربية المعلمين .. بنيت بمجهودات الأهالي وإرشادات السيد عيدروس ، وقد جعلت لها أوقاف ، وتأتيها تبرعات من أهل الخير. ثم أقامت في (١٣٨٤ ه‍) مؤسسة الخيرات جامعة إسلامية تشمل (٣) كليات : الآداب ، والتربية ، والشريعة.

ترجم له عارف قدره ومعاصره السيد ضياء شهاب في «التعليقات» : (٢ / ٤١٢ ـ ٤١٣) ، ونشرت خبر موته الصحف الإندونيسية وكتبت فيه المقالات.


أريد بسطة كفّ أستعين بها

على قضاء حقوق للعلا قبلي

فطوّحت به الأسفار إلى جاوة من حدود سنة (١٣٤٢ ه‍) إلى اليوم (١) ، نسأل الله أن يقضي لنا وله الحاجات ، ويفرّج الكربات ، ويجمعنا به في الأوطان على أرغد عيش وأنعم بال.

أمّا دولة تريس : فقد كانت لآل ثعلب ، ومن صلحائهم : السّلطان عمر بن سليمان بن ثعلب أثنى عليه الشّيخ محمّد بن عمر باجمال في كتابه «مقال النّاصحين» [ص ١٩٦] وقال : (كانت له أحوال محمودة ، وشفقة على الرّعيّة صالحة ، وتفقّد لهم تامّ ، وكان يقتني من البهائم وآلات الحرث لرعاياه مثل ما يعدّه لنفسه ، ويبذل ذلك لهم ، وكان يتفقّد أهل الفقر والحاجة منهم ، فيواسيهم ويحسن إليهم ، ويصلح بين المتخاصمين ، ويتحمّل في ذلك الأثقال الكثيرة) اه

ومع هذا .. فقد كان الشّيخ عمر بن عبد الله بامخرمة يغري به سلاطين آل كثير ويهيّجهم عليه ، إلّا أنّ الشّيخ من أهل الأحوال الّذين لا يقتدى بهم.

ولمّا تلاشى ملك آل ثعلب .. صاروا سوقة وتجّارا بالغرفة وغيرها ، حسبما مرّت الإشارة فيها إليه.

ثمّ استولت يافع على تريس ، وكان عليها منهم : الأمير صالح بن ناصر بن نقيب ، يعشّرها وما حواليها إلى مكان آل مهري ، لا يقدر أحد من آل كثير أن يعترضه في شيء ، مع أنّ عسكره قليل جدّا ، غير أنّه كان شجاعا مهابا ، وكان ولده عبد الله جمرة حرب ، متورّدا على حياض القتل والضّرب.

وفي جمادى الآخرة من سنة (١٢٦٤ ه‍) : نازلهم آل عبد الله الكثيريّون بأشراف القبلة (٢) وغيرهم بعد أن فرغوا من آل الظّبي بسيئون.

وبعد حصار دام سبعين يوما .. سلّمت تريس ، وتمّ الصّلح ، وكان جلاء آل ابن

__________________

(١) لعل سفره كان حدود (١٣٣٧ ه‍) بعيد وفاة والده .. كما ذكر السيد ضياء.

(٢) ولكن في العرف الخاص بالحضارمة : يراد بأرض القبلة بلاد الجوف وبيحان ، وهي من بعد شبام والقطن كما تقدم ذكرها في الكتاب.


نقيب إلى القطن حسبما هو مفصّل ب «الأصل» ، وتلك الأيّام نداولها بين النّاس (١).

وعلى ذكر بيت الطّغرائيّ السّابق : بلغني أنّ بعض بني شيبة اعتزم السّفر فجاء لموادعة الشّريف ، فقال له : فيم؟ قال : أريد.

فلم يصل داره إلا وقد سبقه ألف دينار له إليه من الشّريف ، أراد الشّريف قول الطّغرّائيّ [من البسيط] :

فيم اقتحامك لجّ البحر تركبه

وأنت تكفيك منه مصّة الوشل؟ (٢)

وأراد الرّجل ذلك البيت السّابق ذكره من نفس القصيدة.

رحمة الله على أهل الجود ، ووا أسفا إذ قد تضمّنتهم اللّحود ، ولله درّ الرّضيّ في قوله [في «ديوانه» ١ / ٦٦٥ من الطّويل] :

وهل تدّعي حفظ المكارم عصبة

لئام ومثلي بينها اليوم ضائع

نعم لستم الأيدي الطّوال فعاونوا

على قدركم قد تستعان الأصابع

وللشّعراء في معنى الأوّل مجال واسع ، ذكرنا منه في «العود الهنديّ» ما شاء الله أن نذكر.

السّوم (٣)

موضع في شرقيّ تريس ، فيه نخيل كثير ، وكان به مسجد صغير للسّيّد عبد الرّحمن بن محمّد الجفريّ ، مولى العرشة السّابق ذكره في تريس وغيرها.

وكان مكمنا لقطّاع الطّريق ، ثمّ أحبّه السّيّد الإمام عمر بن سقّاف بن محمّد بن عمر

__________________

(١) تنظر أخبار آل النقيب وحصارهم ل (تريس) مفصلة تفصيلا دقيقا في «العدة» (١ / ٣٧٤) وما بعدها.

(٢) الوشل : الماء القليل الّذي يخرج من الصّخر قليلا قليلا.

(٣) أصل إطلاق كلمة السوم على الفواصل الطينية الواقعة بين الجروب ـ المزارع ـ وهي مرتفعة نوعا ما ، يصعد عليها صعودا .. وأطلق فيما بعد على هذا الموضع ، وعلى مواضع أخرى بحضرموت.


السّقّاف (١) وأكثر من التّردّد إليه ، ثمّ ابتنى به دارا وعمّر ذلك المسجد ، وزاد فيه زاوية ، فعاد موئلا لكلّ شارد ، وكيف لا وقد حلّ به بكر عطارد (٢)؟

أغرّ أبلج تأتمّ الهداة به

كأنّه علم في رأسه نار (٣)

له مناقب كثيرة ، وفضائل شهيرة ، وقد ترجمه العلّامة الشّيخ عبد الله بن سعد بن سمير ـ السّابق ذكره في ذي أصبح ـ بكتاب سمّاه : «المنهل العذب الصّاف» (٤) ، جمع فيه وأوعى ، ومع ذلك فسيّدنا عمر بن سقّاف حقيق بقول شاعر «الخريدة» [من البسيط] :

قد حلّ في مدرج العلياء مرتبة

مطامح الشّهب عن غاياتها تقف

أغرى بوصف معاليه الورى شغفا

لكنّه والمعالي فوق ما وصفوا

وفي كلام الحبيب أحمد بن عمر بن سميط : (أنّه ـ أعني الحبيب عمر بن سقّاف ـ يقول كلّما قام أو قعد : «الله ، لا شريك مع الله» ؛ لأنّ الأكابر يعبدون الله بخالص التّوحيد) اه

وفيه تأكيد لما أسلفناه عمّا قريب.

توفّي سنة (١٢١٦ ه‍) وله عدّة تآليف ، وأشعار بعضها جيّد إلّا أنّه كان لدينا حاد ثقيل روح أملّني بتكرير قصيدة من أدائه يتواجد عليها حتّى أضجرني وصرفني عنه جملة ، وكنت في ذلك كما قال معن بن أوس [من الطّويل] :

إذا انصرفت نفسي عن الشّيء لم تكن

إليه بوجه آخر الدّهر تقبل

__________________

(١) الحبيب عمر بن سقاف (١١٥٤ ـ ١٢١٦ ه‍) : ولد بسيئون ، وتربى على يد أبيه الإمام ، وجده لأمه الحبيب علي بن عبد الله السقاف ، قرأ القرآن وهو ابن أربع سنوات ، وحفظه وهو ابن ست ، ومناقبه فخيمة ، وأحواله جسيمة. ينظر : «التلخيص الشافي» (٥٨ ـ ٦٢).

(٢) البكر : أوّل أولاد المرأة. عطارد : نجم من النّجوم السّيّارة. وهذا كناية عن التّفرّد.

(٣) البيت من البسيط ، وهو للخنساء في «ديوانها» (٢٣٠). الأغرّ : المشهور. الأبلج : الأبيض الوجه. تأتمّ : تقتدي. الهداة : الأدلّاء ، الّذين يهتدى بهم في الأمور والشّرف. العلم : الجبل المرتفع.

(٤) واسمه كاملا : «المنهل العذب الصاف في مناقب الحبيب عمر بن سقاف».


وخلفه على عمارة مسجده والتّردّد إلى مكانه بالسّوم الّذي سمّاه الطّائف .. ولده الجليل المقدار نور الدّين حسن بن عمر (١) ، وابتنى به دارين زائدين على الدّار الّذي بناه والده ، توفّي سنة (١٢٣٥ ه‍) ، وخلفه ولده العالم العابد عبد القادر (٢) ، المتوفّى سنة (١٢٩٦ ه‍) ، ثمّ ولده العلّامة النّاسك محمّد ، المتوفّى سنة (١٣٠٥ ه‍) (٣) ، ثمّ ولده القانت المتواضع سالم (٤) ، وقد عمّر به دارا واسعة في سنة (١٣١١ ه‍) ، إلّا أنّها الآن تريد أن تنقضّ ، فنسأل الله أن يقيمها ، وأن يديم منازلنا عامرة بالعلوم ويديمها ، توفّي في سنة (١٣٥٧ ه‍) ، عن جملة أولاد ؛ منهم : عيدروس ، شاعر فقيه ، ومنهم عبد الله ، أبيّ غيور.

القرين (٥)

هي حوطة العلّامة الجليل الشّريف ، الغاني عن الوصف والتّعريف ، الحسن بن عليّ الصّادق الجفريّ (٦) ، أحد مشايخ الحبيب عمر بن سقّاف ، له في التقوى والعبادة والتّواضع أحوال عجيبة.

قال سيّدي حسن بن سقّاف بن محمّد في مناقبه لوالده لمّا ذكر سيّدي حسن بن عليّ الجفريّ المذكور : واستوطن مكانا نجديّ تريس يسمّى : القرين ، ضعيف البقعة والنّخلة ، ولكنّ الحبيب كان قانعا ، وقد أخذه مع خلوّ يده بقيمة حقيرة وبنى فيه ـ بالتّدريج ـ بيتا ، ولم يزل به حتّى توفّي سنة (١١٧١ ه‍) ، ودفن به ؛ لأنّه قال لأخ له

__________________

(١) المولود سنة (١١٧٥ ه‍) ، والمتوفى سنة (١٢٣٥ ه‍).

(٢) وكان مولده سنة (١٢٢٥ ه‍) ، ترجم له الحبيب أحمد بن عبد الرحمن في «الأمالي» ، والسيد علوي في «التلخيص» (٧٣ ـ ٧٤).

(٣) وكان مولده سنة (١٢٥١ ه‍). «التلخيص» (٧٤).

(٤) ولد بسيئون سنة (١٢٨٣ ه‍) ، وتوفي سنة (١٣٥٧ ه‍) ، ترجمته في «التلخيص» (٧٥).

(٥) القرين هذا .. هو غير بلدة القرين المارة في دوعن.

(٦) هو الحسن بن علي الصادق بن الهادي بن عبد الرحمن مولى العرشة ، أخباره في «العدة» (١ / ٣٠٤) ، ومواضع أخرى.


مجذوب : ما ترى في القرين؟ فقال : هو قرين ما زال حسن فيه ، فأحبّ أن لا يزال فيه ؛ لكلام أخيه.

ولا يزال أعقابه بها يعمرون مسجده ويكرمون وارده ، إلّا أنّهم قلّوا ، فليس منهم بالقرين الآن سوى أربعة رجال ، وهي في شمال السّوم إلى جهة الغرب قليلا ، وحواليها نخيل كثير.

وفي شمالها إلى شرق : حصون آل حصن من آل كثير ، لا يوجد بها الآن من الرّجال إلّا القليل.

شحوح

هو واد واسع عن يسار الذّاهب من سيئون غربا إلى تريس ، آخذ في الجنوب ، يدفع فيه واديان عظيمان :

يقال لغربيّهما : شحوح ابن ثعلب ، نسبة إلى أمراء تريس السّابق ذكرهم.

ولشرقيّهما : شحوح ابن يمانيّ ، نسبة إلى مسعود بن يماني (١) ؛ لأنّ نهدا ثارت وحلفاؤها على عمر بن مهديّ أحد أمراء الرّسوليّين موالي الأيوبيّين في سنة (٦٢١ ه‍) (٢) ، فقتلوه في وادي شحوح هذا ، ثمّ اندفعوا في ثورتهم إلى تريم ، واستولوا على جميع بلدان حضرموت ، غير أنّ مسعود بن يمانيّ هذا أخرجهم منها صاغرين ، واستقال منهم في نفس العام جميع بلدان حضرموت ، كما قال كثيّر [في «ديوانه» ٢٠٥ من الطّويل]

فما تركوها عنوة عن مودّة

ولكن بحدّ المشرفيّ استقالها (٣)

__________________

(١) توفي مسعود بن يماني سنة (٦٤٨ ه‍). «شنبل» (٩٤).

(٢) «شنبل» (٨١).

(٣) العنوة : من الأضداد فيكون بمعنى : القهر والغصب. أو الطّواعية والمودّة. والمقصود هنا الثّاني.

المشرفيّ : السّيف. استقال : استعاض أو استبدل.


وقد ذكرت هذا البيت ب «الأصل» ، ووازنت بينه وبين نظرائه في المعنى ، فلتكشف منه.

وكان ذلك بدء أمر مسعود ، وقد أبقى على ابن ثعلب فلم يتعرّض له بسوء ـ وكأنّه ساعده على نهد ـ فبقيت في يده تريس ، ثمّ في أعقابه من بعده ، وكذلك بقي لهم وادي شحوح الغربيّ ، وأمّا وادي شحوح الشّرقيّ .. فصار إلى ابن يمانيّ ، فأطلق عليه : شحوح ابن يماني ، كذا سمعته من بعض المعمّرين.

مدوده (١)

هي في سفح الجبل الشّماليّ عن سيئون. وهي من البلاد القديمة ، ذكرها ابن الحائك الهمدانيّ ، إلّا أنّه أخطأ في ترتيب موقعها كما هو شأنه في كثير من البلدان (٢).

وفي «الأصل» عن الشّيخ سالم بن أحمد باحميد : أنّ الشّيخ أحمد بن الجعد اجتمع فيها هو والشّيخ عبد الله القديم عبّاد المتوفّى سنة (٦٨٧ ه‍).

وفي «المشرع» (٣) (ص ٤٣٥ ج ٢) : أن برهان الدّين بن عبد الكبير بن عبد الله باحميد اشترى مدوده ـ وهي قرية خربة ـ من السّلطان بدر بن عبد الله بن عليّ الكثيريّ ، المتوفّى سنة (٨٩٤ ه‍) ، وأنّه بناها وحفر بها بئرا فمنعه آل كثير ، فقامت الحرب بينهم ، وحمل آل باحميد السّلاح ودخلوا في حرب آل يمانيّ بأسفل حضرموت.

ولم يذكر صاحب «المشرع» تاريخ الشّراء ، ولكنّه كان قبل سنة (٨٨٦ ه‍) قطعا.

ثمّ إنّ الشّيخ برهان الدّين وهبها لوالده عبد الكبير (٤) المقبور في الشّبيكة من مكّة

__________________

(١) وهي مسقط رأس آل باحميد ، وهي غير مدورة بالراء موضع بالكسر ، سبق ذكره.

(٢) صفة جزيرة العرب (١٦٩).

(٣) في ترجمة السيد عبد الله بن محمد صاحب الشبيكة القديم ، المتوفى سنة (٨٨٦ ه‍) بمكة.

(٢ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦).

(٤) الشيخ عبد الكبير هذا كان من أكابر أهل القرن التاسع ، له ترجمة في «الضوء اللامع» ، و «الدر


المشرّفة ، فوقفها ، وقد أشكل شراؤها مع أنّها كانت معمورة في أيّام الشّيخ عبد الله القديم ، وما بالعهد من قدم حتّى يقال : إنّها خربت وجهل ملّاكها فعادت من الأموال الضّائعة فساغ للسّلطان بيعها ، ولبرهان الدّين شراؤها .. فالإشكال قويّ.

لكنّ الجواب حاصل بأنّ الخراب كثيرا ما يتكرّر على قرى حضرموت كما وقع في الحسيّسة والعر وغيرهما.

ومتى حصل الخراب .. تبعه الجهل بالملّاك سريعا في الغالب ؛ لأنّ شملهم يتفرّق وأمورهم تتمزّق ، فلا تبقى لهم بقايا معروفة ، بل يشملهم الاندثار والخمول.

وليس في اجتماع ابن الجعد والقديم ما يدلّ على سلامتها من الخراب إذ ذاك ؛ ألا ترى إلى مريمه الشّرقيّة فإنّها خاوية على عروشها منذ زمان طويل؟

وليس بالمستنكر أن يتّعد جماعة للاجتماع في أطلال أحد مساجدها لشأن من الشّؤون. ومثل هذا كاف لدفع الإشكال.

وجاء في حوادث سنة (٩١٦ ه‍) من «تاريخ شنبل» وغيره : أنّ عمر بن عامر الشّنفريّ سلطان آل عبد العزيز الشّنافر أخذ مدوده من أحمد بن بدر بخيانة من راميها.

__________________

المكين ذيل العقد الثمين للفاسي» للبدر ابن فهد المكي (خ) ، و «خبايا الزوايا» للعجيمي (٤٥) (خ) ، و «الجامع» لبامطرف باختصار.

وملخّص ترجمته : أنه الشيخ عبد الكبير بن عبد الكبير بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن علي بن عبد الله باحميد ، المنتهي نسبه إلى أبي حميد الأنصاري الصحابي ، ولد بحضرموت حوالي سنة (٧٩٤ ه‍) ، وتوفي بمكة سنة (٨٦٩ ه‍) ، أخذ عن الإمام الشيخ عبد الرحمن السقاف ـ ت (٨١٩ ه‍) ـ وصحب أولاده : عمر المحضار ، والشيخ أبا بكر السكران ، وحسن ، وصحب الشيخ عبد الرحيم باوزير وابنه أحمد ، وساح في البلدان ، واجتمع بعدد من الصالحين كالشيخ الصديق بن إسماعيل الجبرتي بزبيد. حج سنة (٨٢١ ه‍) ، وزار سنة (٨٢٧ ه‍) ، ثم عاد إلى بلده ، ثم عاد إلى مكة ، وخرج إلى حضرموت مرة أخرى حدود سنة (٨٥٠ ه‍) ، وعاد إلى مكة سنة (٨٥٢ ه‍) ، ثم انقطع بها إلى وفاته.

أخذ عنه عدد من الأكابر ؛ كالحافظين السيوطي والسخاوي ، ولبسا منه خرقة آل باعلوي ، وأيضا لقيه الشيخ أحمد بن عبد القادر بن عقبة الشبامي وأخذ عنه ، وجمع ابن ظهيرة القرشي في مناقبه كتابا سماه : «نشر العبير في ترجمة الشيخ عبد الكبير» ، وتوفي بمكة ودفن بالشبيكة.


وأنّ تبيع ابن عبد الله بن جعفر هجم على مدوده ، وحصرها شهرين حتّى صالحه ابن عبد العزيز.

وأنّ آل كثير أثاروا الحرب على مدوده وهي في أيدي الشّنافر آل عبد العزيز ، وأضرّوا بنخيلها.

وأنّ محمّد بن أحمد بن سلطان سار من تريم هاجما على آل عبد العزيز بمدوده ، وأحرق بها نخلا كثيرا (١).

وذكر في حوادث سنة (٩١٨ ه‍) أنّ أحمد بن بدر أخذ مدوده من عبود بن عامر الشّنفريّ (٢). هذا آخر كلام شنبل ، وفي هذا تصريح بأنّ آل كثير ليسوا من الشّنافر ، وقد مرّ في القارة ما يتعلّق به.

وسبق قبيل القسم الثّاني من هذا الكتاب : أنّ الشّنافر لقب فرقة من آل كثير بظفار فقط ، فليكن من النّاظر على بال.

وآل باحميد ثلاث فرق : آل نادر ، وآل فرج ، وآل عوض ، ولا يزالون مختلفين ، وأوفرهم حظّا من الشّيطنة ، والاعتماد على حملة السّلاح من القبائل : آل عوض ، ولذا احتال جدّنا علويّ بن سقّاف في إصلاحهم بمداولة المنصبة مسانهة (٣) فيما بينهم.

وفي «مجموع الجدّ طه بن عمر» : أن لا أكبر بحضرموت من منصب آل باحميد ومنصب باعبّاد.

ومثرى آل باحميد في مدوده ، وفيهم كثير من الصّالحين (٤) ؛ منهم : الشّيخ الصّالح الكبير الشّهير عبد الله بن ياسين ، المتوفّى بمدوده في سنة (٩٦٨ ه‍).

__________________

(١) «شنبل» (٢٤٢ ـ ٢٤٦). وهذا الخبر الأخير أورده شنبل في حوادث سنة (٩١٧ ه‍).

(٢) «شنبل» (٢٤٩) ، في حوادث (٩١٧ ه‍).

(٣) أي : سنة بسنة ، وهذا معروف عندهم.

(٤) ومن قدماء آل باحميد : الشيخ محمد بن عمر باحميد ، كان معاصرا للشيخ عبد الله باعلوي. ذكره في «المشرع» وأورد له قصة فيه ، ووفاة الشيخ باعلوي سنة (٧٣١ ه‍).


ومن متأخّريهم : الصّالح الكبير ، صاحب الفراسة الصّادقة ، الشّيخ أحمد بن طه باحميد ، كان ضريرا ، ولكنّه يخيط ويدخل الخيط في الإبرة عن مشاهدة بعيني! وكان والدي يحبّه كثيرا ، وكان كثير الدّعاء لي والاعتناء بي ، توفّي بمدوده بعد الثّلاثين والثّلاث مئة وألف.

ومنهم : الشّيخ سالم بن أحمد باحميد ، له مؤلّفات كثيرة ، وكان عابدا متبتّلا ، حصورا تقيّا ورعا ، توفّي بمدوده سنة (١٣٤٥ ه‍) (١) ، وكان مولعا بمحبّة الفاضل السّيّد حسين بن عبد الله عيديد ، كثير الثّناء عليه ، حتّى لقد أوصى بأن يقبر إلى قريب من داره ومسجده اللّذين ابتناهما بمدوده ، فاختار جواره على مجاورة الشّيخ عبد الله بن ياسين.

وكان السّيّد حسين بن عبد الله عيديد (٢) هذا انتقل من سيئون بعد وفاة السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ ، والنّاس يتعالمون بأنّه ورث حاله ، ولم تطب له سيئون فبارحها وسكن مدوده وابتنى بها دارا ومسجدا ـ حسبما قدّمنا ـ ولم يزل موئل الضّيفان والوافدين ، وأمره غريب ، وحاله عجيب ، ونفقاته طائلة ، وله كلام من جنس ما يتكلّم به مورّثه في الحال : العلّامة السّيّد عليّ الحبشيّ ، إلّا أنّ شعره أحطّ من شعر ذلك ؛ لأنّ بضاعته في علم العربيّة مزجاة ، (٣) بخلاف السّيّد عليّ ، وله رحلات إلى عدن وإلى الحجاز ، وله وجاهة ، ولا سيّما لدى أهل دوعن وبعض حضارمة عدن والحبشة وغيرهم ، وإنّهم لمشكورون على معرفتهم بقدره وقيامهم بحقّه ، وإعانتهم له على المروءة والضّيافة.

ولمّا كثرت الفتن بمدوده ، ولا سيّما بين آل منيباري وآل جعفر بن بدر ، بسبب أنّ

__________________

(١) ترجم له السيد محمد بن حسن عيديد في «ثبته» ، ووفاته في (٢٨) جمادى الآخرة من العام المذكور.

(٢) ولد بمدودة ، وأخواله من آل باحميد ، تربى عندهم يتيما ، ثم لما كبر .. أتت به والدته إلى الحبيب علي الحبشي ، ومكث عنده في بيته طويلا .. وقد كان مشهورا ببناء المساجد ، رمم وبنى الكثير منها ، توفي بمدودة سنة (١٣٨٨ ه‍) ، وابنه السيد علي مقيم بمكة المكرمة.

(٣) مزجاة : قليلة.


الأوّلين أخفروا ذمّة الآخرين ، فلم يتقنعوا ولم يناموا عن ثأر ، بل غسلوا بالنّجيع ما كان من ذلك العار .. فتكدّر من جرّاء ذلك ، وابتنى دارا واسعة بسفح جبل عفاك غربيّ مدينة سيئون ، قريبا من القارة الّتي كانت عليها حصون آل الشّيخ عليّ بن حسين بن هرهرة السّابق ذكرهم في عرض مسرور ، وهي معمورة الفناء بالقاصدين ، مملوءة الجفان للواردين.

وفي مدوده جماعة من آل باسلامه. وجماعة من آل ابن عتيق ، جدّهم : الشّيخ عيسى بن سلمة بن عيسى بن سلمة ، أخي الشّيخ محمّد بن سلمة جدّ آل كثير. فيهم كثير من الصّالحين.

ولو لم يكن لهم من الفسّاق إلّا عدوّ الله عبد الرّحمن بن عبد الله بن عتيق ، وزير الشّريف حسن بن أبي نميّ بن بركات .. لكفى ؛ فلقد ذكر عنه المحبيّ والعصاميّ وغيرهما ما تكاد تنشقّ له الأرض ، وتخرّ الجبال هدّا (١).

وفي مدوده جماعة من آل بامطرف يحترفون بشطف الحصر وزنابيل الخريف المسمّاة ـ في عرف الحضارم ـ بالخبر ، وأصلهم ـ كآل الغيل وآل القطن ـ من الصّيعر.

وفيها جماعة من آل حاتم يرجع نسبهم إلى الصّيعر ، لا إلى العلماء الّذين كانوا في تريم (٢).

__________________

(١) ولد ابن عتيق هذا بمكة ، وأمه بنت المشايخ آل ظهيرة ، وخاله هو العلامة الشيخ علي بن جار الله بن ظهيرة الحنفي ، تولى الوزارة بعد سنة (١٠٠٣ ه‍) ، وعاث في مكة فسادا ؛ إذ تسلط على الشريف حسن أمير مكة ، وصار هو الذي يصدر الأوامر ، وأكل أموال الناس ظلما ، وكان إذا مات أحد من الحجّاج .. أخذ ماله وحجبه عن الورثة ، وهرب من مكة بعض سكانها خوفا من ظلمه ، ولما ولي أبو طالب بن الحسن سنة (١٠١٠ ه‍) .. استدعاه فأقر بكل ما عمله فحبسه ، فقتل نفسه بجنبية ، فأخذه الشريف ورمى به في حفرة في طريق جدة ، ولم يغسل ولم يكفن ، ورموا عليه الحجارة وقيل فيه :

أشقى النفوس الباغيه

ابن عتيق الطاغيه

نار الجحيم استعوذت

منه وقالت ماليه

لما أتى تاريخه

(أجب لظى والهاويه)

ذكره القطبي في «وقائع مكة» ، والمحبي في «الخلاصة» (٢ / ٣٦١ ـ ٣٦٢) ، وقد ذكر أنه كان يصرح بقوله : الشرع ما نريده ، فباع أمهات الأولاد وألغى الوصايا والأحكام.

(٢) وكان منهم جماعة في شبام ثم عادوا أدراجهم إلى مدوده.


وفي غربيّ مدوده : حصن خزام ـ كما سبق ـ لآل منيباري ، وقد كان بينه وبين مدوده فضاء رحب لكن عمّر بالبيوت فاتصل بمدوده.

وفي جنوبها : ديار آل شملان ، لا يزيد الموجودون من رجالهم بحضرموت عن ستّة نفر.

وفي شرقيّها : مكان آل الصّقير (١) ، وهم قبائل تغلب عليهم البساطة وسلامة الصّدر ، فهم من أبعد آل كثير عن التّنطّع والتّحذلق ، وأقربهم إلى سوق الطّبيعة كان منهم : الشّيخ سعيد عامر ، رجل طيّب. وخلفه ولده عامر بن سعيد على مثل حاله ، وكانت لهم شدّة تحلّب منها آل سيئون المرّ في سنة (١٣١٨ ه‍) ، ولا يزيد عدد الموجودين بديارهم هناك الآن عن أربعين رجلا.

ولهم بادية بنجد آل كثير لا يزيد عددهم عن ثلاثين راميا ، وكان على رئاستهم رجل له مروءة وشجاعة ، يقال له : الوريقة ، من مروءته أنّ أحد عبيد آل منيباري حشم (٢) آل الصّقير ، فأصبحوا على آل منيباري ، وقتل عبد الله بن سلامة من آل الصّقير ، وكانت أعرافهم تقضي بانغسال العار به ، ولكنّ آل الصّقير جدّوا في طلب ثأره ، وبيناهم كامنون في الحيمرات .. أقبل عائظ بن صالح بن منيباري في عبيد له ، فأراد آل الصّقير إطلاق الرّصاص عليه .. فكفّهم الوريقة وقال : مثل عائظ بن صالح لا يقتل ، فتعمى بقتله جهة حتّى قتلوا بعد مدّة واحدا آخر من آل منيباري يقال له سعيد بن محمّد بن سالمين ، فأدركوا به ثأرهم.

وفي شرقيّ مدوده أيضا : ديار آل عليّ بن سعيد ، وكلّهم من آل كثير ، إلّا أنّ الأخيرين من قبيلة آل عامر ، وعدد الموجودين منهم اليوم بديارهم قليل.

__________________

(١) من فخائذ آل كثير ، ويوجد آل الصقير أيضا في وادي جردان ، ولكنهم من قبيلة النمارة من بني هلال «المقحفي».

(٢) حشم : عامية بمعنى : خفر ذمتهم.


سيئون (١)

زنة : زيدون ، بعضهم يكتبها بواو واحدة ، وبعضهم بواوين ، والقاعدة : أنّ ما كثر استعماله واشتهر وفيه واوان .. يكتب بواحدة فقط ، كداود.

وقد قلت في «منظومة» أنشأتها في «علم الخطّ» [من الرّجز] :

ما كثر استعماله وفيه

واوان .. واو واحد يكفيه

وهي من البلدان القديمة ، نقل الشّيخ المؤرّخ سالم بن حميد : أنّ سيئون ، وتريم ، وشبام ، وتريس أبناء حضرموت ، وأنّ هذه البلاد سمّيت بأسمائهم.

وقد ذكرها الهمدانيّ في «صفة جزيرة العرب» [١٧٠] إلّا أنّه لم يسمّها باسمها ، بل قال : (وشزن وذو أصبح مدينتان في دوعن) اه

وقد استشكلت هذا ردحا من الزّمن (٢) حتّى فرّج الله عنّي بما رأيته منقولا عن أبي شكيل ، عن أبي الحسن أحمد بن إبراهيم الأشعريّ (٣) من قوله : (وذي أصبح وسيئون مدينتان عظيمتان لبني معاوية الأكرمين) ، فدلّ ذلك على قدمهما.

فقول الهمدانيّ : (شزن) .. إمّا غلط منه وإمّا أن يكون عرض بعده التّبديل ، لكن من المعلوم أنّ سيئون منعطفة على الجبل الّذي هي بحضيضه انعطاف اللام. والانعطاف من الانحراف هو الشّزن بنفسه ، قال ابن أحمر [من الوافر] :

ألا ليت المنازل قد بلينا

فلا يرمين عن شزن حزينا

__________________

(١) أكبر بلدان وادي حضرموت ، وهي الآن عاصمة المحافظة ، تبعد عن شبام شرقا نحو (١٨ كم) ، وعن تريم غربا نحو (٣٤ كم).

(٢) الرّدح من الزّمن : المدة الطويلة منه.

(٣) تقدم ذكره في مواضع من الكتاب ، وهو : العلامة الفقيه النحوي اللغوي أحمد بن محمد بن إبراهيم الأشعري ، من أعلام المئة السادسة. أخذ عن الفقيه عمارة اليمني المؤرّخ ، وسكن بلدة القرتب ، ولم تعلم وفاته ، له مؤلفات مفيدة. ينظر : «مصادر الفكر الإسلامي» (٤٥٣) ، «هجر العلم» (١٦٨٤) ، «طبقات فقهاء اليمن» (١٨٤) ، «السلوك» (٢ / ٣٨٠) ، «بغية الوعاة» (١ / ٣٥٦) ، «تاريخ عمارة» (٣٨).


ولعلّ سيئون في القديم كانت كحالها اليوم في الانعطاف على جبلها.

وأمّا قوله : (بدوعن) .. فخطأ ظاهر لا يحتمل التّأويل ، ولهذا تركه أبو شكيل.

وقد يغبّر على قدم سيئون شيئان :

أحدهما : أنّه لا ذكر لها في الحوادث القديمة ، وأوّل ما يحضرني من ذكرها فيها أنّ نهدا اقتسمت السّرير في (سنة ٦٠١ ه‍) فصارت سيئون وحبوظة لبني سعد وظبيان.

وثانيهما : أنّ الجامع الأوّل بسيئون كان صغيرا لا يتّسع لمئتي نفس تقريبا ، ومع ذلك فالّذي بناه هو الشّيخ عبد الله بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن سلمة باكثير ، وهو متأخّر الزّمان ، لم يمت كما في «البنان المشير» [ص ٢٥] إلّا في حدود سنة (٩٢٠ ه‍) وله قصّة مع سيّدنا الشّيخ أبي بكر العدنيّ ابن سيّدنا عبد الله العيدروس لمّا اجتاز بسيئون ، وقد كانت وفاة العدنيّ في سنة (٩١٤ ه‍).

ولكنّ الجواب يحصل عن ذينك الأمرين ، ممّا أجمع عليه المؤرّخون ؛ كشنبل وباشراحيل وغيرهما : أنّ سيئون خربت في سنة (٥٩٥ ه‍) فتحصل أنّها كانت مدينة عظيمة لبني معاوية الأكرمين من كندة ، ثمّ خربت حتّى لم تكن شيئا مذكورا ، ثمّ عادت شيئا مذكورا حتّى دخلت في قسمة نهد سنة (٦٠١ ه‍) ، إن لم تؤل بأرباضها.

ثمّ كانت في أيّام العيدروس (١) المتوفّى سنة (٨٦٥ ه‍) قرية ، كما يعرف من قول السّيّد عمر بن عبد الرّحمن صاحب الحمراء في ترجمته للعيدروس عن عبد الله بن عليّ باسلامة ، وكان من الثّقات : (إنّ العيدروس جاء إلى عنده بمريمه ، فكلّف عليه أن يذهب إلى سيئون ـ وهي قرية من قرى حضرموت ـ ليشفع إلى جعفر بن محمّد الجعفريّ نائب بدر بن عبد الله بن جعفر عليها في إطلاق عليّ باحارثة ، فلم يقبل شفاعته) اه

__________________

(١) أي : الأكبر ، والد العدني المتقدم.


بل سبق في شبام عن الجدّ طه ما يفهم منه أنّها لم تكن في أيّامه إلّا قرية ، مع أنّه متأخّر التّاريخ.

وأخبرني السّيّد عمر بن عبد الرّحمن بن عليّ بن عمر بن سقّاف عن والده : (أنّ سيئون اسم امرأة كان لها عريش في جانب سيئون الغربيّ ، المسمّى اليوم بالسّحيل ، يمرّ عليها أبناء السّبيل المنقطعون ، فسمّيت باسمها البلاد).

وقد يجمع بينه وبين بعض ما تقدّم بأنّ اسم سيئون الأوّل إنّما هو شزن ـ حسبما مرّ عن الهمدانيّ ـ ثمّ خربت ، وكانت المرأة المسمّاة سيئون أوّل من اتّخذت عريشا في أطلالها الدّاثرة .. فغلب عليها اسمها.

وحدّثني السّيّد المؤرّخ الرّاوية محمّد بن عقيل بن يحيى : أنّ سيئون اسم يهوديّ محرّف عن صهيون ، وقد كان مثرى اليهود بسيئون. وصهيون كنيسة بيت المقدس ، وإليها يشير الأعشى في مديحه لأساقفة نجران بقوله [في «ديوانه» ٢٤٣ من الطّويل] :

وإن أجلبت صهيون يوما عليكما

فإنّ رحا الحرب الدّكوك رحاكما (١)

وفي (ص ٣٠٩ ج ٥) من «صبح الأعشى» : (إنّ صهيون بيعة (٢) قديمة البناء بالإسكندريّة ، معظّمة عند النّصارى).

وقبله من تلك الصّفحة ـ في الكلام على بطارقة الإسكندريّة الّذين تنشّأ عن ولايتهم مملكة الحبشة ـ : (إنّ الملك الأكبر الحاكم على جميع أقطارهم يسمّى بلغتهم : (الحطيّ) ومعناه : السّلطان ، وهو لقب لكلّ من قام عليهم ملكا كبيرا. ويقال : إنّ تحت يده تسعة وتسعين ملكا ، وهو تمام المئة. وإنّ الملك الكبير في زمن صاحب «مسالك الأبصار» يقال له : عمد سيئون ، ومعناه : ركن صهيون) اه

وهو كالصّريح في أنّ سيئون وصهيون شيء واحد.

ورأيت في بعض الصّحف أنّ اليهود قدّموا عريضة على يد أحد زعمائهم للسّلطان

__________________

(١) «معجم البلدان» (٣ / ٤٣٦). الحرب الدّكوك : المدمّرة.

(٢) البيعة : متعبد النصارى ، جمعها : بيع ، ذكرت في القرآن الكريم.


عبد الحميد رحمه الله يسترحمونه في أن يعيّن قطعة من فلسطين لسكنى اليهود الّذين قتلهم الضّغط في روسيا وإسبانيا ، وفيها ما صورته : إنّ جمعيّة سيئون الّتي تشكّلت في صهيون بعد الميلاد بمئة وخمسة وثلاثين سنة قد اختارتني للمثول بين يديكم ؛ لأقدّم لكم هذه العريضة. وتسترحم الجمعيّة اليهوديّة من صاحب الجلالة التّكرّم بتخصيص القطعة الفلانيّة ـ وحدّدها ـ لإسكان اليهود.

ونظرا لما انتاب خزينة الدّولة من الضّائقة الماليّة من جرّاء الحرب اليونانيّة .. فإنّ الجمعيّة تقدّم بواسطتي عشرين مليون ليرة ذهبا لصندوق الخزينة على سبيل القرض لمدّة غير معيّنة بدون فائدة ، وخمسة ملايين ليرة ذهبا إلى خزينتكم الخاصّة ، لقاء ما تكرّمتم به من البرّ والإحسان ، وأسترحم قبول هذا العرض.

فلم يكن من السّلطان إلّا أن استشاط غضبا وطرده ، ولكنّ جمعيّة الاتحاد والتّرقّي جعلت ذلك الزّعيم اليهوديّ على رأس الهيئة الّتي جاءت لتبليغ السّلطان خلعه عن العرش ؛ لأنّ ذلك اليهوديّ كان من مؤسّسي تلك الجمعيّة!! وكان نائبا عن سبلانيك في مجلس المبعوثان. اه

ومنه تعرف أنّ سيئون اسم للجمعيّة الّتي ألّفت ، أو للّذين ألّفوها ، أو للمكان الّذي ألّفت فيه.

وقد ملأ العرب اليوم الدّنيا ضجيجا بشأن فلسطين ، وسننظر ـ كما في المثل الحضرميّ ـ أسيادنا آل باعبّاد على الصّراط ، فإمّا سبقناهم على الظّفر ، وإلّا .. كان للنّاس الحقّ أن ينشدوهم ما نكرّره من قول الحطيئة [في «ديوانه» ٤٠ من الطّويل] :

أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم

من اللّوم أو سدّوا المكان الّذي سدّوا

وفي معناه ما أنشده الحجّاج [من الطّويل] :

ألام على عمرو ولو مات أو نأى

لقلّ الّذي يغني غناءك يا عمرو

إذ كان اليهود لا يطمعون في شبر من فلسطين أيّام الأتراك ، وعمّا قليل ينكشف الغبار عمّا في المضمار ، والبيت الّذي يتمثّل به الحجّاج شبيه بقول ابن عرادة السّعدي


وكان بخراسان مع سلمة بن زياد يكرمه وهو يتجنّى عليه ، ثمّ فارقه وصحب غيره فلم يحمد .. فعاد إليه وقال [من الطّويل] :

عتبت على سلم فلمّا فقدته

وصاحبت أقواما .. بكيت على سلم

رجعت إليه بعد تجريب غيره

فكان كبرء بعد طول من السّقم

وقال زياد ابن منقذ العدوي التميمي من قصيدة جزلة أنشأها بصنعاء يتشوق فيها إلى وطنه ببطن الرّمّة ـ وهو واد بنجد [في «ديوان الحماسة» ٢ / ١٥٣ من البسيط]

لم ألق بعدهم حيّا فأخبرهم

إلّا يزيدهم حبّا إليّ هم

وقال أبو العتاهية [في «ديوانه» ١٨ من الطّويل] :

جزى الله عنّي جعفرا بوفائه

وأضعف إضعافا له بوفائه

بلوت رجالا بعده في إخائهم

فما ازددت إلّا رغبة في إخائه

وقال أحمد بن أبي طاهر [من الوافر] :

بلوت النّاس في شرق وغرب

وميّزت الكرام من اللّئام

فردّني الزّمان إلى ابن يحيى

عليّ بعد تجريب الأنام

فإن نجح العرب حسبما يتبجّحون في هذه الأيّام .. فبها ونعمت ؛ لأنّها أمنيّة كلّ مؤمن ، وإلّا .. فما أخذوا إلّا يوم الثّور الأبيض (١) ؛ أي يوم نهض المنقذ ، وكانت نهضته فاتحة هزائم الأتراك الّتي اهتزّت لها منابر الدّنيا بالدّعاء لهم عدّة قرون.

__________________

(١) يوم الثور الأبيض ؛ مأخوذ من المثل : (إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض) قال الميداني في «مجمع الأمثال» (١ / ٢٥): (يروى أن أمير المؤمنين عليا رضي الله تعالى عنه قال : إنما مثلي ومثل عثمان كمثل أثوار ثلاثة كن في أجمة ؛ أبيض وأسود وأحمر ، ومعهنّ فيها أسد ، فكان لا يقدر منهن على شيء ؛ لاجتماعهنّ عليه ، فقال للثور الأسود والأحمر : لا يدلّ علينا في أجمتنا .. إلا الثور الأبيض ؛ فإن لونه مشهور ، ولوني على لونكما .. فلو تركتماني آكله .. صفت لنا الأجمة ، فقالا : دونك فكله ، فأكله ، ثم قال للأحمر : لوني على لونك .. فدعني آكل الأسود لتصفو لنا الأجمة ، فقال : دونك فكله ، فأكله ، ثم قال للأحمر : إني آكلك لا محالة ، فقال : دعني أنادي ثلاثا ، فقال : افعل ، فنادى : ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض.

ثم قال علي رضي الله عنه : «ألا إني وهنت يوم قتل عثمان» يرفع بها صوته).


ولئن لم تكن زنة سيئون في اللّفظ .. فقد كانت على رسمها في الخطّ كما تقدّم أوّل المسوّدة ، وما أكثر التّصحيف في مثل ذلك ، فمهما يكن .. فالأمر قريب من بعضه ، ولا مانع أن تكون المرأة المذكورة في كلام سيّدي عبد الرّحمن بن عليّ يهوديّة ، وبذلك تلتئم أطراف الكلام (١).

ثمّ إنّ سيئون نهضت نهضة سريعة ، ونبتت كما ينبت الحبّ في حميل السّيل ، والدّليل على ذلك : أنّ باني الجامع الكبير الّذي يسع الألوف إلى اليوم .. هو الشّيخ أحمد بن مسعود بن محمّد بن مسعود بن عليّ بن سعد بارجاء بن عبد الله بن عليّ الظّفاريّ العبهليّ المذحجيّ ـ كما مرّ في الشّحر ـ ، كان موجودا في أواخر القرن التّاسع ، بشهادة ما سقناه ب «الأصل» من خبره مع السّلطان بدر بن عبد الله بن علي بن عمر الكثيريّ ، الّذي كانت ولايته في سنة (٨٥٠ ه‍) ، ووفاته في سنة (٨٩٤ ه‍) ، فباكثير باني الجامع الأوّل ، وبارجاء باني الجامع الثّاني متعاصران ، فغاية ما يحتمل : تقدّم الجامع الأوّل بسنوات معدودة ، ومتى عرفت تعاصرهما .. تقرّر لديك أنّ عمارة البلاد حديثة ، وأنّ اتّساعها كان دفعة واحدة في أيّام بدر بوطويرق.

وممّا يؤكّد ذلك : اتّفاقهم على أنّ مقبرة سيئون في شرقيّها. أمّا نسبتهم تلك المقبرة إلى الشّيخ عمر بامخرمة :

فإمّا أن يكون المراد جانبها الشّرقيّ منها فقط. وإمّا أن يكون للشّهرة ، وإلّا .. فآل بارجاء كانوا متقدّمين عليه.

وكان الشّيخ سعد بارجاء موجودا بسيئون من أوائل القرن السّابع ، وكانت وفاة عمّه تاج العارفين سعد الظّفاريّ بالشّحر سنة (٦٠٩ ه‍).

__________________

(١) قال بعض الباحثين : إن أسماء بلدان حضرموت استوقفت بعض الباحثين أو المستشرقين عندها ، لأنها في اعتقادهم تمثل حقبا زمنية متفاوتة مرت على حضرموت.

فمن هذه الأسماء : سيئون ، وريبون ، ودمّون ، وخودون ، وسمعون ، ونفحون ، ونظيراتها.

ومنها : سيحوت ، ريسوت ، يعشوت ، خيصوت ، دمقوت ، خرفوت ، ومثيلاتها. وخلص الباحثون أولئك إلى أن الواو والنون ، والواو والتاء .. إنما هي بمثابة (أل) التعريفية ، وأنها اختلفت باختلاف الزمان والمكان ، والله أعلم بحقيقة الأمر.


وكان الشّيخ سعد بارجاء من المشهورين بالفضل ، نجع هو وعمّه الشّيخ سعد بن عليّ الظّفاريّ من ظفار إلى الشّحر ، واستوطنها أيّام كانت خصاصا (١) قبل أن تكون مدينة ، وأشار على ابن أخيه سعد هذا أن يذهب إلى أرض لا يكون له بها شأن ، فكانت سيئون ؛ لأنّها لم تكن إذ ذاك إلّا صغيرة جدّا.

ولا يشوّش على قولنا : (أنّ سيئون اتّسعت دفعة). ما سبق عن الجدّ طه ، ممّا يفهم استصحاب اسم القرية عليها ؛ لاحتمال أنّه باعتبار ما كان.

وكان الشّيخ أحمد بن مسعود ـ باني جامع سيئون الثّاني ـ أحد مشايخ سيئون المشهورين ، وله بها آثار ، منها : الجامع المذكور ، وقد زاد فيه الشّيخ عليّ بارجاء صفّين في جهته الغربيّة أيّام السّلطان عمر بن بدر ـ أي : في القرن الحادي عشر ـ في أرض اشتراها من صلب ماله ، ثمّ زاد فيه السّيّدان محمّد بن سقّاف بن محمّد وعبد الرّحمن بن عليّ بن عبد الله آل السّقّاف زيادات قليلة ، ثمّ زاد فيه السّيّد حسين بن عليّ سميطة ثلاثة صفوف في جانبه الشّرقيّ ، ثمّ جدّدت عمارته على عهد جدّنا محسن بن علويّ بن سقّاف ، وهي الموجودة إلى الآن ، وكانت النّفقة من الأمير عبد الله بن عليّ العولقيّ السّابق ذكره في الحزم وصداع ، يرسلها من حيدرآباد الدّكن إلى يد الجدّ رضوان الله عليه.

ثمّ زاد فيه السّيّد الجليل أحمد بن جعفر بن أحمد بن عليّ بن عبد الله السّقّاف المتوفّى بسيئون سنة (١٣٢٠ ه‍) رواقا في جانبه الغربيّ الجنوبيّ.

وفي آل بارجاء كثير من العلماء والصّلحاء.

منهم : الشّيخ عمر بن عبد الرّحيم بن عمر بن عبد الرّحمن بارجاء ، مؤلّف «تشييد البنيان» ، وهو كتاب حافل في ربع العبادات ، نقل فيه نقولا كثيرة الفائدة ، فرغ منه في سنة (١٠٣٦ ه‍).

__________________

(١) الخصاص : البيوت المصنوعة من القصب ، سمّيت بذلك لما فيها من الخصاص وهي الفرج والأنقاب.


ومنهم : الشّيخ عمر بن عبد الرّحيم ، المشهور بقاضي ظفار (١).

ومنهم : الشّيخ عبد الجامع بن أبي بكر بارجاء ، ذكره الشّلّيّ وأثنى عليه ، توفّي بمكّة سنة (١٠٨٢ ه‍) وترجم له المحبيّ في «الخلاصة» [٢ / ٢٩٨].

ومنهم : الشّيخ محمّد بن محمّد ، خطيب جامع سيئون ، كان شهما صلبا ، عارفا بالقراءات والتّجويد ، إلّا أنّه كان يأكل طعام الدّولة فأنكروا عليه ؛ إذ كان أكل طعامهم من أكبر المنكرات لذلك العهد الصّالح ، توفّي سنة (١٣٢٨ ه‍).

ومنهم : الشّيخ أحمد بن محمّد بارجاء ، تولّى القضاء مرّات بسيئون ، وكانت له بها خطابة الجامع. وكان سخيّا ، دمث الأخلاق ، ليّن الجانب ، خفيف الرّوح ، فقيها مشاركا في بعض الفنون ، وكان ممّن يحضر عليّ وله مكارم ومبرّات كثيرة. توفّي برمضان من سنة (١٣٣٤ ه‍) ، وله أولاد كثيرون ، كان أحبّهم إليه سالم ومحمّد. وكانت له ثروة بجاوة فأتلفوها عليه ، وقد أدركه ابنه الصّالح سعيد بجميل المواصلة وغزير المواساة.

وكان سعيد هذا من المثرين بالصّولو من أرض جاوة ، فأنفق ماله في بذل المعروف ، ولا سيّما للسّادة آل الحبشيّ وآل العطّاس ، حتّى لقد كان يشتري من بعضهم عسلا بأغلى ثمن ، ثمّ يقدّمه له كلّ يوم مع اللّحم الحنيذ (٢) إلى أن ينفد ، وقد أملق بعد ذلك فلم يشنه الفقر ؛ لغناه بالله ، ولأنّه لا أهل له ولا عيال. وقد كمّت الأفواه عن المصارحة بالحقّ ، ولكنّه رافع العقيرة بإنكار المنكر حسب جهده ومعرفته ، لا يحابي ولا يداهن ، جزاه الله خيرا.

وأمّا آل باكثير : فأكثر أعقابهم بتريس ، حسبما سبق فيها ، ومنهم جماعة بمكّة المشرّفة ، ولا يزال بعضهم بسيئون ، ولهم بها مآثر ومساجد.

ومن آخرهم بها : الشّيخ محمّد بن محمّد باكثير (٣) ، كان عيبة علوم ، ودائرة

__________________

(١) وهو من شيوخ العلامة الشلي ، ذكره في «المشرع» عرضا ، وترجم له في «عقد الجواهر».

(٢) اللّحم الحنيذ : المشويّ.

(٣) ولد بسيئون سنة (١٢٨٣ ه‍) ، وبها توفي في (١٣) محرم (١٣٥٥ ه‍) ، ترجمته حافلة في كتابه


معارف ، وعنه أخذت علم النّحو والصّرف ، وكان يؤثرني ويقدّمني على النّاس ، حتّى لقد قال لي مرّة ـ عن تدبير والدي ـ : (إن حفظت لاميّة الأفعال .. فلك ريال) فقرأتها عليه في الصّباح ، ثمّ قلت له من العشيّ : اسمعها. وسردتها عن ظهر قلب وتسلّمت الرّيال ، غير أنّ همّتي كانت ضعيفة في الصّرف ولا سيّما القلب والإبدال فتفلّت عنّي أكثره.

وكان الشّيخ ـ رحمه الله ـ متخصّصا في هذين العلمين ، كثير الإكباب عليهما ، والولوع بهما والبحث فيهما ، وله مؤلّفات عديدة وأشعار كثيرة (١).

وكان شديد التّعلّق بوالدي (٢) ، جمّ القراءة عليه. ثمّ كان يحضر دروسي في التّفسير والفقه والحديث ، ولقد زارني مرّة في سنة (١٣٥٢ ه‍) فقال : (لقد عددنا ستّين ماتوا ممّن كانوا يحضرون دروسك الشّيّقة). توفّي على أبلغ ما يكون من الثّبات بسيئون أوائل سنة (١٣٥٥ ه‍) (٣).

ومنهم : أخوه أحمد بن محمّد باكثير ، كانت له خيرات ومبرّات ، وصلة أرحام ، وكفالة أيتام ، وقضاء حاجات ، وتفريج كربات ، توفّي بسيئون سنة (١٣٤٣ ه‍) (٤).

ومنهم : ولده عبد القادر ، كان تقيّا ، متشدّدا في العبادة ، متحرّيا في الطّهارة ، آخذا بالعزيمة ، سريع الحفظ ، يكاد يحفظ من مرّة واحدة ، وهو الّذي جمع بعض ما كنت أرتجله في المحافل المشهودة من الخطب الطّويلة ، وكنت أظنّه الشّيخ محمّدا ، لأنّه هو الّذي دفعها إليّ حتّى أخبرني ولده الأديب عمر بن محمّد بأنّ الجامع

__________________

«البنان المشير» ، و «تاريخ الشعراء» (٥ / ١٠٤ ـ ١٢١).

(١) عدد تلميذه السيد عبد الله السقاف (٢٣) مؤلفا من مؤلفاته. ينظر «الشعراء» (٥ / ١٠٩ ـ ١١٠) (٢) ومن ثمرات هذا التعلق : تلك الوصية العظيمة التي كتبها الحبيب عبيد الله ـ والد المؤلف ـ للمترجم ، بلغت مجلدا كبيرا ، عدد صفحاته (٣٩٧) صفحة بالخط العادي ، مؤرخة في محرم (١٣١٨ ه‍).

(٣) وقصة وفاته : أنه كان جالسا في مجلس الدرس ، يقرأ عليه القارىء في «الجامع الصغير» للسيوطي ، فلما بلغ حديث : «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» .. نطق بها ومات لتوه.

(٤) ترجمته في «البنان» (١٥٢ ـ ١٧٥).


إنّما هو عبد القادر بن أحمد ، بمساعدة من الشّيخ محمد في تحرير الآيات والأبيات والأحاديث فقط. توفّي بجاوة في حدود سنة (١٣٤٤ ه‍) (١).

وآل باكثير كلّهم على جانب عظيم من الذّكاء وقرض الشّعر ، ولعمر بن محمّد (٢) شعر جيّد ، وحامل لواء شعرهم اليوم هو : الشّيخ عليّ بن أحمد باكثير (٣) ، نزيل مصر ، وأنا مع حبّي له عاتب عليه ؛ لأنّني أرسلت إليه مسوّدة «العود الهنديّ» (٤) فلم يردّها ، وطبع لي محاضرة مسلّمة النّفقة ولم يدفع لأمري إلّا نحو ثلاث مئة نسخة فقط ، وكان كلّ ذلك في سنة (١٣٥٥ ه‍) ، غير أنّني أحلت السّيّد عبد الله بن محمّد بن حامد السّقّاف ليقبض الجميع منه ، ثمّ كاتبت وطالبت الاثنين حتّى عييت بدون جدوى ولا جواب ، فأحدهما أو كلاهما ملوم ، وكان الواجب على كلّ منهما أن يبرّىء نفسه ، وأن يؤدّي الأمانة من كانت عنده (٥).

ومن أكابر من تديّر سيئون : الشّيخ عمر بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بامخرمة (٦) ، السّيبانيّ الهجرانيّ ، ترجمه الشّليّ في «السّنا الباهر» (٧) ترجمة

__________________

(١) ولد عبد القادر بن أحمد في سربايا سنة (١٣١٦ ه‍) ، وسمّاه الحبيب محمد بن طاهر ، وتوفي بها في (٢٨) جمادى الآخرة (١٣٤٥ ه‍) ، وله ولد على اسم أبيه. «البنان» : (١٧٦).

أما ابنه أحمد هذا .. فولد سنة (١٣٤٤ ه‍) ، ترجم له معاصره الصبّان في كتابه : «الحركة الأدبية في حضرموت» (١٨٦).

(٢) ولد عمر بن محمد سنة (١٣٢٠ ه‍) ، ترجم له والده في «البنان» ، والصبان في «الحركة الأدبية» (١٧٨) ، وكانت وفاته سنة (١٤٠٥ ه‍) بعد طبع «البنان».

(٣) شاعر حضرموت الشهير ، ورائد القصة المسرحية في العالم العربي ، ولد بسربايا حدود (١٣٢٠ ه‍) أو قبلها ، وتوفي بمصر سنة (١٣٨٩ ه‍) ـ (١٠) نوفمبر (١٩٦٩ م). ترجم له عمه الشيخ محمد في «البنان» ، وكتب عنه د. محمد أبو بكر حميد في مقدمة ديوان «أزهار الربى في شعر الصبا» ، والزركلي في «الأعلام» (٤ / ٢٦٢).

(٤) وبحمد الله تمت طباعته محققا مرتبا ، بدار المنهاج بجدة ، وصدر في (٣) مجلدات.

(٥) توفي المذكوران بعد المؤلف ؛ فالسيد عبد الله توفي سنة (١٣٨٧ ه‍) ، وباكثير بعده بسنتين.

(٦) الشيخ عمر بامخرمة ولد سنة (٨٧٠ ه‍) ، وتوفي بسيئون سنة (٩٥٢ ه‍) في يوم السبت (٢٠) ذي القعدة الحرام ، تقدم ذكر والده وإخوته في الهجرين. ومن مراجع ترجمة الشيخ عمر : «تاريخ بافقيه» (٣١٢) ، و «السنا الباهر» ، و «الشعراء» (١ / ١٣٠) ، وغيرها.

(٧) في حوادث سنة (٩٥٢ ه‍).


طويلة ، وذكر أنّ فقهاء عصره أنكروا عليه بعض الأحوال ، منها : أنّه يحضر أغاني الفتايا ويجلس إليهنّ وأنّهنّ ممّن يضرب الدّفوف ويغنّي بين يديه في المواكب والمجالس.

ولذا لم يذكره ولده عبد الله في «ذيل طبقات الفقهاء» للإسنوي ، وذكر أخاه الطّيّب ، مع أنّه لا يزيد عليه فقها. ونقل تلك التّرجمة بأسرها سيّدي عمر بن سقّاف في كتابه «تفريح القلوب».

وما صنعه عبد الله بن عمر من إغفال ذكر والده يدلّك على تحرّ شديد وحيطة هائلة ، وماذا عليه لو ذكر فقهه وأشار إلى بعض أحواله؟ غير أنّ فرط إنصافه ذهب به إلى أن يتصوّر أنّ ذكر أبيه مع ما ينكر عليه يوقعه في شيء من الهوادة ، وهو ينزّه عدالته عن كلّ ما يعلق بها من الرّيب أو يمسّها من التّهم ، وإنّه لمقام صعب إلّا على من وفّقه الله ، فلهو أحقّ بقول حبيب [أبي تمّام في «ديوانه» ٢ / ١٧١ من الكامل] :

ويسيء بالإحسان ظنّا لا كمن

هو بابنه وبشعره مفتون

أخذ عنه جماعة من العلويّين ، منهم : الشّيخ أبو بكر بن سالم. والشّيخ أحمد بن حسين العيدروس.

وأخذ هو عن جماعة من العلماء (١) ، منهم : سيّدنا أبو بكر العدنيّ ، لكن لم يحمد بينهما المآل ، لأنّ الشّيخ عبد الله باهرمز لم يقبل تحكّم الشّيخ عمر له إلّا بشرط أن يسمع العدنيّ ما يكره ، ففعل ، وساءت بينهما الحال حتّى لقد كان الشّيخ يمدح بدر بن محمّد الكثيريّ والعدنيّ يهجوه ، والعدنيّ يمدح السّلطان عامر بن عبد الوهّاب ويذمّ البهّال (٢) ، والشّيخ عمر بعكسه.

ولمّا جرت الحادثة الهائلة على البهّال .. عدّها الغواة من هواة الخوارق من كرامات العدنيّ ، ثمّ لمّا قتل عامر شرّ قتلة .. عدّها الآخرون في كرامات الشّيخ عمر.

__________________

(١) ومن شيوخه : الشيخ عبد الرحمن الأخضر باهرمز ، (ت ٩١٤ ه‍) ، المتقدم ذكره في هينن.

(٢) البهّال هو شريف بيحان وحاكمها.


وما أحسن قول ابن نباتة : (والله .. لا يضرّ ولا ينفع ، ولا يضع ولا يرفع ، ولا يعطي ولا يمنع .. إلّا الله).

وكنت أظنّ النّفرة استحكمت بين العلويّين وآل بامخرمة في عهده وعهد ولده عبد الله إلى حدّ بعيد ، حسبما أشرت إلى ذلك في «الأصل» ، ويتأكّد ذلك بالقصّة الآتية له مع السّيّد علويّ بن عقيل في العرّ من ضرب السّيّد علويّ بن عقيل الشّيخ عمر بالنّعال ، وما بعد ذلك من هوادة ولا حفظ لخطّ الرّجعة.

لا سيّما وقد نقل سيّدي عليّ بن حسن العطّاس عن القطب الحدّاد ما يقتضي انحصار أخذ الشّيخ عمر بامخرمة على الشّيخ عبد الرّحمن باهرمز وأن لا شيخ له من العلويّين.

ولا ينتقض ذلك بما كان من أخذه عن العدنيّ ؛ لأنّه لم يدم ، بل بطل حكمه ، وقد أشرت إلى جميع هذا في «الأصل» وربّما كان مبالغا فيه ، وقد عوّض الشّيخ عمر عمّا لحقه من جفاء العلويّين في زمانه بما كان من إصفاق أعقابهم على فضله والولوع بديوانه وقد أطنب سيّدي عمر بن سقّاف في مدحه.

أمّا أشعار الشّيخ عمر بامخرمة .. فألذّ من الوصال ، وأحلى من السّلسال ، وفيها فراسات صادقة عن أمور متأخّرة ، كما يعرف ذلك بالاستقراء (١). ولم يزل بسيئون تحت الضّغط والمراقبة من بدر بوطويرق (٢) ، لا من النّاحية الّتي ينكرها عليه الفقهاء ، ولكن لما على كلامه من القبول : وله من التّأثير ؛ فهو يخشى أن يحرّض عليه ، فتتنكّر له النّاس (٣) ، على أنّ ذلك وقع عليه مع شدّة تحرّيه ، فثار عليه ولده (٤) ، وألقى القبض عليه ، وسجنه حتّى مات بغيظه مقهورا في سجنه سنة (٩٧٧ ه‍).

__________________

(١) وشعره مجموع في دواوين ، والمسموع من أفواه الشيوخ أن شعره كله يزيد على (٢٠) ديوانا.

والموجود حاليا من شعره مجلدان مخطوطان متداولان بين الناس ، ويقال : إنها تصل إلى عشرة مجلدات.

(٢) تماما كما فعل بدر مع الشيخ معروف باجمال في شبام ، كما مر فيها.

(٣) أي : لبدر بوطويرق.

(٤) أي : عبد الله بن بدر .. انظر مادة مريمه.


وما كنت أدري أنّ للشّيخ عمر بامخرمة حشما وأبّهة وأتباعا إلّا من قصّته السّابقة في هينن مع الشّيخ حسين بن عبد الله بافضل ، فإمّا أن تكون قبل المراقبة عليه ، وإمّا أن تكون المراقبة محدودة بما يخشى منه الثّورة.

وكانت وفاة الشّيخ حسين كما في «النّور السّافر» سنة (٩٧٩ ه‍).

وكانت وفاة الشّيخ عمر بامخرمة بسيئون في سنة (٩٥٢ ه‍) ، وكان السّيّد زين بن عبد الله بن علويّ الحدّاد كثير المدح له والثّناء عليه ، وما أكثر ما يتمنّى أن يدفن بجواره (١).

وفي غربيّ قبره : ضريح الشّيخ أحمد مسعود بارجاء ، باني الجامع الثّاني السّابق ذكره.

وفي غربيّه إلى الجنوب : مقبرة آل باحويرث ، كان فيهم كثير من الأخيار ، يكثرون العبادة ، ويحافظون على الصّلاة ، وأظنّهم على اتّصال في المناسب بآل حويرث السّابق ذكرهم في الخريبة.

وكانت أمّ جدّنا عليّ بن عبد الرّحمن السّقّاف من آل ثبتان ، وهم من سيئون.

وكان جدّنا عمر الصّافي (٢) بن عبد الرّحمن المعلّم بن محمّد بن عليّ بن عبد الرّحمن السّقّاف يتردّد من تريم إلى سيئون بسبب أنّ أحد محبّيه من تريم انتقل منها إليها ، ولمّا علم بدر بوطويرق بتردّده .. أمر ذلك الرّجل أن يزيّن له الزّواج بسيئون ، فما زال به حتّى اقترن بسلطانة بنت محمّد بانجّار ، من قوم يرجعون إلى نجّار بن نشوان من بني حارثة ، وقد اختلف في بني حارثة : فقيل : كنديّون. وقيل : مذحجيّون (٣).

وكانت لآل بانجّار دولة ببور فانمحت بدولة آل كثير وصاروا سوقة بسيئون وغيرها.

وقد ولد لجدّنا عمر ولده طه من سلطانة المذكورة ، ونشأ في حجر أمّه بسيئون ،

__________________

(١) ولكنه مات بعمان بجزيرة الصير سنة (١١٥٧ ه‍).

(٢) توفي الحبيب عمر الصافي بتريم ، ودفن بها ، ولم تؤرخ وفاته.

(٣) وزاد المقحفي في «معجمه» : ذكر انتسابهم لبني زياد الخولانيين (٢ / ١٧١٨).


ولمّا شبّ .. ذهب إلى تريم ، فضجّ آل سيئون وراجعوه ، فعاد وتزوّج بها وبنى بها مسجده المشهور ، ولم يزل بها منفردا بالسّيادة إلى أن توفّي سنة (١٠٠٧ ه‍).

وله ابن اسمه : عمر ، له حالات شريفة ، طلب العلم ، ثمّ غلب عليه التّصوّف ، وأكبّ على «رسالة القشيريّ» ، ونقلها بخطّه ، وكتب سبعة كراريس منها في يوم واحد.

وكان له اتّصال أكيد بالسّادة آل عبد الله بن شيخ العيدروس في تريم ، لا ينزل هناك إلّا عليهم. وله عبادات جليلة ، وأوقات موزّعة ، توفّي بسيئون سنة (١٠٥٣ ه‍) (١).

وهو والد العلّامة الجليل طه بن عمر الثّاني ، المتوفّى بسيئون سنة (١٠٦٣ ه‍) المترجم له في «المشرع» [٢ / ٢٨٥] ، ورثاه جماعة من الشّعراء ، فكانت أبلغ مرثيّة فيه للشّيخ عمر بن محمّد باكثير.

وخلفه ولده عمر ، توفّي بمكّة سنة (١٠٨٥ ه‍) ، وسنّه سبع وعشرون سنة ، وخلفه ابنه محمّد بن عمر بن طه بن عمر.

وقد رسخت أقدام هذا البيت بسيئون ، غير أنّهم كانوا لا يزيدون على سبعة ، متى وجد لأحدهم ذكر .. مات أحد السّبعة حتّى كانت أيّام الجدّ سقّاف بن محمّد بن عمر بن طه المتوفّى سنة (١١٩٥ ه‍) (٢) ، فبدؤوا يتكاثرون ، ولم يمت إلّا وقد بلغوا الثّلاثين ، إلّا أنّ عصاهم انشقّت ، وأمرهم انفرج ، وكانوا ـ وهم قليل ـ خيرا منهم بعدما كثروا ، ولله درّ حبيب حيث يقول [في «ديوانه» ١ / ٣٣٠ من البسيط] :

إنّ الكرام كثير في البلاد وإن

قلّوا ، كما غيرهم قلّ وإن كثروا (٣)

__________________

(١) هو الحبيب عمر بن طه بن عمر الصافي الأول ، ولد بسيئون سنة (٩٩٠ ه‍) ، وبها توفي ضحى السبت (٢٠) جمادى الثانية (١٠٥٣ ه‍).

(٢) الحبيب سقاف بن محمد ، كان عالما شريفا عفيفا ، تولى القضاء ، وتولاه بعده عدد من أولاده ، أفرده بالترجمة ابنه حسن وهي المسماة : «نشر محاسن الأوصاف» ، وقد طبعت في مجلّد صدر عن دار المنهاج.

(٣) المعنى : إنّ الكرام لهم شأن عظيم وإن كان عددهم قليلا ؛ فهم قليلو العدد كثيرو الفائدة ، على العكس من اللّئام ؛ فإنّهم وإن كثر عددهم .. لكنّ فعلهم قليل ، ولا تأثير له.


والشّريف الرّضيّ حيث يقول [في «ديوانه» ١ / ٥٢٨ من البسيط] :

قلّوا عناء وإن أثرى عديدهم

وربّما قلّ أقوام وإن كثروا

وهو بيت طيّب ، مغرس علم ، ومنبت صلاح ، سيماهم التّواضع ، وشأنهم الخمول ، يقضون حوائجهم بأنفسهم ، ولا يتميّزون عن أحد من النّاس إلّا بالعلم إذا سئلوا عنه أو تفتّحوا في الدّروس.

وكان نجوعهم من تريم على حين خلل بدأ في طريق العلويّين ، كما يعرف من «الفوائد السّنيّة» لسيّدي أحمد بن حسن الحدّاد ، ومن «العقود اللّؤلؤيّة» (١) للعلّامة السّيّد محمّد بن حسين الحبشيّ ، فانحفظت طريقهم بسيئون عن ذلك الخلل ، وبقوا على ما كان عليه أوّلوهم من التلزّم بالفقه ، حسبما قلت من قصيدة أردّ بها على بعض المغترّين من أهل البدع والرّئاسات [في «ديوان المؤلّف» ق ١٩٢ من البسيط] :

سل من أردت فقد كانت أبوّتنا

على طريق من الإنصاف محمود

طريقة من قذى الأوهام صافية

ومنهل من زلال الفقه مورود

لا يدخل مسجدهم طبل ولا يراع (٢) ، ولقد عمل الشّيخ عوض جبران تابوتا لقبر جدّي المحسن فمنعته من وضعه عليه.

وكانوا يتوسّعون في الفقه ، ويشاركون في التّفسير والحديث ، وليس عندهم من علوم العربيّة إلّا القليل ، ولبعضهم أشعار لا تنتهي إلى إجادة. ولهم من الأعمال الصّالحة وتحمّل المشاقّ في مجاهدة النّفوس ما لو لم أره عيانا في مثل والدي .. لم يكن لي بما يذكر عن السّلف سبيل إلى التّصديق ، لكن جاء العيان فألوى بالأسانيد.

فلقد نشأ والدي في طاعة الله (٣) ، لهوه التّحنّث مع أتراب له في جبال سيئون ،

__________________

(١) اسمه كاملا : «العقود اللؤلؤية في بيان طريق السادة العلوية». طبع ضمن مجموع بالمطبعة الشرفية بمصر سنة (١٣٢٨ ه‍) ، على نفقة السيد شيخ بن محمد الحبشي ابن مؤلفه ، يقع في (٣٠) صفحة.

(٢) اليراع : قصبة يزمّر بها ، وقد يقال لها : الشبابة ، أو المدروف ، أو الناي.

(٣) أي : الحبيب العالم الورع الزاهد الإمام عبيد الله بن محسن بن علوي بن سقاف ، ولد سنة


وكان يكتفي بوجبة ويتصدّق بالأخرى ، حتّى علم به أبوه لمّا كان يذهب بها من مخترفهم إلى من كانوا يعتادونه منه بالبلد ، فنهاه.

ومنذ عرفته وهو يقوم من النّوم قبل انتصاف اللّيل فيخفّ إلى الطّهارة ، ثمّ يصلّي سنّتها ، ثمّ الوتر إحدى عشرة بحسن قراءة وطول قيام ، ثمّ يقرأ حصّة من القرآن بصوت شجيّ ، ثمّ يأخذ في الأوراد والمناجاة ، وكثيرا ما يقول في آخر دعائه :

اللهمّ ؛ ارحمنا إذا عرق منّا الجبين ، وانقطع منّا الأنين ، وأيس منّا الطّبيب ، وبكى علينا الحبيب.

اللهمّ ؛ ارحمنا يوم نركب على العود ، ونساق إلى اللّحود.

اللهمّ ؛ ارحمنا إذا نسي اسمنا ، واندرس رسمنا ، وفنينا وانطوى ذكرنا ، فلم يزرنا زائر ، ولم يذكرنا ذاكر.

اللهمّ ؛ ارحمنا يوم تبلى السّرائر ، وتكشف الضّمائر ، وتوضع الموازين ، وتنشر الدّواوين.

ومتى جاء فصل الصّيف والخريف .. كان تهجّده على سطح مصلّاه أو في بطن مسيله ، فكأنّما تؤوّب معه الجبال (١) ، وتكاد تنقدّ لخشوعه الصّدور وتتفطر المرائر (٢) ، ثمّ يصلّي الصّبح ونافلته ، ويأخذ في أذكار الصّباح ، حتّى إذا أسفر الأفق .. نبّهني وأعاد معي الصّلاة وجلس يقرئني إلى أن ترتفع الشّمس قدر رمح ، فيصلّي سبحة الضّحى ثمانيا ، وتارة يختصّ الإشراق بركعتين ؛ إذ المسألة خلافيّة ، فالّذي في «الإحياء» [١ / ٣٣٧] أنّ صلاة الإشراق غير صلاة الضّحى ، وجرى عليه في «العباب» [١ / ٢٦٣] و «التّحفة» [٢ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨].

__________________

(١٢٦١ ه‍) ، وتوفي سنة (١٣٢٤ ه‍). «التلخيص الشافي» (١٣٢ ـ ١٣٧) ، «تاريخ الشعراء» (٤ / ١٧٠ ـ ١٧٦).

(١) تؤوّب معه : تردّد معه بالتّسبيح ، وهو من قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)

(٢) جمع مرارة ، كناية عن شدة الهلع.


وقال ابن زياد في «فتاويه» : ويظهر عدم الاكتفاء في نيّتها بمطلق الصّلاة ؛ لأنّها ذات وقت كالضّحى ، وقال في «الإمداد» : وهي غير الضّحى على ما قاله في «الإحياء».

فتبرّأ منه ، واعتمد في «الإيعاب» أنّها من الضّحى وأنّ مقتضى المذهب امتناع فعلها بنيّة الإشراق ، وعليه الرّمليّ في «النّهاية» ، ومال إليه السّيّد عمر البصريّ.

ثمّ يتناول ما تيسّر من الفطور ويعود إلى مصلّاه الّذي بناه في سنة (١٣٠٠ ه‍) ، ووقف منه قطعة صغيرة للمسجديّة علينا وعلى ذرّيّاتنا فقط ؛ ليصحّ الاعتكاف فيه ، فيجلس للتّدريس به لأناس مخصوصين ؛ هم : السّيّد سقّاف بن علويّ بن محسن (١) ، والسّيّد عبد الله بن حسين بن محسن (٢) ، والشيخ عمر عبيد حسّان (٣) ، والشّيخ محمّد بن محمّد باكثير ، والشّيخ محفوظ بن عبد القادر حسّان (٤) ، وأمّا الشّيخ محمّد بن عليّ الدّثنيّ .. فإنّه لزيمه.

وكلّ هؤلاء حضر بعض دروسي في التّفسير والشّمائل والفقه بسيئون ، إلّا السّيّد سقّاف بن علويّ فإنّما حضر دروسي بسربايا من أرض جاوة في سنة (١٣٣٠ ه‍).

فإذا قضى أولئك دروسهم .. استدعاني ليباشر تعليمي بنفسه بعقب انصراف المخصّصين لتعليمي في محلّنا ؛ إذ كان يحميني عن مخالطة أبناء النّاس ، ويسرّب إليّ أولادا في سنّي يرضاهم للّعب معي ، يراقب أخلاقهم وأحوالهم بنفسه ، منهم السّيّد علويّ بن حسين بن محسن ، ومنهم : سالم بن حسن بن محمّد حسّان.

__________________

(١) ابن عم المؤلف ، ولد بسيئون ، وطلب العلم بها ، هاجر إلى إندونيسيا ، وكان له بها نفع ، فتولى منصب قاضي العرب بسورابايا ، وتوفي بها سنة (١٣٣٦ ه‍). «التلخيص» (١٦١).

(٢) ابن عم المؤلف أيضا ، ولد سنة (١٢٨٨ ه‍) ، وتوفي في (٨) رجب (١٣٤٩ ه‍) ، كان عالما زعيما ، قاضيا مصلحا حكيما ، وعرف أولاده بآل القاضي ، ومن ذريته : السيد العلامة علوي بن عبد الله ، المتوفى سنة (١٣٩١ ه‍) بمصر مؤلف كتاب : «التلخيص الشافي في تاريخ آل طه بن عمر الصافي» ، وشيخنا الحبيب العلامة علي بن عبد الله المتوفى بجدة في محرم سنة (١٤٢٣ ه‍) ، تراجمهم في «التلخيص» (١٤٥ ـ ١٦١).

(٣) توفي بسيئون سنة (١٣٥٦ ه‍).

(٤) المعروف بقاضي شبام ؛ لإقامته مدة بها في عمل القضاء ، ثم عاد إلى سيئون ، وتوفي بها ، لعله حدود (١٣٤٨ ه‍).


ومتى فرغ من درسي .. جاء إليه الدّثنيّ يقرأ عليه إلى قريب الظّهر ، عندئذ يتناول ما تيسّر من الغداء ، ثمّ يقيل نصف ساعة أو أقلّ ، ثمّ يتهيّأ للظّهر فريضة ونوافل ، وبعد أن يفرغ فتارة يحضر عليه أولئك الرّهط فيقرؤون ، وتارة يدخل إلى أهله ، وهناك تحضر الوالدة (١) بكتابها فتقرأ عليه ، كلّما انتهت من كتاب .. شرعت في آخر ؛ لأنّها كانت مشاركة في العلم ، وأحيانا يضرب السّتر ويأتي الدّثنيّ بكتابه وسيدتي الوالدة من ورائه إلى أن تجب العصر ، فيقوم إلى مصلّاه ويؤدّيها نافلة وفريضة بطهر مجدّد ، ثمّ يشتغل بشيء من الأوراد والحزوب ، ثمّ أحضر بكتابي فأقرأ درسا ، ثمّ أنهض للّعب مع أصحابي المخصّصين لذلك ، وكثيرا ما يزورنا ويراقبنا ، وربّما شاركنا ؛ تطييبا لأنفسنا دقيقة أو دقيقتين.

يروع ركانة ويذوب ظرفا

فما تدري أشيخ أم غلام (٢)

ثمّ يحضر الدّثنيّ إلى المغرب ، وعند ذاك يستأنف الطّهارة ، ثمّ يؤدّي المغرب بنوافلها الرّاتبة وغيرها ، ثمّ أحضر بكتابي فأقرأ درسا خفيفا ، ويخلفني الدّثنيّ في القراءة إلى العشاء ، وقد يحضر السّابقون في هذا الوقت وغيرهم فيكون درسهم واحدا.

ثمّ يؤدّي العشاء بدون تجديد طهارة ، ثمّ يصلّي راتبته ، ويشتغل بأذكار المساء ، ثمّ يتناول العلقة من الطعام ، ثمّ يأخذ مضجعه وقد غلب عليه الخوف من الله والشّوق إليه ، فقلّما يطمئنّ به مضجعه ، وهكذا دواليك.

وقد انطبعت نفسه ـ ورسخت أعضاؤه على اتّباع السّنّة في يقظته وانتباهه ، وقيامه وقعوده ، ومدخله ومخرجه ، وقضائه للحاجة ، وأكله وشربه ـ انطباعا لا يحتاج معه إلى تكلّف ، بل كثيرا ما أراه يتضجّر من النّهار ، ولا سيّما إذا كثر عليه الواردون ـ مع أنّ كلامه معهم لا يخرج عن التّمجيد والتّحميد ، والتّعريف والتّوحيد ، والوعظ الّذي

__________________

(١) هي الشريفة نور بنت محمد بن سقاف مولى خيلة.

(٢) البيت من الوافر ، وهو لأبي الطيّب المتنبّي في «العكبريّ» (٤ / ٧٥). يروع : يفزع. الرّكانة : الوقار. الظّرف : الحسن.


يلين له الحديد ـ فيحنّ إلى اللّيالي حنين الصبّ المشتاق إلى حبيبه القادم بعد طول الفراق ؛ لما يجده من لذّة العبادة ، وحلاوة التّلاوة ، وعذوبة المناجاة الّتي أشار إلى مثلها ابن القيّم في (ص ٣٣١) من «إغاثة اللهفان».

ومع ذلك فقد كان يتململ لما يجد من تلك اللّذة خوفا أن ينقطع بها عن المقصود ، أو تكون حظّه من العمل ، وكان يحكي مثل ذلك عن أبيه. وأقول : أمّا خوف الانقطاع بها عن المقصود .. فممكن ، وأمّا أن تكون حظّه من العمل .. فلا ؛ لأنّها بعض ثمرته المعجّلة.

وكان آية في عزّة النّفس والصّدع بالحقّ والشّدّة فيه والغيرة عليه ، إلى بسطة كفّ ، وفرط رحمة ، وسلامة صدر ، وورع حاجز ، واحتياط تامّ ، وقناعة بما يجد من حرثه ، وما يصل من الفتوح إليه من غير طمع ولا إشراف نفس ، فعنده غفّة (١) من العيش ، جمع إليها شعبة وافرة من القناعة ، مغتبط بعيشه ، قانع برزقه ، راض عن ربّه ، ليس له حجاب ، ولا يغلق عليه باب ، وإنّما هو كما قال السّلاميّ [من الطّويل] :

كماء الفرات الجمّ أعرض ورده

لكلّ أناس فهو سهل الشّرائع

وكان له في الوعظ لسان ، ويأخذه فيه حال عظيم يشغله عن نفسه ، وله قلم سيّال في المكاتبات والرّسائل العلميّة ، جمع من ذلك الفاضل السّيّد سالم بن حفيظ ما دخل في ستّة مجلّدات.

ولكنّ لسانه أقوى بكثير من قلمه.

يقول عارف مقدار الكلام له

سبحان خالقه سبحان باريه (٢)

وطيلة حياتي لم أسمع منه لغوا قطّ ، وكان أعيان زمانه يعرفون منه ذلك ، فيحاولون أن يتسقّطوه الكلام ويحتالون ليخوض معهم ، فلا يقدرون على شيء ، فلا أجد لهم وإيّاه مثلا إلّا الرّبيع بن خيثم ؛ إذ خفّوا إليه يوم قتل الحسين ليستخرجوا منه

__________________

(١) الغفّة : البلغة من العيش.

(٢) البيت من البسيط.


كلاما ، فأخبروه ، فلم يزد على أن قال : أو قد فعلوها؟! قالوا : نعم.

فرفع يديه إلى السّماء وقال : (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(١).

فما أشبه هذا بذاك. لا ينفذ إلى فعله التّعليل ، ولا يحتاج شيء منه إلى التّأويل ؛ إذ صار هواه تبعا لما جاء به نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فجاء فيه موضع قول ابن كناسة في إبراهيم بن أدهم [من الطّويل] :

أمات الهوى حتّى تجنّبه الهوى

كما اجتنب الجاني الدّم الطّالب الدّما

سروره في إقبال الخلق على الله ، وحزنه في إعراضهم عنه ، حتّى لقد كان سبب موته من هذا الباب.

وكان كثير الأخذ عن المشايخ ، جمّ الحرص على الاستكثار من الأسانيد والاتّصال بسلاسل الرّجال وأئمّة الحديث والطّريق. وقد اجتمع له ولي بفضله ـ رضوان الله عليه ـ ما لا يوجد عند أحد من أهل عصره ، ولله الحمد.

وكان في أيّام أستاذه الأبرّ عيدروس بن عمر يتردّد عليه من أيّام والده (٢) عن أمره في كلّ ثلاث ماشيا ، وبينهما نحو من أربعة أميال أو أكثر ، ولقد أراد أخوه في الله الشّيخ عوض بن عمر شيبان السّابق ذكره في الغرفة أن يشتري له مركوبا ، فأبى وقال : لو أحسست بتعب .. لقبلت. ولقد كاد أن يخرج عن إهابه من الطّرب ؛ إذ تمثّلت له عند مثل هذا الكلام بقول العبّاس بن الأحنف [من البسيط] :

أرى الطّريق قريبا حين أسلكه

إلى الحبيب بعيدا حين أنصرف

وقول الآخر [كثيّر عزّة في «ديوانه» ١٠٩ من الطّويل] :

وكنت إذا ما جئت ليلى أزورها

أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها (٣)

__________________

(١) حلية الأولياء (٢ / ١١١).

(٢) أي : الحبيب محسن بن علوي ، المتوفى سنة (١٢٩١ ه‍) ، وعمر المترجم حينذاك (٣٠) عاما.

(٣) في «الديوان» : (سعدى) بدل : (ليلى).


من الخفرات اللّاء ودّ جليسها

إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها

ثمّ ظفر هو بقول الآخر [من السّريع] :

والله ما جئتكم زائرا

إلّا رأيت الأرض تطوى لي

ولا انثنى عزمي عن بابكم

إلّا تعثّرت بأذيالي

فكان كثير التّغنّي بهما ، وهو معنى واسع للشّعراء فيه مجال ، ولم ينس المتنبّي حظّه من هذا المعنى ، لكن من غير إجادة ، حيث يقول [في «العكبريّ» ١ / ٦٣ من الطّويل] :

أتى مرعشا يستقرب البعد مقبلا

وأدبر إذ أقبلت يستبعد القربا (١)

وكانت ترعد عنده فرائص الملوك ؛ لما عندهم من احترام الحقّ وهيبة الدّين ، ولما يرون عليه من عزّة الإيمان وشرف العلم ، وصولة الحقّ ، وسلطان الصّدق ، وقوّة اليقين ، فيأمرهم وينهاهم ، ولا يؤمّلون أبدا في أن يقبل منهم شيئا ؛ إذ كانت الشّبهات في عهده ـ فضلا عن الحرام ـ ظاهرة النّكارة ، فاحشة الملامة ، حتّى لقد كان مكّاس الدّولة الكثيريّة ـ المسمّى توفيقا ـ منبوذا مهانا ، وكثيرا ما يمرّ بجانب مدرسة طه بن عمر فيرميه صبيانها بالحجارة ، فلا يقدر على الدّفاع ، ولو دافع .. للقي أكبر.

وله محاسن ، وكان موته يوم الجمعة ، فأشكل ذلك على والدي ، فخفّ إلى الأستاذ الأبرّ فقال ـ قبل أن يبلع الرّيق ـ : أحوج النّاس إلى الجمعة : توفيق.

ثمّ صار أبناء السّادة اليوم يتسابقون إلى مثل وظيفته ، ويتنافسون فيها ، ويشمخون بأنوفهم ؛ ظنّا أن قد رفعت من أقدارهم.

وعلى الجملة : فكلّ ساعاته ذكر أو تذكير ، أو قراءة أو تدريس ، أو صلاة يستشعر حاضرها ـ بما يغشاه من الطّمأنينة والخشية ـ نزول السّكينة ، وشمول الرّحمة ، وحضور الملائكة.

__________________

(١) مرعش : حصن ببلد الرّوم من أعمال ملطية.


وما ألذّ ما تسمع آيات القرآن من لسانه في الصّلاة الجهريّة ، بصوته الجهير ، ونغمته الشّجيّة ، غضّة طريّة ، تكاد تنتزع القلوب من أماكنها ، ويخيّل لهم أنّهم لم يسمعوها من قبل ، وأنّها إنّما نزلت تلك السّاعة ، حتّى ليحسب المقتدون بما يشملهم من اللّذّة ويغمرهم من الهيبة ويستولي عليهم من الخشوع أن قد انفصلوا عن عالم الحسّ ، والتحقوا بعوالم القدس ، بحيث لا يمكن لمسبوق أن يقرأ (الفاتحة) من خلفه.

وأذكر أيّامي لديه فأنثني

على كبدي من خشية أن تقطّعا (١)

وما أذكر صلاة أشفى للنّفس ، وأجمع للقلب ، وأبرد للخاطر وأنفى للهمّ ، وأدنى إلى الإخلاص من صلواتي في الجهريّات خلفه ، وخلف شيخنا الفاضل الشّيخ حسن بن عوض بن زين مخدّم ، وصلواتي خلف الأستاذ الأبرّ جهريّة كانت أو سرّيّة ؛ فإنّه يسري إلينا سرّ من إخلاصه ، يلذّ لنا به التّطويل مطلقا.

وأذكر أنّ أوّل صلاة كانت لي بالمسجد الحرام لمّا حججنا في سنة (١٣٢٢ ه‍) هي الصّبح خلف واحد من العلماء ـ يدعى فيما أتوهّم خوقير ـ قرأ في الأولى بالتّين فكاد القلب يخرج عن شغافه عند إشارته إلى البلد بقوله : (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) ثمّ ما كفاه حتّى قرأ في الثّانية سورة ـ (قريش) فلا تسل عمّا داخلني عند إشارته إلى البيت ـ وما بيننا وبينه إلّا ثمانية أذرع أو أقلّ ـ بقوله : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) فلو لا الاعتصام بالأجل .. لا لتحقت الرّوح بالباري عزّ وجلّ ، ولكنّي :

ضممت على قلبي يديّ مخافة

وقد قرعته بالغطاة القوارع (٢)

وما ينفع القلب الّذي طاش لبّه

لتلك المعاني أن تضمّ الأصابع

__________________

(١) البيت من الطّويل ، وهو للصّمّة بن عبد الله القشيريّ ، بتغيير بسيط.

(٢) البيتان من الطّويل ، وهما كما عند ابن نباتة السّعديّ :

أضمّ على قلبي يديّ مخافة

إذا لاح لي برق من الشّرق لامع

وما ينفع القلب الّذي بان إلفه

إذا طار شوقا أن تضمّ الأضالع


وكثيرا ما شنّف سمعي ، واستوكف دمعي ، وامتلك لبّي ، واستأسر قلبي ما سمعته من قراءة إمام الحرم بأوساط المفصّل في صلاة الصّبح سنة (١٣٥٤ ه‍) ، وتذكّرت صلاة والدي ، إلّا أنّ تلك أخشع وقراءة إمام الحرم أجود وأسمع ، فهو مقرىء غير مدافع ، ولكنّ خطابته دون ما يليق بالمسجد الحرام الّذي يطلب بلاغة تتفرّى لها الأهب ، وتكاد لها النّفوس تنتهب.

ثمّ إنّ والدي رحمه الله مع ما سبق كلّه لم يكن بالمتزمّت ولا بالمتنطّع ولا بالمنقبض ، بل لا يفارق ثغره الابتسام في سرّاء ولا ضرّاء ، وله في الدّعابة مذهب جميل ، يخرجه عن طريق المرائين المتصنّعين ، ويحلّيه بقول المتنبّي [في «العكبريّ» ٢ / ٢٨٧ من الطّويل] :

تفكّره علم ، وسيرته هدى

وباطنه دين ، وظاهره ظرف

فله معنا ـ ولا سيّما عند الأكل ، بل وفي مثاني الدّروس عند المناسبات ـ مفاكهات شهيّة ، ومنادرات لذيذة ، وتراه يصغي بسمعه وقلبه لما أنشده إيّاه من الأبيات الأدبيّة عند المقتضيات ، ويطرب لذلك ويستعيده.

وقد سبق أنّه يشاركني أحيانا في اللّعب إيناسا لي ، وضنّة بي عن مخالطة الأضداد ، فلم تكن الهيبة الغالبة عليه هيبة تعاظم ولا ترفّع ، كلّا والله ، ثمّ كلّا والله ، ولكن كما قال أبو عبادة [في «ديوانه» ٢ / ٣٠٩ من البسيط] :

يهاب فينا وما في لحظه شزر

وسط النّديّ ولا في خدّه صعر (١)

وإن كان ليجرّني الرّسن فأناقشه المسائل وأجاذبه البحث فلا يزيده إلّا سرورا واغتباطا ، على شرط أن أتوكّأ على الدّليل وأعتمد على النّصّ. ولقد جهدت أن أتعلّق له بهفوة أحتجّ بها عند ما يناقشني الحساب على المباحات ، ويكلّفني الصّعب من المجاهدات فلم أستطع.

__________________

(١) الشّزر : النّظر بمؤخّر العين ، ويكون عند الغضب. النّديّ : مجلس القوم. الصّعر : إمالة الخدّ عن النّاس تكبّرا.


وقد سئل الحسن البصريّ عن عمرو بن عبيد (١) ، فقال : (لقد سألتني عن رجل كأنّ الملائكة أدّبته ، وكأنّ الأنبياء ربّته ، إن قام بأمر .. قعد به ، وإن قعد بأمر .. قام به ، وإن أمر بشيء .. كان ألزم النّاس له ، وإن نهى عن شيء .. كان أبعد النّاس عنه ، ما رأيت ظاهرا أشبه بباطن منه) (٢) ، وكأنّما نظر في هذا بلحظ الغيب إلى والدي ، فإنّه الوصف الّذي ينطبق عليه تماما ، لا يأنف من حقّ ، ولا يتقدّم إليه بباطل ، فلهو والله من أحقّ النّاس بقول كثير [في «ديوانه» ١٤٥ من الطّويل] :

ترى القوم يخفون التّبسّم عنده

وينذرهم عور الكلام نذيرها (٣)

فلا هاجرات القول يؤثرن عنده

ولا كلمات النّصح يقصى مشيرها

وقول كعب بن سعد الغنويّ [من الطّويل] :

إذا ما تراءاه الرّجال تحفّظوا

فلم ينطقوا العوراء وهو قريب

ولئن قال ابن عنقاء : (إذا قيلت العوراء .. أغضى) فإنّ هذا إذا قيلت : العوراء .. غضب ، بل لا أذكر أنّ أحدا نطق في مجلسه بكلمة غيبة أو نحوها.

وكذلك كان يقول عنه الشّيخ الدّثنيّ ، ويكثر التّعجّب من ذلك ، وهو أشدّ وأقدم له لزاما منّي.

ومع هذا كلّه فما هو إلّا صورة مصغّرة من أحوال والده وأحوال سيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، وكلّما استكثرنا أعماله .. قلّل منها بالنّسبة لأعمالهم ، وأقسم أنّه غير هاضم لنفسه ، ولكنّه مخبر بالواقع.

وعلى مثل حاله رأيت سيّدي شيخان بن محمّد الحبشيّ ، على ضيق في عطفه ، وخشونة في خلقه ، وإلّا .. فقد كان هذا أوسع علما وأكثر عبادة ، وأشدّ مجاهدة

__________________

(١) هو عمرو بن عبيد بن باب ، وقيل : ابن كيسان ، التميمي المعتزلي مولاهم أبو عثمان البصري. ولد سنة (٨٠ ه‍) ، ومات سنة (١٤٢ ه‍) ، ترجمته مطولة في «تهذيب الكمال» ومختصراته.

(٢) انظر ترجمة عمرو بن عبيد ، والقصّة هذه في «وفيات الأعيان» (٣ / ٤٦٠).

(٣) عور الكلام : قبيحه.


للنّفس ، إلّا أنّ والدي كان أجود وأسمح ، وأنصح وأفصح ، وأرأف وأعطف ، وأظرف وألطف.

وكان سيّدي عبد الله بن حسن البحر على قريب من تلك الحال ، بل هو أندى بنانا ، وأشجع جنانا ، وأكثر ضيفانا ، وأطول قياما وركوعا ، وأغزر بكاء وخشوعا ، إلّا أنّ والدي كان أكثر علما وأغزر فهما ، وأبلغ لسانا ، وأفصح بيانا ، وأحلى لفظا وأنجع وعظا.

ولقد أشهدت منهما مشهدا عجيبا بمنزل سيّدي الفاضل محمّد ابن الأستاذ الأبرّ المسمّى : باوعيل في شرقيّ تريس سنة (١٣١٨ ه‍) ، تذاكرا فيه أحوال الإمام البحر والأستاذ الأبرّ وشدّة خوفهما من الباري عزّ وجلّ ، وفرط انكسارهما بين يديه ، وجرى لهما مثل ما جرى لابن المنكدر وأبي حازم ؛ فقد ذكر غير واحد أنّ ابن المنكدر صلّى وبكى ، ففزع أهله حتّى استعانوا بأبي حازم .. فقال له : ما الّذي يبكيك حتّى رعت أهلك؟

قال : مرّ بي قوله تعالى : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) فصعق أبو حازم واشتدّ بكاؤهما ، فقال بعض أهل ابن المنكدر لأبي حازم : جئنا بك لتفرّج عنه فزدته. فقريب من ذلك جرى لوالدي مع القانت الأوّاب البحر يومئذ ، وكانا جاءا للترويح .. فعادا في مأتم.

وعلى الجملة : فقد كان كثير ممّن أدركناهم وأخذنا عنهم على غرارهم ، وشريف آثارهم ؛ كسادتي : عبد الله بن عمر بن سميط ، المتوفّى بشبام سنة (١٣١٣ ه‍). وأحمد بن محمّد الكاف ، المتوفّى بتريم سنة (١٣١٧ ه‍). وعبد الرّحمن بن حامد السّقّاف ، المتوفّى بسيئون سنة (١٣١٦ ه‍). والشّيخ عمر عبود بلخير ، المتوفّى بالغرفة في حدود سنة (١٣١٦ ه‍). وعبد الرّحمن بن محمّد المشهور ، المتوفّى بتريم سنة (١٣٢٠ ه‍).

والشّيخ أحمد بن عبد الله بن أبي بكر الخطيب ، المتوفّى بتريم سنة (١٣٣١ ه‍). والشّيخ محمّد بن أحمد قعيطبان ، المتوفّى بها سنة (١٣١٦ ه‍). والشيخ أحمد بن


عبد الله بن عمر الخطيب ، المتوفّى بها سنة (١٣٣٣ ه‍). والسّيّد عيدروس بن علويّ العيدروس ، المتوفّى بتريم سنة (١٣٢٠ ه‍). وأخيه من الأمّ السّيّد شيخ بن عيدروس بن محمّد العيدروس المتوفّى بها سنة (١٣٣٠ ه‍). والسّيّد علويّ بن عبد الرّحمن السّقّاف ، المتوفّى بسيئون سنة (١٣٢٨ ه‍). والشّيخ حسن بن عوض بن زين بن مخدّم ، المتوفّى ببور سنة (١٣٢٨ ه‍). والسّيّد أحمد بن حامد بن سميط ، المتوفّى بشبام سنة (١٣٣١ ه‍). وطاهر بن عبد الله بن سميط ، المتوفّى بشبام أيضا سنة (١٣٣١ ه‍). والسّيّد عبد القادر بن أحمد بن قطبان ، المتوفّى بسيئون سنة (١٣٣٤ ه‍). والسّيّد عبد الله بن عليّ بن شهاب ، المتوفّى بتريم سنة (١٣٤٠ ه‍).

ومن في طبقاتهم ممّن لم تحضرني أسماؤهم حال رقم هذا ، فقد كانوا بتفاوت الدّرجات العلميّة أراكين إسلام ، وجمال أيّام.

وجوه عليها للقبول علامة

وليس على كلّ الوجوه قبول (١)

وجوه إذا ما أسفرت عن جمالها

سجدن على أعتابهنّ عقول

أمّا من قبلهم ؛ كسادتي : أحمد بن عمر بن سميط ، وسيد الوادي الحسن بن صالح البحر ، وعبد الله بن حسين بن طاهر ، وعبد الله بن حسين بلفقيه ، وعبد الله بن أحمد باسودان ، وعبد الله بن سعد بن سمير ، وجدّي المحسن ، وعبد الله بن عمر بن يحيى ، والإمام المحضار ، ومن على شاكلتهم من تلك الطّبقة .. فقد كانوا أفضل فريقا ، وأقوم طريقا.

جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم

بعد الممات جمال الكتب والسّير (٢)

وقد ذكر سيّدي عبد الله بن حسين بن طاهر في (ص ١٠٧) من «مجموعه» جماعة من أفاضل من رآهم وعاشرهم بهم تقرّ النّواظر ، وتبرد الخواطر ، وتطيب الأخبار ، وتزّيّن الأسمار ، ومع هذا كلّه فلا أتصوّر أحدا يتفضّل على سيّدي الأستاذ

__________________

(١) البيتان من الطّويل.

(٢) البيت من البسيط ، وهو لأبي العلاء المعرّي في «سقط الزند» (٥٩).


الأبرّ ؛ وما أدري أذلك هو الواقع؟ أو إنّما هي دهشة النّظر ، وقد قال أبو الطّيّب [في «العكبريّ» ٣ / ٨١ من البسيط] :

خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به

في طلعة الشّمس ما يغنيك عن زحل

وربّما كان في مثل هذا إساءة أدب منّا ؛ إذ العلم لله ، وما نظنّ إلّا ظنّا ؛ لأنّ شمائله لم تكن لتخرج ـ بعد استثناء الجهاد ـ عن شمائل جدّه المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وههنا موضع قول كشاجم :

لو لا عجائب صنع الله ما نبتت

تلك الفضائل في لحم ولا عصب (١)

وإنّما أسهبت في الموضوع مع خروجه عن سمت المقصود ؛ لأنّ الزّمان انحطّ دفعة ، وتراذل فجأة ، فلم تكتحل عيون المتأخّرين بأحد من أمثال أولئك الّذين :

رضعوا لبان المجد في حجر العلا

فعلوا على الأكفاء والأنداد (٢)

وأظلّهم بيت النّبوّة وابتنوا

شرفا على شرف بغير حداد

فلهم إذا ما زرتهم وخبرتهم

شرف الملوك وسيرة الزّهّاد

قوم إذا سفروا حسبت وجوههم

للنّاظرين أهلّة الأعياد

فأحببت تقريرهم به عن مشاهدة بالعين ؛ كيلا تحملهم الظّروف السّيّئة بقياس المشاهدة على إنكارهم وتوهّم استحالتهم ، وما كانوا إلّا كما قال القطاميّ ، أو لقيط بن زرارة :

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم

دجى اللّيل حتّى نظّم الجزع ثاقبه (٣)

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو ليس لكشاجم ، بل لابن الرومي من قصيدته الطويلة التي مطلعها :

ما أنس لا أنس هندا آخر الحقب

على اختلاف حروف الدّهر والعقب

وعدد أبيات القصيدة (١٤٠) بيتا.

(٢) الأبيات من الكامل ، وهي لناصح الدّين الأرّجاني.

(٣) الأبيات من الطّويل ، وهي ليست للقطاميّ ، ولا للقيط بن زرارة ، بل لأبي الطّمحان القينيّ ، كما في «ديوان الحماسة» (٢ / ٢٧١ ـ ٢٧٢). دجى اللّيل : ظلمته. نظّم : جمع. الجزع : الخرز اليماني. ثاقبه : الّذي يضمه.


نجوم سماء كلّما انقضّ كوكب

بدا كوكب تأوي إليه كواكبه

وما زال منهم حيث كانوا مسوّد

تسير المعالي حيث سارت ركائبه

لا يفقد منهم زعيم .. إلّا سدّ مسدّه رجل عظيم ، وكلّما غاب منهم نجيب .. سدّوا معاوز فقده بلبيب ، قال الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ١ / ٥٠٠ من الخفيف]

كلّما غاب من بني خلف بد

ر يضيء الظّلام أخلف بدرا

نفض الدّهر منهم ثمّ أعيو

ه بدورا من المطالع تترى

وما زال والدي على فعله الجميل وسعيه الجليل إلى أن توفّي على ذكر الله في يوم الجمعة (٢١) جمادى الأولى من سنة (١٣٢٤ ه‍) (١).

ولنعد على البدء .. فممّن سكن سيئون : العلّامة الجليل السّيّد عليّ بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن عليّ بن عقيل السّقّاف (٢).

همام يلمعيّ من قريش

كأنّ جبينه فلق الصّباح (٣)

عليه سيمياء المجد باد

وعنوان الفضائل والسّماح

كان أبوه يتردّد إلى سيئون ، ثمّ اقترن بسلامة بنت الحبيب عليّ (٤) بن عمر بن طه بن عمر السّقّاف ، فأولدها إيّاه.

وفي «المواهب والمنن» : (أنّ والد السّيّد عليّ كان يتردّد إلى الحاوي على حصان معه إلى عند القطب الحدّاد ، وكان ساكنا بالمسفلة ، وله ابن يقال له :

__________________

(١) ولم يعقب الحبيب عبيد الله من الذكور سوى ابنه عبد الرحمن مؤلف الكتاب ، وثلاث بنات ، أعلمهن وأشهرهن ذكرا الشريفة علوية التي كانت تعقد مجالس العلم للنساء فيأتينها من أطراف البلد ، بل ومن خارجها للانتفاع بها ، وكان مجلسها يعقد مرتين في الأسبوع ، وقد توفيت حدود سنة (١٣٨٠ ه‍).

«التلخيص» (١٤٣).

(٢) ولد الحبيب علي بن عبد الله بسيئون ، وتوفي بها كما ذكر المؤلف ، أما والده .. فمقبور بقسم ، توفي بها سنة (١١٢٣ ه‍).

(٣) البيتان من الوافر ، وهما للشريف الرضي في «ديوانه» (١ / ٢٤٦) بتغيير يسير.

(٤) ولد بسيئون سنة (١٠٢٠ ه‍) ، وتوفي سنة (١٠٧٤ ه‍) ، كان من علماء سيئون البارزين ، تولى الإفتاء والقضاء بها. «التلخيص» (٢٥).


سقاف ، أكبر من عليّ ، إلّا أنّ عليا كان أكثر منه بحثا وقراءة ، ونشأ في ضنك من المعيشة وشدّة شديدة ، وكان إذا جاء إلى الحاوي هو وزوجته .. ينسونهم بلا غداء ، ولكنّ القطب الحدّاد كان يتفقّدهم بنفسه ، ثمّ فتح الله عليه آخر عمره بسيئون ، فكان يكثر من شرب السّمن بالليل فذهب بصره) اه

وقد ترجمه سيّدي عمر بن سقّاف وهو حفيده من بنته بجزء خاصّ.

وكان ـ أعني الحبيب عليا ـ كثير التّنقّل في البلدان (١) ، ولا سيّما حوطة الشّيخة سلطانة بنت عليّ الزّبيديّ ، ثمّ سار إلى الهند وعاد ـ متجرّدا عن الدّنيا كما بدأ ـ إلى سيئون ، ولم يزل يتنقّل في ديار منها حتّى عمّر مكانه الّذي بيثمه ، فكان منهلا للواردين ، ومرجعا للطّالبين ، واستقرّ فيه يقري الضّيفان ، وينشر العرفان حتّى مات بها في سنة (١١٨١ ه‍) ، وقبر بجانب مسجده في شرقيّه بدون وصيّة منه ، بل قيل له في مرض موته : أين تحبّ أن يكون قبرك؟ فقال : حيثما يريده الله.

وله ذرّيّة صالحون ، من أواخرهم : حفيده المعمّر محمّد بن أحمد بن عليّ بن عبد الله ، توفّي بسيئون في رابع ذي القعدة سنة (١٣٠٧ ه‍) عن مئة وخمسة عشر ربيعا ، وقد حضرته وقرأت عليه ، وبارك عليّ ودعا لي وألبسني بفضل والدي رضوان الله عليهم.

وقد أدرك اثني عشر عاما من حياة الحبيب أحمد بن حسن الحدّاد وهو قد أدرك خمس سنين من حياة جدّه القطب الحدّاد.

ومن ذرّيّته : الفاضل المحبّ للعلم وأهله ، الوصول للأرحام : أحمد بن جعفر بن أحمد بن عليّ بن عبد الله (٢) ، المتوفّى بسيئون سنة (١٣٢٠ ه‍) عن عمر

__________________

(١) أخذ عن الإمام الحداد ، وعن الحبيب علي بن عبد الله العيدروس صاحب سورت بالهند ، وهو ممن اختصر كتاب «مجمع الأحباب» للواسطي ، وسمى مختصره : «لب اللباب» ، وهو غير مختصر الحبيب محمد بن زين بن سميط المسمى بنفس الاسم.

(٢) هو الحبيب أحمد بن جعفر بن أحمد بن الحبيب علي .. ولد بسيئون ، وتوفي بها في (٤) صفر سنة (١٣٢٠ ه‍) ، وهو ثالث ثلاثة إخوة كلهم صالحون أخيار ، والآخران هما : عبد الرحمن توفي بمكة


يناهز المئة. وقد أخذت عنه بفضل والدي مرّة في الحجّة من سنة (١٣٠٩ ه‍) بمكانه ، وأخرى بمكاننا علم بدر ليلة الإثنين (٧) القعدة من سنة (١٣١٣ ه‍) ، فأجازنا وألبسنا أنا ووالدي والشّيخ محمّد الدّثنيّ وولده عمر ، بعد أن أمرني والدي بقراءة شيء من الكتب ، وقال لوالدي : (لم يسألني الإجازة من سيئون أحد غيرك) ، فذكرت به ما رواه شارح «العينيّة» في (ص ٣٢٠) عن الحبيب عقيل بن عبد الرّحمن أنّه ألبس القطب الحدّاد كوفيّته ، وقال له : (ألبسناك ولم نلبس غيرك) اه

وما روي عن الحبيب عمر بن عبد الرّحمن البارّ أنّه قال : إنّ القطب الحدّاد ألبسني وأذن لي في الإلباس والتّحكيم إذنا مطلقا ، ولم يأذن لأحد غيري إلّا الحبيب أحمد بن زين.

لكن في «المواهب والمنن» : أنّ الحبيب عمر حامد غضب من كلام البارّ هذا ، وقال : إنّ أفضل وأكمل منه قول الحدّاد لولديه علويّ وحسن : أقمتكما مقامي ، وأنبتكما عنّي.

ثمّ رأيت السّيّد محمّد بن حسن عيديد يقول : إنّه أخذ عن شيخنا أحمد بن جعفر ولبس منه.

ولا يغبّر على ما تقدّم ؛ لأنّ النّفي إنّما كان خاصّا بآل سيئون ، وإمّا لأن يكون أخذه بعد التّاريخ السّابق. اه

وفي ذلك المجلس ذكر الحبيب أحمد بن جعفر أنّه : اجتمع بالحبيب طاهر بن حسين ، والحبيب علويّ بن سهل مولى خيله (١) ، والحبيب عبد الله بن أبي بكر

__________________

سنة (١٢٧١ ه‍) ، وعلي توفي بسيئون سنة (١٣١١ ه‍).

وذكروا أنه لما توفي المترجم .. حفروا له عند رأس أخيه علي فوجدوه بعد (٩) سنوات سالما لم يبل جسمه ، ذكر هذا الحبيب عبد الرحمن المشهور في ترجمته له في «الشجرة».

(١) هو السيد الشريف علوي بن محمد بن سهل بن محمد بن أحمد بن سليمان بن عمر بن محمد بن سهل بن عبد الرحمن مولى خيله العلوي. ولد بتريم سنة (١١٦٦ ه‍) ، ونشأ بها ، ثم هاجر إلى الهند واستقر بمليبار ، ولم يزل بها يترقى في مراقي الكمال حتى وافاه الحمام سنة (١٢٦٣ ه‍) ببلدة ترنقالي. جمع نبذة من كراماته العلامة أحمد بن أبي بكر بن سميط وطبعت بمصر ، وله ذكر في «تاج


صاحب ملاكه (١) ، والسّيّد أحمد بيتي ، والسّيّد أحمد بافقيه ، وابنه شيخ ، والحبيب شيخ بن علويّ بن شيخ بن عبد الرّحمن بن سقّاف ، والحبيب عبد الرّحمن بن حسن بن سقّاف ، والحبيب محمّد بن عمر بن سقّاف (٢) ، والشّيخ عمر بن عبد الرّسول العطّار (٣) ، والسّيّد يوسف البطّاح الأهدل (٤) ، والمعلّم عمر مشغان (٥) ، والشّيخ محمّد باقيس. وغيرهم.

وله مكارم ومآثر ؛ منها : مسجد بسيئون ، ومسجد بسربايا ، وزيادة حسبما سبق في الجامع.

وههنا مسائل :

الأولى : أنّ مسجد السّيّد أحمد بن جعفر بسيئون كان صغيرا محتاجا إلى التّوسعة ، فاستفتاني ولده عمر في ذلك؟ فأفتيته بالجواز تبعا لما استظهره بعضهم ، بل قيل بالوجوب حينئذ إذا قام مال الوقف بذلك.

والثّانية : أنّ هذا المسجد كان فقيرا ، ومسجده بسربايا كان غنيّا ، فأفتيته بجواز الصّرف من مال هذا على ذاك ، مستدلّا بكلام للشّيخ الجليل محمّد بن عبد الله باسودان في ذلك ، وفتوى للخليليّ ناصّة عليه.

وقد نقل عن كثير من علماء اليمن أنّه يجوز صرف الفاضل من ريع الموقوف على مسجد في مصالح المسلمين وإلى عمارة مسجد آخر في موضعه ؛ لأنّ القصد مصلحة المسلمين. وقد نقل ذلك عن العمرانيّ مؤلّف «البيان».

ولئن لم يكن مسجد سيئون بموضع مسجد سربايا .. فإنّه أقرب إلى غرض الواقف

__________________

الأعراس».

(١) المولود بالشحر ، والمتوفى بملاكه بماليزيا سنة (١٢٥٥ ه‍) ، وترجمته في «نشر النفحات المسكية» لباحسن (خ).

(٢) مولده سنة (١١٩٨ ه‍) ، ووفاته (١٢٤٩ ه‍). «التلخيص» (٧٧ ـ ٧٨).

(٣) وفاته بمكة سنة (١٢٤٧ ه‍).

(٤) وفاته بمكة سنة (١٢٤٦ ه‍).

(٥) توفي سنة (١٢٩٣ ه‍) ، وله بعض مصنفات.


من الصّرف لمصالح المسلمين ولفقراء ذلك الموضع ، وما أكثر ما تراعى مقاصد الواقفين.

والثّالثة : أنّه عمل له منارة رفعها وتضرّر بها الجيران ، ونهيته .. فما انتهى.

وأوّل من اتّخذ المنائر : شرحبيل بن عامر المراديّ زمن معاوية.

وكان بلال ـ كما عند أبي داود [٥١٩] ـ يؤذّن على بيت امرأة من بني النّجّار ؛ لأنّه أطول بيت حول المسجد.

وقد أمر خالد بن عبد الله القسريّ بهدم المنائر ، فقال فيه الفرزدق [من الطّويل]

بنى بيعة فيها النّصارى لأمّه

ويهدم من كفر منار المساجد

وقال [في «ديوانه» ١ / ١٧٨ من الطّويل] :

عليك أمير المؤمنين بخالد

وأصحابه لا طهّر الله خالدا

بنى بيعة فيها الصّليب لأمّه

وهدّم من بغض الصّلاة المساجدا

على أنّه لم يهدمها إلّا لأنّه سمع رجلا ـ ظننته عمر بن أبي ربيعة ـ ينشد :

ليتني في المؤذّنين حياتي

إنّهم يبصرون من في السّطوح

فيشيرون أو تشير إليهم

بالهوى كلّ ذات دلّ مليح

وإن لم يخنّي الحفظ .. فخالد هذا هو الّذي ألزم النّساء حاشية المطاف عندما بلغه قول عمر بن أبي ربيعة :

وحبّذا اللّائي يزاحمننا

عند استلام الحجر الأسود

وقال : إنّهنّ لن يزاحمنك بعد اليوم.

وذكرت لها نظائر في «العود» ، ثمّ رأيت بعضه عند الأزرقيّ ، وأخرج سعيد بن منصور : أنّ عمر بن الخطّاب نهى أن يطوف الرّجال مع النّساء ، فإذا هو برجل ذات يوم يطوف مع النّساء ، فانهال عليه ضربا ، وقال له : ألم أنه عن هذا؟! فقال : لا ، لم تبلغني عزمتك ، فقال له : دونك ؛ يعني : فاقتصّ .. فلم يفعل ، قال : فاعف ،


قال : ولا أعفو ، فما زالت الكراهية تعرف في وجه عمر حتّى راجع النّاس الرّجل فعفا ، فسرّي عن ابن الخطّاب. أو ما هذا معناه.

ثمّ إنّ الّذي أذكره عن مذهبنا من أنّ للإنسان أن يتصرّف في ملكه وإن أضرّ بجاره لا بملكه إذا خالف العادة .. بخلاف المصالح العامّة ، فلا يتصرّف فيها بما يضرّ الجيران.

والّذي أكتبه في الجواب عن هذه المسألة هو من لسان القلم وبقيّة الحفظ لا عن رجوع منّي إلى ما حرّرته في أجوبتها يوم سئلت ، فلا مجال للاعتماد عليه إلّا بعد النّظر ، وإنّما كتبته لمجرّد البحث والمذاكرة.

وفي «تبصرة الحكّام» : يمنع الرّجل من إحداث إصطبل للدّوابّ عند باب جاره ؛ لما يؤذيه من بولها وزبلها وحركتها ليلا ونهارا ، وكذلك الطّاحون وكير الحدّاد.

وفيها تنازع الشّيوخ ببلدنا ـ قديما وحديثا ـ في الرّجل يجعل في داره رحى أو شبه ذلك ممّا له دويّ ، فقال بعضهم بالمنع مطلقا ، وقال بعضهم لا منع مطلقا ، وقال بعض : يمنع باللّيل لا بالنّهار ، ومتى اجتمع ضرران .. منع الحادث لا القديم.

وبسيئون جماعة من ذرّيّة الهادي بن أحمد الحبشيّ صاحب الشّعب. ومن ذرّيّة الحسن بن أحمد (١).

منهم : السّيّد الصّالح علويّ بن عليّ الحبشيّ ، المتوفّى بسيئون في حدود سنة (١٣٣٤ ه‍) ، كان هو وأخوه أحمد وأبوهما من أهل الأحوال الصّالحين ، ويقال لهم : أهل الرّوشن (٢) ، لهم أمور غريبة وخوارق عجيبة.

__________________

(١) توفي الحبيب الحسن سنة (١٠٩٩ ه‍) بسيئون ، وعقبه بسيئون وسمارانغ بجاوة.

(٢) آل الروشن : ذرية السيد علي الروشن بن أحمد بن عبد الله بن علوي بن طه بن حسن بن أحمد صاحب الشعب. «المعجم اللطيف» (٩٧). وعند ضياء شهاب في «التعليقات» (٢ / ٤٦٦) غير هذا.

والروشن : ما يعمل في البيوت على سبيل الإضاءة والتهوية ، ويسميه البعض : الروشان ؛ لأن جدهم كان أول من عمله في سيئون .. فلقبوه به.


وفيها جماعة من ذرّيّة الحسين بن أحمد بن محمّد الحبشيّ ، منهم : العلّامة الفاضل السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ (١) ، كان أبوه داعيا إلى الله ـ كما سبق في قيدون ـ يتنقل في البلدان بإشارة الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر ، لا يخرج عن أمره في شيء قطّ. فولد له السّيّد عليّ في قسم ، وانتقلت به أمّه (٢) إلى سيئون ، وبها نشأ ، وله رحلة إلى الحجاز ، وتخصّص في علم النّحو ، وله شعر جيّد ، وأكثر أوّله على لسان الصّوفيّة ، وله تأليف صغير في قصّة المولد (٣) ، وله أشعار حمينيّة ، وقد طبع جميع ذلك ، وفيه من الدّلالة على مرتبته العلميّة والشّعريّة ما يغني عن كلّ شيء.

إنّ آثارنا تدلّ علينا

فانظروا بعدنا إلى الآثار

وقال عليّ بن الجهم [من المتقارب] :

وأعلم أنّ عقول الرّجا

ل يقضى عليها بآثارها

أمّا أبوه : فإنّه السّيّد محمّد بن حسين الحبشيّ ، مفتي الشّافعيّة بمكّة ، وهو الشّيخ السّادس عشر من مشايخ سيّدي الأستاذ الأبرّ ، توفّي بمكّة سنة (١٢٨١ ه‍) ، وخلفه ولده العلّامة الجليل حسين بن محمّد الحبشيّ (٤) ، له رحلات كثيرة إلى حضرموت يتنفّس بها الزّمان ، وتتبسّم بها الأيّام ، حتّى إنّها لتكاد تكون أعيادا وأخوه السّيّد عليّ

__________________

(١) العلامة الكبير صاحب المقام والصيت الذائع ، ولد سنة (١٢٥٩ ه‍) ، وتوفي سنة (١٣٣٣ ه‍) ، أخباره كثيرة وشهيرة ، جمع ترجمته وسيرة حياته السيد الفاضل طه بن حسن السقاف في كتاب سماه : «فيوضات البحر الملي» في مجلد كبير.

(٢) والدة الحبيب علي هي الشريفة علوية بنت حسين بن أحمد الجفري ، سكان شبام ، عقد بها على والده شيخه الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر.

(٣) هو المولد الذائع الصيت المسمى : «سمط الدرر في أخبار مولد خير البشر وما له من أخلاق وأوصاف وسير» ، طبعاته كثيرة. وأما مواعظه وكلامه المنثور .. فجمعه عدد كبير من المريدين والتلامذة ؛ منهم السيد عمر مولى خيله ، والسيد محسن بن عبد الله بن محسن السقاف ابن عم المؤلف ، والسيد حسين بن عبد الله الحبشي وغيرهم.

(٤) ترجمته في : «تاريخ الشعراء» (٤ / ١١٠) ، «فهرس الفهارس» (٣٢٠) ، «رياض الجنة» للفاسي (٢ / ١٣ ـ ١٩) ، «فتح القوي» لتلميذه الشيخ عبد الله غازي ، وحفيده العلامة أبو بكر بن أحمد بن حسين في «الدليل المشير» (٩٢ ـ ٩٧).


يبالغ في إكرامه ويعترف بفضله ويقدّمه في الصّلاة ؛ إذ كان غزير العلم ، وفير الحلم ، جميل المحاضرة ، لطيف المحاورة.

لا طائش تهفو خلائقه ولا

خشن الوقار كأنّه في جحفل (١)

فكه يجمّ الجدّ أحيانا ، وقد

يضنى ويهزل حدّ من لم يهزل (٢)

وقد أخذت عنه ولبست منه مرارا ، وسمعت عنه السّلسلات ، وقرأت عليه ، توفّي بمكّة المشرّفة سنة (١٣٣٠ ه‍).

وأمّا أخوه السّيّد شيخ بن محمّد الحبشيّ (٣) .. فقد كان شهما كريما ، ونزهة نديما ، سليم الذّوق ، مائيّ الأخلاق.

فلو كان ماء .. كان ماء غمامة

ولو كان نوما .. كان تعريسة الفجر (٤)

له شعر جيّد ، وأدب غضّ ، ونكات لطيفة ، ونوادر عجيبة. وكان بيني وبينه إخاء وودّ ، وكان لا يبالي في زيارتي والتّردّد عليّ بلوم لائم ممّن على شاكلة باطويح. توفّي بسيئون سنة (١٣٤٨ ه‍) ، ودفن بقبّة أخيه.

وبما أنّ السّيّد شيخا كان عذب الشّمائل ، رقيق الحاشية ، ميّالا إلى الأشعار الغزليّة ، كثير الولوع بشعر ابن الفارض .. تذكّرت أنّ الجعبريّ زار قبر ابن الفارض فرآه مشعّثا مغمورا بالتّراب ، فأنشد [من الطّويل] :

مساكين أهل العشق حتّى قبورهم

عليها تراب الذّلّ بين المقابر (٥)

__________________

(١) البيتان من الكامل ، وهما لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ١٩).

(٢) يجمّ الجدّ : يتركه ، وهو مستعار من إجمام الفرس ، إذا تركه صاحبه فلم يركبه.

(٣) ولد السيد شيخ بسيئون سنة (١٢٦٤) ، وتوفي بها سنة (١٣٤٨ ه‍) ، ترجمته في : «تاريخ الشعراء» (٤ / ٢٠٩ ـ ٢١٨) ، وله رحلة إلى مصر وإستنبول سمّاها : «الشاهد المقبول في الرحلة إلى مصر والحجاز واستنبول».

(٤) البيت من الطّويل. تعريسة الفجر : نومة المسافر واستراحته عند الفجر.

(٥) روى العلّامة جعفر بن أحمد السرّاج في كتابه «مصارع العشّاق» (١ / ١٣٠) عن ابن المعتزّ بيتين في عكس هذا البيت ، وهما :

مررت بقبر مشرق وسط روضة

عليه من الأنوار مثل الشّقائق


وفي سيئون جماعة من آل حسّان ، يرجعون في النّسب ـ حسبما يقولون ـ إلى الشّيخ المؤرّخ عبد الرّحمن بن عليّ بن حسّان (١) ، يحترفون بالصّياغة ، وكانت لهم منها ثروة ـ بالنّخيل ـ ومواساة ، ولكنّهم على وشك التّلاشي اليوم.

ومن آخرهم : شيخنا العلّامة المحقّق عمر عبيد حسّان ، كان عابدا ناسكا ، قويم السّيرة ، طاهر السّريرة ، غزير الفقه ، شديد الورع ، متين التّقوى ، وكان من أخصّ تلاميذ والدي وقرّائه ، وهو المخصّص لتعليمي الفقه ، ثمّ كان ممّن يحضر دروسي بمسجد طه في التّفسير والفقه والحديث.

توفّي رحمة الله عليه بسيئون سنة (١٣٤٩ ه‍) ، وخلفه ولده عبد الله على قريب من حاله بارك الله فيه.

وفي سلسلة ذوي الأنساب الموجودة بتريم : أنّ يهوديّا اسمه لحج ، له ثلاثة أولاد ؛ هم : داود وحسن ووحش ، أسلموا مع أبيهم وانتشر عقبهم ، واحترفوا بالصّياغة ، فآل باطود من ذرّيّة داود ، آل حسّان ـ بكسر الحاء ، وبالسّين ـ من ذرّيّة حسن ، وآل باحشوان من ذرّيّة وحش. اه بمعناه.

ولكنّه يغبّر عليه ما ذكره من وصول لحج وإسلامه وإسلام بنيه على يد القطب الحدّاد ، مع أنّهم أقدم من ذلك بكثير.

وفيها أيضا : أنّ آل باسلامة وآل التّويّ وآل هبيص وآل مشعبيّ .. عبيد لحمير. اه والعهدة على مؤلّفها ، أو على الشّيخ محمّد بن سعيد بن مرتع الّذي روى لي هذا عنها.

وعن الأخ عيدروس البارّ ـ السّابق ذكره في القرين من بلاد دوعن ـ : أنّه وصل من البصرة مع المهاجر أحمد بن عيسى أربعة عبيد ، ثمّ أعتقهم وموّلهم ، وهم : مخدّم

__________________

فقلت لمن هذا؟ فقال لي الثّرى :

ترحّم عليه إنّه قبر عاشق

(١) المولود بريدة المشقاص سنة (٧٥٠ ه‍) ، والمتوفى بكروشم من بلدان الريدة المذكورة سنة (٨١٨ ه‍) ، كان عالما فقيها مؤرخا ، له مصنفات. ترجمته في : «تاريخ الشعراء» (١ / ٧٤ ـ ٧٦).


جدّ آل مخدّم ، وشويع جدّ آل شويع ، وحشوان جدّ آل باحشوان ، وحسّان جدّ آل حسّان. وهذا هو الأولى بالقبول.

وكان في سيئون جماعة من آل باشيخ ، يرجعون في النّسب ـ كما هو منقول بخطّ العلّامة الجليل عليّ باصبرين ـ إلى بني العبّاس ، من ذرّيّة عليّ بن طرّاد بن إبراهيم الإمام.

وفي «تاريخ باعبّاد» : أنّ الحبيب عبد الرّحمن بن عبد الله بلفقيه مرّ بسيئون في سنة (١١١٩ ه‍) ، وزار تربتها ، وتعشّى عند آل باشيخ ، وسار إلى دوعن ، ومنها إلى الشّحر يريد الحجّ.

وفي ترجمة سيّدنا الحبيب أحمد بن زين الحبشيّ من «عقد أستاذنا الأبرّ» : أنّه كان يمشي إلى سيئون من غير مركوب يأخذ النّحو عن الشّيخ محروس.

وبها كان جماعة منهم ـ أعني آل محروس ـ ثمّ لم يبق منهم إلّا القليل ؛ منهم : تاجر غاشم يمتصّ دماء المحتاجين بالرّباء أو بأخيه ، ويأخذ منهم أرباحا باهظة تلجئهم إليها الضّرورة ، ويرتهن بها أموالهم إلى أن تغلق (١).

وقد سبق لآل وبر ذكر في المحترقه. وكان بسيئون جماعة منهم وجماعة من آل هذبول ، أمّا الآن .. فلا ، ولكن من آل وبر ناس في الحوطة وتاربه وبحيرة وثبي.

وفي «مجموع الجدّ طه بن عمر» أنّ : (آل وبر وآل هذبول أكفاء ؛ لأنّ حرفة الجميع السّناوة والحرث سابقا) اه

وكان بسيئون جماعة من الفرقتين ، أمّا الآن .. فلا ، ولكن من آل وبر جماعة في تاربه والحوطة وبحيره وثبي.

ومن «مجموع الجدّ طه» أيضا : (أنّ عقود سيئون أكثرها بغير كفء ؛ لأنّ فيها أراذل كثير) اه

__________________

(١) تغلق : تستحقّ للمرتهن فيأخذها.


وكنت أستشكل لؤم أهل سيئون الّذي لا ينتهي إلى حدّ حتّى رأيت هذا ، فإنّها وإن كان فيها ناس من أولي الأصول الطّيّبة والبيوتات الشّريفة .. فإنّ الاختلاط مدعاة الفساد ، وهو موجود بكثرة من الرّضاع والمصاهرة وغيرهما ، وقد قال الأوّل [أوس بن حجر في «ديوانه» ٥٦ من الوافر] :

إذا الحسب الصّميم تداولته

بناة السّوء .. أوشك أن يضيعا

وارجع إلى ما ذكرته في القطن.

وقد سلّني الله من أهل سيئون كما تسلّ الشّعرة من العجين ، فجاء موضع قول أبي الطّيّب [في «العكبريّ» ٤ / ٧٠ من الوافر] :

وما أنا منهم بالعيش فيهم

ولكن معدن الذّهب الرّغام

على أنّني لم أكن منها ، وإنّما أنا من حوطة مستقلّة ، بضاحيتها الشّرقيّة.

أمّا ما أخرجه الأصفهانيّ بسنده في «الأغاني» [١١ / ٢٦٥] أنّ حضرميّا بالكوفة خطب امرأة من بني أسد ، فأخذ يسأل عن حسبها ونسبها ، فقال الأقيشر المعروف [من الرّمل] :

حضرموت فتّشت أحسابنا

وإلينا حضرموت تنتسب

إخوة القرد وهم أعمامه

برئت منكم إلى الله العرب

 .. فجزاف غير مقبول ، وهجاء الأقيشر غير ضائر ؛ لشهرته بالفسوق ، ولكنّ الفرزدق يقول في هجاء عبد الله بن أبي زياد الحضرميّ [من الطّويل] :

ولو كان عبد الله مولى هجوته

ولكنّ عبد الله مولى مواليا

أراد بالموالي : الحضرميّين ، وكانوا موالي بني عبد شمس بن عبد مناف ، وعبد الله مولى الحضرميّين .. فهو مولى موالي ، ولكنّه أعلم أهل البصرة بالنّحو ، وعنه أخذ أبو عمرو بن العلاء وأبو الخطّاب الأخفش ، ويونس بن حبيب ، وعيسى بن عمر. وكان يلحّن الفرزدق .. فهجاه ، توفّي سنة (١١٧ ه‍) ، عن ثمانية وثمانين عاما.


مع أنّه لا ينكر اختلاط حضرموت بالعجم كما سبق قريبا وفي حورة ، ومرّ في كلام جدّنا تأكيده عن أهل سيئون خاصّة .. فهو أخذ إليهم بعنق قول الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ١ / ٤٠٤ من الطّويل] :

لهم حسب أعمى أضلّ دليله

فلم يدر في الأحساب أين يقاد

وفي «ديوان» الشّيخ عبد الصّمد باكثير ما يدلّ على وصول الشّيخ إسماعيل بن زين العابدين المقدسيّ الأنصاريّ إلى سيئون في سنة (١٠١٠ ه‍) ، وذلك لأنّه خاطب عبد الصّمد بأبيات ؛ منها قوله [من الطّويل] :

لسيئون سرنا بل سررنا لأنّنا

لساحة مولانا على النّجب نسبق

وفي سيئون ناس من آل وثّاب ، لهم ذكر كثير في «سفينة البضائع» لسيّدي عليّ بن حسن العطّاس ؛ لأنّه كان يحبّهم وينزل بسيئون عليهم.

ومنهم بقايا لا أدري أيراعون أم لا ودّ أجدادهم في ذرّيّة الحبيب ومنصبه ؛ فقد جاء الحثّ على ذلك كما في حديث عبد الله بن عمر عند مسلم بن الحجّاج [٢٥٥٢] ، ومعناه : «إنّ من أبرّ البرّ أن يودّ الرّجل أهل ودّ أبيه» أو ما يقرب من ذلك ، ويؤكّده ما صحّ من قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «إنّ حسن العهد من الإيمان ، وإنّها كانت تأتينا في أيّام خديجة».

القضاء بسيئون :

أوّل من تولّى القضاء بسيئون من السّادة آل الصّافي النّاقلين إليها من تريم هو : جدّنا العلّامة الإمام طه بن عمر بن طه بن عمر ، المتوفّى بها سنة (١٠٦٣ ه‍).

ثمّ أخوه عليّ بن عمر ، ثمّ السّيّد عمر بن محمّد بن عمر ، ثمّ جدّنا محمّد بن عمر بن طه بن عمر ، ثمّ جدّنا سقّاف بن محمّد (١) ، المتوفّى بها سنة (١١٩٥ ه‍).

ثمّ ابنه العلّامة الجليل عمر بن سقّاف ، السّابق ذكره في السّوم ، ولم يتولّه إلّا

__________________

(١) ولد بسيئون في حدود سنة (١١١٥ ه‍). ترجمته في «التلخيص» (٤٦ ـ ٥٢). وأفرده ابنه السيد حسن بترجمة واسعة سمّاها : «نشر محاسن الأوصاف» طبعت وصدرت عن دار الحاوي.


تأثّما مدّة قصيرة ، ثمّ نزل عنه لأخيه علويّ (١) ، فلاقى عداء كبيرا من أبناء عمّه علويّ بن محمّد (٢) ، ثمّ نزل عنه لأخيه محمّد بن سقّاف (٣) ، ولم يحمد الحال بين محمّد هذا وأخويه عمر وعلويّ ، كما أشار إليه السّيّد أحمد بن حسن الحدّاد.

وكان السّيّد محمّد هذا شديدا ، حتّى لقد قتل أحد آل باجري مسكينا بسيئون في أيّام يافع .. فلم ترفع يافع رأسا بذلك ، وما كانت تسكت على مثل ذلك مع أنفها وإبائها إلّا لغرض ـ وكأنّه كان عندها دماء لآل باجري فأرادت المبادلة ـ فاشتدّ السّيّد محمّد بن سقّاف وقال : إمّا أن يسلّموا آل باجري القاتل للحكم الشّرعيّ ، وإمّا أن تحاربوهم.

وزجّهم في النّار ، فاهتمّوا بذلك وألجؤوا آل باجري على الخضوع للحقّ ، وبعد محاكمة صاحبهم وامتناع أولياء القتيل عن العفو .. قتل بالسّيف قصاصا أمام دار القاضي. هكذا بلغني عن أحدهم.

وبقي العلّامة السّيّد محمّد بن سقّاف هذا على القضاء إلى أن توفّي بسيئون سنة (١٢٢٢ ه‍) ، ثمّ لم يجد سيّدنا علويّ بن سقّاف بدّا من الرّجوع إليه ، فتولّاه إلى أن مات بسيئون سنة (١٢٣٥ ه‍) ، فأكره عليه ولده جدّنا المحسن (٤) ، وكان سنّه إذ ذاك نحو الأربعة وعشرين ربيعا ، ولكنّه أعين بالتّوفيق ، وكان آية في فصل الأحكام :

__________________

(١) هو العلامة الجليل ، علوي بن سقاف بن محمد .. ولد بسيئون ، وبها توفي سنة (١٢٣٥ ه‍) ، تولّى القضاء بسيئون وهو لم يجاوز الثانية والعشرين من عمره ، وهو أصغر أولاد أبيه ، وجد والد المؤلف.

ينظر : «التلخيص الشافي» (١٠٠ ـ ١٠٩) ، «تاريخ الشعراء» (٣ / ٥٥).

(٢) هو الحبيب علوي بن محمد بن عمر الصافي. أكبر إخوانه سنا ، توفي سنة (٧٠) أو (١١٧١ ه‍) ، وأولاده : حسن وحسين ومحمد.

(٣) العالم القاضي الفقيه ، ولد بسيئون سنة (١١٥٨ ه‍) ، وبها توفي سنة (١٢٢٢ ه‍). ينظر : «التلخيص الشافي» (٨٨ ـ ٨٩).

(٤) هو العلامة المصلح الحبيب محسن بن علوي بن سقّاف ، جد المؤلف مباشرة ، ولد سنة (١٢١١ ه‍) ، وتوفي سنة (١٢٩١ ه‍) ، له سيرة زكية ، ومناقب عطرة ، وأخبار كثيرة ، وله مصنفات. ينظر : «التلخيص الشافي» (١٠٩ ـ ١٢٥) ، «تاريخ الشعراء» (٤ / ١ ـ ٢١) ، «العدة المفيدة» عدة مواضع.


وإذا خطاب القوم في الخطب اعتلى

فصل القضيّة في ثلاثة أحرف

ثمّ تبرّم بالقضاء ، واشتكى إلى سيّد الوادي سيّدنا الحسن بن صالح البحر ، فأشار عليه بالسّفر إلى الشّحر.

ولا أتحقّق من أسند إليه القضاء بعده ، ولكن ممّن تولّى قضاء سيئون الشّيخ عمر بن أحمد بن محمّد باكثير ، إلّا أنّه متأخّر الوفاة ؛ إذ لم تكن إلّا في سنة (١٣٠٧ ه‍).

ولمّا استولى آل عبد الله الكثيريّون على سيئون .. أسندوا القضاء في سنة (١٢٦٥ ه‍) ، إلى العلّامة التّقيّ السّيّد محمّد بن عليّ بن علويّ بن عبد الله (١) ، ثمّ تركه ، وتولّاه السّيّد طه بن علويّ (٢) ، ثمّ عزل ، وأعيد السّيّد محمّد بن عليّ في سنة (١٢٦٧ ه‍) ، ثمّ انفصل وعاد إليه السّيّد طه بن علويّ بن حسن ، ثمّ عزل ، ثمّ أعيد في سنة (١٢٧٢ ه‍) ، وطالت مدّته على القضاء في هذه المرّة ، ثمّ عزل ، وولي السّيّد محمّد بن عليّ في حدود سنة (١٢٩٠ ه‍) ، ثمّ انفصل لأمر جرى عليه من الأمير عبد الله بن محسن ، وعبود بن سالم وتولّاه السّيّد صافي بن شيخ إلى أن مات سنة (١٣٠٠ ه‍) ، وألّف مجموعة في ضبط أموال سيئون ، ذكر فيه الأيدي العادية ، وما دخل فيه الحرام والشّبهة من الأموال بتحرّ لا يستغنى عنه.

وبإثر وفاته .. تولّى القضاء عمّنا عبد الله بن محسن ، ثمّ سافر إلى جاوة وأناب شيخنا العلّامة علويّ بن عبد الرّحمن (٣) ، ولمّا عاد .. لم يرض بالرّجوع إلى القضاء ، وامتنع نائبه من الاستمرار عليه ، فتولّاه السّيّد عبد الله بن عمر بن أبي بكر (٤) ، المتوفّى بسيئون سنة (١٣٢٠ ه‍) ، ثمّ عزل ، وولي الشّيخ أحمد بن محمّد

__________________

(١) المتوفى ساجدا في صلاة الضحى بمسجد المحضار بتريم سنة (١٣٠٤ ه‍). أفرده حفيده مصطفى بن سالم بن محمد بترجمة سماها : «البيان الجلي» طبعت.

(٢) هو السيد العلامة طه بن علوي بن حسن بن علوي بن محمد بن عمر الصافي ، ولد سنة (١٢١٦ ه‍) ، وتوفي سنة (١٢٩١ ه‍). «التلخيص» (٣٦).

(٣) العلامة الورع الحبيب علوي بن عبد الرحمن بن علوي بن سقاف بن محمد .. ابن عم والد المؤلف ، مولده سنة (١٢٥٦ ه‍) ، ووفاته سنة (١٣٢٨ ه‍) ، «التلخيص» (١٦٢ ـ ١٦٦).

(٤) هو السيد عبد الله بن عمر بن أبي بكر بن عمر بن سقاف بن محمد «التلخيص» (٨٦).


بارجاء ، ثمّ عزل ، وأعيد السّيّد عبد الله بن عمر ، ثمّ عزل وأسندوه إلى عمّنا عبد الله بن محسن ، وبقي عليه إلى أن مات في رمضان سنة (١٣١٣ ه‍).

فاجتمع الأعيان والسّلطان بدار الشّيخ أحمد بن محمّد بارجاء. وأرادوا تولية سيّدي علويّ بن عبد الرّحمن .. فامتنع ، فولّوا الشّيخ أحمد بارجاء مؤقّتا ريثما يقنعوا سيّدي علوي.

فخرج سيّدي علويّ من فوره وعقد ببنت عمّنا الغائب علويّ بن محسن على السّيّد محمّد بن عبد القادر بن محسن ، وكانت له ولاية على الأنكحة ، فأشار العلّامة السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ بعد خروجه على السّلطان أن يعزل كلّ متولّ غير بارجاء ، ففعل ، وعلموا بعقد شيخنا فأرسلوا الشّيخ أحمد بارجاء ليخبر ويجدّد العقد ؛ لأنّ العقد الأوّل وقع بعد عزل العاقد ، فقال لهم شيخنا : إنّ القاضي لا ينعزل بنفس العزل ، ولكن ببلوغ الخبر ، فالعقد على صحّته ، فلم يستأنف ، وكنت أنا ممّن شهد ذلك.

وكان السّيّد محمّد بن حامد (١) يرشّح نفسه له ـ بعد عمّنا ـ والنّاس لا يعدلون أحدا بشيخنا علويّ بن عبد الرّحمن ، وهو مصمّم على الامتناع من قبوله ، فلم يكن من الأعيان إلّا أن اجتمعوا ثانيا اجتماعا مشهودا من سائر النّاس في منزل السّيّد شيخ بن محمّد بن شيخ بن عبد الرّحمن السّقّاف (٢) ، وأقرعوا ثلاث مرّات بين الاثنين ، والقرعة تخرج عليه في الثّلاث بحيلة مدبّرة من اللّيل بين السّيّد شيخ بن محمّد بن عبد الرّحمن والشّيخ عمر جوّاس ، وبعد خروجها عليه ثلاث مرار .. لم يكن له بدّ من القبول.

وقد سار سيرة حميدة ، أتعب بها من بعده ، وأزرى على بعض من كان قبله ، ولم

__________________

(١) المتوفى بمكة عقب حج سنة (١٣٣٨ ه‍) ، وهو والد السيد عبد الله مؤلف «تاريخ الشعراء» ، ترجمته في «تاريخ ابنه» (٤ / ٢١٩ ـ ٢٤٤) ، وفي «التلخيص» (٩٠).

(٢) من آل عبد الرحمن بن سقاف بن محمد .. مولده سنة (١٢٤١ ه‍) ، ووفاته في رمضان (١٣١٦ ه‍). «التلخيص» (٥٦ ـ ٥٧).


يتأثّل مالا ، وكانت قيمة أثاث بيته ـ يوم توفّي ـ لا تزيد عن ثلاثة عشر ريالا.

علّامة ليس في فتواه سفسطة

للسّائلين ولا في حكمه جنف (١)

في هديه خلف عن جلّ سبّقه

وربّما جاز قدر الذّاهب الخلف

حيث الحقوق قيام في مقاطعها

وكلّ من حاكم الأيّام ينتصف

ولمّا توفّي سنة (١٣٢٨ ه‍) .. كان المرشّحون للقضاء : السّيّد محمّد بن حامد بن عمر السّابق ذكره. والسّيّد عبد الله بن حسين بن محسن.

فرجحت كفّة الثّاني ، وتحلّب الأوّل مرارة الفشل مرّة ثانية ، ولكنّه تجلّد وكظم غيظه ـ على خلاف طبعه ـ ؛ إذ لم يكن له عن الأمر معدى ، مع أنّه لم يكن بعيد الغور.

ودامت ولاية الثّاني إلى حدود سنة (١٣٤٠ ه‍) ، ثمّ انفصل بعد أن صار ما لا يحمد ، وكان الزّمان تغيّر ، وساء الظّنّ بالواحد فأسند إلى جماعة ، هم : الشّيخان : محمّد بن محمّد باكثير ، وعوض بكران الصّبّان. والسّادة : علويّ بن عبد الله بن حسين ، ومحمّد بن حسين بن محمّد الجفريّ ، والشّيخ عبد الرّحمن بن محمّد بارجاء. ولم تطل مدّة ولايتهم.

وأحيل بعدهم إلى الشّيخين : محمّد بن محمّد باكثير ، ومحمّد بن مسعود بارجاء ، والسّيّد عمر بن سقّاف بن عبد الله بن عمر بن أبي بكر السّقّاف (٢).

ثمّ مات السّيّد عمر ، واستقلّ به الشّيخان ، ثمّ انعزلا ، وولي الشّيخان : عبد القادر وعبد الرّحمن ابنا محمّد بن محمّد بارجاء ، ثمّ مات الأوّل ، فأبقي الثّاني مستقلّا إلى أن لصقت به ريبة ، فضمّوا إليه الشّيخ محمّد بن مسعود بارجاء ، ثمّ سافر الشّيخ عبد الرّحمن فاستقلّ به محمّد مسعود بارجاء ، ثمّ سافر الشّيخ عبد الرّحمن فاستقلّ به محمّد مسعود ، ثمّ ضمّوا إليه السّيّد محمّد بن أحمد كريسان (٣).

__________________

(١) الأبيات من البسيط ، وهي للشريف الرضي في «ديوانه» (٢ / ٧) بتغيير يسير.

(٢) حفيد السيد عبد الله بن عمر السابق ذكره ، ولد سنة (١٣١٠ ه‍) ، وتوفي سنة (١٣٤٣ ه‍) عن (٣٢) عاما. «التلخيص» (٨٧).

(٣) توفي بسربايه في حدود سنة (١٣٦٩ ه‍).


والسّيّد عيدروس بن سالم بن محمّد السّوم. والسّيّد عبد القادر بن عبد الله بن صالح الحامد.

ثمّ انتهت ولايتهم ، وأسندوا القضاء إلى السّيّد محمّد بن حسين الجفريّ ، ثمّ عزل وولي السّيّد علويّ بن عبد الله بن حسين (١) ، ثمّ انفصل وأسند القضاء للشّيخ امبارك عميّر باحريش (٢) ، أحد طلبة العلم بتريم ، وكان آية في النّزاهة على غرار سيّدي علويّ بن عبد الرّحمن ، لو لا ضيق خلق وتعصّب يقصد به الاحتياط فيوقعه في تعنّت الشّهود من حيث لا يشعر.

ومن المقرّر أنّ الاحتياط ـ في حقّ القاضي ـ من أصعب ما يكون ؛ لأنّه إذا احتاط في جانب .. أضرّ بالآخر.

ومع حبّي له وإعجابي به وانقطاعه إليّ في قراءة كتب السّلف .. فقد لاحظت عليه أغلاطا ما أظنّه يتعمّدها ، ولكنّه يقع فيها بغشّ بعض المغرضين ، غير أنّه لا يرجع عنها.

ولمّا اضطرب القضاء بسيئون وتحوّل إلى تجارة ـ وكان الأغلب أن يلقى للقاضي حبله على غاربه ، لا رادّ لأمره ، ولا معقّب لحكمه ، بشرط أن يتجنب مساخط أهل النفوذ فقط ـ .. ساءت القالة ، وفي الأخير أنشئت لجنة للاستئناف ، فسرّ النّاس وأمّلوا الإنصاف ، وأن تكون الأحكام وفق المقرّر المعتمد من المذهب ، فما هي إلّا أيّام قليلة .. حتّى تبيّنوا أنّ النّكس شرّ من المرض ، وإليكم مثال من مقرّرات استئنافهم ؛ ليكون عنوانا لما سواه :

__________________

(١) قال السيد علوي المذكور في «تلحيصه» (١٥٧) : وفي سنة (١٣٦٤ ه‍) طلب مني السلطان جعفر المنصور ووزيره سالم المشهور مع زمرة ممن يعز علي من آبائي وإخواني أن أتولى القضاء ثانيا ولو لمدة وجيزة .. فقبلته وتوليته لمدة (٢٧) شهرا ، ويا ليتني لم أتحمله ، كما قال جدي محسن : (القضاء صفاء زلال لا تثبت عليه إلا أقدام الكمل من الرجال) ، ولست منهم في عير ولا نفير ، ثم تخلصت منه بالعزم على السفر. اه

(٢) مولده بتريم ، ودرس بمدرسة جمعية الحق بها ، وبرباط العلم ، وشيوخه كثيرون ، وكان من خواص السيد محمد بن حسن عيديد ، وهو الذي جمع له الثبت المسمى : «إتحاف المستفيد» ، توفي بتريم بعد خروجه من القضاء في شوال (١٣٦٧ ه‍).


الحمد لله ، وهو المستعان ، وبعد :

فقد رفع الحكم الصادر من السّيّد علويّ بن عبد الله السّقّاف قاضي سيئون إلينا ، المؤرّخ في (٢٧) جمادى الآخرة سنة (١٣٦٤ ه‍) في قضيّة الشّريفة رقيّة بنت محمّد بن أبي بكر العيدروس مع أولاد السّيّد علويّ بن عيدروس ، مع الملاحظات الّتي قدّمت عليه ، فتأمّلنا ذلك.

وحيث إنّ الملاحظات بمناقضة الدّعوى الّتي بني الحكم عليها لما تقدّم من إقرارها عند القاضي محمّد بن حسين الجفريّ ، بأنّ المال معهّد ، وأنّها تطالب بالفكاك .. ظاهر في القدح.

وحيث إنّ كتابة القاضي السّابق محمّد الجفريّ المذكور يصرّح باعترافها بأنّ المال معهّد عند أولاد السّيّد علويّ العيدروس المذكور ، ومطالبتها بفكاك العهدة.

ولو فرض أنّ الإقرار لم يصدر إلّا من وكيلها .. فهذا أيضا مثبت لمناقضة الدّعوى الأولى للدّعوى الثّانية الّتي في الحكم بالنّسبة للوكيل.

فبناء على ما ذكر .. اتّضح لنا أنّ الدّعوى الثّانية غير صحيحة ، وأنّ الحكم المترتّب عليها غير صحيح. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، وحرّر في (٢٤) صفر سنة (١٣٦٥ ه‍) ، وفي «مجموع الحبيب طه» ما يصرّح بما تقدّم والله رقيب.

عيدروس بن سالم السّوم

صالح بن عليّ الحامد

مصطفى بن سالم السّقّاف

محمّد بن شيخ المساوى

فكتبت عليها غيرة على العلم لا مساعدة للحاكم ؛ فلم أكن بالرّاضي عن أحكامه الّتي بدأها بحكم لعمر بن كرامة الزّوع على زوجته خديجة بنت أحمد بن سالم باقطيّان وعرضه عليّ ، ومن شهوده : السّيّد عبد القادر بن أحمد بن عبد الرّحمن بن عليّ .. فلم تلبث أن أرضته المرأة فقضي لها ، ودفن الحكم الأوّل.

ومع هذا فقد كتبت على كلمة الاستئناف ما يلي :


بما أنّ القاضي السّيّد محمّد بن حسين الجفريّ منكر من إقرار رقيّة ووكيلها بالعهدة إنكارا شديدا ، ولم يثبت ذلك الإقرار ببيّنة قطّ عند أهل الاستئناف كما يستهلّ به بعضهم ، وإنّ إنكار السّيّد محمّد بن حسين من ذلك ملأ سمع الأرض وبصرها قبل أن يقول الاستئناف قوله ذاك ، وفي إمكانهم أن يسألوه ؛ لأنّه لا يزال على القضاء ، أو يطلبوا ثبوت ذلك بطريقه الشّرعيّ ـ ولم يكن ذلك .. يتبيّن أنّ هذا التّقرير رمل مبنيّ على ماء ، وأتعجّب كثيرا من قولهم : وفي «مجموع الحبيب طه» ما يصرّح بما تقدّم ؛ لأنّه يدلّ على غفلة فاحشة وسهو قبيح ؛ إذ الّذي في «المجموع» على ألوان ، منه :

ما نقله عن «فتاوى عبد الله بن أبي بكر الخطيب» : (فيما لو استدعى رجل لأولاده نذرا معلّقا ، ثمّ ادّعى لهم نذرا منجّزا وأسنده إلى ما قبل التّعليق .. لم تسمع دعواه إلّا للتّحليف ؛ لمناقضة ذلك لدعواه الأولى ، فبطلت بالنّسبة له ، وأمّا بالنّسبة لأولاده .. فلا ، ولكن لا يصحّ أن يدّعي هو لهم ؛ لأنّه خرج بإقراره عن كونه وليّا لهم في ذلك ، بل ينصّب الحاكم من يدّعي لهم ، وتقبل دعواه وبيّنته) اه من كرّاس الإقرار

وفي الدّعوى والبيّنة منه : عن الخطيب المذكور : (لو باع دارا ، فادّعى ابنه على المشتري أنّ البائع وقفها عليه وعلى أولاده ، وأقام بيّنة .. بطل البيع.

فلو أقام المشتري بيّنة بإقرار المدّعي أنّها كانت ملكا لأبيه حين باعها وثمّ أطفال من أولاد أولاده .. سمعت ، وبطلت الوقفيّة في نصيبه دون نصيب الأطفال ، وليس له أن يدّعي نصيب الأطفال ؛ لأنّه خرج بإقراره عن كونه قيّما لهم ، ويجوز أن ينصّب المقرّ مدّعيا. قاله القاضي حسين.

قال البغويّ كما قال العباديّ : ولو ادّعى المقرّ جهله بالوقف حال الإقرار .. صدّق بيمينه ، وهذا هو الصّحيح ، ويجب الجزم به إذا دلّت القرائن على صدقه ؛ كأن كان طفلا) اه

ومثل هذا موجود في (ص ١١٥ ج ٣) من «فتاوى ابن حجر».


وقوله : (كأن كان طفلا) مثله لو اعتذر بأنّ إقراره مبنيّ على ظاهر الحال ، كما في ذلك «المجموع» أيضا من تصريح الخطيب المذكور قبيله بأسطر.

ومن قوله : (ويجوز أن ينصّب المقرّ ... إلخ) يعرف تقييد خروجه عن الولاية على أولاده بخصوص الدّعوى فيما ناقضه بإقراره فقط ، وبه يندفع الإشكال.

وفي النّذر من ذلك «المجموع» : (رجل استدعى من امرأة نذرا لأولاده ، فنذرت لهم نذرا معلّقا ، ولمّا علم أنّها تريد نقضه .. ادّعى نذرا سابقا ، لم تسمع دعواه ؛ لأنّه باستدعائه المعلّق أقرّ لها بالملك. وهو مبسوط في كراريس الإقرار من جواب محمّد باحويرث ، وردّه أحمد مؤذّن) اه

وظاهره أنّ أحمد مؤذّن يقول بسماع الدّعوى مطلقا ، ويلزمه القول بأنّ الوكيل إذا انعزل بالإقرار ثمّ تجدّدت له الوكالة .. صحّت ، وبذلك صرّح الشّيخ عبد الله بن أبي بكر الخطيب ، كما في «المجموع» المذكور أوائل الدّعوى.

وحاصل كلام أحمد مؤذّن في «المجموع» المذكور : (أنّ أحمد باعطب ادّعى على عائشة بنت محمّد الحاجّ شعيب أنّها نذرت لأولاده بنصف دارها نذرا منجّزا ، وثبت ذلك بشهادة السّيّد فلان ، ولم يبق إلّا يمين التّكملة ، فعارضني فلان وكتب سؤالا ذكر فيه أنّ باعطب استدعى بعد ذلك نذرا من عائشة ، وأنّ ذلك إقرار منه يناقض دعواه.

فكتبت على ظهره : هذا غلط واضح ؛ لأنّ إقرار الأب لاغ في حقّ أولاده.

ثمّ أجاب بعض أكابر دوعن بما يوافق المعترض ، وصادق عليه باخبيزان في بضه ، وبامعلّم في قيدون ، فأخذ الله على بصائرهم فلم ينتفعوا بأبصارهم) اه

والحاصل : أنّ أحمد مؤذّن يقول بإلغاء الإقرار وصحّة الدّعوى ، وكان باخبيزان ومن لفّه يقولون بصحّة الإقرار والمؤاخذة به ، وهو غلط إن صحّ عنهم.

وعبد الله بن أبي بكر الخطيب يقول : لا مؤاخذة على الأولاد بإقرار أبيهم إلّا في عدم سماع الدّعوى ما لم يبد عذرا. هذا كلّه في «المجموع» ، فماذا الّذي أراد منه


أهل الاستئناف؟ لقد حفظوا شيئا وغابت عنهم أشياء ، ألم يعلموا أنّه يجب على القاضي الكامل بيان مستنده إذا نقض حكم غيره فضلا عن قضاة الضّرورة؟ وأيّ مستند بيّنه هؤلاء؟! أما كان الواجب عليهم بالتّنزّل وجعل إقرار المرأة أو وكيلها مانعا من سماع الدّعوى الثّانية ـ لغرض أنّه من غير تأويل ـ أن يقولوا : ثبت لدينا بشهادة فلان وفلان ، ويراعوا الأوضاع الشّرعيّة في جميع ذلك ، وينقلوا النّصّ الّذي اعتمدوه بعينه؟!

وإذا لم يكن شيء من ذلك .. فما قولهم إلا هراء ، بينه وبين الصّواب سبل وعرة وأرض عراء. والله أعلم.

كتبه : عبد الرّحمن بن عبيد الله

وبلغني أنّ السّيّد مصطفى ارعوى ورجع عن كلامه ، وأمّا الباقون .. فأصرّوا ، ولكن ألغي كلامهم وأعيد المال إلى رقيّة ، ثمّ فصلوا تماما وأسند الاستئناف إلى جماعة بتريم مدّة قليلة ، ثمّ هو الآن في يد السّيّد عبد الله بن صالح بن هاشم الحبشيّ (١) ، وفّقنا الله وإيّاه للسّداد ، وجعلنا وإيّاه ممّن يؤثر النّصوص المقرّرة في الاعتماد.

وهو مشهور بالنّزاهة ، إلّا أنّ من أصحابه مغرضين يزعم النّاس أنّه قد ينخدع بكلامهم.

ومن العلماء المشهورين والأشخاص الظّاهرين بسيئون : أخونا العلّامة الجليل السّيّد محمّد بن هادي بن حسن بن عبد الرّحمن بن حسن بن سقّاف (٢) ، فلقد شمّر ـ

__________________

(١) ولد بالحوطة ، وتوفي بها سنة (١٣٨٧ ه‍) ، وكان طلب العلم بمكة وكان فقيها عالما ، له اعتناء بعلم الفلك ، وقدم تريم ودرّس في الرباط في حياة الحبيب عبد الله بن عمر الشاطري.

(٢) ولد الحبيب محمد بن هادي بسيئون سنة (١٢٩١ ه‍) ، وتوفي بها في (١٥) رجب (١٣٨٢ ه‍).

نشأ في حجر والده ، وأخذ عن جملة من علماء عصره ؛ منهم : الإمام الأبر ، والحبيب علي الحبشي ، وقرأ على والده الحبيب هادي المتوفى سنة ١٣٢٩ ه‍) ، له رحلة إلى مصر سنة ١٣٤٢ ه‍) دوّن وقائعها مرافقه وتلميذه الشيخ بكران الصبان ، وأخرى إلى الحجاز كتب وقائعها تلميذه السيد محمد شيخ المساوى. وجمع بعضهم كلامه ومواعظه في مجلد. ينظر : «التلخيص» (٩٧ ـ ٩٨) ، «تاريخ الشعراء» (٥ / ١٦٦).


بسائق أبيه من نعومة أظفاره ـ الذّيل ، وواصل في طلاب العلوم بين النّهار واللّيل ، ولم يزل يردّ الضّجر ، ويفترش المدر ، ويدمن السّهر ، ويديم التّحديق ، ويلازم التّحقيق ، حتّى ينعت له الأماني ، واقتطف ثمار التّهاني .. فجاء موضع قول الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ٢ / ٨ من البسيط] :

لو أنّ عين أبيه اليوم ناظرة

تعجّب الأصل ممّا أثمر الطّرف

وكان أكثر تخصّصه في علم النّحو ، فهو والشّيخ محمّد باكثير فيه فرسا رهان ، ورضيعا لبان ، وربّما اختلفا في بعض المسائل ؛ كما في (منهلّا) من قول ذي الرّمّة [في «ديوانه» ١٠٢ من الطّويل] :

ولا زال منهلّا بجرعائك القطر

ـ فالأوّل يرى أنّ (منهلّا) اسم فاعل ورفع المسألة إلى بعض العلماء بمكّة ، فصوّب كلامه.

ـ والثّاني يرى أنّه اسم مفعول ، وظفر من شرح «المتمّمة» للسّيّد الأهدل بنصّ يوافقه على ذلك.

وعندي : أنّ كلّا منهما مصيب ؛ لأنّ (منهلّا) زنة (معتلّا) ، وهو صالح للاثنين ، كما في «حاشية الصّبان على الأشمونيّ» [٢ / ٤٧٦] ، لا يتميّز أحدهما إلّا بالنّيّة.

خصائص سيئون :

منها : عذوبة الماء ، حتّى إنّ قائلهم يقول : (سيئون والماء ، ولا سمن البقر في شبام).

ومنها : اعتدال هوائها ، وكثرة صفائها ، ولهذا كان لها منظر جذّاب يأخذ بقلوب أهلها فيكثر له حنين الغائبين عنها من أبنائها.

ولأهلها ميل كثير إلى الأنس ، حتّى إنّهم كانوا يخرجون بأهاليهم في فصلي الصّيف


والخريف كلّ عشيّة إلى الفضاء الرّحب في سفوح يثمه (١) على طبخ القهاوي ، ومناشدة الأشعار ، ومبادلة النّوادر ، ثمّ لا يرجعون إلّا للعشاء ، مع نزاهة وصيانة وتباعد في المجالس ، بحيث لا يبين لأحد لون امرأة لا تحلّ ، إلّا من كانوا من المبرّزين الّذين لا تتحجّب نساؤهم .. فبين ما يفعلون وما يؤثر قديما عن سمر أهل ظفار .. بعد المشرقين.

وهذه السّفوح قاحلة ليس بها شيء من الأعشاب والأشجار إلّا تعاشيب من الإذخر والأشنان وما أشبه ذلك ، وحواليها مجاري السّيول والمطر بها قليلة الهطول ، ولكنّه منظر يجلو الهمّ ، ويفرّج الحزن ، ويجمّ الفؤاد.

ولمّا اشتكى الحبيب عليّ بن عبد الله السّقّاف ما يعتريه من الهمّ إلى الحبيب عبد الله بن علويّ الحدّاد .. أشار عليه بمقابلة وادي يثمه كلّما طرقه ، ففعل فنجح ، ووجد منه أفضل علاج له ولهذا اتّخذ بفناء مسجده مكانا في شرقيّه ينظر منه إليه.

وما أشبه حنين آل سيئون إليها .. بما كان من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأصحابه المهاجرين إلى مكّة المشرّفة ، حتّى لقد جاءه أصيل الغفاريّ من مكّة ووصف له خصبها ، وقال : إنّ الإذخر أورق ، والشّجر قد أعذق (٢) ، أو ما يشبه هذا ، فاغرورقت عيناه. وإن كان بلال ليرفع عقيرته إذا أخذته الحمّى ـ مع أنه لم يلاق بمكة إلا كل بلاء ـ ويقول [من الطّويل] :

ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة

بواد وحولي إذخر وجليل

وهل أردن يوما مياه مجنّة

وهل تبدون لي شامة وطفيل

وفي جنوب تلك السّفوح في شرقيّ سيئون موقع مكاننا علم بدر (٣) ، وكلّما بارحته

__________________

(١) واد من الأودية المشهورة في سيئون. وهو الذي نشأ فيه الحبيب علي بن عبد الله السقاف ـ المتقدم ذكره ـ وبنى فيه مسجده. وهو يقع الآن داخل سيئون.

(٢) أعذق : أخرج ثمره.

(٣) أصل تسميته باسم السلطان علي بن بدر بن عمر بن بدر بوطويرق ، المتوفى بالشحر سنة (١١٠٧ ه‍). «تاريخ الدولة» (٨٦ ـ ٨٨). ولكن لما كثر دوران الاسم على الألسنة .. تحرف


ـ على ما ألاقي به من الأذايا ـ اشتدّ شوقي إليه ، كما يعرف من «ديواني» المحشوّ به ، من ذلك قولي من قصيدة إماميّة [في «ديوان المؤلّف» ٥٢١ ـ ٥٢٢ من الطّويل] :

شجون أطارت في الظّلام منامي

لتذكار أيّام بسفح يثام

بحيث الفضاء الرّحب والسّدر حوله

منابت نخل باسق وبشام (١)

قليل به الأعشاب لكنّ ماءه

ألذّ وأصفى من سلاف مدام (٢)

وما نزه الدّنيا وجنّات ريفها

بأنفع من بطحائه لسقام

ولن أنس فوق الرّمل فيه مجالسي

شمالي بنتي واليمين غلامي

عشايا على تلك السّفوح تصرّمت

بإثر غدايا في هنا ووئام

بصحبة قوم طاهرين مراجح

ميامين شمّ صادقين كرام

مضوا كلّهم قدما وعاشوا بحمدهم

وإن أعقبوا في عصرنا بلئام

ومن أخرى وداعيّة كان إنشاؤها في سنة (١٣٥٤ ه‍) [في «ديوان المؤلّف» ٥٢٥ ـ ٥٢٦ من الطّويل] :

تذكّرت شرقيّ الحمى منبت الأثل

وماأصعب الذّكرى على ذي الوفامثلي (٣)

مشارف ما فيهنّ للعين منظر

يروق سوى شيء من السّدر والنّخل

فما زرعها زاك ولا ثمّ ساكن

بها غير شاك قلّة الأمن والعدل

ولكنّ فيها نشأتي وولادتي

وخلّفت فيها صبيتي وبها أهلي

فما في بلاد الله أرض كمثلها

لديّ على تلك المخاوف والأزل (٤)

ولم أنس في يوم الوداع مواقفا

لواعجها في القلب أشوى من الثّكل (٥)

__________________

فصار (علم بدر) كما يوردها المؤلف كثيرا في هذا الكتاب.

(١) البشام : نبت طيّب الرّائحة ، يستاك به.

(٢) سلاف المدام : أجودها وأزكاها.

(٣) الأثل : شجر طويل ، يعمّر كثيرا ، جيّد الخشب ، كثير الأغصان متعقّدها ، دقيق الورق.

(٤) الأزل : الشّدّة.

(٥) اللّواعج : الآلام.


تراجعني فيها الهوى أمّ شادن

وأجفانها تجري وأشجانها تغلي (١)

وتلوي بليّتها مخافة طفلة

ترى ما بها من حسرة البين أو طفل

تصدّ لإيهام الأطيفال تارة

وتقبل أحيانا بفوّارتي وبل (٢)

ويمنعها سوق المقال نشيجها

سوى كلمات ساقطتها على رسل

تقول : إلى أين السّرى بعد ما ترى؟

فليس لنا ذرع على فرقة الشّمل (٣)

فقلت : قريبا تنطوي مدّة النّوى

ويعقبها من فضله الله بالوصل

والشّوط بطين جدّا من أمثال هذا ، ولكن لا حاجة لإثارة الأشواق ، وتجديد الأحزان ، ولقد كانت لي أخت صالحة تجرمت لها الأعوام في الأمراض المزمنة والأوجاع المؤذية ، وعرضنا عليها أن تمرّض في بيتنا .. فامتنع زوجها ، فكانت لا تغبّنا زيارة مع ضعفها ، تستشفي برؤيتنا واستنشاق هوائنا ، حتّى اشتدّ بها المرض وألحّ عليها الألم ، فكانت تأمر أن تحمل لتطلّ من نافذة يتراءى لها منها مكاننا ، فقلت في جملة رثائها [من الطّويل] :

وكم هزّها شوق لمسقط رأسها

فناء بها ضعف فجاش لها وبل

تذوب حشاها حسرة كلّما بدا

مصلّى أخيها أو تراءى لها النّخل

وكان سيّدنا الجدّ سقّاف بن محمّد يحرص كثيرا على سرور أهل بلاده ، حتّى إنّه ليرتقي سطح داره في أيّام الصّيف والخريف فإن لم يسمع غناء ولا طبلا .. تكدّر ؛ لأنّهم لا يخرجون بتركه عن عادتهم في ذلك إلّا لمكدّر عيش ، ومشوّش بال. وكانوا مع فرط الصّفاء وترادف السّرور في فقر مدقع متساوين فيه ، وإن وجد لدى أحد شيء من المال .. لم يعرف أثره في لباسه ، ولا في أثاثه ولا في داره ، وإنّما يظهر أثره في

__________________

(١) الشّادن : ولد الغزال عندما يطلع قرناه ويستغني عن أمّه.

(٢) الفوّارة : العين الّتي يفور ويجري ولا ينقطع ماؤها. الوبل : المطر الشّديد وهو هنا كناية عن فوران العينين بالدموع.

(٣) ذرع : قوّة وطاقة.


الإحسان ومواساة الأقارب والجيران ؛ كسيّدي جعفر بن شيخ (١) ، والشّيخ عمر دحمي (٢).

وفي أوائل هذا القرن بدأت زهرات ضئيلة من الثّروة ، استفزّت بعض أهل العلم فاستمالوا أهلها وعظّموهم ، وكبّروهم في أنفسهم ، وحملوهم على اقتناء الفراش والأثاث ، وتشييد الدّور ، وزخرفة القصور ، ونهجوا لهم السّبيل إلى اتّباع الشّهوات ، والتّقلّب في اللّذّات ، فأخذ السّرور يغيض (٣) والأحزان تفيض (٤) ، حتّى انحلّ الرّباط ، وطوي البساط ، وتقوّض ذلك الفسطاط ، وأديل الاجتماع بالافتراق ، والاتّحاد بالانشقاق ، وانكسرت خواطر الفقراء ، فاقشعرّ بهم بطن البلاد ، وتوزّعتهم الأقاليم النّائية.

ونجمت المنافسات والمزاحمات ـ العائد كثير من شرّها إلى بدعة طائفة باطويح ، فهم ومن على شاكلتهم الّذين بذروا بذور التّحاسد ، وأثاروا الأحقاد ـ وما كان آل سيئون قبل ظهور الثّروة والجاه ونجوم هذه البدعة إلّا إخوانا على سرر الصّفاء متقابلين ، وكان الدّرسة أحرارا ، والأوقات موزّعة ، لكلّ وقت شيخ يدرّس العلم ويحضر عليه الطّالبون ، فيبثّ فيهم الحبّ ، ويؤكّد الإخاء ، ويثني بينهم على أقرانه ، ويغريهم بالأخذ عنهم. لا يمتاز شيخ بأحد ، بل كلّهم شرع فيهم.

وقد قال النّوويّ في مقدّمة «المجموع» [٦١] : (ومن أهمّ ما يؤمر به العالم : أن لا يتأذّى ممّن يقرأ عليه إذا قرأ على غيره ، وهذه مصيبة يبتلى بها جهلة المعلّمين ، وهو من الدّلائل الصّريحة على عدم إرادتهم وجه الله ، وقد قدّمنا عن عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ ما فيه من الإغلاظ) اه

فعند نجوم الجاه ، وتفشّي المال ، وظهور البدعة.

غاض السّرور وفاض الهمّ واتّسعت

مسافة الخلف بين القول والعمل (٥)

__________________

(١) هو السيد جعفر بن شيخ بن عبد الرحمن بن سقاف توفي سنة (١٢٩٥ ه‍). «التلخيص» (٥٤ ـ ٥٥).

(٢) وعمر دحمي من آل السبايا ، تنظر أخباره في : «العدة المفيدة».

(٣) يغيض : يذهب ، ويقلّ.

(٤) يفيض : يزداد.

(٥) البيت من البسيط ، وهو للطّغرائيّ في «ديوانه».


ثمّ جاءت الطّامّة الكبرى وكانت الحرب الطّاحنة ، وانقطعت صلات جاوة وسنغافورة عن حضرموت ، فوقع الحضارم ـ ولا سيّما من نزل عن شبام ـ في أضيق من حلقة الميم ، وأشدّ من صمّاء الغبر (١) ، ورماهم الله بسبع كسبع يوسف (٢) ، يكفي لوصفها ما جاء في قصيدتي المستهلّة بقولي [من الكامل] :

عبر يلين بها الغليظ الجافي

ويحسّ منها القلب وخز أشافي (٣)

وقد طبعت مرّات ، وأشرت إلى شيء من ذلك في قصيدة أخرى ، مطلعها [من الكامل] :

يا ليت شعري هل يساغ الرّيق

ويدال بالإفراج هذا الضّيق

ولو أنّ سيئون عادت بالفقر الأخير سيرتها الأولى من الأنس والصّفاء ، وكثرة السّرور وسلامة الصّدور .. لكان الأمر هيّنا ، بل ممدوحا ، فلا مرحبا بالمال إن لم يكشف البؤس ، ويؤنس النّفوس ، ولكن .. لا ذا تأتّى ولا ذا حصل (٤) ، وما أتوا إلّا من قبل نفوسهم ، وسوء أعمالهم ، ونغل قلوبهم ، وفساد نيّاتهم ، فكان الأمر كما قال القطب الحدّاد [في «ديوانه» ١٢٦ من الرّمل] :

آية الأنفال والرّعد مع النّ

حل لمّا غيّروها .. غيّرت (٥)

__________________

(١) الصّمّاء : الحيّة. الغبر : الأرض الّتي لا يهتدى فيها ، يضرب مثلا للداهية العظيمة.

(٢) المجاعة الكبرى في حضرموت : بدأت من حدود (١٣٦٢ ه‍) إلى سنة (١٣٦٦ ه‍) إبان الحرب العالمية الثانية ، وقد مات أثناءها أمم لا تحصى ، وقد كانت من أسباب الهجرة إلى الحجاز ونواحي الجزيرة ، والبعض إلى الحبشة وأرتيريا ، ومؤخرا إلى السعودية وبلدان الخليج.

(٣) الأشافي : الإبر.

(٤) أخذا من البيتين المشهورين في التحذير من التقليد الأعمى :

غراب تعلم مشي القطا

وقد كان يحسن مشي الحجل

فهرول ما بين هذا وذا

فلا ذا تأتى ولا ذا حصل

(٥) آية الأنفال : هي قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

آية الرعد : هي قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ)

آية النحل : هي قوله تعالى : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ)


ومن خصائص سيئون : ملاحة نسائها ، حتّى جاء في أمثالهم : (مصباة في سيئون .. خير من حرمة في مدوده). والمصباة هي : الأثافيّ إزاء المنصّة الّتي تطبخ عليها الملاح القهوة.

ففيها الملاح الهيف يلعبن بالنّهى

ويقتلن من لم يعرف العشق قلبه (١)

وهنّ كما يقول شيخنا العلّامة ابن شهاب عن نساء عدن [في «ديوانه» ٢٣٦ من الطّويل] :

حواضر آدابا ولطفا ورقّة

أعاريب إن حاورن نطقا وتبيانا

معاطير لا من مسّ جام لطيمة

وأذكى شذا من مسك دارين أردانا (٢)

وكم لأخي علويّ ولأبي ريّا من التّغزّلات السّائقة بغواني سيئون الفائقة.

ومن خصائصها : لين الطّباع ، حتّى لقد رووا أنّ أميرين ببور اختلفا وطال بينهما النّزاع ، فأشار بعض أهل الفراسة بطين من سيئون فرشّوه تحت قطيفة أحدهما ، فلان وبخع للآخر بما يريد ، وسوّيت المسألة في دمائهم.

أمّا أحوال سيئون السّياسيّة :

ـ فقد مرّ في هذه المسوّدة أنّها كانت سنة (٦٠١ ه‍) لظبيان وبني سعد ، والمقصود نخيلها ، أمّا ديارها .. فإنّها خراب لذلك العهد.

ـ وفي سنة (٨٤٢ ه‍) أخذها السّلطان الكثيريّ كما عند شنبل [ص ١٧٦].

ـ وفي سنة (٨٥٤ ه‍) كانت سيئون والغرفة وجفل ملك الكثيريّ ، ولكنّ آل يمانيّ وآل ثعلب يغزونهم ويحاربونهم ، ثمّ تقلّبت بها الأحوال الّتي تقلّبت بسائر بلاد حضرموت ، حسبما يفهم ممّا مرّ في شبام.

وهنا نلخّص شيئا من أحوال الدّولة الأخيرة عن «الأصل» : ففي سنة (١٢٦٤ ه‍) أخذها نوّاب السّلطان غالب بن محسن الكثيريّ من أيدي آل الظّبي اليافعيّين (٣) ، يرجع

__________________

(١) البيت من الطّويل.

(٢) اللّطيمة : وعاء العطر.

(٣) ينظر «العدة المفيدة» (١ / ٤٠٠) وما بعدها.


نسبهم إلى يافع بن زيد بن مالك بن زيد بن ذي رعين ، وكان لجلائهم منها رنّات حزن مؤثّرة ، كما قال أبو عبادة [في «ديوانه» ٢ / ٣٦٣ من الكامل] :

كانوا جميعا ثمّ فرّق بينهم

بين كتقويض الجهام المقلع (١)

ووراءهم صعداء أنفاس إذا

ذكروا الفراق .. أقمن عوج الأضلع

لأنّ لفراق الأوطان مطلقا عبرات تنقضب (٢) لها الضّلوع ، فكيف بسيئون الّذي مرّ بك من وصفها ما يشعر بتزيّدها في هذا الشّأن؟ ولذا لم تزل يافع تتحرّق حتّى ظفرت بالمساعدة من الأمير عمر بن عوض القعيطيّ ، فاستردّتها في سنة (١٢٦٥ ه‍) ، ولكنّهم لم يقيموا بها إلّا سبعين يوما ، والفتنة ذاك أوارها ، مترام شرارها.

وفي يوم الخميس غرّة جمادى الأولى من سنة (١٢٧٢ ه‍) .. وصل السّلطان غالب بن محسن (٣) من الهند إلى ريدة ابن حمدات ـ السّابق ذكرها في المراسي ـ ونزل عند أصحابه آل عبد الودود ، ثمّ إلى تاربه ، ثمّ إلى تريم ، ثمّ إلى سيئون.

وفي ثاني يوم وصوله إلى سيئون خفّ إلى ذي أصبح لزيارة وحيد حضرموت ،

__________________

(١) تقويض : تفريق. الجهام : السحاب.

(٢) تنقضب : تنقطع.

(٣) هو غالب بن محسن بن أحمد بن محمد بن عبد الله ، المنتهي نسبه إلى عبد الله بن بدر بوطويرق الكثيري ، ولد سنة (١٢٢٤ ه‍) أو (١٢٢٣ ه‍) في قرية غنيمة بوادي تاربة ، وسافر سنة (١٢٤٦ ه‍) إلى الهند ، والتحق بالجيش النظامي ، وترقى إلى رتبة جمعدار بمعونة الجمعدار عبد الله بن علي العولقي.

وكانت عودته لإقامة دولة آل عبد الله الأخيرة بمعونة بني عمومته : علي بن أحمد ، وعبود بن سالم آل كثير ، وكان ابن أخته عبود بن سالم قد ورد إلى حضرموت سنة (١٢٦١ ه‍) وبدأ في التمهيد ، وأخذ يجوب حضرموت شرقا وغربا يأخذ العهود والمواثيق من القبائل ، وكان السلطان غالب يمده من الهند بالأموال اللازمة ، ولم يأت إلى حضرموت إلا وقد ملأ اسمه وصيته الأسماع. ينظر : «الصفحات» لباوزير (١٩٠ ـ ٢٠٠).

أما دولة آل كثير الأولى .. فقد انتهت في عام (١٢٢٣ ه‍) بعد هزيمة يافع للأمير جعفر بن علي بن عمر بن جعفر ، وبوفاته انحصرت سلطة أبنائه على شبام فقط ، وقامت بها دويلة آل عيسى بن بدر سنة (١٢٣٩ ه‍) ، وانتهت بمقتل السلطان منصور بن عمر في شبام سنة (١٢٧٤ ه‍) على يد السلطان عوض بن عمر القعيطي.


الإمام : حسن بن صالح البحر وطلب دعاءه ، وكان السّلطان غالب صالحا عادلا ، أبيض السّريرة ، غير أنّ وزيره عبود بن سالم ـ وهو ابن أخته ـ لم يكن هناك ، وقد استولى على خواطره ، فكانت تتّجه إليه ملاوم أهل الحقّ من هذه النّاحية من حين إلى آخر ، ولم يزل على السّلطنة إلى أن توفّي فجأة في (٢١) رجب ، سنة (١٢٨٧ ه‍) ، ودفن من اليوم الثّاني في جمع عظيم أمّ النّاس فيه سيّدي الجدّ محسن بن علويّ ، وخطب خطبة وجلت لها القلوب ، وذرفت العيون.

وقد طمع في الإمارة بعده كلّ من : أخيه عبد الله بن محسن ، وابن أخته عبود بن سالم ، وابن عمّه عبد الله بن صالح. وكان أشدّهم طمعا عبود ؛ لأنّ خاله تهيّأ قبيل وفاته للتّنازل عنها له تأثّما من التّبعات ، غير أنّ الجدّ محسنا بحكمته وشهامته وصرامته وضع عمامته على رأس ولده منصور ، فكمّت الأفواه وكان إذ ذاك أوان البلوغ ، وكان ذلك الصّنيع فلتة ، إلّا أنّ الله وقى شرّها.

وكان السّلطان محسن بن غالب صغيرا يوم مات أبوه ، ولمّا شبّ .. ساهم أخاه (١) ، فتناصفا الملك عن طيبة خاطر.

وفي سنة (١٣٣٤ ه‍) وصلني كتاب من قائد الجيوش العثمانيّة بلحج ، وهو علي سعيد باشا ، يطلب اعتراف سلاطين حضرموت بأنّهم تبع الدّولة العليّة ، فما زلت بالسّلطانين حتّى وقّعا على الوثيقة المكتوبة في ذلك المعنى بإمضائهما ومهريهما ، إلّا أنّ مهر (٢) السّلطان محسن كان مع الاستعجال منكوسا ، فتشاءمنا من ذلك.

ووقّع عليها السّلطان عليّ بن منصور بصفته وليّ عهد أبيه ، والقاضي (٣) لذلك العهد.

وأرسلتها إليه فلم يكتف بها حتّى طلب إمضاء المناصب والرّؤساء ، فما زلت بهم حتّى أمضى أكثرهم على مثلها ، وسيّرتها إليه. وغضبت لها حكومة عدن ، وتوعّدني

__________________

(١) ساهم أخاه : أعطاه سهمه وحصّته ، وكان لمحسن وأولاده تريم ونواحيها.

(٢) المهر ـ بضم الميم ـ الختم.

(٣) أي ووقّع معهم القاضي ، وحكمته : ليعلم أن السلاطين يحكّمون الشريعة.


السّيّد حسين بن حامد المحضار ظاهرا ، ولكنّه كان يغريني في السّرّ على توثيق العلائق بيني وبين علي سعيد باشا ، ومواصلة الكتب إليه ، وقد تبودلت بيننا كثير من الكتب والقصائد توجد بمحلّها من «الأصل» و «الدّيوان».

وبإثر ذلك كانت حروب صوريّة بين القعيطيّ وآل كثير ، وهي المسمّاة : حرب قسبل ، وكان الضّلع الأقوى فيها الشّيخ طالب بن جعفر من آل كثير.

وأكثر النّاس يتفرّس أنّ السّيّد حسين بن حامد كان يتعلّل بتلك المناوشات مع آل كثير عمّا تطالبه به حكومة عدن من الاشتراك في مباشرة الحرب مع علي سعيد باشا.

ولمّا شعر بانتهاء الحرب العظمى .. أشار على حكومة عدن بإيقاف حرب حضرموت ، وطلب المتحاربين إلى عدن ، ففعلت ، وسار هو بالنّيابة عن السّلطان غالب بن عوض ، وجاء الشّيخ سالم بن محمّد بن طالب ، والشّيخ سالم بن جعفر ، والشّيخ ناصر بن عمر بن يمانيّ بصفة النّيابة عن آل كثير ، وهناك تواضعوا على المعاهدة ذات الإحدى عشرة مادّة ، المحرّرة في (٢٧) شعبان سنة (١٣٣٦ ه‍) ، وقد حدّدوا فيها نفوذ سلاطين آل كثير في ستّ نقط ، وهي : تريم ، والغرف ، وسيئون ، ومريمه ، وتريس ، وغيل ابن يمين.

قالوا : وصار الاعتراف : أنّ الشّنافر تابعون لسلاطين آل عبد الله ، وهم : آل عمر وآل عامر (١) ، والفخائذ : آل كثير والعوامر ، وآل جابر ، وآل باجري وما شملته حدودهم.

فمن هذه الجملة وجدوا السبيل إلى توسيع منطقتهم ؛ إذ لم يكن عند القعيطيّ كفيّ بقرع هذه الحجّة بمثلها.

وبإثر ذلك وصل السّيّد حسين بن حامد إلى حضرموت ، واستقبل استقبالا مهيبا عظيما ، وفي اليوم الثّاني من وصوله إلى سيئون زارني بمكاني علم بدر ، وحضر

__________________

(١) هذه هي المعاهدة الثانية وهي معاهدة صلح ، أما الأولى .. فكانت : معاهدة الحماية ، والثالثة : معاهدة الاستشارة وتقدمتا. ينظر : «الأدوار» (٤١٤).


بحضوره زهاء ألف وخمس مئة من العلويّين ، والسّلاطين ، ويافع ، وآل كثير ، والعوامر ، وآل باجري ، وآل تميم ، وغيرهم ، وهناك أنشدت قصيدة مطوّلة ، أقول فيها للسّيّد حسين [في «ديوان المؤلّف» ق : ١٣٦ ـ ١٣٨ من البسيط] :

أدركت بالجدّ والتّشمير ما عجزت

عنه الملوك بجلب الخيل والإبل

ملكت قسرا قلوب النّاس قاطبة

بخفّة الرّوح والأخلاق والحيل

لا شكّ أنّك ذو سحر وشعوذة

أو ذو مقام لدى البرّ اللّطيف علي

واليوم أتممت عقد الصّلح محتسبا

هذا الصّنيع فقرّت أعين الدّول

عسى تكون لنا عقباه صالحة

فما علمنا بتفصيل ولا جمل

تخالف النّاس في الأخبار عنه ولم

أعرف حقيقته ماذا عليّ ولي

هل فيه للنّاس والإسلام فائدة

أم لا؟ فإنّ رواة القول في جدل

ومنها :

يا ربّ وانصر جيوش التّرك دولتنا

واملأ قلوب العدى بالخوف والوجل

واحم الشّريعة في شبه الجزيرة بال

مولى الإمام من الآفات والعلل

وقولي : (لم أعرف حقيقته) هو الواقع يومئذ ؛ لأنّ سلاطين آل كثير ومن على رأيهم من الأغنياء بعد أن علموا غضب حكومة عدن من تلك الوثيقة ، وعلموا انهزام الأتراك .. تجافوا عنّي ، وكتموني أخبارهم ؛ لأنّني لا أرضى انسحاب حكم الحماية الإنكليزيّة على بلادنا ، لأنّ الحماية مظنّة الجور الفاحش ، ولا سيّما لو سلّمت الأمور إلى غير أهلها ـ كما هو الأغلب ـ فهي إذن شرّ من الاستعمار ؛ بشهادة الفروق الشّاسعة بين إدارة عدن وإدارات حضرموت الّتي لا أثر لشيء فيها من عدالة الدّين القيّم.

أمّا في بلادهم .. فإنّ العدل فيها ـ حسبما بلغني ـ أشبه به عندنا في خير العصور ؛ لأنّهم أخذوا عنّا ما أعانهم على ذلك ، وبالغت جهدي في عرقلة ذلك ، والتّحذير من سوء مغبّته بما نشرت بعضه في «الأصل» .. فكان أوّل ما زيّن لهم محبّوها الابتعاد عنّي ، وما زالوا على ذلك إلى اليوم ، وقد خار الله لي في ذلك ، وما زلّ نعلي ،


ولا خوى نجمي ، ولا تغيّر رأيي ، وأنا الّذي أقول [من الطّويل] :

وقد أحسن الحسّاد بي حيث كايدوا

مكاني من السّلطان حتّى تغيّرا

لأنّي لو قاربته في مشورة

لأتعبت نفسي أو لكنت مقصّرا

وأنّى يحابي من بناه إلهه

على الصّدق والتّصريح من يوم أثغرا

صفا لهم جوّ السّياسة فانتهوا

إلى ما اشتهوا والحال يكفيك مخبرا

فقد طوّقوا أعناقهم بملاوم

تدوم إلى أن يبعث الخالق الورى

وقد أنشبوا أوطانهم في معاطب

تطيل لذي اللّبّ البكا والتّحسّرا

وتكثر للوالي النّدامة والأسى

لو انتبهت أفكاره وتدبّرا

وقد خار لي الرّحمن في البعد عنهم

فلا ذنب لي إذ لا حضرت ولا أرى

وفي جمادى الآخرة من سنة (١٣٣٧ ه‍) توجّه الأمير عليّ بن منصور بن غالب يحمل توكيلا من والده بإمضاء تلك المعاهدة بدار الاعتماد في عدن ، وتوجّه الأمير سالم بن عبود بن سالم يحمل توكيلا من السّلطان محسن بن غالب بإمضائها ، ونزلا بالمكلّا على ضيافة السّلطان غالب بن عوض القعيطيّ ، وسارا بمعيّته إلى عدن حيث وقّعوا عليها هناك.

وكان السّلطان المنصور بن غالب ، وأخوه السّلطان المحسن بن غالب تقاسما الممالك بوثيقة محرّرة بينهم لتاريخ فاتحة رجب من سنة (١٣٣٦ ه‍) ، فكانت سيئون ومريمه وتريس وأعمالها للمنصور ولأولاده من بعده ، وكانت تريم والغرف للمحسن بن غالب ولأولاده من بعده.

وفي (١٢) من جمادى الأولى سنة (١٣٤٣ ه‍) توفّي السّلطان محسن بن غالب بسيئون ، وخلفه ولده السّلطان عبد الله بن محسن ، وكان رحيب الصّدر ، طويل الباع ، رخيّ البال ، رقيق الطّبع ، مأمون الغضب ، جميل الأخلاق ، خبيرا بالأمور ، خليقا بالملك ، إلّا أنّه لا ينجو من بيت ليلى الأخيليّة ـ الّذي تمثّلنا به في


(الحزم وصداع) (١) ، لمحسن بن عبد الله العولقيّ ـ ويشاركه في الأمر أخوه السّلطان محمّد بن محسن.

وفي اليوم الثّامن من الحجّة سنة (١٣٤٧ ه‍) توفّي السّلطان المنصور بن غالب الكثيريّ بعرفة ، وخلفه ولده السّلطان عليّ بن منصور.

وفي ليلة الخميس (١٨) شعبان سنة (١٣٥٧ ه‍) توفّي فجأة بسيئون (٢) ، ودفن بها من اليوم الثّاني. وكان ذكيّا نبيها ، مشاركا في الأدب والعلم ؛ إذ كان يحضر مجالسي ويكثر المكوث عندي فتثقّف بذلك لا بغيره. وخلفه أخوه السّلطان جعفر بن منصور (٣) وكان يحضر مع أبيه وأخيه عندي ، ويتولّى طبخ الشّاي بيده ، وكان الغالب عليه السّكوت ، ولهذا أخفي حاله عنّا ؛ لأنّ المرء مخبوء تحت لسانه ، وكثيرا ما أسأل أباه عن حاله فيقول : لا أعرف عنه إلّا ما تعرف ، ولكن كان منصّر بن عبود خصيصا به ، فلمّا أحفيناه السّؤال .. أشار إلى أنّه حقود ، وله من الشّجاعة نصيب لا ينكر.

وفي محرّم سنة (١٣٥٨ ه‍) أبرمت بينه وبين الحكومة الإنكليزيّة معاهدة رضي

__________________

(١) والبيت هو :

فنعم فتى الدّنيا وإن كان فاجرا

وفوق الفتى إن كان ليس بفاجر

(٢) علي بن منصور كان مولده بسيئون سنة (١٢٩٨ ه‍) ، وهو الذي أقام السور المحيط بمدينة سيئون ، وفرغ منه سنة (١٣٥٢ ه‍) ، وفي عهده دخلت البلاد تحت الاستشارة ، وكان من مناقبه أنه : يعيد المسروقات إلى أربابها ليلا ويؤدب السارق سرا حفاظا على السمعة والكرامة ، وقمع شوكة العبيد عند ما بدؤوا بالأعمال الفوضوية بأن أجلى رأسهم بخيت عبد الخير ، وهدم داره عام (١٣٤٤ ه‍).

(٣) السلطان جعفر بن منصور بن غالب .. خلف أخاه عليا في الحكم من سنة (١٣٥٧ ه‍) ، إلى وفاته في سنة (١٣٦٨ ه‍) ، وفي أيامه ترسّمت الحدود بين دولته ودولة القعيطي ، وعاصر حركة ابن عبدات وقمعها بواسطة الإنكليز كما سبق في الغرفة.

ولما توفي .. خلفه ابن أخيه السلطان حسين بن علي بن منصور ، الذي تولى الحكم سنة (١٣٦٨ ه‍) وهو في ريعان شبابه ، وظل في الحكم نحو (٢٠) عاما ، إلى أن أزاحه الحكم الشيوعي على إثر استقلال المنطقة من الاستعمار البريطاني عام (١٣٨٧ ه‍ ـ ١٩٦٧ م).

وهاجر السلطان حسين إلى السعودية ، وتوفي بجدة سنة (١٣٩٦ ه‍ ـ ١٩٧٦ م) ودفن في مكة المكرمة. وانتهى بتنحيته تاريخ الدولة الكثيرية في حضرموت ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.


فيها بأن يكون له منها مستشار يقبل نصيحته في جميع الأمور ، ما عدا المسائل المتعلّقة بالدّيانة والعادة الإسلاميّة (١). وكان تمنّع الإمضاء على تلك المعاهدة زمانا طويلا ، ولكنّ الضّابط السيّاسيّ بمساعدة السّيّد أبي بكر بن شيخ الكاف أحفاه السّؤال حتّى رضي على شرط أن يكون الأمر سرّا ، فأمضى على وثيقة مكتوبة بالإنكليزيّة ، ولكنّهم أعلنوها في جريدة محميّة عدن ، ومنها نقلت نصّها المنشور ب «الأصل».

وفي يوم الخميس (١١) جمادى الأولى من سنة (١٣٦٦ ه‍) قرّرت الحكومة الكثيريّة مكوسا جائرة ـ لا تتحمّلها الجبال فضلا عن الرّجال ـ على كلّ ما يرد إلى منطقتها ، فوقع النّاس ـ ولا سيّما الضّعفاء ـ في شرّ ممّا كانوا أنكروه على ابن عبدات ، وضجّوا منه.

أمّا الأقوياء : فإنّ العمّال في أيديهم ، والتّهريب أيسر شيء عليهم ، فالظّلم ـ كما قال العلّامة ابن تيمية ـ مكرّر.

وبدلا من الاحتجاج عليه .. قام آل تريم يهيّجون الشّعب الميت للاحتجاج على الحكومة القعيطيّة فيما تأخذه من الرّسوم على البضائع الواردة إلى المنطقة الكثيريّة ، وما أظنّهم ينجحون في هذا الاحتجاج مع تفارط الأيّام ومرور نحو المئة عام ، وما تلك إلّا أعمال من رضي بهذه المكوس الباهظة ، وأراد خدعة الصّبيّ عن اللّبن بتلك الاحتجاجات الآيلة إلى الفشل لا محالة الّتي ليست من اختصاصات الرّعيّة ، وإنّما واجبهم أن يحتجّوا على ما نزل بهم ، ولكنّ الشّعب ميّت ، يشكر على الإساءة ، ويثني على الجناية ، ويتهافت في تولّي من يمكّن الأجانب من ناصيته ، ويوطّىء لهم مناكبه لسلطة موهومة ، ورئاسة مزعومة ، وإلّا .. فأيّ معنى لهذه

__________________

(١) وهي معاهدة الاستشارة السابق ذكرها .. وبنودها اثنان فقط ، وهما :

البند الأول : تقبل حكومة جلالة الملك في المملكة المتحدة أن تعين مستشارا مقيما للسلطان ، والسلطان يرتضي أن يجهز بيتا لائقا للمستشار المقيم المذكور ، ولأجل سعادة مملكته ، يقبل نصيحته في جميع الأمور عدا المسائل المتعلقة بالديانة المحمدية والعادة.

أما البند الثاني : فمتعلق بتعيين الخلفاء للسلطان. وكان توقيعها في عدن بنظر المستر رايلي والي عدن ، والمستر انجرامس.


الرّسوم الغاشمة مع تصريح المعاهدات بأنّ السّاحل وسائر حضرموت إقليم واحد ، بل بلغني عن جريدة الحكومة الرّسميّة بعدن إطلاق لفظ عدن على الجميع ، فلو رأيت ما يصنع بمنكوبي جاوة الّذين وصلوا حضرموت من التّفتيش والإرهاق .. لرأيت ما يكمد النّفوس ، ويذيب القلوب إن كان فيها إسلام وإيمان ، ومعاذ الله أن نبرّي جمارك السّاحل من الظّلم الفاحش ، والجور الفادح ، لكنّ البراءة بالأولى ألزم ، والأخذ من الأطراف أحزم.

ضواحي سيئون :

هي محاطة بالنّخيل فيما عدا جنوبها ، وفي جانبها الشّماليّ إلى جهة الشّرق على أكثر من ميل منها قرية يقال لها : الفجير ، يسكنها أعقاب الإمام السّيّد عبد الرّحمن (١) ابن عبد الله بن علويّ مولى الدّويلة (٢) ترجم له في «المشرع» ولحفيده عبد الله بن سالم بن سهل بن عبد الرّحمن.

ومنهم العلّامة سالم ، وفي «المواهب والمنن» : أنّ الحبيبين محمّد بن علويّ خيله ، ومحمّد بن حسن خيله ممّن انتفع بالحبيب أحمد بن حسن الحدّاد.

وعلى الجملة .. فقد كان فيهم العلماء والصّلحاء ، وأطال سيّدي حسن بن سقّاف في ترجمة السّابق الذّكر ؛ منهم : السّيّد الشّريف محمّد بن علويّ بن محمّد ، المتوفّى بالفجير سنة (١٢٦٧ ه‍) ومنهم : السّيّد حسن بن حسين ، كان أغزرهم جودا في أهله وغير أهله ، قال عمّه محمّد بن علويّ على من عابه بذلك : (ماحد عرف قدر الدّنيا إلّا حسين) ، فهو في فرط بذله محتاج إلى زيادة عن قول أبي عبادة [في «ديوانه» ٢ / ٣٣٩ من الطّويل] :

تغطرس جود لم يملّكه وقفة

فيختار فيها للصّنيعة موضعا

__________________

(١) مولى خيله.

(٢) آل مولى الدويلة هم ذرية السيد الإمام محمد مولى الدويلة بن علي بن علوي بن الفقيه ، توفي بتريم سنة (٧٦٥ ه‍). «المعجم» (٨٧).


وقد ذكرنا في «الأصل» سيّدنا العارف علويّ بن سهل مولى خيله ، وولده فضلا ، وفصّلنا أخبار دولته بظفار ، وأشرنا إلى أنّ السّيّد محمّد بن أحمد السّقّاف أودعه جارية ، ثمّ اتّهم بها ، ثمّ أخبرني الثّقات عن الفاضل الجليل الأخ عيدروس بن سالم البارّ أن ليس الأمر كذلك ، ولكن للأمير فضل كثير من المنافسين ؛ لشريف منزلته عند السّلطان عبد الحميد ، فكانوا يتطلّبون له العيوب لما أحرقهم من سؤدده ، ولمّا اتّهموه بذلك .. جاء أمير الإحسان السّيّد محمّد بن أحمد السّقّاف لخصوص تبرئته من التّهمة ، وأعلن للسّلطان وللخاصّ والعامّ أنّه لم يودعه الجارية .. بل وهبها له .. فشرق الحسدة بريقهم ، ورجموا بحجرهم ، ولله الحمد على هذه الرّواية الصّحيحة الّتي بلغ بي السّرور إلى ما لا نهاية له ، ولم أذكر تلك التّهمة ب «الأصل» إلّا أداء للأمانة ، وكشفا للحقيقة ؛ لأنّ السّيّد أمير ، يحتاج بيان حاله ، فلله الحمد على السّلامة ، وكان من كبار رجالات الصّوفيّة العارفين ، ولكن قد سئل الجنيد : أيزني العارف .. فقال : وكان أمر الله قدرا مقدورا.

ومنهم : جدّي لأمّي ، المنوّر البال ، السّيّد محمّد بن سقّاف مولى خيله ، المتوفّى بها سنة (١٣١٦ ه‍) وحدّث عن آل خيله بلا حرج ؛ فإنّهم مذكورون في خباب الشّرف بلا عرج.

وأمّا الجود وكرم الضّيافة .. فبيت قصيدهم ، وخاصّيّتهم الّتي بسطت ذراعيها بوصيدهم (١) لا يجزر لهم مدّ ، ولا يقف سماحهم عند حدّ.

وتأخذهم في ساعة الجود هزّة

كما خايل المطراب من نشوة الخمر (٢)

فتحسبهم فيها نشاوى من الغنى

وهم في جلابيب الخصاصة والفقر

عظيم عليهم أن يبيتوا بلا يد

وهين عليهم أن يبيتوا بلا وفر

إذا نزل الحيّ الغريب تقارعوا

عليه فلم يدر المقلّ من المثري

__________________

(١) الوصيد : الفناء.

(٢) الأبيات من الطويل ، وهي للشريف الرضي في «ديوانه» (١ / ٥٠٥).


لقد كانت بهم الفجير موضع العجّ والثّجّ (١) لا يشبهها إلّا منى في أيّام الحج ، فالشّفار من الذّبائح تسيل ، والطّهاة من المطابخ لا تميل.

يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم

لا يسألون عن السّواد المقبل (٢)

لا تخبو مصابيحهم طول اللّيل ، ثمّ بين ديارهم رباط الخيل ، أخبرني محفوظ هو يديّ بأنّه رأى ليلة الشّعبانيّة فيهم ثمانية عشر عنانا من جياد الصّافنات كلّهم بيض كرام ، لا يسودّ بينهم إلّا المطابخ والبرام (٣) ، ولا يعابون إلّا بمثل قول أبي هفّان [من المنسرح] :

عيب بني مخلد سماحتهم

وأنّهم يتلفون ما ملكوا (٤)

فلقد أطلق الجود ما بأيديهم ، حتّى صوّح ناديهم ، وأسرفوا في المكارم ، حتّى أثقلتهم المغارم.

كانت لهم همم فرّقن بينهم

إذا القعايد عن أمثالها قعدوا (٥)

فعل الجميل وتفريج الجليل وإع

طاء الجزيل الّذي لم يعطه أحد

__________________

(١) العجّ : رفع الأصوات. الثّجّ : سيلان دماء الذّبائح.

(٢) البيت من الكامل ، وهو لسيّدنا حسّان بن ثابت رضي الله عنه في «ديوانه» (٣٦٢). يغشون : يزارون ولا تخلو منازلهم من الأضياف. والمعنى : هم قوم كرام ، دائم الدّوم عندهم ضيوف ، فألفت كلابهم منظر الضّيفان وما عادت تنبح على أحد.

(٣) البرام : القدور ، جمع : (برمة).

(٤) ما أجمل العيوب إذا كانت هكذا ، وهذا ما يسمّيه علماء البلاغة ب (المدح بما يشبه الذّمّ) ؛ كقول الشاعر :

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم

بهنّ فلول من قراع الكتائب

فأنت عندما تسمع (ولا عيب فيهم غير أنّ) تظنّ أنّه سيذكر بعد هذا صفة من الصّفات المعيبة ، ولكنّك تفاجأ بقوله : (إنّ سيوفهم قد تكسّرت والتوت من كثرة قتالهم الأعداء). وهذه صفة مدح ، فتعلم أنّه لم يذكر صفة مشينة بل ذكر صفة مدح بأسلوب عربيّ جميل وهو : أسلوب المدح بما يشبه الذّمّ.

(٥) البيتان من البسيط.


فاقشعرّت قريتهم ، وتفرّقت فتيتهم ، وقد قال محمّد بن عليّ بن خلف البيرمانيّ [من الطّويل] :

يقيم الرّجال الموسرون بأرضهم

وترمي النّوى بالمقترين المراميا

ولم تبق إلّا الدّيار الخاوية ، والكلاب العاوية ، يستمري العيون بومها ، وتفتّت الأكباد رسومها.

أو ما رأيت منازل ابنة مالك

رسمت له ـ كيف الزّفير ـ رسومها (١)

آناؤها وطلولها ونجادها

ووهادها وحديثها وقديمها (٢)

تغدو الرّياح سوافيا وعوافيا

فتضيم مغناها وليس تضيمها (٣)

وكأنّما ألقى عصاه بها البلى

من شقّة قذف فليس يريمها (٤)

وفي المفاضلة بينها وبين ذي أصبح وأهليهما .. لي ولأمّ أولادي كلام طويل ؛ إذ أهل الفجير أخوالي ، وأهل ذي أصبح أهلها ، والحقّ أن ليس لسيّد الوادي الحسن بن صالح ثمّ لولده عبد الله مثيل ، وكلّ كفّة بهما تشيل ، وفيهما يأتي موضع قول الأوّل [من الطّويل] :

أبونا أب لو كان للنّاس كلّهم

أب مثله أغناهم بالمناقب

أمّا بقيّة آل البحر .. فآل خيله خير منهم ، إلّا من سقط من محلّهم عن عناقيد العزّ ؛ إذ لا مدفع لهم عن قول الأوّل [من الطّويل] :

وليس لنا عيب سوى أنّ جودنا

أضرّ بنا ، والبأس من كلّ جانب

وقد هلك ـ أو كاد ـ كلّ من القريتين ، نسأل الله أن يقيّض لكسرهما جبره ، وأن يديل عبرتهما حبره.

__________________

(١) الأبيات من الكامل ، وهي لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ١٤٣).

(٢) آناؤها : أطرافها. نجادها : مرتفعاتها. وهادها : منخفضاتها.

(٣) سوافيا : تسفي التّراب ، وتذريه. عوافيا : ماحية.

(٤) الشّقّة : الوجهة. قذف : بعيدة. يريمها : يفارقها.


وفي غربيّ الفجير ، قرية للحوارث ، يقال لها : ملفوق ، شملها الاندثار ، ولم يبق منها إلّا آثار.

وفي شرقيّها قرية كان يسكنها السّادة آل بامزروع من آل الحبشيّ ، منهم أمّ جدّي المحسن ، لم يبق منها إلّا مسجد صغير ، كثير الأنوار ، مشهور بالأسرار ، يقال له : مسجد باسكن.

القرن : هو مخترف السّادة آل طه بن عمر ، في شرقيّ سيئون على نصف ميل منها ، وكان قرية صغيرة يسكنها الفلّاحون ، ثمّ بنى به جدّنا محمّد بن عمر بن طه بن عمر بن طه بن عمر مسجده الّذي بحضيض الجبل الجنوبيّ ، ثمّ تتابعت البنايات بعد ذلك في البساتين ، ولهذا لا تصحّ ولا تنعقد الجمعة فيها على ما في «مجموع الجدّ طه بن عمر» عن الشّيخ عبد الله بن أحمد بامخرمة ؛ لأنّها لم تخطّ بلدا من البدء.

كان منفصلا عن سيئون في القديم ، ثمّ اتّصلت العمائر. وكانت لهم فيه الدّيار العامرة ، والأفراح الغامرة ، وكانت أيّامه لديهم أعيادا زاهرة ، وقد سبق ذكر ما امتازت به سيئون من الأنس والصّفاء ، ولكنّه لا يعدّ شيئا بالنّسبة لأيّام القرن ولياليها ، فلو شهدتها والبرد (١) ماطرة بالأوراق ، وجاوة دارّة بالأرزاق ، وسمعت طبول الغواني بشجيّات المغاني ، ورأيت الشّبّان متوزّعين على بطحائه ليالي القمر الأضحيان على الشّاهي اللّذيذ ، والشّواء الغريض (٢) ، بالأحاديث الجنيّة ، والأشعار الشّهيّة ، كلّ فرقة على قدر ما عندها .. لما خرج عن لسانك قول الصّمّة بن عبيد الله القشيريّ [من الوافر] :

شهور ينقضين وما شعرنا

بأنصاف لهنّ ولا سرار (٣)

فأمّا ليلهنّ فخير ليل

وأقصر ما يكون من النّهار

__________________

(١) البرد : جمع بريد ، وهو ما يأتي من رسائل.

(٢) الغريض : الطريّ من اللحم.

(٣) السّرار : آخر ليلة من الشّهر.


أو قول البحتريّ [في «ديوانه» ١ / ١٠٠ من الطّويل] :

فلا تذكرا عهد التّصابي فإنّه

تقضّى ـ ولم نشعر به ـ ذلك العصر

ومن خير ما في هذا الموضوع قول متمّم [من الطّويل] :

فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالكا

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

وكنّا كندماني جذيمة برهة

من الدّهر حتّى قيل لن نتصدّعا

ولقد شهد بعض ذلك السّائح الباسقيّ ، فقال : (إنّي لأرثي لمن يفارق هذه الدّيار ، وأتصوّر أنّ حنينه يطول وبكاءه يدوم).

لكنّ الزّمان جفول ؛ فبينما هم في ظلّ عيش غفول .. إذ تضيّفت الشّمس للأفول ، ولم يبق إلّا القليل ، الّذي لا يروي الغليل.

يا منزلا أعنقت فيه الجنوب على

رسم محيل وشعب غير ملتئم

هرمت بعدي والرّبع الّذي أفلت

منه بدورك معذور على الهرم (١)

ولقد وصفته في يوم غام ضحاه ، وأرجف رعده برحاه ، وتخيّلت عهد الأشياخ ، فقلت من مطوّلة [من الخفيف] :

في رياض من النّخيل تلاقى ال

ماء فيها من السّما والسّواني

طبن مرأى ومسمعا ومذاقا

وخيالا بذكريات حسان

ملعب اللهو مسقط الرّأس مأوى ال

غيد من هاشم سباط البنان

سادة يملأ الزّمان سناهم

بهجة من فلانة وفلان

وأسعد ما شهدت من زمانه العام الّذي اخترف بقربه سيّدي وشيخي الأستاذ الأبرّ مسند الدّنيا : عيدروس بن عمر ، وهو عام (١٣٠٧ ه‍) ، فلقد عظمت تلك السّنة المنّة ، حتّى كأنّما استرقت الأيّام من الجنّة ، وكانوا أوّل الخريف في جدب ، فلمّا

__________________

(١) البيتان من البسيط ، وهما لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ٩٣). أعنقت : سارت مسرعة. الرّسم : ما لصق بالأرض من آثار الدّيار. محيل : دارس.


أوى العلّامة السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ إلى فراشه .. ذكر ما النّاس فيه ، فخفّ بلباس النّوم إلى الأستاذ يستشيره في الاستسقاء ، فاهتمّ الأستاذ وبات يلحّ على ربّه في الدّعاء ، فما كاد يبرق الفجر .. إلّا وقد جاءت السّيول ، وامتلأت الحقول ، ثمّ تتابعت حتّى لم يكن انجلاؤها إلّا بعد التّضرّع والابتهال ، فجاء موضع قول البوصيريّ :

 ... فاع

جب لغيث إقلاعه استسقاء

فكيف لا تفيض العبرات ، وتتصاعد الزّفرات ، لتلك الوجوه النّاضرة ، والأيّام الزّاهرة ، واللّيالي العاطرة.

أعزّاي ما أبقوا لعيني قرّة

ولا زوّدوا إلّا الحنين المرجّعا (١)

وكانوا على الأيّام ملهى ومطربا

فقد أصبحوا للقلب مبكى ومجزعا

فما أطول الرّثا ، ولا سيّما إذ لم يبق إلّا الغثا ، فجاء موضع قول الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ٢ / ٢٦٢ من السّريع] :

كانوا صفاء الكأس ثمّ انجلوا

من البواقي عن قذى ثافل

ومن أواخر رثائي لأولئك قولي [من الطّويل] :

فكم في الحشا من موجعات لسادة

مناط الرّجا كانوا فغطّاهم الرّمل

جبال منيفات من المجد أصبحت

كأن لم تكن لو لا الأحاديث ـ من قبل

أمرّ لنا العيش الرّغيد فراقهم

وأثقلنا من بعد ما أوحشوا الحمل

ولو لا اعتصام بالّذي لم يكن لنا

نعيش فواقا بعد ما انقطع الوصل

ففي كلّ حين يأخذ البين غرّة

تذوب لها أكبادنا ثمّ لا نسلو

فأين المصابيح الّتي كان للهدى

بها في البلاد الشّأن والشّرف الجزل

وأين المراجيح المساميح والألى

بغرّاتهم يستدفع الشّرّ والأزل

__________________

(١) البيتان من الطّويل ، وهما للشريف الرضي في «ديوانه» (١ / ٦٣٩).


وإن قصرت ذرعان قوم بحادث

تلقّاه من آرائهم كاهل عبل

تلذّ لنا أخبارهم وتذيبنا

فواعجبا منها تمرّ كما تحلو

يذكّرنيهم كلّ ممسى ومصبح

فما زال في خدّي لتذكارهم طلّ

ومن أواخر ما رأيت من بهجة القرن ونضارته : أنّني أصعد ذروة داري بعد المغرب سنة (١٣٥٥ ه‍) ، وهي سطح صغير قاصر الجدار ، يسافر الطّرف من ثلاث نواحيه ، إحاطة ثلثي الدّائرة ، كأنّها الكواكب المنتثرة ، والشّبّان أوزاع ، والفرح مخيّم على سائر البقاع ، فأستغرق في ذلك الجمال الباهر ، واللّذّة الّتي تحمي النّوم عن السّامر والسّاهر ، ثمّ عدت إلى مثل ذلك في سنة (١٣٦٣ ه‍) فكنت كما قال الرّضيّ [في «ديوانه» ١ / ٦٥٤ من الطّويل] :

نظرت الكثيب الأيمن اليوم نظرة

فردّت إليّ الطّرف يدمى ويدمع

إذ قد أدبر العيش ، وكرّ من الإدبار جيش ، وأديل النّور بالظّلام ، فلا سمر ولا غناء ولا سراج ولا كلام ، وكأنّما كلّ ذلك من الأحلام ، وما هو إلّا ببعض ما اكتسبوا ، ويعفو عن كثير والسّلام.

ولّى الزّمان وولّت الأيّام

فعلى المنازل والنزيل سلام (١)

ثمّ إنّي بعد أن خبت المصابيح ، وأوحشت السّطوح والمراويح .. هجرت الذرى ليلا ، وجعلت أتسنّمها غديات الخريف ، وأسرح النّظر من الجهات الثّلاث تاليا ما تعوّدته من الأوراد في الظّلّ الظّليل ، والجوّ البليل ، والرّيح العليل ، والفضاء الرّحب ، والهواء الطّلق الشبيه بنعيم الجنّة ، لا يمتاز به أحد ، وإنّما هو كجمال الأفلاك وأنوارها ، ما يكون منه عند هؤلاء .. يكون عند الآخرين ، ولهذا ينتفي التّحاسد عليه ؛ لأنّ النّاس مشاع فيه ، فأرى النّخيل الباسقة ، والقصور البيضاء الشّاهقة ، فأستغرق في النّعمة ، وأنبسط من البهجة ؛ إذ يظهر حينئذ ما يدهش العقل

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو للإمام عبد الله بن علوي الحداد في «ديوانه» (٤٧٤).


ويخلب اللّبّ ، وينير الفكر وينعش الرّوح ، ويبعث الذّكريات الجميلة ، ويوحي بالمعاني النّبيلة ، فأكاد أخرج عن جلدي ، وأغيب عن نفسي ، وألامس العالم القدسي ، وأتأكّد أن ليس بين الأدعية وبين سماء القبول حجاب ، وأن قد انفتح من الخير بشهادة القشعريرة وهيمنة الروحنة كلّ باب ، لا أفضل ولا أجمل ولا أروع ولا أبدع عندي من ذلك .. إلّا مجالسة بالروضة الشّريفة تجاه القبر الأعظم ، وقعودي على بطحاء أمّ المناسك عشيّات الأشتية إزاء البيت المعمور ، ثمّ أنثني على كبدي خشية أن تقطّع ، وألوث بردي على صدري حذار أن يتفلّق.

فلو فلق الفؤاد شديد وجد

لهمّ سواد قلبي بانفلاقي (١)

وما أشدّ رقّتي لأولئك الّذين يتشتّتون في البلدان ، ويفارقون هذه الأوطان.

وارحمتا للغريب في البلد النّا

زح ماذا بنفسه صنعا (٢)

فارق أحبابه فما انتفعوا

بالعيش من بعده وما انتفعا

ولو أنّهم جمعوا قناطير الرّقين (٣) .. لما استعاضوا إلّا بتدارك اللّيالي اللّواتي بقين ، وماذا يفيدون وقد رضوا بالدّون ، وأبناؤهم يتامى ، وأزواجهم أيامى.

كم غادة في ظلام اللّيل باكية

على أليف لها يهوي به الطّلب (٤)

فالقلوب تنذاب ، والبين أكبر عذاب ، يبعث الشّجون ، ويكثر الدّجون ، ويشبه السّجون ، وما لي أرى الأحباب والأولاد يذهبون ثمّ لا يجيئون ، وقد قال القطب الحدّاد [في «ديوانه» ٩١ من البسيط] :

مشتّتون بأطراف البلاد على

رغم الأنوف كما تهواه حسّاد

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لأمية بن الأسكر كما في «خزانة الأدب» (٦ / ٢٠).

(٢) البيتان من المنسرح ، وهما لعلي بن الجهم.

(٣) الرّقين : الدراهم.

(٤) البيت من البسيط ، وهو لحافظ إبراهيم في «ديوانه» (١ / ٢٦٩).


وقال قيس [ابن ذريح في «ديوانه» ٣٣ من الطّويل] :

رأيت مصيبات الزّمان بأسرها

سوى فرقة الأحباب هيّنة الخطب

وقال حبيب [في «ديوانه» ٢ / ٣١ من الكامل] :

لو جاء مرتاد المنيّة لم يجد

إلّا الفراق على النّفوس دليلا

وقال أبو الطّيّب [في «العكبريّ» ٣ / ١٦٣ من البسيط] :

لو لا مفارقة الأحباب ما وجدت

لها المنايا إلى أرواحنا سبلا

وممّا يزيد الأمر عقدة ، والشّوق وقدة : تذكّري قول الجدّ رضوان الله عليه وقد قابل سيئون في مرجعه من فسحة قضاها مع أصحاب له تحت حصاة بحضيض الجبل الشّرقيّ يسمّونها : (الرّضّه) فلقد ملأ صدره ، واستجهر نظره جمال سيئون وصفاؤها ، فقال : ما أحسن هذا المنظر .. وأطنب بوصفه لو لا تشوّشه بظلم يافع ، ثمّ لم يزل يفتل في الذّرى والغارب حتّى أخذ بالثّار ، وارتفع الحقّ وثار ، وأخذت المظالم في الاندثار ، فكيف لو شاهد جدّنا سيئون في ليالي سنة (١٣٥٤ ه‍) ، أو لو أشرف من ذروة دار مخترفي حتّى صبح اليوم .. إذن لرأى ما يملأ صدره نورا ، ويغمره سرورا ، هذا من جهة الجمال والشّارة ؛ إذ لم ير إذ ذاك حتّى معشاره ، وأمّا من جهة انحطاط العلم والدّين ، وظهور أمر الملحدين والمفسدين ، وتجهّم الدّهر الغاشم .. فلا نقول إلّا ما قال عبد المطّلب بن هاشم ، والله المسؤول أن يطوي البين ، ويقرّب الأين ، ويقرّ العين ، ويقضي الدّين.

فكلّ اللّيالي ليلة القدر إن دنت

كما كلّ أيّام اللّقا يوم جمعة (١)

وهو المؤمّل أن يعطينا وإيّاهم عطاء جزيلا ، ويردّهم إلينا مردّا جميلا يدخل تحت قول الوليد [بن عبيد البحتري في «ديوانه» ٢ / ٧٣ من الطّويل] :

ملأت يدي فاشتقت والشّوق عادة

لكلّ غريب زال عن يده الفقر

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لسلطان العاشقين في «ديوانه» (٨٠).


فإنّ أهاليهم يحنّون إليهم حنين العشار ، وتهتزّ لهم منهم الأشعار والأبشار ، وتتحدّر مدامعهم عندما إليهم يشار ، ومع ذلك فإنّنا نعيذهم بالله من قول بشّار [من الطّويل] :

وأوبة مشتاق بغير دراهم

إلى أهله من أعظم الحدثان

ومما أمرى العيون ، وأشوى الجفون من كتاب سيّره جدّنا المحسن لأحبابه بجاوة من روضة العلوم إذ ذاك مسجد طه حينما أخذه الطّرب ، وملأه الأنس بالرّب ، يصف لهم ما يجنون من المعارف ، ويتمتّعون به في ظلّها الوارف ، يحدوهم لناديهم ، ويشوقهم لواديهم ، ولا بدّ أن يصيب مهزّهم ، ويطبق محزّهم ، ويسيل شؤونهم ، ويرعف عيونهم ، ولئن انتثر الجمان ، وانحطّ الزّمان .. فلا يزال حبّ الأوطان من الإيمان.

بلادي ـ وإن هانت مقاما ـ عزيزة

وأهلي وإن جاروا عليّ كرام (١)

وقال بعض من أغزاه عثمان وجمّره (٢) [من الطّويل] :

بلغنا إلى حلوان والقلب نازع

إلى أهل نجد أين حلوان من نجد

لجثجاث نجد حين يضربه النّدى

أحبّ وأشهى عندنا من جنى الورد (٣)

وغنّت حبابة بقول الأحوص (٤) [من الوافر] :

لعمري إنّني لأحبّ سلعا

ومن قد حلّ في أكناف سلع

حلفت بربّ مكّة والمصلّى

وأيدي السّابحات غداة جمع

لأنت على التّداني والتّنائي

أحبّ إليّ من بصري وسمعي

ثم تأوّهت آهة كادت تقضّب ضلوعها ، فقال لها الوليد : ما هذا؟ وأنا لو شئت حملت إليك سلعا حجرا حجرا ، فقالت : إنّما أحبّ المكان لأجل السّكّان ، وكان لها رباء بالمدينة.

__________________

(١) البيت من الطويل.

(٢) جمّره : حبسه في الثغر ومنعه عن العود إلى أهله.

(٣) الجثجاث : شجر أصفر ، مرّ ، طيب الريح.

(٤) القصة والأبيات في «الأغاني» (١٥ / ١٣٥).


وقال أبو العلاء [في «سقط الزّند» ٢٣٣ من الطّويل] :

فيا وطني إن فاتني بك سابق

من الدّهر فلينعم لساكنك البال

وإن أستطع آتيك في الحشر زائرا

وهيهات ؛ لي يوم القيامة أشغال

وقال [في «سقط الزّند» ٢٤٧ من الطّويل] :

فيا برق ليس الكرخ داري وإنّما

رماني إليه الدّهر منذ ليالي

فهل فيك من ماء المعرّة قطرة

تبلّ بها ظمآن ليس بسالي

ولشدّ ما أوذي شيخنا العلّامة ابن شهاب في تريم ، ولكنّه لمّا كان كريم المنبت .. لم يسكن حنينه ، فضلا عن أن ينبتّ ، وقد بكى جماعة من شيوخ العلويّين لمّا أنشد بينهم قوله [في «ديوانه» : ١٨٦ ـ ١٨٧ من البسيط] :

يا أيّها الرّاكب الغادي إلى بلد

جرعاؤه خصبة المرعى وأبرقه

ناشدتك الله والودّ القديم إذا

ما بان من بان ذاك السّفح مورقه

أن تستهلّ صريخا بالتّحيّة عن

باك تكاد شؤون الدّمع تغرقه

بالهند ناء أخي وجد يحنّ إلى

أوطانه وسهام البين ترشقه

إلى العرانين من أقرانه وإلى

حديثهم عبرات الشّوق تخنقه

حصن الحوارث

هو ديار في شرقيّ القرن ، كان به أناس من الحوارث لهم ثروة وأعمال خيريّة ، منها مسجد بسيئون يقال له : مسجد الحومرة ، ثمّ اضمحلّوا وتشتّتت أمورهم ، وذهبت أموالهم ضحيّة الفوضويّة في حضرموت ، وخلفهم ناس من آل جعفر بن بدر العوينيّين يقال لهم : آل ريّس.

وحصل فيه فسوق كبير ، حتّى اشترى بعض دياره السّلطان منصور بن غالب ، وأجهز عليهم سوء عملهم ، فقلّوا.

وأخبرني الشّيخ امبارك بن جعفر القحوم بن سعد : أنّ الحومرة ترك امرأة وبنتا ،


فأمّا البنت .. فتزوّجها ريّس بن عامر الملقّب بالصراح ، من آل سعيد ، وأمّا المرأة .. فلم تكد تحلّ حتّى تزوّجها عليّ بن عوض العوينيّ ، ثمّ تزاحموا على التّركة ، وكان ذلك في أواخر أيّام يافع ، ولم يشعر الصراح وهو في قصر الحومرة بحصن الحوارث .. إلّا وقد دخل عليه جماعة من آل جعفر بن بدر ، فواثبهم ، ولمّا كثروه .. تحاجزوا على أن يخرج بأهله مع الشرف العسكريّ ، وتخلّص منهم أيضا عبده المكين لديه وكان شجاعا لا يطاق واسمه ناصر ، ولمّا استقرّ بجعيمه واستولى آل جعفر بن بدر على حصن الحومرة وأمواله .. ركب الصراح اللّيل في عبديه ناصر وسالمين ونفر من آل سعيد ، وهجموا على دار البيتيّ ، وكان من جملة ما استولى عليه آل جعفر بن بدر من أموال الحومرة ، وكان فيه نحو ستّة فقتلوهم ، واحتلّوا الدّار ، ودامت المناوشات بينهم مدّة ، حدث في أثنائها أن سمع ناصر وسالمين بطلوع عليّ بن عوض العوينيّ من حصن الحومرة إلى سيئون في نفر من أصحابه ، فأخذوا عليهم الطّريق وناشبوهم الحرب وظفر آل عون بعد ذلك بواحد من آل سعيد فقتلوه ، وكان الصراح استولى على تركة عمّ له ، فرضي بعض أبناء عمّه ، وذهب الباقون إلى جفل ، وكان منهم محمّد بن عليّ بن عبود ، فسافر إلى باندوم ، وجمع له من المال ما يسّره الله ، ولمّا عاد إلى حضرموت بعد موت الصراح بدفيقه أيّام حربها .. قصد جفلا ، ووجد جعفر بن عليّ بن سعيد قد استولى على ماله بجعيمة بسبب أنّه تعهّد من بعض إخوانه ، فسار إلى القوز من سحيل جعيمه ، ومعه ناصر وسالمين عبيد الصراح ، فألفوا محمّد بن جعفر بن عليّ بن سعيد يحصد الزروع الذي في مال محمد بن علي بن عبود .. فانقضّ عليه ناصر وقدّ بطنه ، ولم يشتف غيظه بذلك .. فأرسل جماعة من أصحابه إلى قوز سحيل جعيمه فلم يغنوا شيئا ، فتبعهم هو بنفسه وناوش آل محمّد بن عليّ الحرب ، فخرجوا عليهم ، وقتل ناصر ، فجاء جماعة من آل سعيد ليحجزوا بينهم ، فلم يرض محمّد بن عليّ لما اشتدّ عليه من مصرع ناصر حتّى قال له أحدهم : أما علمت أنّ عامر بن سعيد يأكل جلجل في الكوت ، فرضي ، وكان الّذي أصاب ناصرا عليّ بن جعفر بن عليّ بن سعيد فوثب عامر بن سعيد فرآه ناصر وكان فيه رمق


أمكنه به أن يستلّ خنجره ويوجر (١) به عامرا.

وقوله : (يأكل جلجل) كناية عجيبة عن دخول النّمل إلى فيه وهو مطروح بالكوت.

ثمّ عاد محمّد بن عليّ بن عبود إلى باندوم ، وكان مقصدا فيها للضّيفان ، وقد تلقّاني إلى المحطّة لمّا اجتزت باندوم سنة (١٣٣٠ ه‍) ، وبتّ عنده على أرغد عيش ، إلّا أنّه كان عنده ليلتئذ رجل من السّادة نفس عليّ تخصيصه بالمنزل والمبالغة في التّحفّي فقاتل الله الحسد الّذي لا يؤذي إلّا صاحبه.

وفي حدود سنة (١٣٢٦ ه‍) حضر بعض ورثة الحوارث فادّعى على السّيّد محمّد بن حامد بن عمر السّقّاف بحصّته من البير المسمّاة (الحضيره) في شمال حصن الحوارث إلى الجهة الشّرقية ، وكانت من جملة أموالهم فانتهت إلى السّيّد محمّد بن حامد فيما توزّع من تراثهم ، ولم يعدم المدّعي بيّنات كثيرة بأنّها ملك مورّثه إلى أن مات ، وكان على القضاء إذ ذاك سيّدي علويّ بن عبد الرّحمن السّقّاف ، وهو أخو السّيّد محمّد بن حامد من الأمّ ، فتوقّف عن الحكم في القضيّة خشية أن يحابي أخاه فلا يستوفي حقّ المدّعي بأجمعه ، فأمر السّلطان بنفوذ الطّرفين إلى تريم للتّحاكم عند قاضيها.

ولمّا هبّوا للسّير وأحضر المدّعي بيّناته وعرف السّيّد شيخ بن محمّد الحبشيّ حقّ المعرفة توجّه القضاء على السّيّد محمّد بن حامد ـ وكان له صديقا ومحبّا ـ أنقذ الموقف ، وطلب سحب المسألة من القضاء ، وتفويض الأمر إلى أربعة نفر هو أحدهم ، وأنا الثّاني ، والثّالث الأخ عبد الله بن حسين ، والرّابع هو السّيّد سقّاف بن عبد الله بن عمر شهيد الهدم ، فخلّصنا السّيّد محمّد بن حامد من الأحمال الفادحة الّتي لا محيص له عنها لو انبرم القضاء بشيء من الدّراهم حوالي الأربع مئة ريال عن حصّة ذلك الوارث من الحظيره ، وعمّا كان استغلّه السّيّد محمّد بن حامد من ثمراتها طوال السّنين ـ وبرضا الطّرفين تمّ استحلالها عن طيبة نفس ـ أبرمنا الصّلح على ذلك بعد الإقرار الصّريح بالعقد الصحيح ، ولو لم يكن إقرار .. لما صحّ الصّلحّ ، وبقي المدّعي على دعواه ، فسرّ به سيّدي العلّامة القاضي علويّ بن عبد الرّحمن سرورا كثيرا.

__________________

(١) يوجر : يطعن.


وما أظنّ سعي الفاضل السّيّد شيخ بن محمّد الحبشيّ في ذلك الأمر إلّا عن إشارة أخيه العلّامة السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ لأنّ السّيّد محمّد بن حامد من أخصّ تلاميذه ، وقد نشرت القضّية في جريدة الإصلاح الّتي كان يصدرها الشّيخ كرامة بلّدرم في سنغافورة لذلك العهد ، ولم يستطع أن يكذّبها أحد ببنت شفة ، على أنّه جاء عنها : هذا حاصل قضّية البيّر بتلطيف وتصغير. وكان ذلك من إنشاء العلّامة الجليل السّيّد محمّد بن عقيل.

وحصن الحوارث اليوم موضع لعسكر البادية الّذي تجلبه الحكومة الإنكليزيّة لتأمين الطّرق بأسفل حضرموت ، قد قلّ سكّانه قبل سكنى العسكر حتّى انتهوا إلى أقلّ من عشرين.

مريمه (١)

قال في «التّاج» : (مريمة ـ بكسر الرّاء ـ بلدة بحضرموت ، وبها سكن السّادة آل باعلويّ الآن) ، وفيه خطأ من جهتين :

الأولى : من جهة الضّبط ، فالرّاء فيها ساكنة ، والميمان والياء مفتوحات ـ كما عليه الاستعمال ـ وبذلك صرّح السّيّد عمر بن عبد الرّحمن صاحب الحمراء في كتابه «فتح الرّحيم الرّحمن».

والثّانية : قوله : (إنّها مسكن العلويّين الآن) مع أنّه لم يكن بها أحد منهم لعهده ، وإنّما كان بها منهم السّيّد أحمد بن علويّ بن عبد الرّحمن السّقّاف ، وله ابنان :

أحدهما : عمر (٢) ، وذرّيّته بدثينة.

والآخر : علويّ ، له ابنان :

__________________

(١) مريمه : تقع جنوب شرق سيئون ، وتبعد عنها نحو (٨ كم).

(٢) عمر هذا هو الملقب بالمكنون ، كما لقّب بنفس اللقب ابن عم أبيه السيد علوي بن عبد الله بن عبد الرحمن السقاف ، وآل مكنون لهم انتشار في الحامي والشحر ونواحيها ، ومنهم جماعة بالمكلا ، توفي عمر المكنون سنة (٩٧٤ ه‍) ، وهو صاحب الحوطة بالشعب بين مشطة وروغه ، وذريته من ابنه أحمد بن عمر المكنون.


ـ أحدهما : عليّ ، وعقبه آل قيسيه (١) ، كانوا بسيئون ثمّ نجعوا إلى جاوة.

ـ والثّاني : عبد الرّحمن (٢) ، له ثلاثة أولاد :

أحدهم : أحمد ، توفّي بمريمه ، ودفن بتريم ، وعقبه آل أحمد بن علويّ بسيئون ، ومنهم : الشّيخ الصّالح شيخ بن سقّاف ، توفّي بسيئون سنة (١٣٢٢ ه‍) (٣) ، وله أولاد ؛ أكبرهم : جعفر ، كان على رئاسة العرب في فلمبان.

ومنهم : السّيّد حسين بن علويّ ، مثر متواضع ، يحسبه النّاس فقيرا ، ولطالما أراده السّيّد الشّهير عليّ بن محمّد الحبشيّ على تبديل داره وأثاثه ليكثر المجيء إليه والتّردّد عليه ؛ لأنّ بنته كانت تحت أحد أولاده فلم يفعل ، توفّي بسيئون حدود سنة (١٣٢٦ ه‍) ، وخلفه ولده محمّد على مثل حاله من التّواضع ، وزاد عليه بالعبادة ؛ فلقد أقام نحو أربعين سنة يحيي ثلث اللّيل الآخر كلّه بالتّهجّد. ويقال : إنّ له صدقات سريّة ، والله أعلم بذلك. توفّي سنة (١٣٦٠ ه‍) عن عمر يناهز الثمانين.

ومنهم : السّيّد هود بن أحمد السّقّاف ، له وجاهة عند آل كثير ، أكتسبها بإكرامهم وفتح داره لهم ، وبذله الجهد في مداراتهم وإرضاء من يغضب عليه منهم ـ والمتعزّز بهم ذليل ـ فمرّت حياته معهم في عناء ، وأشدّ منه محاولته إخفاء إساءاتهم وتجنّيهم عليه ، وإن كان الاثنان منهم أو من عبيد الدّولة ليتواضعان على أن يدّعي أحدهما على الآخر بشيء ؛ فيترافعان إليه ؛ فيصلح بينهم ، ويتحمّل المبلغ .. فيقتسمانه. توفّي بسيئون سنة (١٣٥٢ ه‍).

والثّاني : علويّ (٤) ، عقبه بالهند وجفل وسيئون.

__________________

(١) آل قيسيه (من الأمر قيسي) وهم ذرية السيد علي بن علوي بن أحمد بن علوي المذكور هنا ، وهم بجاوة ، ومنهم السادة آل المعلم عبده بسيئون وسمارانغ.

(٢) ويعرف بالمفقود.

(٣) هو السيد شيخ بن سقاف ـ الملقب فرقز ـ ابن أحمد بن عبد الله بن علوي بن عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن بن علوي بن أحمد صاحب (مريمه). ولد بسيئون سنة (١٢٥١ ه‍) ، وتوفي بها في (٢٠) جمادى الأولى (١٣٢٢ ه‍).

(٤) توفي بتريم وقبر شرقيّ العيدروس.


والثّالث : شيخ المجذوب ، عقبه بحوطة الزّبيديّ ، كذا في «شمس الظّهيرة» ، ولكنّه لا ذكر لهم الآن بالحوطة ، فلعلّهم تحوّلوا ، أو انقرضوا ؛ فما بالحوطة الآن نافخ نار من العلويّين.

وممّن تديّر مريمه : العلّامة السّيّد يوسف بن عابد الحسنيّ الفاسيّ (١) ، جاء في أواخر أيّام سيّدنا الشّيخ أبي بكر بن سالم وأخذ عنه ، وسكن مريمه ، وكان يتردّد بينها وبين الحزمة بمأرب ، وله في كلّ أهل.

وفي سنة (٩٩٣ ه‍) اقترن ببنت أحمد بن عمر بن عبد الله بن عليّ بن عمر الحارثيّ ، قال : وحضر عقد النّكاح جماعة من العلويّين ، منهم : الشّيخ أحمد بن محمّد الحبشيّ ، وجماعة من الفقراء الزّبدة أهل الرّباط (٢) ، وكثير من بني حارثة (٣).

ثمّ تزوّج على ابنة عمّ هذه كما فصّل ذلك في «رحلته» (٤).

وكان تولّى القضاء بمريمه ، وكان يزوّج الشّرائف من غير الأكفاء فلا ينكر عليه.

وجاء في «مجموع الأجداد : طه بن عمر وعليّ بن عمر» ، عن الفقيه عبد الرّحمن بن أحمد حنبل (٥) ، قال : (لمّا طلب السّلطان عبد الله الزّواج من بنت

__________________

(١) ولد السيد يوسف سنة (٩٦٥ ه‍) أو (٩٦٦ ه‍) بالمغرب ، ببلدة الفيضة بالفاء أو الغين ، من بلاد أنقاد الواقعة بين فاس وتلمسان التي فيها جبال زناته. وكان والده مات سنة (٩٧٥ ه‍) وهو في نحو العاشرة ، فدخل فاس واجتمع بسلطانها مولاي إسماعيل العلوي ، وبعدها هاجر وطوف كثيرا من البلدان ، وكان وصوله عينات واجتماعه بالشيخ أبي بكر في (١٢) ربيع الثاني سنة (٩٩٢ ه‍) ، وكانت وفاته بمريمه سنة (١٠٤٨ ه‍).

وله عقب كثير ؛ إذ تزوج مرارا ، وبلغ عدد زوجاته اللاتي دخل بهن بحضرموت فقط سبع زوجات من عدة نواحي.

وعرفت ذريته بآل بن يوسف ، وآل الحسني ـ بسكون السين ـ وآل مشهور.

(٢) الرباط : يقصد به رباط الشيخة سلطانة ، الآتي ذكره عقب مريمه.

(٣) وحضر هذا النكاح من الأعيان أيضا : الشيخ عبد القادر بن إبراهيم باكثير ، والشيخ عبد الله بن عمر باجمال ، والفقيه محمد بن عبد الرحمن سراج باجمال ، والشيخ نادر باحميد ، وعبد الكبير باحميد ، ومحمد بن عبد الرؤوف باحميد .. إلخ. «الرحلة» (ص ١٠٩).

(٤) وهي الرحلة التي دوّن أحداثها سنة (١٠٣٦ ه‍) ، وتعرف باسم «رحلة يوسف بن عابد».

(٥) آل حنبل هؤلاء من آل بارجاء ، ولهم مسجد يعرف بمسجد حنبل بسيئون ، ومنهم الشيخ الفاضل


الملكانيّ وأحد أخويها غائب .. قلت له : لا يجوز إلّا بالتّقليد. فأمر به ، فعقدت له.

ثمّ اجتمعت بالسّيّد يوسف بن عابد ، فقال لي : عقدت للسّلطان؟ قلت : نعم.

قال : أصبت ، هو مذهب مالك. وقال لي : إنّ السّيّد عبد الرّحمن بن شهاب أرسل إليّ بشريفة وليّها غائب فزوّجتها من باحنّان من غير ضرورة. وذكر والدي أنّ الشّيخ أبا بكر بن عبد الله العيدروس العدنيّ خرج إلى تريم فزوّج الشّرائف من آل بافضل) اه

وقول السّيّد يوسف بن عابد : (أصبت هو مذهب مالك) أي : بقطع النّظر عن أمر السّلطان بتقليده ، أمّا مع أمره به .. فيصير مذهبا للشّافعيّ ، كما قرّره ابن حجر وبامخرمة في «فتاويهما».

وقد مرّ في حوره أنّ آل الملكاني ـ بفتحات ـ من مسلمة الرّوم ، وما أدري ما سبب انحطاط السّلطان عنهم في الكفاءة حتّى لم يصحّ اقترانه ببنتهم إلّا بالتّقليد.

ثمّ عرفت أنّ آل الملكاني سادة كانوا بسيئون من بني الحسن بن عليّ ، ومنهم الشّريفة علويّة بنت حسين الملكانيّ الحسنيّ ، لها ذكر في أدعية مسجد الجدّ طه بن عمر لمن تصدّق عليه.

وفي النّسخ الصّحيحة من «مجموع الجدّ» أنّ السّلطان عبد الله طلب الزّواج من بنت الملطاني بالطّاء لا بالكاف ، وبهذا ينكشف الإشكال.

وفي الحكاية (٣٨٠) من «الجوهر الشّفّاف» [٢ / ١٣٢] : (أنّ يمانيّ بن فاضل مرّ هو وأخوه فتفرّس الشّيخ أبو بكر السّكران المتوفّى سنة (٨٢١ ه‍) أنّ يمانيّ سيلحق الأذى بأبيه ظلما ، فلمّا كان بعد سنين .. اعتدى على أبيه فاضل وأخرجه من مريمه ، وبقي هو عليها إلى أن مات أبوه) اه

__________________

النساخ شيخ بن عبد الله بن حنبل بارجاء ، من مجالسي المؤلف ، ونسخ له بعض مؤلفاته ، كان حيا سنة (١٣٦٢ ه‍).


ومنه تعرف أنّ دولة مريمه كانت للحوارث ؛ لأنّ هؤلاء كانوا منهم ، ويتأكّد ذلك بما ذكره «شنبل» في أخبار سنة (٩١٤ ه‍) أنّ : (مجلّب بن عقيل الأظلفيّ تسوّر على السّلطان محمّد بن جعفر بن عبد الله بن عليّ الكثيريّ ليلة النّصف من صفر من تلك السّنة وهو بمصنعة مريمه ، فقتله وهو راقد بجانب زوجته بنت محمّد بن جميل الحارثيّ) اه

وما كان السّلطان متملّكا على مريمه وإنّما جاءها زائرا ، وبلغني أنّ بعض سلاطين آل كثير حاصر الحارثيّ بمصنعة مريمه سنة ، ثمّ ولدت للكثيريّ فرس بعد انتهاء السّنة ، فأدلى له حزمة من القضب من رأس المصنعة (١) ، فقال : (من لا يعوزه القضب مع هذا الحصار .. فلن يعوزه غيره) فارتحل عنه.

وآثار النّقب في أسافل هذه القارة ظاهرة إلى اليوم ، وكأنّ ذلك المحاصر أو غيره أرادوا حفرها ليمنعوه الماء فلم يقدروا.

وبلغنا عن بعض المشايخ : أنّ القطب الحدّاد زار بعض صلحاء مريمه وكان مقعدا ، وسأله أن يدعو له بحسن الخاتمة ، فحمي الشّيخ وأخذه حال واهتزّ ، وقال : حولها ندندن ، وأنشأ الرّجل يقول [من المجتثّ] :

قد استعنتك ربّي

على مداواة قلبي

وحلّ عقدة كربي

فاختم بالايمان الاجال (٢)

وأخذته حالة شريفة جرى من حرارتها في عروقه الدّم ، وقام سويّا كأن لم يكن به ألم ، وقد استحسن القطب الحدّاد هذا الكلام فأدرجه في قصيدة له بناها عليه ، وبعض هذه القصّة موجود في «كلام سيّدنا عمر بن حسن الحدّاد».

ولم تزل ذرّيّة السّيّد يوسف بن عابد بمريمه إلى الآن.

ومنهم : السّيّد حسين بن محمّد بن عبد الله بن شيخ بن إبراهيم الحسني ، المتوفّى بها سنة (١٣٤٠ ه‍) ، وكان مكثرا من البنين والبنات ، له منهم فوق الخمسين ،

__________________

(١) القضب : البرسيم (دارجة).

(٢) انظر البيتين والقصة في «ديوان الإمام الحدّاد» (٤٤١ ـ ٤٤٥).


ولكن لم يبارك الله فيهم ولا في أعقابهم ، وكان بينهم وبين بعض المشايخ الزّبيديّين آل الحوطة نزاع وضراب ، حتّى لقد شجّوا مرّة رأس السّيّد حسين بن محمّد الحسنيّ هذا ، وتمغثوه ، فلم يثأر له أولاده على وفرة عددهم وقوّة أجسام بعضهم ، ولم تغنه كثرتهم.

ومن ذرّيّة السّيّد يوسف بن عابد : العارف الكامل والسّالك الواصل يوسف بن عبد الله الفاسيّ ، وقد انتقل من مريمه إلى سيئون وتديّرها. أثنى عليه سيّدي الأستاذ الأبرّ في (ص ٥٨ ج ٢) من «عقده» ثناء جميلا.

وفي كلام الحبيب أحمد بن عمر بن سميط أنّه أفضل من الأوّل ، ومن أعقابه بسيئون : الشّهم الجواد السّيّد عبد الله بن علويّ المشهور ، سكن سيئون وكانت له ثروة ينفق منها في سبيل الخيرات بسرور نفس ، وطيبة خاطر ، يصحّ فيه قول ابن جدّه الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ٢ / ٤٠٣ من الطّويل] :

كثير ارتياح القلب في عقب جوده

إذا جائد ألقى يدا في التّندّم

توفّي بسيئون سنة (١٣٢٩ ه‍) ، وترك ولدين لم يحسنا سياسة تلك الثّروة ، ثمّ تأكّلها القضاة والأوصياء ، فاضمحلّت أو كادت.

وقد مرّ قبيل القطن أنّ إمارة مريمه كانت لبني بكر من يافع ، ثمّ أجلتهم الدّولة منها في سنة (١٢٨٤ ه‍) ، واستولت على أموالهم بها ، وكانت لهم ذمّة من آل زيمة الكثيريّين فلم تبال بهم ، وعيّرهم النّاس حتّى الصّبيان فصبروا.

وفي شمال تربة مريمة كان مدفن السّلطان عبد الله بن راشد (١) ؛ لأنّه كان قتل على مقربة منها.

__________________

(١) السلطان الصالح العالم عبد الله بن راشد بن شجعنه بن فهد بن أحمد بن قحطان .. ولد سنة (٥٥٣ ه‍) ، وتوفي مقتولا سنة (٦١٦ ه‍) ، ولي الحكم عام (٥٩٣ ه‍) عقب مقتل أخيه شجعنه.

وكان عصره أحسن عصور حضرموت التاريخية ؛ إذ كان فقيها محدثا عالما ، طلب العلم بمكة وغيرها ، فجمع الحديث على ابن أبي الصيف والحافظ عبد الغني المقدسي والحافظ ابن عساكر ، وقرأ «صحيح البخاري» على الفقيه محمد بن أحمد بن أبي النعمان الهجريني .. وإليه ينسب وادي حضرموت ، ويقال : وادي ابن راشد. ينظر : «الأدوار» (١١٠) ، «الحامد» (٢ / ٤١١).


وبين مريمه هذه ومريمه الشّرقيّة : قارة فاردة عالية الذّروة ، وفيها بئر عذبة ، وهي الّتي كانت عليها مصنعة مريمة السّابقة الذّكر.

ولا تزال آثار مريمة الشّرقيّة ظاهرة ولكنّها كلّها غامرة ، وهي إسلاميّة ، وفيها عدّة مساجد.

وكانت مدينة كبرى في سابق الأيّام ، ولا أدري من هدمها. وسيأتي في قارة العر أنّ عمر بن مهديّ أعاد بناء العرّ حوالي سنة (٦١٩ ه‍) ، فيحتمل أن يكون الّذي هدم العرّ هو الّذي هدم مريمه الشّرقيّة ، ويحتمل غير ذلك.

وفي مريمة ناس من آل باجبير ، فيهم علماء ؛ منهم : شيخ صاحب «المشرع» بتريم الشّيخ محمّد بن أحمد باجبير.

وفي سنة (١٣٢١ ه‍) هجم العوامر على مريمه ، واستولوا عليها ، ونهبوا ما فيها ، ثمّ تقدّموا إلى منتصف الطّريق بينها وبين القرن فلاقتهم عبيد الدّولة أثناء الطّريق ، والتحم القتال بينهم ، ولكنّ العوامر كاثروا العبيد وأحاطوا بهم ، ولو لا أنّ الله أدركهم بالمنصب السّيّد عيدروس بن عبد القادر العيدروس ـ حداثة وفاة أبيه ـ فحجز بينهم .. لا ستأصلوهم قتلا.

جذع

هو اسم لعدّ ماء (١) لا يزول شتاء ولا صيفا في أثناء جبل عن جنوب مريمه ، يمتدّ طولا ينهر إليه بعض ماء الجبال الّتي تدفع إلى تاربه ويثمه وشحوح.

وتشرع منه مجاري ماء مجصّصة لا تزال آثارها ظاهرة تدلّ على أنّ ماءه كان جاريا يسقي النّخيل والمزارع الّتي حواليه ، والناس يقصدون ذلك المكان للاغتسال والتنزه فيه.

وفي «فتح الرّحيم الرّحمن» : (أنّ السّيّد عبد الله بن أبي بكر العيدروس دخل

__________________

(١) الماء العدّ : الذي يجري بدون انقطاع.


هو وجماعة من أهل مريمه غديرا يغتسلون فيه ، فقال لهم الشّيخ : هلمّوا نتغاطس) اه

وما أظنّه إلّا هذا الغدير.

وبه ذكرت ما جاء في (ص ٢٠٩) من «القرى لقاصد أم القرى» : أنّ عاصم بن عمر وعبد الرّحمن بن زيد تماقلا في البحر وهما محرمان ، يغيّب كلّ واحد منهما رأس صاحبه ، وعمر رضي الله عنه جالس على شاطىء البحر لا ينكر ذلك. أخرجه أبو ذرّ الهرويّ بلفظه ، والشّافعيّ بمعناه (١) ، ومعنى : تماقلا : تغاطسا كما فسّر به في السّياق.

حوطة سلطانة (٢)

بين مريمه الشّرقيّة وقارة العر فضاء فيه نخيل ، وله واد مخصوص ، سكن فيه آل الزبيديّ ، ثمّ اشتهر بحوطة سلطانة بنت عليّ الزّبيديّ ، وهي من أكابر الصّالحين ، لها عبادات وأحوال تشبه أحوال رابعة العدويّة.

قيل : إنّ بعض أهل الفضل قال لها : (والبكرة يومها ناقه تماري الجمال).

فقالت : (الحمل بالحمل والزايد لبن والعيال) قال الشّيخ محمّد بن أبي بكر عبّاد في «ترجمته» للشّيخ عبد الله بن محمّد القديم (٣) : (كان الشّيخ عمر الزّبيديّ الحارثيّ من الصّالحين ، وكانت له أخت اسمها سلطانة ، لها أحوال عظيمة ، وقد تحكّمت للشّيخ محمّد بن عبد الله القديم هي وإخوانها ورجعوا عن طريق العوامّ ، وكان الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف وأولاده أبو بكر وعمر يزورونها ، وقد بنت رباطا بالعرّ) اه

ومنه يتأكّد ما ارتأيناه في مريمه الشّرقيّة من أنّ العرّ اسم شامل لذلك الفضاء بأسره ، وأنّ القارة ليست إلّا منسوبة إليه.

__________________

(١) انظر : «الأم» (٢ / ٢٠٥).

(٢) الشيخة سلطانة إحدى كبريات وشهيرات النساء بحضرموت ، بلغت جاها وعلما وصلاحا شهد به القريب والبعيد.

(٣) المسماة : «المنهاج القويم» (خ).


ولرباط الشّيخة سلطانة ذكر كثير في كتب التّراجم الحضرميّة (١).

أمّا كون الشّيخة سلطانة تحكّمت هي وأخوها للشّيخ محمّد باعبّاد .. فلا يخالفه ما جاء في «مفتاح السّعادة والخير» لمؤلّف صاحب «القلائد» من قوله : (أخبرني من أعرفه وأشكّ في عينه ، وأظنّه عليّ بن عثمان الزّبيديّ : أنّ سبب رجوع جدّهم عمر الزّبيديّ عن طريق الجهالة إلى طريق الفقر أنّه كمن ومعه غيره بطريق كحلان ، فمرّ بهم بعير للفقيه محمّد بن حكم باقشير ، فأخذوه ولم يعرفوا أنّه له ، فأخبر الشّيخ محمّد بن حكم بذلك ، فقال : إن كان أخذوه من حاجة وفاقة .. تاب الله عليهم. وكذلك كان ، فحصل له رجوع صادق وتاب في الحال) اه لأنّه لو جاء إلى الشّيخ محمّد بن حكم وتاب على يده ، وتحكّم له .. لذكر ذلك ، ولكنّه لم يذهب إلّا إلى عند الشّيخ محمّد بن عبد الله باعبّاد بشبام ، مع أنّ التّوبة لا تصحّ إلّا بالاستحلال وردّ المظلمة ، وكيف يقبله الشّيخ محمّد باعبّاد من دونها ، ولعلّه لم يعلم بذلك ، أو لعلّه بلغه أنّ الشّيخ محمّد بن حكم حلّله ، غير أنّ التّحليل المذكور في كلام باقشير لم يستوف الشّرائط. والله أعلم.

وكان للسّيّد الفاضل ، الكثير الإحسان ، طه بن عبد القادر بن عمر السّقّاف (٢) ، المتوفّى بسيئون في سنة (١٣٢٠ ه‍) تعلّق كثير بحوطة سلطانة وتردّد إليها ، وقد ابتنى بها دارا واسعة للمنصب هي الّتي يسكنها الآن. وأكثر نفقاتها ممّا كان يرسله إليه الشّيخ زين بن عبد القادر بن أحمد بن عمر الزّبيديّ أخو المنصب لذلك العهد ـ الشّيخ كرامة بن عبد القادر ـ وكان الشّيخ زين هذا وقف حياته على خدمة الحبيب طه بن عبد القادر .. فكان يسافر السّفرات الطّويلة إلى جاوة ، وكلّما عاد .. دفع جميع

__________________

(١) في «الأدوار» (٣١٠): (وللشيخة سلطانة رباط تردد ذكره في بعض الكتب والأمالي الحضرمية ، بنته بالعر وهو العراء الممتد شرقي مريمه إلى نهاية حوطتها.

ولكن تلك الكتب لم تشرح لنا شيئا عن الرباط المذكور ولا عن مريديه ولا عن العلوم التي تدرّس فيه ، وهل تباشر هي بنفسها تطبيق شيء من الرياضات أو الدروس فيه أم هو أشبه بخان صوفية لتنزيل الضيوف منهم ومن أتباعهم فيه ، ولعل هذا هو الأقرب) اه

(٢) ترجمته في «التلخيص» (٢٨).


ما يأتي به من المال للحبيب طه. وكان هذا السّيّد آية من آيات الله في رقّة القلب ، والانفعال عند سماع القرآن ، وكان مطبوعا على الجود ، حتّى إنّه ليستدين ويتصدّق ، إلى أن بلغ دينه يوم مات خمسة عشر ألفا من الرّيالات ، لم ينفقه إلّا في هذه السّبيل ، فقضاه الله لصحّة قصده وإخلاص نيّته (١).

وولده أبو بكر بن طه (٢) من أهل العلم والأدب ، والشّهامة والفضل ، وهو الآن منذ زمان بسنغافورة ، وله بها ابن ذكيّ نبيه ، يحرّر صحيفة عربيّة تظهر تارة وتغيب أخرى (٣).

وللزّبدة بلدان كثيرة ذاهبة في الوادي حفافي مسيال عدم ، ما بين ساه والغرف ومسيلة آل شيخ ؛ منها : الرّدود ، وسونه ، وتمران ، وشريوف.

وللشّيخ سعيد بن محمّد الزّبيديّ نهضة أخضع بها آل جابر وآل تميم ، وحرّر بها بيت مسلمة من أخذ الشّراحة منه بدون رضى من أرباب الأموال ، وكانت تلك النّهضة في حدود سنة (١٢٣٠ ه‍) ، وقد استوفيناها ب «الأصل».

ومنصب الزّبدة اليوم العامّ هو : الشّيخ محمّد بن كرامة الزّبيديّ ، من أكثر المناصب رمادا ، وأوسعهم صدرا ، وأكثرهم ضيفانا ، وهو من التّواضع في الاعتبار الأوّل ، لا تدلّ عليه هيئته الرّثّة ، ولا يعرف إلّا بالتّعريف ، وقد لدغته حيّة يعاوده سمّها في كثير من الأوقات ، كما قال شاعر المعرّة [في «سقط الزند» ١٦١ من الوافر] :

ومن تعلق به حمة الأفاعي

يعش ـ إن فاته أجل ـ عليلا

__________________

(١) كان قضاء دينه على يد ربيبه السيد محمد بن عبد الله بن جعفر بن شيخ بن عبد الرحمن بن سقاف.

«التلخيص» (٢٩).

(٢) مولده بسيئون ، ووفاته بسنغافورة سنة (١٣٧٥ ه‍) ، وعند تأسيس مدرسة النهضة بسيئون على يد السيد سقاف بن محمد بن عبد الرحمن بن علوي السقاف سنة (١٣٣٩ ه‍) .. قام بمساعدته فيها ..

رحم الله الجميع.

(٣) وهو السيد الأديب الفاضل طه بن أبي بكر بن طه. ولد بسيئون ، ودرس بمدرسة النهضة ، ثم هاجر إلى إندونيسيا وسنغافورة ، وعمل بها تارة مدرسا وتارة مديرا لبعض المدارس ، ثم أصدر صحيفتين عربيتين ، فيهما مرتع خصب للباحثين والكتاب.


ومن فحول الزّبدة : الشّيخ أبو بكر بن سعيد الزّبيديّ ، ممدوح شيخنا العلّامة ابن شهاب. وهو صاحب القصّة السّابقة في شبام وإلى رأيه يرجع كثير من العظماء عند المهمّات.

ومنهم : الولد النّجيب عبد الله بن أبي بكر بن أحمد الزّبيديّ.

ومرجعهم في النّسب إلى مذحج ، وقيل : إلى بني أميّة ، ويؤكّده أنّهم يتّفقون مع آل سند ، وقد مرّ في الدّحقه الّتي إلى جنب الحزم : أنّهم من بني أميّة.

ومن النّاس من ينسب بني حارثة إلى كندة ، والزّبدة مصفقون على أنّهم من بني أميّة ، والنّاس مأمونون على أنسابهم.

قارة الحبوظيّ وقارة العرّ (١)

ـ أمّا قارة الحبوظيّ : ففي سفح الجبل الشّماليّ ، غربيّ صليلة ، وشرقيّ حصون آل الصّقير. وفيها آثار عمارات قديمة ، وبئر في أعلاها.

والحبوظيّ هو : صاحب ظفار ، وقد استولى على حضرموت بأسرها في سنة (٦٧٣ ه‍) ، وله بها آثار ومنازل كثيرة للضّيفان ، وصدقات جمّة تكرّر ذكرها في أعالي حضرموت (٢) ، وأمّا في أسفلها .. فذكرها قليل إذا استثنينا : مسجد الحبوظيّ بتريم (٣) ، وهذه القارة ، ومكانا آخر بين العجز وتريم.

وما قلّة ذكر صدقات الحبوظيّ بأسفل حضرموت ـ فيما أراه ـ إلّا لكثرة خيانة النّظّار به أكثر ممّا بأعلاها.

وبنو حارثة ينقسمون إلى فرقتين :

الأولى : بنو حارثة الحبوظيّ ، وسكناهم بهذه القارة وما يليها من الدّيار ،

__________________

(١) العر ـ تضبط بعين وراء مهملتين ـ : وهي غير حصن العز بالعين المهملة والزاي المعجمة الآتي ذكره قبيل تريم ، فليعلم ؛ فإن هذه قارة وذاك حصن.

(٢) في وادي عمد ونواحيه.

(٣) وهو الكائن في حافة السوق قريبا من الجامع.


ولا تزال لأعقابهم من آل خليفة أموال بصليلة وما حواليها ؛ لأنّهم من بني حارثة الحبوظيّ.

والفرقة الأخرى : بنو حارثة العرّ ؛ لأنّهم كانوا يسكنون القارة الّتي بسفح الجبل الجنوبيّ الّذي على يمين الذّاهب من الجهة الغربيّة إلى الحسيّسة وتاربه وما وراءهما.

وقد جاء في أخبار سنة (٦١٩ ه‍) أنّ عمر بن مهديّ أحد أمراء الرّسوليّين باليمن أعاد بناء قارة العرّ (١) ، ولن يعيده إلّا عن سابق بناء وانهدام.

وكان الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف متزوّجا بها على امرأة من بني حارثة العرّ ، وهي أمّ بنته عائشة ، وله بها مسجد لا يزال موجودا إلى اليوم.

وصهر إليهم أيضا الشّيخ عمر المحضار ، فمنهم أمّ بنته مريم (٢).

وإليها ينسب السّيّد عبد الرّحمن بن عليّ بن الشّيخ محمّد بن حسن جمل اللّيل ، فيقال : عبد الرّحمن قارة العرّ ، وبها يسكن السّيّد علويّ بن عقيل.

وقد أشرنا في سيئون إلى قصّته مع الشّيخ عمر بن عبد الله بامخرمة ، وهي ما جاء في الحكاية (١٤٨) من «أنس السّالكين» للسّيّد باهارون (٣) : (أنّ السّيّد الشّريف علويّ بن عقيل بن أحمد بن أبي بكر السّكران بن عبد الرّحمن السّقّاف أقبل من العرّ إلى بور ، فألفى السّلطان عبد الله بن جعفر والفقيه عمر بن عبد الله بامخرمة جلوسا على عصبيّ الجامع (٤) ، فقال بامخرمة بصوت خافت ، لا يمكن للسّيّد أن يسمعه : إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا.

فدخل السّيّد علويّ إلى المسجد وصلّى ركعتين ، ثمّ خرج إلى العصبيّ وضرب

__________________

(١) «شنبل» (٨١).

(٢) وإلى مريم هذه ينسب السادة آل الكاف من جهة الأمهات.

(٣) هو السيد عبد الله بن عبد الرحمن بن علي بن هارون بن حسن بن علي بن الشيخ جمل الليل ، توفي بالهند ، ولم تؤرّخ وفاته.

(٤) العصبي ـ بضم العين وسكون الصاد ـ : الدكة التي تكون خارج المسجد وقد تحيط به ، يجلس الناس عليها.


بامخرمة بنعاله ، وقال لعبد الله بن جعفر : نحترمك ، ولكن إذا لم ترسل لي بحمل برّ وحمل ذرة إلى بلاد العرّ بلاد سلطانة .. ترى ما يحدث عليك. فبعث له بذلك ، وقال للشّيخ عمر بامخرمة : ما لك حاجة مع هؤلاء ؛ فإنّهم مجبّرين) اه

وكان هذا السّيّد من أهل الأحوال المجاذيب. والله أعلم.

وجاء في حوادث سنة (٩١٨ ه‍) أنّ ولد عبد الله بن جعفر حصر العرّ ، ثمّ أخذها قهرا ، وأخرب ديارها ولم يبق إلّا المصنعة فقط (١).

وفي حوادث تلك السّنة هجم أولاد الفقير من بني حارثة على ديار أصحابهم بالعرّ ، وأخذوا الحصن ، ونهبوا بيوت أصحابهم وأحرقوها ، وأخربوها ما عدا المصنعة ، وكان أصحابهم يومئذ بالكسر غائبين عن العرّ. وهذا دليل على أنّ التّخريب الّذي كان من ولد عبد الله بن جعفر لم يستأصل ديار العرّ ، وإلّا .. لما كان هذا.

والفقير في عرف السّابقين من مشايخ حضرموت من ترك السّلاح وتحكّم لأحد مشايخ التّصوّف إذ ذاك ؛ كباعبّاد ، وباقشير ، والفقيه المقدّم محمّد بن عليّ باعلويّ ، والشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ.

وللعرّ (٢) ـ وهو جبل على مقربة من أرض البيضاء كما يفهم من رحلة الشّيخ عمر صالح بن هرهرة ـ ذكر كثير في الحروب الّتي جرت بين الإمام ويافع في سنة (١١٠٤ ه‍). وفي الحيمة من أرض اليمن مكان يقال له : (العر) أيضا.

بور وحنظلة ابن صفوان عليه السّلام وعرض عبيد الله بن أحمد بن عيسى

أمّا بور (٣) : فمن البلدان القديمة ، و «ديوان الشّيخ عمر بن عبد الله بامخرمة» يستهلّ في كثير من القصائد بأنّها من ديار عاد ، وله فيها أماديح كثيرة ، منها قوله :

__________________

(١) شنبل (٢٥٢).

(٢) هناك (١١) موضعا باليمن وحضرموت تعرف بهذا الاسم ، ومنها السابق الذي في حضرموت. وأما ما عناه المصنف .. فهو جبل بأعلى يافع ، به قلعة حصينة يعود تاريخ بنائها إلى القرن السابع الهجري.

«المقحفي» (٢ / ١٠٣٥).

(٣) بور : تقع شمال شرقيّ سيئون ، وتبعد عنها نحو (١٠) كم.


يا بور يا جنّة الدّنيا

يا مصرنا ذي لها شاره

وقوله ـ قبل أن ينزغ الشّيطان بينه وبين بدر بوطويرق ـ :

ثلاث الله جمعهم في كمال الكمال

كفى بها : بدر ، والدّمنه ، وباهي الجمال

يريد بالدّمنة : بورا.

وفي طرف بور الشّرقيّ جامع كبير ، بناه سيّدنا علويّ بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى (١) ، وقد ارتفعت عليه الأرض فصاروا لا ينزلون إليه إلّا بدرج ، ولكنّهم بنوا عليه مثاله ، وبقي القديم مطمورا بالتّراب من سائر جهاته ، إلّا من جهة درجه الّذي ينزلون منه إليه ، وحفر على قريب منه بئرا طواها بالحجارة ، الّتي كتب اسمه على كلّ حجر منها ، تسمّى الآن : بير الأعمش ، ومن خصائصها : أنّ الاغتسال فيها مجرّب لحمّى الرّبع (٢)

وقد عرف ممّا سبق في الغرفة وسيئون أنّ ولاية بور كانت لآل باجمّال ، ثمّ انتزعها منهم آل بانجّار الكنديّون ، أو المذحجيّون على اختلاف الأقوال فيهم.

ولمّا جاءت سنة (٧٢٣ ه‍) .. هجم آل كثير على بور واستولوا عليها ، وقتلوا جماعة من آل بانجّار ، منهم أربعة ولدوا في يوم واحد ، واختتنوا في يوم واحد ، وختموا القرآن في يوم واحد ، وشرعوا يصلّون في يوم واحد.

وكانت بور قاعدة ملك آل كثير برهة من الزّمن ، وهذا ممّا يتأكّد به أنّ سيئون كانت خرابا ، وإنّما تجدّدت عمارتها شيئا فشيئا ، أكثرها في القرن العاشر.

ولمّا ضعف أمر آل كثير ببور ، واشتدّت الفوضويّة فيها وفي أعمالها .. سعى آل بور وآل باجري في استقدام الحبيب أحمد بن علويّ العيدروس (٣) ، وأقاموه منصبا

__________________

(١) وهو الملقب عند أهل الطبقات من النسابين بالمبتكر ، لأنه ابتكر له اسم (علوي) ولم يكن معروفا في آبائه من قبل ، وهو جد بني علوي قاطبة ، توفي حدود الأربع مئة وقبر بسمل الواقعة على ثلث مرحلة من تريم.

(٢) هي الحمّى التي تأتي يوما وتغيب يومين وتعود في الرابع.

(٣) هو السيد الحبيب أحمد ـ الملقب المحتجي أو المحتجب ـ بن علوي ، من ذرية الشيخ عبد الله العيدروس. كان مولده ببور ، وبها وفاته.


على بور ، وكان له رباء فيها ؛ إذ كانت أمّه من آل باعبود ، ثمّ أخذه أبوه صغيرا للتّعليم إلى تريم ، فتعبت أمّه لفراقه.

وكان آل بور محتاجين إلى وال يجتمعون عليه .. فاستقدموه ، وأقام على المنصبة بها إلى أن توفّي سنة (١١٠٤ ه‍) ، وخلفه ابنه علويّ (١) ، ثمّ ابنه عبد الله بن علويّ ، المتوفّى ببور سنة (١١٤٥ ه‍) ، وكان فاضلا جليل القدر ، له اتّصال أكيد بالقطب الحدّاد ، وكثيرا ما يذهب إليه هو وخادمه ابن زامل ، وهو الشّاعر المطبوع من آل باجري ، وله فيه وفي القطب الحدّاد غرر المدائح بالعبارة العامّيّة.

وخلفه ولده علويّ ، ثمّ ولده سالم باحجرة ، ثمّ ولده علويّ بن سالم ، ثمّ سالم بن علويّ (الأخير) ، وكان عالما فاضلا ، له كلام كثير في التّصوّف ، توفّي ببور سنة (١٢٨٠ ه‍) ، وله أخ اسمه عبد الله ، كان شريفا فاضلا متواضعا ، لم يل المنصبة ، توفّي ببور قبل أخيه سنة (١٢٧٤ ه‍).

وتولّى المنصبة بعد الحبيب سالم بن علويّ : ولده عبد القادر ، وكان شهما شجاعا ذا وجاهة تامّة ، له يد في الإصلاح ، وكم سلمت نفوس بحجزه بين المتحاربين ؛ لأنّهم متى رأوا علمه يرفّ .. كفّوا ، مهما يكن من حردهم وغيظهم.

وكان من أجهر النّاس صوتا ، حتّى إنّه لينادي من صليلة (٢) فيسمع من بحوطة سلطانة وبينهما نحو من أربعة أميال ، فينطبق عليه قول بعضهم في شبيب بن يزيد الخارجيّ [من البسيط] :

إن صاح يوما حسبت الصّخر منحدرا

والرّيح عاصفة والموج يلتطم

وقول الآخر [من المتقارب] :

جهير الرّواء جهير العطاس

جهير الكلام جهير النّغم

وفي غير موضع من كتبي ذكرت ندى صوت العبّاس وعروة السّباع وما يتعلّق

__________________

(١) توفي ببور.

(٢) ضاحية من ضواحي بور.


بذلك ، وقول أبي الطّيّب [من الكامل] :

ورد إذا ورد البحيرة شاربا

ورد الفرات زئيره والنّيلا

توفّي السّيّد عبد القادر بن سالم ببور سنة (١٣٢٠ ه‍).

وخلفه ولده خوّاض الغمرات ، ووقّاد الجمرات ، وحامي الحقائق ، وحتف الأقران ، الفاضل المتواضع ، عيدروس بن عبد القادر ، كان رجلا بطلا ، طوالا شديد الأسر :

قد أرضعته وأسد الغيل تحرسه

بالبدو كلّ درور حافل الرّيّ (١)

فجاء إذ جاء مثل الرّمح معتدلا

وشبّ إذ شبّ كالصّقر القطاميّ (٢)

له في النّجدة والشّهامة أخبار كبيرة ، من أدناها : أنّ أولاد السّيّد زين بن علويّ العيدروس كانوا مضطغنين عليه ينافسونه ـ وهم أربعة ـ فمرّ عليهم ذات ليلة ، فقالوا له : لم لم تسلّم؟ قال : لم أركم.

فانقضّوا عليه ، وما زالوا يساورونه بكلّهم وهو وحده حتّى قتل عمر بن زين ، وطرد الباقين ، وبه منهم سبع طعنات ، وبإثر ذلك تعصّب آل باجري على عيدروس ، فامتنع عن الظّهور إلّا بخفير فمنعوا النّاس من خفارته ، فلم يمتنع أحد آل سالم بن عمر خفره ، فتعرّض لهم أربعة من آل حمود في سوق بور ، ففشل الخفير ، ولكنّ عيدروسا ثبت ، ولمّا ضربه أحدهم بنمشته .. تلقّاها بذراعه. فلم تؤثّر فيه إلّا قليلا ، ثمّ أطلق عليه عامله ودقّه فيه .. فخرج سنانه من ظهره ، ولم يقدر على انتزاعه إلّا بجهد مع قوّة أيده ، ولكنّ المطعون سلم وهرب الثّلاثة إلى أن سوّيت المسألة بالصّلح ، وكفّته راجحة ، وخدود أعدائه ضارعة ، وعذره في قتل عمر بن زين ظاهر ؛ إذ بدؤوه بالاعتداء ، ولم يمكنه الدّفع إلّا بالقتل ، وعند ظهور القرينة بالصّيال .. يكون المعتدى عليه هو المصدّق ، ويذهب دم الصّائل هدرا.

__________________

(١) البيتان من البسيط ، وهما لابن هانىء الأندلسيّ بتغيير بسيط. درور : المرأة ذات اللبن الكثير.

(٢) القطامي : نوع من أنواع الصقور.


وبإثر هذه الحادثة كانت حادثة آل أحمد بن حسين العيدروس ببور ، وذلك أنّ الفاضل التّقيّ الكريم السّيّد حسن بن أحمد العيدروس (١) ـ المتوفّى بتريم سنة (١٣٠٤ ه‍) ـ كان له أخ يقال له : عبد الله بن أحمد ، ولكلّ منهما أولاد ، غير أنّ أولاد السّيّد حسن بن أحمد كانوا أكثر ، فتنازعوا ذات ليلة ، فزعم شيخ بن حسن بن أحمد أنّه مطعون من أحد أولاد عمّه عبد الله ، فخفّ مصطفى بن حسن وقتل محمّد بن عبد القادر بن عبد الله بن أحمد ، وسمعت من المنصب السّيّد عليّ بن عبد القادر : أنّ مصطفى لم يقدر على محمّد بن عبد القادر حتّى أمسكه له السّيّد علويّ بن حسين ، وهو رجل أكول ذو مرّة ؛ فإنه لمّا سمع بقتل شيخ بن حسن .. أحبّ أن يتوافوا ، فأمسك محمّدا فقتله مصطفى والحال أنّ جرح شيخ لم يكن إلّا خفيفا سرعان ما برىء منه.

فتداخل المنصب السّيّد عبد القادر بن سالم في القضيّة ، وجمع لها الأعيان ، فسوّيت على عفو معلّق على أن لا يعود القاتل إلى بور مادام أحد من والدي المقتول حيّا.

والّذي يظهر أنّ هذا العفو غير صحيح ؛ لأنّ العفو والإبراء أخوان ؛ إذ يصحّ العفو عن الدّم بلفظ الإبراء ، ويصحّ الإبراء من المال بلفظ العفو ، وقد صرّح الفقهاء بأنّ تعليق الإبراء يبطله.

وقد ذهب مصطفى (٢) بإثر هذه الحادثة إلى مكّة المشرّفة ، واكتسب بها ثروة طائلة ، ومات في سنة (١٣٦٣ ه‍) ، وترك هناك أولادا لهم سمت حسن وتواضع ، إلّا أنّه يؤثر عنهم لؤم ، بلغ بهم أنّ الأخ الفاضل محمّد بن هادي السّقّاف أبرق إليهم بسفره من عدن إليهم مع أهله برقيّة وصلتهم في وقتها ، وكانوا يتردّدون عليه ،

__________________

(١) حسن بن أحمد بن حسين .. كان جليلا فاضلا من الصالحين ، ولد ببور سنة (١٢٣٤ ه‍) ، وتوفي في (٢٧) محرم (١٣٠٤ ه‍) ، وجمع بعض أحفاده ترجمة مختصرة له.

(٢) هو مصطفى بن حسن بن أحمد ، توفي بمكة سنة (١٣٦٣ ه‍) ، وله بالحجاز عدد من الأبناء ، ومنهم : عبد الله وهو الذي جمع الأدعية والأذكار المأثورة في كتاب سماه : «مخ العبادة».


ويتظاهرون بحسن الظّنّ فيه ، فتركوه حائرا في المطار ، لا يدري ماذا يفعل .. حتّى فرّج الله عليه بمبارك النّاصية السّيّد عبد الرّحمن بن حسن الجفريّ ، وكان جاء في لقاء بعض أصحابه ، فقام بأمره ، كما أخبرني بجميع هذا السّيّد عيدروس بن سالم السّوم.

وكانت قبائل آل عون أطوع للسّيّد عيدروس من الخاتم ، ولم يزل بهم وبقوّة بأسه وهمّته مرهوب الجانب ، محترم الفناء ، حتى انقاد لبعض آراء السّيّد عمر بن بو بكر العيدروس ، وكان على بنته ، ففترت العلائق بينه وبينهم ؛ لأنّ عمر بن بو بكر حمله ـ بإيعاز من آل الكاف ـ على إيثار جانب دولة آل عبد الله عليهم.

ولمّا توفّي السّيّد عيدروس بن عبد القادر في سنة (١٣٤٤ ه‍) .. وقع رداؤه على أخيه العلّامة الجليل عليّ بن عبد القادر بن سالم العيدروس (١) ، وكان عالما فاضلا ، طلب العلم بمكّة المشرّفة على كثير من مراجيحها ، وكان متخصّصا في «علم الأصول» ، ومشاركا مشاركة قويّة في غيره ، وعنه أخذت «علم الجبر والمقابلة» ، و «علم الخطأين» (٢) ، و «علم العروض والقوافي» ، أنا والشّيخ محمّد بن محمّد باكثير معا في منزلنا ؛ لأنّه كان يتردّد إلى سيئون ، ولكنّه لم يبق بذهني شيء من هذه العلوم إلّا النّزر من القوافي ، وأمّا البواقي مع أنّني أتقنتها عليه .. فقد تفلّتت عنّي لضعف التّوجّه إليها حتّى كأنّي لم أقرأها بعد.

ولقد أردت أن أستذكر «علم الجبر» مرّة ، لوقوع رسالة في يدي منه ، فاعتاصت عليّ وضاق صدري واطّرحتها.

__________________

(١) السيد العلامة المنصب علي بن عبد القادر بن سالم ، مولده سنة (١٢٩٢ ه‍) بقرية صليلة ، طلب العلم بتريم ، ثم رحل إلى مكة مجاورا برباط السادة بسوق الليل ، ترجمته في : «تاريخ الشعراء» (٥ / ١٨٩ ـ ١٩٧) ، «تعليقات ضياء شهاب» (١ / ١٢٤).

(٢) علم الخطأين : من فروع علم الحساب ، وهو علم يتعرف منه استخراج المجهولات العددية ، إذا أمكن صيرورتها في أربعة أعداد متناسبة ، ومنفعته كالجبر والمقابلة ، إلا أنه أقل عموما وأسهل عملا ، وإنما سمي به لأنه يفرض المطلوب شيئا ويختبر ، فإن وافق .. فذاك ، وإلا .. حفظ الخطأ الثاني ، ويستخرج المطلوب منهما ، فإذا اتفق وقوع المسألة أولا في أربعة أعداد متناسبة .. أمكن استخراجه بخطأ واحد. ينظر : «كشف الظنون» (١ / ٧٠٧).


وله مؤلّفات ؛ منها : شرحه على «ألفيّة» السّيوطيّ في النّحو (١). ورسالة ردّ بها على القضاة : عيدروس بن سالم السّوم ، ومحمّد بن أحمد كريسان ، ومحمّد بن مسعود بارجاء ، ردّا مفحما ، صادق عليه طلبة العلم بأسرهم في نواحي حضرموت وساحلها. وله أشعار جزلة ، إلّا أنّه مقلّ منها.

ومن اللّطائف : أنّه هجا عبد الله عليّ حسّان حوالي سنة (١٣٢٠ ه‍) .. فوقع كلّ ما تفرّسه فيها عنه من الموبقات.

وله عناية بغرس النّخيل ، غرس منها الشّيء الكثير فنمت وآتت أكلها ، ودرّ عليه من ثمارها خير كثير.

توفّي ببور لإحدى عشرة خلت من ربيع الأوّل سنة (١٣٦٣ ه‍) ، وكانت وفاته فجأة بالسّكتة القلبيّة.

وخلفه ولده عبد القادر ـ وكان طائشا ـ فتوقّر وفتح بابه لوجهاء الضّيفان ، وأعانه على القيام بمنصبهم ضعفه (٢) ؛ إذ قلّت مهمّات المنصب لضغط الحكومة عليه ومضايقته. ويعجبني منه تلزّمه بالشّريعة ، حتّى لقد سألني في عيد الحجّة من السّنة المنصرمة ـ أعني سنة (١٣٦٦ ه‍) ـ عن جحش ، قال يوم اشتراه وهو صغير : بغيته أضحية؟ فأجبته بأنّ هذا القول كناية ـ كما صرّح به عبد الله بامخرمة ـ إن اقترنت به نيّة .. وجبت التّضحية به ، وإلّا .. فلا.

ومرّ في الغرفة ، ذكر السّيّد أحمد بن محضار العيدروس ، وهو من آل عبد الله بن علويّ العيدروس آل بور المذكورين ، وكان قائدا محنّكا عند عظام حيدرآباد الدّكن ، ولمّا استفحل أمر الأمّة اليابانيّة ببورما في الحرب الأخيرة ، وطفح سيلها ، وامتدّ ذيلها .. ضاق صدر الإنكليز ، فاستنجد بحكومة حيدرآباد فأمدّته به ، فأعطاه قيادة

__________________

(١) هذه الألفية تسمى : «الفريدة» أو «الزبدة» تحوي علم النحو والصرف والخط ، وقد بدأ الحافظ السيوطي في شرحها بنفسه ، وسماه : «المطالع السعيدة شرح المنظومة الفريدة» ولم يكمل.

(٢) أي : ضعف المنصب (المقام).


عامّة ، ورمى به اليابان في بورما ، فكان كما قال الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ٢ / ٢٩٣ من الكامل] :

عمري لقد قذفوا الكروب بفارج

منها وقد رجموا الخطوب بمرجم

فكأنّما قرعوا القنا بعتيبة

ولقوا العدا بربيعة بن مكدّم

رقّاء أضغان يسلّ شباتها

حتّى يغيّر سمّ ذاك الأرقم

ففلّ نابها ، وقطع أسبابها ، وأظهر شجاعة خارقة ، وتدبيرا حازما ، وكلّل الله أعماله بالنّجاح ، حتّى لقد سمعت أنّ ملك الإنكليز رسم بعشرين نيشانا لتلك الجيوش ، فحاز هو وعسكره منها سبعة عشر ، ولم يقع لبقيّة الأجناس إلّا ثلاثة أوسمة منها فقط. والله أعلم.

وله إلى جانب ذلك البأس أخلاق فاضلة ، وغيرة على العروبة ، ودفاع عنها ؛ فإن انضمّ إلى ذلك انتهاء عن المحظورات وقيام بفرائض العبادة .. فقد تمّ تمامه ، لكن قال لي مرتضى ابن أبي بكر شهاب أنّه هو الّذي باع حيدرآباد الدّكن على البوذيّين بستّ مئة ألف ربّيّة ، ثمّ لم يدفعوها له ، ومن المتواتر بين النّاس في الهند أنّ أخته متزوّجة بناصر بن عوض بلّيل.

وكان في بور جماعة من السّادة آل الحبشيّ ؛ منهم : السّيّد أحمد (١) بن هاشم بن أحمد بن محمّد الحبشيّ ، كان مقيما ببور ، ترجمه في «شرح العينية» (ص ٣٢٥) وذكر في ترجمته أنّه : (أخذ عن الشّيخ عبد الرّحمن بن عبد الله بامدرك ، المقيم ببور ، كان فقيها يتولّى فيها الأحكام الشّرعيّة ، وأظنّه قرأ عليه «المنهاج» بكماله) اه

وكان بين السّيّد أحمد بن هاشم والقطب الحدّاد ودّ وإخاء ، ثمّ تواحشا لاختلاف جرى بينهما حول الهجرين ، ومع ذلك فلم يمنعه الانحراف عن الاعتراف بفضل الحدّاد وإرشاده أهل بور إلى الأخذ عنه والاقتباس من علومه.

__________________

(١) هو حفيد صاحب الشعب ، هو السبب في تصنيف الإمام الحداد كتاب : «رسالة المعاونة» توفّي في ذي الحجة (١١١٥ ه‍) ، ودفن بشعب أحمد.


ولمّا مات .. رثاه القطب الحدّاد بقصيدته الّتي استهلّها بقوله [في «ديوانه» ٥٥٠ من الطّويل] :

شرى البرق من نجد فهيّج لي شجوي

فهل من سبيل ما إلى العالم العلوي (١)

وفيه أيضا جماعة من آل خيله ، ولكنّهم انقرضوا ، وجماعة من آل باعبود ؛ منهم :

السّيّد الفقيه عليّ بن محمّد بن عبد الرّحمن باعبود ، المتوفّى بعرض آل خيله من أعمال بور ، في سنة (١٢٩١ ه‍). والعلّامة السّيّد محمّد بن زين بن محمّد بن عبد الرّحمن باعبود (٢).

ولم يبق منهم الآن إلّا القليل ؛ منهم : الولد البحّاثة الفاضل الأديب عليّ بن محمّد بن زين باعبود ، نزيل مصر الآن (٣).

وفيها جماعات من أهل الفضل والعلم والمروءة كآل باشراحيل وغيرهم ؛ ومن أواخرهم : العلّامة المتفنّن الجليل : عبد الله بن عمر باشراحيل (٤).

__________________

(١) شرى البرق : تتابع في لمعانه.

(٢) ولد ببور سنة (١٢١٣ ه‍) ، كانت وفاته بجدة سنة (١٢٩٧ ه‍) ، من شيوخه إمام الدعوة الحبيب أحمد بن عمر بن سميط.

(٣) السيد علي باعبود العلوي ـ المتوفى حوالي (١٣٩٧ ه‍) ـ : كان عالما أديبا واسع الاطلاع والثقافة ، باحثا مؤرخا ، طلب العلم بتريم ، ثم هاجر إلى جاوة فمصر ، كان من أعضاء الرابطة العلوية ، ثم أحد أركان جمعية الدفاع عن العلويين بمصر تحت رئاسة السيد عبد الله السقاف صاحب «تاريخ الشعراء».

صحب عددا من الأعلام ، في طليعتهم : السيد علوي بن طاهر الحداد ، وكانت بينهما مراسلات متواترة ؛ إذ كان السيد علي معينا له في جمع بعض المعلومات من مخطوطات دار الكتب المصرية ، وأخذ في مصر عن الإمامين الجهبذين : العلامة محمد زاهد الكوثري ، والحافظ المحدث السيد أحمد بن الصديق الغماري ، وأفاد منهما علما جما. وله مقالات نشر بعضها في الصحف العربية بإندونيسيا ومصر.

ذكره المستشرق سارجنت في كتابه : «حول مصادر التاريخ الحضرمي» ، وتحدث عن اجتماعه به سنة (١٩٥٤ م ـ ١٣٧٥ ه‍) فقال : لن أنسى ذكر علي باعبود الساكن في القاهرة ، والذي قابلته في زيارتي ل (عدن) عام (١٩٥٤) .. ثم أشار لبعض إفاداته (ص ٩٣ ـ ٩٤).

(٤) هناك شخصان من آل باشراحيل يحملان نفس هذا الاسم :

أما الأول منهما .. فعاش في القرن العاشر الهجري ، وكان تولى الإفتاء في عدن ، وهو من تلامذة


ومن أولي مروءة متأخّريهم : الشّيخ عمر باشراحيل ، وولده عبد القادر.

ومن متأخّري فضلائها : العلّامة الصّوفيّ المنقطع النّظير ، شيخنا الشّيخ : حسن بن عوض بن زين مخدّم ، كان جبلا من جبال التّقوى والعلم والعبادة ، له مؤلّفات كثيرة من لسان القلم ، على منهج الصّوفيّة ؛ منها : شرحه على «الرّشفات» في خمسة مجلّدات. ومنها : شرحه على «الحكم» ، وغيرها.

له أخذ كثير عن الحبيب أبو بكر بن عبد الله العطّاس ، ثمّ عن شيخنا وسيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، وغيرهم.

وكان والدي ـ رحمه الله ـ يؤثره ويقدّمه ، ويأمرنا بتقبيل يده. وكان كثير من العلويّين يتهضّمون فضله ويحسدونه.

وفي تعب من يجحد الشّمس ضوءها

ويجهد أن يأتي لها بضريب (١)

وقد أخذت عنه كثيرا ، وجرت بيني وبينه أمور طيّبة ؛ ولي فيه مدائح يوجد بعضها في «الدّيوان» (٢).

وكان يقرأ ربع القرآن في صلاة العشاء كلّ ليلة من رمضان ، ولا يؤمّ إلّا محصورين

__________________

الفقيه عبد الله بن عمر بامخرمة (٩٧٢ ه‍) ، وأحد الذين اختصروا «فتاواه».

وأما الثاني منهما .. فهو العلامة الفقيه عبد الله بن عمر بن عبد الله باشراحيل ، طلب العلم بمكة المكرمة ، وتفقه على يد العلامة الشيخ محمد صالح الريّس الزمزمي (ت ١٢٤٤ ه‍) ، وحرر له إجازة حافلة عند عزمه العودة إلى حضرموت ، مؤرخة في ذي الحجة سنة (١٢٣٣ ه‍). له مصنفات مفيدة.

(١) البيت من الطّويل ، وهو لأبي الطّيّب المتنبّي في «العكبريّ» (١ / ٥٦).

(٢) منها قصيدة مطلعها :

أثخن الروح جرحها بالبعاد

حين أضرمتم الجوى في فؤادي

واعتقلتم من القدود رماحا

مزقت مهجتي بطعن الصعاد

قال في ديباجتها :

(وهذه أرسلتها لشيخنا الجليل العارف بالله الشيخ حسن بن عوض مخدّم ، وكان أرسل لوالدي كتابا خصني فيه بخطاب طويل يحثني فيه على الزهد والانتظام في سلك طريق الصوفية ..) إلخ.

«الديوان» (٣٦٣ ـ ٣٦٥).


رضوا بالتّطويل نطقا ، منهم : المنصب السّيّد عيدروس بن عبد القادر السّابق ذكره ، وكان القرآن على لسانه مثل الفاتحة ، وله شعر لا ينتهي إلى إجادة.

ولمّا دنا أجله .. قال لمن حضره : (هلمّوا بنا نصلّي على النّفس المؤمنة) ثمّ صلّى بهم صلاة الجنازة ، وبمجرّد ما فرغ منها .. فاضت روحه ، وكان آخر كلامه في الدّنيا : (لا إله إلّا الله). وهذه الصّلاة وإن لم يجوّزها الفقه .. فإنّها تدلّ على شأن كريم ، وثبات عظيم وما الاجتهاد من الشيخ ببعيد ؛ فلا إنكار عليه.

وكانت وفاته سنة (١٣٢٨ ه‍) (١) وخطب النّاس قبيل الصّلاة عليه الشّهم الجليل السّيّد عمر بن عيدروس بن علويّ ، ووعظهم موعظة بليغة وكان أحد محبّيه والآخذين عنه.

وعن أبي شكيل : أنّ آل باخطيب وآل باغانم ببور ، وكلاهما من الصّدف.

وكان بها جماعة من آل باغشير.

منهم : الفقيه اللّغويّ المقرىء : محمّد بن أحمد باغشير ، صاحب المدائح في القطب العيدروس (٢).

ومنهم : شيخ العيدروس العلّامة الشّيخ : عبد الله باغشير ، عمّ الأوّل ، لهما ذكر في «فتح الرّحيم الرّحمن» و «المشرع» [٢ / ٢٤٣] وغيرهما.

وبعضهم يلتبس عليه هؤلاء بآل باقشير أصحاب العجز الآتي ذكرهم فيه.

وفي غربيّ بور : ديار آل أحمد بن عليّ آل باجريّ ، لا يزيدون اليوم مع مواليهم وأكرتهم عن مئة وثلاثين رجلا ، وكان سيّدي الحسن بن صالح البحر طلب منهم صلحا لآل قصير فامتنعوا ، وكان لأحدهم لسان وعارضة ، فافتخر أمام سيّدنا البحر ، فدعا عليه .. فسقط عليه الدّار من يومه ، ثمّ طلب الصّلح من مقبل بن رسّام أحد آل أحمد بن عليّ ، فأجابه ، فسرّ منه وهواة الكرامات يذكرون حول هذا كلاما كثيرا هم فيه مختلفون.

__________________

(١) كانت وفاته مساء الإثنين (١٩) محرم ، ودفن صبيحة الثلاثاء (٢٠) محرم.

(٢) ترجمة العيدروس في «المشرع» (٢ / ٣٤٨).


وفي شمال مكان آل أحمد بن عليّ مكان يقال له : الحاوي ، عذب الماء جدّا ، ابتنى به المنصب السّابق المرحوم عليّ بن عبد القادر بن سالم العيدروس قصرا فخما ، وسكنه آخر أيّامه ، ثمّ بنى على مقربة منه مسجدا ، وبالحاوي يسكن خلفه المنصب الحالي الآن.

وفي غربيّه بحضيض الجبل الغربيّ قبر يقال : إنّه قبر نبيّ الله حنظلة بن صفوان عليه السّلام ، وقد دلّلت على تصديق كونه بحضرموت في «الأصل» بجملة من الأدّلة :

ـ منها : أنّ الله تعالى قرن قومه ـ وهم أصحاب الرّسّ ـ بعاد وثمود في سياقة واحدة ، حيث يقول في آية الفرقان : (وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ) وقد قال بدلالة الاقتران جماعة من أهل العلم ؛ كالمزنيّ وابن أبي هريرة من الشّافعيّة ، وأبي يوسف من الحنفيّة ، وغيرهم.

ـ ومنها : قول صاحب «خريدة العجائب» : (إنّ حضرموت شرقيّ اليمن ، وإنّ بها بلاد أصحاب الرّسّ).

ـ ومنها : قول البكريّ في «معجمه» [٢ / ٦٥٢] : (والرّسّ المذكور في التّنزيل بناحية صيهد من أرض اليمن ، وانظره في رسم صيهد) اه

ولكنّ المجلّد الّذي فيه (صيهد) منه لم يكن عندي (١).

وقد قرّرنا في «الأصل» أنّ وبارا منها والرّمال الّتي في جنوبها ممتدّة منها إليها مع

__________________

(١) وإتماما للفائدة نذكر ما جاء في المجلد الذي أشار إليه المؤلف رحمه الله تعالى ، قال البكري في «معجمه» (٣ / ٨٤٩): (صيهد ـ بفتح أوّله وإسكان ثانيه ، بعده هاء مفتوحة ودال مهملة ـ : أرض باليمن ، وهي ناحية منحرفة ما بين بيحان فمأرب فالجوف فنجران فالعقيق فالدهناء ، فراجعا إلى عبر حضرموت. والرسّ المذكور في التنزيل ... بناحية صيهد.

قال الهمدانيّ : ذهب في صيهد بعهدنا قطار فيه سبعون محملا من حاج الحضارم صادرين من نجران ، كانت في أعقاب الناس ، ولم يكن فيهم دليل ، فساروا الليلة وأصبحوا قد تياسروا عن الطريق ، وتمادى بهم الجور حتى انقطعوا في الدهناء فهلكوا) اه كلام البكري رحمه الله تعالى.


انعطاف ، فيما يقرب من العبر ، إلّا أنّ الجبل الطّويل ـ الّذي يمتدّ من هناك إلى نحو سيحوت ـ يفصلها عن بلاد حضرموت.

وقال الهمدانيّ في الجزء الأوّل من «الإكليل» [١ / ١٩٣ ـ ١٩٤] : (وولد الحارث بن قحطان بن هود بطنا يقال لهم : الأقيون ، دخلوا في حمير ، وهم رهط حنظلة بن صفوان ، ووجد في قبره لوح مكتوب فيه : أنا حنظلة بن صفوان ، أنا رسول الله ، بعثني إلى حمير وهمدان والعريب من أهل اليمن ، فكذّبوني وقتلوني ، فمن يرى هذا الخبر .. يرى أنّه بعث إلى سبأ بمأرب ، فلمّا كذّبوه .. أرسل الله عليهم سيل العرم) اه

ولا يخلو عنه الوهم في المكان والزّمان.

ثمّ قال : قال ابن هشام : هو حنظلة بن صفوان من الأقيون بني الرّسّ. والرّسّ مدينة بناحية صيهد ، وهي بلدة مخترقة ما بين بيحان ومأرب والجوف فنجران فالعقيق فالدّهناء فراجعا إلى حضرموت .. إلى أن قال :

حنظلة بن صفوان بن الأقيون. كذا رواه النّسّاب ؛ مثل : الأملوك ، والأصنوع ، والأخصوص. وكان هذا الاسم جمّاع قبيلة ، ولمّا كذّبوه .. أهلكهم الله. كما قال : (وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) وقال رجل من قحطان يرثيهم [من الهزج]

بكت عيني لأهل الرّ

سّ رعويل وقدمان

ومنها : قول المحدّث الشّهير محمّد بن أحمد عقيلة (١) في كتابه «نسخة الجود في الإخبار عن الوجود» (٢) : (أمّا من آمن بصالح عليه السّلام .. فسار إلى اليمن ،

__________________

(١) الشيخ العلامة ، المتوفي بمكة سنة (١١٥٠ ه‍) ، روى عن الحبيب علي بن عبد الله العيدروس صاحب سورت مكاتبة ، له مصنفات عديدة تبلغ (٩٠) مؤلفا ، له ترجمة في «مختصر نشر النور» (٤٦٢) ، و «سلك الدرر» (٤ / ٣٠).

(٢) اسمه كاملا : «نسخة الوجود في الإخبار عن حال الوجود» ، قال عنه ميرداد : (ذكر فيه من ابتداء العالم إلى زمانه من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام والخلفاء والملوك والسلاطين ومشاهير العلماء. وفي آخره أحوال المعاد. يوجد منه الآن بمكة نسخة واحدة عند السيد حسين الحبشي ، قال في آخرها : كان الفراغ من تأليفه في جمادى الأولى سنة ١١٢٣ ه‍) اه


وأقامت طائفة منهم بعدن ، وهم أهل البئر المعطّلة ، وطائفة بحضرموت ، وهم أهل القصر المشيد) إلى أن قال : (وقريبا من هذا الزّمان أصحاب الرّسّ ، ومسكنهم أيضا حضرموت).

ومنها : قول الميدانيّ : (إنّه يقال لجبل أهل الرّسّ : دمخ) (١).

وفي حضرموت جبلان :

جبل في جنوب الغرف ، يقال له : (دمح) بالحاء المهملة.

وجبل بالسّاحل ، يقال له : (دمخ) بالخاء المعجمة ، له دخلة في البحر ، وهو الحدّ الفاصل بين القعيطيّ والمهريّ حسبما فصّلناه في موضعه ، وبما أنّ كلا الموضعين من بلاد حضرموت .. ففيها شواهد عدل على صدق ما اشتهر به وجود قبر حنظلة بن صفوان عليه السّلام بحضرموت.

وفي الجزء الثّامن من «إكليل الهمدانيّ» [ص ١٣٨] وما بعدها حديث طويل عن قبر حنظلة بن صفوان ، وليس فيه التّصريح بأنّه في حضرموت ، ولكنّه قد يفهم منه.

وقال المفسّرون ـ والعبارة للبغوي ـ : (روى أبو روق عن الضّحّاك أن هذه البير ـ يعني المعطّلة ـ كانت بحضرموت في بلدة يقال لها : حاضوراء ، وذلك أنّ أربعة آلاف نفر ممّن آمن بصالح نجوا من العذاب .. أتوا حضرموت ومعهم صالح ، فلمّا حضروا .. مات صالح ، فسمّي : حضرموت ؛ لأنّ صالحا لمّا حضره مات ، فبنوا حاضوراء وقعدوا على هذه البير وأمّروا عليهم رجلا ، فأقاموا دهرا وتناسلوا حتّى كثروا ، ثمّ إنّهم عبدوا الأصنام وكفروا .. فأرسل الله عليهم نبيّا يقال له : حنظلة بن صفوان ، وكان حمّالا فيهم ، فقتلوه في السّوق ، فأهلكهم الله وعطّلت بيرهم ، وخرّبت قصورهم) اه (٢)

وفي شمال قبر حنظلة قرية يقال لها : الرّييده. وفي غربيّها : وادي مدر.

__________________

(١) ذكرها الميداني في «مجمع الأمثال» (١ / ٤٢٩) عند قوله : (طارت بهم العنقاء).

(٢) «تفسير البغوي» (٣ / ٢٩١).


وفي جنوب بلاد بور أرض واسعة لا يعرف ملّاكها ، وفيها آثار عمارات إسلاميّة ، غرسوها نخلا فزكا ونما ، وهو عثريّ يشرب بعروقه ، لا يحتاج إلى سقي من الآبار ، إلّا في الابتداء.

وبما أنّها من الأموال الضّائعة مرجعها لبيت المال .. طالبهم المنصب السّابق السّيّد عيدروس بن عبد القادر ، ثمّ المرحوم السّيّد عليّ بن عبد القادر بحصّة الأرض من النّخل ، وهو في عادتهم الخمس ، فلم يدفع لهما إلّا الضّعفاء ، أمّا الأقوياء من السّادة ومن آل باجريّ .. فتارة يعترفون ويدفعون الشّيء اليسير من الثّمرة ، وأخرى يتمرّدون ويجاهرون بالمنع ، مع أنّهم قد أمضوا للسّيّد عليّ بن عبد القادر بالاعتراف في عدّة وثائق ، ولمّا لم يجد المنصب الحاليّ علاجا غير الكيّ وخاف من تشوف الحكومة إليه : الاستيلاء عليه ، ودفعه جملة عنه .. اتّفق هو وإيّاها على أن يكون عليه إظهار الوثائق وإقامة الحجّة الشّرعيّة ، وعلى الحكومة أن تساعده بالقوّة على استخراج حصّة الذّبر من النّخل وهو الخمس ـ كما مرّ آنفا ـ ثمّ يقسّم على ثمانية أجزاء :

ثلاثة يكون أمرها للمنصب ، يصرفها في مصارفها الشّرعيّة.

وخمسة للحكومة الكثيريّة تصرّفها كذلك. وعلى هذا وقّعوا ، وما ندري ماذا تكون الخاتمة؟

وفي شرقيّ بور : عرض عبد الله : فيه مسجد ، وحوله ضريح لعبيد الله بن أحمد (١) ، عليه قبّة ، مع أنّ الأثبت أنّه إنّما دفن بسمل كما سيأتي فيها.

وسكّان العرض طائفة من آل باجري ، يقال لهم : آل بدر بن محمّد ، وآل حسن بن عليّ ، وآل بدر بن عليّ ، لا يزيدون مع مواليهم وخدمهم وعمّالهم عن مئتي رجل ، وكانت لهم قبولة خشنة ، حتّى إنّ أحد العوامر أخفر ذمّتهم ، فتسوّروا داره وقتلوه إلى جانب امرأته.

__________________

(١) هو ابن المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى ، ولكن لأن المؤلف يرى أنه مقبور بسمل .. فقد أرجأ ذكره إليها.


وفي سنة (١٣٣٧ ه‍) حدث شجار بين رجلين منهم ـ يقال لأحدهما : عبد الله بن صلاح ، وللآخر : كرامة بن فرج ـ على قطعة أرض ، فلم يكن من كرامة إلّا أن قتل عبد الله بن صلاح ، وأخذ داره وأخرج عائلته منه ، فوصل إليه ستّة من أقربائه ، وبينا هم يراجعونه .. أقبل آل باجريّ ، فلمّا رآهم أقبلوا .. أطلق عليهم الرّصاص ، فلم يكن من أحد السّتّة إلّا أن قتله ؛ لأنّه رأى إطلاقه الرّصاص على القوم وهو إلى جانبه مخلّا بذمامه ، فانبرى له آخر من السّتّة فقتل قاتل كرامة ، وهكذا تناحر السّتّة وسقطوا يتشحّطون في دمائهم.

وكان آل باجريّ من أبعد قبائل حضرموت عن السّلب والنّهب وقطع الطّريق حتّى في أيّام الفوضويّة. ومن أواخر رؤسائهم : الشّيخ سعيد بن قطاميّ ، كان شجاعا ، قويّ العارضة ، لا ينكص (١) في مأزق القتال ، ولا يتلجلج إذا تشادقت الرّجال ، إلّا أنّه الآن ضعف ، وذهب بصره وسمعه ، وخفّ شعوره ، حتّى لا يحسّ بانكشاف عورته ، فدخل تحت قوله تعالى : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) على أنّه لم يكن بالطّاعن في السّنّ كثيرا ، وغاية ما يكون أنّه ذرّف على الثّمانين ، وفيهم من ناهز المئة متمتّعا بالحواسّ ؛ كسعيد بن حبشيّ باجريّ.

وفي سنة (١٣٦٠ ه‍) أحدث بعض عبيد الدّولة الكثيريّة حدثا بتريم ، وهربوا ، ولم يقدر أحد يجيرهم ؛ خوفا من الإنكليز .. فضاقت بهم الأرض ، فنزلوا على آل باجريّ فأضافوهم ، وعزموا على تبليغهم المأمن على عادة العرب المطّردة في ذلك ، فلم يشعروا إلّا وقد باغتتهم ثلّة من عساكر الدّولة الإنكليزيّة الموكّلين بحماية الطّرق وحفظ الأمان ، وقالوا لآل باجريّ : إمّا أن تسلموا العبيد ، وإلّا .. وقع عليكم الحرب.

فقال لهم سعيد بن قطاميّ ـ بعد أن اجتمع حوله آل باجريّ كلّهم ، آل أحمد بن عليّ وآل حمود وغيرهم ـ : والله ، لو تناطحت الجبال .. لن ندفع لكم جيراننا بسبيل

__________________

(١) ينكص : يرجع.


ما بقي فينا نافخ ضرم. فتبادلوا إطلاق الرّصاص ، وأصيب أحد العسكر وأحد آل باجريّ بإصابات خفيفة ، ثمّ أحاط آل باجريّ بالعسكر في كوت لأحدهم ـ وهو بدر بن صلاح بن يمانيّ ، كان العسكر أرضوه فدفعه لهم ـ وبإثر تطويق آل باجريّ للكوت .. سفر السّفراء بينهم ، وسوّيت المسألة بالّتي هي أحسن ، وأبلغوا العبيد المأمن ، وطلب منهم بعض الزّعماء أن يخضعوا للضّابط الإنكليزيّ .. فأبوا.

ولكنّ هذا كان قبل جلاء ابن عبدات عن الغرفة ، أمّا بعده .. فقد هانت الشّنافر حتّى صاروا أذلّ من الأيدي في الأرحام ، وصدق عليهم ما قدّمته في القصيدة الّتي وصفت بها زوال ابن عبدات.

وفي شوّال من سنة (١٣٦٦ ه‍) .. ادّعى السّيّد عبد القادر بن شيخ العيدروس على أحد آل باجريّ بدعوى في بئر ، وتوجّه له القضاء ، فامتنع باجريّ عن قبول الحكم بتشجيع من رجل منهم يقال له : عبد بن عليّ ، فرصدته الحكومة الكثيريّة حتّى قيل لها : إنّه بتاربه ، فأرسلت له عسكرا ، فأخذوه منها إلى سيئون ، ولكنّ أصحابه علموا ، فتحزّبوا ولاقوهم أثناء الطّريق ، وأطلقوا عليهم الرّصاص ، فتراجعوا ، وأفلت عبد بن عليّ وعاد العسكر بالفشل ، فغضبت الحكومة الإنكليزيّة ، وأرسلت بثلّة من جيش البادية (١) المحافظ على أمن الطّريق بعتادهم ومعدّاتهم ، فلانت أعصاب آل باجريّ ، وانشقّت عصاهم ، وما كلّ مرّة تسلم الجرّة ، فتوسّط الشّيخ محمّد سالمين بن جعفر بن بدر العوينيّ ، فسوّيت المسألة على : تسليم البنادق الّتي صوّبت رصاصها على العسكر ، وغرامة ألف روبيّة ، وحبس عبد بن عليّ ثلاث سنين بالمكلّا تحت الأعمال الشّاقّة.

__________________

(١) جيش البادية : أنشأه انجرامس في عام (١٩٣٩ م) تقريبا ، قال في «مذكراته» : (لقد اقترحت إنشاء قوة من البدو لتكون قوة بو ليس للمناطق النائية التي كان لها اتصالات ضعيفة بالسلطنتين) ... إلخ.

ولقد أرادت بريطانيا من هذا الجيش أن يكون يدها التي تبطش بها من غير أن تستفز المشاعر الوطنية ، وكان أفراد هذا الجيش يربّون على الانتماء المطلق ل (بريطانيا) ، وكان عدده عند تكوينه (٥٠) رجلا خصص له (١٢) جملا ، وسيارتين ، وجهاز لاسلكي. ينظر : «سياسة بريطانيا تجاه حضرموت» للأستاذ صادق عمر مكنون السقاف (١٠٢ ـ ١٠٣).


وفي بور كثير من القرى لم نذكرها ؛ منها :

عرض مولى خيلة : في شمال بور ، يسكنه آل سالم بن عمر من آل باجريّ ، لا يزيد عددهم مع حرّاثهم على عشرين رجلا.

ويير المدينيّ : لآل عبود من آل باجريّ ، لا يزيد عددهم مع حرّاثهم عن خمسين رجلا.

ومنها : القفل : لآل رطّاس من آل باجري ، لا يزيد عددهم عن عشرة رجال.

ومنها : مكان آل معتاشي ، فيه نحو ثلاثين رجلا.

ومنها : مقيبل ، فيها نحو مئة رجل.

وفي ضواحي بور : قارّة جشير ـ ويقال : جشيب ـ وقد سكنها المهاجر أحمد بن عيسى فلم تطب له ، فانتقل عنها إلى الحسيّسة. ويأتي في قارّة الصّناهجة ما له بها تعلّق.

نخر كعده

موضع بين قارة العرّ والحسيّسة ، يكمن به اللّصوص وقطّاع الطّريق ، وكم تلفت به أموال ، وماتت فيه رجال.

منها : أنّ الفاضل الرّقيق الطّبع السّيّد شيخ بن محمّد الحبشيّ كان عائدا من تريم إلى سيئون حوالي سنة (١٣٢٤ ه‍) مع جماعة من أهل الثّروة ، فعرض لهم جماعة من بدو آل عامر ، فنهبوهم وأخذوا دوابّهم وما عليها إلى نحو بحيره ، فجاء سيّدي عيدروس بن حسين العيدروس وآل أحمد بن زين لمراجعتهم في ذلك ، ولمّا أثّر فيهم كلام الحبيب عيدروس بن حسين ، وبخعوا له بردّ المنهوب .. نفسه آل أحمد بن زين فزيّنوا لهم اقتسامه ، فلم يردّوا إلّا الدّوابّ مع شيء يسير من المال بدراهم تسلّموها من المنهوبين.

وهذه من صغار تلك الحوادث ، وإنّما ذكرتها لاستخراج العبرة منها بتخاذل


العلويّين إلى هذا الّذي لا بدّ وأن يعرّضهم لكلّ مهانة وابتلاء.

وسبب تسميته بهذا الاسم ـ حسبما أخبرني السّيّد عمر بن عبد الرّحمن بن عليّ بن عمر بن سقّاف عن والده ـ : أنّ اللّصوص أخذوا كعده ـ وهي إبريق من الخزف تطبخ فيه القهوة ـ على أحد رعايا السّلطان جعفر بن عبد الله الكثيريّ من بور ، فلم يكن من السّلطان إلّا أن سار بقضّه وقضيضه وسائر عسكره ، ونزل بهم ضيفا على عشيرة اللّصّ ، فأنفقوا على ضيافته كلّ طارف وتليد ، حتّى احتاجوا إلى الدّين ، فوسّطوا من يسأله عن شأنه ، فأخبرهم ، وقال : لا أرتفع عنهم إلّا بالّذي أخذ الكعده.

فدفعوه برمّته إليه ، فهابه النّاس ، وأطلق اللّقب على المكان من يومئذ.

وكان سيّدي أحمد بن عمر بن سميط كثيرا ما يعاتب أهل زمانه على القهوة ويحذّرهم منها ؛ لأنّها تأخذ عليهم كثيرا من الأموال بدون فائدة ، ويقول لهم : (إنّكم انتهبتم في نخر كعده) يعرّض بهذا في تورية لطيفة ، وكان يتقطّع ـ كما مرّ ـ حسرات لعدم الوالي ويقول : (لو جمعت الأموال الّتي تتلف في القهوة .. لأمكن بها إقامة دولة عادلة بحضرموت) (١).

الحسيّسة

هي بقرية خاربة بإزاء بور ، في سفح الجبل الجنوبيّ المعروف بشعب مخدّم.

وكانت قرية معمورة ، ثمّ خربت ، فبناها عليّ بن عمر الكثيريّ في سنة (٨٢١ ه‍) ، ثمّ أخربها عقيل بن عيسى الصّبراتيّ سنة (٨٣٩ ه‍) ، كذا في «تاريخ ابن حميد» ، وهو إنّما ينقل عن «شنبل» ، والّذي رأيته فيه : أنّ عقيلا هذا أخربها في سنة (٨٨٩ ه‍).

__________________

(١) لأن الفوضى كانت سائدة في زمان الإمام ابن سميط ، كما يعلم ممّا مرّ في شبام وسيئون. وله رحمه الله كلام اقتصادي وسياسي نفيس نحو هذا في «مجموع كلامه» الذي جمعه الشيخ دحمان بن عبد الله بن عمر لعجم باذيب.


وفي رحلة المهاجر إلى الله السّيّد أحمد بن عيسى (١) أنّه : لمّا وصل حضرموت .. دخل الهجرين ، وأقام بها مديدة ، واشترى مالا ، فلم تطب له ، فوهب المال لعتيقه شويّه.

وانتقل منها إلى قارة جشيب ، فلم يأنس بها.

فانتقل إلى الحسيّسة ـ بضمّ الحاء وفتح السّين المكرّرة بينهما ياء مشدّدة مكسورة ، قرية على نصف مرحلة من تريم ـ فاستوطنها إلى أن توفّي بها سنة (٣٤٥ ه‍) ، ودفن بحضن الجبل المذكور.

قال السّيّد عمر بن عبد الرّحمن صاحب الحمراء في ترجمته للعيدروس : (توفّي الشّيخ أحمد بن عيسى بالحسيّسة ، ودفن في شعبها ، ولم يعرف الآن موضع قبره ، بل إنّ الشّيخ عبد الله بن أبي بكر العيدروس كان يزوره في الشّعب المذكور ، وقال : إنّ الشّيخ عبد الرّحمن كان يزوره) اه

وهو ظاهر في أنّهما كانا يزوران الجبل بدون تعيين موضع ، أمّا الآن .. فقد عيّنوه : إمّا بالقرائن ، وإمّا بالكشف ، على ارتفاع يزيد عن مئة ذراع في الجبل ، وههنا مباحث :

المبحث الأوّل :

زعم قوم أنّ سيّدنا المهاجر ، وابنه عبيد الله ، وأولادهم الثّلاثة : بصريّ وجديد وعلويّ ، كانوا شافعيّة أشعريّة ، وقد فنّدت ذلك متوكّئا على ما يغني ويقني من الأدلّة والأمارات في «الأصل» ، وتشكّكت في وقت دخول المذهب الشّافعيّ إلى حضرموت ، وقرّرت كثرة العلماء بحضرموت لعهد المهاجر وما قبله ، ولو شئت أن أجمع ما أنجبتهم تلك العصور من رجالات العلم والحديث .. لاستدعى مجلّدا

__________________

(١) ينظر لمعرفة ترجمته : «المشرع» (١ / ٧٧) ، و «الغرر» وتواريخ حضرموت للشاطري ، والحامد ، والبكري ، وللسيد محمد ضياء شهاب كتاب خاص عن المهاجر ، اسمه : «الإمام المهاجر» مطبوع صدر عن دار الشروق بجدة.


ضخما ؛ إذ لا يخلو «تهذيب التّهذيب» في حرف منه عن العدد الكثير منهم.

وإذا استطال الشّيء قام بنفسه

وصفات ضوء الشّمس تذهب باطلا (١)

ومعاذ الله أن تحصل منهم تلك الثّروة الضّخمة في الآفاق ، ويملؤون زوايا الشّام والحجاز ومصر والعراق ، بدون نظيره أو أقلّ منه في مساقط رؤوسهم.

ويتأكّد بما سيأتي عن «المشرع» في تريم من تردّد السّادة من بيت جبير إلى تريم في سبيل العلم.

وفي ترجمة عبد الله بن أحمد : أنّه أخذ عن أبيه وعن غيره من علماء عصره ، مع ذكرهم لاجتماعه بأبي طالب وقراءته لكتابه «القوت» عليه.

ومرّ في شبام ما يكثّر علماء الإباضيّة من شعر إبراهيم بن قيس ، وهو من أهل القرن الخامس ، وذكر من نجع من الأزد إليها في أيّام الحجّاج.

وسبق في الشّحر ما يدلّ على حالتها العلميّة حوالي سنة (٢٨٠ ه‍) ، وفي صوران ونقعة وغيرها ما يؤكّد ذلك ، وحسبك أنّ أكثر مشايخ الفقيه المقدّم من غير العلويّين ، قال سيّدي الأبرّ في «عقده» : (وتفقّه ـ يعني : الفقيه المقدّم ـ على الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن باعبيد ، وعلى القاضي أحمد بن محمّد باعيسى ، وأخذ الأصول والعلوم العقليّة عن الإمام العلّامة عليّ بن أحمد بامروان ، والإمام محمّد بن أحمد بن أبي الحبّ ، وأخذ علم التّفسير والحديث عن الحافظ المجتهد السّيد عليّ بن محمد باجديد ، وأخذ التّصوف والحقائق عن عمّه الشّيخ علويّ بن محمد صاحب مرباط ، وعن الإمام سالم بن بصريّ ، والشّيخ محمّد بن عليّ الخطيب) اه

وأكبر من هذا ما تضمّه الغنّاء من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ودعاته إلى الإسلام حتّى لهذا أنكر الشّيخ عبد الله باعلويّ على من استبعد وجود ربع أهل بدر فيها كما سيأتي في تريم ، وقال : إنّه يتلقّاه الخلف عن السّلف ، فانطمس منارهم ، واندرست آثارهم ، وهم نجوم الهدى ، ومصابيح الدّجى ، وشفاء

__________________

(١) البيت من الكامل.


الكلوم ، وينابيع العلوم ، كلّا ، ولكنّها الأقدام تزلّ ، والأفهام تضل ، والأهواء تتغلّب ، والأوهام تتألّب ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

ولا يلزم ـ على كثرة العلماء بها ـ أن يتمذهبوا بشيء من المذاهب المشهورة ؛ فقد اشتهروا بالعلوم في عصر التّابعين فمن بعدهم قبل ظهور المذاهب ، وإن كان البدويّ الجافي ليأتي إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيقيم أيّاما لا يقرأ كتابا ، فيعود وفي يده سراج الإسلام يرشد قومه ويدعوهم إلى الله ؛ ففي (ص ٤٩٢ ج ١) من «إمتاع الأسماع» للمقريزي : (أنّ عثمان بن أبي العاصي كان أصغر وفد ثقيف ، فكانوا يخلفونه في رحالهم وكان إذا ناموا بالهاجرة .. عمد إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فسأله عن الدّين واستقرأه القرآن ، وأسلم سرّا وفقه ، وقرأ من القرآن سورا) اه

والشّاهد : في فقهه مع أنّه لم يتلقّ إلّا أوقاتا يسيرة ، وكذلك أحوال كثير من الوافدين.

وقد توفّي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن مئة وعشرين ألفا من الصّحابة ، وفيهم من الأجلاف من لا يعرف إلّا الفاتحة أو إلّا البسملة ، كما في «معاهد التّنصيص» في قسمة أنفال القادسيّة ، وهم يصلّون ويصومون ويحجّون ويزكّون بدون تمذهب ، وكذلك كان أهل حضرموت فيما أظنّ وفيما يقضي الاستصحاب ، حتّى غزتهم المذاهب بسبب الاختلاط الواقع أكثره بالحجاز واليمن.

وقد جاء في «المشرع» : (أنّ فتاوى السّيّد سالم بن بصريّ على أساليب أولي الاجتهاد) وفي (ص ٥ ج ٢) منه : (أنّ أهل حضرموت يشتغلون بالعلوم الفقهيّة ، وجمع الأحاديث النّبويّة) اه

ويؤيّده ما جاء في موضع آخر منه : (أنّ كثيرا من الصّلحاء والعلماء لا يعرفون عين قبره ، بل ولا جهته ؛ لأنّ المتقدّمين كانوا يجتنبون البناء والكتابة على القبور) اه

فإنّه أنصع الأدلّة على تمسّكهم بالسّنّة. وفي (ص ١٤٤ ج ٦) من «تاريخ ابن


خلّكان» (عن ابن حزم : مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرّئاسة والسّلطان ؛ مذهب أبي حنيفة ، ومذهب مالك بن أنس) اه مختصرا.

وفي (ص ٢٣٣ ج ٥) : (أنّ المعزّ ابن باديس حمل أهل المغرب على مذهب مالك بعدما كان مذهب أبي حنيفة أظهر المذاهب به). وكانت وفاة المعزّ المذكور سنة (٤٥٤ ه‍).

وفي «مذكراتي» : (أنّ عبد الرّحيم بن خالد بن يزيد بن يحيى بن مولى جمح وصل إلى مصر في أيّام اللّيث بن سعد ، فأخذ عنه اللّيث وابن وهب ورشيد بن سعد ، وانتشر به مذهب مالك ، وتوفّي بالإسكندريّة سنة «١٦٣ ه‍» ، وخلفه ـ في نشر مذهب مالك بمصر ـ عبد الرّحمن بن القاسم ، وما زال مشهورا حتّى قدمها الشّافعيّ في سنة «١٩٨ ه‍» فصحبه جماعة من أعيانها كابن الحكم والرّبيع بن سليمان والمزنيّ والبويطيّ وعملوا بمذهبه ، ولم يكن أهل مصر يعرفون مذهب أبي حنيفة معرفتهم بمذهب مالك والشّافعيّ.

ويعلّل المقريزيّ ذلك بأنّ إسماعيل بن الرّبيع الكوفيّ ـ الّذي تولّى قضاء مصر بعد ابن لهيعة ـ كان يبطل الأحباس ، فثقل على المصريّين مذهبه في ذلك ، وسئموه.

أمّا الإمام أحمد .. فكان في القرن الثّالث ، ولم يخرج مذهبه عن العراق إلّا في القرن الرّابع ، وفي هذا القرن ملك الفاطميّون مصر ، وجاؤوا بمذهبهم على يد جوهر الصّقلّي) اه

ولا بدع أن يغزو المذهب الشّافعيّ حضرموت ؛ إمّا من أصحاب الشّافعيّ الأدنين ، أو من أمّ القرى ، أو من زبيد بواسطة الحجّاج والتّجّار وطلّاب العلم ؛ فالمواصلات متواترة بين حضرموت وبين هذه الأطراف ، على أنّ الحضارمة من أبعد النّاس عن التّمذهب.

وفي «نسيم حاجر» وفي المبحث الثّالث نسبة الاجتهاد لكثير من اللّاحقين فضلا عن السّابقين. قال الشّيخ إبراهيم بن يحيى بافضل ، المتوفّى سنة (٦٨٤ ه‍) [من الوافر]


إذا لم أفتكم بصريح علم

فلا من بعدها تستفتئوني

بما في محكم القرآن أفتي

وإلّا بعد هذا كذّبوني

أو ليس من أصرح الصّريح في دعوى الاجتهاد؟

وذكر العلّامة ابن حجر في «فتاويه» عن علماء المتأخّرين من الحضارم : أنّهم لا يتقيّدون بكلام الرّافعيّ والنّوويّ ، وهما عمدة المذهب ، ولا يحضرني نصّ صريح في تعيين وقت التّمذهب ، وكانت العرب إذ ذاك متّصلة ، والأسواق جالبة ، والمشاهد جامعة ، والبلاد بما ألفوه من التّرحّل واستقراب البعيد متقاربة.

وممّا يشهد لهذا : أنّ كلّ مرحلة يأتي ذكرها عند الهمدانيّ وأمثاله تزيد عن مرحلتين بسير أهل العصور المتأخّرة.

ومرّ في الكسر أنّ يونس بن عبد الأعلى كان منه ، وهو أحد أصحاب الشّافعيّ ، وغير خاف أن حرملة بن عبيد الله صاحب الإمام الشّافعيّ وأحد رواة مذهبه .. كان من تجيب ، ومثله أبو نعيم التّجيبيّ المتوفّى سنة (٢٠٤ ه‍).

ومثرى تجيب بالكسر ، ثمّ نجع منهم الكثير إلى مصر ، ولا بدّ بطبيعة الحال أن يكونوا على اتّصال بأهل وطنهم أدبيّا ومادّيّا كما هي العادة بين العشائر ، ومعاذ الله أن تقطع رجالات العلم صلاتها بأوطانها وقراباتها وهم أحقّ النّاس بصلة الأرحام والحنين إلى الأوطان والقيام بحقوقها الّتي تفضل حقوق الأمّهات على الأولاد كما فصّلت في غير قصيدة من «الدّيوان».

ومرّت الإشارة في هذا المبحث لبعض العلماء الحضرميّين ، وأنّ آل باذيب نجعوا من العراق إلى حضرموت في أيّام الحجّاج ، وكان فيهم مفتون وقضاة.

وقال الشّيخ عبد الله بن أحمد باسودان في «جواهر الأنفاس» : (نقل الشّيخ عليّ بن أبي بكر عن بعض علماء آل عبّاد أنّه كان في تريم ثلاث مئة مفت ، والصّفّ الأوّل من جامعها كلّه فقهاء ، يعني : مجتهدين في المذهب.

وفي شبام ستّون مفتيا ، وقاض شافعيّ ، وقاض حنفيّ ، وفي الهجرين مثل ذلك) اه


وفي موضع آخر منه عن الشّيخ محمّد بن عمر جمال : (أنّه يقول : عمّت البلوى في جهة حضرموت بكثرة الجهل ، والجهّال أشبه بالشّياطين في أحوالهم ، وأقرب من البهائم في طبائعهم ، وقد كانت هذه الجهة معمورة بالعلم ، حكى المؤرّخون أنّه كان ببلد تريم ثلاث مئة مفت ، وفي شبام ستّون مفت ، وقاض شافعيّ ، وقاض حنفيّ ، وفي الهجرين قريب من ذلك) اه

وما نقله عن الشّيخ عليّ بن أبي بكر موجود في آخر الصّفحة (١١٧) من «البرقة» ونصّه : (وقد صحّ بالنّقل الصّحيح عن الثّقات أنّه اجتمع في تريم في زمن واحد ثلاث مئة مفت ، وبلغ الصّفّ الأوّل في صلاة الجمعة كلّه فقهاء) اه

وسيعاد هذا بأبسط ممّا هنا في تريم.

وفي الصّفحة التي قبلها : أنّ الإمام عليّ بن محمّد حاتم هنّأ شيخه المحقّق قاضي القضاة وسيّد القرّاء في عصره أبا بكر بن يحيى بن سالم أكدر بأبيات على شفائه من مرض ألمّ به ؛ منها :

قد حنّ مسجدنا لفقدك واشتكى

خللا وإن كثرت به الأقوام

وفي الحاشية : أنّ مسجدهم هو المعروف بمسجد عاشق ، يجلس على دكته منهم من أهل العلم والفتوى (٤٥) رجلا.

وفي «سموم ناجر» : أنّ وفاة الشّيخ أبي بكر بن يحيى هذا كانت سنة (٥٧٥ ه‍) شهيدا ، ويأتي في تريم عن «جوهر الخطيب» ما يوهم أنّ كثرة المفتين بتريم يعود إلى ما بذله الشّيخ سالم بافضل من نشر العلم ، والله أعلم.

وكانت وفاة الشّيخ بافضل في سنة (٥٨١ ه‍) أي : بعد الشّيخ أبي بكر أكدر بنحو ستّ سنين ، ومن البعيد أن يكون تفقّهه عليه .. فليتأمّل.

أمّا اشتهار مذهب الشّافعيّ في اليمن .. فقد قال السّخاويّ : إنّه كان في المئة الثّالثة ، ونقله عن الجنديّ.


وقال اليافعيّ : إنّ ممّن أظهر مذهب الشّافعيّ باليمن موسى بن عمران المعافريّ ، قال : وممّن نشره بزبيد بنو عقامة.

ومن كتاب «المسالك اليمنيّة» للسّيّد محمّد بن إسماعيل الكبسيّ : أنّ المأمون ولّى محمّد بن هارون التّغلبيّ قضاء التّهائم في سنة (٢٠٣ ه‍).

ومحمّد بن هارون هذا هو جدّ بني عقامة.

وفي «طبقات ابن السّبكيّ» [٧ / ١٣٠] : (عن ابن سمرة : أنّ فضائل بني عقامة مشهورة ، وهم الّذين نشر الله بهم مذهب الشّافعيّ في تهامة ، وقدماؤهم جهروا بالبسملة في الجمعة والجماعات) اه

وقوله : (وهم الّذين ... إلخ) صيغة حصر ، وكأنّ المذهب الشّافعيّ أتاهم قبل أن يعرفوا المذاهب ، فوافق ما عندهم فتمكّن ونشره الله بهم.

يعجبني ما ذكره ياقوت [٤ / ١٠٨] لبعض قضاتهم يرثي هلكاه المدفونين بالعرق وهو موضع بزبيد [من الكامل] :

يا صاح قف بالعرق وقفة معول

وانزل هناك فثمّ أكرم منزل

نزلت به الشّمّ البواذخ بعدما

لحظتهم الجوزاء لحظة أسفل

أخواي والولد العزيز ووالدي

يا حطم رمحي عند ذاك ومنصل

هل كان في اليمن المبارك بعدنا

أحد يقيم صغا الكلام الأميل

حتّى أنار الله سدفة أهله

ببني عقامة بعد ليل أليل

لا خير في قول امرىء مستمدح

لكن طغى قلمي وأفرط مقولي

وذكر اليافعيّ أيضا : (أنّ القاسم بن محمّد بن عبد الله القرشيّ المتوفّى سنة «٤٣٨ ه‍» نشر مذهب الشّافعيّ في نواحي الجند وصنعاء والمعافر والسّحول وعدن ولحج وأبين) اه

ولئن تأخّر وصول المذهب الشّافعيّ إلى حضرموت عمّا مرّ .. فلن يخطئها فيما حوالي هذا التّاريخ.


وقال بعض الزّيديّة : إنّ العترة الطّيّبة قد تفرّقت في البلاد ، وملأت الأغوار والأنجاد ، وكلّ من كان منهم في إقليم .. فإنّما هو على مذهب جهته وإقليمه في غالب الأمر ، لم يتواصوا كلّهم بمذهب واحد في مهمّات الأصول ، فضلا عن نوادر الفروع ، فهؤلاء الأئمّة المعروفون في اليمن وعدد قليل من الجبل شاعت أقوالهم ، وسارت الرّكبان بمذاهبهم كالنّاصر.

وفي الكثير منهم ـ وهم أهل الكوفة وما والاها ـ ذكر بعض العلماء جماعة كثيرة زيديّة من دعاتهم ، وأهل اليمن لا يعرفونهم ولا يعرفون مقالتهم ، وكذلك الإدريسيّون في المغرب فيهم كثرة ، وظاهرهم على مذهب مالك ، ثمّ من هذه الذّرّيّة شافعيّة أو حنفيّة في الفروع ، أشعريّة في الأصول ، متظاهرون بذلك ؛ كالمحقّق السّيّد الشّريف الجرجانيّ وغيره.

وفي المحدثين الكثير الطّيّب علماء مجتهدون منتسبون إلى المذاهب الأربعة ، مصنّفون فيها ، إذا طالعت كتب الرّجال .. عرفت ما يصفونهم به.

وبه نعرف أنّ الّذي في الزّيديّة لا يزيدون عليهم وصفا ولا عددا ، وكلّ يدّعي أنّه المقتفي لآبائه القدماء من أهل البيت عليّ والحسنين ونحوهم رضي الله عنهم ... إلخ كلامه.

وكتب عليه القاضي إسماعيل بن مزاحم المجاهد بما حاصله : حصر الحقّ على السّادة الزّيديّة باليمن ؛ لأنّهم هم الّذين بقوا مع القرآن في قرن متبوعين لا تابعين.

وقال : ألا ترى لو أنّ أحد أهل البيت المقلّدين لمالك قال : إنّ الكلب طاهر .. لأنكر عليه الكلّ أن تكون هذه المقالة لأهل البيت. اه مختصرا بالمعنى

وأنا لا أرضى هذا الجواب ؛ لما فيه من تحجّر ، وليس الزّيديّة بفرقة واحدة ، وإنّما هم ـ كغيرهم ـ فيهم المغالون والمعتدلون ، وما أحسن ما فسّر به الشّوكانيّ الفرقة النّاجية من أنّها : من كانت على هديه صلّى الله عليه وآله وسلّم في إيثار الحقّ على ما سواه. أو ما يقرب هذا من معناه.


والوسط هو المحمود ، وعنده يلتقي شأو المنصفين من كلّ فرقة ، وقبلتنا من أمّها .. لا يكفّر.

وفي غير هذا الموضع أنّه كان للعلويّين اتّصال بالسّادة الزّيديّة إلّا أنّه تلاشى بعد التّمذهب حتّى جدّده الله باتّصالي بأمير المؤمنين المتوكّل على الله يحيى بن محمّد حفظه الله.

المبحث الثّاني :

لا نزاع فيما يؤثر عن سابقي العلويّين من الشّهامة والفتوّة والكرم ، والمروءة والجاه والشّرف والسّيادة ، والحلم والصّبر والعبادة ، والنّجدة والتّواضع والورع والتّقوى ، والأخذ من مكارم الأخلاق بالغايات القصوى ، بل كلّ ثناء مقصّر عنهم في هذه النّواحي.

وجاء في مواضع من كلام الحبيب عمر بن حسن الحدّاد أنّ المشايخ استنكروا العلويّين ؛ لأنّ المقام مقامهم ، وفي كلام غيره : أنّ النّاس أقبلوا عليهم من بدء الأمر ، وتجتمع أطراف الكلام بما انتصبت عليه القرائن من استنكار أهل المذاهب للتّخالف المنضمّ إلى الحسد ، ولكنّ العامّة ـ بسلامة قلوبهم ونشأتهم على الفطرة وانقيادهم بسوق الطّبيعة ـ أقبلوا عليهم إقبالا عظيما ، وكيف لا .. وهم أوّل من عرفوا من العترة الطّاهرة ، وقد قيل (١) :

يقولون ما بال النّصارى تحبّهم

وأهل النّهى من أعرب وأعاجم

فقلت لهم : إنّي لأحسب حبّهم

سرى في قلوب الخلق حتّى البهائم

لا سيّما وقد انضمّ إلى ذلك ما يستجهر الأبصار والبصائر من الشّرف الفخم والسّؤدد الضّخم ؛ فقد كان الأمر أعظم ممّا يتصوّر ، وإن كان سيّدنا محمّد بن عليّ ـ صاحب مرباط ـ ليخفر القوافل من بيت جبير إلى ظفار ، بما له من ضخامة الجاه ، كما ذكره الشّيخ سالم بن حميد عن الشّيخ عبد الله بن عمر الكثيريّ.

__________________

(١) البيتان من الطويل ، وهما لزينب بنت إسحاق النصراني ، وهما في «نفح الطيب» (٢ / ٨٤٤).


وكانت القوافل ترحل من حضرموت إلى صنعاء في خفارة مسبحة سيّدنا الشّيخ عبد الله باعلويّ كما رواه والدي عن الأستاذ الأبرّ فيما جمعه من كلامه.

ولا شاهد بشيء من ذلك على التّوسّع في العلم بأمارة المشاهدة ؛ فأولو الجاه عند البوادي والعامّة وغيرهم من مناصب حضرموت قديما وحديثا لا ينتسب منهم إلى العلم إلّا القليل ، فأرى أنّه مبالغ فيما ينسب منه إلى الأسلاف الطّيّبين.

فقد نقلوا عن «الياقوت الثّمين» : (أنّ عبيد الله بن أحمد من أكابر العلماء) ، مع أنّهم لم يذكروا أثرا لعلمه إلّا قراءته ل «قوت القلوب» على مؤلّفه ، وطنطنوا على ذلك بما دلّنا على أنّه لو كان هناك أثر أكبر منه .. لذكروه وكبّروه ، على أنّ الّذي في «المشرع» أنّه : (حجّ في سنة «٣٧٧ ه‍» ، وفي ذلك العام حجّ أبو طالب المكيّ ، فأخذ عنه مؤلّفاته ، وسمع منه مرويّاته) اه

ولم يذكر أنّه قرأ عليه «قوت القلوب» .. ومعلوم أنّ وقت الحجّ لا يتّسع لغير مجرّد الأخذ ، فأمّا قراءة «قوت القلوب» بحذافيره .. فلا بدّ لها من زمان طويل ، ثمّ إنّ مجرّد قراءة «القوت» ـ بتسليمها ـ لا تستدعي التّوسّع في العلم الشّرعيّ ، بل ولا الاتّسام بسمته ؛ إذ لا يعطى من حفظ «قوت القلوب» وتعقّله ـ فضلا عمّن قرأه فقط ـ ممّا يوصى به للعلماء أو يوقف عليهم.

وممّا يدلّك على تسامحهم في الثّناء بالعلم : أنّ الشّلّيّ وغيره ترجم للسّيّد عبد الله بن محمّد صاحب مرباط ، ووصفوه بالحفظ ، ثمّ لم يذكروا له أثرا من ذلك سوى إجازة له من القلعيّ (١) في رواية «جامع التّرمذيّ» (٢) ، مع أنّ البخاريّ ـ كما

__________________

(١) هو الفقيه الإمام العلامة محمد بن علي القلعي الظفاري ، المتوفى سنة (٦٣٠ ه‍). ينظر : «عقود الألماس» (٢٣٠) وما بعدها ، ومقدمة كتابه «تهذيب الرياسة».

(٢) أورد السيد خرد في «الغرر» نصّ هذه الإجازة المؤرخة في (٥٧٥ ه‍) ، وهو رآها مكتوبة على ظهر الجزء الأول من «الترمذي» وهي للشريف عبد الله وللفقيه الإمام أبي القاسم بن فارس بن ماضي.

ونصها : (أجزت لهما «جامع أبي عيسى الترمذي» وغيره ، كتبه محمد بن علي القلعي) اه توفي الشريف عبد الله سنة (٥٩٢ ه‍).


رواه غير واحد ـ يقول : (اعلم أنّ الرّجل لا يصير محدّثا كاملا في الحديث .. إلّا أن يكتب أربعا مع أربع ، كأربع مثل أربع ، في أربع عند أربع ، بأربع على أربع ، عن أربع لأربع. وكلّ هذه الرّباعيّات لا تتمّ إلّا بأربع مع أربع ..) إلى آخره (١) ، ممّا ينبغي أن يكشف من [ص ٢٨٤] «فتاوى حديثية» لابن حجر الهيتمي.

وأخرى ، وهي أنّ بين أيدينا «البرقة» و «عقد» سيّدي الأستاذ الأبرّ ، وقد ذكروا عمود النّسب فلم يطنبوا في الثّناء بالعلم إلّا على الفقيه المقدّم وصاحب مرباط ، ولم يصفوا والد الفقيه المقدّم إلّا بأنّه عالم صوفيّ.

واقتصروا في الإمام أحمد بن عيسى على : (ذي العقل الكبير ، والقلب المستنير ، والعلم الغزير) لأجل السّجع ، ولو كان واسع العلم .. لبسطوا القول فيه ، كما لم يذكروا ولده عبيد الله ولا محمّدا صاحب الصّومعة ، ولا عليّا العريضيّ ، ولا عليّا خالع قسم بعلم أصلا.

وأضجعوا القول في وصف علويّ بن محمّد وعيسى بن محمّد بالعلم ، مع إطنابهم في فضلهم وعبادتهم ، على أنّنا لا ننسى ما نقله والدي عن سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر : أنّه زار المهاجر مع العلّامة الحبيب عبد الله بن عمر ، فقال لولد له صغير ـ يدعى محمّد الطّاهر ـ : تدري من هذا ـ يعني المهاجر ـ يا ولدي؟ فقال له : هذا المهاجر ، أفضل من في الوادي علما وعملا وقربا من النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ؛ لأنّ مثل ذلك قد لا يراد به كلّ ظاهره في تبصير الأولاد وحثّهم على الاجتهاد.

وسيأتي في تريم أنّ الطّيّب بامخرمة لم يذكر فقيها من العلويّين إلّا الفقيه المقدّم.

__________________

(١) ثم قال الراوي : فهالني قوله ، فسكتّ متفكرا ، وأطرقت نادما. فلما رأى ذلك مني .. قال ـ أي : الإمام البخاري ـ : وإن لا تطق احتمال هذه المشاق كلها .. فعليك بالفقه الذي يمكنك تعلمه وأنت في بيتك ، قار ساكن ، لا تحتاج إلى بعد الأسفار ، ووطء الديار ، وركوب البحار ، وهو مع ذا ثمرة الحديث. وليس ثواب الفقيه بدون ثواب المحدث في الآخرة ، ولا عزه بأقل من عز المحدث. وانظر هذا الخبر بطوله في «الغنية» للقاضي عياض (ص ٦٨) ، و «الإلماع» (ص ٢٩).


وفي ترجمة عليّ بن الجديد من «تاريخ الجنديّ» : أنّه من أشراف هناك يعرفون بآل أبي علويّ ، بيت عبادة وصلاح ، على طريق التّصوّف ، وفيهم فقهاء يأتي ذكر من أتحقّق منهم إن شاء الله تعالى.

ومن مجموع ما سقناه مع ما سبق من مبالغة «العقد الثّمين» .. تعرف أنّ تلك المبالغات ـ من غير شهادة الآثار ـ مبنيّة على ممادح العناوين الّتي لا يراد من أكثرها إلّا مجرّد الثّناء ، وهو شيء معروف بين النّاس.

والثالثة : هي : أنّ قريشا ـ ومن على شاكلتهم من العرب ـ انصرفوا لتلك العصور عن طلب العلم ؛ لما في طريقه من الذّلّ الّذي يمنعهم الشّرف ـ بعد الطّفوليّة ـ عن امتهان أنفسهم فيه ، ولذا قلّ ما يوجد العلم فيهم إلّا في النّدرى ؛ كالباقر وأخيه ، والصّادق وابنه ، والإمام أحمد بن عيسى بن زيد ثمّ المرتضى وأخيه والنّاصر للحقّ من بعدهم.

وهناك دسيس آخر ، وهو : أنّ الملوك لا ينصفون العلماء منهم ، ولا ينعمونهم به عيونا ؛ لأنّ للعلم سلطانا فوق كلّ سلطانهم ، فلا بدّ للمستبدّ أن يستحقر نفسه ـ ولو في سرّه ـ كلّما وقعت عينه على من هو أرفع منه سلطانا ، فإن اضطرّ إلى العلم .. اختار المتصاغر المتملّق.

وإذا كان الأمويّون والعبّاسيّون يطاردون العلويّين لمجرّد بسوقهم في الشّرف (١) .. أفتراهم يسكتون عنهم لو جمعوا إليه عزّة العلم وسلطان المعرفة؟ هذا ما لا يتصوّر بحال.

وقد أخرج ابن الصّلاح في «رحلته» عن الزّهريّ ، قال : (قدمت على عبد الملك ابن مروان. فقال : من أين أقبلت؟ قلت : من مكّة. قال : من يسود أهلها؟ قلت : عطاء بن أبي رباح. قال : من العرب هو؟ قلت : لا ، بل من الموالي. قال : بم سادهم؟ قلت : بالدّيانة والرّواية. قال : فمن يسود أهل اليمن؟ قلت :

__________________

(١) البسوق : الطّول ، وهو هنا كناية عن الرّفعة والسّموّ.


طاووس بن كيسان. فقال مثل قوله الأوّل .. فأجبته بمثل قولي في عطاء. قال : فمن يسود أهل مصر؟ قلت : يزيد بن أبي حبيب. قال : فمن يسود أهل دمشق؟ قلت : مكحول ، وهو عبد نوبيّ أعتقته امرأة من هذيل. قال : فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت : ميمون بن مهران. قال : فمن يسود أهل خراسان؟ قلت : الضّحّاك بن مزاحم. قال : فمن يسود أهل البصرة؟ قلت : الحسن بن أبي الحسن. وهو في كلّ ذلك يسألني مثل سؤاله عن عطاء ، وأجيبه بمثل جوابي فيه ، حتّى قال : من يسود أهل الكوفة؟ قلت : إبراهيم النّخعيّ.

قال : من العرب أم من الموالي؟ قلت : بل من العرب. قال : ويلك يا زهريّ! فرّجت عنّي ، والله لتسودنّ الموالي حتّى يخطب لها على المنابر والعرب من تحتها. قلت : إنّما هو أمر الله ودينه ، من حفظه .. ساد ، ومن ضيّعه .. سقط) اه مختصرا.

وما كان ابن مروان ليجهل حال أولئك ، وإنّما هو من سوق المعلوم مساق المجهول ؛ لنكتة هي ـ فيما أرجّح ـ قرّة عينه بانصراف العرب عن العلم ؛ لئلّا يستحقر نفسه في جانبهم ، خلاف ما يتظاهر به من قوله : (فرّجت عنّي) ؛ إذ لو كان أولئك من قريش فضلا عن أن يكونوا هاشميّين .. لاستشاط غضبا ، وتأجّج حسدا ، لا سيّما وأشدّ النّاس حسدا هم الملوك كما قيل.

وما كانت قريش إذ ذاك خالية من العلم ، ولكنّهم ضيّقوا عليهم الأنفاس ، وأخذوا منهم بالمخنق ، وقد أشرت إلى شيء من انصرافهم عن العلم أوائل «النّجم المضي في نقد عبقرية الرّضي».

وفي آخر الجزء الأوّل من «البيان والتّبيين» للجاحظ : أنّ رجلا من بني العبّاس قال : ليس ينبغي للقرشيّ أن يستغرق في شيء من العلم إلّا علم الأخبار ، فأمّا غير ذلك .. فالنّتف والشّدو من القول.

وفيه أيضا : (أنّ رجلا من قريش مرّ بفتى من ولد عتّاب بن أسيد يقرأ «كتاب سيبويه» ، فقال : إنّ لكم علم المؤدّبين وهمّة المحتاجين).


وفيه : (قال ابن عتّاب : يكون الرّجل نحويّا عروضيّا ، قسّاما فرضيّا ، حسن الكتابة جيّد الحساب ، حافظا للقرآن ، راوية للأشعار ، يرضى أن يعلّم أولادنا بستّين درهما) (١).

ومتى تقرّر انحراف قريش عن العلم لما يجلبه لها من تهضّم الملوك ، ولأنّها تسود قبل أن تتفقّه .. فما كان العلويّون المهاجرون إلى حضرموت ليخرقوا عادتهم إلّا بعد أن تؤثّر فيهم الظّروف ، وينطبعوا بطابع الزّمان والمكان ، وتقهرهم العوائد وتنتفي الموانع ، وربّما كان ذلك أواسط القرن السّابع ، مع استثناء القليل فيما قبل ذلك.

وإنّما بقي العلم في السّادة الزّيديّة لبعدهم عن المدنيّة الشّومى ، وتصديقا لوعد النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولاشتراطه للخلافة ، وهي لا تزال فيهم ، والنّاس على دين ملوكهم ، والسّلطان سوق يجلب إليه ما يناسبه ، ولهذا فلا بدّ أن تتفاوت أزمنتهم بحسب رغبات خلفائهم فيه كثرة وقلّة. ولهذا المبحث تكميل ـ إن شاء الله ـ يأتي في تريم.

أمّا المبحث الثّالث :

فقد اتّسع فيه القول ، وتفتّحت شآبيب الكلام ، وسالت فيه عزالي البراهين والأدّلة ، حتّى صار رسالة فضفاضة تستحقّ أن تسمّى : «سموم ناجر لمن يعترض نسيم حاجر» ، ولا بأس أن نزيد هنا ما يتأكّد به بعض ما فيها وما في «النّسيم» مع الاعتذار عمّا لا بدّ منه للفائدة من التّكرار.

قال سيّدي الحبيب أحمد بن زين الحبشيّ في كتابه «المسلك السّويّ» : (ومن ثمّ لمّا ذهبت عنهم الخلافة الظّاهرة ـ لكونها صارت ملكا عضوضا ـ ولذا لم تتمّ للحسن .. عوّضوا عنها بالخلافة الباطنة حتّى ذهب كثير من القوم إلى أنّ قطب الأولياء في كلّ زمان لا يكون إلّا منهم) اه

ثمّ رأيت هذه العبارة عند الحفظيّ آخر كلام نقل عن «صواعق ابن حجر» [٢ / ٤٢٦] والله أعلم.

__________________

(١) انظر «البيان والتبيين» (١ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨).


وقال في «المسلك السّويّ» أيضا : (ولمبالغة الشّافعيّ في تعظيمهم .. صرّح بأنّه من شيعتهم حتّى نسبه الخوارج إلى الرفض) اه

وذكر الذّهبيّ : أنّ والي اليمن كتب إلى العراق : إن كنتم لطاعة أهل اليمن أرسلتم الشّافعيّ .. فإنّه يعمل مع الطّالبيّين للخروج ، فأرسلوا به إلى العراق مكبّلا بالحديد ، وممّا قال حين اتّهم بالرّفض [من الكامل] :

إن كان رفضا حبّ آل محمّد

فليشهد الثّقلان أنّي رافضي

وفي «المسلك» أيضا عن الأستاذ الحدّاد أنّه قال : (جاءني جماعة من علماء مكّة يسألونني عن مذهبي ، فأردت أن أقول لهم : مذهبي الكتاب والسّنّة ، لكن حصلت محاذرة ؛ خوفا عليهم من الإنكار.

وهذه إشارة إلى أنّه مجتهد لا مقلّد ، وكثيرا ما أسمعه يقول عند المذاكرة في المسائل : وعندنا فيها رأي آخر ، لكنّ التّمسّك بمذهب الشّافعيّ كافي) اه

ونقل عن الأستاذ أيضا أنّه قال : (أريت أصول أهل الأصول ، لكن يغلب علينا الرّجاء حتّى للمخالفين من الفرق. وهذه المسألة متّصلة بالذّوق ، ولا يمكن التّعبير عنها ؛ لخفاء الحقّ فيها ، فلا يعلم إلّا في الدّار الآخرة.

وادّعى أناس أنّهم حقّقوها ، ولم يظهر لنا ذلك ؛ لأنّ التّدقيق لا تحيط به العبارة ، ولا بدّ أن يقع في الغلط من يعبّر عنها ؛ كقول الغزاليّ : ما في الإمكان أبدع ممّا كان) اه

وقوله : (حتى للمخالفين من الفرق) أي : الإسلامية ؛ لإجماعهم على تكفير من لم يدن بدين الإسلام ـ كما فصّلناه في «السّيف الحاد» ـ وكلّ من يعتقد بنجاة ملّة غير الإسلام .. فهو كافر ، وقد حاول البهائيّون ـ الّذين ذكرهم فريد وجديّ ـ أن يوحّدوا بين الأديان ، فوقعوا في شرّ من كفر اليهود قاتلهم الله أنّى يؤفكون. ومنهم القائلون بالإباحة من أهل الوحدة المطلقة الّذين يعتقدون بأنّ الباري عزّ شأنه هذا الوجود السّاري في الموجودات الظّاهر فيها على اختلاف صورها وأنواعها بحسبها .. فهو في الماء ماء ، وفي النّار نار ، وهو حقيقة كلّ شيء وماهيّته ، ووجود كلّ موجود صغير


أو كبير ، خسيس أو شريف. (تَعالى) الله (عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً).

وليس منها كما قال سعد الدّين التّفتازانيّ في «شرح المقاصد» أن يستغرق السّالك عند انتهاء سلوكه في بحر التّوحيد والعرفان بحيث تضمحلّ ذاته في ذاته ، وصفاته في صفاته ، ويغيب عن كلّ ما سواه ، ولا يرى في الوجود إلّا الله ، وهذا ما يسمّونه : الفناء في التّوحيد ، ويسمّونه : الجمع أيضا.

وغاية سير السّالكين .. فناء المريد عن نفسه ، ومنه يرجع إلى عالم الملك ، وهو الفرق الثّاني ، والصّحو بعد المحو ، ويعبّر عنه أيضا : بانصداع الجمع ، وبالفرق بعد الجمع ، وبظهور الكثرة في الوحدة ، ويعبر عنه أيضا : بمحو المحو ، وبشهود الوحدة في الكثرة ، والكثرة في الوحدة ، وصاحب هذا المقام عندهم لا يحجبه الحقّ عن الخلق ، ولا الخلق عن الحقّ ، وهو مقام إرشاد المريدين.

المبحث الرّابع :

جاء في (ص ٣٣ ج ١) من «المشرع» : (أنّه كان للمهاجر في الوعظ لسان فصيح ، ثمّ لمّا استولى أخوه محمّد بن عيسى على أقاليم العراق .. أتى إليه ووعظه موعظة بليغة ، بألفاظ فصيحة جسيمة ، ولم يزل به حتّى ترك ذلك ، وزهد فيما هنالك) اه

وفي (ص ١٣٩) من «البرقة» : (أنّ محمّد بن عيسى استولى على جهة من العراق ، وتبعه خلق كثير ، وجمّ غفير ، ثمّ ترك الولاية زاهدا) اه

وبين الرّوايتين فرق ليس باليسير ، وقد راجعت «كامل ابن الأثير» و «تاريخ ابن خلدون» .. فلم أر لخروج محمّد بن عيسى ذكرا ، ولو كان كما يقول صاحب «المشرع» في شمول استيلائه للعراق .. لذكراه ، وإذا لم يذكراه .. كان ذلك قادحا فيه ؛ لأنّ الخبر الّذي تتوافر الدّواعي على تواتره ثمّ لا ينقله إلّا الآحاد .. يكون مردودا كما قرّره أهل الأثر ؛ فإن وجد له ذكر في التّاريخ ، وإلّا .. فما هو إلّا انتقال نظر إليه من زيد بن موسى الكاظم.


وقد كان زيد هذا ـ كما عند ابن خلدون ـ من قوّاد أبي السّرايا مدبّر أمر محمّد بن محمّد بن زيد بن عليّ زين العابدين ، وكان أبو السّرايا وجّه زيد بن موسى هذا إلى البصرة ، فعاث وأحرق خلقا كثيرا حتّى سمّوه : زيد النّار.

وفي (ص ٢٧١ ج ٣) من «تاريخ ابن خلّكان» : (وكان زيد بن موسى الكاظم خرج بالبصرة وفتك بأهلها ، فأرسل إليه المأمون أخاه عليّا الرّضا يردّه عن ذلك ، وقال له : ويلك يا زيد ؛ فعلت بالمسلمين بالبصرة ما فعلت وتزعم أنّك ابن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ والله لأشدّ النّاس عليك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يا زيد ، ينبغي لمن أخذ برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يعطي به.

فبلغ كلامه المأمون ، فبكى وقال : هكذا ينبغي أن يكون أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

قلت : وآخر هذا الكلام مأخوذ من كلام عليّ زين العابدين ؛ فقد قيل : إنّه إذا سافر .. كتم نفسه ، فقيل له في ذلك؟ فقال له : أنا أكره أن آخذ برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما لا أعطي به) اه كلام ابن خلّكان

أقول : ومثله موجود في خطبة عليّ الرّضا يوم بويع له ، فقد قال : أيّها النّاس ؛ إنّ لنا عليكم حقّا برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولكم علينا حقّ به ، فإذا أدّيتم لنا ذلك .. وجب لكم علينا الحقّ ، والسّلام.

المبحث الخامس :

اشتبه عليّ وقت انهيار سدّ سنا ، وقد رأيت في مناقب الحبيب عليّ بن عبد الله السّقّاف ـ تأليف الحبيب عمر بن سقّاف بن محمّد الصّافي ، السّابق ذكره في السّوم ـ : (أنّ الحبيب عليّا المذكور اجتمع بالسّيّد الجليل حسن بن عبد الله بن علويّ الحدّاد ، فسأله عن ارتفاع قبر المهاجر ، فقال : لعلّه خشية السّيول السّابقة الهائلة مع عدم الخدّ في الأرض ، لأنّه لم يحدث إلّا بعد زمان الفقيه المقدّم بسيل قاحش ، الّذي أخبر عنه في غيبته ، قال الحبيب عليّ : هذا هو الّذي أراه) اه بمعناه وفيه إشكالات وفائدة :


فمن الإشكالات : أنّ الحسيّسة ـ وهي محلّ السّكنى ـ لم تكن بذلك الارتفاع ولا بقريب منه ، وإنّما كانت بسفح الجبل وحضيضه ، وآثارها ظاهرة به إلى اليوم .. فكيف يخافون على الميت في قبره ما لا يخافونه على الأحياء في دورهم؟!

ومنها : أنّه لو كان ماء السّيل الرّاجع عن سدّ سنا يصل ولو إلى ربع ارتفاع الموجود .. لأغرق شباما فضلا عمّا دونها ، حسبما قلنا في الكسر.

ومنها : أنّ تريم ، وبور ، وتنعه ، والعجز ، وثوبه ، كانت موجودة من قبل انهيار سدّ سنا ، ولو كان رجع الماء عنه يضرّها .. لما أمكن بقاؤها.

وأمّا الفائدة الّتي لم نسمع بها إلّا من هذا الكلام .. فهي : أنّ الخدّ بالأرض لم يكن إلّا من بعد الفقيه المقدّم ، المتوفّى سنة (٦٥٢ ه‍) ، ومعلوم أنّه لن يكون دفعة ، بل بالتّدريج ، في الّذي يلي السّدّ ، ثمّ في الّذي يليه ، وهكذا كما يشهد له الحسّ ، فمسيال سرّ الواقع الآن بين الحسيّسة وبور لا ينخفض الآن عن سطح الأرض بأكثر من نحو ستّة أذرع .. إن لم يكن بأقلّ.

وجاء في «النّور السّافر» [ص ١١٨] عن تريم أنّها كانت في قديم الزّمان عامرة جدّا ، وأمّا الآن .. فهي ضعيفة إلى الغاية (١) ، إلى أن قال : (والظّاهر أنّ سبب خرابها سيل العرم الّذي أرسله الله على سبأ ، فانقطعت عنها المياه الّتي كانت تزرع عليها ، فسبحان من يقلّب الأمور) اه

وهذا أيضا فيه فائدة وإشكال :

أمّا الفائدة فهي : الإشارة إلى أنّ حضرموت كانت تشرب من المياه المخزونة بسدّ مأرب ، وهو موافق لما ذكرته في «الأصل» عن الخزرجيّ و «شرح الأمثال» للميدانيّ ، إلّا أنّه قد يغبّر عليه ما جاء في «إكليل الهمدانيّ» (ص ٤٦ ج ٨) من قوله [من البسيط] :

__________________

(١) مفاد الكلام هنا : أن تريم كانت عامرة ـ أي : بالزروع والنخيل ـ ولكنها ضعفت جدا في أواخر القرن العاشر ، زمن تأليف «النور السافر».


وجنّتا مأرب من بعد ذا مثل

والعرش فيها وسدّ وسط واديها

تسقى به جنّتاها ثمّ بعدهما

مسافة الخمس موصولا لياليها

ولكن يجاب بأنّ المسافة من مأرب إلى الكسر إنّما هي أربع مراحل ، وهي لا تستوفي الخمسة الأيّام ، وإذا بقي للّيالي مثلها .. بلغ سدّ سنا أو جاوزها ، فالأمر قريب من بعضه.

وأمّا الإشكال : فإنّه لا يمكن أن تصل حضرموت من الضّعف إلى حيث ذكر ما دام الماء ينبسط على الأرض كلّها فتئثّ زروعها ، وتؤتي أكلها كما كانت أيّام ملوك كندة وملوك حضرموت ، وإنّما تناهى بها الجدب والقحط من حين ظهور الأخدود ، وانقباض الماء عن أكثر الأرض ولم يكن ذلك إلّا بعد الفقيه المقدّم بزمان طويل ، حتّى إنّه ـ مع تفارط الأيّام ـ لم يصل إلى المسحرة بعد ؛ فهي لا تزال سالمة منه ، والماء ينبسط فيها من الشّمال إلى الجنوب.

وقد كان الإشكال في سدّ سنا أثقل عليّ من الطّود العظيم ، وكلّما التأم لي الكلام عنه من جانب .. انتشر من الآخر ، حتّى أخبرني الأخ الفاضل عبد الرّحمن بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن محمّد بن شهاب عن مشاهدة أنّ سدّ سنا طبيعيّ من حجارة رخوة ، يمازجها طين صلب ، شبه القارة الصّغيرة ، يدفع الماء عن جانبيها المرتفعين عن مستوى الأرض بنحو من ستّة أذرع تقريبا ، ثمّ إنّ السيول جرفت تلك القارة وحفرتها فصار الماء يجري في مكانها الّذي خدّه سيل قاحش وما بعده ، وارتفع جانباها اللّذان كان عليهما يجري السّيل ـ كما سنرسم صورته الّتي دفعها لي في موضعه إن شاء الله (١) ـ فلم يكن رجع السّيول عن ذلك السّدّ الطّبيعيّ بالفاحش حتّى يكتسح البلاد ، ولكنّه صغير يصدّ تيّار الماء فقط ، فينبسط في كلّ ناحية ، ويسقي النّاس منه أراضيهم بدون أن يجرف في الأرض ؛ لأنّ انبساطه يقلّل من قوّة جريه فلا يخدّ في الأرض ، وهذا هو المعقول ؛ فقد كانت الحصاة الّتي يصلّي عليها سيّدنا عمر

__________________

(١) ستأتي الصورة في سنا.


المحضار بحافّة نهر هود عليه السلام بارزة لعهده ، وما به بعد عن عهد الفقيه ، وليس ارتفاعها عن النّهر اليوم بالفاحش ، مع تناهي الخدّ ، ولكنّه قريب. ولهذا السّبب أنكر بعض السّيّاح الأجانب وجود هذا السّدّ رأسا ؛ لأنّ الوهم يذهب بهم إلى ارتفاعه ، فيتأمّلون ولا يجدون له أثرا ، فأنكروه. والحال أنّه كما وصفه لي الأخ عبد الرّحمن ابن شهاب.

وفي حدود سنة (١٣٣٩ ه‍) اشتد النّزاع بين آل بور وآل تاربه بشأن جبل الحسيّسة ، وكلّ ادّعى أنّه في حدّه ، فله قنص صيده وإدارة القهوة والعود في حفلاته العامّة ، حتّى عطّلت مرارا ، ثمّ تواضعوا على أن لا يدار شيء خوف الفتنة.

وما زالوا كذلك حتّى أقيمت جمعيّة ببتاوي لآل العيدروس ، كان من أغراضها : الالتفات إلى إصلاح ذات بينهم.

وفي سنة (١٣٤١ ه‍) وافق آل العيدروس بحضرموت ، وصار الإصلاح بين آل بور وآل تاربه على أنّ لكلّ منهم قنص الجبل ، وعلى أنّ خدّامهم يشتركون فيما يدار فيه.

تاربه

هي أرض واسعة ، فيها قرى كثيرة ، أكثرها عن يمين الذّاهب من سيئون والحسيّسة في الطّريق السّلطانيّة (١) ـ أو العبّاديّة ـ إلى تريم ، وبعضها عن يساره.

فأمّا الّتي عن يمينه : فأوّلها قرية يقال لها : السّحيل القبليّ ، وكذلك يقال لها : سحيل بدر ، يعنون بدر بن عبد الله بن عمر بن بدر بوطويرق (٢).

وفي «الأصل» : أنّ الملك كان لأبيه عبد الله بن عمر بن بدر بوطويرق (٣) ، فتنازل عنه في سنة (١٠٢٤ ه‍) لأخيه بدر بن عمر ، ولكنّ بدر بن عبد الله هذا وثب

__________________

(١) الطريق السلطانية هي التي عبّدها آل كثير لتصل السيارات بين سيئون وتريم.

(٢) المتوفى سنة (١٠٧٥ ه‍). «تاريخ الدولة» (٧٤ ـ ٨٣).

(٣) المتوفى بمكة سنة (١٠٤٥ ه‍). «تاريخ الدولة» (٦٧ ـ ٦٨).


في سنة (١٠٥٨ ه‍) على عمّه بدر بن عمر ـ وكان طغى وبغى ـ فجاءت نجدة الإمام المتوكّل على الله إسماعيل فهزمته ، وردّت الملك لعمّه ، وألقى هو بنفسه في أحضان قائد الجيوش المتوكليّة الصّفيّ أحمد بن الحسن ، فأرسله إلى صنعاء ، فعفا عنه الإمام ، ثمّ عاد وأقام بسيئون إلى أن مات في سنة (١٠٧٥ ه‍) ، كذا ب «الأصل».

والّذي يظهر من هذا : أنّه بعد رجوعه من صنعاء .. لم تطب نفسه بالمقام في سيئون على الذّلّة والمهانة بعد الملك والعزّة ، وعزّ عليه أن يتوجّع له صديق أو يشمت به عدوّ .. فابتنى له دارا بهذا السّحيل ، ولم يقم بسيئون إلّا ريثما عمّر الدّار ، ثمّ عمّر بشماله مسجدا لا يزال معمورا إلى اليوم ، وهو خارج عن سور السّحيل القبليّ ، ومع ذلك فإنّهم يجمّعون فيه (١).

وحصن بدر ومسجده ـ حسبما يقول الشّيخ المعمّر أحمد بن عبود الزّبيديّ ـ أوّل ما بني بتاربه ، وما كانت قبل ذلك ـ إذا استثنينا سمل حسبما يعرف ممّا يأتي فيها ـ إلّا مرعى وبعض خيام ينتجعها العوامر إذا أجدب نجدهم وقلّ عليهم الماء فيه.

أمّا في وقت الخصب .. فإنّهم لا يقنعون بتاربه في جنب خيراته الفائضة وأراضيه الخصبة وكان للعوامر ـ في حاضرهم وباديهم ـ شهامة كما يقول حسّان [في «ديوانه» ٤٢٣ من الطّويل] :

لنا حاضر فعم وباد كأنّه

شماريخ رضوى عزّة وتكرّما (٢)

ومن سكّان السّحيل هذا جماعة من ذرّيّة السّيّد عيدروس بن سالم بن عمر بن الحامد ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم ؛ منهم :

السّيّد صالح بن أحمد بن صالح. وأخوه سالم بن أحمد بن صالح.

فأمّا سالم .. فبقي بالسّحيل إلى أن مات ، وخلّف أولادا ؛ منهم : السّيّد

__________________

(١) يجمعون فيه : يصلّون فيه الجمعة.

(٢) فعم : كثير. شماريخ رضوى : أعاليه.


عبد الله بن سالم ، بقي بمكان أبيه ، إلّا أنّه يكثر التّردّد إلى سيئون. وفي سنة (١٣٦٤ ه‍) توفّي بها لعشر من رمضان.

وأمّا السّيّد صالح بن أحمد : فقد انتقل إلى سيئون ، وكانت له يد في خدمة الدّولة الكثيريّة ، وجلب العسكر لهم من الصّيعر ضدّ يافع. توفّي بسيئون (١) ، وله بها أولاد.

أكبرهم وأغناهم : الشّهم الغيور الفاضل ، السّيّد عليّ بن صالح بن أحمد ، جمع ثروة من جاوة فوصل فيها الأرحام ، وأطعم الطّعام ، وأقرض المحتاجين ، وأعان على نوائب الحقّ ، وأوصى بما يغلّ نحو ثمان مئة وخمسين ربّيّة لمثل ما كان يفعله من الضّيافة والمعروف في حياته ، وكان ينكر الخرافات والدّعاوي الكاذبة ، ولمّا واظب على حضور دروسي في «الشّمائل النّبويّة» .. تأكّد ما بخاطره من ذلك ، فوافقني على إنكارها وصارح بذلك ، فلحقه شيء يسير من فضول ما لحقني من تعصّب عشّاق الجاه المنفوخ ، والولاية المزيّفة ، منها أنّه من المشار إليهم بقول العلّامة السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ [من الكامل] :

حجبوا وحسبهم الحجاب عذاب

ياليتهم سمعوا النّدا فأجابوا

والقياس : نصب (العذاب) ولكنّه ارتفع.

ولو لا اعتصامه بالثّروة ـ وهي الشّافع المقبول في بلادنا ـ .. لناله ما نالني أو أكثر.

توفّي بسيئون سنة (١٣٤٩ ه‍) (٢) ، ورثاه جماعة من أدباء سيئون وشعرائها ؛ منهم : ولده النّجيب صالح (٣) ، والسّيّد عيدروس بن سالم السّوم ، والسّيّد محمّد بن شيخ المساوى.

__________________

(١) سنة (١٢٩٩ ه‍).

(٢) وصدر كتيب صغير بعنوان : «فقيد سيئون» ، طبع بجاوة ، اشتمل على نبذة عن حياته والمراثي التي قيلت فيه.

(٣) صالح بن علي بن صالح الحامد (١٣٤٢ ـ ١٣٨٧ ه‍) ، ولد بسيئون ، وتربى في حجر والده ، وقرأ القرآن عند الشيخ عبد القادر باحميد ، وتفقه على السيد العلامة محمد بن هادي السقاف ، وتتلمذ


وفي «مجموعة مراثيه» : أنّ له اتّصالا بالعلّامة السّيّد شيخان بن محمّد الحبشيّ.

وما أراه إلّا وهما ؛ لأنّ السّيّد شيخان توفّي في رجب من سنة (١٣١٣ ه‍) ، والسّيّد عليّ بن صالح لم يعد من جاوة إلّا بعد ذلك بأكثر من سنتين عن غيبة طويلة ، كان في أثنائها اتّصال السّيّد شيخان بسيئون.

وبالسّحيل جماعة من آل الحبشيّ ؛ من أواخرهم : السّيّد محمّد بن عبد الله الحبشيّ ، وأخوه عبد الرّحمن ـ أصحاب بير المير الواقعة في شرقيّ هذا السّحيل وغربيّ باعبد الله ـ وطه بن عليّ ، وأخوه عبد القادر ، وكانت للثّاني ثروة جمعها من سنغافورة ، ولكنّها تلاشت أو كادت ، وكان وصل إلى حضرموت ، وجرى بينه وبين السّيّد أحمد بن سالم بو فطيم شجار ، فشجّه حسين بن أحمد بو فطيم في رأسه شجّة منكرة ، فذهب يستنجد بالعلّامة السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ وآل أحمد بن زين الحبشيّ .. فلم ينفعه أحد ، ولكنّ ولده محمّد بن عبد القادر استعان ببعض العوامر ، فتسوّر ـ وهم معه ـ ذات ليلة على حسين بن أحمد وضربه ضربا مبرّحا وهو إلى جانب امرأته وكانت حاملا فأجهضت ولم تطل مدّتها.

وسافر السّيّد عبد القادر وولده محمّد إلى سنغافورة.

ثمّ عاد السّيّد عبد القادر بن عليّ في حدود سنة (١٣٣٠ ه‍) إلى تريم ومعه أهل وأولاد صغار ، فتوفّي وشيكا ، ووصل ولده محمّد إلى تريم أيضا فأوذي بها ، فعاد إلى سنغافورة ، واستولى على مال أبيه فيها ، وتدخّل آل الكاف ـ بتوكيل من الأولاد الصّغار وبعض النّساء ـ وسعوا في حبس محمّد ، فحبسته حكومة سنغافورة مدّة ، ثمّ أطلقته ، وصاح الشّيطان في تلك التّركة ، فهلكت وهلك الأبناء كلّهم إلّا محمّدا ،

__________________

للمؤلف ، وأخذ في مهجره عن العلامة الإمام علوي بن طاهر الحداد. تردد على بلدان جاوة ومصر والحرمين ، وكان أديبا مطبوعا ، نشرت له الصحف المصرية عددا من أشعاره ، ومقالاته التاريخية القيمة ، له مؤلفات قيمة تقلد عددا من المناصب الكبيرة في حضرموت ؛ منها : منصب مفتش المحاكم الشرعية ، وعضوا في محكمة الاستثناف العليا ، فمفتيا رسميا للدولة الكثيرية. وكانت وفاته في (٦) ربيع الأول (١٣٨٧ ه‍) بسيئون ، رحمه الله.


وهو أكبرهم ؛ فإنّه لا يزال بسنغافورة إلى الآن.

ومنهم : العلّامة السّيّد عليّ بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن محمّد بن حسين الحبشيّ ، يجتمع مع السّيّد عبد القادر بن عليّ في محمّد بن حسين الحبشيّ وجد بجاوة في حدود سنة (١٢٨٦ ه‍) ، وخرج إلى حضرموت سنة (١٢٩٨ ه‍) ، وأخذ عن أراكينها ، وأقام مدّة خمس سنوات ببور يطلب العلم ويتردّد إلى مدائن حضرموت للأخذ والتّلقّي ، ثمّ عاد إلى جاوة وحجّ أربع مرّات : الأولى سنة (١٣١١ ه‍) ، والثّانية سنة (١٣٤٨ ه‍) ، والثّالثة سنة (١٣٥٤ ه‍) ، والرّابعة سنة (١٣٦٧ ه‍).

وبيني وبينه ودّ وإخاء ، ولبس منّي ولبست منه ، ولا يزال له بجاوة شأن عظيم ، وله لسان في الوعظ باللّغة الجاويّة ، وانتفع به خلائق ، وأسلم على يده كثير ، ولا يزال ناشرا الدّعوة إلى الله ، وأهل الرّابطة العلويّة ينتفعون بجاهه ، ويأخذون به إلى مساعدتهم بالحياء ، وإلّا .. فإنّه لم يسلك فجّهم في التّفرقة بين الحضارم ، وله تواضع وخلق حسن ، ودمعة غزيرة ، مدّ الله في حياته على خير.

وبالسّحيل أيضا جماعة من المشايخ الزّبيديّين ، منهم : الشّيخ أحمد بن عبود بن عيسى بن عبد الله بن تميم الزّبيديّ ، كان عاقلا ، أصيل الرّأي ، له يد في الطّبّ الحضرميّ ، يوافقه التّوفيق في كثير من المعالجات ، توفّي سنة (١٣٢٥ ه‍).

وأصلهم من حوطة سلطانة ، فانتقل جدّهم عبد الله بن تميم ـ من جور حصل عليه من يافع ـ إلى عرض عبد الله ببور ، ثمّ انتقل إلى تاربه ، وحفر بها مئة وستّين بئرا ، غرسها بالنّخيل ، والوثائق الموجودة بين آل تاربه ناطقة ـ حسبما يقال ـ بأنّ تلك الآبار لم تنتقل إلى ملّاكها إلّا بالشّراء منه ، أو من ورثته. وكان انتقاله إلى تاربه في حدود سنة (١٠٩٠ ه‍).

وبالسّحيل مسجد صغير ، بناه السّيّد عبد الله بن سالم بن أحمد الحامد في جانبه الجنوبيّ ـ وهو غير جامع بدر الّذي بالشّمال ـ وفيه جماعة من العوامر آل خميس ، كان بينهم في الوقت الأخير رجل له نجدة ووفاء ، يقال له : سالم بن عويّض ، قتل غيلة في حدود سنة (١٣٣٣ ه‍).


وفي جنوب السّحيل : حراد ، وهو موضع بسفح جبل ، فيه قرية صغيرة ، وأكثر أرضه إلى الآن لمقام الشّيخة سلطانة بنت عليّ الزّبيديّة.

وسكّانه : آل سيف من العوامر ، ينتسبون إليها بالخدمة ، وكان فيهم رجال يهابون العار ، ولا يبالون طعن الشّفار ، لا تحلّ حباهم الخطوب ، ولا تعرف وجوههم القطوب ؛ مثل الشّيخ هادي بن سيف ، فلقد كان ينطبق عليه قول لقيط الإياديّ [من البسيط] :

لا يملأ الهول قلبي قبل موقعه

ولا أضيق به صدرا إذا وقعا

وله ولابنه عليّ بن هادي ذكر كثير في حروب الدّولة آل عبد الله مع القعيطيّ ويافع.

وفيها ناس من الحرّاثين آل عبد الشّيخ المنتشرين بقرى تاربة ونخيلها ؛ ومنهم الرّجل الصّالح سالم عبد الشّيخ ، له عمل مبرور ، وسعي مشكور ، وتواضع جمّ مذكور.

وفي جنوب حراد : وادي عبد الله بن سلمان ، سكّانه حرّاثون. ثمّ : حصن الدّولة آل جعفر بن أحمد.

ثمّ : غنيمه ، وهي مسكن آل أحمد بن محمّد بن عليّ بن بدر بن عبد الله بن عمر بن بدر بوطويرق ، ولأحمد بن محمّد هذا أربعة أولاد : جعفر ، وعبد الله انقرضا عن الذّكور. ومحسن بن أحمد ، وهو والد السّلطان غالب بن محسن ، وأخيه عبد الله. وعليّ بن أحمد والد أصحاب قيطع.

ولأحمد بن محمّد هذا إخوان أربعة : يقال لأحدهم : صالح بن محمّد ، وله أولاد ؛ منهم : السّلطان عبد الله بن صالح ، الشّجاع الموفّق المشهور. وللثّاني : سالم بن محمّد ، والد عبود بن سالم. وللثّالث : حسن بن محمّد ، وهو جدّ حسن بن عمر بن حسن بن محمّد. وللرّابع : جعفر بن محمّد ، وهو أبو سعيد بن جعفر ، والد أحمد بن سعيد ، وعليّ بن جعفر والد منصور بن عليّ.

ثمّ إنّ أحمد بن محمّد أو والده محمّدا فارق غنيمه ، وسكن على مقربة من قارة


الشّناهز ، وكان بها جماعة من آل عبد الودود ، فصهر إليهم أحمد بن محمّد ، وبقي يقطع الطّريق ويخيف السّابلة حتّى تاب على يد الحبيب إسماعيل بن أحمد العيدروس ، وعاد بأمره إلى واد في تاربه ، ولهذا السّبب بقي عنده وعند أعقابه احترام لآل إسماعيل

ومن وراء غنيمه جنوبا : غيل بدر بن عبد الله بن عمر بن بدر بوطويرق ، وعنده آثار ديار صغيرة.

ومن ورائه : مكان لآل خميس ، يقال له : حريز (١) ، وهو منبع عيون ماء تدفع إلى غيل بدر.

سحيل محسن ، وعند ما يرجع الذّاهب من وادي تاربه إلى جهة الشمال .. يجد ديارا بسفح الجبل الشّرقيّ ، فيها جامع كبير ، يقال لتلك الدّيار : سحيل محسن ، نسبة إلى السّيّد محسن بن حسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم. وبها كان يسكن الشّيخ أبو بكر بن سعيد الزّبيديّ السّالف ذكره في حوطة سلطانة.

ومن سكّانها : آل عبد الباقي العامريّون ؛ منهم : آل كرتم ، كان من آخرهم : الشّيخ بخيت بن عبد الله بن كرتم ، رجل له شهامة ومروءة.

ومنهم : ناصر بن عوض بن عبيد قاتل السّيد بو بكر بن عبد الرّحمن ظلما حسبما يأتي قريبا في باعبد الله ، وله أخ من أحسن النّاس سيرة ، وأصفاهم سريرة ، وهو سالمين بن عوض ، له أعمال مشكورة ، منها تأسيس مدرسة الرّياضة العربيّة بممباسا ، وقيامه بمصالحها ، وهو الرّئيس الأوّل لها ، ويعاونه الشّيخ صالح بن عليّ باكثير على التّدريس فيها.

وقريبا من سحيل محسن كان يسكن الشّيخ صالح بن عائض بن جخير وأسرته آل جخير ، وهو رجل من لهاميم (٢) العرب ، يهاب اللّوم ، ولا يبالي كثرت أم قلّت

__________________

(١) وهو غير حريز موضع بالكسر ينسب للإمام أحمد بن حسن العطاس ، وفيه أملاك وأراض واسعة له.

(٢) اللهاميم : السّابقون في الجود ، مفردها : لهميم.


القوم ، يغلي الكلام ، ويوفي الذّمام ، وقلّ أن تنجب مثله الأيّام ، لا ينام عن ثار ، ولا يعلق به العار.

أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضّها

وإن شمّرت عن ساقها الحرب شمّرا (١)

وله أخبار جميلة ، ذكرنا بعضها في «الأصل». وله محبّة في الصّالحين وأهل العلم ، توفّي حوالي سنة (١٣٣٣ ه‍).

وفي شمالهم : ديار آل مطرف من الحطاطبة (٢) ، كان لهم تعلّق بالسّادة آل خيله وانتساب إليهم بالخدمة.

ومنهم : عبود ومحمّد ابنا سلامة بن مطرف ، كانت لهم ثروة ، حتّى إنّه يذكر أنّهم أعانوا السّلطان الكثيريّ في تجهيزه على الشّحر سنة (١٢٨٣ ه‍).

باعبد الله

هو في شرقيّ السّحيل القبليّ بيسير من الانعطاف ، وهي عاصمة تاربه ، ويقال لها : باعبد الله ؛ لأنّ الشّيخ عبد الله بن تميم باعها في أوّل ما باع من أرض تاربه ، فقيل : باع عبد الله ، ثمّ سقطت العين بالتّدريج وتداولته الألسن حتّى صار علما عليها ، ويتأيّد هذا بما سبق عن الشّيخ عبد الله بن تميم في السّحيل القبليّ. وقيل : وعليه الأكثر ؛ لأنّ أوّل من تديّرها من أعقاب السّيّد أحمد بن عبد الله ـ صاحب الطّاقة ـ ابن أحمد بن حسين العيدروس .. هو السّيّد الجليل علويّ بن أحمد ، وبها توفّي سنة (١١١٩ ه‍) ، فنسبت إليه ـ لأنّ جدّه عبد الله ـ أي : قرية ابن عبد الله ، ومثل هذا ولا سيّما في دوعن كثير ، كذا سمعته وهو معقول.

ومن ذرّيّته آل عمر بن زين ، وآل جعفر ، ومنهم : السّيّد بو بكر بن عبد الرّحمن بن جعفر ، المقتول ظلما بجامعها ليلة (٢٧) من رمضان ، سنة (١٣٥٩ ه‍) ، قتله

__________________

(١) البيت من الطّويل ، وهو لحاتم الطّائي في «ديوانه» (١٠٩).

(٢) آل مطرف هؤلاء غير آل بامطرف القنازلة الكنديين السابق ذكرهم في المكلا والقطن.


ناصر بن عوض أحد آل عبد الباقي والجامع مملوء بالنّاس وبجماعات من كلّ قبائل العوامر ، ولم تحبق في ذلك شاة! والعوامر يعتذرون عن ذلك بأن ليس لهم وجه بعد ما بسطت نفوذها عليهم الحكومة الكثيريّة بالقوّة الإنكليزيّة.

وقد هرب القاتل إلى نجد العوامر حيث تزوّج وتبسّط على الأمان ، وبقي يتردّد إلى داره بتاربه أوّلا في السّرّ ، ثمّ تعالن في ذلك. ويقال : إنّ الحكومة الكثيريّة جدّت في طلبه ، فلم تقدر عليه ، وبإثر ذلك ركب إلى السّواحل الإفريقيّة عن طريق سيحوت.

ومن ذرّيّته بها : آل محضار ، وآل إسماعيل بن أحمد ، وهؤلاء هم مناصبها وأمراؤها ، وكان لهم الضّلع الأقوى في الفتنة الّتي قامت بتريم سنة (١١٦١ ه‍) بسبب تابوت القطب الحدّاد ؛ فإنّ آل عيدروس جدّوا في منعه ومعهم آل جابر ، وآل الحدّاد صمّموا على وضعه ومعهم آل كثير ومنصب الشّيخ أبي بكر بن سالم ، وأمّا يافع .. فمفترقون ومواربون ، وكانت النّتيجة أنّ التّابوت وضع على قبر الحدّاد ثمّ أحرق ، ثمّ رمّم ، ثمّ وضع ، ثمّ أزيل ، ولذلك حديث طويل مستوفى ب «الأصل».

ومن آخر مناصب آل إسماعيل بن أحمد : المنصب الجليل السّيّد محمّد بن حسين ، كان شهما شجاعا ، محبّا للعلماء ، كثير البرّ بأمّه ، له مع المنصب السّيّد عبد القادر بن سالم مداعبات ومفاكهات ، تشهد بسلامة الصّدور والبعد عن التّصنّع والتّنطّع والتّكلّف ، وكان بينه وبين العلّامة الجليل السّيّد أبي بكر بن شهاب مشاحنة يوسّعها العلويّون توسيعا هائلا ؛ كيادا لابن شهاب وحسدا له ؛ إذ كان للمنصب السّيّد محمّد بن حسين إذ ذاك نفوذ كبير على الدّولة آل عبد الله بسيئون وتريم ، وعلى آل جابر وعلى كثير من العوامر ، وضالّة العلويّين إذ ذاك : أذيّة العلّامة ابن شهاب ومضايقته وإهانته ، فأذكوا نار العداوة بينه وبين المنصب المذكور حتّى لحقه كثير من الأذى ، فلم يكن من ابن شهاب إلّا أن جاء ليلة بخفارة قويّة إلى دار للشّيخ أبي بكر بن سعيد الزّبيديّ في سحيل محسن ـ وكان له صديقا ـ وخفّا من آخر اللّيل إلى جامع باعبد الله حيث كان المنصب يتهجّد هناك ، فتصافحا وتعانقا وتباكيا ، واستحالت الصّهباء (١) ، وصار المنصب من أكبر أصدقاء

__________________

(١) استحالت : تحوّلت. الصّهباء : الخمر. والمفعول محذوف معلوم بالضرورة ؛ أي : خلّا. وفي


العلّامة ابن شهاب ، وترافقا في سفرة لهما من حضرموت إلى الشّحر ، ثمّ إلى عدن ، ثمّ إلى لحج.

توفّي المنصب في سنة (١٣٢٥ ه‍) ، وخلفه ولده محمّد بن محمّد ، وكان سليم البال أبيض السّريرة ، توفّي في سنة (١٣٤٩ ه‍).

وفي سنة (١٣٤٢ ه‍) نشر الشّرّ أذنيه بين آل تريم وآل العيدروس ، بسبب أنّ آل العيدروس أرادوا بناء حصن إلى جانب حصنهم المسمّى بحصن العزّ ، في حدّ ثبي الشّماليّ ، فمنعهم آل تريم ، فغضب لذلك السّيّد علويّ بن عبد الله بن حسين ووافقه أكثر آل العيدروس ، واشتعلت الفتنة ، ثمّ سوّيت القضيّة في سنة (١٣٤٤ ه‍) على يد السّيّد حسين بن حامد المحضار ، فقضى بهدم بعض الحصن الجديد ، وإلى ذلك الإشارة بقصيدتي المستهلّة بقولي [من الطّويل] :

على العزّ يبكي ملء عبرته النّاعي

هوى حصنه يا ويح بان وصنّاع

ولها قصّة طريفة مستوفاة ـ مع أخبار تلك الحادثة ـ ب «الأصل» ، وفي ديباجة القصيدة من الدّيوان.

توفّي المنصب السّيّد محمّد بن محمّد بن حسين في سنة (١٣٥٤ ه‍) ، واختلف فيمن يتولّى بعده ، فالسّلطان عليّ بن منصور رشّح لها ابنه محمّدا ، الملقّب ب : (الفاخر) ، وكان شهما ، إلّا أنّه غائب بجاوة ، فأراد أن ينوب عنه أخوه إلى وصوله.

ولكنّ آل العيدروس أسندوا المنصبة إلى السّيّد حسين بن عبد الله بن حسين العيدروس.

ثمّ لمّا توفّي .. أسندوها إلى أخيه السّيّد محمّد بن عبد الله بن حسين ، وهو الّذي عليها اليوم ، إلّا أنّه ضعف نفوذهم ـ كما قدّمنا في بور ـ بمضايقة الحكومة لهم.

وفي باعبد الله جماعة من ذرّيّة السّيّد أحمد بن عليّ بن الحسن ابن الشّيخ أبي

__________________

هذا كناية عن تبدّل الأمر من السّيّء إلى الأحسن. كما تقول : تحوّلت الخمر خلّا.


بكر بن سالم ، يقال لهم : آل بو فطيم ؛ منهم : السّيّد عمر بن سالم (١) ، وكان شهما غيورا ، أبيّ الضّيم ، قويّ النّفس.

وكانت لديهم ثروة في المال والرّجال ، فبدا لهم أن يبتنوا مسجدا بفناء دورهم الضّخمة في سنة (١٣٠٧ ه‍) ، ولمّا شرعوا فيه .. منعهم السّادة آل العيدروس ، وتداعوا للقتال واستعان آل العيدروس بآل كثير ، وجاء الشّيخ عائض بن سالمين في جمهور منهم بصورة المساعدين لهم ، ولمّا وصلوا تاربه .. استقبلهم أحد العوامر الّذين في جانب آل بو فطيم بقوله :

حيا بكم يا اهل النّكف يا اهل الطرف

يا الّلي تهابون المعار

أن لا تقدّى العيدروسي واعترف

بانحرق الوادي بنار

فقال عائض : أجيبوه ، فأجابه سعيد بن محمّد بن عمر بن عليّ ـ الّذي لا يزال حتّى الآن موجودا ـ بقوله :

يا حاز أن بحزيك ياذيب افتني

يا زاهد المعنى وحرف الافتكار

عود الدّقل صاري معا غبة قمر

حافظ على السنبوق من دقّ القشار

ثمّ إنّ آل بو فطيم أرضوا عائض فأخذ يهوّل على آل العيدروس بأنّ منع بناء مسجد من المنكرات ـ ولم يدر حكم ذلك الّذي قرّرناه في «الأصل» ـ ثمّ إنّه انصرف ولم ينفع آل العيدروس بشيء ، وما زالت القضيّة تتعقّد حتّى توسّط سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، فسوّى المسألة على أن يكون مسجدا صغيرا لا يزيد عن عمودين ، فسكن الشّرّ ، وفرغوا من بنائه سنة (١٣٠٨ ه‍) ، فكان تاريخه : (مسجد ضرار).

ثمّ نجم الشّرّ بينهم مرّة أخرى يوم العيد في الجامع ، فتضاربوا بالعصيّ ، وكان ما فصّلناه ب «الأصل».

ثمّ ضعف أمر آل بو فطيم ، فقلّت رجالهم ، وتبدّدت أموالهم.

ومن اللّطائف : أنّ أحد الزّعماء من العلويّين ـ بمرأى منّي ومسمع ـ أطال في

__________________

(١) ذكره العلامة المشهور في «الشمس» (١ / ٢٧٥).


تهضّم آل بو فطيم ، والحطّ منهم بحضور بعضهم ، فانبريت له وقلت :

أمّا تكنّي جدّهم ببو فطيم فشرف لهم ، وقد اكتنى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بفاطمة.

وأمّا التّصغير .. فما هو إلّا أدب مع جدّهم وجدّتهم فاطمة الزّهراء. فانقطع.

ومن وراء باعبد الله إلى جهة الشّرق عن يمين الذّاهب إلى تريم أيضا دار صغيرة لآل كليلة ، تقابل دارهم الأخرى الّتي عن يسار الذّاهب إلى تريم.

ومن ورائها : دار لآل بو فطيم. ومن ورائها : قرية شرمه. وأمّا عن يسار المنحدر إلى تريم : فأوّل ما يكون : مكان آل كرتم.

ثمّ : كساح ، مساكن آل سالم من الحطاطبة. ثمّ : مكان آل غريب ، وهم وآل خميس أهل السّحيل القبليّ ينتسبون إلى رجل واحد. ثمّ : مكان آل جعفر.

وقد سبق في القارة أنّ شنبل لا يطلق لقب الشّنافر إلّا على آل عبد العزيز ، وقد تشكّكت هل يعني آل القارة أم العوامر؟ ثمّ رجّحت الثّاني ، ويتأكّد بما اتّفق عليه جماعة من معمّري العوامر ـ تلقّوه عن آبائهم وهلمّ جرا ـ منهم : الشّيخ عوض بن ربيّع بن سيف ، وناصر بن الضّبّ ، وصالح بن عبد الله بن غريب ـ وهو : أنّ جدّهم عاش مع الوحوش فلم يعرف الكلام ، وما كاد أهله يقدرون عليه إلّا بعد لأي ما ، وعندما قدروا عليه .. أمسكوه ، وما زالوا به حتّى أنس بهم ، ولم يتكلّم حتّى رأى الشّنّة (١) انشقّت فقال : (الشّن انفرى) ، ولمّا كانت هي أوّل كلمة نطق بها .. أطلقوها عليه ، ثمّ غيّروها قليلا وقالوا : (الشّنفري).

هذا هو جدّ العوامر ، وفيه ردّ لما طرق سمعي أخيرا عن بعض المجلّات المصريّة أنّ من لم يعرف الكلام لبعده عن النّاس .. يموت.

ولا يبعد أن يكون العوامر من أعقاب سمل الّذي صهر إليه جدّنا عبيد الله بن

__________________

(١) الشّنّة : قربة الماء.


أحمد ، وكان مثرى العوامر بالنّجد (١) ، وكانوا منتشرين فيه وفي وبار إلى أرض عمان ، ولا يزال بمشارف عمان ـ كما سبق في حصن العوانزه ـ منهم العدد الكثير إلى الآن.

وقد مرّ أوائل هذه المسوّدة أنّ تاربه لم تكن إلّا مراعي ينتجعها العوامر إذا أجدب نجدهم ، ثمّ تحضّر بعضهم وابتنوا بها الدّيار ، وشيّدوا الحصون ، ولهم أقوال في أنسابهم تخالف ما ذكره غيرهم ؛ منها : أنّ رجلا يقال له : محمّد ، ولد أربعة رجال :

الأوّل : عبد الله ، وهو جدّ الدّولة آل عبد الله ، وآل عبد الله العوينيّين ، وهم : آل منيباري ، وآل جعفر بن بدر.

والثّاني : بدر ، وهو جدّ آل كثير ، ويؤيّده إصفاقهم على أنّهم آل بدر بن محمّد.

والثّالث : جابر ، وهو جدّ آل جابر.

والرّابع : عامر ، وهو جدّ العوامر. وكان في العوامر كثرة ، ولكن أخذت حاضرتهم الأسفار والحروب ، وباديتهم الجدوب والغارات ، فلا يزيد أهل نجدهم عن مئتين وخمسين رجلا ، كما لا تزيد حاضرتهم عن مئتين وعشرين رجلا.

شرمه (٢)

هي قرية الكسابيب من العوامر ، ولهم بها مسجد يجمّعون فيه.

وكان بالأخير فيهم رجل نجد ثقة ، يقال له : هادي بن بخيت ، ثقل على بعض منافسيه رجحان كفّته عليه ، وانضمّ إلى ذلك أنّ بعض أهل الثّروة حمله على قتله. فلم يقدر ، فأغرى به ابن عمّ له صغيرا فقتله على غرّة ، ونضخ دمه في ثياب أحد الكسابيب ، فتقنّع وأنكر من شهوده القتل.

__________________

(١) نجد العوامر : يقع غربيّ نجد المناهيل ، وشمال وادي حضرموت ، ويحدّه من غربه نجد الكثيري ، وهو نجد قليل الخير ، ويقرب من خط الطول : (٥٠ ـ ١٢ ـ ٤٩). «الشامل» (١٢٠ ـ ١٢١).

(٢) تقع شمال شرق سيئون ، على بعد (١٨ كم) ، وهي غير شرما التي بالساحل التابعة لمديرية الشحر.


وما كاد ولد هادي يبلغ الحنث إلّا وأغرته أمّه بأخذ ثأره ، فقتل قاتل أبيه ، وأقرّ بصنيعه العيون ، وأثلج الخواطر ، وقد أوذي وحبس من جهة الحكومة بدون حقّ ، ثمّ أطلق.

والكسابيب وإن كانوا قبيلة واحدة .. فهم ـ كأكثر فرق العوامر ـ بيوت كثيرة ؛ منهم :

ـ آل كبرى : ولهم مساكن في شرمه ، وأخرى بسمل حوالي ضريح الإمام علويّ بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى ، ولهم هناك بساتين نخل حواليها ، فيها دور يخترفون فيها.

واتّفق أن تنازع في سنة (١٣٦٠ ه‍) امبارك بن عمر بن كبرى وكرامة بن عيسى الدّويل على قطعة أرض بمسيال سر ، حوالي الجبل الشّماليّ ، بإزاء شرمه الواقعة بسفح الجبل الجنوبيّ ، فالتقوا ذات يوم وتبودل بينهم إطلاق الرّصاص ، فسقط أحدهم وهو امبارك بن عمر بن كبرى ميتا ، وأنكر قتله آل الدّويل ، وقالوا : إنّما أصابته طلقة من أصحابه ، ولم يطلبوا صلحا ، وتقدّم آل كبرى بإعلان للعوامر بأن لا يعطوا خفيرا لآل الدّويل ، ولكنّ الحطاطبة لم يبالوا بهذا الإعلان.

وفي رمضان من سنة (١٣٦١ ه‍) كان كرامة بن عيظة بن الدّويل يمشي ومعه خفير من الحطاطبة ، يقال له : سالم بن صالح بن حاضر ، فهجم عليهما آل كبرى وقتلوهما ، فغضبت الحطاطبة لقتل ابن الدّويل أكثر ممّا غضبوا لقتل صاحبهم ؛ لأنّ قتل الأوّل إلى جانب صاحبهم يلطّخهم بالعار ، فأنذروا الكسابيب بالحرب ، فتبرّؤوا من آل كبرى ، وبما أنّه لا طاقة لآل كبرى بحفظ ديارهم في شرمه وسمل ؛ لقلّتهم .. ذهبوا إلى سمل وأخلوا ديارهم الّتي في شرمه بالنّساء ؛ ثقة بأنّ الكسابيب وإن تبرّؤوا منهم لن يخفروا ذمّتهم بتمكين الحطاطبة من ديارهم الّتي بين ظهرانيهم ليس فيها إلّا نساؤهم ؛ لأنّ ذلك من أكبر العار بين القبائل ، ولكنّ الكسابيب لم يبالوا بشيء من ذلك ، فهجم الحطاطبة على ديار آل كبرى بين الكسابيب ، وطردوا النّساء ، ونهبوها ، ثمّ أحرقوها.

وبإثر ذلك توسّط بينهم أحد آل تميم ـ وهو سليمان بن عبد الله بن سليمان ـ فأبى الحطاطبة من بذل الصّلح في قتيلهم سالم بن صالح بن حاضر حتّى يغسل آل كبرى


العار الّذي ألصقوه بالحطاطبة بخفر ذمّة صاحبهم ، وكان لآل كبرى طمع في مال امبارك بن عمر بن كبرى ، ولم يبق له إلّا ولد واحد ، فزيّن لهم الشّيطان أن يلقوا عليه القبض ويقتلوه صبرا ، وبذلك تجلّل الكسابيب بأسرهم خزيا وإثما إلى يوم القيامة.

سمل (١)

جاء في ترجمة الفاضل الجليل عبيد الله بن أحمد من «شرح العينيّة» [١٣٥] ما نصّه : (وهو الّذي خلف أباه زهدا وعلما وعبادة ، وارتحل بعد والده إلى سمل ، ووهب أرض صوح لمولاه جعفر بن مخدّم ، واستوطن بقرية سمل ، واشترى بها أموالا ، وتزوّج بابنة سمل ، وأولدها ابنه جديدا ، وتوفّي بسمل في سنة (٣٨٣ ه‍) ، ورثاه جماعة من الأدباء ، وللمتأخّرين مدائح فيه كثيرة) اه

ولو أنّه تفضّل علينا بنسب سمل ، وذكر لنا مراثي بعض أدباء ذلك العصر فيه .. لتوفّر للتّاريخ منه فوائد جليلة ، ولكنّ الأمر لله ، وليس في أيدينا إلّا ما حصل.

وقال في «شمس الظّهيرة» [١ / ٧١] : (وقبر علويّ بن عبيد الله بسمل ، وأمّا قبر أبيه .. فبعرض بور ، وقيل : بسمل) اه بمعناه

وفي كون قبره بعرض عبد الله ببور ، مع أنّ وفاته بسمل .. إشكال قويّ ، ولهذا يترجّح دفنه بسمل وأنّ الّذي ب (عرض عبد الله) ليس إلّا مشهدا له ، على ما يفعله الجهلة بحضرموت.

ولعبيد الله ثلاثة أولاد : بصريّ ، ولم يذكر محلّ ولادته ، وعلويّ وجديد ولدا بحضرموت ، وكانت وفاة هؤلاء الثّلاثة بسمل ، ولم يتحقّق تاريخ وفاتهم.

وفي كلام «شرح العينيّة» بعض التّناقض عن ولادتهم ؛ ففي (ص ٢٢٣) منه يقول : (وخرج سيّدنا المهاجر أحمد بن عيسى ومعه ولده عبيد الله ، وأولاده الثّلاثة : علويّ ، وبصريّ ، وجديد ، إلى وادي حضرموت) اه

__________________

(١) تبعد عن تريم نحو (٩ كم).


وفي (ص ٢٣٢) يقول : (إنّ علويّ بن عبيد الله ولد بحضرموت).

وجاء في (ص ٢٣٥) : (أنّ بصريّا شقيق علويّ أمّهما بنت الشّيخ محمّد بن عيسى ، تدعى أمّ البنين).

وفي (ص ٢٣٩) : (أنّ جديدا ولد بحضرموت ، ولهذا سمّي جديدا ؛ لتجدّده بعد السّفر ، وأمّه أمّ ولد) اه

وقوله : (إنّ أمّه أمّ ولد) مخالف لما سبق من أنّها بنت سمل.

وليس لعلويّ بن عبيد الله إلّا ابن واحد ، وهو : محمّد (١) ، وقد بقي هو وبنو عمّيه بصريّ وجديد برهة من الزّمان بقرية سمل ، ثمّ ارتحلوا عنها إلى بيت جبير كما في «مشرع الشّلّيّ» و «شرح العينيّة» وغيرهما.

وقبر الإمام علويّ بن عبيد الله لا يزال معروفا بسمل إلى الآن ، وأمّا قبر جديد .. فلا يعرف ، وقد قيل : إنّه انتقل في حياته إلى بيت جبير.

قارة الشّناهز

قال في «القاموس» : (الشّناهز قلعة بحضرموت). قال شارحه : (والصّواب : قارة الشّناهز ، وهي مشهورة عندهم) اه

وهي مبان على قارة فاردة لها ثلاثة رؤوس ، في جنوبها جبل ، بسفحه قرية لا بأس بها. كان من سكّانها : السّيّد طه بن محمّد بن شيخ بن يحيى ، وبها كانت وفاته.

وحواليها مزارع كثيرة ، وإليها ينسب جماعة من أهل العلم ، وقد اجتمع بها ـ حسبما سمعت من ثقات الأشياخ ـ خمسون حافظا لكتاب الله.

وفي «شمس الظّهيرة» [٢ / ٥٦٦] : أنّ عبد الرّحمن ـ صاحب مسجد بابطينه ـ ابن أحمد بن علويّ ، عمّ الفقيه المقدّم له أربعة بنون. منهم : عمر أحمر العيون بن

__________________

(١) محمد بن علوي ، ولد سنة (٣٩٠ ه‍) بسمل ، ثم انتقل إلى بيت جبير ، وكانت وفاته بها سنة (٤٤٦ ه‍) ، عن (٥٦) عاما. «تعليقات ضياء شهاب» (١ / ٧٠).


عبد الرّحمن ، من عقبه آل النّضير بمقدشوه (١) ، ويقال له : الصّنهجيّ ، أو الشّنهزيّ ؛ لأنّ أمّه من صنهاجة ، من القارة المذكورة ، وجدّ آل النّضير هو أحمد بن عمر أحمر العيون ـ الثّاني ـ ابن محمّد النّضير ـ سمّي بذلك لفرط جماله ـ ابن عبد الله بن عمر وهو أحمر العيون الأوّل.

وقد هاجر أحمد بن عمر أحمر العيون الثّاني من تريم ـ في الألف من الهجرة ـ إلى مرباط ، ثمّ إلى الشّحر ، وتزوّج وأولد فيها ولدا سمّاه علويا ، وثمّ ركب إلى مقدشوه ، ووصلها في سنة (١٠٠٣ ه‍) ، وتوفّي بقرية في السّواحل سنة (١٠٢٧ ه‍) ، وله أعقاب ، بالسّواحل وسيلان وبرنيو وسورة ومقدشوه.

وفيها منهم الآن : الفاضل النّبيه السّيّد عليّ بن أبي بكر بن محمّد بن عيدروس النّضيريّ ، له سيرة حسنة ، وخدمة للجناب المصطفويّ ، ودعوة إلى محبّته والاعتصام بسنّته ، وله وجاهة تامّة ، وعنده ولد مبارك ، هو : عيدروس بن عليّ النّضيريّ ، يشدّ أزر أبيه ويساعده على مقاصده الحسنة ، إلّا أنّه اتّفق بالآخرة أن طغى الصّوماليّون بما عندهم من الأسلحة على العرب بمقدشوه وهم عزّل ، فانهالوا عليهم قتلا ونهبا ، وكان السّيّد عليّ بن أبي بكر ممّن شايع الصّوماليّين على أبناء جنسه فجفوه ، وكادت أن تتلاشى بينهم وجاهته الكبيرة ، وعلّ له عذرا ونحن نلوم!

ومنهم : عليّ بن عبد الرّحمن الشّنهزيّ ، وبهذه المناسبة ذكرت أحمر العيون وأعقابه ، وهم والقطب الحدّاد والسّادة آل السّميط يرجعون إلى جدّ واحد حسبما سبق في الحزم.

وقد أصفق مؤرّخو حضرموت على بناء القارة وخراب كحلان سنة (٦٠٤ ه‍) ،

__________________

(١) لقب أحمر العيون قال عنه في «المعجم اللطيف» : (لقب يستعمل لكل من عرف بالنجابة والذكاء والإقدام ، فيقال : فلان أحمر عين ، وأحمر العيون وأكثر ما تستعمله العامة فيما ذكرته ، ويحتمل أن يكون أحمر العيون خلقيا أو لعارض. ولكن الخلقي يدل على ما ذكرته. وكانت العرب تتغالى في الإبل الحمر الحدق ؛ لأنها من أحسن أنواع الإبل ، وفي بعض قبائل البادية المعروفين بالشجاعة توجد حمرة في أحداقهم) اه


وما أظنّها إلّا هذه القارة ، بأمارة قربها من كحلان ، أمّا قارة العرّ السّابق ذكرها .. فلا تذكر مطلقة وإنّما تذكر مقيّدة بالعرّ ، وقد سبق أنّ ابن مهديّ أعاد عمارتها في سنة (٦١٩ ه‍) ، فيبعد أن تكون هي المرادة ، وكذلك لا يمكن أن تكون قارة العزّ ـ بالمعجمة ـ الآتي ذكرها ؛ لأنّها لم تبن إلّا في سنة (٨٤٢ ه‍).

وعمارة قارة الشّناهز بالتّاريخ المتقدّم لم يكن بأوّل وجودها ، بل كان تجديدا ، وإلّا .. فهي من أيّام الجاهليّة ، بل من الدّيار العاديّة (١).

وعن العلّامة البصير السّيّد أحمد بن حسن العطّاس : (أنّ أوّل من بناها جشيب بن شلهم بن شماخ) اه

ولعلّه انتقال فكر إليها عن قارة جشيب الواقعة على مقربة من بور.

ومقبرة قارة الشّناهز مشهورة بكثرة الأولياء والصّالحين ، وممّا يكاد يتواتر أنّه يسمع من تربتها أذان من آخر كلّ ليلة جمعة إلى اليوم.

وفي حوادث سنة (٥٩٥ ه‍) حصرت الشّناهز تريم ، وفي سنة (٥٩٨ ه‍) كانت واقعة الشّناهز ونهد في رمضان ، واختلفت آراؤهم.

وفي آخر الشّهر وقعت الشّناهز على نهد فأخذوا فريقا منهم ، وقتل فيها يزيد بن يزيد.

وفي «تاريخ باشراحيل» : (أنّ حضرموت الكسر وشبام والشّناهز تجمّعوا وأخربوا قارة جشيب وحبوظة وكحلان في سنة «٦٠٥ ه‍») اه

وهذا التّاريخ قريب ممّا سبق عن خراب كحلان ؛ فإمّا أن يكون واحدا ، وإمّا أن يكون بقي شيء عن الخراب الأوّل فأكملوه.

وفي حوادث سنة (٧٤٦ ه‍) أخذ أحمد بن يمانيّ قارة الشّناهز.

وفي سنة (٧٧٣ ه‍) ألقى راصع القبض على ولد عمّه يمانيّ بن محمّد بن أحمد ، فقتله أخدامه بأمره في قارة الشّناهز بالنّهار.

__________________

(١) أي : من أيام قوم عاد.


وفي هذه السّنة وقع الحلف بين راصع بن دويس وآل كثير وآل جميل ، وأخذوا قارة الشّناهز من الصّبرات.

وفي حوادث سنة (٧٩١ ه‍) أنّ راصعا أخذ قارة الشّناهز ، وفيه دلالة على سرعة تقلّب الدّول على هذه القارة المذكورة.

ودولتها في الأكثر للشّناهز (١) ، وقد بقي منهم جماعة من الحرّاثين ، من آخرهم رجل يقال له : صالح بن عوض الشّنهزيّ ، وكان له شيء من المال طمع فيه أحد شياطين آل تميم ، فأغرى به عبدا من عبيد القرامصة يقال له : كليواس ، فقتله واستولى هو على ماله ، وكان ذلك حوالي سنة (١٣٥٠ ه‍).

وقد سبق في سدبه أنّ الطّير يعفّ عن التّعدّي على زروعها ، وكأنّ فيها أرصادا تمنعها من ذلك إن صحّ ما قيل.

الغرف

هي بلدة صغيرة في موقع جميل ، يحيط بها الفضاء الواسع من كلّ جهة ، تنشعب منها الطّرق ، فعلى مقربة منها في شمالها تمرّ الطّريق السّلطانيّة الّتي تجيء من أعلى حضرموت إلى أسفلها ، ومنها إلى الجنوب ممرّ الطّريق المهيع إلى الشّحر والمكلّا وغيرهما من السّواحل (٢).

__________________

(١) أرجع المؤرخ الأستاذ بامطرف أصل التسمية إلى (صنهاجة) .. وهي من فخائذ قبيلة حمير الكبيرة ، وكتب تحت هذا الاسم في «الجامع» : (بنو صنهاجة أو الصناهيج فخذ من حمير حضرموت ، غادروا حضرموت بأجمعهم مع قبائل حضرمية أخرى ؛ تلبية لدعوة من الخليفة أبي بكر الصديق لفتح الشام. استقر الصناهيج أول الأمر بفلسطين ، ثم نزحوا منها إلى مصر ، فاستقرت طائفة منهم بخطة القرافة بالفسطاط ، ونزحت جماعة إلى منطقة الفيوم وبلدة أبو صير المجاورة لها ، ومن هؤلاء : الشاعر البوصيري صاحب البردة والهمزية. وبنو صنهاجة هؤلاء هم الذين اندمجت فيهم عدة قبائل بربرية في شمال أفريقيا يدعون : (صنهاجة) ، والنسبة إليهم صنهاجي ، وفي حضرموت يقال لهؤلاء : صناهجة ، وأطلال محلتهم باقية إلى اليوم إلى الشرق من مدينة تاربة بوادي حضرموت ، واسمها قارة الصناهيج ..) إلخ هذا كلام بامطرف بنصه.

(٢) وطريق المكلا والشحر هذه قام بتعبيدها السادة آل الكاف ، وتعرف بطريق الكاف.


وهي من القرى الحديثة العهد ، كانت لآل زيدان من القرامصة التّميميّين ، فاشتراها منهم السّلطان عبد الله بن محسن بن أحمد الكثيريّ لأخيه السّلطان غالب ، بهمّة جدّي المحسن ، وإشارة سيّد الوادي الحسن بن صالح البحر ، ومساعدة جبل العبادة عبد الله بن حسين بن طاهر بألف ومئتي ريال ـ والمبيع إنما هو إمارتها لا رقبتها ـ وكانت أوّل دولتهم بها ، ولمّا بدأ السّلطان عبد الله بن محسن بسورها .. ثارت ثائرة القرامصة حتّى أرضاهم بنافلة من المال.

وكان يسكنها السّيّد الجليل ، الدّاعي إلى الله بلسانه وقلمه ، الوالد عثمان بن عبد الله بن يحيى (١) ، حفيد العلّامة الفاضل الجليل عقيل بن عمر بن يحيى (٢) ، له مؤلّفات كثيرة في خدمة الدّين الإسلاميّ ، ويد بيضاء في نشر دعوته وشرح أسراره بين الجاويّين.

ولمّا وردت جاوة في سنة (١٣٣٠ ه‍) .. وجدت جماعة من السّادة يناوئونه ؛ منهم : السّيّد محمّد بن عبد الرّحمن بن شهاب (٣) ، والسّيّد عبد الله بن عليّ بن شيخ العيدروس ، ومن على شاكلتهم من الرّهط الّذي كان يبثّ مبادىء الإرشاد في

__________________

(١) ولد السيد عثمان ببتاوي جاكرتا سنة (١٢٤٨ ه‍) ، ونشأ في كنف والده ، ثم أرسله إلى حضرموت وأقام مدة بها يطلب العلم ما بين المسيله وتريم ؛ وقد قام برحلات إلى عدد من الأقطار ، فدخل مكة والمدينة والجزائر وتونس ومصر وإستانبول ، وله بها شيوخ عدة. ثم عاد إلى مسقط رأسه ، وأسس مطبعة حجرية نشر من خلالها مؤلفاته التي فاقت على (١٦٠) مؤلفا ما بين رسالة وكتاب ، وأكبر مؤلفاته كتاب : «القوانين الشرعية» ، وكانت له لقاءات مع المستشرق الهولندي المعروف : سنوك هرخرونيه الذي يقال : إنه أسلم على يديه ، وقد ذكره المستر سنوك كثيرا في مذكراته المطبوعة.

وكانت وفاته ببتاوي يوم الأحد (٢١) صفر (١٣٣٢ ه‍).

(٢) السيد عقيل بن عمر .. كان من كبار العارفين ، له مناقب جليلة وسيرة حسنة جميلة ، توفي بمكة سنة (١٢٣٧ ه‍) ، وله بها مقام كبير ، وذرية كثيرة ، له ذكر في «عقد اليواقيت» ، وله مؤلفات عظيمة ، تنظر ترجمته منه.

(٣) المؤرخ والكاتب والأديب ، ولد بتريم سنة (١٢٨٧ ه‍) ، وتوفي بجاكرتا سنة (١٣٤٩ ه‍) ، كان من قدماء مؤسسي الرابطة العلوية ، له رسائل تاريخية ومقالات نشرت في الصحف الإندونيسية ، ينظر : «الرابطة» عدد (جمادى الأولى ـ رجب) ، وفيها معلومات كثيرة عن المذكور ، «الأعلام» (٦ / ١٩٩) نقلا عن مقال لعبد الله السقاف بجريدة «المقطّم» ، «الجامع» لبامطرف.


الحضرميين لغرض الانتقام والتّشفّي منه ومن أمثال السّادة الأجلّاء الكرام محمّد بن أحمد المحضار ، ومحمّد بن عيدروس بن محمّد الحبشيّ ، وعبد الله بن محسن العطّاس وأمثالهم.

ثمّ انقلبوا بشدّة وحرد (١) لنقض تلك المبادىء ، فأشعلوا نار الفرقة والاختلاف والعداوة بين الحضارم ـ حسبما هو مفصّل ب «الأصل» ـ وكاد أولئك الرّهط يستميلوني إليه واشتدّ حرصه على أن ينفرج الأمر بيني وبين سيّدي الوالد عثمان ، وكدت أقع في حبالتهم لا سيّما وقد زوّدني أهل فلمبان بشيء من ثمار نيّاتهم ومبادئهم الّتي كان يبثّها فيهم أحد أحفاد السّيّد عثمان ضدّ جدّه ، ولكن عزم الله لي بالثّبات ، لا سيّما بعد أن دعاني إلى بيته وأهداني مجموعة مؤلّفاته القيّمة معنى وإن لم تبلغ الإجادة مبنى ، ورأيته بخلاف ما ذكروا لي عنه ، فأكبرت صنيعه ، وأحمدت أثره ، واعترفت بفضله ، ورأيت من سلوكه في طريق الحقّ ومجاهدته فيه ما يملأ صدري وصدر كلّ منصف باحترامه وإجلاله ، وهو ملتزم بالسّنّة والفقه ، ولقد جاء ذكر الكرامات بين يديه فأنكر مجازفة المغرورين فيها إنكارا شديدا ، وقال : لقد كنت مختصّا بخالي وسيّدي عبد الله بن حسين بن طاهر وهو ممّن لا تدفع ولايته ، وجالسته زمانا طويلا .. فلم أر منه إلّا كرامتين ، ليس فيها خرق عادة ، وإنّما :

أولاهما : أنّه خرج يصلّي العصر وعليه رداء فتنني ، وتمنّيت أن لو كان لي مثله ، ومرّت صلاتي وأنا أفكّر فيه ، وما كان ينفتل من صلاته حتّى دعاني وقال لي : هذا الرّداء لك ، وأعطاني مفتاحه الخاصّ لآتيه برداء آخر ـ وصفه لي ـ ولو لا أنّه تفرّس ما في خاطري .. ما خالف عادته من عدم الكلام إلّا بعد فراغه من ورده.

والأخرى : أنّ السّيّدين محمّدا وعمر ابني السّيّد عبد الله بن عمر بن يحيى عزما على الانتقال سرّا من المسيله ، وتكتّما بالأمر حتّى لا يشعر فينهاهما ، وأرادا أن لا يعلم إلّا بعد الأمر الواقع ، فلمّا صلّينا العشاء وفرغ من ورده ونافلته .. قال لي : ادعهم لي ، فدعوتهما ، فقال لهما : إذا عزمتما على أمر فشاوراني ؛ فعندي ما ليس

__________________

(١) الحرد : الغضب.


عندكما من العقل ، وقد جرّبت الزّمان وأهله ، لم يزد على ذلك ، فسكتا ، ولكنّهما انصرفا عمّا كانا نوياه ، وأنا على يقين أنّه لم يكن إلّا عن فراسة صادقة ؛ إذ لم تعلم حتّى ثيابهم بما كانوا يبيّتون ، ولقد حفظني بظهر الغيب ، وطبع نشرتين في الذّبّ عنّي لمّا تكلّمت عليّ صحيفة «الوطن» (١) الصّادرة بسنغافورة ، إحداهما خاصّة بي ، والثّانية جامعة لي وللسّادة الأجلّاء الكرام : محمّد بن حامد السّقّاف ، وحسن بن علويّ بن شهاب ، ومحمّد بن عبد الرّحمن بن شهاب ، في الثّناء علينا والنّضال عنّا ، مع أنّ الأخير كان ينافسه ويبتغي له الغوائل ويدبّر له المكايد ، ولمّا خلى مكانه في سنة (١٣٣٢ ه‍) .. لم يستطع أولئك الرّهط الّذين ملؤوا نواحي جاوة بقاقا (٢) وأوراقا أن يشغلوا مكانه بأحد ممّن يرشّحونه ويتمنّون أن لو كان في موضعه ، فانطبق عليهم معه قول الحطيئة [في «ديوانه» : ٤٠ من الطّويل] :

أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم

من اللّوم أو سدّوا المكان الّذي سدّوا

ومن اللّطائف : أنّ سيّدي عثمان وقتما كان بالغرف اعتلّ يوما عن حضور الجمعة ببعض أعذارها ، وكان من عادته التّبكير ، فكلّ من جاء إلى الجامع .. رجع وتوهّم أنّ الوقت لم يدخل ، وهكذا حتّى بقي الخطيب وحده حتّى وجبت العصر.

ومن أهل الغرف : ولده العلّامة البحّاثة ، المحقّق الفقيه محمّد بن عثمان (٣) ، كان من استحضاره «تحفة ابن حجر» كأنّما يحفظها توفّي بسنغافورة سنة (١٣١٦ ه‍).

ومنهم : ولده علويّ بن عثمان ، كان من أهل العقل والدّين والصّلاح ، توفّي حوالي سنة (١٣٤٤ ه‍).

ومنهم : ابنه محمّد بن علويّ بن عثمان ، كان شهما صالحا ، لمّا حضره الموت

__________________

(١) «صحيفة الوطن» : أسبوعية ، كان يصدرها السيد حسن بن علوي بن شهاب في سنغافورة ، وهو مدير تحريرها ، لكنه كان ينسبها إلى غيره تواريا عن الأنظار.

(٢) رجل بقاق : كثير الكلام.

(٣) ترجم له السيد محمد بن حسن عيديد في «الإتحاف» ، وذكر أنه كان ذكيا عالما ، وإذا سئل عن مسئلة .. أجاب وأحال السائل إلى المراجع الكبيرة ، بل ربما ذكر له الجزء والصفحة!.


توضّأ واستاك وأخذ يكرّر الجلالة حتّى فارق الحياة ، وكانت وفاته قبل وفاة أبيه.

ومنهم : أخوه صاحب النّوادر اللّطيفة ، والنّكات العجيبة ، عقيل بن عثمان (١) بن عبد الله بن يحيى ، كان شاعرا أديبا ، له يد في التّاريخ حتّى لقد هنّأني على الرّويّة يوم اقترنت بأمّ حسن وأشقّائه بقصيدة طولى ، كلّ شطر منها تاريخ ، أخذ عن والده ، وعن سيّدي الأستاذ الأبرّ ، وعن والدي ، وله فيه مدائح.

ولغزير الإحسان الوالد أحمد بن عمر بن يحيى فضل عليه ، ولقد حضرت عنده أنا وهو ـ أعني الوالد أحمد ـ قبيل موته بيوم ، فقال لي : مرّ عليّ مثل هذا اليوم العام الماضي وأنا أشقى أهل المسيله حالا ، ثمّ إنّني اليوم ـ بفضله ـ أسعدهم ، يبتدرون إشارتي إذا أشرت ، ويتسابقون في مرضاتي إذا أمرت ، وكانوا لا يردّون عليّ السّلام قبل.

ثمّ قلت له ، أو قال لي : ما أراني إلّا متوفّى في مرضي هذا ، فماذا تفعل؟ فقلت : أرثيك بقصيدة أستهلّها بقولي [من الطويل] :

مصاب أصاب النّاس وهو جليل

غداة أتى النّاعي فقال عقيل

فقال : يكفيني منك هذا ، وإنّه لكثير. توفّي بالمسيله سنة (١٣٤٦ ه‍).

وفي حدود سنة (١٢٩٨ ه‍) كان أحد عبيد الشّيخ صالح بن عائض بن جخير يخفر السّيّد محمّد بن عبد الرّحمن الكاف بتريم ، فاستاء السّلطان الكثيريّ من جرأة الشّيخ صالح وجواره عليه في بلاده ، فانتهك السّلطان الكثيريّ حرمته وطرد عبده ـ والعار مضّاض ـ عند الشّيخ صالح بن عائض ، فلم يكن منه إلّا أن اقتحم الغرف واحتلّها في أسرع وقت ، وطرد عبيد السّلطان منها وجاءت نجدات الدّولة من تريم وسيئون ،

__________________

(١) ولد السيد عقيل بالمسيلة سنة (١٢٩٠ ه‍) ، وتربى في كنف والدته وأخيه محمد ، وتعلم على يد السيد عمر بن عبد الله بن عمر بن يحيى ، ثم طلبه والده إلى جاوة ، فسافر سنة (١٣١١ ه‍) ، كان ذكيا شديد الذكاء ، اشتغل بالتجارة مع والده ، وكان ينظم الشعر. عاد إلى حضرموت سنة (١٣٢٩ ه‍) ، وأصيب بالعمى ، وظل بها إلى أن توفي.

«تاريخ الشعراء» (٥ / ١٤٧ ـ ١٥٩).


والتحم القتال ، وقتل أحد العوامر وثلاثة من أصحاب الدّولة ، وما زالوا في الحرب حتّى وصل المنصب السّيّد عبد القادر بن سالم العيدروس من بور بطبوله وخيوله وراياته فحجز بينهم ، وأخرجهم منها صلحا لا عنوة من الغرف بعد ما غسلوا العار ، واستجهروا الأبصار ، وسوّيت القضيّة على ما يحبّه الشّيخ صالح.

وأخبرني الأخ عقيل بن عثمان المذكور بأنّ أهل الغرف خرجوا في نزهة ، ولمّا تهيّأ غداؤهم ـ وكان شربة ـ جاء بعض أعدائهم فطردهم عن موضع الفسحة ، فهربوا وتركوا غداءهم ، ولهذا كان النّاس يعيّرونهم فصاروا يغضبون من ذكر الشّربة كما يغضب آل شبام من وزن الهرّ.

وللأخ عقيل منظومة جميلة في ألقاب البلاد الحضرميّة.

وكان الوالد أحمد بن عمر بن يحيى يصنع بالمسيله عشاء من الشّربة للمساكين في كل ليلة من رمضان ، فغضب آل الغرف وحقدوها عليه! فكانت شبيهة بقصّته مع الشّيخ سالم باسويدان السّابقة في شبام.

وأخبرني الأخ عقيل بن عثمان المذكور أنّ أكثر أهل الغرف مات بحسرة على عدم التّوفيق في قنص الوعول ؛ إذ كان الغالب عليهم الإخفاق والخيبة كلّما صعدوا الجبال ، حتّى إنّهم لمّا عزموا على صعود الجبال مرّة لذلك ، ففيما يستعدّون ويعملون الأسمار والأشعار .. استقدموا شاعرا ليستعينوا به في أفراحهم ، فكان أوّل ما أنشأه لهم قوله :

قال بدّاع القوافي : بارق الجودات رفّ

من خلقنا ما سمعنا زفّ عند اهل الغرف

فطردوه وكادوا يسطون به!!

وقد اعتنت بها الحكومة الإنكليزيّة في السّنوات الأخيرة ، واحتلّتها واتّخذتها مقرّا لإدارتها العامّة ، ولكن بدون استئذان ـ حسبما يقول لي السّلطان عبد الله بن محسن ـ منهم ، وهم ملّاكها ، ثمّ نقلت إدارتها منها إلى سيئون.


المسيله

بميم مفتوحة ، ثمّ سين مكسورة ، ثمّ ياء ساكنة ، ثمّ لام مفتوحة. سمّيت بذلك لأنّها على ضفّة مسيل عدم الغربيّة.

وعدم ـ بعين ودال مكسورتين ـ : أكبر ـ لا أكثر ـ مجاري السّيول بحضرموت ، تنهر إليه مياه النّجد الجنوبيّ بحضرموت ، عدا ما يسقط إلى السّاحل ، وما يفيض إلى وادي سنا.

وكلّ مياهه تذهب ضياعا لا تنفع إلّا ما في عين المسيل من النّخيل ، وتلتقي مياهه مع مياه سر عند طرف جبل كحلان.

والمسيله هي مسكن السّيّد شيخ بن أحمد بن يحيى ، ولذا قيل لها : مسيلة آل شيخ.

قال السّيّد أحمد بن عليّ الجنيد : منهم : أبو بكر وعبد الله ، ابنا عمر بن طه بن محمّد بن شيخ ، كانا فاضلين ، وقد انتقلا ؛ أي : من قارة الشّناهز إلى عينات ، واستوطناها حتّى ماتا.

فأمّا عبد الله : فقد انقرض عقبه من الذّكور.

وأمّا أبو بكر : فترك ولده عمر ، فعاد إلى المسيله ، وبنى عندهم الحبيب حسين بن طاهر بن محمّد بن هاشم (١) مسجده وداره الّذي سكنه بعده أولاده :

الحبيب طاهر بن حسين ، صاحب النّهضة المشهورة ، المتوفّى بالمسيله سنة (١٢٤١ ه‍) (٢).

__________________

(١) وكانت بها وفاته في (١٢) رجب (١٢٢٠ ه‍) ، ودفن بتريم ، عن عمر ناهز (٧٠) عاما. وكان سبب نزوحه إلى المسيله : هو الاضطراب الأمني ، وشيوع الفوضى في البلاد.

(٢) الحبيب طاهر بن حسين من أكابر أهل عصره ، ومن أراد معرفة أخباره .. فعليه بكتاب حفيده الأستاذ محمد بن هاشم المسمّى : «تاريخ الدولة الكثيرية» ، و «العدة المفيدة» لابن حميد ، و «تعليقات ضياء شهاب» (٢ / ٥٨٧) ، وغيرها.


والحبيب عبد الله بن حسين ، الّذي لا تستوفي العبارة كنه ما له من الفضل ، المتوفّى بها سنة (١٢٧٢ ه‍) (١).

وفي كلام الحبيب أحمد بن عمر بن سميط : أنّ أباهم فرّغهم للعلم ، وسافر إلى جاوة نحو ثلاث مرّات.

ومن آل طاهر : شيخنا السّيّد الجليل أحمد بن عبد الله بن حسين بن طاهر ، كان جبلا من جبال العلم والعبادة ، توفّي بالمسيله لأربع في جمادى الآخرة من سنة (١٣١٧ ه‍)

ومنهم : هاشم بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن حسين بن طاهر ، كان من أهل الصّلاح والعبادة والأذكار ، توفّي بعدن في رجب سنة (١٣١٦ ه‍) ، وله ابن ذكيّ ، ناظم ناثر ، تقلّب في الأعمال المدرسيّة بفليمبان ، ثمّ في جاوة ، ورأس التّحرير بجريدة «حضرموت» ، ثمّ وزر للسّلطان جعفر بن منصور ، وهو الآن يدرّس بمدرسة جمعيّة الأخوّة والمعاونة بتريم.

ومنهم : السّيّد أبو بكر بن عبد الرّحمن بن طاهر ، له جاه ورئاسة بالتّيمور ، ثمّ وصل إلى المسيله ومعه الأعلام الحريريّة المحلّاة بالذّهب التّبر والطّبول والخيول ، توفّي بالمسيله سنة (١٣٣١ ه‍) ، وأبقى عتادا نفيسا ، وأثاثا فاخرا ، وعلوقا مثمّنة ، تولّاها أحد خدّامه بعده ، فعاث بها عيث الجراد بالزّروع ، ولم يبق لأولاده الصّغار إلّا ما لا يسمن ولا يغني من جوع.

ومنهم : أخوه الخفيف الظّلّ : عبد الله بن عبد الرحمن بن حسين بن طاهر ، كان ظاهر التّقوى والورع ، وله معرفة بالطّبّ ، وتعلّق بالسّيّد فضل بن علويّ مولى خيله ، وطول صحبة معه في الأستانة ، ولين جانب ، ولطف أخلاق ، وحسن محاضرة.

توفّي بالمدينة المنوّرة في رمضان سنة (١٣٥٢ ه‍).

__________________

(١) ترجمته الحافلة في «عقد اليواقيت الجوهرية» لتلميذه الإمام عيدروس بن عمر الحبشي (١ / ١٠٢) ، و «تاريخ الشعراء» (٣ / ١٦٢ ـ ١٧٨).


ومنهم : السّيّد الفاضل أحمد بن طاهر بن أحمد بن طاهر بن حسين ، له اعتناء بالأوراد ، توفّي بسنغافورة في (١٥) رمضان سنة (١٣١٤ ه‍).

ومنهم : العلّامة السّيّد عبد القادر بن أحمد بن طاهر بن حسين ، له سعة اطّلاع ، توفّي بالمسيله سنة (١٣٠٠ ه‍).

وقد عاش آل طاهر إلى وفاة الحبيب عبد الله بن حسين مع آل يحيى على عبادة الله ومدارسة العلوم ، والأمر بالمعروف ، والإنكار للمنكر.

وكان عبد الله بن عمر بن يحيى جبلا من جبال التّقوى ، وبحرا من بحور العلم ، توفّي بالمسيله في سنة (١٢٦٥ ه‍) (١) بإثر وفاة ولد له شديد الأسر ، حديد الفهم ، يعرف مواقع رضاء أبيه ويفعل ما يحبّه من غير إشارة ، حتّى لقد ورده السّيّد حسن بن حسين الحدّاد وحده ، فذبح له كبشا ساحّا كبيرا ، وما كاد يستقرّ به المجلس حتّى دعاه وسارّه بقوله : اذبح الكبش الفلانيّ ـ يعني المذبوح ـ وإنّما لم يكتف بعمله حسب العادة ؛ لإيثار الخروج عنها بذبح الكبش الكبير لواحد ، فقال لوالده : إنّه لم يأت إلّا وحده مع خادم واحد ، فيكفي له رأس صغير.

فقال : لا تراجع ، واذبح الكبير ، قال : قد ذبحته. فسرّ منه وقرّت به عينه. واسمه أبو بكر.

وسمعت والدي يروي عن الأستاذ الأبرّ أنّ قصّة ذبح الكبش للحدّاد وقعت للحبيب عبد الله بن حسين مع أحد أولاده ، والّذي يرويه آل يحيى بحذافيرهم : الأوّل ، والأمر قريب ، والتّعدّد بعيد.

ثمّ توفّي بعده بها ولده العلّامة الجليل عمر بن عبد الله في سنة (١٢٧٧ ه‍) ثمّ أخوه الصّوفيّ الفقيه محمّد سنة (١٣٠٨ ه‍) ، ودفن بها.

__________________

(١) العلامة الكبير عبد الله بن عمر بن أبي بكر ، كان واحدا من العبادلة السبعة فقهاء حضرموت ، ولد بالمسيله سنة (١٢٠٧ ه‍) ، وتوفي بها كما ذكر المؤلف ، له ترجمة في : «عقد اليواقيت» ، و «تاريخ الشعراء» (٣ / ٢٠٨ ـ ٢١٤) ، وأخبار متفرقة في «العدة».


وكان الشّيطان ـ كما قال بعضهم ـ يفرق من الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر فرقه من ابن الخطّاب رضي الله عنه فلم يدخل المسيله في أيّامه ، ولكنّه لم يمت إلّا والشّيطان ممتلىء الصّدر غيظا من طول ما طرد عنها ، فاحتبى إثره في محراب مسجدها.

ونزغ الشّيطان بين أبناء الحبيب عبد الله بن حسين وأبناء الحبيب عبد الله بن عمر بن يحيى على أوقاف المسجد ونظارته ، وكان الّذي تولّى كبر المخاصمة السّيّد عقيل بن عبد الله بن عمر ، وكان له اختصاص شديد بالدّولة الكثيريّة ، فلم يبلّوا غليل صدره ، بل خذلوه ، فسافر إلى الهند وحالف آل القعيطيّ وهجم بهم على تريم ، وكانت حادثة النّويدرة وهي جانب تريم الشّماليّ ، واستولت عليه عساكر القعيطيّ من جهة دمّون ، بمساعدة آل تميم وخيانة من بعض عبيد الدّولة ، وكان ذلك في سنة (١٢٩٢ ه‍) ، ودام الحرب واحتلال النّويدرة إلى سنة (١٢٩٤ ه‍) ، وفي تلك الأثناء كانت وفاة السّيّد عقيل بن عبد الله بن يحيى عن أربعين ربيعا وأربعة أيّام ، أخبرني الفاضل الوالد أحمد بن عمر بن يحيى : أنّ عمّه عقيلا رأى كأنّ قائلا يقول له : عمرك أربعون عاما ، فانزعج ، ولكن عاد فرأى ذلك القائل يقول له : زدناك أربع مرّات ، فاطمأنّ.

فكانت الرّؤيا حقّا ، ولكن لم تكن الزّيادة إلّا أربعة أيّام.

وفي تلك السّنة أيضا انتصر القعيطيّ على العولقيّ وعلى الدّولة الكثيريّة في الحزم وصداع ، حسبما سبق عند ذكرهما.

وبإثر ذلك انعقد الصّلح بواسطة السّيّد عليّ بن عمر الحييد (١) ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم ، والعلّامة السّيّد أبي بكر بن عبد الرّحمن بن شهاب على تخيير الدّولة الكثيريّة بين أن تخرج من تريم ، وتتسلّم عشرة آلاف ريال.

__________________

(١) هو السيد الفاضل الشريف علي بن عمر بن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الله الحييد بن أبي بكر بن حسن بن الحسين بن الشيخ أبي بكر.


وبين أن تدفعها للقعيطيّ فيرتفع بعسكره عن النّويدرة فاختارت هذه ، ووقع النّاس من جرّاء تحصيلها في قرن الحمار ، وكتبت بينهم وثيقة بتاريخ ربيع الثّاني من سنة (١٢٩٤ ه‍) ، أوردناها مع تفصيل أخبار تلك الحادثة مفصّلة في «الأصل» ، وإلى هذه الحادثة الإشارة بقول العلّامة ابن شهاب [في «ديوانه» ١٢١ من الكامل] :

كم فتنة فيها اكفهرّ وبالها

حمد الأنام سراي في إخمادها

وهو بارّ راشد في ذلك ، فلقد كان له السّعي الحثيث في الإخماد ، ثمّ كانت له اليد البيضاء في تحصيل الدّراهم.

أمّا محمّد بن عبد الله بن عمر .. فترك أولادا كراما ؛ منهم : شيخ ، وعمر ، وأحمد ، لهم مساع جليلة ، وفضائل جميلة ، وهم من أخصّ النّاس بأستاذي الأبرّ عيدروس بن عمر ، أقاموا عنده بالغرفة مدّة طويلة للأخذ والتّلقّي عنه. توفّي الأوّل بالمسيله سنة (١٣١١ ه‍) ، والآخران بمكّة بعد أداء النّسكين سنة (١٣١٠ ه‍) وولده عبد القادر بن محمّد حيّ يرزق إلى الآن.

وأمّا السّيّد عمر بن عبد الله .. فقد ترك أولادا منهم : المتّفق على صلاحه وتقواه ، السّيّد أبو بكر بن عمر ، المتوفّى بسربايا سنة (١٣٣١ ه‍) (١).

ومنهم : تاجر الآخرة ، المشارك في كثير من فنون العلم ، الوالد : أحمد بن عمر بن يحيى ، المتوفّى بتريم سنة (١٣٥٧ ه‍) ، وكان النّاس ينسبونه إلى الشّذوذ ؛ لأنّه يسامح في الكبير ويشتدّ في الصّغير ، وربّما عزّ عليّ الانفصال عن قولهم : (لأنّه يجود بالألف وقد يضنّ بالدّرهم) وكنت ألوم نفسي ، وأستحيي من نظيره حتّى رأيت

__________________

(١) هو الحبيب المرشد الصالح أبو بكر بن عمر بن عبد الله بن عمر ، وكان من خواصه السيد العلامة علوي بن محمد بن طاهر الحداد ، الذي جمع بعض الكراريس من منثور كلامه ومواعظه ، وللحبيب أبو بكر رسالة حوت فوائد وأذكار (مخطوط) ، وله ذرية منتشرة ، ومن أجلّ ذريته : ابنته السيدة المسندة العابدة الصالحة فاطمة بنت أبي بكر ، المتوفاة بتريم في (١٢) جمادى الأولى (١٣٥١ ه‍).


ما يشبهه في سيرة عبد الله بن عمر بن الخطّاب رضي الله عنهما ، وحاتم الطّائيّ ، وعبد الله بن جعفر. وقال البحتريّ [من الطّويل] :

يضيق من الأمر اليسير مخافة

وإن كان أضحى واسع الصّدر واليد

وله أولاد ؛ منهم : ابنه ، قرّة العين ، المنغّص الشباب محمّد بن أحمد ، المتوفّى بتريم في حياة أبيه سنة (١٣٥٤ ه‍) (١) ، وأخوه الفاضل الأديب عبد الله (٢) بن أحمد ، يسكن الآن في سنغافورة ، وهو الّذي كان يصدر مجلّة (عكاظ) في حضرموت بخطّ اليد ، وقد اطّلعت على أعداد منها مليئة بالفوائد.

ولعمري ، لقد كانت المسيله منزل علم ، ومكرع ريّ ، ومهاد تقوى ، وعماد شرف ، بها رست قواعد المجد ، وانبثقت عيون الجود ، واستحصفت (٣) أسباب المكارم ، حتّى لقد وصفها بعضهم بقصيدة قال في مطلعها بحقّ :

الله أكبر هذه المسيله

فيها الهدى والنّور والفضيله

إلّا أنّها تعاورها الظّلمة والنّور ، والغمّ والسّرور ، ولمّا وصلها الوالد أحمد بن عمر بن يحيى في سنة (١٣٤٥ ه‍) (٤) .. أطلع بوحها (٥) ، وأعاد روحها ، فأثّ نباتها ، وانتشر رفاتها ، ولكنّه لم يسلم من أذيّة آل تميم مع انتسابهم إليه وإلى أجداده بالخدمة ، فغادرها إلى تريم ، وكان له بها قصر فخيم ، فعادت المسيله إلى الذّبول ، وغاب عنها القبول.

__________________

(١) كان السيد محمد من ألمع بني يحيى المتأخرين ، ذكيا أديبا شاعرا نحويا ، درس في حضرموت على يد المؤلف وغيره ، وكتب مصنفات في النحو والصرف.

(٢) كان مولده بسنغافورة حيث كان والده يقيم في حدود عام (١٣٢٥ ه‍) ، وتوفي سنة (١٤٠٥ ه‍) تقريبا بدولة بالإمارات العربية عند أولاده ، عن سن عالية ناهزت التسعين.

وكان قد تقلب في مناصب حكومية عديدة. ينظر : «تعليقات ضياء شهاب على شمس الظهيرة» (١ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦).

(٣) استحصفت : تمكّنت واستحكمت.

(٤) عائدا من سنغافورة.

(٥) بوحها : شمسها.


أشلى الزّمان عليها كلّ حادثة

وفرقة تظلم الدّنيا لنازحها (١)

دار أجلّ الهوى عن أن ألمّ بها

في الرّكب إلّا وعيني من منائحها

وسيأتي ذكر السّيّد عقيل وأولاده في يشحر.

دمح

اعلم أنّ في جنوب الغرف فضاء واسعا تشرع ـ كما سبق ـ فيه الطّريق إلى سواحل حضرموت والمسيله في شرقيّ الغرف ، وذلك الفضاء يمتدّ في جنوبها أيضا. وفي ذلك الفضاء كثير من القرى والمزارع والصّحاري ، ولا ينتهي إلّا بالعقبة المسماة ب : عقبة الغزّ على ما نفصّله.

وأوّل ما يكون من ذلك الفضاء يقال له : دمح.

وفي جنوبه جبل شاهق ، يمتدّ إلى ما شاء الله في جهة الجنوب ، وأمّا من جهة الشّرق .. فإنّه ينقطع حيث ينبسط ذلك الفضاء.

وقد وقع في «الأصل» أنّ هذا الجبل بقرب من السّويريّ ، وليس كذلك حسبما أخبرني من أثق به من أهل تلك الجهة أكثر من ثقتي بمن أخبرني بما انبنى عليه كلامي في «الأصل» ، ومهما يكن من الأمر .. فلم ينخرم التّدليل به على وجود أهل الرّسّ ببلاد حضرموت ؛ لأنّ الغرف والسّويريّ متقاربتان ، وعن تقاربهما نشأ غلط من أخبرني أوّلا وقد نقل الميدانيّ عن ابن الكلبيّ : (أنّ لأهل الرّسّ نبيّا يقال له : حنظلة بن صفوان ، وكان بأرضهم جبل يقال له : دمخ ، مصعده في السّماء ميل) اه (٢)

ولئن كان ذاك بالخاء المعجمة وهذا بالمهملة .. فإنّ الأمر قريب جدّا والتصحيف في مثله كثير ؛ كما صحّفوا (سر) عن (رس).

__________________

(١) البيتان من البسيط ، وهما لأبي تمّام في «ديوانه» (١ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣). أشلى : أغرى. النّازح : الّذي ترك دياره ، وبعد عنها.

(٢) «مجمع الأمثال» (١ / ٤٢٩).


وفوق هذا فإنّ الجبل الفاصل بين القعيطيّ والمهريّ بساحل البحر يقال له : دمخ بالخاء المعجمة كما مرّ في المرافىء ، والأماكن متقاربة ، وكلّها من حضرموت ، فالتّدليل ثابت على كلّ حال.

وقال ابن مقبل ـ وكان وصّافا لكثير من الأماكن الحضرميّة [من الكامل] ـ :

لمن الدّيار بجانب الأمهار

فبتلّ دمخ أو بسلع حرار

خلدت ولم يخلد بها من حلّها

ذات النّطاق فبرقة الأحفار

وقال عنترة بن الأخرس الطّائيّ [من الطّويل] :

لقد حلّقت بالجوّ فتخاء كاسر

كفتخاء دمخ حلّقت بالحزوّر (١)

وهو غير دمخ الواقع بالطّائف الّذي يقول فيه مزاحم العقيليّ [من البسيط] :

حتّى تحوّل دمخا عن مواضعه

وهضب تربان والجلحاء من طنب

والأسماء كثيرا ما تتشابه.

وقال حمزة بن الحسن الأصبهانيّ : دمخ : جبل من جبال ضريّه ، طوله في السّماء ميل.

وقال طفيل الغنويّ [من الطّويل] :

ولمّا بدا دمخ وأعرض دونه

غوارب من رمل تلوح شواكله

السّهلة

ومن وراء دمح في الجنوب مكان يقال له : السّهلة ، لآل بالهنديّ من آل تميم. وفي أوّل سفر لي من حضرموت ـ سنة (١٣٢٢ ه‍) إلى الحجاز ـ بكّرت من سيئون مع المرحوم السّيّد عبد الله بن محمّد بن عمر السّقّاف من مكاننا علم بدر ، وأبردنا بظلّ

__________________

(١) الفتخاء : ليّنة الجناح. الكاسر : العقاب. الحزوّر : المكان الغليظ. وللبيت قصة ذكرها الميداني في «مجمع الأمثال» (١ / ٤٢٩) عند قوله : (طارت بهم العنقاء) ، فليراجعها هناك من أحبّ.


أثل (١) حول الغرف ، ثمّ كان المبيت بهذا الموضع ـ أعني : السّهلة ـ ، ومع امتلاء صدري بالأحزان لفراق والديّ وأهلي .. كان سروري عظيما لمّا علمت أنّ اسم هذا المكان هو السّهلة وتفاءلت خيرا ، كما أنّ والدي رحمه الله تكدّر لفراقي كثيرا ولكنّه لم يقدر على منعي عن الحجّ ، وفي اللّيلة الّتي ركبت من فجرها أو سحرها .. زار بي أحد الفضلاء الصّالحين ، وبمجرّد ما خرجنا من عنده إذا بإنسان يصيح بقوله تعالى : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فتبادرت دموع والدي من فرط السّرور رضوان الله عليه.

ومن وراء السّهلة جنوبا : باعلال. وعن يمينه قرية صغيرة كان فيها الشّيخ عبد الله بن سليمان أحد حكّام آل تميم وأولي رأيهم ، قتل في حرب اشتبك فيها مع آل شملان بعد أن سلّم من صلاة الصّبح ، فلم تشغله الحروب عن أداء الفريضة.

وفيها جماعة من المشايخ الزّبيديّين.

ـ ومن ورائهما : الغارين ، لآل محمّد التّميميّين. ثمّ : بريكة ، لآل محمّد التّميميّين أيضا.

يشحر

وهو واد ليس بالواسع في جنوب المسيله إلى شرق ، فيه عين ماء صغيرة.

كان السّيّد عقيل بن عبد الله بن يحيى اشتراه للأمير محسن بن عبد الله بن عليّ العولقيّ ، السّابق ذكره في صداع ، ثمّ وقفه بتوكيل منه على نفسه وأولاده ، وعلى الواردين والصّادرين ، والعلماء والمتعلّمين ، والفقهاء والمتفقّهين ، وفي صيغة الوقف مجال واسع للنّظر ، لا سيّما وقد فهم بعض متأخّري العلماء من كلام ابن حجر موافقته للرّمليّ في اشتراط قبول الموقوف عليه المعيّن ؛ لأنّه لا يتأتّى من السّيّد عقيل حينئذ الوقف على نفسه ، ثمّ القبول ، على ما بسطته في «الأصل» من وجه النّظر.

__________________

(١) الأثل : نوع من أنواع الشّجر.


وكان السّيّد عقيل بن عبد الله شهما قويّ النّفس ، حميّ الأنف ، كما يعرف من قضيّة النّويدرة.

فتى عنده حسن الثّواب وشرّه

ومنه الإباء الملح والكرم العذب (١)

وكان رجل جدّ ، وله غرائب ؛ منها : أنّه حجّ ، وانعقدت بينه وبين ـ المثري الشّهير صاحب الخيرات الكثيرة ، والأربطة المعروفة بمكّة وجدّة ـ فرج يسر صداقة متينة ، ولمّا عزم السّيّد عقيل على السّفر إلى جاوة بعد أداء النّسكين .. قال له : مثلك لا ينبغي أن يغيب عن حضرموت.

فقال له : لا يمكنني الرّجوع إليها إلّا ببسطة كفّ أستعين بها على حقوق الشّرف والمجد. قال له : كم تؤمّل من جاوة؟ قال : ما أنت وذاك؟

فألحّ عليه ، فقال له : لا يمكنني الرّجوع إلى حضرموت إلّا بثمانين ألف ريال.

فأعطاه إيّاها مع ملء مركب شراعيّ من الأرزّ وما يناسبه من البضائع والحبوب ، وبمجرّد ما وصل إلى حضرموت .. بنى سدّا للماء في مسيال عدم ، كلّفه نحوا من خمسين ألفا من الرّيالات ، فاجتاحه السّيل في ليلة واحدة!

وما زال السّيّد عقيل على كسب الجميل ، وفعل الجليل ، لا يقرّ على ضيم ، ولا يلين لقائد ، ولمّا لم يجد عند الكثيريّ للنّفع والصّنيع موضعا .. انبرى للمضرّة على حدّ قول عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر ـ وكان كما في «طبقات النّحاة» من الفصحاء ـ [من الطّويل] :

إذا أنت لم تنفع .. فضرّ فإنّما

يرجّى الفتى كيما يضرّ وينفعا (٢)

وقال الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ١ / ٤١٥ من مجزوء الرّجز] :

من معشر لم يخلقوا

إلّا لنفع وضرر

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لأبي تمام في «ديوانه» (١ / ١٤٣).

(٢) البيت للنّابغة الجعديّ في «ديوانه» (١٠٦).


وقال كعب الأشقريّ [من الطّويل] :

رأيت يزيدا جامع الحزم والنّدى

ولا خير فيمن لا يضرّ وينفع

وقال حبيب [في «ديوانه» ١ / ٤٠٠ من الطّويل] :

ولم أر نفعا عند من ليس ضائرا

ولم أر ضرّا عند من ليس ينفع

وقال عديّ بن زيد [من الطّويل] :

إذا أنت لم تنفع بودّك أهله

ولم تنك بالبؤس عدوّك فابعد

وعندئذ قام بفتنة النّويدرة السّابق ذكرها في المسيله.

ومن مكارم عقيل : أنّه وضع عند أبي بسيط أربعين ألف ريال عن مئة ألف ربيّة هولنديّة بمصرف ذلك العهد على سبيل القرض ، فلمّا تأخّر شغل أبي بسيط .. كتب له النّاصحون ليتلافى ماله بالسّفر إلى سربايا من أرض جاوة ، فلامهم وقال : إنّي أحرج الأوقات أضيّق على صديقي ، لو كان مالي بأسره ينفّس عنه ما وقع فيه .. لأعطيته إيّاه.

ثمّ لم أدر ماذا صار ، غير أنّ هذا من الشّهامة والوفاء بمكان.

يا همّة نبلت عن أن يقال لها

كأنّها وتعالت عن مدى الهمم

وقد خلّف جملة من الأولاد ، أكبرهم : العلّامة الجليل السّيّد محمّد بن عقيل (١) ، كانت له حافظة قويّة ، واطّلاع تامّ ، وإكباب على المطالعة ، وكان بدء أمره

__________________

(١) ولد بالمسيلة سنة (١٢٧٩ ه‍) ، عكف من صغره على مكتبة آبائه وأجداده ، ونهل منها علما كثيرا.

ثم سافر إلى سنغافورة تاجرا وأثرى بها ، رحل إلى بلدان عديدة.

كان له الريادة في إصدار أول صحيفة عربية تصدر في شرق آسيا ، وهي صحيفة : «الأيام» ، صدر عددها الأول في جمادى الآخرة (١٣٢٤ ه‍) (١٩٠٦ م) ، وآخر عدد في ذي الحجة (١٣٢٦ ه‍). وأتبعها بصحيفة : «الإصلاح» ، وكانت أسبوعية ، صدر عددها الأول في شوال (١٣٢٦ ه‍) ، واستمرت إلى ذي الحجة (١٣٢٨ ه‍) ، وكانت رئاسة تحريرها للأستاذ كرامة بلدرم.

ثم أصدر صحيفة : «برهوت» عندما كان مقيما في الصولو بإندونيسيا ، مكثت عامين ثم انقطعت كمثيلاتها.


على اعتدال في التّشيع حتّى لقد دخل العراق في سنة (١٣٣٠ ه‍) ومعه السّيّد محمّد بن عليّ الحييد والسّيّد يوسف بن أحمد الزّواوي صاحب مسقط ، فلم يرض الشّيعة ولا أهل السّنّة ؛ لخروجه عن سمت الفريقين ، ولكنّه غلا بالآخرة في تشيّعه حتّى اقترب من سادات الأمّة رضوان الله عليهم ، وتأثّر بكلامه كثير ممّن يعزّ علينا انحرافهم ، فلقد بعث لي بنسخة من قصيدة سيّرها للإمام الحالي ، يقول منها في مدحه [من الكامل] :

روح مقدّسة وقلب ضمّه

في قالب التّصوير أحسن هيكل

ويقول فيها عن أهل البيت :

برآء من حسد المشوم وغلظة ال

فظّ الغشوم ومن تقهقر نعثل (١)

وما أرى هذا التّعريض الفاحش عن عقد قلبيّ ونيّة قطعيّة ، وعلّه كان عن ثورة نفسيّة ذهب به الكلام فيها إلى غير ما يريد ، وما أصدق قول بديع الزّمان : الكلام مجون ، والحديث شجون ، واللّفظ قد يوحش وكلّه ود ، والشّيء قد يكره وما من فعله بد ، والعرب تقول : لا أبا لك في الأمر إذا همّ ، وقاتله الله ولا يريدون به الذّمّ ، وويل أمّه للمرء إذا أهمّ.

أمّا الإمام حفظه الله : فإنّه لا يعجبه مثل ذلك ؛ لأنّه ليس من المتعصّبين ، بل هو الّذي اجتثّ عروق التّعصّب من بين الزّيديّة والشّافعيّة حتّى عادوا إخوانا ، وسلك فجّه وليّ عهده ، وباب مدينة ملكه ومجده : ولده أحمد وولده زين الشّباب المأسوف عليه البدر محمّد.

وأمّا أنا : فقد اتّعظت بغلوّ العلّامة ابن عقيل اتّعاظا حسنا ؛ إذ سلمت باستنكاره عن الوقوع في الحمى الّذي لا ينبغي أن يقرب ، لا سيّما وحاميه سيّد ولد آدم صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وما للقاصرين أمثالنا والدّخول بين المهاجرين الأوّلين وتعريف

__________________

(١) التّقهقر : الرّجوع. النّعثل : الشّيخ الأحمق.


طبقاتهم وترتيب درجاتهم؟ هيهات! لقد حنّ قدح ليس منها (١).

وكان العلّامة ابن عقيل قويّ الإرادة ، حميّ الأنف ، وجرى عليه امتحان بسنغافورة وجاوة .. فلم يزلّ نعله ، ولا لان جانبه ، وله رحلات ـ حتّى إلى القارّة الأوربيّة ـ بمعيّة أمير الإحسان السّيّد محمّد بن أحمد السّقّاف (٢) ، وله اتّصال بكثير من أعيان مصر وغيرها. وله مؤلّفات كثيرة ، أجمعها وأحبّها إليه الكتاب الموسوم ب «ثمرات المطالعة» ، ومنها : «العتب الجميل على أهل الجرح والتّعديل» (٣).

غير أنّ الشّيخ الأديب أحمد الحضرانيّ أخبرني عن العبّاديّ الثّقة الّذي كان موظّفا بدار الضّرب في حيدرآباد الدّكن : أنّه ليس له ، وإنّما كان من تأليف العلّامة السّيّد أبي بكر بن شهاب ، فنزل عنه للعلّامة ابن عقيل ، وأنّه كان شاهد ذلك النّزول.

وأنا في شكّ منه ؛ أمّا أوّلا : فلأنّ عبارته وموضوعه أمسّ بعبارة ابن عقيل وجديلته ، وأمّا ثانيا : فإنّه حصيل مطالعات كثيرة ومراجعات وفيرة لا يصبر عليها شيخنا العلّامة ابن شهاب ، وإنّما كان له فهم وقّاد يتيسّر له عفوا معه المراد ، والله أعلم.

توفّي السّيّد ابن عقيل بالحديدة سنة (١٣٥٠ ه‍) ، وقد رثيته بمرثيّة لزوميّة توجد بمكانها من «الدّيوان».

ورثاه جماعة من الأدباء ؛ منهم العلّامة الأخ علويّ بن طاهر الحدّاد ، والشّاعر

__________________

(١) حنّ قدح ليس منها : مثل تضربه العرب للرّجل يتمدّح بالشّيء وهو من غير أهله.

(٢) هو السيد المحسن صاحب المبرات والأوقاف الخيرية ، محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن علوي بن عبد الله بن محمد بن عمر الصافي السقاف ...

ولد بسنغافورة ، وكان والده من أعيان تجارها ، مشهورا بالسخاء والكرم ، واقتفى ابنه المترجم نهجه ، وأجرى الله على يديهما خيرا كثيرا ، توفي السيد محمد بسنغافورة سنة (١٣٢٣ ه‍). تكلم عن جودهما صاحب «التلخيص» (٤٤).

(٣) وقد طبع «العتب» بمصر قديما ، وهو يتناول الدفاع عن بعض الرواة ضعفوا بسبب تهمتهم بالتشيع! وله مؤلفات أخرى غير هذا .. تنظر في ترجمته الطويلة من «التعليقات» لضياء شهاب : (١ / ٣١٨ ـ ٣٢٤) ، «الرابطة» أعداد سنة (١٣٥١ ه‍) ، و «الأعلام» (٦ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠).


المطبوع : أحمد بن عبد الله السّقّاف ، والكاتب الشّهير السّيد محمّد بن هاشم بن طاهر ، وغيرهم.

وترك أولادا ؛ منهم ـ وهو أكبرهم ـ : عيسى ، له نكات ونوادر ، يسكن الآن بصنعاء. ومنهم : عليّ ، شابّ فاضل ، كريم الأخلاق ، كان كاتم سرّ سيف الإسلام الحسين بن أمير المؤمنين ، وكان بمعيّته في سفره إلى أوربّة ثمّ إلى الحجاز ، توفّي بصنعاء في سنة (١٣٦٣ ه‍).

ومن أولاد السيد عقيل : السّيّد عمر بن عقيل ، كان فقيها حكيما ، ذا رأي أصيل ، وسعي جميل ، وخلق حسن ، توفّي بالمسيله بإثر حمّى خفيفة جدّا (١) في محرّم سنة (١٣٣٩ ه‍) ، وشهد دفنه أخوه العلّامة محمّد ؛ لأنّه وصل حضرموت في أواخر سنة (١٣٣٨ ه‍) ، ولم تطل إقامته بعد وفاة أخيه بل عاد إلى مقرّ تجارته.

ولا بأس إذ جرى ذكر الشّيخ فرج يسر من الإشارة إلى سبب ثروته وزوالها ؛ لأنّ خبر ذلك طريف جدّا ، فقد كان راكبا في أحد المراكب الشّراعيّة ، وكان في خلقه حدّة وشراسة ، وكان ربّان المركب يحبّ أن يغضبه ويتنادر عليه ، فرسى بهم المركب في سيلان (٢) وله بها معارف ، ومن عادتهم أن لا يقلعوا إلّا بعد شحن البضائع منها وهي تستغرق أيّاما ، فكانوا يخرجون للنّزهة صباح كلّ يوم إلى مرسى كلمبو (٣) ، وهناك يحضر الدّلّالون بالأشياء التّافهة لبيعها بالمزاد ، فتواطأ الرّبان مع الحاضرين أن يوقعوا فرج يسر في الشّبكة ، فكان المعروض في ذلك اليوم صندوقان خشبيّان أكل الدّهر عليهما وشرب ، واعترقت الأرضة ظواهرهما حتّى لم يبق منهما إلّا الرّسوم ، إلّا أنّهما

__________________

(١) وقد خلف السيد عمر في فضله وعلمه ابنه العلامة الفقيه الأديب السيد إبراهيم بن عمر المولود بالمسيله سنة (١٣٢٧ ه‍) تقريبا. وقد كان السيد إبراهيم من أعيان علماء اليمن ، وتولى نظارة المعارف في صنعاء وتعز أيام الإمام أحمد. وهو من خريجي الرباط وجمعية الأخوة بتريم ، ودرس على شيوخ عصره ، وله منظومة عذبة حوت أسماء شيوخه سمّاها : «مشرع المدد القوي نظم السند العلوي». ثم تولى منصب إفتاء لواء تعز إلى أن توفي سنة (١٤١٥ ه‍). له ترجمة مختصرة في : «لوامع النور».

(٢) جزيرة سيلان الشهيرة المعروفة الآن باسم : (سيرلانكا).

(٣) وهي العاصمة.


لا يزالان مقفلين ، فوقعا بتدبير الرّبان عند فرج ، فأخذوا يغمزون ويلمزون إلى أن ضاق صدر فرج ـ وسرعان ما يضيق ـ فعاد إلى المركب حزينا ، ولمّا كان وسط اللّيل .. عزم على رميهما في البحر ، ثمّ ثاب إليه رشده وارتأى أن لا يرميهما حتّى يرى ما فيهما ، فعاد بهما إلى مخدعه وفتحهما .. فإذا بهما مشحونان بالأوراق الماليّة من ذوات الألف ربيّة بما يقوّم بعشرات الملايين ، فمن ذلك كانت ثروته الّتي لم يقف فيها عند غاية من فعل المكرمات ، إلّا أنّ أمرها مخوف ، ولا سيّما إن أمكن معرفة أرباب تلك الأموال ، فعسى أن لا تمكن معرفتهم إذ ذاك ليكون لها وجه من الحلّ.

ولم يكتف بتلك المبالغ الضّخمة حتّى أخذ يوسّعها بالتّجارة ، فاقتنى العدد الكثير من المراكب الشّراعيّة ، يمخر بها عباب البحر الهادي والهنديّ والأحمر والأبيض وغيرها ، حتّى لقد جهّز في بعض المواسم خمسا وعشرين سفينة هي وما فيها من البضائع .. من أمواله الخالصة. ولمّا جاء الإدبار .. وردته في يوم واحد خمس وعشرون برقيّة ، كلّ واحدة بتلف سفينة وما فيها من البضائع ، فلم ينكسف باله ، ولم يتغيّر حاله. على رواية هذا اتّفق جماعة من معمّري الحديدة في سنة (١٣٤٠ ه‍) عن خبرة بحقيقة الأمر ؛ إذ كان رباؤه هو بالحديدة ، إلّا أنّ في النّفس شيئا من البرقيّات ؛ لأنّي لا أدري أكانت متّصلة لذلك العهد أم لا؟

وكان عبدا حبشيّا أعتقه بعض أهل الحديدة ، وكانت أمّ السّيّد الجليل عقيل حبشيّة أيضا ، فهذا مع عشق المكارم وتحمّل المغارم .. هو الجامع بين الرّجلين.

ومن وراء يشحر إلى جهة الجنوب الغربيّ مكان يقال له :

الصّاري ، وهو قرية صغيرة لآل مقيدح الجابريّين ، لا يزيد سكّانها الأكرة عن سبعين شخصا.

ثمّ : شريوف ، وهو واد أكثر أمواله للسّادة آل عبد الله بن حسين العيدروس والمشايخ الزّبيديّين.

ثمّ : رضيح ، وهو واد مبارك ، كان للحبيب علويّ بن أحمد العيدروس ، ثمّ انقسم بين ورثته ، ثمّ استخلص أكثره المنصب السّيّد محمّد بن حسين السّابق ذكره في


تاربه ، وكان تحمّل ديونا في الحرب الّتي جرت بسبب مسجد آل بو فطيم ، أثقلت كاهله ، ولكنّه قضاها من موسم واحد فيه صادف غلاء وسلامة من الجراد الّذي اجتاح أكثر زرع حضرموت في ذلك العام.

وبإثر وفاته استولى إمارة رضيخ ولده المنصب محمّد بن محمّد ، وفي أيّامه دخل آل عمّه عبد الله بن حسين بالشّراء من إخوانه إلى ما لأبيهم من ميراث أبيه فيه ، فأقلقوا راحته ، وجرت بينهم منازعات لا تزال آثارها في نفوس الطّرفين إلى اليوم. وقد قال حبيب [في «ديوانه» (٢ / ١٠٢) من الكامل] :

حسد القرابة للقرابة قرحة

تدمي عواندها وجرح أقدم (١)

وقد مرّ في الحسيّسة أنّ آل العيدروس ألّفوا جمعيّة أهمّ أغراضها : إصلاح ذات بينهم ، ولكنّها لم تفعل شيئا إزاء هذا ؛ لأنّ تلك الجمعيّة معقودة بما يهواه السّيّد عبد الله بن حسين العيدروس ؛ إذ هو القائم بأكثر كلفتها ، وكان متعصّبا على ابن أخيه .. فلم تتداخل جمعيّتهم في ذلك ؛ مراعاة لخاطره.

ثمّ حصن ابن ضوبان ، لآل جابر ، ومنه تنشعب الطّرق ، فتذهب طريق إلى النّعر ؛ وهو مسيل بين جبلين ، تنصبّ فيه المياه من عدّة جبال واسعة.

ومتى ارتفعت عن ذلك المسيل وتسنّمت الجبل .. فأوّل ما تمرّ به .. حرو ، وفيه حوض يحفظ الماء مدّة ليست بالطّويلة ؛ لأنّه غير مجصّص. ثمّ ريدة الجوهيّين. ثمّ بضي.

وتذهب الأخرى في ذلك الفضاء الواسع توّا. وأوّل ما يمرّ الذّاهب فيها بالرّدود ، قرية لا بأس بها للمشايخ الزّبيديّين وآل جابر. ومن الزّبدة بها الآن الشّيخ يسلم بن سعيد.

ثمّ سونه ، وهو واد صغير للزّبدة. ثم حكمه ، وهو واد آخر أوسع وأكثر عمارة من سونه ، لآل جابر وللزّبدة.

__________________

(١) القرحة : الجرح الّذي امتلأ قيحا. عواندها : سيلانها ، من عند الدّم .. إذا سال.


وتصعد من وادي حكمه في عقبتها طريق إلى رسب ، ومنها إلى عثه عقبة كأداء ينزل منها إلى الأرض المتّصلة بالسّاحل على مسافة يوم للرّاكب المجدّ.

وفي أثناء عقبة حكمه عين صغيرة عذبة باردة.

وفي قطع معيّنة من شراج حكمه تداع بين الزّبدة وابن متيهم ، وحاصله : أنّ ابن متيهم باسط ذراعيه على تلك القطع منذ نحو مئة سنة ، ومعه خطّ بالقسمة بين الزبدة وبين أبيه ، فادّعى الزّبيديّون أنّ يده غاصبة بطريق الشّراحة الظّالمة ، وشهد لهم شهود منهم ، وصدر لهم حكمان ضدّ ابن متيهم من قاضي تريم لما قبل اليوم بأكثر من عشر سنين ، فسئلت عن الحكمين .. فأفتيت ببطلانهما ؛ لأنّ الشّهود شهدوا بأنّ فلانا غصب هذه القطع ، والحال أنّهم لم يشهدوا زمن الغصب ، ومن شرط الشّهادة بالتّسامع في الغصب أن يقول الشّاهد : (أشهد أنّه مغصوب) لا (أنه غصب) ـ بصيغة الفعل الماضي ـ لأنّ هذه صورة كذب ؛ لاقتضائه أنّه رأى ذلك وشاهده.

هذا ما قرّره الفقهاء بالاتّفاق ، وانضمّ إلى ذلك ما قرّروه في الأيمان أنّ استدامة الغصب ليست بغصب ، فالشّهادة باطلة.

ويزيد الحكم الثّاني بأنّ أحد شهوده كان من المدّعين في الأوّل.

ثمّ تكرّرت الأحكام ، وخبط القضاة والمستأنفون ، واختلفوا.

ومن المدهش : أنّهم لم ينفصلوا عن الاعتراضين اللّذين ذكرتهما بحال ، وكأنّهم لا يلجؤون إلى الكرّاس ، وإنّما يأخذون ممّا في الرّاس.

وأحيلت القضيّة في الأخير إلى استئناف جديد لا ندري ماذا يفعل. والمسألة مشكلة لا من حيث النّصوص العلميّة ، ولكن لاختلاف مشارب أهل النّفوذ ؛ فأحدهم يؤيّد الزّبدة ، والأخر يؤيّد ابن متيهم والحقّ في ظاهر الأوضاع الشّرعيّة إلى جانب ابن متيهم ، وأمّا في باطن الأمر .. فالشّبهة قائمة ، والله أعلم.

وفي غربيّ حكمه : واد واسع يقال له : بايوت ، يسكنه كثير من آل نهيم الوزيريّين ، وغيرهم. ورسب ، وهو لآل جابر ، ومنذ اثنتي عشرة سنة تعرّضوا


لسيّارة فيها أحد رجال الحكومة الإنكليزيّة (١) فأصابوها بخلل قليل ، فحكم عليهم سلطان سيئون غيابيّا بغرامة كثير من البنادق والإبل ، فلم يمتثلوا ، فأمطرتهم الطّائرات نيرانا أضرّت بحصونهم وعلوبهم ، فبخعوا بها وسلّموها صاغرين مظلومين.

ومن وراء حكمه إلى الجنوب : سكدان ، يسكنه : آل جابر ، وحرّاثون ، وسادة من بيت حموده ، وناس من آل قعفان ، وناس من آل بلحاج ، وناس من آل ابن قماش.

ثمّ راوك ، للمشايخ آل باوزير. ثمّ غيل عمر ، وقد سبق في غيل باوزير أنّ غيل عمر هذا هو أقدم منه ، وأوّل من بنى به بيتا الشّيخ عمر بن محمّد بن سالم باوزير ، سنة (٧٠٦ ه‍) ، ثمّ بنى النّاس بعده ، ذكره ابن حسّان في «تاريخه».

والشّيخ عمر هذا أحد تلاميذ الشّيخ عبد الله باعلويّ ، كما في (ص ١٨٦ ج ٢) من «المشرع» (٢).

والمنازل الّتي يشملها اسم غيل عمر منقسمة بالمسيال :

فالّذي في الشّاطىء الغربيّ منه : الضّبيعة ، وفي جنوبها مسجد الشّيخ عمر. والّذي في الشّاطىء الشّرقيّ : الدّلفة. ثمّ الحزم. ثمّ سكدان. ثمّ كوت سرور. ثمّ العرض. ثمّ النّويدرة.

وقد استوخمه كثير من السّكّان فانتقلوا عنه إلى سكدان. وكان فيه أجداد المشايخ آل باسودان ، حتّى إنّ بعضهم ينسبه إليهم ، فيقول : غيل باسودان.

وربّما يكون المنسوب إلى باسودان ناحية غير النّاحية المنسوبة إلى الشّيخ عمر ؛ فالغيل طويل ، منبع مياهه من جنوب ساه ، ولا ينتهي إلّا بعد مجاوزة سنا ، إلّا أنّها تتقطّع ؛ ففي أكثر النّقاط تظهر ، وفي الكثير تغور.

ثمّ إنّ آل باسودان خرجوا عن العامّيّة وتفقّروا ، وأخذوا في طلب العلم حسبما سبق في الخريبة من بلاد دوعن.

__________________

(١) هو انجرامس ، ممثل بريطانيا في حضرموت.

(٢) في النسخة التي اعتمدناها في التحقيق (٢ / ٤٠٦).


ثمّ عرفت أنّهم كانوا حلولا في سكدان ، وبذلك ينطق شعر السّيّد عليّ بن حسن العطّاس ، ولهم اتّصال بدوعن في أيّام الشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ ، ثمّ تزوّج فيهم الشّيخ محمّد بن سالم باوزير ، فكانوا أخوال ولده عمر المذكور ، ولمّا ظهر .. بنى بالغيل وطرد عنه أخواله ، فذهبوا إلى دوعن.

ساه (١)

هي في جنوب غيل عمر ، عن يسار الذّاهب إلى عقبة الغزّ ، وهي بلدة لا بأس بها ، في حدود آل جابر ، بل هي عاصمة بلادهم ، ولكن لمّا كثرت بينهم المظالم ، ولم ينتصف أحد من الآخر .. جاؤوا في حدود سنة (١٣٣٦ ه‍) إلى سيئون يطلبون من أمرائها أن يحتلّوها ، فرأوا أن لا طاقة لهم بحفظها ، فذهبوا إلى شبام وطلبوا من السّيّد حسين بن حامد أن يحتلّها ، فبسط الرّأي للدّولة الكثيريّة ، فيقال : إنّهم أذنوا له ، وعنّ لهم بعد أمّة من الزّمان أن يطالبوا بحقوقهم فيها ، وبعد الأخذ والرّدّ .. اتّعدوا على الاجتماع بدار الرّئيس المكرّم طالب بن جعفر بالعقدة ، قال لي السّلطان عبد الله بن محسن : (فحضرت أنا وابن عمّي عليّ بن منصور ، وبعد شيء من المحاورة .. أخرج نائب القعيطيّ ـ وهو عليّ بن صلاح ـ كتابا من والدي ومن عمّي منصور للسّيّد حسين بن حامد بالإذن في احتلالها ، فانقطعت حجّتنا).

ـ ومن وراء ساه جنوبا إلى جهة الغرب : صيقة آل عامر ، وهي عن يمين الذّاهب إلى عقبة الغزّ ، فيها جماعة من آل جابر منهم : صالح عيضه ، كانت لهم ثروة ، ثمّ

__________________

(١) ساه : هي مدينة في أعلى هضاب وادي عدم ، تقع على يسار الذاهب إلى عقبة الغز ، وعلى بعد (٧٥ كم) من سيئون.

وتتكون مدينة ساه من جزأين : الصيقة ، والبلاد ؛ لأنه يشطرها مجرى ماء ـ ساقية ـ إلى شطرين يصل بينهما جسر حديث ، وتبلغ مساحتها : (١٥٠ كم) طولا ، و (٧٥ كم) عرضا ، وبها مخزون نفطي ، ويجري من ساه جدول مائي ينتهي بغيل عمر بطول (٢٥ كم) ، ويوجد في ساه مياه وفيرة ، ويبلغ عدد الآبار بها (١٦٣) بئرا سطحية ، وبئر جوفية واحدة فقط. كما أن الإحصائيات الحديثة تشير إلى وجود مليون نخلة بمنطقة ساه. «المقحفي» (١ / ٧٦٤).


نجمت بينهم مشاغبات أخذت منها الحظّ الوافر.

ـ ومن ورائها في الجنوب : عقبة الغزّ ، وهي طريق مختصرة يصعد فيها من مستوى الأرض إلى عرعرة الجبل (١) ، لا يحتاج مصعدها لأكثر من نصف ساعة ، ولكنّ الانحدار بعدها عن قمّة الجبل بطريق عقبة الفقره أو العرشه أو عثه ، أو عبد الله غريب ، أو غيرها من العقاب الّتي تنزل إلى جهات السّاحل لا تقلّ مسافتها عن ثلاث ساعات ؛ وذلك لأنّ داخل حضرموت مرتفع عن سطح البحر بمقدار ذلك التّفاوت بين الصّعود والنّزول.

وهي منسوبة إلى الغزّ ؛ إمّا لكثرة سلوكهم فيها ، أو لأنّ أوّل هجومهم على حضرموت كان منها.

ومنها إلى ريدة المعارّة في جنوبها مرحلة ، ونحو ذلك منها إلى ريدة الجوهيّين الّتي في جنوبها أيضا.

كحلان

هي قرية كانت بطرف الجبل الّذي تلتقي عنده مياه سرّ وعدم ، في جانبه الشّرقيّ الشّماليّ ، باقية آثار بعض خرائبها حوالي مضرح الشّيخ عبد الرّحمن باجلجبان ، وهي على اسم مخلاف من مخاليف اليمن. فيه بينون ورعين ، وهما قصران عجيبان (٢) ، قال امرؤ القيس [من الوافر] :

ودار بني سواسة في (رعين)

تجرّ على جوانبه الشّمالا

وفي «القاموس» «وشرحه» : (كحلان ـ بالضّمّ ـ ابن شريح ، أبو قبيلة من اليمن من ذي رعين) اه

__________________

(١) عرعرة الجبل : رأسه وأعلاه.

(٢) وهما بكحلان ذي رعين ، التابعة حاليا لمديرية الرضمة بمحافظة إب ، تقع شرقي مدينة يريم ب(٢٣ كم)


وقد مرّ في قارة الشّناهز أنّ المؤرّخين أصفقوا على بنائها وعلى خراب قرية كحلان سنة (٦٠٤ ه‍) ، وفي ذلك العام كانت أحداث كثيرة مذكور بعضها في «الأصل».

وذكر شنبل في حوادث سنة (٥٩٩ ه‍) من «تاريخه» [ص ٦٣] حادثة في كحلان ، ولكنّه لم يفصّلها ، وبإثرها أخذت نهد ومن أعانها من تجيب والدّهم وبني حارثة خريف المسيلة ؛ يعني : خريف النّخل الّذي حوالي كحلان.

الصّومعة (١)

هي مدينة العلويّين ببيت جبير. وهي الّتي سبق في سمل أنّهم انتقلوا منها إليها.

قال الشّلّيّ : (وهي مدينة لطيفة الهواء ، عذبة الماء ، سكنها جماعة من أعيان ذلك الزّمان ، فطاب لهم البقاء ، وأسّسوا بها مسجدا ، وكان لهم حارة تسمّى : العلويّة) اه

وبها توفّي سيّدنا محمّد بن علويّ بن عبيد الله ، ولا يعرف تاريخ موته.

وفيها كانت وفاة ولده علويّ سنة (٥١٣ ه‍) ، وكان كريما عظيما ممدّحا ، من جملة مادحيه : تلميذه الفقيه يحيى بن عبد العظيم الحاتميّ (٢) ، المتوفّى بتريم سنة (٥٤٠ ه‍) ، امتدحه بقصيدة أورد منها صاحب «المشرع» وصاحب «الجوهر» وشارح «العينيّة» وغيرهم منها قوله [من الكامل] :

هذا قريع العصر وابن قريعه

ولباب تخت الفخر والتّعظيم (٣)

__________________

(١) أورد المقحفي في «معجمه» ذكر (٧) بلدان وقرى تحمل نفس الاسم.

(٢) من كبار علماء تريم وفقهائها ، ولد سنة (٤٨٠ ه‍) ، وتوفي سنة (٥٤٠ ه‍) ، تفقه على علماء عصره ، وأخذ عن الإمام علوي بن محمد المذكور. «تاريخ الشعراء» (١ / ٥٢ ـ ٥٣).

(٣) التّخت : كلمة فارسيّة ، معناها : الكرسي أو المنبر ، واصطلاحا : سرير السّلطان ، كان يجلس عليه في المواكب والاجتماعات العامّة ؛ ليكون مميّزا عن غيره من النّاس ، وهو هنا كناية على أنّه استولى على أصول المفاخر والمحامد. والله أعلم.


أمّا ولده عليّ بن علويّ خالع قسم .. فقد انتقل من بيت جبير في سنة (٥٢١ ه‍) إلى تريم ، وبها توفّي سنة (٥٢٩ ه‍).

وبيت جبير واد واسع ، قال الشّلّيّ : كان (كثير المياه والأنهار) ، وأنا في شكّ من الأنهار ما لم يعن النّهر الّذي كان يجري في أخدود مسيل سر وعدم ؛ فإنّه قريب من شراج بيت جبير ، ولكن ما أظنّه ينبسط عليها ولا يسقي شيئا منها في أيّام الشّلّيّ ، فما هو إلّا باعتبار الزّمان القديم وقتما كانت حضرموت بأسرها رياضا غنّاء ، وجنانا خضراء ، ثمّ كان من معن بن زائدة ما كان من سكّ سكر الأنهار ، وأعقبه انهيار سدّ سنا ، فذوى النّبات واشتدّ الإسنات ، ولم يبق إلّا السّيول الّتي يذهب أكثرها ضياعا في وادي بيت جبير ؛ لعدم إصلاحه ، واندثار أسوامه وضمره.

وقد أخبرني العلّامة الشّيخ فضل بن عبد الله عرفان ، عن شيخنا العلّامة الفاضل علويّ بن عبد الرّحمن المشهور : (أنّ أموال بيت جبير صارت من جملة الأموال الضّائعة مرّتين ، وأنّ بيت المال قد باعها مرّتين). وهذه فائدة نفيسة نحتاج إليها في كثير من المواضع.

وأكثر مسمّى وادي بيت جبير يدخل بين الجبل الّذي في طريقه إلى الصّومعة والجبل الشّرقيّ الّذي يحاذيه.

وفي بيت جبير قامت دولة الشّيخ عمر بن عبد الله بن مقيص الأحمديّ اليافعيّ بإشارة العلويّين حسبما فصّل ب «الأصل».

واشتروا له حصن مطهّر الواقع بحضيض جبل كحلان في ركنه الشّماليّ على يسار الذّاهب إلى تريم.

وكان لآل مطهّر ناس من يافع ، وقد وزّر له العلّامة السّيّد عبد الله بن بو بكر عيديد ، الّذي هجاه بعد ذلك بما نقلناه في «الأصل» ، وكانت دولته أقصر من ظمء الحمار حتّى لقد صارت مضرب المثل في قصر المدّة ، وعمّا قريب يأتي ذكر شراء الدّولة الكثيريّة لهذا الحصن.


الرّيضة

ومن وراء الصّومعة إلى الشّمال فضاء واسع ، أوّل ما يكون فيه قرية الرّيّضة ، أوّل من اختطّها السّيّد حسن بن علويّ بن عبد الله بن أحمد بن حسين ؛ لأنّه كان ورث وادي الذّهب ـ الآتي ذكره ـ عن أبيه ، فباعه ونزل الرّيّضة ، ثمّ بنى عنده بعض النّاس.

ومن أهل الرّيضة : السّيّد سالم بن أبي بكر عيديد ، المقتول سنة (١٢٢٦ ه‍) ، أثنى عليه شيخنا المشهور ، وترجم له السّيّد أحمد بن عليّ الجنيد.

ولا يزال أهل الرّيضة بحسرة على عدم الجبال لديهم ، فلم يكن لهم حظّ من القنص ، ويروى : أنّ بعضهم تنادر عليهم وقالوا لهم : لو غرستم حصاة وتعاهدتموها بالسّقي .. لنمت وصارت جبلا ففعلوا ، هكذا يقال ، والله أعلم.

وفي شرقيّها إلى الجنوب بلد : السّويريّ ، هي قرية مسوّرة لآل شملان التّميميّين ، كان فيهم رجال يشار إليهم ؛ منهم : المقدّم عوض بن سعيد بن شملان ، له ذكر كثير في حوادث القعيطيّ وآل كثير وغيرها.

وفيها كان يسكن العلّامة الجليل المتفنّن : عبد الله بن أبي بكر عيديد ، ذكره سيّدي عبد الرّحمن بثناء حسن في «مشجّره» ، وترجمه ابن أخته السّيّد أحمد بن عليّ الجنيد في «النّور المزهر».

ولد سنة (١١٩٥ ه‍) ، وتوفّي بالسويريّ سنة (١٢٥٥ ه‍) ، ودفن بتريم.

وبإزاء الصّومعة في شمالها : دحّامة آل قصير :

وكان بها مسكن الأمير عمر بن عبد الله بن مقيص ، الّذي يضرب المثل بقصر دولته كما مرّ ، وكانت في سنة (١٢٤٢ ه‍) حسبما فصّلت ب «الأصل».

وفي شمالها ديار أخرى لآل قصير ، تقابل حصن مطهّر (١) الواقع في جبل كحلان الغربيّ ، وهو حصين الموقع ، وكان لابن مقيص ، ولمّا تلاشت دولته وصار تراثه إلى

__________________

(١) آل مطهر هؤلاء الذين ابتاع السادة منهم الحصن هم من بطون يافع وليسوا من السادة آل باعلوي.


آل قصير .. باعوه على الأمير عبود بن سالم الكثيريّ في سنة (١٢٦١ ه‍) بثلاث مئة ريال فرانصة.

وقد ذكر المؤرّخ الشّهير سالم بن حميد شراء هذا الحصن. وترك موضع البائع بياضا ، ويبعد أن يكون عن جهل به وهو الخبير المطّلع البحّاثة المعاصر ، ولكن لنكتة لا ندريها.

وأقرب ما يظنّ : أنّ البائع غير شرعيّ ؛ فذكره يعود بالبطلان على الصّفقة.

وهذا الحصن الآن في أيدي آل قصير ، وقد سلّموه للحكومة القعيطيّة فجعلته مركزا لأخذ الرّسوم من البضائع الّتي تمرّ به إذا لم تكن عشّرت في شيء من بلادها ؛ لأنّ الدّولتين القعيطيّة والكثيريّة أخذتا تتسابقان في نهب أموال المستضعفين بالمكوس الباهظة في كلّ ناحية ، مع اعترافها بأنّ الإقليم واحد لا يتجزّأ.

وفي هذا تصديق لما تفرّسته في القصيدة الّتي قدّمتها للسّلطان صالح بن غالب القعيطيّ في سنة (١٣٥٥ ه‍) بقولي [من الطّويل] :

وما زالت الأحلاف حبرا بمهرق

أذيعت لها الأخبار لكن بلا أثر

ويا ليتها كانت كفافا ولا جرى

على إثرها للمسلمين أذى وشرّ

فكنتم كشان الضّبع والذّيب حربها

نجاة وفي الإصلاح ما بينها الخطر

وارجع إلى قولي السّابق في أحوال سيئون السّياسيّة ، والضّمير فيه للصّلح [من البسيط] :

هل فيه للنّاس والإسلام فائدة

أم لا؟ فإنّ رواة القول في جدل

الرّملة

هي قرية في أرباض تريم في شمال حصن العزّ إلى الشّرق ، تبعد عن سورها بنحو ميل ، يسكنها الآن بعض السّادة آل عبد الله بن شيخ العيدروس ، وهم : آل زين بن محمّد بن جعفر بن عبد الله بن شيخ ـ صاحب الشّحر ـ ابن عبد الله بن شيخ الشّهير ، صاحب القبّة بتريم.


كانت مصيفا لهم ، ثمّ استوطنها بعض متأخّريهم مع بقاء صلتهم بتريم ، فيها يصلّون الجمعة ، ويشهدون الجنائز ، ويحضرون بعض الدّروس.

وهذه الرّملة منسوبة للإمام الجليل محمّد بن جعفر بن عبد الله ، المتوفّى بتريم سنة (١١٩٣ ه‍) ، كانت له أحوال عجيبة ، ومناقب كريمة ؛ منها ـ كما في «شرح قصيدة مدهر» للسّيّد أحمد بن عليّ الجنيد ـ :

(أنّ ولديه ـ زينا السّابق الذّكر وجعفرا ـ لم يرغبا في حفظ القرآن ، فآلى على نفسه أن يذهب من الرّملة إلى تريم ، ثمّ لا يرجع إلّا بعد أن يحفظ ابناه القرآن وربع «الإرشاد» ، وأبرّ قسمه).

وذكر العلّامة الإمام عبد الرّحمن بن مصطفى نزيل مصر في كتابه «مرآة الشّموس» : أنّ السّيّد محمّد بن جعفر ـ هذا ـ هو الّذي أمّ النّاس في الصّلاة على والده مصطفى بن شيخ ، المتوفّى بتريم سنة (١١٦٤ ه‍) ، وعلى عمّه أحمد ، المتوفّى بتريم سنة (١١٦٤ ه‍) أيضا.

ولزين بن محمّد بن جعفر أولاد ؛ منهم : صادق ، المتوفّى بتريم سنة (١٢٨١ ه‍) ، وهو والد السّيّد زين بن صادق ، كان شهما مهابا ، وليثا وثّابا ، لا يحسب للدّولة الكثيريّة ولا غيرها حسابا ، وقد اختلف مع آل تريم في كثير من المسائل فاز فيها قدحه ، ونفذ أمره ، إلّا أنّه كان فقيرا ، حتّى إنّ العلّامة ابن شهاب يقول : من نعم الله على آل تريم : فقر زين بن صادق ، وبخل شيخ الكاف.

وكان السّيّد زين بن صادق ـ على فقره ـ مبسوط الكفّ ، وهو طويل القامة ، كبير الهامة ، مشبوح الذّراع ، طويل الباع ، توفّي ليلة الثّلاثاء (٢٣) رمضان من سنة (١٣٢٨ ه‍) ، فامتهن بعده السّرح (١) ، وأصيب إثره الشّرف بالكمد البرح (٢) ، وجاء هنا موضع قول الرّضيّ [في «ديوانه» ١ / ٦٢٧ من البسيط] :

__________________

(١) السّرح : قطيع الماشية ، وهو كناية عمّن تحته من الرّعيّة.

(٢) البرح : الشديد.


منابت العشب لا حام ولا راعي

أودى الرّدى بطويل الرّمح والباع

وللرّملة ذكر كثير في شعر العلّامة الجليل عبد الرّحمن بن مصطفى نزيل مصر ، منه قوله :

يقول الهاشمي آه على ازمان

تقضّت في ربا الغنّا بلادي

ورملتنا الّتي فاقت بغزلان

سبت باللّحظ ظبيات البوادي

فكم في (الرّملة) الفيحا من اعوان

على النّافع لهم يوم المعادي

وكم فيها غرف زانت ببنيان

على بنيان بالرّاحه تهادي

وكم طفنا بها ليما ورمّان

وشمّينا بها عبهر وجادي

وكم بستان فيها إثر بستان

من النّخل الّتي سرّت فؤادي

وقوله :

آه من ذكراي (حوطتنا)

و (السّحيل) الفايق الخصب

آه شوقا نحو (رملتنا)

وظباها الخرّد العرب

وقوله [من الطّويل] :

وفي (الرّملة) الغرّا غزال غزى الحشا

أغنّ إذا غنّى بدا مضمر الوجد

وعن السّيّد عبد الباري بن شيخ بن عيدروس ، عن والده : أنّه ضاع كبش لبعض أهلها ولم يجده إلّا بعد شهر ؛ إذ بقي طيلة المدّة يرعى في مراعيها الخصبة ، ويشرب من مياه الغدران العذبة الموجودة بها لكثرة السّيول.

وفي شمال هذه القرية إلى شرق : آثار قرية يقال لها : الرّملة القديمة ، لعلّها كانت مصيف السّادة آل عبد الله بن شيخ العيدروس قبل أن يختطّوا هذه.

وبالقرب منها بئر تسمّى الآن : بير عبد الله بن مصطفى بن زين العابدين ، يعنون الملقّب بالباهر ، المتوفّى سنة (١١٢٨ ه‍) ، وقد ترجمه السّيّد عبد الرّحمن بن مصطفى في كتابه : «مرآة الشّموس» ، وأطال بل أفرده بالتّرجمة في كتاب سمّاه : «حديقة الصّفا».


ونقل في «المرآة» عن السّيّد أبي بكر بن عبد الله بن شيخ أنّه قال لمّا مات الباهر : (وددت أن نفديه بسبعة من كبار آل العيدروس ، ولكن .. كان ذلك في الكتاب مسطورا) وعند هذا ذكرت قول متمّم [من الطّويل] :

فلو أخذت منّي المنيّة فدية

فديناك منها بالسّوام وبالأهل (١)

وقول إبراهيم بن إسماعيل [من الطّويل] :

أجاري لو نفس فدت نفس ميّت

فديتك ـ مسرورا ـ بأهلي وماليا

وموضع الرّملة بالحقيقة بعد حصن العزّ ، ولكن طغى القلم ، ولم أتنبّه له إلّا وقد خاضها ، والأمر قريب.

حصن جرّه

هو عن يسار الذّاهب إلى تريم ، في آخر الفضاء الواسع المسمّى ب : باجلحبان ؛ نسبة إلى الشّيخ الكبير عبد الرّحمن باجلحبان المقبور في أثنائه ، وقد ترجم له صاحب «الجوهر» ، ولم يترجم لأحد خارج تريم سواه.

وحصن جرّه هو لآل امبارك بن عمر بن شيبان التميميّين ، وكانوا أهل ثروة ، جمعها امبارك ، وأصلها ريال دفعه له الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر مع استيداعه منه للسّفر ، فاشترى لبانا من الشّحر وباعه في سنغافورة وبارك الله له فيه.

ولمبارك هذا مكارم أخلاق ، ومواساة لأهل الفضل ، خصوصا لسيّدي عيدروس بن علويّ العيدروس ، توفّي (٢) حوالي سنة (١٣١١ ه‍) ، ودفن بزنبل ، بمقابر العلويّين ، وخلفه أولاد كرام ؛ منهم : ولده عمر.

وكان أوّل ما دخل عليهم الوهن : أنّ الشّيخ امبارك أوصى بثلث ماله لمثل ما يعتاده من الخيرات في حياته ، وأسند وصايته إلى عمر ، فنازعه أخوه عبد الله في

__________________

(١) السّوام : كلّ إبل وماشية ترسل للرّعي ولا تعلف.

(٢) أي : امبارك شيبان ، لا العيدروس.


الوصيّة ، ولم يقدر على إبطالها لا بحضرموت ولا بجاوة ، ثمّ نشبت بينهم وبين آل فلّوقة ـ الواقعة حصونهم إزاءهم بسفح الجبل الشّرقيّ المسمّى باعشميل ـ حرب ، فابتزّت طارفهم وتليدهم ، حتّى أثقلت كواهلهم الدّيون ، وأبحر عمر إلى جاوة ، وبقي على ما يقدر عليه من المبرّات إلى أن مات في سربايا حوالي سنة (١٣٣٥ ه‍) ، وما علمناه إلّا شهما أبيّا ومقداما عربيا [من الطويل] :

يزيد على فضل الرّجال فضيلة

ويقصر عنه مدح من يتمدّح

ويدلج في حاجات من هو نائم

ويوري كريمات النّدى حين يقدح

وخلّف أولادا كثيرين ؛ منهم : الشّاعر المطبوع عبد القادر بن عمر (١) ، له أشعار عاميّة ، لكنّها جزلة المعاني ، حلوة المباني ، وله هجاء كثير لجمعيّة الحقّ بتريم ، وممّا يطربني من شعره : قوله ـ من قصيدة مجّد فيها مولاه ـ :

هو لي عطى موسى العصا

هو لي رتق هو لي فتق

وقت الاجابة من عبيده

ناطق القدرة نطق

في الإبتدا قالوا بلى

ومن بقي صادق صدق

والإنتها يلطف بنا

يوم الغرق يوم القلق

والعترة العظمى خلق

ها ربّنا ميزان حقّ

في علم مكنون السّرا

ئر علم ما هو في ورق

من يبغض اهل البيت با

له يوم واحد ما شرق

لو كان لي فيهم ولا (٢)

با دقّهم في الأرض دقّ

ويقال : له ابن عمّ على غير رأيه يقال له : عليّ بن صالح بن امبارك أحرق «ديوانه».

__________________

(١) توفي عبد القادر بن عمر بسربايا سنة (١٣٤٢ ه‍) ، الملقّب أبو صالح والشّعيرة ، ولقب الشّعيرة أطلق على جده امبارك ؛ لأن أمه كانت تحبه جدا وتسميه شعيرة العين ، ومنه سرى اللقب لأولاده وأحفاده.

(٢) أي : لو كان لي ولاية على من يبغض أهل البيت .. لدققتهم بالأرض دقا.


ثبي

هي قرية لا بأس بها في شمال حصن جرّه ، لا تبعد عنه إلّا نصف ميل تقريبا ، حولها شراج كثيرة ، فيها نخيل تشرب من السّيول.

وكان السّيّد عبد الله بن أحمد بن حسين العيدروس (١) يخترف فيه ، ثمّ انتقل إليه ولده علويّ ـ المترجم له في «المشرع» (ص ٢٤٩ ج ٢) ـ واتّخذه قرارا إلى أن توفّي سنة (١٠٥٥ ه‍) ، ودفن بتريم ، وكان وادي الذّهب لحسن بن علويّ ، فباعه ـ حسبما مرّ في الرّيّضة ـ واعتاضها به. ووادي ثبي والحطيطة لحسين بن علويّ.

وثبي من جملة أودية تريم ، والجبال الّتي تنهر إليه بعيدة الفروع وكلّها في شمالها ، يأخذ بعضها إلى الغرب ، وبعضها إلى الشّرق.

وفي حوادث سنة (٩٠٤ ه‍) من «تاريخ شنبل» : أنّ ضمير ثبي عمّر بنحو ألفين وثلاث مئة دينار مرسلة لذلك من السّلطان عامر بن عبد الوهّاب ، سلطان عدن واليمن ، وهو الّذي كان الإمام أبو بكر العدنيّ العيدروس يحبّه ويثني عليه ، وكان كثير الخيرات والعمارات.

وقد اشتبه عليّ في «الأصل» باني صهاريج عدن ، ثمّ وقفت على ما ذكره سيّدي عبد القادر بن شيخ العيدروس في ص [١٧٠] من «النّور السّافر» عن عامر هذا من أنّه (بنى مسجدا بداخل عدن ، وأجرى المياه بظاهر باب البرّ منها ، وعمل بها صهريجا عظيما ، لم يسبق إلى مثله) اه

وبما أنّ أكبر الصّهاريج في الواقع هو آخرها .. فقد تعيّن بانيه ، لكنّ السّؤال عن القدامى لا يزال بحاله ، ولكنّها لن تكون قبل الهمدانيّ ، المتوفّى سنة (٣٣٤ ه‍) لأنّها لو كانت موجودة في زمانه أو قبله .. لذكرها في عجائب اليمن الّتي ليس في بلاد

__________________

(١) هو السيد الشريف العالم العامل عبد الله بن أحمد بن الحسين بن الإمام عبد الله العيدروس ، يلقب بمولى الطاقة ، كان من أهل المعرفة والصلاح والكشف ، توفي سنة (١٠٢٥ ه‍) بتريم.


مثلها ؛ فقد ذكر منها باب عدن ، قال : (وهو شصر (١) مقطوع في جبل كان محيطا بها ، ولم يكن لها طريق إلى البرّ إلّا لمن يتسنّم ظهر الجبل ، فقطع في الجبل باب مبلغ عرضه حتّى سلكت فيه الدّوابّ والمحامل وغيرها. وفي بينون أيضا جبل قطعه بعض ملوك حمير حتّى أجرى فيه سيلا من بلد وراءه إلى أرض بينون) اه بمعناه (٢) ، وفيه شبه بما سبق في ميفعة.

وفيه شاهد لما سبق في ميفعة ، ومن العجب أنّ الهمدانيّ لم يذكر ذلك ، وبعيد أن يكون من بعده ، بل محال.

ثمّ وقع إليّ «تاريخ أبي الفتح يوسف بن يعقوب بن محمّد» المعروف بابن المجاور ، فإذا فيه : أنّ السّلطان شاه بن جمشيد بن أسعد بن قيصر تولّى عدن في حدود سنة (٦٢٥ ه‍) ، وكان يجلب إليهم ماء الشّرب من زيلع ، ثمّ بنوا الصّهريج لأجل ماء الغيث.

إذا فالصّهريج الأوّل بعدن من بناء الفرس.

ولكن قد مرّ أوائل هذا الكتاب ما يعرف منه حال ذلك التّاريخ ، ومرّ عنه ـ أيضا ـ في تلك النّقطة : أنّ فتح باب عدن كان من عمل عفريت شدّاد بن عاد لا من أعمال حمير.

ثمّ إنّ عمارة عامر لضمير ثبي لم يطل أمدها ، بل انهارت وشيكة ، وجدّدها الشّيخ الكبير عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ ، المتوفّى بتريم سنة (١٠١٩ ه‍) ألف وتسع عشرة ، ومن الغريب أنّ صاحب «المشرع» لم يذكر له هذه المكرمة الخالدة فإنّها الباقية إلى اليوم.

ومن ذرّيّة السّيّد حسين بن علويّ بن عبد الله بن أحمد بن حسين العيدروس .. السّيّد المجذوب : حسين بن عبد الله بن حسين بن علويّ ، المتوفّى سنة (١١٧٣ ه‍) ، وهو صاحب المقطّب بثبي ، ومن ذرّيّته آل علويّ بن محمّد بن عبد الرّحمن بالمقطّب.

__________________

(١) الشّصر : الشّقّ والقطعة ، قال في «اللّسان» : (الشّصور : الشّطور) وشطر الشّيء : بعضه.

(٢) صفة جزيرة العرب (٣٠٦ ـ ٣٠٧).


قال شيخنا المشهور في «شمس الظّهيرة» [١ / ١٢٠] : (وهم مناصبها وأولياء أمرها) اه

وفي سنة (١٢٠٦ ه‍) نشبت الحرب في تريم بين يافع والحبيب محمّد بن عبد الرّحمن العيدروس منصب ثبي ، وقام معه آل تميم وجميع قبائل حضرموت ، ودخلوا تريم ونهبوها ، وأحرقوا جملة بيوت في الحوطة والسّحيل.

أمّا الحبيب علويّ بن محمّد .. فتربّى بالعلّامة الإمام عبد الله بن حسين بن طاهر ، فهذّب أخلاقه ، وقوّم أوده (١) ، وثقّف قناته ، فلم يتولّ المنصبة إلّا وهو بها خليق ـ وكان سيّدي عبد الله بن حسين بن طاهر كثيرا ما يعتني بأمور المناصب والمرشّحين لها وتهذيبهم ؛ لعموم نفعهم ـ ولمّا مات خلفه ولده عبد الله إلى أن توفّي سنة (١٣٢٩ ه‍)

وكثيرا ما ينوب عنه ـ ولا سيّما في غيابه ـ أخوه محمّد بن علويّ ، وكان كثير التّعلّق بسيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، حتّى إنّه ليصلّي العصر في جامع ثبي ، ثمّ يركب حصانه ويعديه ملء فروجه (٢) ، ويزور والدي بمكاننا علم بدر ويجلس معه ساعة ، ثمّ لا تفوته صلاة المغرب خلف الأستاذ ، وبينهما قراب المرحلة.

ذهب إلى جاوة في سنة (١٣٤٢ ه‍) ، ثمّ رجع عنها بدون طائل ، وقد قال أبو نواس [من الطّويل] :

وأوبة مشتاق بغير دراهم

إلى أهله من أعظم الحدثان

غير أنّه لم يكن محتاجا للدّراهم ؛ إذ لا أولاد له ، وإنّما هو عقيم ، ولم تطل مدّته بعد عودته ، بل مات بعد وصوله بأيّام في (٨) ذي الحجّة سنة (١٣٤٦ ه‍).

وخلف السّيّد عبد الله بن علويّ على المنصبة ولده حسين ولمّا مات ، وقع رداؤه

__________________

(١) الأود : الاعوجاج.

(٢) يعديه ملء فروجه : أي يركضه ركضا يملأ الفراغ الّذي بين رجليه ، وهو كناية عن شدّة سرعة الفرس ؛ إذ إنّك لا ترى فراغا بين رجليه ، بل تحسّ أنّ رجليه لصقت ببطنه من شدّة سرعة حركتها.


على ابنه الفاضل أحمد بن حسين ، وكان غزير المروءة ، كثير الصّمت ، جمّ الوقار ، وهو الّذي جرى بينه وبين آل تريم ما أشرنا إليه في تاربه (١).

وثبي من الأودية المباركة ، يتيامن به النّاس ، متى صلحت ثماره وأمرع (٢) .. عمّ الخصب في وادي حضرموت ، حتّى لقد كان الحبيب حسين بن عمر بن عبد الرّحمن العطّاس يقول : إنّا لنعرف خصب وادي ثبي بدرور البركات في زروع وادي عمد ونخيله.

وسكّان ثبي من السّادة آل العيدروس ، ومن السّادة آل الحبشيّ ، ومنهم : العالم الصّالح ، الفاضل العابد المتواضع : عبد الله بن علويّ الحبشيّ (٣) ، المتوفّى سنة (١٣٤٣ ه‍) عن جملة أولاد ؛ منهم : العالم الصّوفيّ النّاسك ، الحافظ لكتاب الله : حسين ، نفع الله به (٤).

وسكّانها ناس من آل الرّاقي آل بافضل ؛ منهم : الرّجل الصّالح أبو بكر بن سالم بن بو بكر الرّاقي (٥) المتوفّى سنة (١٣١٣ ه‍) ، وصاحبنا الشّيخ عوض بن محمّد المتوفّى سنة (١٣٦٠ ه‍) (٦).

وناس من الزّبيديّين ؛ منهم : صافي وعيسى وأبو بكر بنو أحمد الزّبيديّ ، لهم ضيافة ومكارم أخلاق ، وقد أوصى الأوّل ـ وهو صافي ـ بثلث ماله في سبيل

__________________

(١) جاء في هامش المخطوط : (توفي السيد أحمد بن حسين في غرّة شوال من عامنا بعد الفراغ من هذا «١٣٦٧ ه‍»).

(٢) أمرع : أعشب.

(٣) ولد بتريم سنة (١٢٧٣ ه‍) ، وكان عالما ورعا ، تولى التدريس والدعوة ، أخذ عن بعض علماء تريم وشبام ، وسار إلى جاوة ـ فليمبانغ ـ وعدن ، وعاد إلى حضرموت سنة (١٢٩٩ ه‍) ، وتوفي بها سنة (١٣٤٣ ه‍).

(٤) جاء في هامش المخطوط : (توفّي السّيّد حسين بن عبد الله هذا آخر العام هذا بعد الفراغ من هذا الكتاب «١٣٦٧ ه‍»).

(٥) كان في سن السيد علوي بن زين الحبشي ، ودرسا سوية ، حتى إنهما كانا يترافقان في الذهاب إلى المسيلة للقراءة على الإمام عبد الله بن حسين بن طاهر .. «الصلة» (٢٩٦).

(٦) وهو : عوض بن محمد بن أبي بكر ، الجد الجامع لآل الراقي الذين بثبي ، وهو الشيخ أبو بكر بن أحمد بن محمد بن فضل الراقي.


المبرّات ، وجعل النّظر للسّيّد عبد الله بن علويّ الحبشيّ وولده حسين ، ومن حيث إنّهما شهود الوصيّة .. فقد ثبتت بشهادتهما ، لكن لم تثبت الوصاية ؛ لأنّ فيها شهادة لأنفسهما ، ولمّا بطلت .. أسند منصب ثبي السّيّد أحمد بن حسين النّظر إلى عيسى.

وفي ثبي كثير من الأكرة والمساكين ، إلّا أنّ المجاعة الأخيرة اجتاحت منهم الكثير.

وادي الذّهب

هو واد ليس بالواسع ولا بالضّيّق ، ولكن بين بين ، يبعد عن ثبي شمالا إلى جهة الغرب بنحو ساعتين ونصف للماشي ، وهو بين جبلين ، وعليه شراج كثيرة ، بعضها للمشايخ الزّبيديّين آل بو بكر بن عيسى ، يربعون به في أيّام الخصب على ملء الجفان ، وإكرام الضّيفان ، ويهربون إليه في أيّام الجدب ؛ لكثرة من ينزل بهم من أبناء السّبيل إذا بقوا بثبي.

وقد نزل به أولادي حسن ومحمّد على ضيافة الشّهم الكريم الولد عبد الله بن أبي بكر الزّبيديّ ، على نيّة أن ينقلبوا من آخر يومهم ، فأعجبهم الهواء الطّلق ، والفضاء الرّحب ، والأنس التّامّ ، فأقاموا به ثلاثة أيّام.

وبعض شراجه لسكّانه ـ الّذين لا يرحلون عنه خصبا ولا جدبا ولا شتاء ولا صيفا ـ وهم آل براهم ، وهم من المهرة ، وإنّما نجعوا في أيّام الحبيب عبد الله بن شيخ الثّاني (١) ، وبعضهم يعدّهم من العوامر باعتبار انغماسهم فيهم بالحلف.

ومن الغرائب : أنّ نمرا وثب على امرأة من سرواتهم ـ وهي تحطب ـ فاتّقته بمشعب معها وضعته في فمه ، وجعلت تضربه بمسحاة معها حتّى قتلته ، وطمع فيها رجل وهي منفردة تحتطب ، فألانت له القول ، ولمّا اقترب منها .. ألقت رأسه بين ركبتيها تدوسه ، حتّى شمّ الموت ، فتعهّد لها بخمس عشرة شاة إزاء ما اجترأ عليها ،

__________________

(١) المتوفى بتريم سنة (١٠١٩ ه‍).


ووفّى لها ، واسمها فطوم بنت بخيت بن كرتم بن براهم ، كانت موجودة في سنة (١٣٦٠ ه‍) ، وإنّما ماتت بعد ذلك.

وقد مرّ في شبوة خبر عن عليّ ناصر القردعيّ فيه شبه من خبر هذه المرأة الجزلة رحمة الله على عظامها ، وأكبر منه ما سبق في القطن عن امرأة الأمير صلاح بن محمّد القعيطيّ.

حصن العزّ

قد سبق في قارة الشّناهز أنّه لم يبن إلّا في سنة (٨٤٢ ه‍) ، وذلك أنّ دويس بن راصع تحرّش بالسّلطان عبد الله بن عليّ بن عمر الكثيريّ ، فأقبل من ظفار وحصر تريم ، وتعدّدت المعارك تحت تريم ، وشاد السّلطان بعض معاقل لتشديد الحصر عليها ، فكان حصن العزّ مما بناه يومئذ.

وفي «المشرع» [١ / ٢٥٣] عن «تاريخ شنبل» [٦٣] أنّه : (بني لتريم في سنة (٦٠١ ه‍) سور من قارة العزّ إلى حيد قاسم ، ثمّ أخربه السّلطان بدر بن محمّد الكثيريّ (١) سنة (٨٩٥ ه‍) ، ثمّ عمّر ، ثمّ أخربه السّلطان عبد الله بن راصع (٢) سنة (٩١٠ ه‍) ، ثمّ أعاده السّلطان محمّد بن أحمد (٣) سنة (٩١٣ ه‍) ، ولا وجود لذلك السّور ، والظّاهر أنّ بدر بن عبد الله بوطويرق هدمه لمّا أخذها سنة (٩٢٦ ه‍) ، من محمّد بن أحمد المذكور) اه بمعناه.

وقد ذكرنا في «الأصل» ما يروى أنّ عبد الله بن راشد اعتزل السّياسة بالآخرة ، وسكن قارة العزّ ـ بما فيه ـ وأنّ بعض الصّالحين بتريم مات ، فأحبّ الفقيه محمّد بن

__________________

(١) هو بدر بن محمد بن عبد الله بن علي بن عمر ، توفي في (٣) شوال (٩١٥ ه‍) ، ودفن بجرب هيصم بشبام. «الدولة» (٢٨ ـ ٣٠).

(٢) كان واليا وقتها على (تريم) ، وهو من آل يماني. «الحامد» (٢ / ٥٣٢).

(٣) هو محمد بن أحمد بن سلطان بن يماني كان حاكما على تريم من عام (٩١٢) إلى (٩٢٦ ه‍).

«الحامد» (٢ / ٥٣٣).


أبي الحبّ حضور السّلطان عبد الله بن راشد للصّلاة عليه ، فلم يقدر على أجرة رسول يبعث به إليه في قرية العزّ المذكورة ، فاتّفق حضور السّلطان مصادفة.

وقد رجّحت في «الأصل» أنّ المراد قارة العرّ الّتي بحوطة سلطانة ، بأمارة أنّ السّلطان قتل على مقربة منها ، فلعلّها هي الّتي أقام بها بعد اعتزال السّياسة إن صحّ ـ على ما فيه ـ وهي الّتي يتمعنى أن لا يقدر ابن أبي الحبّ على أجرة رسول إليها ، أمّا قارة العرّ .. فلا تحتاج إلى أجرة تذكر ؛ لأنّها على دون نصف الميل من تريم ، بل قد مرّ بك أنّها منها ؛ لانتهاء سورها إليها في سابق الزّمان ، ولكنّي رأيت في الحكاية الخامسة من «الجوهر الشّفّاف» [١ / ٥٩ ـ ٦٠] ما يعيّن هذه.

ويفهم ممّا مرّ أنّ لفظ العزّ يطلق على القارة من قديم ، وإن كان البناء بها متأخّرا.

حصن آل فلّوقة (١)

هو قرية واقعة في سفح الجبل المسمّى باعشميل ، في جنوب تريم بإزاء الرّملة ، إلى شرقيّها ، فيصلح عدّها هنا في القرى الّتي بجنوب تريم ، ويصلح عدّها في القرى الّتي في شرقيّها ، ولكنّي آثرت الأوّل لأتمكّن من كلمات تليق بفضيلة شيخنا العلّامة أبي بكر بن شهاب بمناسبة وجوده فيها مع نشاط الخاطر ؛ إذ لا يمكنني أن أبلغ فيه شيئا ممّا أريد في أخبار تريم المقصود مراجيحها بالحظّ الأوفى من قول العلّامة الجليل عبد الرّحمن بن عبد الله بن أسعد اليافعيّ [من الطّويل] :

مررت بوادي حضرموت مسلّما

فألفيته بالبشر مبتسما رحبا

وألفيت فيه من جهابذة العلا

أكابر لا يلفون شرقا ولا غربا

وقد سمعت كثيرا من الشّيوخ وأهل العلم يقولون : (إنّ هذا كان جواب الشّيخ لمّا سأله أبوه عن أهل حضرموت) ، وهو وهم ظاهر ؛ لأنّ وفاة الشّيخ عبد الله بن

__________________

(١) آل فلّوقة : بطن من بطون قبيلة تميم.


أسعد كانت في سنة (٧٦٨ ه‍) (١) ، ووفادة ولده إلى حضرموت إنّما كانت في سنة (٧٩٤ ه‍) كما ذكره شنبل (٢).

وسيأتي عن بامخرمة في تريم أنّ صاحب القصّة إنّما هو عليّ بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن أسعد ، ولكنّ كلام شنبل أثبت ؛ لأنّه أعرف بحضرموت وأخبارها.

ولد شيخنا ـ الّذي لا حاجة إلى ذكر اطّراد نسبه ؛ لغناه عنه بشهرته ، كما قال المتنبّي [في «العكبريّ» ١ / ١٧٦ من البسيط] :

يا أيّها الملك الغاني بتسمية

في الشّرق والغرب عن وصف وتلقيب

في تلك القرية سنة (١٢٦٢ ه‍) ، ودرج بين أحضان العناية ، وشبّ محفوفا بالرّعاية ، وكان في صفاء الذّهن وحدّة الفهم آية ، نعس مرّة بين أصحاب له ـ منهم السّيّد الشّهير عليّ بن محمّد الحبشيّ ـ يقرؤون في الفرائض فعاتبه أحدهم ، فسرد لهم ما كانوا فيه! ثمّ صبّحهم من اليوم الثّاني بمنظومته الموسومة ب : «ذريعة النّاهض» وقد أخذ قوله في آخرها [من الرّجز] :

وعذر من لم يبلغ العشرينا

يقبل عند النّاس أجمعينا

من قول صاحب «السّلّم» [في البيت ١٣٨ من الرّجز] :

ولبني إحدى وعشرين سنه

معذرة مقبولة مستحسنه

وجرى الاختلاف بمحضر شيخنا المشهور فيما لو اختلف الماء وزنا ومساحة بماذا يكون الاعتبار في القلّتين؟ فنظم على البديهة سؤالا سيّره لمفتي زبيد السّيّد داود حجر (٣)

__________________

(١) ترجمة الشيخ عبد الله اليافعي في المصادر التالية : «الدرر الكامنة» (٢ / ٢٤٧) ، «شذرات الذهب» (٦ / ٢١٠) ، «طبقات الشافعية» (٦ / ١٠٣) ، «الأعلام» (٤ / ٧٢).

(٢) «شنبل» (ص ١٥٠).

(٣) العلامة المحقق الفقيه داود بن عبد الرحمن بن قاسم الملقّب : (حجر القديمي) الحسيني الزبيدي الشافعي ، المولود بزبيد ، والمتوفّى بها سنة (١٣١٣ ه‍) ، أخذ عن جمع من شيوخ عصره .. كان عالما نحريرا ، وبحرا غزيرا ، تنظر ترجمته في : «أئمة اليمن» لزبارة (٢ / ٣٧٨) ، و «ثبت الفقيه».


فعاد الجواب على غرار ذلك النّظم مصرّحا باعتبار المساحة (١).

__________________

(١) ومن باب إتمام الفائدة المرجوّ منها حسن العائدة .. نسرد هنا أبيات السيد أبي بكر (السؤال) ، ثم نتبعه برد السيد داود (الجواب) نقلا عن خط العلامة الفقيه المعمر عبد الله الناخبي حفظه الله تعالى :

نص السؤال :

إلى علماء العصر في البر والبحر

من الشافعيين الجهابذة الغرّ

سؤال ولو لا الجهل ما خطّ رسمه

من الحضرميّ ابن شهاب أبي بكر

لقد جاء ما معناه عن سيّد الورى

نبي الهدى الداعي إلى الحق والبر

إذا بلغ الما قلتي هجر فلي

س يحمل خبثا يدفع الخبث المزري

وأطبق أتباع ابن إدريس بعده

بأنهما بالوزن مضبوطي القدر

وذلك تقريبا بخمس مئي وفت

بأرطال ساحات الرصافة والجسر

وأنهما طولا وعرضا ونازلا

ذراع وربع بالمساحة والشبر

وجرّب أهل الخبرة الماء فهو في

بقاع خفيف وهو في البعض كالصخر

وكيف إذا جئنا بخمس مئي كما

أفادوا ثقيلا وهو بالمسح ذا خسر

وبالعكس ما لو كان بالمسح كاملا

خفيفا وكان النقص وزنا لدى الحزر

فعند اختلاف الوزن والمسح ما الذي

به الأخذ شرعا منهما يا ذوي الذكر

فإن قلتم بالمسح نأخذ ألغيت

عباراتهم في الضبط للوزن للقدر

وإن قلتم بالوزن ثم رددتم

إلى الأصل هذا الحكم لم يخل عن نكر

وبالمسح لا بالوزن كثرته التي

على دفعه يقوى بها وعلى الطهر

فهذا سؤال يا بني الفقه لم أجد

إلى كشفه نقلا وما العلم بالحجر

فلما وصل هذا السؤال المنظوم إلى حضرة السيد داود .. دفعه إلى ابنه العلامة السيد محمد داود .. المتوفى بإستنبول سنة (١٣٠٧ ه‍) ، فأجابه نظما على وزنه وقافيته :

أحبّ غمام أم عقود من الدر

أم الغادة الحسناء باسمة الثغر

نعم طرس علم ذو معان نفيسة

أتى من نضار الآل والسادة الغر

أعاد لنا ذكر الألى سبقوا إلى

معالي المعاني فوق سابحة الفكر

فأبدى سؤالا ما سؤالات نافع

ولا معن في تحقيقه غير ذي حصر

يقول : اختلاف الماء ثقلا وخفة

يباين ضبط القلتين لدى السّبر

فخمس مئي الارطال تقصر إن يكن

ثقيلا عن المقدار بالذرع والشبر

وأكثر منها يبلغنه بخفة

فما المرتضى عند اختلاف ذوي الحزر

جوابك : أن المرتضى الذرع حسبما

يشير إلى ذاك الحديث لمن يدري

لتعليقه للحكم بالظّرف وهو ذو

جوانب تدرى بالمساحة للخبر

ولو كان للوزن اعتبار أتى به

فمن عدله عنه اطّرحناه في القدر


وقد ذكر شيخنا المسألة في «البغية» ، ولكنّه لم يشر إلى ما كان واقعا من القصّة ، وامتحنت شاعريّته في حضرة الشّريف عبد الله (١) بمكّة المشرّفة ، فخرج كما يخرج الذّهب التبر من كير الصّائغ ؛ إذ أنشأ في المجلس من لسان القلم أكثر ممّا اقترحوه عليه.

وفي «ديوانه» عدّة قصائد بهيئة الأرتقيّات (٢) في مديح خديوي مصر الجليل توفيق باشا (٣) ، وزعم جامعو «ديوانه» أنّه لم يقدّمها إليه ، وأنا لا أصدّق ذلك ؛ لخروجه عن الطّبيعة الغالبة ؛ إذ قلّما ينجز الشّاعر قصيدته إلّا كانت في صدره ولولة لا تهدأ إلّا بإظهارها ، فالظّاهر أنّه قدّمها ولكنّها لم تحظ بالقبول ، وقد قيل لأرسطو : إنّ أهل أنطاكيّة لم يقبلوا كلامك .. قال : لا يهمّني قبولهم ، وإنّما يهمّني أن يكون صوابا.

وللعلّامة ابن شهاب أسوة بسابقيه من الفحول ، فقد اقشعرّ بطن مصر بأراكين القريض ؛ كحبيب وأبي عبادة ، ولم ينج المتنبّي إلّا بجريعة الذّقن حسبما قرّرته في «النّجم المضي».

__________________

وكون صحاب الشافعي يذكرونه

فذلك للاستظهار منهم بلا نكر

نظير الذي قالوه في صاع فطرة

ووسق زكاة للبراءة من خسر

فقد ذكروا الميزان لكن مدارهم

على الكيل فاطلب ما هنالك واستقر

ومما يقوّي ما ذكرناه : نصّهم

على الوزن بالتقريب خليك عن ذكر

وما جاوز التحديد في قدر أذرع

وهذا دليل الاعتبار لها فادر

وحاصله : أن التّخالف إن يكن

فيرضى بتحكيم المساحة في الطّهر

هذا ما كتبه الشيخ عبد الله الناخبي ، في كراس له ، كتبه سنة (١٣٤٧ ه‍) ، أي قبل (٧٥) سنة من اليوم ، أطال الله عمره ، وأمتع به في خير وعافية.

(١) يعني به : الشريف عبد الله بن الحسين بن علي الحسني الهاشمي (١٢٩٩ ـ ١٣٧٠ ه‍) ، ولد بمكة ، وصار نائبا عن أبيه سنة (١٣٢٦ ه‍) ، وفي عام (١٣٦٥ ه‍) أقيم ملكا على الأردن ، ومات سنة (١٣٧٠ ه‍). «الأعلام» (٤ / ٨٢).

(٢) جمع أرتقيّة ؛ وهي القصائد التي تبتدىء أبياتها وتنتهي بحرف واحد ، وأول من ابتكرها صفي الدين الحلي عبد العزيز بن سرايا (ت ٧٥٠ ه‍) في مدح ملوك الدولة الأرتقية بالشام.

(٣) هو خديوي مصر محمد توفيق باشا ابن الخديوي إسماعيل بن إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا ، سادس ملوك مصر ، ولد سنة (١٢٦٩ ه‍) ، ومات في (٦) جمادى الثانية (١٣٠٩ ه‍) في حلوان.

«الأعلام الشرقية» (١ / ٣٩).


وأخبار العلّامة ابن شهاب أكثر من أن يتّسع لها المجال ، وهو الّذي مهّد له الصّواب ، وأطلق الخطاب ، وألين القول ، وأطيل الجول.

كأنّ كلام النّاس جمّع حوله

فأطلق في إحسانه يتخيّر (١)

لقد أخذ قصب السّبق ، ولم تنجب حضرموت مثله من الخلق.

أمّا في الفقه .. فكثير من يفوقه من السّابقين ، بل لا يصل فيه إلى درجة سادتي : علويّ بن عبد الرّحمن السّقّاف وعبد الرّحمن بن محمّد المشهور ، وشيخان بن محمّد الحبشيّ ، ومحمّد بن عثمان بن عبد الله بن يحيى من اللّاحقين.

وأمّا في التّفسير والحديث .. فلا أدري.

وأمّا في الأصلين ، وعلم المعقول ، وعلوم الأدب والعربيّة ، وقرض الشّعر ونقده .. فهو نقطة بيكارها ، وله فيها الرّتبة الّتي لا سبيل إلى إنكارها.

وقد رأينا أشعار إمام الإباضيّة ، والشّيخ سالم بافضل ، وابن عقبة ، وعبد المعطي ، وعبد الصّمد ، ومطالع القطب الحدّاد الرّائعة ، ومنقّحات العلّامة ابن مصطفى الشّاعرة ، فضلا عمّن دونهم .. فلم نر أحدا يفري فريه (٢) ، ولا يمتح بغربه (٣) ، ولا يسعى بقدمه ، والآثار شاهدة والمؤلّفات والأشعار ناطقة.

مجد تلوح حجوله وفضيلة

لك سافر والحقّ لا يتلثّم (٤)

أما إنّ كلامه ليسوق القلوب النّافرة أحسن مساق ، ويستصرف الأبصار (٥) الجامحة كما تستصرف الألحاظ العشّاق.

ينسى لها الرّاكب العجلان حاجته

ويصبح الحاسد الغضبان يرويها (٦)

__________________

(١) البيت من الطّويل.

(٢) يفري فريه : يعمل عملا متقنا كعمله.

(٣) يمتح : يستقى. بغربه : دلوه العظيمة.

(٤) البيت من الكامل ، وهو لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ١٠٤).

(٥) يستصرف الأبصار : يردّها عن وجهتها.

(٦) البيت من البسيط ، وهو من قصيدة لابن نباتة السعدي.


ولطالما وردت القصيدة بعد القصيدة من أشعاره إلى حضرة سيّدي الوالد في حفلة فلا تسل عمّا يقع من الاستحسان والثّناء من كلّ لسان ، والإجماع على فضل ذلك الإنسان ، غير أنّ والدي كثيرا ما يخشى عليّ الافتتان بتلك الرّوائع فيغيّر مجرى الحديث ، ولكنّه لا يقدر أن ينقذ الموقف متى حضر سيّدي الوالد علويّ بن عبد الرّحمن ، لأنّه من المولعين بابن شهاب وبأدبه ، فلا يزال يكرّر إنشادها ، ويطنب فيمن شادها ، وكلّما أراد أبي أن ينقذ الموقف .. قال له : دعنا يا عبيد الله نتمتّع بهذا الكلام ، لن يفوتك ما أنت فيه.

ونحن نجد من اللّذة بذلك الشّعر العذب ، واللّؤلؤ الرّطب ، ما يكاد ينطبق عليه قول المتنبّي [في «العكبريّ» ٤ / ٨٦ من الطّويل] :

ألذّ من الصّهباء بالماء ذكره

وأحسن من يسر تلقّاه معدم (١)

وكلّ من القوم ضارب بذقنه ، أو باسط ذراعيه بالوصيد ، ويزيد أهل الشّعر منهم بتمنّي أن لو كان لأحدهم بيت منها بجملة من القصيد.

وكما لقّحت البلاد بفنونه عن حيال .. فلا أكذب الله : كلّ من بعده عليه عيال ، وأنا معترف بأنّ ما يوجد على شعري من مسحة الإجادة .. إنّما هو بفضله ؛ لأنّني أطيل النّظر في شعره ، وأتمنّى أن أصل إلى مثله.

وكأنّنا لمّا انتحينا نهجه

نقفو ضياء الكوكب الوقّاد (٢)

وكان يحسد حسدا شديدا ، لا من النّاحية العلميّة والأدبيّة اللّتين سقطت دونهما همم العدا ونفاسة الحسّاد ؛ لأنّ الأمر من هذه النّاحية كما قال البحتريّ [في «ديوانه» ١ / ١٤ من الكامل] :

فنيت أحاديث النّفوس بذكرها

وأفاق كلّ منافس وحسود

__________________

(١) الصّهباء : اسم من أسماء الخمر. المعدم : الفقير.

(٢) البيت من الكامل ، وهو للبحتريّ في «ديوانه» (١ / ١٨٦) بتغيير بسيط.


ولكن من قوّة نفسه ومغالاته بها ، وما يصحبه من التّوفيق في الإصلاح ؛ فإنّه لا يهيب بمشكل إلّا انحلّ ، ولا ينبري لمعضل إلّا اضمحلّ.

فأرى الأمور المشكلات تمزّقت

ظلماتها عن رأيه المستوقد (١)

ومع تألّب الأعداء عليه من كلّ صوب .. تخلّص منهم قائبة من قوب (٢) ، ووقي شرّهم وقيّا ، وما زادوه إلّا رقيّا ، فانطبق عليهم قول حبيب [في «ديوانه» ٢ / ١٠٣ من الكامل] :

ولقد أردتم أن تزيلوا عزّه

فإذا (أبان) قد رسى و (يلملم) (٣)

وهو محبوب بعد لدى فحول الرّجال وأئمة أهل الكمال ، كسيّدي الجدّ ، والأستاذ الأبرّ ، والحبيب أحمد بن محمّد المحضار ، والحبيب عليّ بن حسن الحدّاد ، والحبيب عمر بن حسن الحدّاد ، والحبيب محمّد بن إبراهيم ، وأمثالهم. وقد قال الأوّل [من الطّويل] :

إذا رضيت عنّي كرام عشيرتي

فلا زال غضبانا عليّ لئامها

وله رحلات كثيرة ، أولاها سنة (١٢٨٦ ه‍) إلى الحجاز ، ثمّ عاد إلى تريم ، وفي سنة (١٢٨٨ ه‍) ركب إلى عدن واتّصل بأمراء لحج ومدحهم ، وزعم بعض النّاس أنّه كان يعنيهم بقصيدته المستهلّة بقوله [في «ديوانه» (٩٣ ـ ٩٥) من الوافر] :

ذهبت من الغريب بكلّ مذهب

وملت إلى النّسيب وكان أنسب

وأنا في شكّ من ذلك ؛ لأنّ له فيهم بعدها غرر القصائد ، ومنها قوله [من الطّويل]

هو الحيّ إن بلّغته فانزل الحانا

وحيّ الألى تلقاهم فيه سكّانا

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو للبحتريّ في «ديوانه» (١ / ٦٦).

(٢) يقال في المثل : تخلصت قائبة من قوب ؛ أي بيضة من فرخ ، يضرب لمن انفصل من صاحبه.

(٣) أبان ويلملم : اسما جبلين.


على أنّ للإنسان لسانا في الغضب غير لسانه في الرّضا،وقد قال الأوّل[من الطّويل]

هجوت زهيرا ثمّ إنّي مدحته

وما زالت الأشراف تهجى وتمدح

ثمّ إنّ المترجم ركب من عدن إلى جاوة وأقام بها نحوا من أربع سنين ، ثمّ عاد إلى الغنّاء في سنة (١٢٩٢ ه‍) ، وثمّ نجمت فتنة النّويدرة وكان له أفضل السّعي في إخمادها ونجح ، ثمّ اشتدّ عليه الأذى فهجر حضرموت سنة (١٣٠٢ ه‍) ، وهي الرّحلة الّتي يقول عند رجوعه منها [من الطّويل] :

ثلاثون عاما بالبعاد طويتها

وكم أمل في طيّ أيّامها انطوى

وها عودتي لمّا أتيحت نويتها

عسى وعسى أن ليس من بعدها نوى

ولمّا قدم إلى تريم في سنة (١٣٣١ ه‍) .. هنّأته بقصيدة نكر منها بعض أهل العلم بتريم أبياتا ، فقال لي السّيّد عبد الرّحمن بن عبد الله الكاف : أتحبّ أن يبحث معك إخوانك في أبيات أنكروها من قصيدتك؟ فقلت له : نعم ، بكلّ مسرّة وفرح.

فأقبل العلّامة السّيّد حسن بن علويّ بن شهاب ـ لأنّهم نصّبوه إذ ذاك للرّياسة العلميّة بتريم لينافس الوالد أبا بكر ابن شهاب في عشرين من علية طلّاب العلم ، فيهم العلّامة عليّ بن زين الهادي (١) ، ولم أكره حضور أحد سواه ؛ لما اشتهر به من الحدّة ، فخشيت أن يخرج بنا الجدال عن اللّياقة ، وما فرغنا من المناقشة .. إلّا وقد رجعوا إلى كلامي ، وأوّل من انحاز إلى جانبي هو السّيّد عليّ بن زين الهادي مصداق أنّ الحدّة تعتري الأخيار .. فكان من خيار المنصفين ، فهابه من رام المغالطة.

وما أنا في هذا بمجازف ولا كاذب ، ولا أستشهد على طول الزّمان بميت ولا غائب ؛ فقد بقي السّيّد يوسف بن عبد الله المشهور ممّن حضر ذلك البحث فليسأله من أحبّ.

وموضوع المناقشة أنّني عرّضت ـ في تلك القصيدة ـ ببعض من يعزّ عليهم ممّن غيّر

__________________

(١) كان السيد علي فقيها عالما مفتيا ، تولى التدريس بزاوية الشيخ علي بتريم ، وتوفي بها في (٧) ذي الحجة (١٣٤٦ ه‍).


منار سيرة السّلف بإعزاز الأغنياء وإذلال الفقراء والعلماء ، ولمّا صدقتهم وذكرت لهم من أعمال أولئك ما يخالف هديه صلّى الله عليه وآله وسلّم .. لم يسعهم إلّا الإذعان ، ووعدوا بالتّوسّط لإصلاح الأمور ، وكأنّهم لم يجدوا قبولا من ذلك الجانب فانثنوا ، والقصيدة بموضعها من «الدّيوان».

وأشهد لقد طلعت عليه فجأة إلى سطح قصره بعد المغرب .. فإذا به يدور على غاية من الاستغراق والحضور ، ويكرّر قول أبي فراس [في «ديوانه» ٤٥ من الطّويل] :

فليتك تحلو والحياة مريرة

وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الّذي بيني وبينك عامر

وبيني وبين العالمين خراب

فجمعت يدي منه على دين ثابت ، ويقين فرعه في السّماء وأصله في التّخوم نابت.

ولطالما ترنّحت طربا لهذين البيتين ، واستجهرني جمالهما ، وترنّمت بهما في مناجاة الباري عزّ وجلّ ، لا سيّما وقد تمثّل بهما جلّة العلماء ، ومنهم سلطانهم عزّ الدّين ابن عبد السّلام ، غير أنّي لمّا أنعمت النّظر ، وأفقت من دهشة الإعجاب به .. ألفيته مصادما لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «لا تمنّوا لقاء العدوّ ، واسألوا الله العافية» (١) ؛ إذ لم يترك شيئا من البلاء إلّا تمنّاه.

وربّما يكون ما وقع فيه ابن عبد السّلام من السّجن والامتحان مسبّبا عن ذلك ، وقد ذكرت في «العود» [٢ / ٢٥٩] جماعة ممّن أصيبوا بالعاهات من جهة تمنّيهم ذلك في طريق الوصال ، وقد أخذ الله بصر المؤمّل ابن أميل من صباح اللّيلة الّتي قال فيها [من البسيط] :

شفّ المؤمّل يوم الحيرة النّظر

ليت المؤمّل لم يخلق له بصر

وبرص المجنون لقوله [في «ديوانه» ٢٢٦ من الطّويل] :

قضاها لغيري وابتلاني بحبّها

فهلّا بشيء غير هذا ابتلانيا

__________________

(١) أخرجه البخاري (٢٨٠٤) ، ومسلم (١٧٤٢).


وقال عمر بن أبي ربيعة لكثيّر : أخبرني عن قولك لنفسك ولحبيبتك [في «ديوان كثير» ٤٧ ـ ٤٨ من الطّويل] :

ألا ليتنا يا عزّ من غير ريبة

بعيرين نرعى في الخلاء ونعزب

كلانا به عرّ فمن يرنا يقل

على حسنها جرباء تعدي وأجرب (١)

إذا ما وردنا منهلا صاح أهله

علينا فما ننفكّ نرمى ونضرب

وددت وبيت الله أنّك بكرة

هجان وأنّي مصعب ثمّ نهرب (٢)

نكون بعيري ذي غنى فيضيعنا

فلا هوّ يرعانا ولا نحن نطلب

ويلك! تمنّيت لها الزّفّ والجرب والرّمي والطّرد والمسخ!! فأيّ مكروه لم تتمنّه لكما؟ أما والله لقد أصابها منك قول الأوّل : (مودّة الأحمق .. شرّ من معاداة العاقل).

وعاتبته عزّة على ذلك ، ومعاذ الله أن يسلموا من سوء العاقبة.

وما وقع فيه أبو فراس لا ينقص ـ إن لم يزد ـ على ما تمنّاه كثيّر ، وسبق في ذي أصبح أنّ جدّي المحسن كان يقول : ما نعني بالأسماع والأبصار عند ما ندعو بحفظها إلّا حسن بن صالح وأحمد بن عمر وعبد الله بن حسين ، ولكنّه أضرّ بالآخرة ، ومثله المترجم .. فلا بعد أن يكون من تلك البابة.

كما تبت عن الدّعاء بقول سيّدنا عمر بن الخطّاب : (بل أغناني الله عنهم) ، لما قيل له : (نفعك بنوك) ، وكنت أستحسنه وأدعو بمقتضاه ، حتّى تفطّنت لما فيه ، ورأيت أنّ أبناء ابن الخطّاب لم يكونوا هناك ، وليس هو بأفضل من العبد الصّالح إذ عوقب على قوله : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ) كما جاء في الحديث.

بعد هذا كلّه ذهبت النّشوة ، وانجابت الغفوة ، وظهر ما تحته من الهفوة.

وفي رواية عن الشّافعيّ : أنّه لا يحبّ أن يقال في التّعزية : أعظم الله أجرك ؛ لما

__________________

(١) العرّ : الجرب.

(٢) البكرة : الفتية من الإبل ، المصعب : فحل الإبل.


في طيّه من الاستكثار من المصائب ، فسحبت عندئذ ما كان منّي من استحسان ذلك ، وتبت عنه توبة صادقة أرجو الله قبولها.

وما أشدّ ما يسيء هؤلاء الشّعراء الأدب ويقلّون الحياء ؛ فمثل كلام أبي فراس لا يليق بخطاب المخلوق ، ومن ثمّ صرفه المفتونون بجماله إلى خطاب الخالق غفلة عمّا فيه من التّعرّض للبلاء المنهيّ عن مثله ، وكمثله قول البحتريّ للفتح بن خاقان [من الطّويل] :

ويعجبني فقري إليك ولم يكن

ليعجبني لو لا محبّتك الفقر

وقد صرفته إلى الباري عزّ وجلّ في قصيدة إلهيّة جرى لي فيها حديث لا أملّ به ، فأرجو أن لا يلحقني بأس بعد ؛ إذ لا يحسن غير المأثور ، وقد فتن الرّضيّ بهذا البيت ، وأغار عليه فلم يحسن الاتّباع حيث يقول [في «ديوانه» ١ / ٥٤١ من الطّويل] :

فما كان لولاكم يمرّ لي الغنى

ويحلو إلى قلبي الخصاصة والفقر

ومن الغلوّ الممقوت قول ابن هانىء الأندلسّي [من البسيط] :

أتبعته فكرتي حتّى إذا بلغت

غاياتها بين تصويب وتصعيد

أبصرت موضع برهان يلوح وما

أبصرت موضع تكييف وتحديد

ولقد احترست حين تمثّلت في ذي أصبح ببيت من شعر المتنبّي لا يخلو عن الغلوّ ، على أنّ الرّوح لا تنفد فلا ينفد وصفها.

ومن التّرّهات الممقوتة أيضا : قول أبي عبد الله الخليع ، يخاطب أحمد بن طولون المتوفّى سنة (٢٧٠ ه‍) [من الكامل] :

أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر

أنا جائع أنا راجل أنا عاري

هي ستّة وأنا الضّمين لنصفها

فكن الضّمين لنصفها بعيار

ولذا نقلهما كسابقيهما أهل الحقّ إلى خطاب الباري عزّ وجلّ ، وأبدلوا قافية الثّاني ب «ياباري» فكانت أعذب وأطيب.

وكنت معجبا بمختارات حافظ ، ومع ذلك .. فإنّي أفضّل عليه الأستاذ ، حتّى قلت


له مرّة : ألست أشعر منه؟ قال : أينك عن قوله [في «ديوانه» ٢ / ١٦١ من البسيط] :

إنّي أرى وفؤادي ليس يكذبني

روحا يحفّ بها الإجلال والعظم

أرى جلالا أرى نورا أرى ملكا

أرى محيّا يحيّيني ويبتسم

الله أكبر هذا الوجه نعرفه

هذا فتى النّيل هذا المفرد العلم

وقوله [في «ديوانه» ١ / ٢٨٩ من البسيط] :

كم غادة في ظلام اللّيل باكية

على أليف لها يهوي به الطّلب

لو لا طلاب العلا لم يبتغوا بدلا

من طيب ريّاك لكنّ العلا تعب

ولهذا حديث مبسوط في «العود الهنديّ» [٢ / ٤٠].

أمّا شوقي : فلم أقرأ شعره إلّا بعد ذلك ، فلم يكن عندي شيئا في جانب جيّد حافظ ، وما أرى إغراق بعضهم فيه وتأميره وتفضيله إلّا من جنس تفضيل جرير على الفرزدق ، بدون حقّ ، حسبما فصّلته بدلائله في «العود الهنديّ».

وبقي عليّ أن أشير إلى ما اجتمع للأستاذ من الشّدّة واللّين ، والشّمم والإباء ، ودماثة الأخلاق ، وطوع الجانب ، وحلاوة الغريزة.

قسا فالأسد تهرب من قواه

ورقّ فنحن نخشى أن يذوبا (١)

وما أظنّ العلّامة ابن شهاب إلّا على رأيي فيه ، وإلّا .. لذكره لي وأثنى عليه ، ولا أنكر أنّ له محاسن ، لكنّهم رفعوه عن مستواها إلى مالا يستحقّ ، وكان ابن شهاب يتشيّع ، لكن بدون غلوّ ، بل لقد اعتدل اعتدالا حسنا جميلا بعقب زيارته لحضرموت واطّلاعه على «الرّوض الباسم» ، ورسائل الإمام يحيى بن حمزة ، وكان قلمه أقوى من لسانه ، أمّا لسانه مع فرط تواضعه ولطف ديدنه .. فإنّك لا تكاد تعرف أنّه هو الّذي ملأ سمع الأرض وبصرها إلّا إذا سئل فتفتّح عن ثبج بحر جيّاش الغوارب (٢).

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو للمتنبّي في «العكبريّ» (١ / ١٤٣).

(٢) يقال : جاش البحر ؛ إذا هاج موجه وتلاطم. والغوارب : الموج العالي ، وبهذا يتضح معنى العبارة.


إذا قال .. لم يترك مقالا لقائل

بمبتدعات لا ترى بينها فصلا (١)

كفى وشفى ما في النّفوس فلم يدع

لذي إربة في القول جدّا ولا هزلا

والأدلّة حاضرة ، وما بين العينين لا يوصف ، ولهو الأحقّ من القزّاز القيروانيّ بقول يعلى بن إبراهيم فيه [من الكامل] :

أبدا على طرف اللّسان جوابه

فكأنّما هو دفعة من صيّب

وقد عرفت من قوله في حافظ .. أنّه من سادات المنصفين ، ولي معه من ذلك ما يؤكّده ، وقد ذكرت بعضه في خطبة الجزء الثّاني من «الديوان».

وفي سنة (١٣٣٤ ه‍) توجّه من حضرموت إلى الهند ليقطع علائقه منها ويبيع دارا له بها ، وبينا هو يجمع متاعه للسّفر النّهائيّ إلى مسقط رأسه ، ومربع أناسه الّذي لا يزال يحنّ إليه بما يذيب الجماد ، ويفتّت الأكباد ؛ كقوله [في «ديوانه» ١٨٧ من البسيط] :

بالهند ناء أخي وجد يحنّ إلى

أوطانه وسهام البين ترشقه

إلى العرانين من أقرانه وإلى

حديثهم عبرات الشّوق تخنقه

 .. إذ وافانا نعيه في جمادى الآخرة من سنة (١٣٤١ ه‍) (٢).

فضاقت بنا الأرض الفضاء كأنّما

تصعّدنا أركانها وتجول (٣)

فاشتدّ الأسى ، ولم تنفع عسى ، وكادت الأرض تميد ، لموت ذلك العميد ، وطفق النّاس زمانا.

يعزّون عن ثاو تعزّى به العلا

ويبكي عليه الجود والعلم والشّعر (٤)

__________________

(١) البيتان من الطّويل ، وهما لسيّدنا حسّان بن ثابت رضي الله عنه في «ديوانه» (٤١٢).

(٢) كانت الوفاة بحيدرآباد الدكن ليلة الجمعة (١٠) جمادى الأولى .. وسبب تأخره وطول المدة بين سفره من تريم سنة (١٣٣٤ ه‍) مع عزمه على الرجوع ومن ثم موته بالهند .. إنما هو نشوب الحرب العالمية الأولى وصعوبة السفر آنذاك وخطورته ، لا سيما عبر المحيط الهندي.

(٣) البيت من الطّويل.

(٤) البيت من الطّويل ، وهو لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ٣٠٤).


تريم (١)

هي قاعدة حضرموت ، وقد أطال الخطيب في «جوهره» والشّليّ في «مشرعه» وغيرهما بما يغني ويقني في وصفها وشرح أحوالها (٢) ، فأنا في تعاطي شيء من ذلك بعدهم .. كواصف النّجم السّاطع والبدر الطّالع ، وإنّما نحرص على شاردة نتلقّفها ، أو نادرة نتخطّفها.

قال الهمدانيّ : (وتريم مدينة عظيمة) (٣). وقال ياقوت : (تريم اسم لإحدى مدينتي حضرموت ؛ لأنّ حضرموت اسم للنّاحية بجملتها ، ومدينتاها تريم وشبام ـ وهما قبيلتان ـ سمّيت باسمهما المدينتان ، وقال الأعشى [في «ديوانه» ٢٤٦ من مجزوء الكامل] :

طال الثّواء على تري

م وقد نأت بكر بن وائل) اه (٤)

وقال كثيّر [في «ديوانه» ١٣٧ من الوافر] :

كأنّ حمولها بملا تريم

سفين بالشّعيبة ما تسير

وقد مرّ آخر الكلام على تريس قول الهمدانيّ في موضع من «صفة جزيرة العرب» : (تريم ديار تميم ، وتريس بحضرموت) اه

وتفرّسنا أنّ قوله : (وتريس) محرّف عن تريم كما يفهم من السّياق.

وقال في الجزء الثّامن [ص ١٩٠] من «الإكليل» : (حصون حضرموت : دمّون لحمير ، والنّجير لبني معدي كرب من كندة ، وحضرموت وحوره فيها كندة اليوم ،

__________________

(١) هي أشهر بلدان وادي حضرموت ، الفائقة على غيرها من البلدان بالعلم والعلماء ، وكثرة الصالحين والأولياء ، وهي مسقط رأس السادة بني علوي ، ومنها تفرقوا وهاجروا إلى سائر البلدان والأودية والأقطار ، تقع في الشمال الشرقي من سيئون ، وتبعد عنها نحو (٣٢ كم).

(٢) في «المشرع» (١ / ٢٥١). وصف لها جميل .. فلينظر هناك.

(٣) صفة جزيرة العرب (ص ١٧٠).

(٤) معجم البلدان (٢ / ٢٨).


وتريم موضع الملوك من بني عمرو بن معاوية ؛ منهم : أبو الخير بن عمرو الوافد على كسرى ليستمدّ منه على ابن الحارث بن معاوية) اه (١)

وما ذكره عن دمّون مخالف لما ذكرناه عنه فيها ، ما لم يرد دمّون الشّرقيّة الآتي ذكرها ؛ فإنّه ممكن.

وجاء ذكر حورة فيه بالزّاي المعجمة ، وهو غلط من النّاسخ لم يهتد إليه مصحّحه حين الطّبع.

وممّا استدركه «التّاج» على «أصله» قوله : (وتريم ـ كأمير ـ مدينة بحضرموت ، سمّيت باسم بانيها تريم بن حضرموت. قال شيخنا (٢) : هي عشّ الأولياء ومنبتهم ، وفيها جماعة ممّن شهد بدرا ، وهي مسكن السّادة آل باعلويّ ، ومنها تفرّقوا في البلاد) اه

وهذا كلّه صحيح ، ولا وهم فيه ، وبمجرّد ما وصل كتابه صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى تريم .. أسلم أهلها ، وانتشر الإسلام بحضرموت ، وكان سليم بن عمرو الأنصاريّ داعية الإسلام بحضرموت ، فنجح نجاحا باهرا. ولمّا توفّي النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وارتدّ من ارتدّ بحضرموت .. ورد كتاب أبي بكر الصّدّيق على لبيد بن زياد (٣) وهو بمدينة تريم ، فقرأه على أهلها فبايعوه ، ثمّ بايعه أكثر أهل حضرموت ،

__________________

(١) يفهم من كلام الهمداني هذا : أن تريم كانت محكومة من قبل الملوك بني معاوية الأكرمين من كندة ، وقد صحح العلامة علوي بن طاهر الحداد هذه المعلومة .. فقال بعد أن عدد قبائلهم وفخائذهم التي كان فيها الملك : ولم تكن تريم ولا أسافل وادي حضرموت بمنزل لهم ، وإنما كانت منازل حضرموت القبيلة الأصلية الحضرمية والسّكون من كندة ، ومن هؤلاء : بنو قتيرة سكان تريم إذ ذاك.

وإنما كانت منازل كندة الملوك في أعالي وادي حضرموت ، وقد أصابتهم الحرب بحدها لما ارتدوا ، فضعفوا وتفرقوا أيادي سبأ ، وسلمت السكون والسكاسك من ذلك.

(٢) هو السيد عبد الرحمن بن مصطفى العيدروس ، شيخ الزبيدي صاحب «التاج».

(٣) اسمه في معاجم الصحابة وكتب التاريخ : زياد بن لبيد ، ممن شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولما كانت الردة .. قام بالقبض على الأشعث بن قيس ، وبعث به أسيرا إلى أبي بكر رضي الله عنه.


فطالع أبا بكر بالخبر ، فدعا لأهل تريم (١) بما بعض أثر إجابته محسوس إلى اليوم من البركة ، ثمّ ظهرت الإباضيّة ، وكان من تقلّب الأحوال والدّول ما لخّصناه في شبام.

أمّا جامع تريم : فأوّل ما انتهى إلينا من عمارته كونها في سنة (٢١٥ ه‍) ، ثمّ جدّد عمارته الحسين بن سلامة ، والعجب من الشّلّيّ أنّه لم يذكر إلّا عمارته سنة (٥٨١ ه‍) ، قال : (ثمّ جدّدت عمارته سنة «٥٨٥ ه‍» ، ثمّ في سنة «٩٠٣ ه‍» ، كتب الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن بافضل بلحاج إلى السّلطان عامر بن عبد الوهّاب يطلب منه توسيع المسجد ؛ لأنّه ضاق بالنّاس ، فأرسل بمال جزيل مع السّيّد الجليل محمّد بن أحمد باساكوته ، فعمّره عمارة أكيدة هي الموجودة إلى الآن) اه (٢)

وبعيد جدّا أن تبقى تريم بدون جامع إلى سنة (٢١٥ ه‍) وبها من الصّحابة وأهل العلم من لا يحصى ؛ ففي «الجوهر» عن الشّيخ عليّ بن محمّد الخطيب قال : (كنّا جلوسا في مقبرة تريم ومعنا الشّيخ عبد الله باعلويّ ، فقال رجل من أهل تريم : في مقبرة تريم سبعون بدريّا. فقلت له : ما كفاكم يا أهل تريم ما فيكم من الصّالحين حتّى تريدون قريبا من ربع أهل بدر؟! فقال لي الشّيخ عبد الله : ما لك وللاعتراض يا ولدي؟ هذا كلام نقله الخلف عن السّلف) اه

ومعاذ الله أن يكون غير صحيح ما يقول فيه الثّقة الإمام : أنّه مرويّ من الخلف عن السّلف ، ومع هذا فهل يمكن بقاؤهم بدون جامع؟

وقد قال بعضهم بوجوب بناء المساجد مستدلّا بما أخرجه التّرمذيّ [٥٩٤] وأبو داود

__________________

(١) المسموع أنه دعا لهم بثلاث دعوات : أن ينبت الصالحون والأولياء فيها كما ينبت البقل ، وأن يعذب ماؤها ، وأن لا تخبو فيها نار حتى قيام الساعة. بمعنى بقاء عمارتها ودوامها. والله أعلم. ينظر : «المشرع» (١ / ٢٥٢) ، «أدوار التاريخ» (٩١).

(٢) «المشرع» (١ / ٢٦٩) ، السلطان عامر هذا .. تقدم ذكره في قيدون ، ولم نعرّف به حينها .. فنقول : هو الملك الظافر عامر بن عبد الوهاب بن داود بن طاهر بن معوضة القرشي الأموي ، آخر سلاطين اليمن من بني طاهر ، تولى بعد أبيه سنة (٨٩٤ ه‍) ، ومات سنة (٩٢٣ ه‍) ، كان شديد الشكيمة ، أقام في زبيد ، واستولى على صنعاء ، وله مآثر كثيرة ، وأقام مساجد ومدارس عديدة باليمن ، قتل بجبل نقم قرب صنعاء. «الأعلام» (٣ / ٢٥٣).


[٤٥٥] وابن ماجه [٧٥٨] بسند صحيح من حديث عائشة : أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ببناء المساجد في الدّور ، وأن تطيّب وتنظّف ، وأمر عمر أهل الأمصار ببناء مساجدهم ، وأمرهم أن لا يبنوا مسجدين يضارّ أحدهما الآخر ، رواه البغوي.

والأصل في الأمر : الوجوب ، ورجّح ابن حجر الهيتميّ ـ كما في «المرعى الأخضر» ـ النّدب.

ومهما كان الأمر .. فالمؤكّد أنّ جامع تريم كان مبنيّا من الصّدر الأوّل ، وإنّما جدّد أو وسّع ـ كجامع شبام ـ في سنة (٢١٥ ه‍) ، ثمّ تكرّرت عليه العمارة والتّرميم ، ومتى أغفل الشّلّيّ العمارات السّابقة عن سنة (٥٨١ ه‍) .. فأولى أن يغفل العمارة القديمة (١).

أمّا العلويّون : فقد تفرّسنا في غير موضع من هذا ومن «الأصل» أنّ امتناعهم عن سكنى مدينتي حضرموت لم يكن في البدء إلّا لأجل التّنافس المذهبيّ ، ورأيت في غير موضع من مجموع كلام الحبيب عمر بن حسن الحدّاد ما يصرّح بوجود أصل التّنافس.

ثمّ إنّ المؤرّخين يكثرون من علم المهاجر ومن بعده إلى عليّ بن علويّ خالع قسم ، ويذهبون به إلى غايات بعيدة ، وللشّكّ في مثل ذلك منافذ كثيرة أشرنا إلى شيء منها في المبحث الثّالث من الحسيّسة ، لا سيّما وقد جاء في الحكاية التّاسعة من «الجوهر» [١ / ٦٣ (خ)] للشّيخ عبد الرّحمن الخطيب (٢) ـ وهو غرّيد مديح العلويّين وصنّاجة ثنائهم ـ : (أنّ الشّيخ الإمام سالم بن فضل كان من كبار الزّاهدين الورعين العاملين ، وكأنّ العلم أراد أن يندرس في حضرموت فأحياه ؛ وذلك أنّه سافر في طلبه ومكث أربعين سنة في العراق وغيره يطلب العلم ، وأهله يظنّون أنّه قد مات ، ثمّ عاد ومعه أحمال من كتب العلم ، حديثا وفقها وغيرها ، ثمّ درّس في بلده ، وأقبل عليه

__________________

(١) وقد وسّع جامع تريم مؤخرا توسعة كبيرة في عام (١٣٩٢ ه‍) ، وللشيخ علي بن سالم بكيّر رسالة ألفها بهذه المناسبة سمّاها : «الجامع في تاريخ الجامع» ، طبعت.

(٢) توفي الشيخ عبد الرحمن بن محمد الخطيب سنة (٨٥٥ ه‍) بتريم ، كما في «شنبل» ، و «تاريخ الشعراء» (١ / ٧٧) ، و «الحامد» (١ / ٣٠٠).


طلبة العلم من كلّ مكان ، وحصّل العلم على يديه خلق كثير ، حتّى إنّه ربّما بلغ في تريم ثلاث مئة مفت في عصر واحد ، ومصنّفون كثير ؛ كالإمام عليّ بن أحمد بامروان ، المتوفّى سنة «٦٢٤ ه‍» ، والإمام عبد الله بن عبد الرّحمن بن أبي عبيد ، المتوفّى بتريم سنة «٦١٣ ه‍» ، والإمام محمّد بن أحمد بن أبي الحبّ ، المتوفّى سنة ٦١١ ه‍) اه

ومن الأجلّاء كما يروى عن سيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر من يلحق منّته بنشر العلم بما كان من هجرة الإمام أحمد بن عيسى ووضع الفقيه المقدّم للسّلاح ، وتحرير الشّيخ عليّ بن أبي بكر للشّجرة.

ومن علماء تريم لذلك العهد : الشّيخ عليّ بن محمّد بن عليّ بن حاتم ، المتوفّى ـ كما في «تاريخ باشراحيل» ـ بتريم في شعبان سنة (٦٠٣ ه‍) (١).

ومنهم : الفقيه الصّالح عليّ بن يحيى بن ميمون ، المتوفّى بتريم سنة (٦٠٤ ه‍) (٢).

أمّا الشّيخ سالم بن فضل بن محمّد بن عبد الكريم بن محمّد بافضل هذا صاحب الرّحلة إلى العراق .. فقد توفّي شهيدا بتريم سنة (٥٨١ ه‍) (٣) ، صرّح بذلك العلّامة الجليل عبد الله بن أبي بكر بن قدري باشعيب ، ولم يذكر ذلك صاحب «الجوهر» ، مع أنّ مثل ذلك لا يخفى عليه ، لكن ليس بغريب منهم إغفاله ، فقد أغفلوا ذكر قتل السّيّد سالم بن بصريّ (٤) ، والظّاهر أنّ شهادة الشّيخ سالم بافضل حصلت لا على يد

__________________

(١) «شنبل» (ص ٦٥) ، وكان مولده بها سنة (٥٤٠ ه‍) ، كان عالما فقيها محققا ، تلقى علومه عن المشايخ آل أكدر.

(٢) ذكره المؤرخ شنبل (ص ٦٦) ، وسماه : علي بن يحيى باميمون.

(٣) ترجمته مفصلة في : «صلة الأهل» (٤٠ ـ ٦٧) ، و «أدوار التاريخ» (١٩٣ ـ ١٩٩) ، و «الحامد» (٢ / ٤٧٢ ـ ٤٧٥).

(٤) ذكر المؤلف خبر مقتل الإمام ابن بصري المتوفى سنة (٦٠٤ ه‍) اعتمد فيه على ما في بعض نسخ «تاريخ شنبل» ، ولكن العلامة الشاطري رحمه الله قال : (التحقيق : أنه توفي ولم يقتل ، كما أجمع على ذلك المؤرخون الذين هم أقرب إلى عصره ومن يليهم ، باستثناء بعض نسخ «تاريخ شنبل» فقط) اه «الأدوار» (١ / ٢٠٢) ، و «تاريخ شنبل» (٦٦) ، ولكن الذي في النسخة المطبوعة منه أنه توفي ولم يذكر القتل.


الغزّ أمراء الأيوبيّين ؛ لأنّها لو كانت على يدهم .. لم يكن مانع من ذكرهم ، كما ذكروا قتلهم لآل أكدر وغيرهم وما لم أنبّه عليه في هذا الكلام .. فمن «الجوهر الشّفّاف».

وههنا فوائد :

الأولى : إنّ في الكلام ما يدلّ على أنّ البلاد كانت ملأى بالعلم ، ثمّ اندرس حتّى أحياه الشّيخ سالم بافضل ، ولئن لم يصرّح الخطيب بتلاشي العلم في البدء ، بل جاء بفعل المقاربة .. فإنّه صرّح به قوله في الأخرة : (فأحياه) ، وأمّا امتلاء الدّيار الحضرميّة بالعلم في الزّمان الأوّل .. فشاهده ما نقرّره في كثير من المواضع ـ بهذا و «أصله» ـ من كثرة رجال الحديث فيها إذ ذاك ؛ فمعاجم الرّجال ك «تهذيب التّهذيب» و «لسان الميزان» مشحونة بأسمائهم وتراجمهم ، وقد مرّ نحو هذا في الحسيّسة.

وقد جاء في (ص ١٢٨ ج ١) من «المشرع الرّويّ» : (أنّ السّادة في مدّة إقامتهم ببيت جبير يكثرون الدّخول إلى مدينة تريم ، ووجدوا بها من أرباب العلوم والآداب وأصحاب الفهوم والألباب ما شغلهم عن الأهل والوطن ، وأذهلهم عن كلّ خلّ صفيّ وسكن) اه

ولئن أشكل وجود أرباب العلوم لذلك العهد مع قول الخطيب : أنّ العلم كاد أن يتلاشى حتّى أحياه الشّيخ بافضل المقتول بتريم سنة (٥٨١ ه‍) .. فإنّ المدّة ليست بالقصيرة ، بل صالحة لوجود العلماء ، ثمّ اندراس العلم بموتهم.

وكانت وفاة السّيّد علويّ بن محمّد بالصّومعة من بيت جبير ، سنة (٥١٢ ه‍) ، ووفاة أبيه من قبله .. فلا مدفع للنّصّ ، ولا إشكال ؛ فقد جرى بأعيننا ما يشبهه من التّقلّبات في الأزمنة المتقاربة ، ولئن حاول بعضهم أن يغبّر على ما ندلّل به لعلم الحضارمة من كثرة رواتهم بزعمه أنّ أكثرهم منسوبون إلى القبيلة .. فجوابه : أنّ مثرى القبيلة ودولتها ببلاد حضرموت كما بيّناه ب «الأصل» وأشرنا إليه في شبام ، حتّى لقد اختلفوا ـ كما في «التّاج» ـ في سبب التّسمية ، فقيل : إنّ البلد سمّيت باسم القبيلة ،


وقيل العكس ، وهذا أبلغ ما يكون في التّلازم ، فشرف العلم حاصل على كلّ حال.

وفي «تاريخ ابن خلّكان» [٣ / ٣٨] : أنّ عبد الله بن لهيعة ـ أوّل قاض بمصر من جهة الخليفة ـ حضرميّ ؛ نسبة إلى البلد.

والثّانية : أترى الخطيب يهمل ذكر العلويّين في مثل هذا الموضع ـ وقد وقف نفسه على خدمتهم وبثّ فضائلهم والتّغنّي بمناقبهم ـ لو كان أحد منهم يوازي أولئك؟ لا والله! نعم ؛ كان السّيّد سالم بن بصريّ من أراكين العلوم لذلك العهد ، فما له لم يذكره؟ فإمّا أن يكون مع غزارة علمه أنزل عن درجة أولئك فيه ، وإمّا أنّه لا تأليف له وأولئك مؤلّفون.

والثّالثة : ذكر صاحب «المشرع» ونقل عنه شارح «العينيّة» : أنّ الشّيخ سالم بافضل صاحب الرّحلة إلى العراق ، وعليّ بن أحمد بامروان ، والقاضي أحمد بن محمّد باعيسى المتوفّى سنة (٦١٨ ه‍) ، والشّيخ عليّ بن محمّد الخطيب المتوفّى سنة (٦٤٢ ه‍) .. أخذوا عن السّيّد الإمام محمّد بن علي صاحب مرباط ، المتوفّى سنة (٥٥١ ه‍) ، أو سنة (٥٥٦ ه‍) على اختلاف الرّواية ، وفي أخذهم عنه شيء من البعد :

أمّا الشّيخ سالم .. فلغيبته لطلب العلم ، ثمّ لم يعد إلى تريم إلّا وصاحب مرباط بعيد عنها ، ومع ذلك فالاحتمال فيه من جهة السّنّ أقرب ممّن سواه (١) ، ويقرب منه ابن أبي الحبّ المتوفّى سنة (٦١١ ه‍) ؛ إذ لم يتأخّر موته عن صاحب مرباط إلّا خمسا وخمسين عاما ، ثمّ ابن أبي عبيد ؛ إذ لم يزد ما بين وفاتيهما على سبع وخمسين عاما.

أمّا بامروان .. فالفرق بين وفاته ووفاة صاحب مرباط تسع وستّون عاما ، وبينهما وبين وفاة باعيسى اثنتان وسبعون سنة ؛ لأنّ وفاته سنة (٦٢٨ ه‍) وأبعد ما يكون بينه وبين الخطيب ؛ إذ البون شاسع جدّا يقرب من ستّة وثمانين سنة مع تباعد الدّيار.

__________________

(١) لأن بين وفاتيهما نحو (٣٠) عاما.


أمّا سيّدي عليّ بن أبي بكر .. فإنّه لم يذكر في «البرقة» إلّا أخذ الشّيخ سعيد الظّفاريّ وابن أخيه الشّيخ عليّ بن عبد الله بن عليّ ، وهذا هو القريب ؛ لقوّة المناصرة ، وكثرة المعاصرة ، وقرب المجاورة ، وليراجع جميع ذلك فإنّي لم أطل فيه التّحديق ، ولم أمرّ على «البرقة» بأسرها .. فلا مؤاخذة إن وجد غير ما ذكرته في موضع منها لم أستحضره ، ومع ما استقربناه من أخذ الشّيخ سالم بافضل عن صاحب مرباط يبعده أنّه عاصر القطب الجيلانيّ وجاوره في طلبه بالعراق ، ولم يذكر المؤرّخون له أخذا عنه ، ولو كان .. لتلقّى عنه تلاميذه بأخذه عنه ، وانتشرت بينهم طريقه ، ولكنّه لم يكن شيء من ذلك ، وإلّا .. لتواتر ، ومن المعلوم أنّ الخبر الّذي تتوفّر الدّواعي على تواتره كهذا لا يثبت برواية الآحاد وإن كانوا عدولا ، فكيف ولم يروه أحد قطّ؟

مع أنّ القطب الجيلانيّ أشهر وأذكر من أبي مدين ، وقد اشتهر أخذ الفقيه المقدّم عنه اشتهار الشّمس الضّاحية ، مع أنّه لم يكن إلّا بالواسطة ، وقد أمكن الشّيخ سالم أن يأخذ عن الجيلانيّ بدونها ، وكلّ ما تحيّل كتمانه .. لا يقبل برواية الآحاد.

قال الغزاليّ : فإن قيل قد تفرّد الآحاد بنقل ما تتوفّر الدّواعي عليه ، حتّى وقع الخلاف فيه ، وذكر عدّة أمور ؛ أقواها في الإشكال : انشقاق القمر ، فلم ينقله إلّا ابن مسعود وعدد يسير معه ، وكان ينبغي أن يراه كلّ مؤمن وكافر وباد وحاضر ، وقد أجاب بأنّه آية ليليّة ، وإنّما وقع لحظة والنّاس نائمون ، فلم يره إلّا من ناصر النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من قريش ونبّهه على النّظر له.

وكم من زلزلة وانقضاض كوكب وأمور هائلة من ريح وصواعق باللّيل لا ينتبه لها إلّا الآحاد ، على أنّ مثل هذا لا يعلمه إلّا من قيل له : انظر إليه.

وقد انشقّ القمر عقيب التّحدّي ، ثمّ التأم من ساعته. اه بمعناه وأكثر لفظه.

فلا شكّ في أنّ عدم أخذ الشّيخ سالم عن القطب الجيلانيّ خبيئا يتفسّر بما في «الأصل».


وغير بعيد من الفقيه القحّ أن تنفر نفسه من أهل الطّرائق ومن على شاكلتهم ، فالحرب عوان بين الطّائفتين ، حتّى لقد كان الإمام أحمد ابن حنبل يكره الحارث المحاسبيّ ؛ قيل : لنظره في علم الكلام ، ثمّ إنّه هجره فاستخفى الحارث من العامّة ، ولمّا مات .. لم يصلّ عليه إلّا أربعة نفر ، وفي ذلك العهد كانت الصّولة للحديث والفقه ، ثمّ أديلت للتّصوّف ، وكذلك الأيّام تداول بين النّاس.

وفي «الفتاوى الحديثيّة» لابن حجر : أنّهم بالغوا في ردّ إنكار الإمام أحمد على الحارث ، ولعلّ ذلك بعده بزمان ، أمّا في حياته : فلو ردّوه .. لصلّوا عليه.

وما كان بافضل ليدع أخذ الجيلانيّ ويأخذ عن صاحب مرباط.

والرّابعة : أنّ صاحب «الجوهر الشّفّاف» بينما هو يكثّر من إقبال النّاس على العلويّين من حين جاؤوا .. كاد أن يناقض تماما في قوله : (واعلم يا أخي ـ وفّقك الله وإيّانا ـ أنّه لم يزل السّادات من مشايخنا الأجلّاء ، والفقهاء والفضلاء من علمائنا ـ سلفا وخلفا ـ يجلّون آل باعلويّ ، خاصّهم وعامّهم ، ويعظّمونهم ويوقّرونهم ، ويحترمونهم الحرمة الزّائدة الكاملة ، وينزلونهم المنزلة العالية ؛ لأجل شرفهم الظّاهر النّبويّ ، وها نحن نقتصر على ذكر واحد وعشرين (١) من الشّيوخ الكبار منهم :

شيخنا أبو العبّاس فضل بن عبد الله بافضل ، والشّيخ محمّد بن أبي بكر عبّاد ، والشّيخة سلطانة بنت عليّ الزّبيديّ ، والشّيخ معروف باعبّاد ، والشّيخ محمّد بن أحمد بن أبي الحبّ ، والشّيخ عبد الله بن أسعد اليافعيّ ، والشّيخ محمّد بن عبد الله باعبّاد ، والشّيخ أحمد بلعفيف صاحب ظفار ، والشّيخ أحمد بن عبد الرّحيم باوزير ، والشّيخ عبد الله بن إبراهيم باقشير ، والشّيخ عبد الله بن محمّد باحكم باقشير ، والشّيخ محمّد بن حكم باقشير ، والشّيخ إبراهيم بن يحيى بافضل ، والشّيخ عبد الرّحمن بن حسّان ، والشّيخ عبد الله بن محمّد بن أبي عيسى العموديّ ، والفقيه الكبير بامهرة الشّباميّ ، والقاضي محمّد بن سعيد كبّن ، والشّيخ حسن بن عبد الله بن

__________________

(١) سيذكر الشيخ المؤلف رحمه الله تعالى عشرين ، لا واحدا وعشرين ، فلعل اسما سقط سهوا.


أبي السّرور ، والشّيخ محمّد بن أحمد بايعقوب ، ولعلّ الحادي والعشرين سعيد بن محمّد الكنديّ نزيل الهجرين) اه بمعناه

ووجه المناقضة : أنّ طبقة يكون فيها ثلاث مئة مفت ثمّ لم يجد الخطيب من يذكره منهم مع شدّة حرصه على التّعداد والتّكثّر إلّا واحدا هو ابن أبي الحبّ فقط (١)؟ إنّ هذا الحدّ ظاهر في المناقضة.

أمّا الباقون فليس فيهم من أهل تريم إلّا ثلاثة ، وهم :

إبراهيم بن يحيى بافضل (٢) ، وليس من تلك الطّبقة ، ولكنّه متأخّر ، كانت وفاته في سنة (٦٨٤ ه‍) ، وإنّما كان من تلك الطّبقة أبوه وجدّه ، وهم أولى بالعدّ لو كانوا هناك.

والثّاني : فضل بن عبد الله فضل ، وقد مرّ في الشّحر أنّ وفاته كانت سنة (٨٠٥ ه‍) أيّام السّقّاف.

والثّالث : محمّد بن أحمد بايعقوب ، ولا أذكر تاريخ وفاته ، وربّما كان والد القاضي بتريم أبي بكر بن محمّد بايعقوب ، وكان معاصرا للسّقّاف.

وفي «المشرع» والحكاية (٣٨٧) من «الجوهر» أنّ هذا القاضي تكلّم بكلام خشن قبيح على الشّيخ أبي بكر بن عبد الرّحمن السّقّاف ، فدعا عليه .. فعمي.

وفي الحكاية (٣٣٤) منه : أنّ الشّيخ عبد الله بن محمّد بازغيفان تكلّم وهو على منبر القارة بكلام قبيح على السّقّاف وهو حاضر ، فلم يجبه.

وفي الحكاية (٣٤٣) : أنّ بازغيفان هذا كان من مشايخ حضرموت ، يشهد له بذلك عليّ بن سعيد باصليب ، الملقّب بالرّخيلة.

__________________

(١) هو الفقيه العلامة الشيخ محمد بن أحمد بن يحيى بن أبي الحب الخطيب الأنصاري التريمي ، ولد حوالي (٥٤٥ ه‍) ، وتوفي ليلة الأحد (٢٤) ذي الحجة (٦١١ ه‍) ، ترجمته في «الشعراء» (١ / ٥٩ ـ ٦٢).

(٢) ترجمته في «الصلة» (٧٧ ـ ٨٥).


وفي «المسلك السّويّ» لسيّدي أحمد بن زين الحبشيّ : (أنّ الرخيلة هذا من مريدي الشّيخ عبد الرّحمن) اه

ومن التّعاجيب أن يشهد لبازغيفان بالمشيخة مع ما كان منه إلى شيخه السّقّاف.

وأمّا ابن أبي السّرور .. فلا أعرف من هو ، نعم ؛ سبق في بيت جبير أنّ الشّيخ يحيى بن عبد العظيم الحاتميّ ، المتوفّى سنة (٥٤٠ ه‍) كان من تلاميذ سيّدنا علويّ بن محمّد بن علويّ بن عبيد الله ، ومادحيه ، وهو أقدم من تلك الطّبقة ، لكنّ الاعتبار إنّما هو بالأكثر الغالب.

وقد دلّلنا في «الأصل» على انحراف الشّيخ سالم بافضل عن العلويّين ، وانتفاء ذكره هنا بين محبّيهم ومعظّميهم ممّا يؤكّده ، وهو أكبر علماء تريم لذلك العهد ، بل حضرموت على الإطلاق.

ودلّلنا فيه أيضا على أنّ السّيّد سالم بن بصريّ ذهب ضحيّة استبداد السّلطان عبد الله بن راشد ، وكان ابن أبي الحبّ مع ميله إلى العلويّين يتشيّع للسّلطان عبد الله بن راشد تشيّعا شديدا ، فكأنّما نطق بلسانه الأوّل حيث يقول [من الكامل] :

عجبا له أبكيه ملء مدامعي

وأقول لا شلّت يمين القاتل

ولو خلص ودّه .. لعادى من يعاديه ؛ إذ قد قال العتّابيّ [من الطّويل] :

تودّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني

صديقك ليس النّوك عنك بغائب

لكنّه رثى سالما ملء دموعه ، ولم يتعرّض للقاتل ، كأنّما إحدى يديه أصابت الأخرى فقط ، على أنّه لا يلام من هذه النّاحية ؛ فقد كان كثير من العلويّين يطنبون فيه مع فعلته الّتي فعل ـ فيما إخال ـ وهو من الظّالمين.

على أنّ ثناءهم عليه لا يبعد أن يكون تحت تأثير من الضّغط حسبما تمثّل به الإمام الغزاليّ من قوله [من الطّويل] :

ولم أر ظلما مثل ظلم ينالنا

يساء إلينا ثمّ نؤمر بالشّكر


ومهما يكن من الأمر .. فليسع ابن أبي الحبّ ما وسعهم من ذلك ، على أيّ تقدير كان.

وفي «سفينة الأرباح» : أنّ ابن أبي الحبّ هو ناظم القوافي الّتي أوّلها :

تبارك ذو العلا والكبرياء

تفرّد بالجلال وبالبقاء

وكأنّي بمن يطّلع على هذا من الأغبياء فيتوهّم الغضّ من فضلهم به ، وليس كذلك ، وإنّما واجبي إنصاف التّاريخ وتمحيص الحقائق ما وجدت إليه سبيلا من اتّخاذي منه أكبر حجّة للمجد والشّرف ، وقد كان جدّهم عليّ بن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه وهو خير منهم ـ مبغوضا بين النّاس ، لا يوجد بمكّة والمدينة عشرون رجلا يحبّه ، وأصل ذلك في الصّحيح ؛ إذ جاء فيه أنّه كان له وجه من النّاس أيّام فاطمة ، ومفهومه الواقع في محلّ النّطق أنّهم تنكّروا له بعقب وفاتها.

وقد قال معن بن زائدة [من الطّويل] :

إنّي حسدت فزاد الله في حسدي

لا عاش من عاش يوما غير محسود

وقال ناصح الدّين الأرّجانيّ [من الطّويل] :

وظلّ نساء الحيّ يحسدن وجهها

ولا خير في نعمى بغير حسود

وقال حبيب [في «ديوانه» ٢ / ١٠٣ من الكامل] :

تلكم قريش لم تكن أحلامها

تهفو ولا آراؤها تتقسّم

حتّى إذا بعث النّبيّ محمّد

منهم غدت أحقادهم تتضرّم

وقال غيره [من البسيط] :

محسّدون وشرّ النّاس منزلة

من عاش يوما سليما غير محسود

وفي شرح قول المتنبّي [في «العكبريّ» ١ / ٣١٩ من الخفيف] :

ما مقامي بأرض نخلة إلّا

كمقام المسيح بين اليهود

من كتابي «العود الهنديّ» [٢ / ٣١٥ ـ ٣٢٤] إطناب في الموضوع ، وكلام ممتع يأتي


أكثره هنا ، ولكن لا حاجة إلى الإطالة مع إمكان الإحالة.

واضرب بطرفك حيث شئت .. فلن تجد أحدا من العلويّين اتّفق له ظهور وجاه ضخم إلّا اقشعرّ له بطن تريم ، خلا ما كان من العيدروس الأكبر ، فلقد استجهر النّاس بمجد وجود انقطع لهما الحسود ، فكان كما قال ابن الرّوميّ [من الكامل] :

ما أنت بالمحسود لكن فوقه

إنّ المبين الفضل غير محسّد

يتحاسد القوم الّذين تقاربت

طبقاتهم وتشابهت في السّؤدد

فإذا أبرّ أميرهم وبدا لهم

تبريزه في فضله لم يحسد

على أنّ العادة لم تنخرم فيه ؛ بآية أنّه لم يأخذ عنه ولم ينتفع به .. إلّا أولاده والسّيّد عمر بن عبد الرّحمن صاحب الحمراء فقط ، فلعلّ ما يذكر من إقبال النّاس عليه في حياته مبالغ فيه وإنّما اشتدّ ظهوره بانتشار الدّعاية له بعد وفاته (١).

والخامسة : لم يكثر التّأليف في العلويّين إلّا بعد ظهور السّادة آل العيدروس (٢) ، فلقد كلّفت الفاضل النّزيه الشّيخ امبارك عمير باحريش ـ قاضي تريم سابقا وسيئون الآن ، إذ كان محبّا لآل عبد الله بن شيخ وعارفا بمآثرهم ـ أن يلخّص لي أسماء ما يعرف من مؤلّفاتهم ، فأحصى لي كثيرا منها ؛ من ذلك : أحد عشر مؤلّفا للسّيّد الجليل شيخ بن عبد الله (٣).

ومنها : كتاب «الشّجرة النّبويّة في تحقيق أنساب السّادة العلويّة» لابنه العلّامة النّسّابة عبد الله بن شيخ (٤).

__________________

(١) في «المشرع» (٢ / ٣٤٥) قول آخر ينظر منه.

(٢) أي : من أواسط القرن العاشر الهجري ؛ لأن جدهم العيدروس الأكبر توفي سنة (٨٦٥ ه‍).

(٣) هو السيد الإمام شيخ بن عبد الله الأكبر بن شيخ بن الإمام عبد الله العيدروس ، المولود بتريم سنة (٩١٩ ه‍) ، والمتوفى بالهند سنة (٩٩٠ ه‍) ، والد صاحب «النور السافر» ، ومؤلف «العقد النبوي». وله مؤلفات كثيرة ذكرها ابنه صاحب «النور السافر» فلتراجع منه.

(٤) هو (الأوسط) صاحب القبة بتريم ، المولود بها سنة (٩٤٥ ه‍) ، والمتوفى ساجدا في صلاة العصر سنة (١٠١٩ ه‍).


ومنها : ستّة وعشرون مؤلّفا للعلّامة الصّوفيّ ، الفقيه المؤرّخ ، السّيّد عبد القادر بن شيخ (١).

ومنها : «إيضاح أسرار علوم المقرّبين» للعلّامة الجليل محمّد بن عبد الله بن شيخ.

ومنها : مؤلّفات أخيه شيخ بن عبد الله (٢) ، وهي : «نصيحة الملوك» و «السّلسلة» في ثلاثة مجلّدات كبار.

ومنها : عدّة رسائل للسّيّد زين العابدين بن عبد الله (٣) ، صنو اللّذين قبله.

ومنها : مؤلّفات ابنه جعفر الصّادق (٤).

ومنها : «عشرة مؤلّفات» للعلّامة الشّاعر المجيد جعفر الصّادق الثّاني ابن محمّد المصطفى بن زين العابدين (٥).

و «رسائل» أخيه عبد الله بن محمّد (٦) ، ولكنّها قليلة.

وأمّا خاتمة محقّقيهم السّيّد عبد الرّحمن بن مصطفى (٧) نزيل مصر .. فقد ذكر

__________________

(١) ولد بالهند سنة (٩٧٨ ه‍) ، وتوفي بها سنة (١٠٣٨ ه‍) ، ترجم لنفسه في «النور السافر» في سنة (٩٧٨ ه‍). وذكر أسماء مؤلفاته ، فلتراجع.

(٢) شيخ بن عبد الله الأوسط بن شيخ .. ولد بتريم سنة (٩٩٣ ه‍) ، وتوفي بالهند سنة (١٠٤١ ه‍) ، له إجازة من عمه عبد القادر أوردها الشلي في «الجواهر».

(٣) مولده بتريم سنة (٩٨٤) ، وتوفي بها سنة (١٠٤١ ه‍) سنة توفي أخوه شيخ سابق الذكر.

(٤) جعفر الصادق ـ الأول ـ بن زين بن عبد الله ، ولد بتريم سنة (٩٩٧ ه‍) ، وتوفي بسورت بالهند سنة (١٠٦٤ ه‍).

(٥) جعفر الصادق الثاني .. ولد بتريم سنة (١٠٨٤ ه‍) ، وتوفي بسورت سنة (١١٤٢ ه‍) ، أفرده السيد عبد الله جعفر مدهر بترجمة. وله مؤلفات ذكرها محمد ضياء شهاب في «التعليقات» (١ / ١١٠) ، والسقاف في «الشعراء» (٢ / ٨١).

(٦) عبد الله بن محمد المصطفى .. هو الملقب الباهر ، ولد بتريم ، وتوفي بها سنة (١١٢٧ ه‍) أو (١١٢٨ ه‍) ، أفرده سبطه حفيد أخيه العلامة عبد الرحمن بن مصطفى بمصنف سماه : «حديقة الصفا».

(٧) عبد الرحمن بن مصطفى بن شيخ بن محمد المصطفى بن زين العابدين علي بن عبد الله بن شيخ ...


سيّدي الأستاذ الأبرّ في «عقده» أنّها تزيد عن السّتّين والمسمّى منها في العريضة الّتي قدّمها لي الشّيخ امبارك منها ثمانية وخمسون ، وهذه ثروة طائلة وفّروها للعلم بحضرموت ، وقد قرأ عليّ الشّيخ امبارك جملة منها ، فغسلت صدري عن كثير من الكدورات ـ ولا سيّما «إيضاح أسرار علوم المقرّبين» (١) ـ وأنعشت روحي ، وذكّرتني أيّام والدي ، ونفت عنّي وعثاء المسائل الفقهيّة ، إلّا أنّ في بعضها ما يخلص إليه الانتقاد ، نحو الغلوّ في الشّيخ وإنزاله في أعلى ممّا يستحقّ ويجوز ، وفي بعضها ما يشبه كلام الشّيخ ابن عربيّ فيأتي فيها ما يقال فيه ، وقد جوّدت القول عن ذلك في الجزء الثّاني من «الأصل» ، في شرح البيت (٤٤) ، ومن أحسن ما أتى على طرفي النّقد والعذر ما نقلته عن شيخ الإسلام ابن تيميّة فليكشف منه.

أمّا كرم السّادة آل العيدروس .. فحدّث عنه ولا حرج.

فمنهم : الشّيخ الكبير عبد الله بن شيخ (٢) ، حكي أنّه استأذنه جماعة من أهل العلم ليسافروا من أجل ديون لزمتهم ، فقال لهم : (واحد ولا جماعة) فركب إلى الحجاز ، ثمّ إلى الهند ، فأكرمه بعض ملوكها بما يكفي لهم أجمعين ، وما هي إلّا مدّة يسيرة وعاد ، فمثّل المكارم ، وتحمّل المغارم.

خذوا هنيئا مريئا يا بني علوي

منه أمانين من خوف ومن عدم (٣)

__________________

إلخ. ولد بتريم سنة (١١٣٦ ه‍) ، وتوفي بمصر سنة (١١٩٢ ه‍) ، درس في تريم وبها تخرج على آبائه وأعمامه وشيوخ عصره .. رحل إلى العديد من البلدان .. فسطع نجمه وظهر ، وطار صيته في الآفاق وانتشر ، وكان مستقره بمصر القاهرة وبها توفي ، وأشهر تلامذته : السيد محمد مرتضى الزبيدي شارح «القاموس» و «الإحياء» ، ومما صنفه في حق شيخه المترجم : «النفحات القدوسية بواسطة البضعة العيدروسية» وغير ذلك ، وترجم له في «معجم شيوخه».

(١) وقد طبع «الإيضاح» وصدر عن دار الحاوي ، وصحّح بمعرفة العلامة الحبيب يحيى بن أحمد العيدروس رحمه الله تعالى.

(٢) هو الأوسط صاحب القبة بتريم ، المتوفى بها سنة (١٠١٩ ه‍).

(٣) الأبيات من البسيط ، وهي لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ٩٤ ـ ٩٥) ، ولكنّ الشّيخ المؤلّف رحمه الله تعالى تصرف فيها.


نال المحاميد إملاق فقيل لهم

شيموا نداه إذا ما البرق لم يشم (١)

فما الرّبيع على أنس البلاد به

أشدّ خضرة عود منه في الأزم

ومنهم : الغيث الهتون (٢) السّيّد جعفر الصّادق الأوّل ، فقد كان يرسل في كلّ عام لكلّ فرد من محاويج الأشراف بمئة ريال.

هذا الّذي بجح الزّمان بذكره

وتزيّنت بحديثه الأسمار (٣)

ومنهم : الشّريف العالي المقدار السّيّد عليّ زين العابدين الثّاني (٤) ، كان يرسل لأبيه عشرين ألف ريال سنويّا ، فضلا عن صلاته لأرحامه وغيرهم.

وعلى كلّ حال .. فللسّادة آل العيدروس ـ ولا سيّما آل عبد الله بن شيخ ـ النّضل ، وإلى بيوتهم تنتهي مناصب الفضل.

لو لا أحاديث سنّتها أوائلهم

من الهدى والنّدى .. لم يعرف السّمر (٥)

وأنا في شكّ بعد ممّا جاء في «مجموع كلام الحبيب عمر بن حسن الحدّاد» عن الشّيخ عبد الله باسودان من قوله : (ما كان ظهور سادتنا آل باعلويّ في غير جهتهم إلّا بعد ظهور ديوان الحدّاد) ؛ فإنّه لا يصحّ مع ما لآل العيدروس من الشّهرة الّتي طبّقت الآفاق ، وملأت زوايا الشّام والحجاز والهند والعراق. والله أعلم.

والسّادسة : جاء في «المشرع» [١ / ٢٥٣] عن بعض المشايخ : (أنّ حارة الأزمرة (٦) هي المدينة القديمة ، وهي الّتي في شرقيّ الجامع ، ممتدّة إلى الجنوب ،

__________________

(١) شيموا : انظروا.

(٢) الهتون : الهاطل.

(٣) البيت من الكامل ، وهو لأبي الطّيّب المتنبّي في «العكبريّ» (٢ / ٨٦). بجح : فرح.

(٤) واسمه تامّا : علي زين العابدين بن محمد مصطفى بن علي زين العابدين الأول بن عبد الله بن شيخ .. توفي بتريم سنة (١١٣٦ ه‍).

(٥) البيت من البسيط.

(٦) هكذا هي في «المشرع» ، وفي الطبعة الأخيرة التي أشرف على طبعها وتصحيحها العلامة السيد محمد الشاطري علّق عليها بهذه العبارة : (الصحيح «حارة الأزراء» ، وهي حارة جنوب شرقي تريم القديمة ، وفيها مسجد السقاف ، وسميت بهذا الاسم لكثرة النخيل المعروف بالزار فيها) اه


ثمّ اتّسعت عمارتها ، وهي تزيد وتنقص بحسب الولاة والزّمان ، والأمن والرّخاء وضدّها) اه

وهذا لا يناسب ما يكثره الرّواة من سكّانها وعلمائها وصلحائها ، وقد سبق قول الخطيب : أنّه ربّما بلغ في عصر واحد ثلاث مئة مفت بتريم.

وقال في موضع آخر : وعن أحمد بن الفقيه ططّة (١) ـ بطاءين ـ وكان أهله من تريم ثمّ انتقل إلى ظفار ـ قال : (أعرف في تريم ثلاث مئة مفت في زمان واحد).

وعن الفقيه عليّ بن سلم قال : (قال لي والدي : ارو عنّي يا ولدي أنّه بلغني أنّه وقع في تريم ثلاث مئة فقيه مفت في زمان واحد).

وعن الشّيخ علويّ بن محمّد بن أبي علويّ ، عن سعيد باجابر قال : (تذاكرت أنا والشّيخ أبو العفيف في تريم والهجرين وشبام ، فقال لي الشّيخ : في تريم أربعون مسجدا).

وعن أبي بكر بن عبد الله باجري ، عن الفقيه عبد الله بن عليّ باحاتم قال : (قال خالي : اجتمع على دكّة مسجد آل باحاتم (٢) الّذي بتريم أربعون فقيها من آل باحاتم).

وعن الفقيه محمّد بن أبي بكر عبّاد أنّه قال : (بلغ الصّفّ الأوّل في جامع تريم يوم الجمعة أنّ أهله كلّهم فقهاء من كثرة فقهائها).

وروّينا : (أنّه كان في تريم سبع مئة قبيلة لا تخلو كلّ قبيلة عن أحد من الصّالحين ، سوى قبيلة واحدة).

هذا كلّه من «جوهر الخطيب» ، وأكثره موجود في «البرقة» و «المشرع» ، وبعضه مذكور ـ أيضا ـ في «مقال النّاصحين» لباجمّال ـ وسبق كثير منه في الحسيّسة ـ ومثل هذه الأخبار العظيمة لا يمكن أن تكون في قرية صغيرة ، ومتى كان بانيها

__________________

(١) توفي الفقيه أحمد بن محمد ططّة بظفار سنة (٦٩٠ ه‍) «شنبل» (ص ١٠٧).

(٢) مسجد باحاتم : هو مسجد عاشق المعروف اليوم ، وكان يسمّى مسجد بلعشر.


تريم بن حضرموت .. فلن تكون إلّا كبيرة من البدء ؛ لكبر شأنه ، وضخامة دولته (١).

أمّا ما جاء أنّ بتريم أربعين مسجدا .. فمحمول على ما قبل وفاة الشّيخ علويّ بن محمّد بمدّة ، وكانت وفاته سنة (٦٦٩ ه‍) ، أمّا بعد فقد تعدّدت فيها المساجد بكثرة مفرطة ، وأكثر العلويّون من بنائها.

وكنت أستشكل ذلك بما سبق عن ابن الخطّاب وبما ذكره السّيوطيّ في كتابه «هدم الجاني» (٢) من أنّه لا يجوز بناء مسجد بجانب مسجد قديم من غير حاجة إلى البناء ولا زحمة في القديم بين المصلّين. حتّى قال لي والدي ـ رضوان الله عليه ـ : إنّ الغرض من كثرة تلك المساجد الصّغيرة .. إنّما هو : العزلة والاعتكاف وأداء النّوافل المطلوبة شرعا في المساجد كما كان أبو بكر ابتنى مسجدا بفناء داره مع وجود المسجد الحرام ، أمّا جماعة الصّلوات .. فلم تكن إلّا في مساجد معلومة لا تتعدّد إلّا بمقدار الحاجة ؛ كمسجد آل أحمد المعروف اليوم ب : «مسجد باعلويّ».

وأوّل «رباط» بني بتريم هو رباط الشّيخ إبراهيم بن يحيى بافضل ، المتوفّى سنة (٦٨٤ ه‍) ، قال الخطيب في «جوهره» : (وكان يقيم به على التّوكّل في جماعة من فقرائه).

وفي الحكاية (٣٣) منه : (أنّ الشّيخ محمّد بن عثمان الشّمهونيّ ـ نسبة إلى شمهون ، قرية من قرى ظفار ـ قدم على أولاد الفقيه إلى تريم ، فتلقّاه علويّ وعبد الرّحمن ، ولمّا تقدّم عبد الرّحمن إلى الدّار لتهيئة الضّيافة .. تقدّم الشّيخ إبراهيم يحيى بافضل فطلب من علويّ بن الفقيه أن يؤثره بالشّمهونيّ ذلك اليوم ، فأطاعه ، فذهب به إلى رباطه ، وأنزله فيه) اه

والمفهوم من أمثال هذا أنّه كان رباطا حقيقة ، غير أنّ من لا أذكر اسمه الآن من

__________________

(١) الجدير بالتنبيه أن تريم لم تمر في دور واحد في عمارتها .. بل مرت في أدوار عديدة ، ذكرها العلامة القاضي عمر بن أحمد بن عبد الله المشهور في رسالته : «بغية من تمنّى في توضيح بعض معالم تريم الغنّا».

(٢) واسمه : «هدم الجاني على الباني» ، مطبوع ضمن «الحاوي للفتاوي» (١ / ١٧٧ ـ ١٩٣).


علماء تريم أخبرني بأنّه لم يكن رباطا ، وإنّما بناه الشّيخ سالم بافضل مسجدا من يوم بنائه ، فوسّعه الشّيخ إبراهيم ورمّمه فنسب إليه ، وما سمّي رباطا إلّا لأنّ موضعه كان مربط خيل المهاجر بن أبي أميّة المخزوميّ ومن معه من الصّحابة الواردين لقتال أهل الرّدّة ، وهو اليوم مشهور بمسجد الرّباط.

قال الشّلّيّ : (وكان الشّيخ عمر بن محمّد بافضل الشّهير بالعطّاس ملازما له في عباداته ، وكان قد تهدّم بعض جدرانه ، فهدمه جميعه ، وجدّد عمارته في سنة «٩١٧ ه‍» (١)).

وأشهر مساجد تريم : مسجد آل أحمد (٢) ، بناه السّيّد محمّد بن عليّ خالع قسم بعد استيطانهم بتريم (٣) ، نقل طينته ولبنه من بيت جبير على العجل الّتي تجرّها الأبقار والبغال إلى تريم.

وفي «المسلك السّويّ» : ملاحظة من الأستاذ الحدّاد على قولهم : إنّ باني مسجد آل أحمد هو السّيّد محمّد بن عليّ ، وقال : إنّ بناءه كان من قبله. والله أعلم.

ثمّ جدّد الشّيخ عمر المحضار عمارته ما عدا الصّفّ الأوّل ، وعليه أوقاف كثيرة ، يصرف ما يفيض عن مصالحه وإطعام ضيفانه وتفطير الصّائمين فيه إلى أولاد الشّيخ عبد الله باعلويّ ؛ لاشتراطه ذلك في وقفه الّذي وقفه عليه ، وكان ثمن ما وقفه عليه يزيد عن مئة ألف دينار (٤). وكان يقوم بنفقة العلويّين ـ في تريم ـ جميعهم في أيّامه ، ولمّا مات (٥) .. تركوا للمسجد ما يكفيه واقتسموا الباقي. ولمّا انتهت نقابة العلويّين

__________________

(١) «المشرع» (١ / ٢٧٠) ، و «شنبل» (٢٥١).

(٢) وهو المعروف بمسجد باعلوي.

(٣) أي : بعد سنة (٥٢١ ه‍).

(٤) قال في «المشرع» (٢ / ٤٠٧): (ووقف على مسجد بني علوي المنسوب إليه نخيلا وأراضي وآبار ماء وعيون ، وعلى الواردين إلى المسجد المذكور من الضيفان بما قيمته (٠٠٠ ، ٩٠) تسعون ألف دينار) اه وفي «مواهب القدوس» (١٠٤) (خ) معلومات هامة عن المسجد وعمارته .. فلتنظر منه.

(٥) سنة (٧٣١ ه‍).


إلى الشّيخ عمر المحضار (١) .. أمر بردّ الأوقاف لآل عبد الله باعلويّ ؛ لاختصاصها بهم ، فوافقوه إلّا أخاه عقيلا (٢) ؛ فإنّه امتنع وبقي ما عنده منها تحت يده ، ثمّ استمرّ بعده مع أولاده إلى الآن. قاله الشّلّيّ في (ص ٢٦٤ ج ١) من «مشرعه».

وقال في ترجمة السّيّد عبد الله بن محمّد بن أحمد بن حسن بروم : (وكان قليل الغلال ، كثير العيال ، وقد سعى في تولية أوقاف آل عبد الله باعلويّ ، فولّاه السّلطان أمرها ، وأنفق على الفقراء منهم ومن غيرهم ، وصار يعمل كلّ ليلة طعاما للفقراء والمساكين والغرباء الوافدين ، واستمرّ على ذلك مدّة يسيرة ، ثمّ سعى كلّ واحد في استرجاع ما كان تحت يده من الوقف ، وعاد على ما كان عليه أوّلا ، وجرت في ذلك أمور وإحن في الصّدور ، ثمّ سعى لبروم إمام العارفين ، زين العابدين (٣) ، في إمامة مسجد الجامع ، ورتّب له ما يكفيه مع عياله ، واستمرّ على حاله إلى أن مات في سنة (١٠٣٩ ه‍) وقد نيّف على السّبعين) اه بمعناه (٤)

ومنه تعرف أنّ النّاس مثل النّاس ، وأنّ الأطماع تحيد بأهل تلك العصور الصّالحة عن وجه الحقّ كما تحيد بأهل زماننا ، وإلّا .. فما فعله عقيل من الحرام الصّرف الّذي لا يحتمل التّأويل ، ومع ذلك فإنّ الشّوّاف يقول فيه :

أمّا عقيل العاقل

ما حد لفضله ناقل

حبّ المهيمن باقل

في قلبه شي لله؟

فما بال حبّ المهيمن لم ينهه عن أوقاف آل عبد الله باعلويّ؟! والله يقول : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ)

وطالما عيّرنا العمّ سقّاف بن محسن باستيلائه على مال باسم طلبة العلم بسيئون له مندوحة فيه ؛ إذ كان من شرطه لأبيه أن يصرفه لمن شاء ، ومع ذلك فلم نزل به حتّى

__________________

(١) المتوفى سنة (٨٣٣ ه‍).

(٢) توفي عقيل ابن السقاف سنة (٨٧١ ه‍) بتريم.

(٣) هو العيدروس المتوفّى سنة (١٠٤٠ ه‍).

(٤) «المشرع» (٢ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥).


أحرجناه وضيّقنا عليه الأنفاس في المجلس فخرج منه ، ولو أنّه علم بصنيع عقيل .. لاتّخذ منه ما يكفيه للتّدليل.

ولا يحصى من أنجبتهم تريم من رجالات الفضل وأراكين الدّين والعلم ، وقد أفرد كلّ ذلك بالتّأليف (١).

والطّبقة الأولى من «جوهر الخطيب» هم : عليّ بن علويّ خالع قسم ، وابنه محمّد بن عليّ بن علويّ صاحب مرباط (٢) ، وسالم بن بصريّ (٣) ، وعليّ بن إبراهيم بن يحيى بن إبراهيم بن عليّ بن محمّد بن سليمان الخطيب (٤) ، وولده محمّد (٥).

وسالم بن فضل ، وولده يحيى بن سالم (٦) ، والقاضي أحمد بن محمّد باعيسى (٧) ، وعبد الله بن عبد الرّحمن بن أبي عبيد (٨) ، وأحمد بن عليّ الخطيب ،

__________________

(١) ك «المشرع الروي» ، و «الجوهر» ، و «البرد النعيم» لآل الخطيب ، وكتب كثيرة لا يتسع المقام لذكرها كلها. ومن المتأخرين .. صنف الفقيه الصالح الشيخ عمر بن عبد الله الخطيب المتوفى بتريم سنة (١٤١٩ ه‍) كتابا سمّاه : «التمهيد الكريم» جمع فيه فوائد وتراجم متنوعة عن علماء تريم ، وهو مفيد بالجملة ، وفيه تراجم نادرة لبعض شيوخه.

(٢) ولد بتريم ، ونشأ في حجر والده ، وبه تخرج ، وارتحل إلى البلدان للأخذ والطلب. «المشرع» (١ / ٣٩٢ ـ ٣٩٤) ، «الأدوار» (١ / ١٩١).

(٣) مولده بتريم ، وبها وفاته سنة (٦٠٤ ه‍) ، حفظ القرآن صغيرا ، ثم اشتغل بالعلوم على الشيخ سالم بافضل ، وطبقته من آبائه وبني عمومته من آل أبي علوي. «المشرع» (٢ / ٢٥٤ ـ ٢٥٧) ، «الأدوار» (١ / ١٩٩) ، «الحامد» (٢ / ٤٧٦).

(٤) لم تؤرخ وفاته ، ووصف في «البرد النعيم» بأنه : (الذي انتهت إليه نوبة الفقه والفتوى بتريم ، وكان إماما عالما فاضلا ذا ورع حاجز).

(٥) توفي الفقيه محمد بتريم سنة (٦٠٩ ه‍) ، كما هو عند شنبل (ص ٧٣) ، وذكر عن الشيخ محمد هذا أنه كان يشمّ من فمه رائحة المسك.

(٦) ترجمته في «صلة الأهل» (٦٨ ـ ٧١) ، ولم يؤرخ وفاته ، وفي «الشعراء» : أنه توفي سنة (٦٤٠ ه‍)

(٧) توفي سنة (٦٢٦ ه‍) ، وقبره عند قبور آل باعلوي بتريم.

(٨) هو الإمام العلامة الفقيه المحقق أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن زكريا ـ وقيل : بن عبيد ـ التريمي الحضرمي ، توفي سنة (٦١١ ه‍) كما في المطبوع من «شنبل» ، وعند غيره سنة (٦١٣ ه‍).


ومحمّد بن أحمد بن أبي الحبّ ، وباحبليل ، وحسين باجذيع ، وحسن بن عليّ بالذعير ، وعليّ بن محمّد بالويذ (١) ، وأحمد بن يسلم باحيدرة ، وعبد الرّحمن باجلحبان ، وهذا كما مرّ ليس من أهل تريم ولم يذكر الخطيب في «جوهره» أحدا من غيرها سواه.

ومن هذه الطّبقة ـ وإن أغفل بعضهم الخطيب ـ : الشّيخ إبراهيم بن أبي ماجد (٢) ، وكان آخر عمره بظفار ، والإمام أبو بكر بن أحمد باماجد (٣) ، والإمام فضل بن إبراهيم باحوّاش (٤).

والإمام عليّ بن محمّد باحاتم ، ممدوح نشوان بن سعيد ـ اليمانيّ بلدا الحميريّ نسبا ـ بقوله [من الطّويل] :

رعى الله إخواني الّذين عهدتهم

ببطن تريم كالنّجوم العوائم (٥)

عليّا حليف النّجدة ابن محمّد

وابنا أخيه الغرّ أبناء حاتم

وكم في تريم من فقيه مهذّب

وسيّد أهل العلم يحيى بن حاتم

أولئك أهل الفضل في ظلّ فاضل

عظيم من الأملاك عالي الدّعائم (٦)

__________________

(١) اسمه عند شنبل : علي بن أحمد ، وأرخ وفاته سنة (٦٠٢ ه‍) ، قال : وقبر بالفريط بتريم ، ولويذ : بالذال المعجمة كما ضبطها الخطيب في «الجوهر».

(٢) هو الفقيه إبراهيم بن أبي بكر بن يحيى بن فضل الملقب بأبي ماجد (باماجد) ، من علماء مرباط ، وتوفي بها ، أصله من تريم ، وهاجر إلى ظفار. «السلوك» (٢ / ٤٧٠).

(٣) ابن أخي السابق ؛ فهو أبو بكر بن أحمد بن أبي بكر باماجد .. إلخ ، أخذ عن عمه وبه تفقه ، وأخذ عنه العلم الفقيه سعد بن سعيد بن مسعود المنجوي بالولاء ، أحد من وزر لأحمد بن محمد ، ثم لابنه إدريس آل الحبوظي. «السلوك» (٢ / ٤٧٠ ـ ٤٧٢).

(٤) باحوّاش ، بالحاء المهملة والشين المعجمة وتشديد الواو : موضع معروف بتريم ، وفيه مساكن السادة آل الجنيد ، اشتراه أحدهم ، وهو السيد عبد الرحمن بن علي .. وسوّره وبنى فيه منازل له ولأولاده.

ولا زالوا به إلى اليوم ، ولعل أصله بستان ينسب لهذه الشخصية أو لأسرته.

(٥) العوائم : الّتي تسبح في السّماء.

(٦) كان الحاكم بحضرموت لما زارها نشوان : هو شجعنة بن راشد المتوفى سنة (٥٩٤ ه‍) ، أخو السلطان عبد الله.


أنست بهم في سالف الدّهر برهة

فكانت لياليها كأحلام نائم

وفارقتهم كرها ونار فراقهم

تأجّج ما بين الحشا والحزائم

ألا هل لأيّام تقضّت برجعة

أو ابكي عليهم بالدّموع السّواجم

وهل لزمان الوصل بالوصل عودة

وهيهات ليس الصّدع كالمتلائم

لئن بعدت أحبابنا فقلوبنا

تراءى بودّ غير واهي العزائم

سلام عليكم من صديق بقلبه

جراح فراق ما لها من مراهم

وشفعه بمنثور ؛ منه : (ما تريم إلّا جنّة نعيم ، في حوزة ملك كريم ، حامي الذّمار والحريم ، لو فارقها .. لأضحت كالصّريم (١) ، وقد صحّ عن الرّسول فيما روي من المنقول : سلطان عادل خير من مطر وابل ، وسلطان غشوم خير من فتنة تدوم).

وقد ذكرت في «الأصل» أنّ نشوان (٢) هذا جريء اللّسان سيّء الأدب ، وقد كفّره بعض علماء اليمن بشيء من شعره ، ولو لا أنّه اعتصم بأحد الأئمّة (٣) وكان أخا له من أمّه ـ كما قال ياقوت ـ .. لأريق دمه.

وذكر ابن السّبكيّ : أنّ الكرّاميّة ادّعوا على ابن فورك القول بانقطاع نبوّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ورسالته بموته ، وسعوا به في ذلك إلى محمود بن سبكتكين ، وأنّ ابن حزم زعم أنّه قتله بالسّمّ على ذلك ، ثمّ بالغ في تكذيب جميع ذلك ، وارجع إن أردت التّبسّط في الموضوع إلى ما ذكره في ترجمة الأشعريّ وابن فورك من «طبقاته» ، وقد اعترف بأنّ الكرّاميّة هي الّتي قتلت ابن فورك بالسّمّ ، ولم يذكر أنّ ابن سبكتكين انتقم منهم ، وذلك مع ظهور اللّوث ، وانتصاب القرائن ممّا يبعث على تصديق أنّه القاتل ؛ إذ لن يخفى ذلك عليه وقد جزم به «التّاج».

__________________

(١) الصّريم : اللّيل المظلم.

(٢) نشوان بن سعيد ، الأمير العلامة اللغوي المؤرخ ، كان فقيها ، شاعرا مجيدا ، استولى على قلاع وحصون ، وقدمه أهل جبل صبر حتى صار ملكا ، وكان مقيما بحوث ، وبها مات في (٢٤) ذي الحجة من سنة (٥٧٣ ه‍). من مصادر الترجمة : «معجم الأدباء» (١٩ / ٢١٧) ، «بغية الوعاة» (٢ / ٣١٢) ، «أعلام الزيدية» (١٠٦٠)

(٣) وهو أحمد بن سليمان الزيدي ، المتوكل على الله ، المتوفّى سنة (٥٦٦ ه‍).


ومن جرأة نشوان قوله : (وصحّ عن الرّسول .. إلخ) ، فما رأيته حديثا بهذا اللّفظ بعد أن كشفت عنه في «مزيل الإلباس» فضلا عن أن يصحّ ، لكنّ الرجل مجازف ، وكما جازف في التّقوّل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم .. فلن يتورّع عن المجازفة في مدح سلطان يتّهم ، وأظنّه عبد الله بن راشد.

وجاء في مادّة (سما) من «التّاج» أنّه قال (١) : (كلّ مؤنّث بلا علامة تأنيث يجوز تذكيره ؛ كالسّماء والأرض والشّمس ، والنّار والقوس والقدر ، وهي فائدة جليلة. وردّ عليه شيخنا (٢) ذلك وقال : هذا كلام غير معوّل عليه عند أرباب التّحقيق) اه

وما سقته إلّا لفائدة ، ولما فيه من أمارة مجازفة قائله نشوان وإلقائه الكلام على عواهنه ، وللنّحاة في الموضوع كلام لا يتّسع له المجال.

ومن أشعاره الّتي أساء بها الأدب حتّى على النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله [من الكامل] :

إيه قريش كلّ حيّ هالك

أظننتم أنّ النّبوة سرمد؟

منكم نبيّ قد مضى لسبيله

فاليوم هل منكم نبيّ يوجد؟

إنّ النّبوّة بالنّبيّ محمّد

ختمت وقد مات النّبيّ محمّد!

أمّا الطّبقة الثّانية عند الخطيب (٣) .. فهي أكثر رجال الكتاب ، وأوّلهم : الشّيخ عليّ بن علويّ بن الفقيه المقدّم (٤).

وأمّا الطّبقة الثّالثة فيه .. فقليلة ؛ لأنّ المنيّة عاجلته في القرن التّاسع.

وقد مرّ في حصون آل فلّوقة ما قاله الشّيخ عبد الرّحمن بن عبد الله بن أسعد

__________________

(١) وهو قول «شمس العلوم» للقاضي نشوان.

(٢) شيخ الحافظ مرتضى الذي يعول عليه في «التاج» هو العلامة الشمس محمّد الطيّب الفاسي.

(٣) ذكر المؤلف أن الخطيب جعل علماء تريم وساداتها على (٣) طبقات ، والذي بين أيدينا في مخطوط «الجوهر» ، أنهم (٤) طبقات .. فلتنظر منه.

(٤) توفي بتريم سنة (٦٩٩ ه‍).


اليافعيّ عن رجال حضرموت ، وإنّهم لجديرون بقول العرندس الكلابيّ [كما في «ديوان الحماسة» من البسيط] :

لا ينطقون عن الفحشاء إن نطقوا

ولا يمارون إن ماروا بإكثار

من تلق منهم تقل لاقيت سيّدهم

مثل النّجوم الّتي يسري بها السّاري

وذكر الطّيّب بامخرمة تريم فقال : (وقد خرج منها علماء فقهاء فضلاء ، ومشايخ أجلّاء.

منهم : الفقيه يحيى بن سالم أكدر بلج ، والفقيه عليّ بن أحمد بكير ، قتلا معا في سنة «٥٧٧ ه‍» (١) ، ومنهم الفقيه سالم بافضل صاحب «الذّيل» على «تفسير القشيريّ» ، والفقيه شرف الدّين أحمد بن محمّد بن ضمعج ، والد السّبتيّ صاحب «شرح التّنبيه» (٢) ،

__________________

(١) وفي بعض نسخ «شنبل» ومعظم التواريخ .. أن ذلك حدث في سنة (٥٧٦ ه‍). ولا زالت تعرف إحدى مقابر تريم بمقبرة أكدر ، ويقول العامة : بكدر.

(٢) آل السبتي .. أصلهم من تريم ، تديروا مرباط ثم ظفار ، ثم قدموا الشحر بسبب خوف صاحب ظفار أحمد بن محمد الحبوظي منهم وارتيابه فيهم لضعف سلطانه.

١ ـ وأول من قدم الشحر : هو القاضي أبو العباس أحمد بن محمد بن يحيى السبتي ، المذكور هنا ، ونسبته إلى ضمعج ، وهو ضمعج بن أوس الصحابي ، وكان الشيخ أحمد قد سكن حيريج أولا ، بعد قدومه من ظفار ، ثم استدعاه عبد الرحمن بن إقبال صاحب الشحر وجعله حاكما بعد إبراهيم بن علي باشكيل (الذي توفي بتريم سنة ٦٦٢ ه‍) ، ثم توفي بالشحر بعد المذكور سنة بضع وستين وست مئة ، وكان تفقهه على الشيخ محمد علي القلعي ، وخلف شيخه المذكور في موضع درسه بعد وفاته سنة (٦٣٠ ه‍) ، وهو مصنف «شرح التنبيه» وليس ابنه ، كذا عند الجندي في «السلوك» (٢ / ٤٥٨ ـ ٤٥٩).

٢ ـ وخلفه في العلم والصلاح ابنه عبد الرحمن بن أحمد .. توفي سنة بضع وسبعين وست مئة ، وكان حاكما على الشحر (أي قاضيا).

وخلفه ابنه أحمد.

٣ ـ فأما أحمد .. فتفقه بالشيخ أبي الخير الذي خلف والده في المنصب ، وتولى الإفتاء والقضاء ، وأعقب ولدين هما : محمد ، ورضي الدين ، وتوفي حدود سنة (٦٩٠ ه‍).

٤ ـ تفقه محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بأبيه وتولى الإفتاء والقضاء ، وتوفي سنة (٧١٢ ه‍).

٥ ـ رضي الدين أبو بكر بن أحمد ، ولد سنة (٦٩٣ ه‍) ، وتفقه بأخيه محمد ، وبخاله محمد بن سعد باشكيل ، وهو مصنف «شرح الرحبية» ، فرغ منه سنة (٧٣٧ ه‍) ، وهو شرح مشهور جدا ،


والفقيه أحمد بن فضل (١) ، والفقيه الصّالح الزّاهد عليّ بن محمّد بن عليّ بن يحيى بن حاتم ، والفقيه عليّ بن أحمد بامروان (٢) ، والفقيه الشّيخ جمال الدّين محمّد بن عليّ باعلويّ (٣) ، والفقيه عبد الله بن عبد الرّحمن باعبيد ، صاحب «الإكمال لما وقع في التّنبيه من الإشكال» ، والفقيه محمّد بن أحمد بن أبي الحبّ ، توفّي سنة «٦١٢ ه‍» ، وفي تريم علماء وعبّاد وزهّاد لا يحصون ، ومقبرتها مشهورة البركة ، ومدفون في جبّانة تريم أربعون من أهل بدر) اه كلام القاضي مسعود

وفيها جمع السّادة الأشراف آل باعلويّ ؛ كالشّيخ عبد الرّحمن (٤) وأولاده وحفدته وغيرهم ، خلق لا يحصون.

ولمّا رأى الشّيخ عليّ بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن أسعد اليافعيّ مشايخ اليمن ، ووصل إلى حضرموت ورأى ما فيها من الصّالحين .. أنشد [من الطّويل] :

مررت بوادي حضرموت مسلّما

فألفيته بالبشر مبتسما رحبا

__________________

وطبع مرات عديدة ، وهو من أنفع الشروح وأبركها. وكانت وفاته سنة (٧٦١ ه‍). ومن مصنفاته أيضا : «مختصر شرح الوسيط» ، و «مختصر شرح مسلم» عاصره الجندي وذكره في «السلوك» (٢ / ٤٦٠).

(١) هو العلامة القاضي أحمد بن محمد بن فضل بن محمد بن عبد الكريم بافضل ، أخذ عن عمه الفقيه سالم بن فضل وتخرج به ، توفي حدود (٦٠٠ ه‍) ، «صلة الأهل» (٧٤ ـ ٧٦).

(٢) هو الشيخ الفقيه العلامة علي بن أحمد بن علي بن سالم بامروان ، مولده سنة (٥٥٥ ه‍) ، ووفاته في (٣) رجب (٦٢٤ ه‍). «السلوك» (٢ / ٤٨٠) ، «المشرع» عدة مواضع ، «شنبل» (٤٠ ، ١٨١).

(٣) هو الشيخ الأستاذ الكبير الشهير بالفقيه المقدم محمد بن علي بن محمد صاحب مرباط .. مولده بتريم سنة (٥٧٤ ه‍) ، وكان ذكيا عالما فقيها جليلا ، ويعتبر الفقيه المقدم رمز التحول من عصر السلاح إلى عصر التصوف ، وهو مؤسس المدرسة العلوية التي سادت في حضرموت وخارجها حتى أيامنا هذه.

ترجمته مبثوثة في العديد من المصادر التاريخية الحضرمية. وللشيخ علي السكران : «الأنموذج اللطيف» في مناقبه مطبوع مع «البرقة». وينظر : «الأدوار» (٣٠١) ، «المشرع» (٢ / ٧ ـ ٢١) ، وغيرها.

(٤) هو السقاف ، ولد سنة (٧٣٩ ه‍) بتريم ، وتوفي سنة (٨١٩ ه‍) عن (٨٠) عاما ، ويلقبه بعض النسابة بالمقدم الثاني لكثرة ذريته ، وترجمته في معظم المراجع والمصادر الحضرمية ك «المشرع» و «الغرر» وغيرها.


وألفيت فيه من جهابذة العلا

أكابر لا يلفون شرقا ولا غربا

هذا آخر كلام بامخرمة ، وقد تقدّم أكثره (١).

وقد سبق في حصن فلّوقة عن شنبل أنّ الأثبت في منشد البيتين إنّما هو عبد الرّحمن بن عبد الله بن أسعد ، لا ولده عليّ ، فلينظر.

والسّادة العلويّون بحضرموت على طبقات ثلاث :

الأولى : من المهاجر إلى الفقيه المقدّم ؛ فكانوا على أزياء الصّحابة في هيئتهم وأسلحتهم ، كما نقله سيّدي الأستاذ الأبرّ عن الحبيب عبد الله بن عمر بن يحيى في ترجمته عن «عقده» (٢).

الثانية : من الفقيه المقدّم إلى العيدروس.

أمّا الفقيه المقدّم .. فإنه :

من البيض يستامون والعام كالح

جدوبا ومطّارون في الحجج الغبر (٣)

مغاوير في الجلّى مغابير في الحمى

مفاريج للغمّى مداريك للوتر

وهو أوّل من ترك السّلاح وسلك طريق الصوفيّة ولبس الخوذة ، وهي ما يقال له بمكّة وحضرموت : (القبع) ، ذكره الشّيخ عبد الله بن محمّد بن حكم صاحب «القلائد» في كتابه : «مفتاح السّعادة والخير في مناقب السّادة آل باقشير».

وفي الحكاية (٢٩٥) من «الجوهر» : (أنّ الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف يلبس الخوذة).

وفي الحكاية (١٣٤) منه : (أنّ الشّيخ محمّد بن عليّ مولى الدّويلة يلبس القبع).

وفي الحكاية (١٤٥) منه : (أنّ خادم عبد الله باعلويّ يلبس الخوذة ، وخادم باعبّاد يلبس الطّاقيّة).

__________________

(١) نسبة البلدان (ق ٥٩).

(٢) كما في «عقد اليواقيت» في (المقدمة).

(٣) البيتان من الطويل ، وهما للشريف الرضي في «ديوانه» (١ / ٥٠٥).


وفي الحكاية (٣٢١) من «الجوهر» : (أنّ السّيّد عبود بن عليّ كان يلبس الخوذة في سنة ٧٨٧ ه‍).

ولكن هل هجروا لها العمامة رأسا ، أم لا يلبسونها إلّا في الرّسميّات؟ كلّ محتمل ، والأوّل هو الأقرب إلى كلام باقشير والّذي يفهم من موضع من «عقد» سيّدي الأستاذ الأبرّ ، ولكن يغبّر عليه أنّ السّيّد محمّد بن علويّ بن أحمد بن الفقيه المقدّم اشتهر بصاحب العمائم (١) ، وذكروا أنّه احترق عليه منها عدد بسبب الاستغراق في المطالعة ، إلّا أن يجاب بأنّ لبسه لها لم يكن بحضرموت ، وإنّما كان بمقدشوه ؛ إذ هاجر إليها في طلب العلم على العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الصّمد الجوهيّ.

وفي هجرة هذا الإمام في طلب العلم تأكيد لما سبق في الحسيّسة وأوائل هذه المسوّدة من إشراف العلم على التّلاشي ، حتّى هاجر الشّيخ سالم بافضل في تجديده ، وجاء صاحب العمائم يتقيّل آثاره ؛ إذ لا يمكن أن يحيط الشّيخ سالم بأطراف فنونه.

وقد قرأ صاحب العمائم الحديث والفقه والتّفسير والتّصوّف وعلوم العربيّة وبرع فيها ، وشارك في الأصلين والمعاني والبيان والمنطق ، وكان يقرأ «المهذّب» على الجوهيّ في سنة ، و «التّنبيه» و «الوسيط» و «الوجيز» في الأخرى قراءة بحث وتحقيق ، كما كان الشّيخ عليّ بن أحمد بامروان يفعله (٢).

فالتّدليل بهجرة صاحب العمائم إلى مقدشوه على قلّة العلم بحضرموت .. صالح لا ينتقض بما كان من أمر الشّيخ سالم ؛ لما مرّ آنفا ، ولأنّ الواحد غير كاف (٣) وإن انتشر عنه العلم ، وقد قال تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ

__________________

(١) ترجمته في «المشرع» (١ / ٣٧٣).

(٢) جاء في «المشرع» (١ / ٣٧٣): (وكان ـ أي : صاحب العمائم ـ في أول طلبه سمع أن علي بن أحمد بامروان كان يقرأ كل واحد منها في سنة ـ أي : الثلاثة الكتب المذكورة ـ ، فطلب من الله أن يرزقه ذلك ، فاستجاب الله دعاءه وأعطاه ما تمناه) اه

(٣) ولتباعد الزمان ؛ فسالم بافضل توفي سنة (٥٨١ ه‍) ، وصاحب العمائم سنة (٧٦٧ ه‍) ، فبين وفاتيهما (١٨٦) سنة.


وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) ولا ينتقض بما كان من تأثير الهجرة في الطّلب بما لا يكون في الإقامة.

وقد حمّقوا رجلا سار في طلب العلم من العراق وعنده عليّ بن طالب ، وكأنّ الإكباب على السّراج في المطالعة صار طبيعيا لصاحب العمائم ، وإلا .. فمن حقّ اللّبيب أن يعتبر بواحدة ، وقديما كان يقال : (من لدغته الأفعى .. خاف من الحبل) فهو مع الاستغراق يهوّن من وطأة الإشكال الّذي ذكرت ـ عنده ـ ما أخرجه أبو نعيم في «الحلية» [٣ / ٣١٢] بسنده إلى عطاء بن أبي رباح قال : (إن كانت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لتعجن ، وإنّ قصّتها لتكاد أن تضرب الجفنة).

توفّي صاحب العمائم بتريم آخر سنة (٧٦٧ ه‍) ، وتنتهي هذه الطّبقة بالعيدروس ، وجلّهم كما قال الشّريف [في «ديوانه» ١ / ٤٠٥ من الطّويل] :

أقاموا بأقطار العلا وتناقلوا

عليها وأبدوا في العلا وأعادوا

إلى حسب منه على البدر عمّة

وفي عاتق الجوزاء منه نجاد

إذا وقفوا في المجد خافوا نقيضه

فتمّوا على عنف السّياق وزادوا

وهؤلاء هم الّذين يقول المغربيّ في «رحلته» أنّهم أشبه بالملائكة.

وأمّا الطّبقة الثّالثة .. فمن العيدروس إلى تمام القرن الثّالث عشر :

فاستأنفوا العزّ مخضرّا زمانهم

كأنّما الدّهر فيهم روضة أنف (١)

تسعى البكار معنّاة وقد ملكت

أولي الجمام عليها الجلّة الشّرف

ثمّ رأيت في مناقب سيّدنا الحسن بن عبد الله الحدّاد المسمّى : «المواهب والمنن» لحفيده العلّامة علويّ بن أحمد بن الحسن ما نصّه : ولم يلبس بعد الحجّ إلّا الخوذة والبثت من غزل الحاوي والسّبير فوق الشّقّة ، وفي البيت الشّقّة والكوفيّة البيضاء المخرّمة ، والعمامة للجمعة والزّيارة والأوّابين في البلد ، وسروال وقميص من البفت وفوقه أيضا بفت ، وكان حجّه في سنة (١١٤٨ ه‍).

__________________

(١) البيتان من البسيط ، وهما للشريف الرضي في «ديوانه» (٢ / ٧ ـ ٨).


وفي (ص ٢٩٢ ج ١) منه : طلبت من السّيّد زين العابدين بن مصطفى العيدروس قبعا مخيّطا من الهند ، مرادي ألبسه يوم الزّينة مثل الوالد ، فأعطاني إيّاه بعد أن استشار الوالد فأذن له ، فلبسته يوم الزّينة ولم يلبسه أحد من إخواني قبلي ، ثمّ لبس مثله الأخ علويّ في الزّينة الثّانية.

وفي أوائل القرن الرّابع عشر كان بناء الرّباط بتريم (١) ، ومن أكبر القائمين به والسّاعين له : الصّدر الجليل ، السّيّد عبد القادر بن أحمد الحدّاد (٢).

وهو رجل غزير المروءة ، جزل الرّأي ، يثني عليه شيخنا المشهور ، وكثيرا ما يسمّيه : (الغصن الرّطيب) يريد به المبالغة في المدح ، ولكنّه ممتلىء من الرّخاوة ، وقد عابوا على الخوارزميّ قوله في الصّاحب [من الخفيف] :

وظريف كأنّ في كلّ فعل

من أفاعيله عرائس تجلى

وقالوا ـ كما في «اليتيمة» [٤ / ٢٥٤] ـ إن المحتشمين لا يوصفون بالظّرف ؛ إذ هو من أوصاف الأحداث والشبّان والقيان ، ثمّ لم يرض بهذه الفرطة حتّى شبّه أفاعيله بالعرائس تجلى ، فلو أنّه مدح مخنّثا .. لما زاد.

ولكنّني نقضته أواخر الجزء الثّالث من «بضائع التّابوت».

وممّن ساعد على بناء ذلك الرّباط : السّيّد أحمد بن سقّاف الجنيد ، والسّيّد محمّد بن سالم السّريّ ، والشّيخ محمّد بن عمر عرفان ، وكان إليهم النّظر في مدّة حياتهم ، وفي الشّرح أنّ من مات منهم يبدّل بغيره ، ولمّا توفّي أحمد بن سقّاف أبدل بأخيه علويّ ، ولكنّه لم يتداخل بالأمر إلّا قليلا ، بل فوّض الأمر إلى رفاقه ، ولمّا

__________________

(١) كان بناؤه في سنة (١٣٠٤ ه‍).

(٢) المتوفى سنة (١٣١٣ ه‍) بالحوطة ، وكان المذكور ممثّلا عن آل الحداد الذين هم رابع خمس أسر تعاضدت على إنشاء الرباط. وهي : آل الحداد ، وآل الجنيد ، وآل الشاطري ، وآل السري ، وآل عرفان بارجاء.

وسلمت إدارته للسيد الجليل العلامة عبد الله بن عمر الشاطري بعد عودته من الحجاز أوائل سنة (١٣١٤ ه‍) ، ولم يزل مقيما على التعليم فيه إلى أن توفي سنة (١٣٦١ ه‍).


توفّي السّيّد عبد القادر سنة (١٣١٣ ه‍) .. خلفه ولده عيسى ، ولمّا توفّي الشّيخ محمّد بن عمر عرفان .. أقيم في مقامه السّيّد عمر بن أحمد الشّاطريّ ، ولا أدري بمن أبدل السّيّد محمّد السّريّ ، وأظنّ الوضع تغيّر.

وكان السّيّد عمر الشّاطريّ وعيسى الحدّاد الكلّ في الكلّ ؛ فالحدّاد يتسلم ما للرّباط من إيراد بسنغافورة ويرسله إلى عند السّيّد عمر بن أحمد ، وهو يصرفه بغاية الأمانة والتّدبير في مصارفه كما يأتي.

ولم يزل رباط تريم معمورا بالعلم من يوم بني ، وحصل به نفع عظيم ، وتخرّج به كثير من تريم ، ومن البيضاء ودوعن وغيرهم من الأقاليم ، والحال أنّ إيراده الشّهريّ لا يزيد عن أربع مئة ربيّة هنديّة ، مع أنّه قد يجتمع فيه مئتا طالب داخليّون ، وفي ذلك شهادة لناظره السّيّد عمر بن أحمد الشّاطريّ (١) بالورع الحاجز ، والتّدبير التّامّ ، والنّزاهة الّتي لا تعلق بها تهمة.

وكان القائم بالدّرس العامّ فيه بكرتي السّبت والأربعاء هو شيخنا وسيّدنا الوالد عبد الرّحمن بن محمّد المشهور حياته (٢) ، ثمّ ولده الصّالح السّيّد عليّ بن عبد الرّحمن إلى أن توفّي بتريم سنة (١٣٤٤ ه‍) ، وقد يشاركه ويخلفه في ذلك شيخنا العلّامة علويّ بن عبد الرّحمن المشهور.

وأمّا إدارة تعليمه : فقد كانت إلى العلّامة الجليل السّيّد عبد الله بن عمر الشّاطريّ (٣) ، وهو القائم بالتّعليم والتّدريس فيه ، مع من يخصّصهم له من تلاميذه (٤).

__________________

(١) المولود بتريم في رمضان (١٢٧٢ ه‍) ، والمتوفّى بها في يوم الإثنين (٢) شوال سنة (١٣٥٠ ه‍) ، وهو والد الحبيب عبد الله بن عمر.

(٢) حياته : طول حياته.

(٣) ولد الإمام الجليل والحبر النبيل الحبيب عبد الله بن عمر الشاطري بتريم في رمضان سنة (١٢٩٠ ه‍) ، وتوفي بها في (٢٩) جمادى الأولى سنة (١٣٦١ ه‍). وقد أفرده بالتأليف تلميذه العلامة الفقيه السيد محمد بن سالم بن حفيظ بكتاب سمّاه : «نفح الطيب العاطري» في مجلد (مخطوط) ، استوعب فيه ذكر شيوخه وما قيل فيه في حياته وبعد مماته ، رحمه الله.

(٤) وتلاميذه رحمه الله ورضي عنه كثرة كاثرة ، وفيهم من تولى الإفتاء في بقاع وبلدان شتى ، ومنهم من


وبعد وفاة السّيّد عليّ بن عبد الرّحمن انتهت إليه رياسة العلم بتريم جميعها ، فوفّاها حقّها ، وانتفع به القاصون والدّانون انتفاعا جمّا ، وكان هذا الرّباط بذرة خير أثّت وربت في جميع البلاد (١) ، وما زال على ذلك إلى أن توفّي سنة (١٣٦١ ه‍) ، فعظمت الرّزيّة بموته ؛ لأنّ معوز فقده لم يرقع كما كان من قبله.

وخلفه على رئاسة العلم بتريم والتّدريس العامّ في الرّباط وغيره : أخونا الفاضل الجليل ، النّاطق بالحقّ ، الحافظ لسير السّلف الصّالح ، علويّ بن عبد الله ابن شهاب (٢) ، مدّ الله في أيّامه ، ونفع به.

وبقيت إدارة تعليم الرّباط للسّيّد محمّد بن عبد الله بن عمر الشّاطريّ (٣) وأخويه حسن وأبي بكر فنرجو أن يسلكوا ذلك المنهاج ، ويستضيئوا بذلك السّراج ؛ ليبقى الرّباط على مثل حاله من الإنتاج.

ثمّ إنّ لطبقة الفقيه المقدّم فمن بعده من الأعمال والرّياضات ومجاهدات النّفوس ما لا تستقرّ له العقول ، ولا تتصوّره الأفكار ، ولا تقدر على تصديقه القلوب إلّا بعد ضرب الأمثال من المشاهدات ، وقياس أولئك على من بقي من فريقهم وانتهاج طريقهم إلى أوائل أعمارنا ؛ فقد شاهدنا وشاهد أقراننا كثيرا ممّن على ذلك النّمط ، حسبما مرّ في سيئون ، ممّا يصدّق قول المغربيّ (٤) السّابق : إنّهم بالملائكة أشبه.

__________________

أسس أربطة في بلده .. كالعلامة الجليل الحسن بن إسماعيل الحامد (ت ١٣٦٧ ه‍) صاحب رباط عينات ، والعلامة السيد محمد الهدار (ت ١٤١٨ ه‍) صاحب رباط البيضاء ، والعلامة السيد عبد الله بن عبد الرحمن بن الشيخ أبي بكر (ت ١٣٨٤ ه‍) صاحب رباط الشحر ، وغيرهم كثير ، وما هؤلاء إلا نماذج وأمثلة رحمهم الله تعالى.

(١) أثّت : كثرت وعظمت. ربت : نمت.

(٢) هو الحبيب الإمام الورع الصالح الزاهد الولي علوي بن عبد الله بن عيدروس بن شهاب الدين ، مولده بتريم في محرّم سنة (١٣٠٣ ه‍) ، وبها وفاته في (١٢) رمضان سنة (١٣٨٦ ه‍) ، أفرده بالترجمة السيد النحوي اللغوي عمر بن علوي الكاف (ت ١٤١٢ ه‍) بكتاب سمّاه : «تحفة الأحباب».

(٣) وهو الملقب بالمهديّ ، مولده بتريم سنة (١٣٢٨ ه‍) ، درس في الرباط ولازم والده وتخرج به ، وقام بشؤون الرباط بعد والده ، وبعد هجوم الشيوعيين على الحكم في البلاد .. هاجر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ووافته منيته في أبو ظبي في محرم سنة (١٤٠٥ ه‍).

(٤) يشير إلى «رحلة المغربي إلى تريم» التي جرت في سنة (٨٦٥ ه‍) ، وهو شخص مجهول لا يعرف


ومن بعد العيدروس الأكبر (١) انتشرت المعارف وينعت العلوم ، ولكن بدأت المجاهدات تنقص ، والخلل يدخل على طريق العلويّين ، ولهذا كان القطب الحدّاد يأخذ بكلّ عادة كانت من أيّام العيدروس فمن قبله بدون أن يبحث عن الدّليل ؛ لتلزّمهم بالسّنّة المطهّرة تلزّما شديدا ، وأمّا من بعده .. فلا يقبل شيئا إلّا بدليله الواضح ، ونقل غير واحد عن أبي حنيفة أنّه كان يقول : ما جاءنا عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم .. فعلى الرّأس والعين ، وما جاءنا عن الصّحابة رضي الله عنهم .. نختار أحسنه ولم نخرج عن أقوالهم ، وما جاءنا عن التّابعين .. فهم رجال ونحن رجال. وفي رواية : زاحمناهم. ومع ذلك فلم يزل فيهم أراكين علوم ، ومصابيح هدى أمثال النّجوم.

وجوه لو انّ الأرض فيها كواكب

توقّد للسّاري .. لكانوا كواكبا (٢)

وإنّ زمانا يظهر فيه أمثال القطب الحدّاد وعبد الله بن أحمد بلفقيه (٣) وابنه عبد الرّحمن (٤) وأقرانهم .. لغير ملوم.

لقد حلّوا من الشّرف المعلّى

ومن حسب العشيرة حيث شاؤوا (٥)

__________________

اسمه ، وجرى كلام حول صحة ومصداقية هذه الرحلة ، لكن الشيخ محمد بن عوض بافضل أوردها بتمامها في نهاية «صلة الأهل» ، وعضّدها بكونها قرئت على مولانا الحبيب أحمد بن حسن العطاس فأيدها ، ينظر «الصلة» (٣٢٦ ـ ٣٤٢).

(١) هو الإمام عبد الله بن أبي بكر السكران ، تقدم ذكره في عدة مواضع ، توفي سنة (٨٦٥ ه‍) ، وتنظر أعماله وأحواله ومجاهداته في «المشرع الروي» ، «الغرر» ، «فتح الرحيم الرحمن» في مناقبه لتلميذه السيد عمر بن عبد الرحمن صاحب الحمراء ، ومؤلفات آل العيدروس المتقدم ذكرها في سير أهلهم وآبائهم رضي الله عنهم.

(٢) البيت من الطّويل ، وهو لأبي تمّام في «ديوانه» (١ / ١٢٦).

(٣) العلامة الجليل الشأن ، رفيع المقدار ، مولده بتريم سنة (١٠٤٤ ه‍) ، وبها وفاته سنة (١١١٢ ه‍) أو (١١١٠ ه‍) ، كان من أقران الإمام الحداد ، وقرأ هو وإياه «المختصر الكبير» على السيد عبد الرحمن بن عبد الله باهارون.

(٤) الإمام وجيه الدين ، المعروف عند أهل تريم بعلّامة الدنيا ، ولد بتريم سنة (١١٠١ ه‍) ، وتوفي بها سنة (١١٦٣ ه‍). ونبغ في العلوم وقرأ بالعشر جمعا وإفرادا ، وسمع وأجيز وحدث وأجاز ، وصنف الكتب المفيدة النافعة.

(٥) البيتان من الوافر ، وهما لدعبل الخزاعي.


فلو أنّ السّماء دنت لمجد

ومكرمة دنت لهم السّماء

ومن أواخرهم بتريم : شيوخ مشايخنا ؛ كالسّادة عبد الله بن حسين بلفقيه (١) ، وعبد الله بن أبي بكر عيديد (٢) ، وعبد الله بن عليّ بن شهاب (٣) ، وأحمد بن عليّ الجنيد (٤).

ومن أواخرهم : مفتي الدّيار الحضرميّة ، شيخنا العلّامة الجليل ، صاحب المؤلّفات الفائقة ، عبد الرّحمن بن محمّد المشهور (٥) ، المتوفّى بتريم (١٥) صفر سنة (١٣٢٠ ه‍) ؛ فإنّه ومن سبقه من شيوخه ومشايخهم بتريم لكما قال المتنبّيّ [في «العكبريّ» ٢ / ١٧١ من الكامل] :

نسقوا لنا نسق الحساب مقدّما

وأتى فذلك إذ أتيت مؤخّرا (٦)

__________________

(١) الفقيه الحبر ، مفتي حضرموت ، ولد بتريم سنة (١١٨٩ ه‍) ، تفقه بأبيه ولازمه حتى توفي سنة (١٢١٧ ه‍) ، وأخذ عن جمع من علماء تريم ، انظرهم في «عقد اليواقيت» : (١ / ١٣٠ ـ ١٥٠) ، توفي عشية الأربعاء (١٨) ذي القعدة (١٢٦٦ ه‍). وترك مصنفات جامعة.

(٢) العالم الناسك الجليل ، مولده بتريم سنة (١١٩٥ ه‍) ، وبها وفاته سنة (١٢٥٥ ه‍) ، أخذ عن جملة من أجلاء عصره ، وعنه أخذ ابن أخته السيد أحمد بن علي الجنيد وترجم له في إجازته للإمام الأبر كما في «عقد اليواقيت» (١ / ١٢٥).

(٣) السيد الفقيه العالم الصالح ، أحد العبادلة السبعة بحضرموت ، مولده بدمّون سنة (١١٨٧ ه‍) ، وبها وفاته سنة (١٢٦٥ ه‍) ، من شيوخ صاحب «العقد» ، وترجمته فيه ضافية (١ / ١١٢ ـ ١١٩) فنحيل القارىء عليها ، وله مؤلفات وآثار مكتوبة.

(٤) الحبيب العلامة المتفنن المقرىء المسند ، مولده بتريم سنة (١١٩٥ ه‍) ، وبها وفاته في (٢) شوال سنة (١٢٧٥ ه‍) ، أخذ عن أئمة عصره ، ترجمته في «عقد اليواقيت» (١ / ١٢٣ ـ ١٢٧) ، لتلميذه الإمام الأبر ، وأفرده بالتصنيف السيد العلامة عبد القادر بن عبد الرحمن بن عمر الجنيد نزيل (دار السلام) عاصمة تنزانيا في مجلّد حافل ، وضم إليها تراجم أعلام أسرتهم المباركة ، وقد طبع بسنغافورة بعنوان : «العقود العسجدية».

(٥) الإمام الحبر الفقيه العلامة الورع ، مولده بتريم سنة (١٢٥٠ ه‍) ، وبها وفاته في (٦) صفر (١٣٢٠ ه‍) ، كما في «الشجرة». وفي «منحة الإله» : (١٧) صفر. أفرده بالترجمة ابنه الورع الصالح الحبيب علي بكتاب سمّاه : «شرح الصدور» ، منه نسخ بتريم ، وكان صاحب الترجمة مرجع أهل حضرموت قاطبة في الفقه ونوازل الأحوال ، وله مصنفات جليلة شاهدة بعلو كعبه.

(٦) المعنى كما قال الواحدي : (جمع لنا الفضلاء في الزّمان ، ومضوا متتابعين متقدّمين عليك في


وقد كان بطلا شجاعا ، يباشر إبطال الباطل بنفسه ، ولا يخاف في الله لومة لائم ، فرزىء الإسلام به رزءا أليما ، وفقدت تريم بفقده ركنا عظيما ، وكان ـ والله ـ كما قال الأفوه الأوديّ [من الوافر] :

لقد أبقى مكانك في لؤيّ

وآل محمّد خللا مبينا

فآنس شخصك الجدث المعفّى

وأوحش قبرك المتهجّدينا

إذ كان آخر من يستحيى منه ، فانفتح بإثره للملاوم الباب ، ولم يخف منها عتاب ، وخرج الأمر عن الحساب ، ونجمت القرون (١) ، وتطلّعت الضّباب (٢).

قد كان بعدك أنباء وهينمة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب (٣)

وتواتر عنه أنّه لم يترك الجماعة في أوّل الوقت أربعين سنة ، وعند هذا ذكرت ما أخرجه أبو نعيم [٥ / ٥٠] بسنده إلى يحيى القطّان قال : كان الأعمش من النّسّاك ، وكان محافظا على الصّلاة في الجماعة وعلى الصّفّ الأوّل.

وبه إلى وكيع قال : كان الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التّكبيرة الأولى. أمّا شيخنا .. فلا يتصوّر أن تفوته التّكبيرة ؛ لأنّه طيلة أيّامه إمام.

وكان المرشّح لرئاسة العلم بعده العلّامة الجليل السّيّد علويّ بن عبد الرّحمن المشهور (٤) ،

__________________

الوجود ، فلمّا أتيت بعدهم .. كان فيك من الفضل ما كان فيهم ؛ مثل الحساب ، يذكر تفاصيله أوّلا ، ثمّ تجمل تلك التّفاصيل ، فيكتب في آخر الحساب ، وكذلك أنت ، جمع فيك ما تفرّق من الفضائل والعلم والحكمة).

(١) نجمت : ظهرت وطالت.

(٢) جمع ضبّ ، لأنها تختبىء في الجحور حتى تأمن من عدم وجود أحد.

(٣) البيت من البسيط.

(٤) هو الشريف المنيف العلامة المسند الرحالة المتفنن الداعية .. علوي بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد المشهور .. آل شهاب الدين ، ويخطىء البعض فيظنونه ابن مفتي تريم ، والحال أنه من أبناء عمومته ، ولد بتريم سنة (١٢٦٢ ه‍) ، وبها توفي سنة (١٣٤١ ه‍) ، رحل إلى العديد من البلدان داعيا إلى الله ومذكرا ، وقد جمع ترجمته وألف عن حياته وأسفاره وشيوخه .. حفيد ابنه ، السيد الداعي إلى الله أبو بكر بن علي بن أبي بكر بن علوي المشهور حفظه الله في كتاب سمّاه «لوامع النور»


ولكنّهم دفعوه عنها بالرّاح (١) وتعصّبوا عليه ، ونادوا بالقانت الأوّاب السّيّد عليّ بن عبد الرّحمن المشهور (٢) خليفة عن والده في الدّروس ، فقام بها ، ولكن كان حظّه من العبادة والزّهادة أوفر من العلم ، توفّي سنة (١٣٤٤ ه‍).

وممّا كنت أستخرج به العجب والاعتبار ممّن يحضرني : أنّني شهدت موسم زيارة نبيّ الله هود عليه السّلام سنة (١٣٤٠ ه‍) ، وكان حفلا عظيما ، حضره الوالد المفضال مصطفى بن أحمد المحضار في جماعة من أهل دوعن ، ومع أنّ أكثر الخطابة إليّ في تلك المحافل الشّريفة .. لا أجلس أنا والأخ الفاضل عبد الله بن عمر الشّاطريّ إلّا في الأطراف ؛ لكثرة الأجلّاء من الأشياخ ، وأكثرهم من الغنّاء تريم. ثمّ شهدته في سنة (١٣٥٠ ه‍) فكنت أنا والأخ عبد الله بن عمر في الصّدر ، وبه ذكرت أنّ بعض فقهاء الشّافعيّة جلس مجلس شيوخه ، فأطال الوقوف بالباب يبكي ، ثمّ أنشد [من الكامل] :

خلت الدّيار فسدت غير مسوّد

ومن الشّقاء تفرّدي بالسّؤدد (٣)

وجرت بين شيخنا العلّامة علويّ بن عبد الرّحمن المشهور ، وبين علماء تريم بمن فيهم من تلاميذه مناقضات في عدّة مسائل.

منها : ما إذا قال رجل : أنفق على أهل بيتي. ولم يقل : على أن ترجع عليّ. وطال النّزاع في ذلك ، وأصفقوا على خلافه ، وساعدهم عليه طلبة العلم بسيئون ، وهو مصمّم على رأيه ، ولا أحفظ حاصل ذلك.

__________________

في ثلاثة أجزاء ، طبع الأولان في مجلّد وبقي الثالث مخطوطا.

(١) الرّاح ـ جمع راحة ـ : باطن اليد.

(٢) ولد الحبيب علي بن عبد الرحمن بتريم في (٢١) ربيع الثاني (١٢٧٤ ه‍) ، وتوفي في (٩) شوال (١٣٤٤ ه‍) ، من عبّاد تريم وزهادها ، له أحوال وأخبار جليلة ، وجمع بعض تلامذته نبذة من كلامه ، وترجمته في مجموع سمّاه : «لمعة النور».

(٣) انظر القصّة في «شذرات الذّهب» (٢ / ١٧) ، وصاحب القصّة هو شيخ الشّافعيّة ، العلّامة الشّاشي ، أبو بكر محمّد بن أحمد بن الحسين ، رحمه الله تعالى.


ومنها : أنّ أخاه عمر (١) كان على قضاء تريم ، فبلغه ثبوت شوّال فصادق عليه ، وامتنع شيخنا عبد الرّحمن المشهور من الموافقة ، وتبعه أهل تريم ، ولمّا عيّد سيّدنا علويّ بن عبد الرّحمن وصلّى في المسجد الّذي بجوار بيته لا في الجامع .. غاضبوه وهاجروه ، وجرت أمور إلى أن سوّيت المسألة حسبما في «الأصل».

ومتى عرفت أنّ السّيّد عمر بن عبد الرّحمن المشهور كان على القضاء بتريم لذلك العهد .. فاعلم أنّه حكم على السّيّد علويّ بن محمّد بن علويّ الكاف بحبس لأمر اقتضى ذلك ، فنفّذ ، ولكنّه اضطغنها عليه ، فكمن له ليلة مخرجه آخر اللّيل إلى المسجد ، فضربه بصميل (٢) معه ضربة لم تغن شيئا ، فأخذ الصّميل ـ وكان جلدا ـ وكاد أن يسطو به ، ولكن كان مع علويّ السّيّد عليّ بن سقّاف الجنيد ، فتلقّى القاضي بلكمة من وراء أذنه ألقاه بها صريعا ، فتمكّن علويّ من ضربه كيفما أراد.

وفي اليوم الثّاني أكثر من الكتب يستصرخ النّاس ويستنجد بالسّلطان محسن بن غالب ؛ وظنّ النّاس أنّ ضرب القاضي والجرأة عليه سيكون وبيل العاقبة ، فلم تحبق في ذلك شاة ، وكان بعضه كيادا للحبيب علويّ بن عبد الرّحمن ؛ إذ كان أهل الثّروة والنّفوذ ضدّه.

ولم تطل بعدها أيّام السّيّد عمر ، بل مات وشيكا رحمة الله عليه ، وترك أولادا ؛ منهم :

الفاضل الذّكيّ النّبيه : عيدروس ، محرّر جريدة «حضرموت» (٣) ، ويعجبني منه

__________________

(١) عمر بن عبد الرحمن المشهور .. العلامة القاضي ، طلب العلم بتريم ، وكان مع أخيه علوي كفرسي رهان ، وله إجازة من العلامة محمد بن عبد الله باسودان ، وله مساع في الخير ؛ منها : إدخال رافعات الماء إلى تريم ، رحل إلى جاوة بعد استقالته من قضاء تريم ، وسكن في بانقيل ، وبها توفي سنة (١٣٢٢ ه‍).

(٢) الصميل : الهراوة.

(٣) ولد بتريم ونشأ في حجر والده قاضي تريم ، واهتم به عمه العلامة علوي ، وأخذ عن علماء تريم ، ثم هاجر إلى سنغافورة ، وعمل بها في التجارة ، وأسس جريدته المشهورة : «حضرموت» سنة (١٣٤١ ه‍) ، وكان صدور أول عدد منها الخميس (٧) ربيع الثاني (١٣٤١ ه‍) ، واستمرت (١١)


رقّة طبعه ، وسلامة ذوقه ، وحسن تأثّره ببليغ الكلام ، وإن لم أكن راضيا عن كثير ممّا بجريدته.

وشبيه بقصّة القاضي مع علويّ الكاف ما ذكره ابن حجر في ترجمة كثيّر بن شهاب من «الإصابة» [٥ / ٥٧١] : (عن المرزبانيّ : أنّه ضرب عبد الله بن الحجّاج بن المحصن في الخمر ، فلم يكن من عبد الله إلّا أن جاء ليلا إلى كثيّر فضربه على وجهه ضربة أثّرت فيه ، ثمّ هرب).

أمّا علويّ .. فلم يهرب ، ولكنّ القاضي هرب ـ إذ عزّه الإنصاف في الدّنيا ـ إلى الآخرة يطلبه فيها ، وعند الله تجتمع الخصوم.

وذكر أبو العبّاس المبرّد في «الكامل» [٢ / ٥٦٢] : (أنّ رجلا من الأعراب تقدّم إلى القاضي سوّار بن عبد الله في أمر ، فلم يصادف عنده ما يحبّ ، فاجتهد فلم يظفر بحاجته ، قال : فقال الأعرابيّ ـ وكانت في يده عصا ـ [من السّريع] :

رأيت رؤيا ثمّ أوّلتها

وكنت للأحلام عبّارا

بأنّني أخبط في ليلتي

كلبا فكان الكلب سوّارا

ثمّ انهال بعصاه على سوّار فلم يزل يضربه حتّى منع منه ، فما عاقبه سوّار بشيء).

وكان السّيّد علويّ المشهور شهما وقورا ، ركين المجلس ، جميل الشّارة ، عذب الكلام ، كثير الرّحلات إلى الحجاز والهند والسّواحل الأفريقيّة ومصر وجاوة ، وفيها جرت له قضيّة مع شيخنا الوالد عثمان بن عبد الله بن عقيل ؛ وذلك أنّه أثنى عليه بحضرة المستشرق الهولنديّ المسمّى (سنوك) (١) فرغب في الاجتماع به ، ولمّا حضر

__________________

سنة كاملة إلى عام (١٣٥٢ ه‍). وكانت وفاته بإندونيسيا سنة (١٣٨٤ ه‍).

(١) هو مستشرق هولندي ، اشتهر بسنوك ، واسمه الكامل كرستيان سنوك هرخونيه ، ولد سنة (١٢٧٣ ـ ١٨٥٧ م) ، ومات سنة (١٣٥٥ ه‍ ـ ١٩٣٦ م). تعلم في ليدن وستراسبورج ، ودخل الحجاز وأقام بجدة أشهرا ، وتسمّى بعبد الغفار ، ودخل مكة ، وكتب دراسات ضافية عن علماء جاوة المقيمين بها ، وكان جلوسه في «سوق الليل» لمدة (٥) أشهر .. ثم بعد انكشاف أمره .. سار إلى بتاوي ومكث بها (١٧) سنة. ثم عاد إلى بلاده وعين أستاذا للعربية بجامعة ليدن ، ثم مستشارا في


الهولنديّ إلى منزل السّيّد عثمان للميعاد .. تأخّر السّيّد علويّ ، وكان أشار عليه بعض أصحابه أن لا يذهب ، فغضب المستشرق وكاد يسيء الظّنّ بالسّيّد عثمان ، وكانت النّتيجة أن نفي الوالد علويّ من جاوة بعد أن دعي للمحكمة مرارا ، وأوذي بطول الانتظار ، الّذي لا تحتمله قلوب الأحرار.

وله مؤلّفات وأشعار ونظم لمولد النّبيّ الشّريف (١) ، توفّي أوّل سنة (١٣٤١ ه‍).

ومن أدباء تريم وعلمائها : الذّكيّ النّبيه ، السّيّد حسن بن علويّ بن شهاب (٢) ، وقد لقي امتحانا ؛ منه : أنّه علّق طلاق نسائه بتعليق كان الأصحّ انحلاله ، فأجروه عليه وأخذوه به ، حسبما فصّل ب «الأصل».

ومنه : أنّهم قطعوا أذن حماره ، ولطّخوا باب بيته بالعذرة ، فذهب مغاضبا إلى سنغافورة ، وأنشأ قصيدة يتذمّر فيها ؛ منها قوله [من الخفيف] :

وعليك السّلام طيبة منّي

وعليك الدّمار يا حضرموت

وقد استعان في هذه القصيدة بجملة أبيات من قصيدة للجخّاف اليمانيّ ، أحد شعراء «اليتيمة».

وفي سنة (١٣٢٠ ه‍) كان موجودا بتريم ، وكان والدي ـ رضوان الله عليه ـ موجودا بها للتّعزية بسيّدي عيدروس بن علويّ العيدروس ، فبينا والدي يتكلّم في الحثّ على الجدّ في شوّال قريبا منه في رمضان ، إذ ربّ الشّهرين واحد .. تمثّل له السّيّد حسن ـ وكان حسن الإنشاد ، فخم الألفاظ ، يملأ شدقيه بالحروف ـ بقول

__________________

الأمور الإسلامية والعربية بوزارة المستعمرات الهولندية. من أشهر كتبه : «مكة في القرن التاسع عشر» ، ترجم إلى العربية ونشره نادي جدة الأدبي ، ثم أعيد نشره ضمن فعاليات المئوية ، وغير ذلك. «الأعلام» (٧ / ٢٢١) ، وذكر مصادر متعددة لترجمته.

وجاء في «الجامع» لبامطرف أنه أسلم على السيد عثمان بن يحيى ، وفيه نظر ..

(١) واسمه : «الدرر المنظمة» ، طبع بزنجبار سنة (١٣٣٠ ه‍) ، ثم في سوريا سنة (١٣٩٤ ه‍) على يد بكري رجب. «اللوامع» (١ / ١٥٠).

(٢) مولده بتريم سنة (١٢٦٨ ه‍) ، وبها وفاته سنة (١٣٣٢ ه‍) ، وتلقى علومه ومعارفه بها على يد الحبيب عبد الرحمن المشهور وطبقته ، ثم هاجر إلى سنغافورة سنة (١٣٢٠ ه‍).


الشّرف ابن الفارض [في «ديوانه» ٨ من الرّمل] :

في هواكم رمضان عمره

ينقضي ما بين إحياء وطيّ

فكاد والدي يطير كما هي عادته عند مثل ذلك. وله في سيّدي الأستاذ الأبرّ قصائد غرّاء (١).

والبيت في الحقيقة جزل تظهر به صعلكة قول الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ٢ / ٤١٨ من الوافر] :

إذا ما المرء صام عن الدّنايا

فكلّ شهوره شهر الصّيام

وحوالي سنة (١٣٢٤ ه‍) هجا أعيان العلويّين بسنغافورة ـ لكن بالتّعريض لا بالتّصريح ـ بقصيدة طبعها ووزّعها بين النّاس ، وهذا مطلعها [من الخفيف] :

لا تلمها فاللّوم منها سجيّه

وهي بالبطش والشّقاء حريّه

وكان الصّدر الشّهم السّيّد عبد القادر بن عبد الرّحمن بن عليّ السّقّاف أحد أغراض سهام تعريضه ومطاعنه ، وبما أنّه لم يكن يدري الشّعر ـ كقضيّة العينيّ مع الحافظ ابن حجر ـ طاف مقاول الشّعراء ، فاشتدّت الرّجّة ، وعظمت الضّجّة ، إلّا أنّ صاحبنا السّيّد عليّ بن عبد الرّحمن بن سهل (٢) ، المتوفّى بتريم سنة (١٣٤٩ ه‍) أقذع في الجواب بما لا حاجة إليه.

وأمّا السّيّد عبد القادر بن عبد الرّحمن السّقّاف .. فاستعان بي ، ولكن لم تكن المستأجرة كالثّكلى ، وإنّما كنت له كما كان متمّم في رثاء زيد بن الخطّاب ، ومطلع قصيدتي [من الخفيف] :

هوّني أيّها الطّموح الأبيّة

ما لقيتي من العنا والأذيّة

واتّفق أن أجاز أدباء حضرموت لذلك العهد ـ ومنهم : كاتب هذا ، والسّيّد

__________________

(١) وهي برمتها في «الشعراء» (٥ / ٢٦ ـ ٢٧).

(٢) مولده بتريم سنة (١٢٦٥ ه‍) ، ووفاته كما ذكر المؤلف. ترجمته في : «تعليقات ضياء شهاب» (٢ / ٤٨٧).


عبد الله بن عمر الشّاطريّ ، والسّيّد حسن بن عبد الله الكاف ، والشّيخ محمّد بن محمّد باكثير ـ أبياتا للشّيخ بكران باجمّال (١) ، فلامهم السّيّد حسن بن شهاب ، ولم يحبّ اتّصال كلامهم بكلامه ، وقرّعهم على ذلك بشديد ملامه ، ونقد أبيات باجمّال برسالة مختصرة ، أنشأ يقول فيها [من الطّويل] :

وقائلة ماذا له أنت شارح

فقلت لها : شعرا ، فقالت : لمن يعزى

فقلت : لباجمّال ، قالت : فقل له :

فقلت لها : ما ذا؟ فقالت : به يخزى

وفي حدود سنة (١٣٢٣ ه‍) نشر رسالته المسمّاة : «نحلة الوطن» (٢) ، وفيها انتقادات استثنى منها بعض المشهورين بالعلم وبعض أهل الثّروة ، فأثارت عليه غضبا ، حتّى لقد يشفع النّسخة الّتي أرسلها منها لوالدي برسالة خصوصيّة ، فأمرني بالجواب لشكو ألمّ به ، ففعلت ، ولمّا نشر رسالتي بمجلة «المنار» .. عدّوا ذلك عليّ من كبائر الذّنوب ؛ لأنّهم كانوا يتقارضون الثّناء مع العلّامة النّبهانيّ (٣) ، وقد أوجرهم (٤) بغض الإمام محمّد عبده وتلميذه صاحب «المنار» ، وجرت لي معهم بهذا الشّأن محاورات وأخبار.

وكان هو والسّيّد الجليل محمّد بن عقيل على رأي واحد ، ثمّ نزغ بينهما الشّيطان بالآخرة ، وتشاتما هذا بجريدة «الوطن» وذاك بجريدة «الإصلاح» و «الحسام».

__________________

(١) الشيخ الفاضل الأديب بكران بن عمر بن بكران بن زين باجمّال ، مولده بالغرفة سنة (١٢٨٩ ه‍) ، ووفاته بتريم سنة (١٣٣٧ ه‍) ؛ إذ بارح سيئون بعد وفاة شيخه الحبيب علي الحبشي وانتقل إلى تريم.

«تاريخ الشعراء» (٥ / ١٣١).

(٢) اسمها كاملا : «نحلة الوطن في استنهاض همم ذوي الفطن ومن به قطن» ، فرغ منها سنة (١٣٢٣ ه‍) ، تقع في (٤١) صفحة ، وقد كتب عنها السيد عبد الله محمد الحبشي مقالة في كتابه : «أوليات يمانية».

(٣) يعني به حسان العصر الشيخ العارف الرباني يوسف بن إسماعيل النبهاني البيروتي ، المولود سنة (١٢٦٥ ه‍) ، والمتوفى سنة (١٣٥٠ ه‍) ، صاحب المؤلفات الجليلة في الجناب النبوي المعظم ، الفائقة النظير ، ترجمته معروفة وأخباره مشهورة ، وكان محبا للسادة آل باعلوي ومعظما لهم ، وله إجازة عظيمة من الإمام أحمد بن حسن العطاس أوردها برمّتها في «جواهر البحار» آخر الجزء الثاني.

(٤) أي : أشربهم ، مأخوذ من وجره الدواء إذا سقاه إياه بالقوة.


ومن اللّطائف : أنّ السّيّد محمّد بن حسن عيديد (١) كانت له خؤولة من آل يحيى ، وعندما قدم على أمير سومطرة .. لم يلتفت إليه ، وبينا هو هناك .. بعث له السّيّد حسن بن شهاب عددا من «جريدته» يقول فيه : إنّ سيلا هائلا خرج من وادي عيديد ، فهوى بدار السّيّد محمّد على أمّه وأهله وأولاده ، يريد أن يحرق قلبه بذلك ؛ لأنّ أمّه من آل يحيى ابنة عمّ السّيّد ابن عقيل ، ولكنّ الخبر قد انتهى إلى السّيّد محمّد بن حسن عيديد بحصول غيث هنيّ لا ضرر فيه ولا عيث ، فسرّ بالجريدة ، وذهب بها إلى الأمير يعصر عينيه ، فرقّ له وأكرمه بأضعاف ما يؤمّل ، فما كاد يصل إلى سنغافورة .. إلّا وخفّ إلى بيت السّيّد حسن بن شهاب يخبره ويشكره ، ويقول له ما معناه : أردت مساءتي فاجتلبت مسرّتي.

 ...

وقد يحسن الإنسان من حيث لا يدري

ولمّا نشر السّيّد محمّد بن عقيل «نصائحه» .. ردّ عليه السّيّد حسن ب «الرّقية الشّافية» ، ونقضها عليه شيخنا الإمام أبو بكر بن شهاب برسالة سمّاها : «وجوب الحمية من مضارّ الرّقية» ، واتّفق أن كان الأديب السّيّد عقيل بن عثمان بن يحيى بسنغافورة فضمّهم حفل ـ وفي صحّة السّيّد عقيل انحراف ـ فأراد السّيّد حسن أن يحرّك الموقف الّذي شمله العبوس من اجتماع الأضداد ، فقال لعقيل : لعلّ العلاج نفعك؟ فقال : لا ، ولكن نفعتني الحمية. فوجم لها السّيّد حسن ، وتغامز القوم.

وما كان ردّ السّيّد حسن ب «الرّقية» عن ضمير واعتقاد ، ولكن لمّا كانت «النّحلة» أثارت عليه بعض السّخط .. أحبّ أن يغسله ب «الرّقية».

وله مدائح في سيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، مطلع إحداهنّ [من الطّويل]

__________________

(١) مولده بتريم سنة (١٢٩٠ ه‍) ، وبها وفاته سنة (١٣٦١ ه‍) ، كان عالما فاضلا ، طلب العلم بتريم ، وله اعتناء بالأخذ عن الشيوخ ، وقد ضمّهم في «ثبت» كبير جمعه له تلميذه ومحبه القاضي مبارك باحريش وسمّاه : «إتحاف المستفيد بذكر من أخذ عنهم وواخاهم السيد محمد بن حسن بن أحمد عيديد» ، يقع في (٤٤٠) صفحة مع فهارسه. وجمع عنه نبذة في ترجمته وأخباره القاضي المذكور وسمّاها : «البلبل الغرّيد» تقع في (٥٨) صفحة.


يحدّث عنك الوقت أنّك صاحبه

فلا غرو إن شدّت إليك ركائبه

وله مدائح في عالم حضرموت على الإطلاق السّيّد أبي بكر بن شهاب ؛ منها قصيدة سيّرها إليه إلى الهند ، يقول فيها [من الخفيف] :

ترجمان العويص من كلّ علم

بدقيق المدارك المرضيّه

ذاك شبل الغنّا أبو بكر الحا

وي برغم العدا لأسنى مزيّه

ورث المجد تالدا وطريفا

بطريق التّعصيب والفرضيّه

ومنها :

عد إلى السّفح بالنّعير من الغنّ

اء واغنم من الزّمان البقيّه

وتدارك تريم ممّا عراها

فهي أمست بحالة وحشيّه

فهي في حاجة إليك وعن مث

لك يا بن الكرام ليست غنيّه

ولئن صالت الزّعانف فيها

إنّما هم سحابة صيفيّه

يا أبا المرتضى ويا الحكم المر

ضي ونجل الرّضا وذا الأريحيّه

قد حداني إليك فضلك والعه

د ونفس مشغوفة ووفيّه

شطّ منها مزارها ورماها

حظّها بين أمّة همجيّه

جمع الله شملنا بتريم

وحبانا بسوحها الأمنيّه

وببقائي على صداقة العلّامة ابن عقيل تحرّش بي السّيّد الحسن ، فجرت لي معه مناقضات كانت كفّتي فيها الأرجح ، إلّا أنّني أقذعت له في بعض القصائد والمقالات ممّا أخجل من ذكره ؛ إذ لم يكن إلّا في نزوة الشّباب وجماح الطّبيعة ، وكان له الفضل إذ بدأني بالمصالحة ، وتمثّل لي بقول المتنبّي [في «العكبريّ» ٤ / ٢٤١ من الخفيف] :

ومراد النّفوس أصغر من أن

نتعادى فيه وأن نتفانى

وكان ـ كما يفهم حسبما مرّ ـ يتقعّر في الإنشاء والكلام ، إلّا أنّه لا يثقل ظلّه بذلك ، وهو من العلماء ، واختصاصه بالنّحو أكثر.

ولو أنّني اطّلعت عليها قبل الجدال حول تهنئتي لشيخنا أبي بكر بن شهاب .. لساغ


لي ـ حين قال : من تعني بقولك [من الطّويل] :

صفا الوقت حينا للثّعالب واعتلت

أسافله لمّا تناءت صدوره

 ـ أن أقول : أعني بهم الزّعانف والهمج الّذين ذكرتهم في قصيدتك ، ولكنّي كنت جدّ عارفا بما في «نحلته» ، وأنساني الشّيطان أن أذكره له يومئذ ، غير أنّ الله أغناني عنه بما هو أدخل في الصّواب ، وأفحم في الجواب ، ولله الحمد.

توفّي العلّامة السّيّد حسن بن شهاب بتريم في سنة (١٣٣٢ ه‍).

ومن أغنياء تريم وأجوادها : السّيّد حسين بن عبد الرّحمن بن سهل ، له في السّياسة أمور عظيمة ، وفي السّماحة أخلاق كريمة ، مذكور بعضها في «الأصل».

فتى فيصليّ العزم تعلم أنّه

نشا رأيه بين السّيوف الصّوارم (١)

أساءت يداه عشرة المال بالنّدى

وأحسنتا جدّا خلافة حاتم

توفّي بالشّحر سنة (١٢٧٤ ه‍).

ومن أغنيائها ؛ بل أغنى أهلها على الإطلاق : السّيّد الفاضل شيخ بن عبد الرّحمن الكاف ، كان صالحا متواضعا ، يحبّ العلم ، لا يكاد يفوته شيء من دروس شيخنا المشهور ، وكان يحفظ «الإرشاد» ، وكتبه بخطّ يده نحوا من سبعين مرّة بالأجرة في أيّام فقره ، وله اعتناء بعد غناه بقراءة «الإحياء» بداره في كلّ صباح ، يحضره ثلّة من المساكين فيقدّم لهم الفطور. وله خيرات كثيرة ، ومبرّات جزيلة ، أوصى بثلث ماله لما كان يعتاد مثله في أيّامه من البرّ ، ومع لين جانبه لأهل العلم والدّين .. كان شديد الشّكيمة على الأمراء والمعتدين ، وجرت له معهم أمور مذكورة ب «الأصل».

ولمّا أنشدته قولي [من السّريع] :

يموت شيخ الكاف في ماله

كموت باحشوان في فقره (٢)

__________________

(١) البيتان من الطّويل ، وهما لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ١١٦). فيصلي : نسبة إلى الفيصل وهو السّيف القاطع ؛ أي : عزمه قاطع كالسّيف.

(٢) باحشوان : يرمز به إلى عامة الناس بحضرموت.


.. طرب له واستجاده ، وكرّره واستعاده. توفّي بتريم سنة (١٣٢٨ ه‍) عن جملة أولاد ، أنجبهم : حسين ، وعبد الرّحمن (١) ، وأبو بكر (٢).

وقد كان ابن عمّهم حسن بن عبد الله بن عبد الرّحمن الكاف (٣) معدودا في علماء تريم وأدبائها ، له عاطفة جميلة ، وشعر عذب ، تهزّ الأريحيّة عوده ، ويستمطر الكلام العذب جوده.

ومن خير ما فيه .. عطفه على العلم وأهله ، واستصغاره نفسه بجنب من لا يوزن به منهم ؛ إذ كان وافر الحظّ من الإنصاف ، وقد خسر العلم بتريم وغيرها خسارة كبرى بموته في سنة (١٣٤٦ ه‍).

ومن متأخّري علماء تريم وأدبائها : السّيّد أحمد بن عمر بن عوض الشّاطريّ (٤) ، المتوفّى بها سنة (١٣٦٠ ه‍) ، كان شهما ذكيا نبيها ، له فهم وقّاد وفكر نقّاد ورثهما عن جدّه لأمّه شيخنا العلّامة ابن شهاب ، وكان متفنّنا متواضعا ، مستقيم السّيرة ، طيّب السّريرة ، كثير البحث ، جمّ التّحقيق ، غزير الاطّلاع.

ولا بأس بإيراد قضيّة يشفع لخروجها عن سمت المقصود دلالتها على حالة البلاد في المباحث العلميّة :

__________________

(١) ولد عبد الرحمن بن شيخ في سنغافورة سنة (١٣٠٤ ه‍) ، وقدم إلى تريم سنة (١٣١٠ ه‍) بصحبة والديه ، ودرس في (معلامة باغريب) ثم أخذ يطلب العلم على شيوخ تريم فقرأ على عدد من الشيوخ ، ثم سافر سنة (١٣٢٥ ه‍) لإدارة أعمال والده ، توفي في حدود سنة (١٣٧٠ ه‍).

(٢) ولد بسنغافورة سنة (١٣٠٥ ه‍) ، وهو أجل رجال آل شيخ الكاف بجهوده الإصلاحية الجبارة في حضرموت ، ترجم له ضياء شهاب في «تعليقاته» (٢ / ٤١٦ ـ ٤١٨).

(٣) ولد السيد الحسن بتريم سنة (١٢٩٧ ه‍) ، ونشأ يتيما في حجر أخويه الحسين وعبد الرحمن ، وعمه شيخ ، ونشأ على حب العلم والعلماء ، وشغف بالأدب والشعر ، وحفظ كثيرا من المتون. له مصنفات مفيدة.

(٤) ولد السيد أحمد بن عمر بتريم سنة (١٣١٢ ه‍) ، نشأ بها وطلب العلم وجد في الطلب ، وكان أخذه عن شيخ عصره العلامة عبد الله بن عمر الشاطري الذي أبنه عند موته بقوله في حقه : إنه شاب لا صبوة له. درّس بمدرسة جمعية الحق ، وأسس في عام (١٣٣٧ ه‍) «جمعية نشر الفضائل» ، وكانت له آراؤه الإصلاحية ، وله آثار علمية.


فقد اتّفق أن سئلت عن رجل مات وعليه دين ، وقد أوصى بوصايا ، وكانت أمّه من ورثته ، فنذرت بنصف ما انجرّ لها بالإرث فيه لآخر نذرا معلّقا بما قبل مرض موتها بيوم ، ثمّ انفكّت التّركة من حجر الدّين والوصيّة.

فأجبت بأنّ الأشخر (١) أطلق صحّة تعليق النّذر بالمرهون على صفة توجد بعد الانفكاك ، وهو كلام مطلق ، وقال ابن حجر في «فتاويه» : (ويصحّ النّذر بالمرهون ، لكن إن علّقه بالفكاك كما هو ظاهر ؛ لتعلّق حقّ الغير به. نعم ، إن كان المنذور العتق .. تأتّى فيه تفصيل عتق المرهون) اه

وفيه تقييد لما أطلقه الأشخر ، وعليه فالنّذر المذكور في السّؤال لا يصحّ إذا كانت التّركة مرهونة رهنا شرعيّا حال صدوره ؛ إذ لا تعليق فيه بالفكاك ، هذا معنى الجواب.

وكان السّيّد أحمد بن عمر الشّاطريّ قد أجاب عن هذا السّؤال بصحّة النّذر إذا لم يبق شيء من وصايا الموصي وقت وجود الصّفة ، وصادق عليه العلّامة الشّيخ فضل عرفان ، ولمّا انتهى إليهم جوابي .. شطب الشّيخ فضل مصادقته ، وصمّم العلّامة الشّاطريّ وكتب نحو صفحتين في الرّدّ عليّ ، ونقضته بأكثر من ذلك.

وبعد مدّة وصلني الوجيه السّيّد عبد الرّحمن بن شيخ الكاف ، وقال لي : إنّ السّيّد أحمد الشّاطريّ يريد أن ينقض كتابتك الأخيرة ، ولكن يخشى أن لا تنصفه.

فقلت له : معاذ الله ، وإني لأتمنّى أن يظهر لي صواب ما يقول ؛ ليقع لي شرف الرّجوع إلى الحقّ ، ولأسلم من تكدير خاطره ؛ لأنّه كما قيل لي : سريع الانفعال من مثل ذلك ، فليكتب ما شاء ، ثمّ إن قدرت على ردّه بالنّصّ من لسان القلم والبريد واقف .. فتلك أمارة الحقّ البريء من التّكلّف ، وإن لم أقدر على نقضه .. صادقت عليه مع البريد نفسه في الحين والسّاعة. وهذا غاية ما يمكن من تفسير الإنصاف.

__________________

(١) هو العلامة الفقيه المحقق محمد بن أبي بكر الأشخر اليمني ، مولده سنة (٩٤٥ ه‍) ، ووفاته سنة (٩٩١ ه‍) ، من قرية بيت الشيخ بقرب الضّحي في اليمن ، تفقه في زبيد. له مصنفات نافعة.


فجاء في كتابته الأخيرة ما نصّه : (وكلّ ما قالوه ونقلوه لا دليل لهم فيه .. فاستدلالهم به غلط واضح ، منشؤه توهّمهم أنّ مجرّد التّعليق يسمّى تصرّفا ، والصّواب خلافه).

فكتبت عليه ـ وحامل رسالتهم المخصوص لها واقف ـ ما معناه : لقد أخذ العلّامة الشّاطريّ بطرفي الفصل ؛ إذ حصر نقطة الخلاف المنتشر ، فلنقف عندها ، ثمّ إن قدرنا على نصّ صريح في أنّ التّعليق يسمّى تصرّفا ، وإلّا .. سلّمنا وسقيناه على الظّفر (١).

لكن جاء في فصل استثناء الطّلاق من «المنهاج» مع بعض مزج من «التّحفة» [٨ / ٦٨] ك «النّهاية» [٦ / ٤٧٠] : (وكذا يمنع التّعليق بالمشيئة انعقاد وقف وعتق تنجيزا وتعليقا ، ويمين ونذر ، وكلّ تصرّف غير ما ذكر ، من كلّ عقد وحلّ وإقرار ونيّة عبادة) اه

وتعليق النّذر عقد فهو داخل في مسمّى التّصرّف ، وقالوا في (الوصيّة) : (إنّ التّلفّظ بالوصيّة هو التّصرّف ، والإجازة حيث اشترطت من الوارث فإنّما هي تنفيذ على المذهب) اه وكذلك التّلفّظ بتعليق النّذر هو التّصرّف.

وفي (الإقرار) من «التّحفة» [٥ / ٣٧٣] و «النّهاية» [٥ / ٨٣] : (لو وهب ولده عينا وأقبضه إيّاها ثمّ أقرّ بها لآخر .. قبل على ما في «البيان» ، لكن بناه الأذرعيّ على ضعيف هو أنّ الرّجوع يحصل بمجرّد التّصرّف) اه

والشّاهد : في تسمية الإقرار تصرّفا ؛ فإنّه متى كان تصرّفا .. كان تعليق النّذر أحرى بأن يسمّى تصرّفا ، عند ذلك انقطع الخصام وانفصل النّزاع.

وجاء العلّامة الشّاطريّ لزيارة الطّبيب بسيئون فزارني ، وأضفته في اليوم الثّاني ، وكان يوما سعيدا مشهودا ، تساقينا فيه السّرور ، وتجاذبنا أطراف الأنس ، وتنازعنا كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم ، ثمّ ذهبت إلى تريم ، وجئت إلى منزله بعد صلاة الجمعة ،

__________________

(١) أي : كافأناه على فوزه ونجاحه.


وحضر جماعة من أهل العلم والأدب ، وعندما انبسطنا وشرعنا في المحاورات والنّكات .. لم يرعنا إلّا دخول قاضي تريم لذلك العهد السّيّد علويّ بن عبد الله الجفريّ بهيئة غير عاديّة ، وما كاد يضمّ ثيابه للجلوس .. حتّى قال : (يا عمّ عبد الرّحمن .. نطلب منك أن توضح لنا الصّواب في المسألة الّتي اختلفتم فيها أنتم والأخ أحمد الشّاطريّ) فدار بي الفضاء ، وأظلم عليّ المنزل ؛ لأنّي وقعت بين أمرين : إمّا التّعرّض لمشقّة صاحب المنزل ، وهو عليّ عزيز. وإمّا توهّم الحاضرين الانقطاع ، وهو أمنية الحسّاد ، وأكثرهم من العلويّين.

فلم يكن بدّ من شرح الصّواب مع بسط العذر للسّيّد أحمد بعبارة الأشخر الّتي نقلها عن «الرّوضة» بما يمنعه كلام «الرّوض» و «شرحه» ، وهو لا يزيد على حسن الإصغاء ، إمّا عن إكرام لي ، وإمّا عن اقتناع بما قرّرته.

ولمّا شكوت صنيع القاضي إلى حضرة المكرّم الأخ أبي بكر بن شيخ الكاف .. قال : أنا أمرته ؛ لنذكي نار الحرب بينكم ونقف مع النّظّارة. فقلت له : حسبك الله ، لقد نغّصت علينا المجلس.

ثمّ اطّلعت بعد ذلك على عبارات بعضها يؤيّد ما قلته ؛ منها : قول ابن حجر في (الرّهن) من «حاشية الفتح» : (وإذا لزم الرّهن .. امتنع على الرّاهن بلزومه بيع وهبة) اه (١)

وظاهره : أنّ عقدها يقع باطلا وإن لم يتّصل به قبض وإن لم تفوّت التّوثيق ؛ لأنّ التّلفّظ بالهبة سبب للقبض الممتنع اتّفاقا ، فليكن هو ممتنع أيضا.

ومنها قوله في «الفتاوى الكبرى» : (أن وقت الإلزام والالتزام .. هو وقت التلفظ بالنذر). ومنه قوله في «التحفة» : (أن لزوم النذر يوم النذر).

ومنها قوله فيها [٨ / ١٤٥] قبيل (الرّجعة) : (لأنّ العبرة بوقت التّعليق لا بوقت وجود الصّفة على المعتمد) اه

ومنها أن العلامة السيد عبد الرحمن بن محمد العيدروس من رسالة له ما نصه :

__________________

(١) «فتح الجواد» (١ / ٤٥٤ ـ ٤٥٥).


(وذلك أن التعليق عندنا تصرف ناجز الآن ، وأثره يقع عند وجود الصفة) اه

ووجدت عبارة قد توافقه ؛ وهي قول الرّمليّ أثناء (الطّلاق) : (ليس له تعيين الطّلاق في الّتي بانت منه قبل وجود الصّفة ؛ تفريعا على أنّ الاعتبار بحالة الصّفة لا بحالة وجود التّعليق) اه

إلّا أنّه لا تصريح في هذه باعتماد الفرع عليه مع إمكان الفرق بين هذه ومسألتنا .. فلا يصحّ قياسها عليها مع وجود الفارق.

مع أنّه لو وفّق للاعتماد عليها .. لتركت له حاله ؛ لما أحدثت عندي من الشّكّ ، مع أنّ العلّامة ابن حجر مخالف للرّمليّ في هذه ، فقد جاء في «الفتاوى الكبرى» : (فيمن علّق بالطّلاق وحنث ، وله زوجتان ماتت إحداهما : أنّ البلقينيّ بحث أنّ العبرة بحالة التّعليق ، فله تعيين الميتة ، لكن اعترض بأنّ الّذي يظهر خلافه ؛ نظرا لحالة الوقوع. والأوّل أوجه) اه

وذكرها الشّيخ عبد الله بازرعة في «اختصاره للفتاوى» المذكورة ، ولم يذكر له مخالفا مع التزامه بذكر المخالفين ، إلّا أن يفرّق بين البائنة باختياره وبدونه. والله أعلم.

ثمّ إنّ في قول السّيّد أحمد الشّاطريّ : (إذا لم يبق شيء من وصايا ابن المرأة ...) بحثا ؛ لأنّ للعلّامة ابن حجر في «تحفته» [٥ / ١١١] عبارات متناقضة في الموضوع ، ففي حجر التّركة بالدّين يقول : (وكالدّين الوصيّة المطلقة ، فيمتنع التّصرّف في قدر الثّلث ، كذا قيل ، والقياس : امتناع التّصرّف في الكلّ) اه

وقال في (الإقرار) [٥ / ٣٨٧] : (لأنّها ـ يعني الوصيّة ـ إنّما تتعلّق بالثّلث).

وقال أوّل (الفرائض) [٦ / ٣٨٥] : (فالوصيّة بعد القبول مانعة من التّصرّف في العين الموصى بها ، وفي ثلث غير المعيّن شائعا) اه

ومن متأخّري علماء تريم : الشّيخ أحمد بن عبد الله بن أبي بكر الخطيب (١) ، توفّي سنة (١٣٣١ ه‍) ، كان من كبار الفقهاء والصّالحين.

__________________

(١) مولده بتريم ، ويدعى هو وأولاده بآل البكري نسبة لجده أبي بكر. الفقيه التريمي. ترجم له في «إتحاف المستفيد» (٢١٨ ـ ٢٢٩).


ومنهم : ابنه العلّامة الشّيخ أبو بكر بن أحمد (١) ، كان فقيها محقّقا مشاركا في غيره ، وله فتاوى ـ جمعها السّيّد سالم بن حفيظ ـ نافعة ، توفّي أوّل سنة (١٣٥٦ ه‍).

ومنهم : العلّامة الجليل الشّيخ محمّد بن أحمد الخطيب ، كان فقيها جليلا تقيّا صوفيّا ، له تعلّق كثير بوالدي وسيّدي الأستاذ الأبرّ ، ولا أذكر وقت وفاته ، غير أنّها بعد الأربعين والثّلاث مئة.

ومنهم : قاضي تريم الشّيخ عبد الرّحمن بن أحمد بن عبد القويّ بافضل (٢) ، كان ورعا نزيها عابدا ، توفّي بتريم سنة (١٣٢٤ ه‍).

ومنهم : الشّيخ فضل بن عبد الرّحمن بن عبد الله بافضل (٣) ، كان مضرب المثل في الورع (٤) ، توفّي سنة (١٣٠٨ ه‍).

ومنهم : الشّيخ محمّد بن أحمد قعيطبان (٥) ، كان محبوبا ومعتقدا ، توفّي سنة (١٣١٦ ه‍).

__________________

(١) ولد بتريم سنة (١٢٨٦ ه‍) ، وطلب العلم صغيرا وجد واجتهد ، وأخذ عن معظم شيوخ عصره ، وله «إجازة» أشبه بثبت أجاز بها العلامة السيد علوي بن طاهر الحداد ، وقد أرفقها السيد سالم بن حفيظ مع «الفتاوى النافعة» ، وجعلها في أولها مستعيضا بها عن ترجمة الشيخ أبي بكر ؛ لكفايتها وقيامها بذلك المقام ، حج وأدرك السيد أحمد دحلان.

(٢) ترجم له السيد محمد بن حسن عيديد في «إتحاف المستفيد» (٢٣٤ ـ ٢٤٠) ، وقال عنه : «وكان صاحب الترجمة شيخا فاضلا محبا لأهل البيت النبوي ، معروفا بالسر والصدق والأمانة بين الناس ، ولم يزل متحليا بتلك الأوصاف الحميدة والخصال الفريدة ، حتى توفاه الله يوم الجمعة (١١) رجب الحرام سنة (١٣٢٤ ه‍)» اه

(٣) وهو المعروف بلقب : فضل الطبيب ، ترجمته في «صلة الأهل» (٢٨٧ ـ ٢٩٢) ، و «إتحاف المستفيد» (٢٤٢) ، وهو من ذرية الشيخ عبد الله بلحاج صاحب المختصرات.

(٤) من أخبار ورعه بل من كراماته أنه يميز بين الحلال والحرام بانتفاض عرق في يده مع أنه بصير لا يرى ، وفي «صلة الأهل» جملة من أخباره. وكان يلقب بالطبيب لأنه كان يعرف مرض الشخص بالجسّ بيده ويصف له العلاج الناجح ، واشتهر عنه هذا .. أخذ عن كثير من شيوخ عصره ، حج (٣٤) حجة لقي فيها عددا من الأكابر ، أخذ عنه جمع ، منهم : السيد محمد بن سالم السري ، والسيد سالم بن حفيظ ، والسيد محمد حسن عيديد ، وترجموا له في «أثباتهم».

(٥) قعيطبان : بالتصغير ، وهو من آل باجرش سكان تريم ، وباجرش ينطقه التريميون بضم الجيم بينما أهل


ومنهم : الشّيخ فضل بن عبد الله عرفان بارجاء (١) ، إليه انتهى الفقه اليوم بتريم ، وله مشاركة في غيره ، وهو من أخصّ تلاميذ شيخنا الأستاذ الأبرّ ، وله فيه مدائح جميلة ، وكان كثير الرّجوع إلى الحقّ عندما يتبيّن له ، فلا يتعصّب على رأيه إلّا بمؤثّر من غيره ، وجرت بيننا وبينه مناقضات ؛ منها :

مسألة جرت بين السّادة آل جنيد أصرّ فيها على رأيه ، حتّى لقد قلت له في آخر رسالة كانت مقطع الكلام وفصل النّزاع : (وظنّي بالشّيخ إدراك الصّواب فيما قرّرته ؛ لأنّه أجلّ في نظري من أن يخفى عليه ، غير أنّه يكتب فيما أحسب تحت محاباة أو ضغط ممّن يكره الحقّ ، ولا سيّما إذا جاءه على يدي ، ويأبى الله ـ ببركة المشايخ الأبرار ودعائهم والأخذ عنهم ـ إلّا أن يبيحني عرائسه ، وييسّر لي نفائسه ، ويلبسني فروته ، ويحلّني ذروته ، ويقرع لي مروته :

وفي تعب من يجحد الشّمس ضوءها

ويجهد أن يأتي لها بضريب (٢)

وإنّي لعلى ما درجت عليه من احترام الشّيخ ومحبّته ، وكيف لا؟ وقد وردنا معا على المنهل العذب ، واستقينا جميعا من العين الصّافية ، وربطتنا به جامعة الأخذ عن عدّ العلم الخسيف ، وجبل المجد المنيف ، وزينة الزّمان الآخر ، وقرّة عين المكارم والمفاخر ... إلخ).

وفي هذه الأيّام يتألّق عارض النّزاع بينه وبين آل تريم ، في قضيّة حاصلها : أنّ رجلا من آل بافضل له ابن وبنت من امرأة من آل باحرمي ، قيل إنّه أضاعهما في أيّام الأزمة حتّى مات الابن جوعا ، ثمّ أشبلت الأمّ على البنت وفدتها بروحها إلى أن أدركت ، فخطبها رجل مكفيّ من آل عرفان ، فمنع حتّى أرضاه بسبعين ربيّة فقبل ، ثمّ

__________________

شبام يفتحونها. والشيخ المترجم كان صالحا محبوبا لدى علماء تريم ، مولده ووفاته بها ، وممن استجاز منه : السيد محمد بن حسن عيديد ، والسيد سالم بن حفيظ ، وكلاهما ترجم له في «ثبته».

(١) مولده بتريم سنة (١٢٩١ ه‍) ، وبها وفاته ، له أبحاث وفتاوى قيمة آلت إلى أبنائه ، ثم بيعت مع مكتبته وآلت بالشراء للقاضي العلامة عبد الرحيم بن مسعود بارجاء بسيئون.

(٢) البيت من الطّويل ، وهو لأبي الطّيّب المتنبّي في «العكبري» (١ / ٥٦).


أغراه أصحابه فرجع عن القبول ، وعقد لها بفقير عنادا ، فادّعت البنت أنّ بينها وبينه رضاعا محرّما.

فأفتى الشّيخ فضل بإبطال العقد ، وصادقت على جوابه ؛ لاتّفاق ابن حجر والرّمليّ وغيرهما من المتأخّرين على أنّ إقرار المرأة بالرّضاع يمنع النّكاح إذا كان قبله ، وإذا كان بعده من دون إذنها في المعقود له ، وقبل الدّخول يجعلها المصدّقة فيه بيمينها.

وهذا ممّا لا ينبغي الاختلاف بعده ؛ لأنّه النّصّ الملجم ، لكنّ الدّراهم كانت في الجانب الآخر ، وهي الّتي عليها يدور التّنفيذ ، لا النّصوص! على أنّ مقابل الأصحّ في قول «المنهاج» [٢ / ٤٢٩] : (ولو عيّنت كفؤا وأراد الأب غيره فله ذلك) هو الأحرى بالاعتماد ، ولذا اختاره السّبكيّ ، وهو الموافق للأحاديث الصّحيحة الثّابتة ، ولقواعد الشّريعة.

وفي «مجموع» الجدّ عليّ بن عمر عن أحمد مؤذّن : (ومن قواعد التّرجيح : أنّ القول المرجوح في المذهب يتأيّد بمن قال به من الأئمّة الأربعة ، وهذا من الغوامض الّتي قلّ أن توجد عند أبناء العصر بعد أن كانت عند مشايخنا من الواضحات) اه

وقرّر العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الله باسودان أنّ المرجوح يترجّح بالمرجّح الخارجيّ ؛ كالفسخ ؛ لتضرّر المرأة. ونقله عن «العقد الفريد» للسّمهوديّ (١).

وقد ألّف العلّامة ابن زياد رسالة في وجوب مراعاة المصلحة على الوليّ في النّكاح (٢).

وفي (الوصيّة) من «التّحفة» [٧ / ٣٧ ـ ٣٨] و «النّهاية» [٦ / ٦٦] أنّه : (يجب على الوليّ قبول الوصيّة فورا بحسب المصلحة ، فإن امتنع ممّا اقتضته المصلحة عنادا .. انعزل) اه

وأطلت القول بما يدفع كلّ شبهة ، ثمّ رأيت ما ذكره العلّامة ابن القيّم عن ذلك في «زاد المعاد» .. فإذا فيه كثير ممّا ذكرته في جوابي قبل أن أطّلع عليه ، فكان فرحي

__________________

(١) هو «العقد الفريد في أحكام التقليد».

(٢) واسمها : «إيضاح النصوص المفصحة ببطلان تزويج الولي الواقع على غير الحظ والمصلحة».


بذلك أشدّ كثيرا من فرح ابن ميّادة إذ توارد مع الحطيئة في قوله [من الطّويل] :

مفيد ومتلاف إذا ما أتيته

تهلّل واهتزّ اهتزاز المهنّد (١)

وبما تقرّر مع قول الشّافعيّ : (إذا صحّ الحديث .. فهو مذهبي) يتحقّق المنصف أنّ مقابل الأصحّ هو الأصحّ ، ولا سيّما في هذه القضيّة ؛ لما مرّ بك من المرجّحات الخارجيّة إن لم تنته إلى دفع بافضل عن الولاية رأسا.

أمّا إذا كان الأمر كما في السّؤال .. فلا شكّ أنّه ساقط عن الولاية ، وإنّما كان كلامي مبنيّا على بقائه بصفتها ، وبكلام ابن القيّم ازداد قلبي طمأنينة ، وصدري انشراحا ، وما أظنّ مؤمنا يطّلع عليه ثمّ يداخله شكّ بعد فيما استوضحته.

وقد بلغني أنّ القطب الحدّاد ـ والله أعلم ـ كان لا يزوّج أبكار بناته البالغات إلّا بعد الاستئذان ، ويتأكّد ذلك بما عرف من حاله أنّه لا يفارق «الزّاد» حضرا ولا سفرا ، وكذلك كان أستاذي الأبرّ رضوان الله عليهم.

وما أنا إلّا من غزيّة إن غوت

غويت وإن ترشد غزيّة أرشد (٢)

على أنّ الغيّ عن أولئك بعيد ، وإنّما ذكرناه للتّأكيد ، على حدّ قوله : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)

ولو أردت الاستقصاء وأن أذكر مثل أولاد سيّدي عيدروس بن علويّ (٣) الثلاثة : محمّد ، وعمر (٤) ، وعبد الله (٥) ، الدّاخلين تحت قول حبيب [في «ديوانه» ٢ / ١٤٤ من الكامل] :

__________________

(١) روى صاحب «الإيضاح في علوم البلاغة» (٣٨٠): (أنشد ابن ميّادة لنفسه : «مفيد ومتلاف إذا ما أتيته ....» البيت ، فقيل له : أين يذهب بك؟ هذا للحطيئة ، فقال : الآن علمت أنّي شاعر ؛ إذ وافقته على قوله ولم أسمعه).

(٢) البيت من الطّويل ، وهو لدريد بن الصّمّة ، كما في «ديوان الحماسة» (١ / ٣٣٧).

(٣) هو السيد الشريف عيدروس بن علوي بن عبد الله بن علوي ، مولده بتريم سنة (١٢٥٠ ه‍) ، ووفاته بها في (٢٧) رجب (١٣٢٠ ه‍). ترجمته في : «إتحاف المستفيد».

(٤) السيد عمر بن عيدروس ، مولده بتريم سنة (١٢٨١ ه‍) ، ووفاته بها في (٢١) ذي الحجة سنة (١٣٢٨ ه‍) ، كان فاضلا ذا هيبة وكلمة نافذة ، حافظا لكتاب الله ، يصدع بالحق ، آمرا بالمعروف ناه عن المنكر. مترجم في «الإتحاف» (٣٨ ـ ٣٩) ، «تعليقات» ضياء شهاب (١ / ١٢٠).

(٥) ولد الحبيب عبد الله بتريم سنة (١٢٨٤ ه‍) ، وبها توفي يوم السبت (٥) محرم سنة (١٣٤٧ ه‍) ،


بثلاثة كثلاثة الرّاح استوى

لك لونها ومذاقها وشميمها (١)

وثلاثة الشّجر الجنيّ تكافأت

أفنانها وثمارها وأرومها (٢)

وثلاثة الدّلو استجيد لماتح

أعوادها ورشاؤها وأديمها (٣)

والشّابّ النّاشىء في طاعة الله عبد الله بن زين العابدين بن أحمد العيدروس (٤) المتوفّى سنة (١٣١٦ ه‍) ، والفاضل العلّامة الصّوفيّ عبد الباري بن شيخ العيدروس (٥) المتوفّى سنة (١٣٥٨ ه‍) ، ومن على غرارهم من السّابقين واللّاحقين ، لو أردت ذلك .. لزاد السّيل ، وطفح الكيل.

وقد أخرج السّيّد أحمد الجنيد بسنده إلى القطب الحدّاد أنّه كان يقول : (وددت لو أنّ هؤلاء الأربعة تفرّقوا بنواحي تريم ؛ ليعمّ بهم الخير ويكثر بهم دفع الشّرّ) ، ولكنّهم كانوا كلّهم جيرانا بالنّويدرة ، وهم : محمّد بن عبد الله بن حسين باهارون (٦) ، والجنيد بن عليّ باهارون (٧) ، ومحمّد بن أحمد مشهور بن شهاب

__________________

ترجمته في : «إتحاف المستفيد» (٣٩) ، و «لوامع النور» (٢ / ٢٦) ، وغيرها.

(١) بثلاثة : بممدوحين ثلاثة.

(٢) الأروم : الأصول.

(٣) الماتح : الّذي يخرج الماء من البئر. رشاؤها : حبلها. أديمها : جلدها.

(٤) هو السيد الشريف عبد الله بن زين العابدين بن أحمد بن الحسين بن مصطفى بن شيخ ، وجده الحسين أخو الإمام عبد الرحمن صاحب مصر. كان المترجم سيدا شريفا فاضلا عفيفا ، له جاه وحشمة ، توفي بتريم في (٢٨) جمادى الأولى سنة (١٣١٦ ه‍).

(٥) السيد الشريف الحبيب عبد الباري بن شيخ بن عيدروس بن محمد بن عيدروس بن شيخ بن محمد المصطفى بن زين العابدين .. إلخ ، يجتمع مع ابن مصطفى في جده شيخ. ولد المترجم بتريم سنة (١٢٩٠ ه‍) ، وتوفي بها في (١٥) محرم (١٣٥٨ ه‍) ، وجمع تلميذه السيد محمد بن سقاف بن زين بن محسن الهادي مجموعا سماه : «بهجة النفوس» اشتمل على نبذة من مواعظه وترجمته ، وجمع حفيده سيدي يحيى جزءا في ترجمته. انظر : «إتحاف المستفيد» (٦٠) ، و «تعليقات» السيد ضياء (١ / ١١٠) ، و «الخبايا في الزوايا» (٦٠ ـ ٦١).

(٦) الملقب : الصويلح ، كان معاصرا للإمام الحداد ، لا يعلم تاريخ وفاته ، وهو غير السيد محمد بن عبد الله الصويلح باهارون صاحب «مسجد باهارون» بنويدرة تريم.

(٧) من السادة الأفاضل الأخيار الصالحين ، مولده ووفاته بروغة سنة (١١١٧ ه‍) ، وقبر بتريم.


الدّين (١) ، وعمر بن علويّ عيديد ، وكانوا يصلّون العصر في باعلوي ، ولمّا عجزوا .. صلّوها في المسجد الّذي بناه الحدّاد بالنّويدرة ، فسمّاه «مسجد الأوّابين» ؛ لأنّهم يصلّون فيه.

وفي تريم كثير من المدارس :

منها : مدرسة أبي مريّم (٢) ، وهو السّيّد محمّد بن عمر بن محمّد بن أحمد بن الفقيه المقدّم ، الّذي يقول فيه السّقّاف : (لو وقع اجتهاد محمّد بن عمر في العبادة على جبل .. لدكّه) (٣) ، توفّي سنة (٨٢٢ ه‍) بعد أن ختم القرآن على يديه ثمان مئة (٤) شخص ، كلّهم يقرأ عليه بعد القرآن ربع «التّنبيه».

وأقدم مدرسة في تريم ـ فيما إخال ـ هي مدرسة الشّيخ سالم بافضل ، الواقعة بحذاء مسجده (٥) ، بجوار دار السّيّد بو بكر خرد (٦) ، المتوفّى بتريم سنة (١٣١٢ ه‍).

ومنها : مدرسة الشّيخ حسين بن عبد الله الحاجّ (٧) ، وهي الواقعة في غربيّ الجبّانة ، تسمّى اليوم ب «مسجد شكرة».

ومنها : مدرسة باغريب (٨) ؛ من أكابر المعلّمين بها : الشّيخ عمر بن عبد الله

__________________

(١) أول من لقب بالمشهور من السادة آل شهاب الدين ، وإليه ينسب آل المشهور قاطبة ، أحد الأوابين ، توفي بتريم آخر سنة (١١٣٠ ه‍) ، وهو حفيد الشيخ شهاب الدين الأصغر.

(٢) وكانت تعرف بمعلامة أبي مريّم ، ينظر ما كتبه عنها السيد عمر الكاف في «الخبايا» (١٧٢ ـ ١٨٣).

(٣) «المشرع» (٢ / ٣٢).

(٤) في «المشرع» : (ثلاث مئة).

(٥) وهي في حارة الخليف في الجهة الغربية الجنوبية ، ويعرف المسجد اليوم باسم : «مسجد الدويّلة» بالتصغير ، نسبة للشيخ محمد الدويّلة بافضل الذي أخربه وعمره من جديد.

(٦) هو السيد أبو بكر بن عبد الله (ت ١٢٤٤ ه‍) بن علي .. خرد ، ولد بتريم سنة (١٢٣٦ ه‍) ، وتوفي بها سلخ ذي الحجة سنة (١٣١٢ ه‍) ، كان عالما عاملا ذكيا نبيها آمرا بالمعروف ، وكانت تعتريه حدة.

(٧) هو ابن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن مؤلف المختصرات ، توفي سنة (٩٧٩ ه‍) ، ترجمته في «صلة الأهل» (١٧٤ ـ ٢٠٥) ، ولم تذكر هذه المدرسة في «خبايا الزوايا».

(٨) تنسب هذه المدرسة أو المعلامة للشيخ الكبير عبد الله بن أبي بكر العيدروس (ت ٨٦٥ ه‍) ،


با غريب ، المتوفّى سنة (١٢٠٧ ه‍) ، أطنب في مدحه الحبيب علويّ بن أحمد بن حسن الحدّاد في كتابه «المواهب والمنن» ، وقال : إنّه تعلّم لديه من السّادة أكثر من الألف ؛ منهم الوالد أحمد ، والعمّ حامد بن عمر ، ومن في طبقتهم وأولادهم وأولاد أولادهم فقد تعلّم عنده بعد والده ثلاث طبقات من أهل تريم غير السّادة الألف.

ومن أواخر من علّم بها الشّيخ الصّالح عمر بن سعيد بن أبي بكر باغريب (١) ، توفّي بتريم سنة (١٣٤٧ ه‍).

ومنها : مدرسة آل باجمعان ، من «المشرع» [٢ / ٦٦] : (ولمّا بنى السّيّد محمّد بن عمر بافقيه المتوفّى بحيدرأباد مدرسته الّتي بتريم .. فوّض تدريسها إلى العلّامة الشّيخ أبي بكر بن عبد الرّحمن بن شهاب ، المتوفّى بتريم سنة (١٠٦١ ه‍) ، فدرس بها احتسابا أيّاما ، ثمّ ترك ذلك).

وقد جاء في «النّور المزهر» : (أنّ السّيدين أبا بكر وعلويّ (٢) ابن علويّ الكاف ماتا بفلمبان ، وأوصيا بمالهما المقدّر بستّين ألف ريال بحضرموت للأرحام والمساجد والمدارس) اه

وهذا الجمع يدلّ على كثرتها.

وفتحت في الأخير مدرسة على نفقة خيرات المرحوم شيخ بن عبد الرّحمن الكاف (٣) ، إلّا أنّهم لم يبنوا لها منها مكانا ، وقد تخرّج منها جماعة (٤) ؛ أنجبهم :

__________________

واشتهرت بنسبتها إلى آل باغريب لكونهم لازموا التدريس بها منذ زمن بعيد.

(١) مولده بتريم ، وبها وفاته في التاريخ المذكور ، وأخذ عنه جماعات ، منهم : السيد سالم بن حفيظ ، والسيد محمد بن حسن عيديد ، وترجماه في «ثبتيهما».

(٢) هو السيد علوي الملقب يسرين ، لقّب باسم سفينة شراعية له سمّاها بهذا الاسم .. فأضيف إليها ، توفي سنة (١٣١٢ ه‍) بفليمبانغ بجاوة ، وكان بها مولده. أما أبو بكر المذكور هنا .. فهو ابن السيد علوي يسرين ، توفي أيضا بفليمبانغ.

(٣) كان افتتاح مدرسة الكاف سنة (١٣٥٢ ه‍) ، وكانت مدرسة خاصة بأولاد آل شيخ الكاف ، وبني عمومتهم ، ثم أدرجت في مدرسة جمعية الأخوة والمعاونة ، وأطلق اسم الكاف على مدرسة جمعية الحق ، وكان من المدرسين بها السيد عمر الكاف ، والسيد محمد بن حفيظ.

(٤) الذين سيذكرهم المؤلف هنا .. ليسوا من خريجي مدرسة الكاف ، إنما هم خريجو مدرسة جمعية


الشّيخ سالم سعيد بكيّر (١) ، وامبارك عمر باحريش ، فبها انفتحت أذهانهم ، وإن كانا إنّما توسّعا في الفقه بعد انفصالهم عنها ، وأصلهما من الحرّاثين ، ثمّ تشرّفوا بالعلم والذّكاء والفهم ، إلى تواضع ونسك ، إلّا أنّه مشوب بشيء من التّعصّب ، فتراهم لا يرجعون عن رأي ، ولا يذعنون لحجّة.

ومحمّد بن أحمد بن عمر الشّاطريّ (٢) ، ذكيّ نبيه ، وشاعر فقيه.

ومن اللّطائف : أنّ ناظرها السّيّد عبد الوليّ بن طاهر أراد أن يضحك من السّيّد أحمد بن حسين بن عبد الرّحمن بن سهل ، فاستدعاه وهو مارّ بالطّريق ، وقال له : تكلّم على الطّلبة.

فقال لهم : (لا أزيدكم على كلمة ، لقد دامت شوارع تريم ملأى بمراكيب المدعوّين لعذيرة ختاني ثمانية أيّام ، ثمّ إنّ غدانا اليوم رطلان من التّمر المنزوع النّوى من السّوق ـ وهي هذه ـ فلا يمكن لأحد أن يغترّ بالدّنيا ويسكن إليها ، والسّلام).

__________________

الحق ، وإنما اشتبه الأمر عليه ؛ لأن جمعية الحق التي أسست سنة (١٣٣٤ ه‍) قلب اسمها إلى مدرسة الكاف بعد سنة (١٣٥٢ ه‍) لأسباب عدة .. وهذا الأمر حدث بعد تخرج هؤلاء الأعلام منها بزمن .. فليعلم.

(١) ولد المفتي العلامة الفقيه الشيخ سالم سعيد بكيّر ـ مصغرا مشددا ـ باغيثان بتريم سنة (١٣٢٣ ه‍) ، والتحق في صغره بمدرسة جمعية الحق ، وتخرج بالعلامة أحمد بن عمر الشاطري ، والعلامة حامد السري ، والشيخ حسن عرفان.

آلت إليه مقاليد الإفتاء سنة (١٣٥٦ ه‍) عقب وفاة الشيخ أبي بكر الخطيب ـ آنف الذكر ـ ولم يزل على العمل الصالح متجرا في المتجر الرابح حتى دعاه داعي المنون في (١٢) جمادى الثانية سنة (١٣٨٦ ه‍).

(٢) العلامة الأوحد ، والجهبذ العبقري المسدد ، مؤسس جمعية الأخوة والمعاونة ، ومفتي الدولة الكثيرية ، والقاضي بالمجلس العالي بالمكلا ، والمفتش في المحاكم الشرعية ، ورئيس بلدية تريم ، ثم المشرف الاجتماعي بمدارس الفلاح الثانوية بجدة .. صاحب المؤلفات الرائقة ، والمجالس الزهية الشائقة. كان مولده بتريم يوم الإثنين (٢٨) جمادى الثانية سنة (١٣٣١ ه‍) ، وحياته حافلة بجلائل الأعمال التي يضيق عنها نطاق هذه الأسطر ، ومن أراد المزيد .. فعليه بمقدمة «شرح الياقوت».

هاجر المترجم إلى السعودية سنة (١٣٩٣ ه‍) ونال الجنسية السعودية ، ولم يزل بها حتى دعاه داعي المنون فلبى نداء ربه صائما عشية السبت (٣) رمضان المعظم من عام (١٤٢٢ ه‍).


وفي تريم أودية وشعاب مشرقة بالأنوار ؛ لأنّها كانت متهجّد عباد الله الأخيار ، حتّى إنّ من أهل تريم من وقذته العبادة إلى حدّ أنّ صبيانهم يسألون أمّهاتهم عنهم ، فيقلن لهم : أخذتهم الجبال باللّيل للتّهجّد ، والمساجد بالنّهار للاعتكاف والعلم والعبادة ؛ منهم ـ كما في (ص ١٧٥) من «شرح العينيّة» ، والحكاية (١٧٤) من «الجوهر» ـ : السّيّد عليّ بن علويّ بن الفقيه المقدّم ، المتوفّى سنة (٦٧٥ ه‍) ، فبه يتأكّد قول المغربيّ : إنّهم بالملائكة أشبه.

من تلك الأودية : النّعير (١) ـ كزبير ـ السّابق ذكره في ثناء السّيّد حسن بن شهاب على وحيد حضرموت السّيّد أبي بكر بن شهاب.

ومنها : خيله (٢) ، وسبب تسميته بذلك ـ كما سمعت من أفواه المعمّرين ـ : أنّها لمّا ظهرت نواصي خيل الصّحابة .. قالت امرأة : خيله. قالت الأخرى : خيلتين. وقالت الثّالثة : أربع مئة ما يعتدّين. وأهل تريم إلى اليوم يغضبون من هذا الكلام ، والغوغاء تعيّرهم به.

وما فيه من عار ، ولكن يأتي فيه ما تمثّل به ابن الزّبير لمّا عيّر بأنّه ابن ذات النّطاق وهو :

وعيّرني الواشون أنّي أحبّها

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

وتمثّل بعجزه الإمام الغالب أيضا في إحدى رسائله.

وفي حدود سنة (١٣٣٢ ه‍) ألّفت في تريم (جمعيّة الحقّ) ، وطلبت من

__________________

(١) يقع شعب النعير إلى الجهة النجدية من شعب خيله ، ويميّز من قبل البعض إلى شعبين ، فيقال : شعب النعير الصغير والكبير. تعبّد فيه كثير من الصالحين ؛ منهم : الشيخ الكبير عبد الرحمن السقاف ، والشيخ عبد الله العيدروس ، وابنه العدني ، والشيخ عبد الرحمن بن علي .. وغيرهم من السادة والمشايخ. ويمر ماء هذا الشعب من حافة النويدرة إلى ساقية حامد إلى نخر الحاوي إلى مسيلة عدم.

«بغية من تمنى» (ص ٢٦).

(٢) شعب خيله : شعب مبارك ، وكان سيدنا الأستاذ الأعظم الفقيه المقدم ، وحفيده الإمام عبد الله باعلوي ممن يتعبد فيه. ينفذ ماؤه ما بين البيوت ويمر تحت مسجد الشيخ علي إلى ساقية حامد إلى نخر الحاوي إلى مسيلة عدم. «بغية من تمنى» (٢٥ ـ ٢٦).


السّلطان المحسن أن يوليها ماليّة البلاد ، ففعل وأمّل النّاس من ذلك خيرا ، فانعكس الظّنّ ، وتضاعفت المكوس ، وكانت على قلّتها تؤخذ باحترام وتواضع .. فصارت على كثرتها تؤخذ بتجبّر وإهانة ، ولم تزل والاستبداد روحها ، والمستشارون لا يزيدون على الموافقة ، والمعارضة تكاد تكون بينهم من المستحيلات ، ولذا فإنّ رئيسها لا يتبدّل إلّا فترات قليلة لتحليل الشّرط.

وظهرت بعد ذلك (جمعيّة الأخوّة والمعاونة) ، وبدأت بنشر التّعليم في البوادي ، ثمّ ظهرت الأغراض وشهوات الاستعلاء ، ومحبّة النّهي والأمر ، فكانت كسابقتها (١).

ومن أعمالها : أنّها اتّهمت نظّار أوقاف المساجد بتريم فانتزعتها منهم بمبرّر وبدون مبرّر ، ولكن كان الإصلاح أنزر ، والإنفاق أغزر ، فبعد أن كانت مغلّات أكثر المساجد تزيد من نفقاتها .. صارت تنقص ، مع التّقصير في العمارة ، بل قيل : إنّ الدّين ارتكب بعض المساجد فوق ذلك.

وقد جاء في (ص ٢٥٤ ج ١) من «المشرع» : (أنّ من خواصّ تريم طيب عيشها ، خصوصا لأهلها الّذين لا تعلّق لهم بالدّول) اه (٢)

وذلك مجرّب ، أمّا الّذين يتعلّقون بها لتكون لهم الكبرياء في الأرض .. فلا يزيدون على أن ينشبوا أنفسهم في المتاعب ، وينشبوا غيرهم في المصاعب.

ومن البلاء الّذي لا يعدله بلاء : أنّ مقرّرات الإقليم كلّه من ساحله إلى أقصاه ، سواء كانت من الأفراد أو من الهيئات .. لا تكون كما يشاء الحقّ والإنصاف ، وإنّما تكون مشابة بالمحاباة أو بالحسد أو بالأغراض ، وكلّه ناشىء عن نقص الأخلاق ، وهو من أكبر المصائب ، لا أكبر منه إلّا عدم التّفكير في علاجه مع اشتمال الجمّاء الغفير من الخاصّة عليه عن معرفة بأحوال أنفسهم ، وتعمّد منهم فيما يفعلون ، ومهارة

__________________

(١) ينظر كلام مؤسسها السيد محمد الشاطري عنها في كتابه : «أدوار التاريخ الحضرمي» (٢ / ٤٢٣ ـ ٤٢٥).

(٢) في «المشرع» جاءت العبارة هكذا : (الذين لا تعلق لهم بالدول والدنيا) اه وهي واضحة المعنى والمغزى.


فيما يستميلون به سواهم من الأخذ بالحياء وما أشبهه ، وقليل من يقع في تلك الرّذائل عن غير شعور ، وإنّما يرتبك فيها بمؤثّرات تخفى عليه فيبقى على ظنّه الخير بنفسه وهو خائن لها وللنّاس ، ففي المقام صعوبة لا تنحلّ إلّا بأيدي العلماء والمحقّقين ، ولذا كان السّلف يوصون بالكتب الغزاليّة ؛ لأنّها النّجم الوهّاج في علم النّفس والأخلاق ، ولأنّ فيها لأمراض الأخلاق ، أنجع علاج.

ومن التّعاجيب أنّ من هؤلاء من يقرؤها ويخالفها على خطّ مستقيم ؛ كأنّما يتقرّبون إلى الله بمجرّد قراءة ألفاظها.

وكان لآل علويّ ولآل جديد حافتان بتريم (١) يصونون فيها أولادهم عن الاختلاط بالأضداد ، ولا يمكّنونهم من مجاوزتهما إلّا بعد تمكّنهم من الدّين والأخلاق ، وفي «الأصل» إشارة إلى ما بحضرموت من الحوط وإنكار بعض النّاس أمرها ، وكثير من أعقاب أولئك المنكرين ومتأثّريهم في زماننا يجلّون جمال الدّين الأفغانيّ ، ولا يتفطّنون إلى ما جاء في سياق له من قوله : فذهبت إلى مقام عبد العظيم ، وهو حرم من دخله كان آمنا.

وفيها الآن كثير من الحافّات ؛ منها في غرب تريم إلى الشّمال : حارة الخليف بكسر الخاء وفتح اللّام على اسم واد معروف في شعب جبل ذكره البكريّ.

وكندة كثيرا ما تسمّي قراها في الآفاق على ما كانت أسماء بلادها بحضرموت.

ثمّ الرّضيمة ، ثمّ السّحيل ، ثمّ النّويدرة.

ومنها في الجهة الشّرقيّة : السّوق ، ثمّ المجفّ.

ولآل تريم تعصّب شديد مع أهل الحوف ، يسري من السّفلة إلى الجلّة ومن الحاكة

__________________

(١) كان العلويون ـ والمقصود بنو أحمد بن عيسى ـ عندما سكنوا تريم اختطوا لأنفسهم محلة عرفت بالحوطة ، وهي الواقعة بين مسجد باعلوي ومسجد العيدروس ومسجد السقاف ـ حاليا ـ واحتوت هذه الحوطة على بيوت آل علوي وآل بصري وآل جديد. وقيل غير ذلك.

ومعنى الحافة ، كالحارة : وهي كل محل تدانت مساكنه والتف بعضها على بعض. وما سبق من تحديد بحافات لا يتعارض.


إلى العلماء ، وكان يتعاظمني ما أسمعه من ذلك حتّى رأيت ما ذكره الخطيب في الحكاية (٢٠٥) من «جوهره» [٢٢١ خ] : (أنّه نشب حرب بين أهل حافّة السّوق وأهل حافّة الخليف ، وجرى بينهم قتل ، وكان أهل السّوق أكثر ، فكمنوا لأهل الخليف ، فعلموا بذلك ، فشكوا إلى الشّيخ أحمد بن عليّ بن محمّد بن عبد الله الخطيب ، فقال لهم : إذا كبّرت لصلاة الصّبح .. فقعوا عليهم ، ففعلوا وهزموهم).

وكانت وفاة الشّيخ أحمد هذا في سنة (٧٠٨ ه‍) ، ووفاة أخيه عبد الرّحمن في سنة (٧٣٠ ه‍) ، ووفاة أخيهما محمّد سنة (٧٥٥ ه‍) ، فعرفنا من تعصّب الشّيخ أحمد لأهل حافّته أنّ آل تريم لم يرثوه عن كلالة (١).

ومن النّوادر : أنّ سيّدي عبد الرّحمن المشهور ـ على ورعه وتقواه وكماله ـ حكم أيّام كان على القضاء بحكم لأحد أهل السّحيل بشاهدين من أهل السّحيل أيضا على واحد من أهل السّوق ، وكان هو ـ أعني سيّدي عبد الرّحمن المشهور ـ إذ ذاك يسكن السّحيل ، فأمضى الحكم ، ونائب الدّولة وهو عليّ عبد الدّائم أحد عبيدهم حاضر ، ألزمه بتنفيذه ، فاتّهمه وقال له : لا أنفّذه ، ولا أرى صحّته ؛ مدّع من السّحيل ، وشهود من السّحيل ، وقاض من السّحيل ، هذا حكم باطل!!

قرى تريم :

وحوالي تريم كثير من القرى ، منها ما يخرج عن سورها الموجود اليوم ؛ كعيديد (٢) ، وهو واد مشرق البهجة ، واضح النّظارة ، ساطع النّور ، واقع بسفح مخاران (٣) الجنوبيّ ، وهو الجبل الّذي يكون بحضيضه الشّرقيّ الخليف السّابق ذكره.

__________________

(١) وللشيخ الفاضل عبد الله بن حسين بافضل ـ الملقب : رحيّم بكسر الراء وتشديد الياء ، وكان مؤرخا ، توفي سنة (١٤٠٠ ه‍) ـ مجموع في أخبار وحوادث الحوف بتريم.

(٢) وادي عيديد : يقع في الجهة الغربية الجنوبية لمدينة تريم ، وهو واد عظيم كثير الديار والسكان ، وفيه كثير من بساتين النخيل ، وله ذكر في شعر الإمام الحداد.

(٣) شعب مخاران : في جبل الفريط ، غربيّ المدينة ، يلي شعب عيديد إلى الجهة النجدية (الشمالية).

انظر : «البغية» (٢٥).


وكان العلّامة الجليل السّيّد محمّد بن عليّ مولى عيديد (١) ـ المترجم له في «المشرع» [١ / ٣٩٩ ـ ٤٠١] و «الغرر» و «شرح العينيّة» [٢٠٥ ـ ٢٠٧] وغيرها ، بل جاء في «الفتح المبين» للعلّامة الجليل عبد الرّحمن بن مصطفى نزيل مصر : أنّ مناقبه مخصوصة بالتّأليف ، أحبّ الانجماع عن النّاس آخر حياته ، فابتنى بعيديد مسجدا ودارا صغيرين ، واعتزل الخلق ، وأقبل على العبادة ، ولا ينزل إلّا للجمعة المفروضة أو العيادة المندوبة ، ثمّ بنى عنده أصحابه حتّى صار قرية معمورة.

وكان السّيّد محمّد هذا شديد الخوف من الله ، حتّى لقد ذكر صاحب «مفتاح السّعادة والخير» عن شيخه عبد الرّحمن بن عليّ ، عن والده عليّ بن أبي بكر : (أنّ السّيّد عبد الله بن محمّد بن حكم باقشير إذا قام للصّلاة .. انتفض وجرى دمعه على خدّيه ولحيته طيلة صلاته ، حتّى لقد حصل لدموعه أثر ظاهر على خدّيه ، قال الشّيخ عليّ : وكذلك رأيت الفقيه محمّد بن عليّ صاحب عيديد) اه

ومثل هذا الأثر على الخدّ من الدّمع مشهور عن ابن الخطّاب رضي الله عنه ، ومثل ذلك الخوف مذكور عن زين العابدين عليّ بن الحسين.

وكان والد السّيّد محمّد مولى عيديد (٢) من مراجيح العلماء الأتقياء ، وهو معروف بصاحب الحوطة ـ محلّ بقرب تريم ، لعلّه الّذي بينها وبين الحاوي ؛ فإنّه لا يزال يطلق عليه لفظ الحوطة إلى الآن ـ انجمع فيها عن الخلق ، وكان ولده محمّد سكن قبل عيديد قريبا من حوطة والده.

أخذ أبو محمّد عن الشّيخ السّقّاف ، وتوفّي سنة (٨٣٨ ه‍) ، وكانت وفاة ولده محمّد سنة (٨٦٢ ه‍) ، ولهم ذرّيّة صالحة بعيديد وغيرها ؛ منهم :

__________________

(١) وإليه ينسب السادة آل عيديد ، وتمام نسبه : محمد بن علي ـ صاحب الحوطة ـ ابن محمد بن عبد الله بن أحمد (ت ٧٢٥ ه‍) ابن عبد الرحمن بن علوي عن الفقيه. وسيأتي أن وفاته سنة (٨٦٢ ه‍). وقبر في قبر جده أحمد بن عبد الرحمن في الرصّة.

(٢) ترجمته في «المشرع» (٢ / ٥١٥ ـ ٥١٦) ، و «الغرر» ، و «الجوهر» ، و «إتحاف المستفيد» (٣٤٠ ـ ٣٤٥).


السّيّد عليّ بن محمّد بن عليّ مولى عيديد ، قال الشّيخ عبد الله بن محمّد باقشير في كتابه «مفتاح السّعادة والخير» : (وأعقب الشّيخ حكم باقشير بنتا يقال لها : حكيمة ، تحفظ القرآن ، تزوّجها السّيّد عليّ بن محمّد صاحب عيديد بإشارة الشّيخ عبد الله بن أبي بكر العيدروس ، وكان هو الّذي دفع عنه الجهاز ، ثمّ بعد أيّام سار الشّيخ حكم إلى شعب هود وأخذ معه عليّا يروّضه ويربّيه ، وبقيا على اجتهاد في العبادة ، وكان أكثر قوتهم هناك ثمر الأراك).

وتوفّي عليّ المذكور في سنة تسع مئة وتسع عشرة (٩١٩ ه‍) (١).

ومنهم : السّيّد أبو بكر بن عبد الله بن عليّ بن محمّد ، صاحب عيديد (٢) ، له «وصيّة جامعة» من العلّامة ابن حجر الهيتميّ بتاريخ صفر سنة (٩٥٥ ه‍) ، أوردها الفاضل الشّيخ امبارك عمر باحريش (٣) في كتابه «إتحاف المستفيد» الّذي جمعه على لسان شيخه الصّالح المنوّر القلب محمّد بن حسن عيديد ، وفيه تعريف بكثير من السّادة المشار إليهم وغيرهم.

وقد مرّ في سيئون أنّ بها منهم الفاضل الصّالح السّيّد حسين بن عبد الله بن حسن عيديد ، شريف كريم ، موطّأ الأكناف ، رحب الفناء للأضياف ، ولا زال محمود السّير ، معانا على المروءة والخير ، وإيّانا .. آمين.

ومن سكّان عيديد : الشّيخ أحمد بن عبد الله الخطيب (٤) ، تولّى خطابة جامع تريم وهو ابن خمس عشرة سنة ، ودام عليها إلى أن مات ، وقد نيّف على السّبعين في سنة (١٣٣٣ ه‍) ، وكان فاضلا خاشعا ناسكا ، شريف السّيرة ، ولذا نجعوا له بخطابة

__________________

(١) «إتحاف المستفيد» (٣٢٧ ـ ٣٢٨) ، وذكر فيه أنه طلق ابنة باقشير لعدم رغبته في التزوج آنذاك.

(٢) توفي بمكة ، ولم تؤرخ وفاته ، وله أخ يلقب بالمحجوب ، توفي بالشحر سنة (٩٧٣ ه‍) ، وهناك اضطراب بين ما ورد في «الفرائد الجوهرية» للسيد الكاف (٣ / ٨٣٥) ، وبين ما جاء في «إتحاف المستفيد» (٣١٩)

(٣) نقلا عن خط العلامة مفتي تريم الشيخ أبي بكر بن أحمد الخطيب ، تقع في (٦) صفحات.

(٤) أحمد بن عبد الله بن عمر بن أحمد بن حسين الخطيب ، المتوفى سلخ محرم بكرة الجمعة سنة (١٣٣٣ ه‍) ، كان رجلا فاضلا صالحا ، ترجم له في «الإتحاف» برقم (١٧٥) ، وترجم له في «الرسالة الجامعة لخطباء تريم» (٥٨ ـ ٦٠).


تريم صغيرا ، مع أنّ مقابل الأظهر عدم صحّة الجمعة خلفه ؛ لأنّها لا تنعقد به ؛ إذ كان من قرية مستقلّة لنفسها.

ويذكر أنّ سيّد الوادي الحسن بن صالح البحر حضر خطبته وصلّى خلفه. ولمّا مات .. طمع فيها ولده عبد الرّحمن ، وأراد أن يبقى عليها من بعده ، فلم يرضه الخطباء (١) ، وانتزعوها منه عنوة ، وسلّموها لمن لا تصلح إلّا له ، وهو : العلّامة التّقيّ ، العابد النّزيه ، الشّيخ محمّد بن أحمد الخطيب (٢) ، كان غزير العلم ، طويل الحلم ، كريم الشّمائل ، كثير الفضائل ، فلم يزل عليها إلى أن مات.

وكانت الخطابة ألقت رحلها في هذا البيت ثمّ لم تتحوّل (٣) ، حتّى إنّه لمّا مرض الشّيخ عليّ بن محمّد الخطيب (٤) ، وكان أولاده صغارا .. طلبها بعض أهل العلم لنفسه ، ولكن قام ابن أخته الفقيه المحقّق أحمد بن عبد الرّحمن بن علويّ عمّ الفقيه (٥) ،

__________________

(١) أي : أسرة آل الخطيب ، المتولون لهذه الوظيفة منذ زمن قديم.

(٢) هو العلامة المفتي الفقيه محمد بن أحمد بن سالم بن عبد الله بن أبي بكر الخطيب التريمي ، ولد بها سنة (١٢٨٤ ه‍) ، وتوفي سنة (١٣٥٠ ه‍) ، كان فقيها نحريرا حاذقا ، درّس برباط تريم وزاوية الأوابين وزاوية سرجيس وزاوية بروم ، ومن شيوخه : المفتي المشهور ، والسيد علوي المشهور ، والشيخ أحمد الخطيب. ترجمته في : «تذكرة الباحث المحتاط» للمؤرخ عبد الله بن حسن بلفقيه ، و «الرسالة الجامعة في ذكر من تولى الخطابة بتريم» للشيخ أبي بكر الخطيب (٦١ ـ ٦٩) (خ).

والمترجم هو الخطيب الثاني والثلاثون ممن رقوا منبر جامع تريم منذ نحو (١٠٠٠) سنة.

ومن الآخذين عنه : ابن أخيه الشيخ العلامة الفقيه عمر بن عبد الله بن أحمد بن سالم ، المولود بتريم سنة (١٣٢٦ ه‍) ، والمتوفى بسنغافورة سنة (١٤١٨) ، كان علامة نحريرا ، طوّحت به الأسفار إلى سنغافورة ، وأقام بها مفتيا ومرشدا وقاضيا وخطيبا حتى توفي عليه رحمة الله.

(٣) جاء في «برد النعيم» أن أول من تولى الخطابة منهم هو جدهم الجامع الشيخ الإمام محمد بن سليمان بن أحمد بن عباد بن بشر في القرن الثالث الهجري ، ثم قام بعده ابنه علي ، فابنه إبراهيم بن علي ، فيحيى بن إبراهيم ، فإبراهيم بن يحيى ، فعلي بن إبراهيم ، فمحمد بن علي المتوفى سنة (٦٠٩ ه‍) ، وهو والد الشيخ علي صاحب الوعل الآتي ذكره.

(٤) وهو الملقب بصاحب الوعل لكرامة جرت له ، توفي سنة (٦٤١ ه‍) كما في «تاريخ شنبل» ، له مناقب وحكايات في «الجوهر» ، و «البرد».

(٥) توفي السيد الفقيه أحمد بن عبد الرحمن سنة (٧٢٠ ه‍) ، ترجمته في «المشرع» (٢ / ١٣٧ ـ ١٣٨).


فحدب عليهم (١) ، وناب فيها عنهم ، ولمّا تسنّم ذروة المنبر لأوّل مرّة .. بكى واستبكى بما طاب وراق ، حتّى انحفظ خبره ، وبقي ذكره خالدا في الأوراق ، ولمّا تأهّل أولاد خاله .. دفعها إليهم.

وكانت وفاة الفقيه أحمد هذا في سنة (٧٢٠ ه‍) (٢).

وفي (قسم الفيء والغنيمة) من «التّحفة» [٧ / ١٣٨ ـ ١٣٩] و «النّهاية» [٦ / ١٤١] : (واستنبط السّبكيّ من إعطاء مموّني المرتزق من أولاد وزوجات : أنّ الفقيه أو المعيد أو المدرّس إذا مات .. يعطى مموّنه ممّا كان يأخذه ما يقوم به ؛ ترغيبا في العلم ، فإن فضل شيء .. صرف لمن يقوم بالوظيفة ، ولا نظر لاختلال الشّرط فيهم ؛ لأنّهم تبع لأبيهم ، فمدّتهم مغتفرة في جنب ما مضى كزمن البطالة ، والممتنع إنّما هو تقرير من لا يصلح ابتداء.

وردّ بظهور الفرق بين المرتزق وغيره ؛ بأنّ العلم محبوب لا يصدّ النّاس عنه شيء) اه

وكأنّهما يشيران إلى ما جاء في «طبقات ابن السّبكيّ» [٨ / ١٨١] من قوله : (أشاع كثير من النّاس أنّ الوالد كان يرى تولية الأطفال وظائف آبائهم مع عدم صلاحيّتهم إذا قام بالوظائف صالح ، ويرجحهم على الصّالحين ، وتوسّعوا في ذلك ، ونحن أخبر بأبينا ، ولم يكن ذلك رأيه على الإطلاق ، وإنّما كان رأيه فيمن كانت له يد بيضاء في الإسلام ـ من علم وغيره ـ وترك ولدا يمكن أن يتأهّل بأن يباشر وظيفته من يصلح لها وتكون الوظيفة باسم الولد ؛ لأنّ التّولية تنقسم إلى قسمين : تولية اختصاص ، وتولية مباشرة.

فتولية الاختصاص للصّبيّ ، وتولية المباشرة للمباشر.

ومتى ثبتت ولاية الاختصاص للطّفل .. كان مستحقّا للوظيفة استقلالا ، فيأخذها عند صلوحيّته من دون احتياج إلى تجديد ولاية.

__________________

(١) حدب عليهم : انحنى عليهم ، والمراد : عطف عليهم.

(٢) وهو مشهور بالفقيه ؛ لأن من محفوظاته : «الوجيز» للغزالي.


وإن لم يمكن أن يتأهّل ؛ كبنت وزوجة في إمامة مسجد ، أو ابن أيست أهليّته .. فهؤلاء لا أولّيهم مطلقا.

وإنّما أقول لمن أولّيه : التزم بالنّذر الشّرعي أن تدفع إليهم كيت وكيت ما دام كذا من معلوم هذه الوظيفة ..) إلى آخر ما أطال به.

وليس بالنّصّ فيما سبق عن «التّحفة» و «النّهاية» ، ولكنّه تفصيل لما نقلاه عنه مجملا فيحقّ له الاعتماد ، وإنّما ذكرته لما فيه من الفائدة ، ولأنّه لا يعدم شبها بقضيّة أولاد الشّيخ عليّ وابن عمّتهم الفقيه أحمد في الجملة.

ثمّ رأيت ابن عابدين نقل في حاشيته «ردّ المحتار على الدّرّ المختار» عن البيريّ ما نصّه [٥ / ٤٤] : (أقول : هذا مؤيّد لما هو عرف الحرمين الشّريفين ومصر والرّوم ، من غير نكير من إبقاء أبناء الميت ـ ولو كانوا صغارا ـ على وظائف آبائهم مطلقا ، من إمامة وخطابة وغير ذلك ، عرفا مرضيّا ؛ لأنّ فيه إحياء خلف العلماء ومساعدتهم على بذل الجهد في الاشتغال بالعلم ، وقد أفتى بجواز ذلك طائفة من أكابر الفضلاء الّذين يعوّل على إفتائهم) اه

وما ذكره ابن السّبكيّ من التّفصيل هو الحسن الجميل ؛ لأنّه الجامع للمصلحتين : تولية الصالح مراعاة للمسلمين ، ومواساة الأبناء قياما بواجب فضل العلم.

الحاوي (١) :

هو قرية صغيرة في شرقيّ تريم ، كانت منفصلة عنها ، ولكنّها أدخلت في سورها الّذي بناه الأمير سالم بن عبود بن سالم الكثيريّ في سنة (١٣٣٠ ه‍) وقتما كان على إمارتها ، وقد أنفق فيه أموالا جزيلة ، استدان بعضها من أخيه بدر بن عبود على ضوء وعد من السّلطان محسن بن غالب وأغنياء تريم بالوفاء ، فلم يفعلوا ، فانظلم سالم وظلم أخاه.

__________________

(١) ويسميه الإمام الحداد : حاوي الخيرات. وهو غير حاوي الحوطة الذي تقدم ذكره في معرض الكلام على القرى المحيطة بها.


وكان بالحاوي جماعة من آل الجفريّ سكنوها قبل أن ينزل بها الحدّاد (١) ، وكان السّيّد علويّ بن شيخ بن حسن بن علويّ الجفريّ مؤاخيا للقطب الحدّاد ، وصهر الحدّاد إلى السّيّد حسن بن علويّ الجفريّ على بنته.

ومن آل الجفريّ السّيّد الشّهير شيخ بن محمّد بن شيخ الجفريّ ، صاحب مليبار ؛ فقد وصل الحاوي سنة (١١٨٧ ه‍) ، وأخذ عن العلّامة الحسن بن عبد الله الحدّاد ، وبدأ به في الأرجوزة التي نظمها في الإسناد ، وشرحها بكتابه المسمّى : «كنز البراهين».

وكان بالحاوي بيت ومسجد صغير للحبيب عمر بن أحمد المنفّر ، وهو جدّ الحبيب عبد الله بن علويّ الحدّاد الغاني بتسميته عن كلّ وصف ؛ إذ كان كما قيل [من الوافر] :

وكان من العلوم بحيث يقضى

له من كلّ فنّ بالجميع

فلا حاجة للإطناب والآثار ناطقة بفضله ، والإجماع منعقد على تقديمه.

وفي سنة (١٠٨٣ ه‍) ابتنى الحبيب الحدّاد داره بالحاوي وبقي يتراوح بينه وبين داره بتريم.

وفي سنة (١٠٩٩ ه‍) ـ وهي سنة ميلاد ابنه الحسن ـ استوطنه صيفا وشتاء ، وانتشرت علومه في البلاد ، وأخذ عنه الحاضر والباد.

ولنا إليه طرق كثيرة ؛ من أقربها : أنّني أخذت عن السّيّد محمّد بن أحمد بن

__________________

(١) سيدنا الإمام ، شيخ الإسلام ، مجدد الدين على رأس المئة الحادية عشر من هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، ولد سنة (١٠٤٤) ، وانتقل إلى الدار الآخرة سنة (١١٣٢ ه‍).

لم تعرف حضرموت أحدا مثل هذا العلم في العلم والعبادة والصلاح والدعوة إلى الله ، وقد انتشرت دعوته وكتبه في أقطار الدنيا ، وألفت في مناقبه المؤلفات الرائعة ، وصنفت المصنفات البديعة ، فكتب تلميذه السيد محمد بن زين بن سميط «غاية القصد والمراد» في مجلدين طبعا ، وذيّله ب «بهجة الزمان» في تراجم الشيوخ والتلامذة ، واختصرها في «بهجة الفؤاد».

وللإمام الحداد من البنين : علوي ، والحسن ، والحسين ، وزين العابدين ، وسالم ، ومحمد.


عليّ بن عبد الله السّقّاف المتوفّى سنة (١٣٠٧ ه‍) عن مئة وخمسة عشر عاما ، وهو أخذ عن أبيه عن جدّه عن القطب الحدّاد.

وأخذ السّيّد محمّد أيضا عن العلّامة الجليل أحمد بن حسن بن عبد الله الحدّاد ، وأدرك من زمانه اثني عشر عاما.

والحبيب أحمد أخذ عن جدّه القطب الحدّاد ، وأدرك من زمانه خمس سنين.

ومنها : أنّني أخذت عن الحبيب المعمّر محمّد بن إبراهيم بلفقيه ، وهو أخذ عن عمّه الحبيب عيدروس ، وهو أخذ عن الأستاذ عبد الله بن علويّ الحدّاد.

وكان السّلطان ياقوت يهدي للقطب الحدّاد الأكسية الفاخرة والشّالات المثمنة والعمائم الّتي تبلغ ثمانين ذراعا في عرض ذراع ونصف ، وإن كانوا ليلوونها اثنتي عشرة ليّة ، ثمّ يدخلونها الخاتم فتمرّ فيه ، وكان يعطي بعضها لابنه الحسن فيلبسها ؛ لولعه في شبابه بالثّياب الفاخرة ، ولكنّه لمّا عاد من الحجّ في سنة (١١٤٨ ه‍) .. اخشوشن ، فلم يلبس إلّا الخوذة والبثت ـ من غزل الحاوي والسّبير ـ فوق الشّقة ، ويقتصر في البيت على الشقّة والكوفيّة البيضاء المخرّمة ، ويلبس العمامة للجمعة مع السّروال والقميص ، ويلبس البثت من فوق القميص.

وفي أخباره ـ أعني الحسن بن الحدّاد ـ أنّه ترك الرّداء رأسا بعد رجوعه من الحجّ ، وذكر الشّيخ عمر بن عوض شيبان عن سيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر أنّه يقول : كانت الطّبقة الّتي قبلنا يكتفون بالقمصان الحضرميّة ، وقليل من الأعيان من تكون عنده مصدّرة بثت ، وأمّا الجبب .. فلا يلبسونها إلّا في الأعياد.

توفّي سيّدنا عبد الله بن علويّ الحدّاد في سنة (١١٣٢ ه‍) عن ثمان وثمانين سنة إلّا ثلاثة أشهر ، وخلّف عدّة أولاد وبنات ، وهم : علويّ وحسن وزين وحسين وسالم ومحمّد ، وكلّهم أسنّ من الحسن إلّا زينا ؛ فإنّه بعده.

وقام في مقامه بأمره ولداه علويّ وحسن ؛ إذ قال لهما في حياته : (أقمتكما مقامي وأنبتكما عنّي) ، ونزل لهما في آخر عمره عن إمامة الصّلاة ، فكان يؤمّه علويّ إن


حضر ، وحسن إن غاب ، غير أنّ أكثر إقامة علويّ وأولاده بالسّبير.

وكان الحسن لا يفارقه ؛ فهو الّذي تكثر إمامته له ، وإذا زاروا هودا عليه السّلام .. كان الّذي يسلّم بالنّاس عند البير : علويّ ، وعند الضّريح : الحسن.

وكان هو الّذي يحمل عن أبيه عامّة أمره في أيّام حياته ، وذكر السّيّد علويّ بن أحمد : أنّ السّيّد محمّدا الجفريّ وزين العابدين الحبشيّ وسائر الدّرسة تأخّروا عن الحضور على علويّ بعد والده ؛ لأنّه لم يدرّس في حياة أبيه ، ولمّا رأى الحسن تثاقلهم عن دروس أخيه .. حضر عنده وأتمّ عليه «سنن أبي داود» الّتي مات والده في أثناء قراءته إيّاها عليه ، وأراد السّيّد زين العابدين أن يعمل قبّة على ضريح القطب الحدّاد ، فمنعه آل العيدروس ، وأمّا الصّندوق .. فقد استوفينا قصّته في «الأصل».

وعن السّيّد حسين بن محمّد بن القطب الحدّاد أنّه قال : سمعت ناسا من تريم ـ منهم السّيّد شيخ بن محمّد بن شهاب ـ يقول : لو لا حسن .. لما قام منصب آل الحدّاد ، لا يقدر علويّ ولا غيره على ما تحمّله حسن ؛ لأنّ الحسين توفّي والده وهو مريض ، وزين صغير ، وعلويّ مائل عن تدبير ما النّاس فيه ، وإنّما هو صاحب عبادة ، وأمّا الحسن .. فقد جمع العلم والعمل والفتوّة ورجاحة الرّأي.

توفّي الحسن بن عبد الله الحدّاد في سنة (١١٨٨ ه‍) عن تسعين عاما إلّا تسعة أشهر ، وقام في مقامه ابنه العالي المنار ، الجليل المقدار : أحمد بن حسن ، إلّا أنّه لم يسلم من منازعة السّيّد عليّ بن علويّ بن القطب الحدّاد له ، غير أنّه توفّي وشيكا في سنة (١١٨٩ ه‍).

واستقلّ بعده الحبيب أحمد بن حسن بالمنصب ، وكان أهلا ؛ لتمام كفاءته ، وهو صاحب العلوم الزّاخرة ، والمؤلّفات الشهيرة ، وأكثرها فائدة وأجملها عائدة : «سفينة الأرباح» في مجلّدات ثلاثة كبار.

وقد جاء في «المواهب والمنن» الّذي استعنت به في الموضوع : أنّه ـ أعني مؤلّفه الحبيب علويّ بن أحمد بن حسن ـ قرأ «سفينة الأرباح» على جدّه الحسن.


وجاء فيه أيضا : أنّ للحبيب حسن «سفينة» لا نظير لها في كلّ فنّ من العلوم النّافعة ، غرقت فيما غرق على الحبيب أحمد بن حسن حينما انكسر به المركب في حجّه سنة (١١٥٧ ه‍) ، فعمل «سفينة الأرباح» على غرارها.

وذكر الحبيب علويّ بن أحمد بن حسن : أنّ من نظم والده في حادثة الغرق قوله [من الطّويل] :

لك الحمد أمّا ما نحبّ فلا نرى

ونسمع ما لا نشتهي .. فلك الحمد

وهو صريح في أنّ الحبيب علويّ بن أحمد قرأ ما ألّفه أبوه من «سفينة الأرباح» على جدّه بعدما غرقت «سفينته» ، لكنّ العجب العجاب أنّ الحبيب أحمد لم يشر في خطبة «سفينته» إلى ما كان من تأليف والده! ولا بدّ أن يثقل على الحسن إغفال ابنه لذكره.

ومن مؤلّفاته : فتاواه المسمّاة : «القول الصّواب» ، وشرح على راتب جدّه سمّاه : «سبيل الهداية والرّشاد» ، ومنسك في الحجّ ، و «الفوائد السّنيّة في تريم وحضرموت وما خصّ به السّادة العلويّة» ، وهو الّذي حرّر «تثبيت الفؤاد» ورتّبه في نحو أربعين كرّاسا. ثمّ رأيت العجلونيّ المتوفّى سنة (١١٦٢ ه‍) يعزو البيت السّابق وهو : (لك الحمد أما ما نحب) إلخ للمتنبي ، وهو مخطىء في ذلك ، كما أنّ الحبيب علويّ بن أحمد لم يصب في عزوه لوالده ، وإنّما قاله متمثّلا.

توفّي الحبيب أحمد بن حسن في سنة (١٢٠٤ ه‍) عن سبع وسبعين عاما.

وخلفه ابنه عمر بن أحمد ، وكان علّامة فاضلا ، توفي سنة (١٢٢٦ ه‍).

وخلفه أخوه حسين بن أحمد بن حسن وكان فاضلا سخيّا ، وجد سنة (١١٨٠ ه‍) وتوفّي سنة (١٢٤٨ ه‍).

وخلفه ابنه حسن بن حسين ، وكان من أهل الفضل والعلم ، وجد سنة (١٢٠٥ ه‍) وتوفّي سنة (١٢٨٤ ه‍).

وخلفه ابنه عليّ بن حسن ، وكان جليل القدر عظيم الخطر ، معظّما عند النّاس ،


وله هيبة في الصّدور ، توفّي سنة (١٣٠٩ ه‍) ، وكان ولده العالم النّاسك المتبتّل عبد الله بن عليّ غائبا بجاوة ، ولكنّه وصل على وشك انقضاء أجل أبيه ، ثمّ عاد إلى جاوة سريعا ، فكأنّما كان على ميعاد من موت والده ، ولمّا فرغ من أمره .. انقلب على إثره.

وقد أحضرني عليه والدي في قدمته تلك فقرأت عليه ، وألبسني ، وشابكني ، وأجازني ، كما قد استجاز لي من والده عليّ بن حسن ، واجتمعت به ـ أعني الحبيب عبد الله ـ بمنزله في جاوة أوائل سنة (١٣٣٠ ه‍) ، وكان صادعا بالحقّ ، شديدا على أهل الجاه والرّئاسة من العلويّين ، وطالما احتجب عنهم وردّهم عن بابه ، توفّي ببانقيل من أرض جاوة في سنة (١٣٣١ ه‍).

وأمّا الّذي خلف على المنصب بعد السّيّد عليّ بن حسن الحدّاد .. فهو السّيّد عبد القادر بن أحمد بن عبد الرّحمن بن أحمد بن حسن بن القطب الحدّاد ، وكان شهما فاضلا عالي الهمّة قويّ النّفس ، توفّي بخلع راشد في القعدة من سنة (١٣١٣ ه‍).

وخلفه الحبيب حسن بن عمر بن حسن بن عبد الله بن أحمد بن حسن بن القطب الحدّاد ، وكان أبيض القلب ، كثير التّواضع ، صادق الإخاء لوالدي ، توفّي في القعدة من سنة (١٣٢٢ ه‍).

وخلفه ولده عليّ بن حسن ، وكان شهما كريما ، فحصلت عليه أذيّة من آل تريم ، فركب إلى جاوة ، وكان آخر العهد به.

وخلفه على المنصب أخوه عبد القادر بن حسن ، وتوفّي في محرّم من سنة (١٣٥٢ ه‍).

وخلفه السّيّد عبد الله بن محمّد بن أبي بكر بن محمّد الحدّاد ، وتوفّي في جمادى الآخرة سنة (١٣٥٣ ه‍).

وخلفه السّيّد عيسى بن عبد القادر بن أحمد بن عبد الرّحمن بن أحمد الحدّاد إلى أن توفّي في رجب من سنة (١٣٥٤ ه‍).


وخلفه أخوه عبد الله ، ثمّ تنازع هو وأبناء أخيه عيسى ، فانفصل عن المنصب وابتنى له دارا في غربيّ خلع راشد ، غرس حولها كثيرا من النّخل وتديّرها مع تردّده إلى الحاوي بتريم.

وخلفه على المنصب الولد حسن بن عليّ بن حسن بن عمر بن حسن الحدّاد ، فهو الّذي عليه اليوم ، ولكنّه مضغوط عليه كسائر المناصب بسبب اشتداد ركن الدّولة الكثيريّة بالإنكليز.

وفي الحاوي جماعة من آل باسالم ، قال الحبيب عمر بن حسن : (كان جدّ عمر بن عبد الله جدّ آل باسالم من المغرب يكاتب الحبيب عبد الله بن علويّ الحدّاد ، ثمّ وصل حضرموت وتزوّج بها. وآل باسالم تطول أعمارهم زائدا على النّاس).

ومن كلام الحبيب عمر بن حسن أيضا : (أنّ الحبيب عبد الله الحدّاد عنده ستّة أولاد ، يلازمه منهم اثنان أو ثلاثة ، والباقون يسكن بعضهم الحاوي ، وبعضهم بقي بتريم ، وهو يترك حبالهم على غواربهم ، فيسافرون حيث شاؤوا ، وأكبرهم محمّد. وكلّ من تزوّج من أولاد الحبيب عبد الله .. بنى له دارا لا تصل نفقتها إلى عشرين ريالا ، ويقول له : اسكنها ، وهو يواسيهم) اه

وكذلك كان سيّدي الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر ، إذا زوّج أحد أولاده .. أفرده بدار وأعطاه بقرة وحمارا وسائر آلات الحرث ونفقة خمسة أشهر ، وقال له : أنت بالخيار ؛ إن شئت .. جعلتني أبا ، وإن شئت .. جعلتني أخا ، وإن شئت .. جعلتني كواحد من المسلمين.

وكان الحبيب عمر بن حسن الحدّاد من خيار العلويّين وصلحائهم ، وكان كآبائه وأقربائه يسكن الحاوي ، ثمّ حدث بينه وبين المنصب الحبيب عليّ بن حسن بن حسين شجار على خادمة منعها الحبيب عليّ عن الخدمة في بيت الحبيب عمر ، فانتقل إلى نويدرة تريم ، ولم يزل بها على العلم والعبادة حتّى توفّي ظهر الأربعاء (٢٣) ذي الحجّة الحرام من سنة (١٣٠٨ ه‍) أي : قبل وفاة الحبيب عليّ بن حسن بمديدة قصيرة.


ومن «المواهب والمنن» : أنّ فساد يافع زاد في سنة (١١٧٩ ه‍).

ومنها : أنّ محسن بن عمر بن جعفر نهب دمّون وضواحي تريم ، فجاء الحبيب طاهر بن محمّد بن هاشم يقول للحسن بن عبد الله الحدّاد : (ما بقي لأحد جاه عند هذا الظّالم غيرك ؛ فإن شفعت في ردّ أموال المساكين ، وإلّا .. فالإثم عليك) ، فتوجّه إليه فيها .. فردّها.

ومنها : عن الحبيب عمر بن زين بن سميط : أنّه سمع بعض السّادة من تريم يفضّل الحسن بن عبد الله على العلّامتين : عبد الرّحمن بن عبد الله بن أحمد بلفقيه وطاهر بن محمّد بن هاشم.

ومنها : أنّ السّلطان صالح بن ناصر بن أحمد الرّصّاص همّ بالخروج إلى حضرموت ، ثمّ انثنى ، ثمّ عزم بعد ، فضلّ في الرّمل عتاده من البارود والرّصاص ، وتفرّق شمل أصحابه وكثر فيهم الموت والمرض ، وعاد خائبا.

ومنها : أنّ الحبيب حسنا خرج هو وأولاده وقرابته وأتباعه إلى بيت جبير فذهب أحد أحفاده ومعه الخدم يأمرهم أن يجمعوا القضب من الآبار الّتي حواليه لمراكيبهم ، والمتبادر أنّهم يأخذونها ـ على عادة المناصب ـ بدون مقابل ، وهو من المشكلات ؛ كمثل ما سبق في المبحث الثّالث من الحسيّسة ، إلّا أن يقال : إنّها مرصودة للمصالح فتلزم مواساتها ؛ بآية أنّهم لا يأخذون إلّا للخيل ، فقد يحتمل ، إلّا أنّه من البعيد أن تكون مراكيب الحسن وأتباعه خيلا كلّها مع كثرة الخيل إذ ذاك بحضرموت ؛ فقد كان السّلطان عيسى بن بدر يزور القطب الحدّاد في أربعين عنانا ، وكان فراش مدرسة القطب الحدّاد بالحاوي حصيرا من دون وسادة ، وأمّا في منزله .. فسجادة عليها وسادة.

وفي أيّام الحسن فرش منزله الواسع بالسّجّاد الفارسيّ من غير الهنديّ.

وتزوّج القطب الحدّاد بنيّف وثلاثين امرأة ، أربع عشرة من الشّرائف ، والبواقي من غيرهنّ ، وأمّ ولده محمّد من آل كثير.


ولسيف بن محمّد الكثيريّ كان تأليف «رسالة المريد» ، وعن الأستاذ الأبرّ أنّ سيّدنا الحدّاد يقول : لم نسمّ الّذي ألّفنا له «رسالة المريد» ؛ لأنّه رجع عن الإرادة ، وكثيرا ما يوكّل ابنه الحسن في قبول النّكاح له ، وكان لا يزيد على مسحة واحدة لرأسه ، إلّا أنّه يمسحه كلّه ، وقد سرّني هذا لموافقته لما أنا عليه من زمان قبل أن أعلم به ، وقبل أن أعرف أنّ جدّي المحسن بن علويّ كان على مثله.

وقد لقي القطب الحدّاد أذى كثيرا من إخوانه ، قال الحبيب عمر بن حسن : إنّه اشترى مال أهله ثلاث مرّات ، كلّما اشتراه .. ادّعى عليه بعض إخوانه. قيل له : وكذلك الحبيب حسن بن أحمد العيدروس ، فقال : يرحمه الله رحمة الأبرار.

وأكثر ما وقع الأذى على القطب الحدّاد من أخيه عمر (١) ، حتّى لقد سمعت ـ لكن ممّن لا أثق به ـ أنّه ادّعى عليه بمئة بهار ذهب ، فما زال أهل التّدبير ومحبّو الإصلاح يسفرون بينهم حتّى تمّ الصّلح على مئة بهار تمر من نخيل وادي الذّهب ، والله أعلم بصحّة ذلك.

وقال بعضهم : إنّما كانت الدّعوى في بهار واحد من الذّهب. وهذا هو الأقرب.

ثم ما زالوا به حتّى أبعدوه عنه ، ونقلوه إلى الحاوي الّذي اختطّه في شمال حوطة آل أحمد بن زين.

وفي قضاء الشّيخ عليّ بن عبد الرّحيم باكثير : توجّهت على الحدّاد دعوى لزمته بها اليمين .. فغلّظها عليه ، وجاء معه بمصحف من تريم ، فقال له الحدّاد : (أما عندنا مصاحف؟!) وفي هذه القضيّة فوائد :

__________________

(١) ولد الحبيب عمر بتريم ، ونشأ في كنف والديه ، وتربى بأخيه الإمام ، وله منه وصية طويلة ، قال فيها : (هذه وصيتي لك ، والله خليفتي عليك وهو يتولى الصالحين ، كن صالحا حتى يتولاك ، وإذا تولاك .. فلا تحتاج لأحد من الخلق. أدام الله توفيقك ، وزودك التقوى ، ويسر لك الخير أينما توجهت ، وكان لك حيثما كنت وإيانا وأحبابنا ..) إلخ. أملاها سنة (١١٧٥ ه‍) في شهر الله المحرم بالتماس من أخيه عمر المذكور. وبهذا يتحقق لنا أخذ أخيه عمر عنه وأدبه معه ، وهذا ينافي البتة ما رواه غير الثقة للمؤلف ، والله يتولى الجميع. ينظر للمزيد : «نور الأبصار» للعلامة علوي بن طاهر الحداد : (٣٤ ـ ٣٥).


منها : أنّ خروج القاضي إلى الحاوي إمّا لتحليف الحدّاد على عين المدّعى به ؛ لاشتباهه وتعذّر نقله ، وإمّا لأنّه لا يليق به الحضور إلى مجلس الحكم.

والمسألة حينئذ خلافيّة ، فبعضهم يلزمه الحضور لأجل اليمين ، وبعض يلزم القاضي إرسال من يحلّفه في مكانه ، وهو الّذي أظنّني رجّحته ، والبحث مستوفى في المسألتين (٥٧٠) و (٩٧٦) من كتابي : «صوب الرّكام في تحقيق الأحكام».

وقد اختلف السّلف في الصّبر لليمين ، فكرهه بعضهم حتّى خرج من المال أنفة ، ولم ير به آخرون بأسا.

وقد ترافع محمّد بن داود الظّاهريّ مع خصم له إلى القاضي إسماعيل بن إسحاق ، ولمّا توجّهت اليمين على ابن داود .. قال له القاضي : أيحلف مثلك يا أبا بكر؟ قال : ما يمنعني وقد أمر الله نبيّه بالحلف في ثلاثة مواضع من كتابه؟ قال القاضي : أين ذلك؟!

قال في قوله سبحانه وتعالى : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ) وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) وقوله : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ)

والقصّة مبسوطة في كتابي : «بلابل التّغريد».

وفي المسألة (١٣٨١) من «الصّوب» صرّح الإمام في «النّهاية» (١) بأنّ اليمين لا تجب ، وأقرّه الرّافعيّ ، لكن قال ابن عبد السّلام : ليس على إطلاقه :

أمّا يمين المدّعى عليه : فإن كانت كاذبة .. فحرام ، وإن كانت صادقة : فإن كان الحقّ مما يباح بالإباحة ؛ كالمال .. وجبت اليمين دفعا لمفسدة كذب خصمه .. إلى آخر ما أطلت به.

ومنه : أنّ ابن حجر استوجه عدم وجوب اليمين فيما يقبل الإباحة ، ووجوبها فيما لا يقبله إذا تعيّنت. والله أعلم.

__________________

(١) أي إمام الحرمين في «نهاية المطلب».


ودعوى السّيّد عمر بن علويّ الحدّاد على أخيه بالذّهب المشار إليه ممّا تحيله العادة ، لكن قال فقهاؤنا بوجوب إحضار المدّعى عليه وإن أحالتها العادة ، وهو من البعد بمكان ، لا سيّما مع اتّفاقهم على ردّ كلّ دعوى وكلّ شهادة ، بل وكلّ إقرار يكذّبه الشّرع أو الحسّ. والبحث مستوفى في المسألة (٥٥٩) من «الصّوب».

وبعض النّاس ينتقد فعل الشّيخ عليّ بن عبد الرّحيم ويعدّه من إساءة الأدب ، وليس من ذلك في شيء ، وإنّما هو أداء للواجب ، وبعد عن المحاباة ، مع أنّ القطب الحدّاد لم يلاحظ عليه إلّا استصحاب المصحف من تريم.

وقد أطال الشّيخ عليّ في ترجمة القطب الحدّاد ووفّاه حقّه ؛ لأنّه من كبار مشايخه ، بل أكبرهم ، وكان يخرج إلى الحاوي كلّ يوم بعد الظّهر ، ولمّا حصلت عليه الأذيّة من الدّولة .. لم يعتصم إلّا بالإقامة في الحاوي.

ومن قرى تريم : المحيضرة.

وكانت للسّادة آل سميط ، وهم وآل شبام قبيلة واحدة ، ومنهم القاضي بتريم علويّ بن سميط ، تعمّر كثيرا ، وأضرّ في آخر وقته ، ولكنّها انعمرت الآن. ولها ذكر كثير في حروب يافع وآل كثير.

ومنها : الحيوار (١) ، وقد أدخلت بعض ذبوره في سور تريم ، وعمّرت فيها ديار كثيرة.

ومنها : بريح ، كانت بين دمّون وتريم ، ولا أثر لشيء منها إلّا المقبرة.

أمّا أحوال تريم الدّوليّة : فكما سبق في شبام ذرو منها ، وهي كرسيّ مملكة آل قحطان المتفرّعة ولايتهم على حضرموت عن إمارة الهزيليّ على شبام في حدود سنة (٢٧٠ ه‍) ، وقد قال صاحب «البرد النّعيم» : (إنّ ولايتهم امتدّت إلى أكثر من ثلاث مئة سنة) اه

__________________

(١) وجرى بها في (١٢٦٢ ه‍) وما بعدها إبان حكم غرامة عدة حوادث. ينظر : «العدة المفيدة» (١ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣) وما بعدها.


والحال أنّها باعتبار أصلها امتدّت إلى أطول من ذلك بكثير.

ومدافنهم بالرّضيمة من تريم ، وكانوا ـ كما في «الأصل» ـ يدفنون هلكاهم بها في صناديق ، وفي كلام القطب الحدّاد أنّ بالرّضيمة صناديق من ذهب ، فلعلّ الصّناديق الّتي كانوا يدفنون موتاهم فيها كانت من الذّهب كما الملوك تفعل ، ومن مأثور الكلام : أنّ أمّ الإسكندر أمسكت على صندوق الذّهب الّذي وضعوا ابنها فيه ليدفن بعد أن قال كلّ من الحكماء كلمته المأثورة ، فقالت : لقد جمعت هذا في حياتك .. فجمعك بعد مماتك.

ثمّ انتهى الأمر إلى آل أحمد والصّبرات ، وجرى بينهم بعضهم بعضا وبينهم وبين غيرهم أمور طويلة عريضة ، فصّلنا منها في «الأصل» ما شاء الله أن نفصّل ، ثمّ صار الأمر لآل كثير ، ثمّ للإمام ، ثمّ ليافع.

وسبب اتّصال يافع بحضرموت : أنّهم زاروا حضرموت في أيّام الشّيخ أبي بكر بن سالم ، وأحبّوه ، واعتقدوا فيه الصّلاح ، ثمّ زاروها في أيّام ابنه الحسين ، كما سيأتي عند ذكره في عينات ، ثمّ خرجوا مع أحد سلاطينهم ـ وهو : السّلطان عمر بن صالح بن الشّيخ عليّ هرهرة ، اليافعيّ وطنا ، الهمدانيّ نسبا ـ نجدة للأمير بدر بن محمّد المردوف (١) ، بإشارة من الحبيب عليّ بن أحمد أو من أخيه شيخ بن أحمد على اختلاف الرّواية ، أو منهما كما هو الأقرب .. وكانت طريقهم بأرض العوالق ، فأكرمهم سلطانها ، ثمّ قدموا على العموديّ بدوعن فأضافهم ، ثمّ التقوا مع سلطان آل كثير عمر بن جعفر في بحران سنة (١١١٧ ه‍) وهناك انهزم آل كثير واستولت يافع على جميع بلدان حضرموت الوسطى والسّفلى ؛ مثل : هينن ، وشبام ، وسيئون ، وتريم.

وبعد أن ضبطها عمر بن صالح .. ركب إلى الشّحر واستولى عليها ، ثمّ بلغه أنّ أهل هينن نكثوا وأخرجوا يافعا منها ، فعاد لهم وأخضعهم ، ورجع إلى يافع وقد

__________________

(١) المتوفى سنة (١١٢٠ ه‍) ، وهو بدر بن محمد المردوف بن عمر بن بدر بوطويرق ، تولى الحكم بعد وفاة والده سنة (١٠٧٣ ه‍). ينظر : «تاريخ الدولة الكثيرية» (٨٩ ـ ٩٤).


اقتسمت يافع بلاد حضرموت ، فكانت شبام وهينن للموسطه (١) ، وسيئون ومريمه لآل الضّبي (٢) ، وتريم للبعوس (٣) ـ وفوقها بنادق من العلوق الغالية ـ والدولة ، أقام أناس منهم بسيئون ، وناس في باجلحبان ، بحصن بناه آل مطهّر ، فيه بئر عذبة الماء.

وأمّا بنو قاصد اليافعيّون (٤) المرؤوسون بابن عفيف .. فقد كان منهم ناس قليل في هذا التّجهيز ، منهم : آل يزيد ، رئاستهم بحضرموت للبطاطيّ ؛ لأنّهم وإيّاهم شيء واحد ، وكان مسكنهم بالهجرين والقزه ، وفيه ناس أيضا من الكلديين (٥) ، وناس من قبيلة يهر (٦) ، يقال لهم : الشّناظير ، أقاموا بغيل ابن يمين ، فنسبه بعض النّاس إليهم.

وأمّا الكساديّ : فكان من ذي ناخب (٧) ، وجاء بعد ذلك إلى المكلّا. اه من

__________________

(١) الموسطه : حلف قبلي في يافع ، عاصمتهم بلدة القدمة ، حيث مقر شيوخهم آل النقيب .. ومن قبائلهم : آل الخلاقي ، العلسي ، الريوي ، القعيطي ، السعدي ، السعيدي ، الجرادي ، اليسلمي ، الرشيدي ، الحوثري ، العروي ، العيسائي ، الحنشي ، وتفصيل مناطقهم في : «معجم المقحفي» (١٦٨٤).

(٢) قبيلة من يافع العليا ، يمتازون بقوة الشكيمة ، يدينون بالطاعة لآل الشيخ علي.

(٣) لبعوس ـ الأبعوس : قبيلة وجبل في يافع ، ويقال لهم : (مكتب البعسي) ، وجبل لبعوس هو مركز مديرية يافع إحدى كبريات مديريات محافظة لحج ، وللأبعوس فرعان مهمان ؛ هما : الحوري ، والسّيلي.

(٤) بنو قاصد : قبيلة من يافع السفلى (والمقصود بالسفلى : مديريات رصد وجعار في أبين) ، من قبائلهم : آل يزيد ، آل البطاطي ، آل الذبياني ، آل العرمي ، آل طاهر.

(٥) الكلدي : نسبة إلى كلد ، بطن من قبائل يافع السفلى ، ديارهم في القارة من أعمال أبين مديرية رصد.

ومن فروعها : ١ ـ الجلادي : وهم : هويدي ، وعطوي ، ومعليسي ، وهيثمي. ٢ ـ منصّري : بركاني ، عياشي ، جدسي. ٣ ـ يوسفي. ٤ ـ ساعدي. ٥ ـ جريدي. ٦ ـ باقري. ٧ ـ داودي .. وغيرهم.

(٦) يهر : قبيلة حميرية يافعية كبيرة ، سكنت بلاد يافع ، ونسب إليها وادي يهر ، وهو واد خصيب يلتقي مسيله مع وادي بنا جوار قرية العسكرية ، ويشكل مركزا إداريا مع مديريات يافع : أعمال محافظة لحج. وترتبط يهر المنطقة بمنطقة المفلحي بطريق إسفلتية طولها (١١ كم).

(٧) وذو ناخب هذا هو واد فسيح في أعالي مرتفعات يافع العليا ، تحدث عنه الشيخ الناخبي في : «رحلة إلى يافع» (٢٧ ، ٢٩).


«بستان العجائب» للسّيّد محمّد بن سقّاف بن الشّيخ أبي بكر بن سالم.

وفيه مخالفة لما سبق في المكلّا عن سبب اتّصال الكساديّ بالمكلّا ، ولبعض ما في «الأصل» ، إلّا أنّه خلاف يسير ، لا يضرّ بأصل الخبر ، بل يتيسّر الجمع للنّاظر بينهما بأدنى تأمّل.

ومن (يهر) رئيس الحضارم بالسومال الإيطاليّ الحاجّ محمّد عبادي بن عاطف بن عبيد بن جبران الأرّجانيّ ، وفي «إكليل الهمدانيّ» : أنّ ذا يهر أحد أذواء حمير ، وهو ابن الحارث بن سعد بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة بن سبأ الأصغر ، وفيه يقول أسعد بن تبّع [من المتقارب] :

وقد كان ذو يهر في الأمو

ر يأمر من شاء لا يؤمر

وقصر ذي يهر على بعض يوم من صنعاء بموضع في بيت حنبص ، وهو قصر جاهليّ يسكنه في عهدنا أبو نصر الحنبصيّ نسبة إليه ، وهو من أوعية العلم ، وفيه يقول بعض أهل عصره [من الطّويل] :

لعمرك ما الكلبيّ إن عدّ علمه

وعلم جبير والإمام أبي بكر

ودغفل في شجّيرة وابن شرية

بأعرف فيما حاولوا من أبي نصر

وهو محمّد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن محمّد بن وهب بن شرحبيل بن عريب بن زيد بن وهب بن يعفر بن زيد بن شمر بن شرحبيل بن أشمر بن زرعة بن شرحبيل بن وهب بن نوف بن يعفر بن الحارث بن شرح بن يعفر ذي يهر. اه باختصار لفظ

ومنه تعرف أنّ الشّناظير ليسوا من يافع أنفسهم ، ولكن قد آختهم.

وقد انقسمت لبعوس في تريم وأرباضها إلى فرق متعدّدة ، أقواهم آل غرامة ، ورئيسهم سالم بن غرامة صاحب حصن الدّكين الواقع في شرقيّ دمّون ، وكان ابن أخيه عبد الله عوض غرامة ينازعه ، ولمّا مات في حدود سنة (١٢٢٦ ه‍) .. صفا لعبد الله الجوّ ، وكان شهما شجاعا ، لا يملأ الهول صدره قبل موقعه ، ولا يضيق به ذرعا إذا


وقع ، ولا يقتضي حاجاته من حملة السّلاح إلّا بالسّيف ، وقد قال المتنبّي [في «العكبريّ» ٤ / ١٦٠ من البسيط] :

من اقتضى بسوى الهنديّ حاجته

أجاب كلّ سؤال عن هل بلم (١)

وكان ينكر بطبعه غلوّ القبوريّين فوافقته آراء الوهّابيّة ، وأكثر التّعلّق بوحيد عصره ، وفريد دهره ، مقدّم الجماعة ، وشيخ الصّناعة ، الّذي انتهت إليه رياسة العلم بتريم ، العلّامة الجليل السّيّد أبي بكر بن عبد الله الهندوان (٢) ، المتوفّى بتريم سنة (١٢٤٨ ه‍) ، وقد اتّهمه العلويّون بأنّه هو الّذي يعلّم عبد الله عوض غرامة آراء الوهّابيّة ، ويحثّه على الإلزام بها ومؤاخذة النّاس بمقتضاها ، فتآمروا على قتله ، فهرب إلى بيت جبير ، ولم يقدر عبد الله غرامة على حمايته بتريم ؛ لأنّه لا يملكها كلّها.

وفي أيّامه كان وصول الوهّابيّة إلى تريم سنة (١٢٢٤ ه‍) ، بقيادة الأمير عليّ بن قملا ، فطوى بهم حضرموت ، ولم يفسد حرثا ولا أهلك نسلا ، وإنّما هدم القباب ، وسوّى القبور المشرفة ، وألقى القبض على المناصب آل عينات وآل تاربه وأهانهم ، وأتلف قليلا من الكتب كثّره بعض العلويّين ـ كصاحبنا الفاضل السّيّد عليّ بن عبد الرّحمن بن سهل ـ بدون مبرّر من الدّليل (٣) ، وأقاموا بتريم نحوا من أربعين يوما ، وعاهده عبد الله عوض غرامة وعبد الله بن أحمد بن يمانيّ على أن يكفّ الأذى عن بلاديهما على شرط أن يقوما بنشر دعوته الّتي لاقت هوى من نفوسهم ، وقبولا من خواطرهم.

ووجدت أيضا معاهدة بتاريخ سنة (١٢٢٢ ه‍) بين عليّ بن صالح بن ثابت ،

__________________

(١) المعنى ـ كما في «العكبريّ» ـ : من طلب حاجته بغير السّيف .. أجاب سائله عن قوله : هل أدركت حاجتك؟ بقوله : لم أدرك.

(٢) هو حفيد العلامة أحمد بن عمر الهندوان ، المتوفى سنة (١١٢٢ ه‍) ، أحد أقران الإمام الحداد ومن تربطهم به صحبة ومحبة.

(٣) ومثله جاء في بعض أعداد مجلة «الرابطة».


وعبد الله بن سلطان بن ثابت ، ومنصّر بن محمّد ، وناجي بن محمّد آل قملا ، وجعلا عبد الله بن سلطان أميرا من قبلهما على الكسر.

ووجدت أيضا معاهدة بينهما وآل العطّاس بحريضة وأمّرا من قبلهما عليها السّيّد عليّ بن أحمد العطّاس كما يروي جميع ذلك شيخنا العلّامة أحمد بن حسن العطّاس.

وكذلك توجد معاهدة بين آل قملا والسّادة آل المسيله.

وقال السّيّد علويّ بن أحمد بن حسن في مقدّمته ل «ديوان جدّه» : (وذكر الشّيخ عقيل بن دغمش أنّهم خرجوا إلى حضرموت ثلاث مرّات.

فالأولى : سنة (١٢١٨ ه‍) ، وردّهم جعفر بن عليّ لمّا ملك شبام.

والثانية : سنة (١٢٢٤ ه‍) ، وجرى منهم ما تقدّم في تريم ، وأخذوا نحوا من أربعين يوما ، ثمّ ساروا منها كلّهم.

والثّالثة : خرجوا سنة (١٢٢٦ ه‍) ، ووصلوا قريبا من شبام وفازوا بالقتل والانهزام ، ورجع منهم من رجع شذر مذر) اه

وقد سبقت الإشارة في تريس وغيرها إلى ميل الحبيب عبد الله بن حسين بلفقيه إلى بعض آراء الوهّابيّة ، ومن أدلّة ذلك : أنّه أثنى على قسم وأهلها بقصيدة استهلّها بقوله : (لنا بمغنى قسم أهل وإخوان) انتهى بها إلى مدح آل تميم عموما ، والمقدّم عبد الله بن أحمد خصوصا ، فقال [من البسيط] :

لا تنس أولاد روح هم قبائلها

قد هدّمت للأعادي منهم اركان

فابن يمانيّهم رأس الأسود له

في الحرب صيت وفي الإحسان عنوان

كم من فتى منهم عند اللّقا فرح

كأنّ أعداه إذ يغشاهم ضان

كم كسّروا للأعادي منهم قمما

حتّى غدا حدّهم بالأمن ملآن

جيرانهم في محلّ العزّ عندهم

كأنّهم في ربوع القوم ضيفان

أقول حقّا بأنّ الله ناصرهم

لأنّهم لأهيل البيت أعوان

وفي سنة (١٢٢٩ ه‍) أرسل الأمير عبد الله عوض غرامة ثلّة من جنده للتّحرّش بأهل المسيله فلم يجرؤوا ، وعند انصرافهم التقوا بجماعة من السّادة عسكر الحبيب


طاهر ، إمّا مصادفة ، وإمّا طمعوا فيهم لمّا رأوهم انقلبوا بدون طائل ، ومعهم العلّامة السّيّد سالم بن أبي بكر عيديد ، فانهزم السّادة بمجرّد ما سمعوا إطلاق الرّصاص ، مع أنّ جند غرامة لم يتعمّدوا إصابتهم ، وإنّما أرادوا كفّهم وتخويفهم ، فانهزموا هزيمة فاحشة ، حتّى لقد سقط إزار أحدهم فهرب عريانا! فقالت إحدى شواعر تريم :

إذا اقبلوا يافع المثقلين

تقعون ساده حتّى حزمكم تلين

أخبرني بهذا الثّقة الثّبت السّيّد أحمد بن عمر بن عوض الشّاطريّ ، عن جدّه لأمّه شيخنا ابن شهاب. ولم يتبعهم جند عبد الله عوض ، غير أنّ رصاصة أصابت السّيّد سالم عيديد (١) فسقط ميّتا مع البارود ، وفي اليوم الثّاني أرسل إليهم الأمير عبد الله عوض بتعزية يقول فيها : (إنّنا لا نريد ذلك ولا نحبّه ، وإنّما كان قتله على غير اختيار منّا ، لكنّ شؤم أعمالكم ، والتفاتكم إلى غير الله ، وعبادتكم للأموات والقبور .. هو الّذي جرّ عليكم المصائب ، وسيجرّ عليكم ما هو أعظم) اه

ويقال : إنّ هذه المكاتبة كانت من إنشاء إمام تريم لذلك العهد ـ المتقدّم ذكره ـ السّيّد أبي بكر بن عبد الله الهندوان ، والله أعلم.

وحصلت من عبد الله عوض غرامة مساعدات ماليّة للأمير عليّ بن قملا كلّف بها الرّعايا ، حتّى لقد رأيت وثيقة فيها أنّ نوّاب وقف المحضار باعوا بئرين له ببيت جبير بثلاث مئة وعشرين ريالا على سبيل العهدة ، في دفع ضرر ابن قملا وعبد الله عوض عن مال المحضار ، وعليها إمضاء القاضي حسين بن علويّ مديحج (٢) ، وتاريخها سنة (١٢٦٣ ه‍) ، ولعلّه كان غلطا ؛ إذ تاريخ وصول ابن قملا إلى تريم إنّما كان سنة (١٢٢٤ ه‍) ، أو سنة (١٢٢٦ ه‍) على اختلاف القول في ذلك ، وأمّا سنة (١٢٦٣ ه‍) .. فبعد وفاة عبد الله غرامة بمدّة ، ما لم يكونوا استدانوا ذلك القدر ثمّ لم تسنح الفرصة للتّعهّد إلّا بعد ، وفيه فائدتان :

__________________

(١) كان موته صريعا في محرم (١٢٢٩ ه‍) ، وقد كان عالما عاملا ذكيا نبيها وليا صالحا.

(٢) هو السيد حسين بن علوي بن عبد الله بن سالم عقيل مديحج ، كان سيدا فاضلا فقيها ، تولى القضاء بتريم ، توفي بها في صفر (١٢٦٨ ه‍).


الأولى : التّوسّع ببيع الموقوف ، إلّا أنّه قد يجاب بأنّ الأصل في أموال المساجد الملك.

والثّانية : بيعه عهدة والأغلب أنّها إنّما تكون بدون ثمن المثل ، وهو ممتنع في مال المسجد ، وقد صرّحوا بامتناع بيع مال المحجور عهدة مطلقا ، والمسجد مثله ففي هذا الصنيع فسحة وتسامح.

ولعبد الله عوض أخبار عجيبة ذكرنا منها نتفا ب «الأصل» ؛ ومنها : أنّ بعض أعيان السّادة ركب إلى زيارة نبيّ الله هود عليه السّلام ، وبينا هو خارج من تريم وأمامه خشارة (١) من الحاكة ومن لفّهم يرتجزون بمثل قولهم : يا شيخنا يا محضار .. إذ غضب غرامة واستلّ سيفه ليغمده بطلى زعيم الحاكة وانتصب لمساورته بعض السّادة آل ابن إبراهيم ، لو لا أنّ شيخ مشايخنا ـ وهو الحبيب عبد الله بن حسين بلفقيه ـ تدارك الأمر وقال لهم : (قولوا : سبحان من لا يفنى ولا يزول ملكه) ، فارتجزوا بها ، فسرّ عبد الله غرامة وقال : (أستغفر الله) وهي كلمته الّتي يوشّح بها كلامه ، ولا يزال الأكرة يتغنّون بها إلى اليوم.

وبه ذكرت قول العلّامة ابن حجر : (فائدة : أحدث المؤذّنون الصّلاة والسّلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عقب الأذان للفرائض ، ما عدا الصّبح والجمعة ؛ فإنّهم يقدّمون ذلك فيهما على الأذان ، وإلّا المغرب ، لضيق وقتها ، وسببه : أنّ الحاكم (٢) لمّا قتل .. أمرت أخته المؤذّنين أن يقولوا في حقّ ولده : السّلام على الإمام الطّاهر ، ثمّ استمرّ السّلام بعده على الخلفاء حتّى أبطله صلاح الدّين ، وجعل محلّه الصّلاة والسّلام عليه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فجزاه الله خيرا ، ونعمّا

__________________

(١) الخشارة : الرّديء من كلّ شيء ، والمقصود هنا غوغاء النّاس.

(٢) هو السلطان العبيدي الحاكم بأمر نفسه ، فرعون زمانه ، الذي جعل الناس يسجدون له ويسبحون بحمده من دون الله .. مات لعنه الله سنة (٤١١ ه‍) ، واسمه منصور بن نزار. ينظر : «الأعلام» (٧ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦)


فعل. وقد أفتى مشايخنا وغيرهم بأنّ الأصل سنّة ، والكيفيّة بدعة ، وهو ظاهر) اه بنوع اختصار

ولا يبعد عنه ما كان من عمر بن عبد العزيز من إبداله ما اعتاده بنو أميّة بآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) إلى آخرها.

وكان عبد الله غرامة شديدا على الأعداء ، ليّن العريكة للضّعفاء ، سهل الجانب لهم ، وله أصحاب من الحاكة والأراذل يتنادرون عليه كأنّه أحدهم ، وهو يجرّئهم على نفسه ليأنس بهم ، وتسقط كلفة التّحفّظ فيما بينهم ، فهو :

ممقر مرّ على أعدائه

ولدى الأدنين حلو كالعسل (١)

عاش وسيفه يقطر مهجا ، ويسيل دما ، من آل تميم وغيرهم من حملة السّلاح ، وكان لا يأخذ صلحا فيمن يقتله من آل تميم قطّ ، توفّي بتريم سنة (١٢٥٥ ه‍) بعد أن خبط الزّمان خبطا ، وضبط الرّجال ضبطا ، وكان كما قال بشّار [في «ديوانه» ١٤٥ ـ ١٤٦ من المتقارب] :

فتى لا يبيت على دمنة

ولا يشرب الماء إلّا بدم

يحبّ العطاء وسفك الدّما

فيغدو على نعم أو نقم

وتلقّى راية مجده باليمين ولده عبد القويّ وهو في إبّان البلوغ ، فكان كما قالت الخنساء [في «ديوانها» ٧١ من المتقارب] :

طويل النّجاد رفيع العما

د ساد عشيرته أمردا

وكما قال الرّضيّ [في «ديوانه» ١ / ٤٦٤ من البسيط] :

متيّم بالعلا والمجد يألفه

وما مشى في نواحي خدّه الشّعر

وقد برز به على قول المتنبّي [في «العكبريّ» ٢ / ٨ من الطّويل] :

أرى القمر ابن الشّمس قد لبس العلا

رويدك حتّى يلبس الشّعر الخدّ

__________________

(١) البيت من الرّمل ، وهو للبيد في «ديوانه» (١٣٣). ممقر : شديد المرارة.


وقد ذكرنا في «الأصل» أنّ بعض أعدائه ألقى زاملا بين يديه ، منه قوله :

منّي سلام الفين يا عبد القوي

يا شيخ يافع يا عريض السّاعدين

وهو مثل قول السّيّد الحميريّ يمدح قاتل طلحة بن عبيد الله [من الكامل] :

واعترّ طلحة عند مشتجر القنا

عبل الذّراع شديد أصل المنكب

ثمّ إنّي بعد أن افتتنت زمانا ببيت الشّريف الرّضيّ السّابق .. عرفت أنّه نظر فيه إلى قول أبي عبادة [في «ديوانه» ٢ / ٣٠٨ من البسيط] :

وللفتى مهلة في الحبّ واسعة

ما لم يمت في نواحي خدّه الشّعر

وفي سنة (١٢٦١ ه‍) اشترى آل عبد الله الكثيريّون ناصفة الخليف من آل همّام اليافعيّين بنحو من ألفي ريال ، وأدخلوا إليه بعض عبيدهم ، وبقوا هم وإيّاهم على التّناصف بالتّصافي.

وفي سنة (١٢٦٢ ه‍) باع عبد القويّ غرامة على آل عبد الله ناصفة ما تحت يده بتريم ، وتمّت الصّفقة بالمسيله بمحضر العلّامة عبد الله بن عمر بن يحيى ، والسّيّد الجواد حسين بن عبد الرّحمن بن سهل ، على نحو أربعة آلاف ريال فرانصة ـ أو ستّة آلاف ، لا نحفظ تحقيق ذلك (١) ـ وعلى أن تكون الماليّة كلّها في أيدي آل عبد الله ، بشرط أن يدفعوا لعبد القويّ ثمانية ريالات يوميّا إزاء دخل النّاصفة الباقية له.

ولمّا دخل آل عبد الله في رمضان من نفس السّنة .. عظم الأمر على عبد القويّ ؛ لأنّهم دخلوها على غير الصّفة المشروطة بينهم من امتناع المظاهرات والزّوامل ، وبعد المراجعات والأخذ والرّدّ .. أذكى عليهم نار الحرب ، وكان عبود بن سالم يضمر الغدر لعبد القويّ ، فركب إلى الجهات القبليّة في شعبان قبل أن يدخلوا إلى تريم أصلا ، وأقبل في ربيع الأوّل من سنة (١٢٦٣ ه‍) بنحو ألفين والحرب قائمة ، فكثروا عبد القويّ وضايقوه ، ولكنّه ثبت ثبات الرّواسي ، ثمّ تواضعوا قريبا ممّا تمّ الأمر عليه

__________________

(١) الذي في «العدة» (١ / ٣٤١) : أنها (٤٠٠٠) أربعة آلاف ريال فرانصة.


أوّلا ، وأراد السّيّد حسين بن سهل تأطيد الصّلح ، فسعى ليمثّل حال خالد بن يزيد مع رملة بنت الزّبير حتّى صهر الأمير عبود بن سالم إلى آل غرامة ، فاقترن بأخت عبد القويّ (١) ، وجرت أمور طويلة عريضة مستوفاة ب «الأصل» ، ولكنّ سكنى تريم لم تطب لنفس عبد القويّ وأصحابه اللبعوسيّين ؛ إذ كانت تلك الأسرة لذلك العهد حقيقة بقول المعريّ [من البسيط] :

كانت تضمّ رجالا بين أعينهم

معاطس لم تذلّل عزّها الخطم (٢)

فبارح تريما إلى المكلّا ، وأودع بعض سلاحه من العلوق الغوالي السّابق ذكر وقوعها للبعوس ، مع اقتسام يافع بلاد حضرموت عند زعيم آل عامر الكثيريّين محمّد بن عزّان بن عبدات ، فلم يردّها عليه ؛ لنفاستها.

وتتابع بعد عبد القويّ غرامة جلاء آل لبعوس من تريم إلى عند آل الظّبي بسيئون ، وهكذا قضي على دولة غرامة ، وسبحان من لا يدوم إلّا ملكه (٣).

ودولة تريم اليوم للسّلطان عبد الله بن محسن بن غالب وأخيه السّلطان محمّد ، حسبما مرّ في سيئون.

والحكومة الإنكليزيّة تحاولهم على الاعتراف بقيادة السّلطنة لأمير سيئون لتتوحّد الدّولة الكثيريّة مع بقاء حقّهم من الاستقلال في حدودهم ، وهم من ذلك في شماس شديد ، ولكنّه لا يستغرب أن يعود إلى المياسرة.

وقولنا : إنّ آل همّام يافعيّون .. هو المشهور ، ولا ينافيه ما يوجد في كلام الحبيب علويّ بن أحمد الحدّاد ممّا يوهم خلافه ؛ كقوله : إنّ بين عسكر تريم آل همّام ويافع كلّ من لقي خادم أحد قبضه ؛ لأنّ بعض البيوت قد يختصّ بالاسم ؛ مثل آل السّقّاف.

__________________

(١) في «العدة» (١ / ٣٤٤) : أنه بنى بابنة عبد القوي.

(٢) الخطم ـ جمع خطام ـ : كالزّمام ، وهو هنا كناية على أنّهم لا يخضعون ولا يذلّون لأحد ؛ كما أنّ الحيوان أو الفرس الوحشيّ الّذي لا يقبل الزّمام لا يخضع لأحد.

(٣) لمعرفة المزيد من تفاصيل هذه الأخبار .. ينظر : «العدة» (١ / ٣٤١ ـ ٣٥٤).


المسنّده

وما وراءها إلى عينات

إذا خرج الخارج من تريم وذهب شرقا .. فأوّل ما يكون عن يمينه : المسنده ، وإليها تنسب الحرب التّميميّة الكثيريّة ، فيقال : (حرب المسنّدة) ، ومن حديثها بالاختصار :

أنّه لمّا استقرّ عبود بن سالم في تريم .. طمع في مثاوي آل تميم ، وكان يتوهّم سهولة إخضاعهم ؛ لما كان يسمع به من غطرسة عبد الله عوض غرامة عليهم واحتمالهم إيّاها ، ولمّا قرع النّبع بالنّبع .. أبت عيدانه أن تكسر ، ودامت الحرب بينهم سبع سنين ـ وقد سبق في سيئون أنّ السّلطان غالب بن محسن قدم من الهند إلى تاربه غرّة جمادى الثّانية من سنة (١٢٧٢ ه‍) ، وبقيت تلك الفتنة إلى سنة (١٢٧٤ ه‍) ، حيث انعقد الصّلح لمدّة سبع سنين على شروط ؛ منها : أن يدفع السّلطان غالب بن محسن عشرة آلاف ريال فرانصة (١) غرامة الحرب للمقدّم أحمد بن عبد الله بن يمانيّ قائد رئاسة آل تميم.

وحدّدت بينهم يومئذ الحدود ، ومن ذلك اليوم تحرّر آل تميم ، وامتدّ سلطان المقدّم من شرقيّ تريم إلى ما وراء قبر نبيّ الله هود عليه السّلام ، وتمرّن آل تميم على الحرب والضّرب ، ونجّذهم عليها اختلاطهم بيافع ؛ فكثيرا ما يهزّ آل كثير بالحملة في تلك الفتنة على آل تميم فينهزمون ، ولكن متى حضر عندهم آل الظّبي من سيئون فهزّوا عليهم بالحملة سمعوا صليل سيوف آل الظّبي عند سلّها .. أحجموا وقالوا : إنّ في المكان غير أهله.

ولبس التّميميّون من بعد ذلك جلود النّمور ، وعادوا أبطالا لا يهابون الموت ،

__________________

(١) الريالات الفرانصة التي كان الناس يتعاملون بها آنذاك هي ريالات نمساوية من الفضة الخالصة ، ويسميها البعض قروش فرانصة ، وهي المضروبة باسم القدّيسة المسيحية ماريا تيريزا ، راهبة عاشت في النمسا ـ فيينّا ـ في العصور الوسطى ، وقد انتهى عهد التعامل بها في حضرموت في وقت ليس بالبعيد.


ولا تتخاذل أرجلهم عند الصّوت ، وصار أكثر أهل تريم تحت رحمة آل تميم ؛ لأنّ أكثر أموالهم (١) تحت سيطرتهم ، وكانوا يأخذون منها الشّيء الكثير ، حتّى تواضعوا هم وإيّاهم بواسطة السّيّد حسين بن حامد المحضار وزير القعيطيّ على الخمس ، وكتبت بينهم الوثائق بذلك.

ولمّا انبسط نفوذ آل عبد الله بواسطة الحكومة الإنكليزيّة وساعدهم القعيطيّ (٢) .. منعوا آل تميم من ذلك الرّسم ، وحرّرت في ذلك فتوى من الشّيخ فضل بن عبد الله عرفان ، وصادق عليها الجمّاء الغفير ، وكنت ممّن صادق عليها عن غير تروّ ولا يزال ذلك مشكلا عليّ ؛ لأنّني إذا رأيت ما جاء في غير موضع من «مجموع الأجداد» : (أنّ رجلا بيده نخل يقاسم آخر في ثمرته سنين ، ثمّ امتنع بالآخرة وقال : لا أعطيك شيئا من ثمرته إذ لا حقّ لك فيها ولا في النّخل ، فأقام المدّعي بيّنة بأنّه يقاسمه سنينا عديدة على الرّبع مثلا .. كان القول قول صاحب النّخل بيمينه ، وإقامة البيّنة من المدّعي بمجرّد المقاسمة غير مسموعة ، فلا يحكم له بشيء من النّخل ولا من ثمرته) اه بمعناه.

ويؤيّده ما في فقه السّادة الزّيديّة من أنّ الحقّ لا يثبت بالبيّنة باليد كما في (ص ١٣٥ ج ٤) من «شرح الأزهار» ، ويزيده قوّة قول جدّي علّامة وادي الأحقاف علويّ بن سقّاف : (وليس لشارح (٣) ولا لحرّاث ولا لمفخّط (٤) يد).

إذا رأيت مثل هذا .. سكن خاطري ، ولكن يختلجني الشّكّ إذا رأيت قول «التّحفة» في (زكاة النّبات) [٣ / ٢٤٣] : (وصرّح أئمّتنا بأنّ النّواحي الّتي يؤخذ الخراج من أراضيها ولا يعلم أصله .. يحكم بجواز أخذه ؛ لأنّ الظّاهر أنّه بحقّ). ونحوه في (البيع). ونحوه قولها في مبحث (أحكام الذّمّة) : (والأراضي الّتي

__________________

(١) المقصود بالمال هنا : الأحجال والأراضي الزراعية ـ الجروب ـ وما أشبهها.

(٢) وذلك في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري.

(٣) الشّارح : الحافظ الّذي يحفظ الزّرع.

(٤) المفخّط ـ الملقّح : وهو الذي يقوم بتأبير النخل وتلقيحها بيده.


عليها خراج لا يعرف أصله .. يحكم بحلّ أخذه ؛ لاحتمال أنّه وضع بحقّ).

وما جاء في «النّهاية» و «فتاوى ابن حجر» من قولهما : (إنّه لا يجوز لمالك جدار هدمه وفيه كوّة ينزل منها الضّوء إلى دار جاره ؛ لاحتمال أنّ فتحها كان له بحقّ) اه .. فإنّها كالصّريح في خلاف الأوّل ، لا سيّما وقد رأيت في بعض الوثائق القديمة أنّها مشتراة من باب السّلطنة ، فدلّ ذلك على أنّه خراج سلطانيّ يباع ويشترى.

وفي «بستان العجائب» للسّيّد محمّد بن سقّاف ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم أنّه : (كان لآل بن يحيى مال بالعجز ، ساوم فيه الحبيب شيخ بن أحمد ، فقالت له الشّريفة علويّة بنت الشّيخ عليّ بن أحمد : يا عمّ شيخ ، لا تشتر مال الدّيوان لآل أحمد بن عليّ.

قال : إنّه مال واسع رخيص الثّمن. قالت له : لا تطفىء نورنا بنار الدّيوان. فترك ذلك ولم يشتره) اه

وفيه قيام الشّبهة مع اطّراد العادة ببيعه وشرائه.

فإن قيل : هلّا يكون ما اشتهر من انبناء اليد على الشّراحة (١) كافيا في عدم اعتبار ترتّب اليد؟ قلت : غاية ما يمكن من ذلك الاشتهار بالتّرك أن يكون بمثابة الخبر الصّحيح ، وقد صرّح ابن حجر بأنّه لا يرفع اليد الّتي لا يعرف أصلها ما لم يكن معه إقرار أو بيّنة ، وقد بسطت القول على هذا في المسألتين (١٤١٨) و (١٤٧٤) من «صوب الرّكام».

ثمّ رأيت الكبسيّ نقل في «تاريخه» عن كلّ من الخزرجيّ والجنديّ : أنّ طغتكين بن أيوب لمّا استولى على اليمن .. دعته نفسه إلى شراء أرضهم بأسرها ، وأمر المثمّنين أن يثمّنوها لتكون الأرض كلّها للحكومة بعد دفع ثمنها ، ومن أراد حرث شيء منها .. فليصل إلى الدّيوان ، وليستأجر من وكلاء الحكومة ، ولكن عاجلته المنيّة دون تنفيذ ذلك باليمن ، ومعلوم أنّه وصل إلى حضرموت.

__________________

(١) جاء في هامش المخطوط : (لعل سيّدي مفتي حضرموت لم يبلغه أنّ هؤلاء مقرّين بالحقّ لأهل المال ، وإنّما الّذي يأخذونه من المال هو مجرّد حقّ الشّراحة).


وأنّ موته لم يكن إلّا بعد رجوعه عنها ، فلعلّه قد نفّذ فيها هذه الفكرة ؛ لأنّ أهلها عبيد من غلبهم من غيرهم ، فلن يمتنعوا من شيء ، تصداق قول مروان بن أبي حفصة يخاطب معنا [في «ديوانه» ٧٥ من الطّويل] :

وطئت خدود الحضرميّين وطأة

بها ما بنو من عزّة قد تضعضعا

فأقعوا على الأستاه إقعاء معشر

يرون اتّباع الذّلّ أولى وأنفعا

فلو مدّت الأيدي إلى الحرب كلّها

لكفّوا وما مدّوا إلى الحرب إصبعا

وأخرى : وهي أنّ النّجير وخبايه وأعمالهما فتحتا عنوة ، فيأتي فيهما ما يأتي في سواد العراق (١).

ومن وراء المسنّده إلى الشّرق : خبايه

وفيها كانت رياض القطا ، بشهادة قول ياقوت [٣ / ١٠٩] : (والرّياض علم لأرض باليمن ، كانت بها واقعة للبيد بن زياد البياضيّ بردّة كندة أيّام أبي بكر رضي الله عنه).

وقال الشّاعر [من المتقارب] :

فما روضة من رياض القطا

ألمّ بها عارض ممطر

ومع هذا فقد تشكّك في [٣ / ٩٣ ـ ٩٤] في موضع روض القطا ، وذكر قول الأخطل [في «ديوانه» ٢٣٠ من الطّويل] :

وبالمعرسانيّات حلّ وأرزمت

بروض القطا منه مطافيل حفّل (٢)

__________________

(١) سواد العراق : هو رستاق العراق ، أي : قراه ومزارعه وضياعه التي فتحها المسلمون في عهد أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ، سمّي بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار لأنه تاخم جزيرة العرب التي لا زرع فيها ولا شجر ، كانوا إذا خرجوا من أرضهم .. ظهرت لهم خضرة الزروع والأشجار فيسمونه سوادا. وهو في العرف : من حديثة الموصل طولا إلى عبادان ، وعرضا : من العذيب بالقادسية إلى حلوان ، فيكون طوله : (١٦٠) فرسخا. وينظر : «معجم البلدان» مادة (سواد) ليعلم كم كان المسلمون يجبون من هذا السواد ، إذ بلغ في عهد أمير المؤمنين عمر إلى مئة وثمانية وعشرين مليون درهم.

(٢) المعرسانيّات : اسم موضع. أرزمت : حنّت. المطافيل : الظّباء القريبة العهد بالنّتاج. الحفّل : المجتمعة.


ولعلّه متعدّد في جهات كثيرة (١).

وفي خبايه جماعة من آل قصير ، ومن أخبارهم : أنّ اثنين من آل قصير وآل الجحيل ـ وهما ابنا مسعد بن عوض ـ وآخر من آل دحدح أهل خبايه ساروا إلى دمّون في طلب صلح من آل سلمه ، وأخذوا معهم ولدا صغيرا جدّا من سوق تريم ، ولمّا انتهوا إلى دمّون .. طلبوا منهم الصّلح في قتيل عندهم لآل سلمه طفل ، فقال آل سلمه : سنتشاور ، فقال لهم أحد آل قصير : باتشاورون نساكم. فغضبوا وقتلوا آل قصير ، فبعث آل مرساف إلى حيمد سعيّد دلّال تريم : هل يلزمهم عار من وجود طفلهم مع آل قصير. فلم يكن إلّا إرسال ثلاث سود لهم ، فحطّوا على آل سلمه ودخلوا الفجير ، فأحاط بهم آل سلمه ، فركبوا اللّيل وأخذوا على آل عبد الشّيخ بالمسيله ، وأقاموا بها سبع سنين والحرب قائمة بينهم وبين آل سلمه ، وقتل فيها نحو من أربعين ما بين قبائل ومساكين.

ومن المشهور : أنّ السّيول لا تفيض عنها وإن كثرت ، ومن أمثال العامّة : (ماء خباية فيها ولا يكفيها) ، وبعضهم يحمله على القلّة ، وآخرون يقولون : إنّ بها أرصادا تمنع ذلك ، وليس بأغرب ممّا ذكرناه في مواضعه عن سدبه والقارة واللّسك.

النّجير

هو من وراء خبايه شرقا. وفي «صفة جزيرة العرب» [١٦٩] لابن الحائك ما يوهم قربه من القطن ، وليس بصحيح. وعدّه في موضع منها [٣٢٢] في محافد اليمن ـ أي : قصورها المشهورة ـ وعدّه منها في الجزء الثّامن (ص ٩٠) من «الإكليل» وقال : (إنّه لبني معد يكرب من كندة) اه

وكأنّه إنّما أخذه من فيئة الأشعث بن قيس بن معد يكرب الكنديّ إليه في حادثته المشهورة.

__________________

(١) خبايه : يوجد موضع بنفس الاسم قريب من شبام ، كان به مال للإمام أحمد بن عمر بن سميط ، وكان به منزل صغير كان يسكنه في الصيف ، وقد اندثر الآن ولم يبق منه سوى آثار لأساساته.


وفيه [٨ / ٩٠ ـ ٩١] : أنّ آل نشق بن بكيل كانوا بروثان (١) بين الجوف ومأرب ، ثمّ تحوّل ـ يعني روثان ـ إلى من بعدهم ، وقال أحدهم [من الطّويل] :

كأن لم يكن روثان في الدّهر مسكنا

ومجتمعا من ذي الجراب ويمجد

ففرّقهم ريب المنون وأصبحوا

قرى حضرموت ساكنين وسردد (٢)

وفيه شاهد قويّ لكثرة السّاقطين من همدان إلى حضرموت في القديم فضلا عن الحديث.

وقد مرّ في المقدّمة قول أبي دهبل [من مجزوء الكامل] :

أعرفت رسما بالنّجي

ر عفا لزينب أو لساره

لعزيزة من حضرمو

ت على محيّاها النّضاره

وقال ميمون بن قيس الأعشى [في «ديوانه» ١٠٠ ـ ١٠١ من الطّويل] :

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

وبتّ كما بات السّليم مسهّدا (٣)

وما ذاك من عشق النّساء وإنّما

تناسيت قبل اليوم خلّة مهددا (٤)

ولكن أرى الدّهر الّذي هو خائن

إذا أصلحت كفّاي عاد فأفسدا

كهولا وشبّانا فقدت وثروة

فلله هذا الدّهر كيف تردّدا

وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع

وليدا وكهلا حين شبت وأمردا

وأبتذل العيس المراقيل تغتلي

مسافة ما بين (النّجير) و (صرخدا) (٥)

وقال عليّ بن هوذة يذكر من ارتدّ من العرب [من المتقارب] :

ولسنا بأكفر من عامر

ولا غطفان ولا من أسد (٦)

__________________

(١) روثان : مدينة قديمة العمارة كانت قائمة في الغائط بين الجوف ومأرب ، وهي اليوم خرائب وأطلال.

(٢) إلى هنا ينتهي كلام «الإكليل» ، وسردد : واد شهير بتهامة ، شمالي الحديدة.

(٣) السّليم : الّذي لدغته أفعى. وسمّي بذلك تفاؤلا ؛ كما سمّيت الصّحراء : مفازة.

(٤) خلّة : صحبة. مهدد : اسم امرأة.

(٥) العيس المراقيل : النّوق الكريمة. النجير وصرخد : موضعان.

(٦) الأبيات في «معجم البلدان» (٢ / ١٦٩).


ولا من سليم وألفافها

ولا من تميم وأهل (الجند)

ولا ذي الخمار ولا قومه

ولا أشعث العرب لو لا النّكد

ولا من عرانين من وائل

بسوق (النّجير) وسوق النّقد

وقال كثيّر يصف غيثا [في «ديوانه» ١٢٨ من الطّويل] :

وطبّق من نحو النّجير كأنّه

بأليل لمّا خلّف النّخل ذامر (١)

الجرب

بكسر الجيم وفتح الرّاء (٢) ، مكان واسع ، كانت به قرية جرت فيها الحادثة المشهورة سنة (٩٥٨ ه‍) ، وهي : أنّ بدر بن عبد الله بوطويرق حصر فيها خمس مئة من عبيد آل يمانيّ ثمّ قتلهم عن بكرة أبيهم ، حسبما في «الأصل».

وفي «مجموع كلام الحبيب عمر بن حسن الحدّاد» أنّه : (كان يطلع منها سبعون من العلويّين على سبعين حمارا كلّ ليلة يصلّون العصر في مسجد باعلويّ).

روغه

هي قرية صغيرة من وراء الجرب إلى شرق. قال في «شمس الظّهيرة» [٢ / ٤٨٧] عند ذكر السّيّد عقيل بن محمّد ابن أحمد بن محمّد جمل اللّيل بن حسن المعلّم (٣) : (هو السّخيّ العالم المشهور ، صاحب مسجد روغه ، المتوفّى بها ، المقبور بتريم

__________________

(١) في «الديوان» : (النّجيل) بدل (النّجير). أليل : اسم موضع.

(٢) ضبط الجرب هكذا غريب ، لمخالفته عرف أهل حضرموت ، والجرب عندهم معروف وهو بفتح الجيم وسكون الراء. بل كذلك ضبطه بافقيه في «تاريخه» ، والعيدروس في «النور السافر» كلاهما في حوادث سنة (٩٥٨ ه‍).

(٣) سقط اسم عبد الله بين محمد جمل الليل وحفيده أحمد ، والاسم تاما .. هكذا : عقيل بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد جمل الليل .. إلخ.


سنة (١٠٠٩ ه‍) ، عقبه بروغه ؛ منهم : العلّامة الفاضل محمّد الباقر (١) بن عمر بن عقيل المذكور ، توفّي سنة «١٠٨٩ ه‍».

وجاء في ترجمة الإمام الجليل محمّد (٢) جمل اللّيل بن حسن المعلّم : (أنّ له مسجدا بروغة (٣) ، وهو الّذي يبعد عنها في شرقيّها قليلا ، وهو من المساجد المشهورة بإجابة الدّعاء).

ومن أهل روغه : السّيّد الفاضل الصّالح الكبير علويّ بن عليّ الهندوان (٤) ، له عبادة وأوراد وأذكار ، وللنّاس فيه اعتقاد جميل ، وهو واسع الفناء ، رحب الفضاء ، جميل الطّبائع ، كريم الصّنائع ، ثمال الأيتام ، ومجمع الكرام ، له بروغه مسجد جميل ، وله بوالدي اتّصال أكيد ، وإخاء صادق ، وكان كثير الدّعاء لي ، جمّ الاعتناء بي ، وكان يبشّر والدي بمستقبل جميل لي بشائر عظيمة ، وهو من أهل الفراسة الصّادقة ، والأنظار الصّائبة ، فأرجو أن يحقّق الله ذلك. توفّي ودفن بتريم سنة (١٣٣٥ ه‍).

ومن وراء روغه : مشطه وكودة آل عوض.

__________________

(١) محمد الباقر. ولد سنة (١٠٢٦ ه‍) ، وتوفي سنة (١٠٨٩ ه‍) ، مترجم في «المشرع» ، و «عقد الجواهر» ، وهو من أقران الشلي وأصدقائه ، وتزوج عنده الإمام الحداد ، وأعقب من ابنته ولده السيد علوي.

(٢) السيد الجليل ، الشهير بالشيبة ، وبصاحب روغه ، من العارفين الأكابر ، ولد بتريم سنة (٧٥٠ ه‍) ، وتوفي بها سنة (٨٤٥ ه‍) ، له مناقب فخيمة. ترجمته في : «المشرع» ، و «الغرر» ، و «الجوهر الشفاف» ، و «شرح العينية».

(٣) وكان يكثر العبادة والصلاة فيه ، ومن هنا أطلق عليه لقب : جمل الليل.

(٤) هو السيد الشريف الجليل القدر علوي بن علي بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن عبد الله بن عمر الهندوان .. إلخ.

ولد بروغه سنة (١٢٦٩ ه‍) ، وقرأ القرآن الكريم وأتقنه موهبة من الله بدون أخذ عن شيخ ، كان صاحب جاه وكرم ، وله سعي في الإصلاح بين القبائل وتسكين الفتن ، وكانت وفاته في (٢) شعبان (١٣٣٥ ه‍) ، وأثنى عليه في «شمس الظهيرة». وكان له أخ يكبره يسمّى : أبا بكر ، توفي قبله سنة (١٣٣٢ ه‍) ، وكان يعظم أخاه المترجم غاية. أخذ عنه المؤلف ، والسيد محمد بن حسن عيديد ، والسيد سالم بن حفيظ .. وترجما له في «ثبتيهما».


أمّا مشطه : ففيها جماعة من ذرّيّة السّيّد أبي بكر (١) بن عيدروس بن الحسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم.

قال في «شمس الظّهيرة» [١ / ٢٩٥] : (ومنهم الآن عبد الله (٢) بن أبي بكر ، شريف فاضل عابد) اه

ومنهم : السّيّد سالم بن حفيظ بن عبد الله بن أبي بكر (٣) ، عالم فاضل ، له اعتناء بتحصيل الفوائد واقتناص الشّوارد ، من فضله عليّ أنّه جمع من رسائل والدي المفيدة ما دخل في ستّة مجلّدات ، وهو الّذي جمع فتاوى الشّيخ أبي بكر بن أحمد الخطيب ، كما سبق عند ذكره في تريم.

وقد تمنّيت أن لو ذكره شيخنا العلّامة المشهور في «شمس الظّهيرة» ؛ لأنّه عرضة ذلك ، وله به اختصاص كثير ، وقد صهر إليه على بنت ابنه (٤) ، غير أنّ الأستاذ لا يحبّ المحاباة ، وكأنّه ظنّ في ذكره شيئا من الهراء الّتي ينكرها طبعه ، فتحاماه مع الاستحقاق ، ولو ذكره .. لكان ثاني اثنين على قيد الحياة ممّن جاء ذكرهم في «شمس الظّهيرة» ، أحدهم : السّيّد أحمد بن حسن الكاف السّابق ذكره في الهجرين.

والسّيّد سالم بن حفيظ هذا أحد من صادق على جواب الشّيخ عمر بن عثمان بن محمّد باعثمان الّذي كتبه سنة (١٣٢٠ ه‍) في صالح السّلطان عمر بن عوض القعيطيّ ضدّ أبناء أخيه.

__________________

(١) توفي السيد أبو بكر بعينات سنة (١٠٨٤ ه‍).

(٢) هو السيد عبد الله بن عيدروس بن عمر (الثاني) ابن عيدروس بن عمر (الأول) ابن أبي بكر بن عيدروس بن الحسين .. إلخ ، وابنه السيد حفيظ ولد سنة (١٢٦٢ ه‍) ، وتوفي (١٣٤٠ ه‍).

والسيد عبد الله هذا هو الجد الأدنى للسيد الحبيب سالم بن حفيظ بن عبد الله الذي سيترجم له المصنف.

(٣) ولد الحبيب سالم ببلدة بندواسة بجاوة سنة (١٢٨٨ ه‍) ، وتوفي بمشطة في (٢٩) رجب (١٣٧٩ ه‍) ، وسيرته وترجمته تطول ؛ إذ كان من أعيان السادة في وقته ، وله مشيخة كبيرة ، وله يعود الفضل في تدوين تراجم الكثير من علماء حضرموت وربطهم بمن تقدمهم.

(٤) هي الشريفة نور بنت علي بن عبد الرحمن المشهور ، والدة السيد محمد بن سالم بن حفيظ.


وله ولد نبيه ذكيّ داع إلى الله ، اسمه محمّد بن سالم (١) ، طلب للقضاء فرغب عنه ، وقبل أن يكون مساعدا للقاضي ، خارجا عن التّبعة.

وأمّا كودة آل عوض : فلآل عوض بن عبد الله بن مرساف (٢) وفيها كانت أكبر حوادث المسندة ، حسبما فصّل ب «الأصل».

ومن سكّانها : الشّيخ سعد بن أحمد بن عبد الله الصّبّان باغريب (٣) ، له رياضات وعلم بأسرار الأسماء والحروف والأوفاق ، توفّي سنة (١٣١٩ ه‍).

وفي سباخ مشطه قريبا من مسجد السّيّد محمّد بن حسن جمل اللّيل الواقع بوادي روغه .. اعتزل السّيّد أبو بكر (٤) بن عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن أبي بكر بن عليّ بن عمر بن حسن ابن الشّيخ عليّ بن أبي بكر ، وكان من كبار العلويّين ، زهد في الدّنيا وأهلها ، وانجمع عن النّاس في ذلك المكان ، وكان يصلّي الجمعة بتريم ، يطلع إليها ماشيا وقد جاوز السّبعين سنة ، وله خطّ حسن ، كتب بيده جملة من الكتب ، وطريقته شاذليّة ، ويحفظ كتب ابن عطاء الله. توفّي سنة (١٢٣١ ه‍) ، ودفن بتريم اه من «النّور المزهر شرح قصيدة مدهر» للسّيّد أحمد الجنيد.

ومن وراء مشطه والكوده : قوز آل مرساف.

__________________

(١) العلامة الفقيه المحقق مفتي حضرموت ، الشهيد السعيد ، ولد بمشطه سنة (١٣٣٢ ه‍) ، ونشأ في حجر والده ، طلب العلم وجد واجتهد ، له مشيخة كبيرة ومقامه في الدعوة إلى الله شهير ، اختطفته أيدي الملاحدة الشيوعيين في عام (١٣٩١ ه‍) ، ولم يدر عن خبره بعدها.

(٢) من قبائل آل تميم.

(٣) ولد الشيخ سعد في ربيع الأول سنة (١٢٣٥ ه‍) بسيئون ، وانتقل إلى الكودة سنة (١٢٥٤ ه‍) بأمر من شيخه الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر لتعليم الناس ولتولي عقود الأنكحة وقسمة التركات وكتابة الوثائق. وأقام خطيبا في جامع مشطه لمدة (٤٣) سنة ، أخذ عنه جماعة ؛ منهم : السيد سالم بن حفيظ ، قرأ عليه بعض المختصرات في مسجد جمل الليل بروغه وغيرها ، والسيد محمد بن حسن عيديد ، وترجماه في «ثبتيهما» ، توفي في (٢٧) ذي القعدة (١٣١٩ ه‍) ، وصلى عليه السيد عمر بن عيدروس العيدروس.

(٤) وهو الملقب بابن حسن ، كان صالحا شريفا زاهدا ، توفي وهو يكتب بخطه قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) مذكور في «عقد اليواقيت».


ثمّ : باعطير ، وهي قرية لا بأس بها ، يخاف سكّانها من الموت ، ويغضبون من ذكره ، ومتى أراد الذّاهبون إلى نبيّ الله هود إغضابهم .. حملوا رداء على هيئة الجنازة فيكادون يقاتلون.

وما أعرف سبب ذلك حتّى أخبرني رمضان سالم بسريّ من قسم بأنّ أهل مشطه ونواحيها يشاركونهم في الغضب من ذلك بسبب أنّه مات على أحدهم بعير ، فصلّوا عليه صلاة الجنازة.

وقال : إنّ جماعة حضروا بشعب هود عليه السّلام أحدهم : السّيّد عبد الله بن محمّد بن عقيل بن مطهّر من قسم ، والثّاني : السّيّد عليّ بن سالم من عينات ، والثّالث : السّيّد سالم بن حفيظ من مشطة ، والرّابع : السّيّد عبد الرّحمن بن محمّد المشهور من تريم ، والخامس : من سيئون ، والسّادس : أحمد بن زين بن عقيل بن سالم ، وتواضعوا على مدارسة ختمة على شرط أن لا يغيب أحد عن الحضور ، ولمّا انتهوا إلى قوله تعالى في سورة البقرة : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) .. أشاروا إلى الأوّل ؛ لأنّه لقب بلادهم.

ولمّا وصلوا منها إلى قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ) .. ضحكوا على الثّاني ؛ لأنّ لقب عينات : صفاه.

ولمّا قرؤوا الأعراف وجاء قوله : (يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) .. سخروا من صاحب سيئون ؛ لأنّ لقبهم الجرّ.

ولمّا انتهوا إلى قوله تعالى في سورة يوسف : (وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ) .. ضحكوا على السّيّد سالم بن حفيظ.

وعند تلاوة قوله تعالى من النحل : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ) .. تنادروا على مفتي حضرموت لأنّ لقب تريم هو خيله كما سبق فيها.

ولمّا وصلوا إلى قوله تعالى في (يس) : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) .. جاءت نوبة السّادس ؛ لأنّ لقب القرية منكوسة ، وهو منها.


ومن وراء باعطير : أنف الجبل المسمّى بالسّويحليّ.

ومن خلفه : عينات. وأمّا عن يسار الذّاهب من تريم إلى المشرق .. فأوّل ما يكون :

دمّون (١)

وهي مساكن آل سلمه ، وهي قبيلة جلّها من آل تميم كانت لهم خشونة ، ولهم ولها ذكر كثير في الحروب الواقعة بين آل كثير ويافع وآل تميم في المسنّدة وغيرها.

وإنّما قلنا : (جلّها من آل تميم) ؛ لأنّ المسموع أنّهم نزّاع من قبائل شتّى ، رغّبهم العلّامة الجليل السّيّد عليّ بن شيخ بن شهاب السابق ذكره أوائل الجزء الأوّل من «الأصل» في سكنى دمّون لحمايتها ، وكان أكثر دمّون ملكا للسّيّد عليّ المذكور ؛ بشهادة الوثائق الكثيرة الشاهدة بانتقال الأملاك عنه وعن ورثته ، وكان عالما جليل القدر ، ترجم له السّيّد أحمد الجنيد ، توفيّ بالشّحر سنة (١٢٠٣ ه‍).

ومن أهل دمّون السّيّد أحمد بن محمّد بن عبد الله بن حسين بن محمّد بن شهاب ، نجع إلى جاوة ، وجمع ثروة طائلة ، حتّى كانت له قرية في جانب بتاوي تسمّى : (مينتيغ) ، وهو الّذي أعان السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ على الرّباط بأربعة عشر ألفا من الرّبّيّات ، وله غرائب ؛ منها :

أنّه قدم من سنغافورة بكمّيّة وافرة من الأفيون ، ولمّا وصل به ميناء بتاوي وهو ممنوع .. أشاع بأنّه ميّت ، فتوارد الأعيان له وشيّعوه ، ولمّا كان اللّيل .. نبشه ، وخلفه ولده عليّ ، وله مؤلّف ذكر فيه ثلاثة من العلويّين ، وهم : المهاجر أحمد بن عيسى ، وعليّ بن علويّ خالع قسم ، والفقيه المقدّم ، وسمّاهم الأبطال الثّلاثة ، غير أنّه ـ كما قيل ـ حافل بالأخطاء.

وكان له ولد سمّاه عبد المطّلب ، وأرسله إلى تركيا ، فتخرّج في مدارسها ، ولمّا

__________________

(١) وهي غير دمون التي سبق ذكرها في الهجرين والمعنية بشعر امرىء القيس .. كما سبق التنبيه عليه ثمة.


عاد .. جعل إليه أمر مينتيغ ، فهتك الأستار ، وضرب الأبشار ، وسار فيها سيرة متكبّر جبّار ، ولمّا زاد تجرّؤه وقتل واحدا .. رفعت عليه دعوى ، وحكم عليه بالإعدام ، فدافع عنه أبوه ، ورهن تلك القرية ، وخلّصه ، ولما خاف أن يغلق الرّهن .. باعها وعمل بما بقي تجارة رأس عليها عبد المطّلب ، فأضاعها ، ثمّ توفّي عليّ بن أحمد قريبا.

وله ولد يسمّى ضياء ، له أدب ولطف وشهامة ، ومات عبد المطّلب وقد دخلت الآن تلك القرية في بتاوي لاتّساع العمارة ، وارتفع ثمنها ارتفاعا هائلا.

وكان في وادي دمّون (١) عيون جارية ، تسقي كثيرا من المزارع والنّخيل والبساتين ، فشملها ما كان من تعدّي معن بن زائدة بسكرها (٢).

وكان الشّيخ عبد الكبير باحميد يتعبّد في هذا الوادي ، وأنبط الله له عينا (٣) تجري على الأرض باقية إلى اليوم ، إلّا أنّها لا تصل إلى المزارع ولا إلى قريب منها ، وإنّما ينتفع بالشّرب منها المنتجعون إذا أجدبت نجودهم ، وتسقي نخيلات بقربها. وماؤها وشل (٤) يتقاطر من شقّي حجرة واحدة ، يخرج أحدهما حارّا والآخر باردا ، ولكنّ المشاهدة الآن لا تصدّقه ، مع أنّه جاء في حوادث سنة (٦١٧ ه‍) من «تاريخ شنبل» أنّ عبد العظيم باحميد أنبط غيل دمّون وزرع عليه ، وقد ذكر سيّدي أحمد بن حسن الحدّاد بفوائده في دمّون هذه ما قيل في دمّون الهجرين ، فإمّا أن يكون انتقال فكر ، وإمّا أن يكون السّبب في التّسمية واحدا.

__________________

(١) وادي دمّون : واد واسع مفرّع ، به من النخيل المصطفة والأراضي الزراعية الواسعة الطيبة ما يروق للعين. وهو يشكل مع وادي عيديد ما يمكن أن يعبر عنه بالجناحين لمدينة تريم ، ويقع في الجهة النجدية (الشمالية) لها ، بينما عيديد في الجهة البحرية (الجنوبية) الغربية منها ، كما تقدم.

وفي «بغية من تمنى» مزيد تفصيل وإيضاح ، ينظر (١ ـ ١١).

(٢) أي : إغلاقها وطمسها. وفي «أدوار التاريخ» (١ / ١٤١ ـ ١٤٢) ، و «الحامد» (١ / ٢١٥ ـ ٢٢٠) ذكر لبعض أفاعيله .. فلتنظر منهما.

(٣) أنبط له عينا : أخرجها له.

(٤) وشل : قليل يتقاطر.


وفي جنوبها إلى شرقها :

الفجير ، وهو بيوت قليلة ، حواليها مزارع ومغارس نخيل (١).

والسّبير : وهو مصيف القطب الحدّاد ، وبه وجوده (٢) ، وكان العيدروس الأكبر ينتابه ، بل قيل : إنّه موضع وجوده أيضا (٣).

ثمّ : حصن دكين (٤) ، وهو ثغر دمّون ، وقد سبق ذكره في أخبار آل غرامة.

ورأيت في بعض المذكّرات أنّ عبد الله عوض غرامة هجم على هذا الحصن في سنة (١٢٢٤ ه‍) ، وأخذه من عمّه سالم.

ثمّ الغويضه (٥) ، لآل باشعيب ، وسيأتي ذكرهم مع ما يناسبه في الواسطة.

ومن وراء الغويضة : حصن بلغيث.

ثمّ : الحجيل ، فيه نخل كثير ، وإليه الإشارة بقول شيخنا ابن شهاب فيما يعرضه على معشوقه ليرضى بوصاله من قصيدة حمينيّة :

رحيلة في الحجيل

البرك في خير مغرس

وبه يظلّ آل تريم مرجعهم من زيارة هود عليه السّلام ، ثمّ لا يدخلون إلّا بالعشيّ في زفّ عظيم.

__________________

(١) وبها مسجد للسادة آل الوهط (ذرية السيد عمر ابن الشيخ الإمام علي السكران) لا زال قائما بأساساته وجدرانه قبليّ ديار الفجير ، وهذه الفجير غير التي تقدمت في ضواحي سيئون ، والفجير هذه بني فيها مسجد الحبيب عبد الرحمن القاضي بن أحمد شهاب الدين الأخير ، وهو الذي تقام فيه الجمعة حاليا.

«بغية من تمنى» (٦).

(٢) وموضع مولد الإمام لا زال معروفا إلى اليوم ، يقال له (الحد ـ الأحد).

(٣) في «بغية من تمنى» (٤ ـ ٥) كلام هام حول هذه المنطقة .. فلينظر منه.

(٤) يقول القاضي المشهور عن بير الدّكين أنها : (تقع قريبا من بير السوم القريبة من مسجد بروم) ..

وقال : (بير الدكين ، المعروفة والمعمورة بالزراعة والنخيل ، وقد كانت مشحونة بالسكان كما بلغنا) اه (ص ٦).

(٥) وسمّاها القاضي المشهور بالغويطة ، ولعل الاسم تحرف على العامة. وذكر أن بها مسجدا قديما يقال له : مسجد النور ، وكان يسكنها آل باشعيب قديما ، ولا يوجد لهم أثر بها اليوم. «البغية» (٦).


ثمّ : الفرط. ثمّ : وادي جرمان (١).

ثمّ : قاهر ، قرية آل عبد الشّيخ ، وهم قبيلة كريمة من آل تميم ، ولكن جرت بينهم في الأخير دويهيّة تصفرّ منها الأنامل ؛ وذلك أنّ ناصر بن سالم أحد آل سلمه أخذ حملين من الحطب لآل الكاف في أيّام فتنة بين آل سلمه وآل تريم ، وكان الجمّال يحمل سكّينا من سالم بن عبود بصفة الخفارة ، فلم يبال بها ناصر بن سالم ، فلم يكن من آل عبد الشّيخ إلّا أن صعدوا الجبل الّذي يطلّ على آل سلمه وأصبحوا يطلقون عليهم الرّصاص حتّى حجز بينهم آل تميم على شرط أن يردّوا الحطب ويدفعوا بندقيّة عربونا في الخفارة ، فسوّيت المسألة ، وانحسم العار في أعرافهم.

وصادف أن وصل السّيّد حسين بن حامد المحضار إلى عينات ، واستدعى آل تميم ، فحضروا ، ولمّا نهض ناصر بن سالم راجعا إلى دمّون .. تبعه سالم بن عبود ، ولمّا فصلا عن عينات .. هتف به سالم وذكّره بصنيعه ، فتساورا للقتال ، ولكن كان سالم أسبق باستعداده بحشو بندقيّته من قبل ، بخلاف ناصر ، فما كان إلّا آمنا مطمئنّا ، فسقط يتشحّط في دمه ، وأراد سالم أن يملأ ماضغيه عند أصحابه الّذين لم يزالوا يلسعونه بقارص الكلام.

ومع غضب السّيّد حسين بن حامد من هذا الصّنيع الّذي يمسّ بشرفه وشرف حكومته ، فلو لا وجوده .. لما انعقد بينهم صلح أبدا ، ولكنّه أجبرهم عليه ـ وفي آل سلمه طواعية وحياء ـ فأطلبوه وبذلك انتفخ سالم بن عبود ، ولكنّها ضربة بناقة وضربة بطعنة.

ففي سنة (١٣٦٢ ه‍) ورد سالم بن عبود بن عبد الشّيخ هذا إلى قسم ، وبمعيّته السّيّد عبد الله بن إبراهيم بن علويّ السّقّاف الملقّب : بن سحاق ؛ لقبح في منظرته ، وكان ممنوعا من دخول قسم لوحشة بينه وبين المقدّم عبد بن عليّ بن أحمد بن

__________________

(١) وجرمان جبل مذكور ضمن حدود تريم (الأسوار). وهو على طريق الذاهب من تريم إلى عينات وقسم ، وبأعلاه حصن بلغيث الذي ذكره المؤلف آنفا. ولا زال هذا الحصن قائما إلى الآن بجدرانه ، وهو أحد ثغور تريم أيام يافع. «بغية من تمنى» (١٦).


يمانيّ ، فلم يكن من ابن يمانيّ إلّا أن أمر بن سحاق بمغادرة قسم في الحال ، فرأى سالم أنّ شرفه مسّ بذلك فحقدها ، حتّى مرّت سيّارة فيها المقدّم وإخوانه يخفرهم أحد آل عبد الشّيخ ، فأطلق سالم الرّصاص عليهم فأردى السّائق وواحدا من آل يمانيّ ، ولكنّه استشعر الخوف من خال أولاده وهو محمّد بن عليّ بن عبد الشّيخ ، فأفرخ روعه (١) ، وطيّب خاطره ، ثمّ لم يشعر سالم بن عبود إلّا والرّصاص ينهال عليه من دار محمّد بن عليّ بدون أن يصيبوه ، ولكنّه لمّا خفّ لأخذ بندقيّته من موضع مكشوف .. أهلكوه ، ثمّ حصروا ولده ، ولكنّه ثبت حتّى قالوا له : إنّ المسألة انتهت ، كان لآل يمانيّ قتيل فثأروا به ، وانجلى به العار أيضا عن ابن عبد الشّيخ الّذي خفرهم ، وما بقي إلّا أن تخرج معنا إلى عينات وننادي في سوقها بانفصال القضيّة وأنّ دماءنا بعد اليوم واحدة.

فقال : لا يطمئنّ قلبي إلّا إن تعهّد لي خال إخواني محمّد بن عليّ بن عبد الشّيخ.

فتعهّد له وأعطاه وجهه ، فاطمأنّ إليه وخرج من داره ، وسار هو وإيّاه وآل عبد الشّيخ وبعض آل يمانيّ ، ولمّا كانوا في أثناء الطّريق .. قال لهم محمّد بن عليّ : دونكم صاحبكم ، فكتّفوه وأطلق عليه أحد آل يمانيّ ـ وهو ابن سالم بن أحمد ـ الرّصاص ، فخرّ صريع الغدر والخيانة ـ فقبّحها الله ـ وكان الأولى إغفال هذه القبيحة ، ولكنّ الغدر يؤلم قلبي ، ويحرق جوفي ، وقد قال أبو الطّيّب المتنبّي [في «العكبريّ» ٤ / ١٥٢ من الوافر]

إذا أتت الإساءة من لئيم

ولم ألم المسيء فمن ألوم؟

ولو كان هذا الصّنيع قبيل اليوم بخمسين عاما .. لما طمع محمّد بن عليّ أن يشرب ماء ، أو يجلس مجلسا ، أو يقعد على فراش أحد ، ولو قعد على فراش من لم يعلم ثمّ شعر بعد .. لكان ممّا يوجبه عليه عرفهم أن يحرقه ، فرحمة الله على أهل الوفاء ، ولعنة الله على أهل الخيانة.

__________________

(١) أفرخ روعه : أذهب فزعه.


اللّسك

هي من القرى القديمة ، وقد كاد يهجر اسمها ؛ إذ صار النّاس لا يطلقون عليها إلّا لفظ : (القرية) فقط (١).

وفي جبلها مدفن عبّاد بن بشر الصّحابيّ (٢) ، على بحث فيه استوفيته ب «الأصل».

يسكنها جماعة من ذرّيّة السّيّد محمّد بن عقيل بن سالم ، قال في «شمس الظّهيرة» [١ / ٢٣٤] : (ومنهم الآن ـ يعني سنة «١٣٠٧ ه‍» ـ : السّيّد العابد زين بن صالح (٣) ، وجماعة من ذرّيّة السّيّد زين بن عقيل بن سالم ، ومنهم : آل علويّ بن عبد الرّحمن (٤) بالقطيعات منها).

ومنهم السّيّد عبّاس بن علويّ بن عبد الرّحيم بن سالم بن عبد القادر بن عبد الله بن عمر بن عقيل بن زين بن عقيل بن زين بن عقيل بن سالم ، يسكن الآن ـ كآبائه ـ بالمدينة المشرّفة ، وهو ملجأ العلويّين ، بل وغيرهم من الحضارم فيها ، وقد خنق الخمسين ، وإليه مشيخة العلويّين فيها كآبائه ، وأوّل من تولّاها بها منهم : السّيّد عبد القادر بن عبد الله بن عمر.

وكان لها شأن عظيم ، ولا سيّما في أيّام السلطانين عبد المجيد وابنه عبد الحميد ؛ إذ كانت عبارة عن دولة في باطن الدّولة ، ثمّ وهت أسبابها ، ولم يبق إلّا الاسم ، وأصابها ما أصاب المنصبة بحضرموت.

__________________

(١) وقد تضاف فيقال : قرية اللسك ، وفي بعض التعاليق أن اللسك هو اسم الجبل المطل على القرية ، وهو صريح ما جاء في «البرد النعيم» للشيخ محمد بن عبد الله الخطيب.

(٢) هو الصحابي عباد بن بشر الأوسي الأشهلي الأنصاري ، قتل في حضرموت ، وكان قدم صحبة زياد بن لبيد البياضي إلى تريم ، وتزوج بها عند آل باعيسى وحملت منه ، ثم ذهب إلى القرية لأخذ الزكاة من أهلها .. فامتنعوا وقاتلوه .. فقتل ، ثم دفن في كهف بجبل اللسك ، ولم يزل قبره معروفا إلى اليوم.

ومن أراد المزيد .. فعليه ب «البرد النعيم».

(٣) هو السيد الشريف العابد الصالح : زين بن صالح بن زين بن عمر ، من آل حفيظ بن محمد بن عقيل بن سالم ، مولده بالقرية سنة (١٢٣٧ ه‍) ، وبها وفاته سنة (١٣٠٩ ه‍).

(٤) وهم : آل علوي بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسين بن زين بن عقيل .. إلخ.


وكان السّيّد علويّ بن عبد الرّحيم حسن الأداء جميل القراءة ، وكان أحد أئمّة المسجد الحرام المدنيّ ، وعند نوبته في الجهريّة يحتشد النّاس ، وربّما أغشي على بعضهم من حسن أدائه ، ولذا طلبه السّلطان عبد الحميد العثمانيّ ليصلّي به التّراويح ففعل إحدى السنين ، وأراده أن يقيم عنده بما يتمنّاه ، فأبى إلّا الرجوع إلى المدينة المشرّفة ، وبها كانت وفاته سنة (١٣٤١ ه‍) عن تسعين ربيعا.

وفي حوادث سنة (٩١٠ ه‍) من «تاريخ شنبل» : أنّ السّيّد عبد الله بن عبد الرّحمن اللّسكيّ توفّي ذلك العام (١).

وكانت اللّسك قاعدة ملك آل جسّار (٢) ، ولها ذكر كثير في الحروب الّتي بين الصّبرات وآل أحمد وآل كثير ، ويأتي ذرو منه في الواسطة.

وفي الحكاية (١٥٥) من «الجوهر» ما يفهم منه أنّ دار محمّد بن أبي السّعود في اللّسك ، وهو ممّن عاصر الشّيخ عبد الله باعلويّ. وسبق في حريضة أنّ الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس كان ـ كآبائه ـ في اللّسك ، فانتقل بإشارة شيخه إلى حريضة.

وفي اللّسك جماعة من آل مرساف ؛ منهم آل قحطان الآتي ذكرهم في حصن العرّ.

عينات

من أشهر قرى حضرموت (٣) ، على نحو ثلث مرحلة من تريم. وأوّل من اختطّها آل كثير في سنة (٦٢٩ ه‍) (٤).

__________________

(١) هو الشريف عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الشيخ عبد الرحمن السقاف ، جد الشيخ أبي بكر بن سالم.

(٢) آل جسّار من بطون آل كثير ، كما هو صريح كلام شنبل في عدة مواضع من «تاريخه» ، وأقدم تاريخ ذكروا فيه .. سنة (٨٠١ ه‍) ، قتل فيها أحمد بن جسار الأحمدي ، وذكروا في حوادث سنة (٨١٢ ه‍).

فائدة : ذكر المقحفي في «معجمه» خمس أسر وعوائل عرفت بآل جسّار .. فلتنظر منه.

(٣) وهي شرقيّ تريم ، تبعد عنها مسافة (٨ كم) تقريبا.

(٤) وهذه هي عينات الجنوبية ، وهي القديمة ، تقع في وادي بوحه أو نوحه ، أما الجديدة .. فسيذكرها المؤلف رحمه الله تعالى.


وفي سنة (٧٨٧ ه‍) هجم آل الصّبرات على عينات وأخربوها (١) ، وقتلوا سبعة من آل كثير حواليها ، وساعدهم راصع على ذلك.

وفي سنة (٨١٧ ه‍) (٢) بنى آل كثير عينات ، ثمّ أخربها آل أحمد في تلك السّنة نفسها ، وقتلوا ثمانية : اثنين من آل كثير وخمسة عبيد ورام ، وكثيرا ما تقلّبت بها الأحوال ، وأضرّت بها الحروب الواقعة بين آل كثير وآل يمانيّ والصّبرات والغزّ ، حسبما فصّل بعضه في «الأصل» ، وقد اندثرت ولم يبق إلّا آثارها البالية ، هذه هي عينات القديمة.

وأمّا الجديدة : فأوّل من بنى بها ركن الإسلام ، وعلم الأعلام ، الشّيخ أبو بكر (٣) بن سالم بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن عبد الرّحمن السّقّاف ، المتوفّى بها سنة (٩٩٢ ه‍) ، وقد ترجمه الشّلّيّ في «المشرع» [٢ / ٥٨] و «السّنا الباهر» [حوادث ٩٩٢ ه‍] ، وأفرد مناقبه العلّامة ابن سراج وغيره بالتّأليف ، وهو بالحقيقة في غنى ـ بشهرته الّتي تغني ـ عن التّعريف.

تجاوز قدر المدح حتّى كأنّه

بأكبر ما يثنى عليه يعاب (٤)

وفي «الرّياض المؤنقة» للعلّامة السّيّد عليّ بن حسن العطّاس : (أنّ سيّدنا الشّيخ أبا بكر بن سالم ابتلي بعلّة البرص ، وأنّ تلميذه أحمد بن سهل بن إسحاق انتقده .. فأصابه الكثير من ذلك حتّى صار يقال له : هرّ اليمن) اه

ومن خطّ سيّدي عبد الرّحمن بن عليّ بن الأستاذ الحدّاد : (أنّ المتعلّق بالشّيخ مع البعد أحسن من الحاضر عنده ؛ لغلبة رؤية البشريّة على الحاضر ، وقد قال الشّيخ

__________________

(١) «شنبل» (١٤٦).

(٢) في المطبوع من «شنبل» (٨١٩ ه‍) (ص ١٦٣).

(٣) الإمام الجليل ، شيخ الإسلام ، الطود الأشمّ ، فخر الدنيا والدين .. مولده يوم السبت (٢٣) جمادى الأولى سنة (٩١٩ ه‍) ، ووفاته ليلة الأحد (٢٧) ذي الحجة سنة (٩٩٢ ه‍) أسس عينات الجديدة سنة (٩٤٦ ه‍) كما مال إليه بعض المؤرخين ، في سن مبكرة.

(٤) البيت من الطّويل ، وهو لأبي الطّيّب المتنبّي في «العكبريّ» (١ / ١٩٤).


أبو بكر بن سالم : لو سألت الله ـ أو قال ـ لو تشفّعت في أحد من الكفّار ولعيالي وأخدامي .. لرجوت الإجابة لأولئك الكفّار ؛ لأنّ المخامرة تذهب الاحترام) اه مختصرا

ولمّا مات .. وقع رداؤه على ابنه عمر المحضار (١).

ومن كلامه : (ما ابتلي أهل حضرموت إلّا بقدحهم في الشّيخ أبي بكر بن سالم ، وما شكّوا في ولايته إلّا لسوء حظّهم ، ولكنّه كفي شرّهم بالعطاء وبغيره ، وكلّ من شكّ في الشّيخ أبي بكر .. فهو اليوم يبغضني ويراني خصمه ، بل زادوا وطعنوا في العرض ، ولكنّنا نرثي لهم ، وندعو لهم) اه

وفيه فوائد ؛ منها : أنّ الاتّفاق لم ينعقد على فضل الشّيخ أبي بكر إلّا في الزّمان المتأخّر ، وإلّا .. فالنّاس كالنّاس ، ولا يزالون مختلفين.

توفّي بعينات سنة (٩٩٧ ه‍) ، وله أعقاب (٢) منتشرون بمرخة وبيحان ، وروضة بني إسرائيل ، وحبّان وخمور والهند ، وجاوة ودوعن وغيرها.

ومنهم : السّيّد حسين بن محمّد بن عليّ بن عمر المحضار ، وصل إلى مسورة أرض الرّصاص فاقترن بابنة السّلطان ، فأقطعه مكانا بمرخة يسمّى الهجر ، لا يزال إلى يومنا هذا ، والمحاضير فيه على استقلالهم.

وقد سبق في بالحاف وبير عليّ أنّ منصبهم في سنة (١٣٤٩ ه‍) أمضى على الوثيقة الّتي وقّع عليها أعيان تلك الجهات وسلاطينها بالسّمع والطّاعة لي وكفاني الله شرّ الفتن برأي مولانا الإمام يحيى حسبما تقدّم.

ومنهم آل درعان : السّيّد أحمد المحضار (٣) ، وأولاده : مساعد وسالم ، لهم

__________________

(١) تنبيه ضروري : الشيخ عمر المحضار هذا ابن الشيخ أبي بكر بن سالم هو جدّ كافة السادة آل المحضار المنتشرين في أنحاء المعمورة ، فهو جدهم الأعلى وإليه مرجعيتهم. وليس ينسب أحد منهم للشيخ عمر المحضار الكبير المتوفى سنة (٨١٣ ه‍) الذي هو ابن الشيخ عبد الرحمن السقاف ؛ إذ لم يعقب هذا سوى ابنته عائشة التي هي زوجة ابن أخيه عبد الله العيدروس ووالدة ابنه الشيخ الإمام أبي بكر العدني ، رحمهم الله أجمعين ونفعنا بهم.

(٢) عقبه من ابنه أبي بكر بن عمر ، العالم العامل الصالح ، المتوفى بعينات سنة (١٠٥٩).

(٣) من سكان أرض الرّصّاص ، وليسوا آل القويرة كما قد يتبادر لذهن القارىء ، ودرعان بلدة هناك ،


أخبار في النّجدة والشّجاعة تنفخ الأدمغة ، وتملأ الأفئدة.

ولهم خيل عتيقة ؛ منها : الكويخه ، لها خبر وعلم.

وللسّيّد أحمد بن درعان هذا وفادة إلى حضرموت ، ونزل بالقويرة على نسيبه الإمام أحمد بن محمّد المحضار ، وطال ثواؤه حتّى ملّ ، وسبب ذلك أنّه لا يمكن انصرافه إلّا بجائزة ، وفي عيش الإمام المحضار يبس إذ ذاك ، فلم يجد حيلة إلّا أن قال له : نريد إكرامك ، لكن ما لدينا شيء إلّا ثمانيه ريال عند غريم مماطل ، قال له : أعطني تحويلا عليه وسأخرجها من عينه ، فأحاله على صديق لا يزال عنده بالقويرة صباح مساء من آل بروم ، فلمّا أقبل على داره وهو بظهر الكويخة .. سرّ وظنّ معه خيرا ، ولمّا عرف باطن الأمر .. قال : لا شيء عندي للحبيب أحمد ، قال له : ما كان ليكذب ، وقد أخبرني بمطلك ، ولئن لم تدفعها .. لأوجرنّك سنان هذا الرّمح ، فخرج ليهرب ، ولكنّ ابن درعان قد أغلق السّدّة وأخذ المفتاح ، فصعد إلى سطح داره يصيح ، حتّى اجتمع الجيران ، فأشرف عليهم ابن درعان وقال : لا أخرج إلّا بالثمانية الريال بعد الغداء ، فعملوا له غداء ونقدوه المبلغ ، فتوجّه إلى عينات ، ثمّ عاد إلى القويرة ، ومنها ركب إلى مرخة.

ثمّ إنّ الشّيخ عمر المحضار عزم على حمل السّلاح لصدّ عوادي الظّلمة ، فلم يوافقه إخوانه ، فنزل برضى منهم (١) بأن يخلفه أخوه الحسين (٢).

__________________

وهذا اللقب مما يستدرك به على «المعجم اللطيف» للعلامة الشاطري رحمه الله.

(١) أبناء الشيخ أبي بكر بن سالم الذكور (١٣) ابنا ، مضى ذكر المحضار وسيأتي ذكر الحسين ، وبقيتهم : عبد الرحمن ، وجعفر ، وعبد الله الأكبر. هؤلاء الثلاثة لا عقب لهم. وسالم ، له ذرية قليلة ثم قرضوا. وشيخان ، له عقب برخية ووادي العين والهند وسورابايا. وعبد الله الأصغر.

وعلي ، توفي سنة (٩٨٢ ه‍) ، عقبه بالسواحل وسيحوت. والحسن ولد سنة (٩٦٨ ه‍) ، وتوفي (١٠٥٨ ه‍) ، وإليه ينسب آل بو فطيم. وأحمد ، توفي بالشحر سنة (١٠٢٠ ه‍) ، ابنه ناصر من شيوخ الإمام الحداد توفي سنة (١٠٨٢ ه‍) ، وعقبه من ابنه شيخ بالشحر. والحامد ، توفي بعينات سنة (١٠٣٠ ه‍). وصالح.

(٢) الحسين بن الشيخ أبي بكر ، إمام عصره ، وفريد دهره ، كان إماما عالما عاملا فقيها ، محييا للسنة مميتا للبدعة ، مولده بعينات ، وتربى ونشأ في حجر والده وتحت نظره ، وكانت وفاته بها في


أعزّ وأتقى ابني نزار بن يعرب

وأوثقهم عقدا بقول لسان (١)

وأوفاهم عهدا وأطولهم يدا

وأعلاهم فعلا بكلّ مكان

ترجمه الشّلّيّ في «المشرع» [٣ / ٢١٠ ـ ٢١٢] ووهم في قوله : (إنّه ولي الأمر بعد أبيه) ؛ لأنّه لم يله كما قدّمنا إلّا بعد أخيه.

وبعد أن تربّع على كرسيّ المنصبة .. حصل عليه أذى من آل كثير ، فسار إلى مكّة وأقام بها سبع سنين قدم في أثناءها رؤساء يافع إلى مكّة وكان حصل عليهم تعب من الزّيديّة ، فتأكّدت بينه وبينهم الألفة ، وتأطّدت قواعد الحلف ، ووعدوه إن نصرهم الله أن يأخذوا بيده ، وقد سبق القول بأنّهم وصلوا في أيّامه إلى حضرموت.

توفّي بعينات سنة (١٠٤٤ ه‍). ووقعت عمامته على ولده أحمد (٢) ، وقام بمقام أبيه أحسن قيام إلى أن توفّي ، فاجتمع رأي السّادة على تقديم ابنه سالم السّابق ذكره في الغيضة ، وكثرت الخيرات في أيّامه ، واتّسع جاهه ، وأكثره من أرض الظّاهر وجبل يافع ، وحصلت له أموال طائلة.

ثمّ إنّ الزّيديّة استولت على يافع فانقطع المدد منها ، ولمّا انتهى إليه عزم الزّيديّة على غزو حضرموت (٣) .. ارتحل إلى الحجاز ، فحجّ ثمّ استقرّ بالغيضة وسار معه بأهله ، وبعد أن أقام بالغيضة أحد عشر شهرا .. اجتوتها (٤) زوجته فاطمة بنت محمّد بن شيخ بن أحمد فأذن لها في الرّجوع إلى عينات مع ابنه عليّ بن سالم ، وتنازل

__________________

(١٠٤٤ ه‍) ، وهي السنة التي ولد فيها الإمام الحداد. وهو كوالده أعقب (١٣) ولدا. وغالب من ترجم لأبيه ترجم له ؛ لأنه كان أشهر أبنائه وأعظمهم جاها. ومما يذكر في مناقبه : حربه الشديدة على الدخان والمدخنين ، وكان يشنع على ذلك إلى الغاية وله أخبار كثيرة في هذا الصدد.

(١) البيتان من الطّويل.

(٢) أحمد بن الحسين ، توفي سنة (١٠٦١ ه‍) ، ترجم له في «المشرع» (٢ / ٢١٠) ، وكان الشلي قد زاره وعرفه. وخلف من البنين (١٠).

(٣) وذلك في حدود عام (١٠٧٠ ه‍).

(٤) أي : لم تطب لها السكنى بها.


له عن ولاية عينات ، وأباح له أمواله بحضرموت ، وكان يرسل له فوق ذلك بما يكفيه ، لكلف المنصبة (١).

وكانت له أراض واسعة من عينات إلى العرّ ترعى بها مواشيه ونعمه ، وكان يشرك السّادة آل الشّيخ أبي بكر فيما يصل إليه من الفتوح.

وبإثر انصراف الزّيديّة عن حضرموت .. أراده النّاس على الرّجوع إليها ، فلم يرض (٢).

وبعضهم يزعم أنّ الشّيخ عمر بامخرمة لحظه بطرف الغيب ، إذ يقول :

سلّم الأمر يا سالم وخلّ الحراره

خلّ ذا الكون يا بن احمد على الله مداره

عاد ربّ السّما يعطف علينا بغاره

يوم قالوا لنا الزّيدي تولّى (شهاره)

لأنّ شهارة حافّة معروفة بسيئون ، والأمر محتمل ؛ فإنّ للشّيخ عمر فراسات كثيرة صادقة ، ولكنّ شهارة من ثغور اليمن في غربيّ صنعاء استولى عليها إمام الزّيديّة في أيّام الشّيخ عمر بامخرمة (٣). توفّي الحبيب سالم بن أحمد بالغيضة سنة (١٠٧٧ ه‍) (٤).

وبإثر موته أحضر ولده عليّ سائر إخوانه وكتب للغائبين منهم ، وقال لهم : إنّني لا أقدر على القيام بأعباء المنصبة إلّا بأموال والدي ، وقد صارت لكم ، فخذوها وأقيموا من تحبّون. فقالوا له : بل أبحناها لك كما كان أباحها لك أبونا ، ولا تزد عمّا كنت تنفقه علينا في أيّامه.

وقد أدرك الحبيب عليّ بن سالم عاما من حياة جدّ أبيه الحسين ، وفي أيّامه عاد الظّاهر وجبل يافع لأهله بواسطة السّلطان معوضة بن سيف بن عفيف والسّلطان صالح بن أحمد بن هرهرة فدرّت الأموال عليه ، وقال لإخوانه : اقتسموا ما تركه

__________________

(١) أي : مؤنتها.

(٢) أخبار الحبيب سالم هذه من كتاب «بستان العجائب» (٤ ـ ١٤) (خ).

(٣) شهارة اليمن مدينة شهيرة في بلاد الأهنوم تقع شماليّ حجّة ، دخلها الأتراك سنة (٩٩٥ ه‍).

(٤) وجاء في «الفرائد الجوهرية» أن وفاته سنة (١٠٨٧ ه‍) ، وما ذكره المؤلف نقلا عن «بستان العجائب» ، والله أعلم بالصواب.


أبوكم ؛ فقد أغنانا الله عنه. وأبقى ما كان يجريه عليهم. توفّي سنة (١٠٩٦ ه‍) عن إحدى وخمسين سنة ، وكانت إقامته بالمنصبة ثمانية عشر عاما (١).

وخلفه ولده أحمد بن عليّ بن سالم بن أحمد بن الحسين ، فقام بالمنصبة وسنّه نحو العشرين ، وأعانه عليها السّيّد شيخ بن أحمد بن الحسين. توفّي أحمد هذا سنة (١١١١ ه‍) ، بعد أن مكث في المنصبة خمسة عشر عاما (٢).

وخلفه عليها ولده عليّ بن أحمد بن عليّ بن سالم ، واتّسع جاهه بسبب اتّساع نفوذ يافع في أيّامه ، حتّى لقد كان الشّعيب المشهور بحسن ماء ورده إقطاعا له (٣).

وكان شديد الورع والتّواضع ، وساء التّفاهم بينه وبين القطب الحدّاد بسبب واش من الطّغام (٤) قال له : إنّ الحدّاد يحاول منصبا مثل منصب جدّك الشّيخ أبي بكر بن سالم ، ويزعم أنّه أفضل منه.

فلم يكن من القطب الحدّاد إلّا أن ورده للترضية إلى عينات ، وبعد الإيناس قال له : إنّي سائلك : هل خزائن الله ملأى أم لا؟ فقال : بل ملأى.

قال له : وهل ينقصه أن يعطي أحدا مثل ما أعطى الشّيخ أبا بكر؟ فقال له : لا. فقال الحدّاد : إنّ الّذي أعطى الشّيخ أبا بكر يعطينا من الهداية ، ويعطيك ويعطي غيرنا مثل ما أعطاه.

فاعتبر السّيّد أحمد وجعل يلطّخ الحدّاد بزباد (٥) من وعاء كبير حتّى نفد وهو ذاهب عن شعوره. ثمّ كان يزور الحدّاد في كلّ أسبوع أو في كلّ شهر مع كثرة أشغاله وعظم منصبه ، ويستغرق سحابة اليوم في قراءة الكتب النّافعة عليه ، وفي أوّل قدمة قدمها

__________________

(١) أخبار الحبيب علي بن سالم في «بستان العجائب» (١٤ ـ ١٨).

(٢) «بستان العجائب» (١٨ ـ ٢٠) ، ويلقب الحبيب أحمد هذا بالمدفع ؛ لكثرة كراماته وصلاحه.

(٣) وكان جاهه واصلا إلى بلاد القبلة والظاهر وبيحان ، وردمان إلى قرب رداع.

(٤) الطّغام : أوغاد النّاس ، وذكر مؤلف «البستان» أنه من أحد الأخدام.

(٥) الزباد : طيب كالمسك ، غالي الثمن ، يستخرج من أوعية في بدن بعض السنانير المعروفة بهر الزباد ، ويكثر في بلاد الحبشة والصومال وشرق أفريقيا.


على الحدّاد قال ـ أعني الحدّاد ـ [من الوافر] :

جزاك الله عن ذا السّعي خيرا

ولكن جئت في الزّمن الأخير

وإليه الإشارة بقوله من الأخرى [في «ديوانه» ١٧٧ من الرّمل] :

زارني بعد الجفا ظبي النّجود

 ...

وفي كلام الحبيب أحمد بن عمر بن سميط ما يفيد أنّ صاحب القصّة مع القطب الحدّاد هو السّيّد محسن بن حسين ابن الشّيخ أبي بكر ، ولعلّ الكاتب وهم في ذلك ؛ لأنّ الصّواب هو ما ذكرناه.

والحبيب أحمد بن عليّ هذا هو الّذي كتب للسّلطان عمر صالح بن أحمد ابن الشّيخ عليّ هرهرة ليخرج إلى حضرموت لمّا كثرت بها المظالم والفوضويّة ، كذا في «بستان العجائب» [ص ٣١] للسّيّد محمّد بن سقّاف.

والّذي ب «الأصل» عن الشّيخ عليّ بن عبد الرّحيم ابن قاضي في ترجمته للسّيّد شيخ بن أحمد ما يصرّح بأنّه هو الّذي تولّى الأمر بعد أبيه ، وأنّه هو الّذي كتب ليافع مساعدة لبدر بن محمّد المردوف على عمر بن جعفر ، وأنّه توفّي سنة (١١١٩ ه‍) وأنّ أخاه عليّا إنّما تولّى بعده ، وهذا هو الأثبت (١).

ثمّ إنّي اطّلعت بعد هذا على «رحلة عمر بن صالح» ، وفيها ما حاصله : (كان نهوضنا إلى حضرموت في أوّل شهر القعدة سنة (١١١٧ ه‍) ، كتب إلينا مولانا وسيّدنا وصاحب أمرنا قطب الحقيقة والطّريقة ، الشّيخ الحبيب : عليّ بن أحمد بن عليّ بن سالم بن أحمد بن الحسين بن الشّيخ أبي بكر بن سالم أن نخرج إلى حضرموت ؛ لأنّ السّلطان عمر بن جعفر طغى وبغى ، وعظّم شعائر الزّيديّة ، واستولى على الشّحر ، وهرب السّلطان عيسى بن بدر إلى عينات ، فهجم عليه بها هو

__________________

(١) والذي في «هدية الزمن» للعبدلي ، و «تاريخ الدولة الكثيرية» (٨٩) وما بعدها .. يؤيد ما ورد في «بستان العجائب» .. فلا معنى بعد هذا لما قاله ابن قاضي ، ولا سيما إذا قرأنا نص «رحلة ابن هرهرة» الآتي هنا.


ومن معه من الزّيديّة ، وأخذه منها قهرا ، واستولى على حضرموت كلّها ، وأرسل بعيسى بن بدر إلى عند الإمام ، ثمّ انكفأ على آل همّام ويافع الّذين بالشّحر وحضرموت ، فأخرجهم من القلاع ، وسلّمها للزّيديّة ، واستهان بالسّادة ، فعند ذلك عزمنا) ... ثمّ استاق (الرّحلة) إلى آخرها.

توفّي الحبيب عليّ بن أحمد بعينات سنة (١١٤٢ ه‍) (١).

وخلفه على المنصبة ابنه أحمد بن عليّ بن أحمد ، وكان مضيافا يذبح كلّ يوم ستّا من الأغنام ، سوى ما يذبحه للواردين ، وله ولوع شديد بالقنص ، وكان كريما شفيقا ، حتّى لقد غضبت عليه زوجته أمّ أكبر أولاده بنت آل يحيى من زواجه بغيرها ، وأبت أن تعود إلّا بمئة دينار ، ولمّا حصّلها .. آذنهم فعملوا ضيافة عامّة دعوا إليها أهل عينات أجمعين ، فبينا هو ذاهب إليهم .. سمع امرأة تقول من حيث لا تراه : نحن جائعون عارون ولا عيد لي ولا لأيتامي ، وأحمد بن عليّ بايدفع لبنت آل يحيى مئة دينار!!

فظهر عليها ورماها بالصّرّة ، وقال لها : حلال لك حرام على بنت آل يحيى.

فامتنعت من قبولها لعلمها بالمهمّة ، فلم يأخذها منها ، وبعث لآل يحيى بالاعتذار ، فعظم الأمر عليهم وأخبروا بنتهم ، فقالت : إنّي لأعلم أنّه لا يخلف وعدا ، ولا يبيت على جنابة ، ولا يأكل إلّا مع ضيف ، ولن يتأخّر إلّا لمهمّ. وبحثت عن الواقع حتّى عرفته ، فذهبت هي وأولادها إليه ، فكاد يجنّ جنونه من الفرح ؛ لأنّه بها مغرم ، وشكرته على صنيعه ، وقالت له : إن لم تزر .. زرناك.

وقد ترجمه الجنيد في «النّور المزهر» توفّي سنة (١١٧٧ ه‍) ، وفي «شمس الظّهيرة» أنّ وفاته كانت في السّجود وهو يصلّي الظّهر (٢).

__________________

(١) أخبار الحبيب علي بن أحمد في «البستان» (٢٠ ـ ٣٨).

(٢) ترجمته الواسعة المستفيضة في «بستان العجائب» (٣٨ ـ ٧٦) ، وذكر أن وفاته ليلة الإثنين سلخ جمادى الأولى سنة (١١٧٧ ه‍) ، توفي بعد أن صلى سنة العشاء القبلية ثم أمر المؤذن أن يقيم الصلاة فأقام ثم جلس وهلل وخرجت روحه. وفي «تراجم الشجرة» : أنه توفي ساجدا في صلاة الظهر. والله أعلم.


وفي كلام سيّدي الأستاذ الّذي جمعه والدي : (أنّ سبب وفاته أنّ سبخة لسعته في جبهته وهو يصلّي الظّهر فمات).

وفيه أيضا : (أنّ العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن أحمد باوزير كان يتحرّج عن طعامه حتّى جاء الحبيب طاهر بن محمّد بن هاشم فأخبره بما في نفسه ، فقال له : إنّه صاحب الوقت ، له الحقّ في أموال المسلمين) اه

وخلفه ولده سالم بن أحمد بن عليّ بن أحمد بن عليّ بن سالم بن أحمد بن الحسين ، وكان أبيض السّريرة ، لا يعرف شيئا من أمر الدّنيا ، وهو الّذي وصلت مواساة صاحب المغرب لسادات حضرموت في أيّامه (١) ، واختلفت الرّواية :

فالّذي قاله السّيّد محمّد بن سقّاف أنّه رضي بأكياس الدّراهم الحريريّة المزركشة بالفضة قياضا عمّا له ولأسرته منها.

والّذي قال غيره : أنّه أراد الاستئثار بجميعها ، فما زالوا به حتّى اقتنع بالأكياس زيادة عن نصيبه مثل النّاس.

وفي أيّامه طلبت يافع بتريم مواساة من أهلها فثقلت عليهم ، فذهب أحد آل شاميّ

__________________

(١) ما سمّاه المؤلف : (مواساة) .. سمّاه العلامة علوي بن طاهر (مال الفيء) ولمعرفة المزيد من خبر (مال الفيء) وخلاصة هذا الخبر : أن أمير المؤمنين الشريف محمد بن أمير المؤمنين الشريف عبد الله بن مولاي إسماعيل العلوي الحسني سلطان المغرب ، المولود سنة (١١٣٤ ه‍) ، والمتوفى سنة (١٢٠٤ ه‍) ، أرسل مالا جزيلا إلى الحرمين الشريفين ليفرق على السادة الأشراف ، وهو مما أخذه من نصارى الدنيمارك ونصارى بلنسيان ، وكان فرض عليهم جزية (٥٠) قنطارا عن كل سنة.

وكان قدر ذلك المال (٥٠٠٠) خمسة آلاف سبيكة ذهبا ، كل سبيكة وزنها مئة دينار .. كان نصيب أشراف حضرموت منها (٠٠٠ ، ١٠٠) مئة ألف ريال فرانصة أو أكثر ، وصل كل نفر منهم ذكر وأنثى صغير وكبير ثمانية ريالات إلا ربع.

ولحصر السادة العلويين وضبط أعدادهم قام بالمهمة الشاقة السيد الجليل علي شيخ بن شهاب الدين .. فسار إلى السواحل الحضرمية والبلدان والقرى ، وألحق الفروع بالأصول ، وحرر ذلك تحريرا تاما ، وتوفي في الشحر سنة (١٢٠٣ ه‍) ، وكان شريف مكة لذاك العهد هو الشريف سرور بن مساعد ، الذي بنى مسجد سرور بتريم. ينظر : «عقود الألماس» (١٥٩ ـ ١٧٢) ، و «بستان العجائب» (٨١ ـ ٨٣).


بهديّة تافهة إلّا أنّها ملوّنة ، فعزم على يافع أن لا يأخذوا شيئا فانتهوا ، وكذلك الحال كان في العام الّذي بعده. توفّي سنة (١٢١١ ه‍) (١).

وخلفه ابنه أحمد بن سالم ، وكان كثير الخيرات والمبرّات ، وفي أيّامه كان وصول الوهّابيّة إلى حضرموت بطلب من بعض السّادة وآل كثير ، ولم يكن لهم عسكر كثير ، وإنّما كانوا ينشرون دعوتهم فيستجيب لهم النّاس ، وكان ممّن استجاب لهم : آل عليّ جابر بخشامر غربيّ شبام ، وبعض السّادة ، وبعض آل كثير ، وعبد الله عوض غرامة بتريم. فتمكّنوا بذلك من هدم القباب وتسوية القبور.

ولمّا علم الحبيب أحمد بن سالم بوصولهم إلى تريم .. استدعى منصب آل الحامد السّيّد سالم بن أحمد بن عيدروس ، واتّفقوا على الدّفاع عن عينات. واستدعى الحبيب أحمد من أطاعه من يافع وآل تميم ، والحبيب سالم من أطاعه من الصّيعر والمناهيل.

ولمّا علمت الوهّابيّة وغرامة بذلك .. كتب الأخير كتابا للمنصبين يقول لهم فيه : (إنّ ابن قملا وصل بقوم ـ ما تعقل ـ من القبلة ، وقصدهم دخول عينات ، وإن دخلوا .. بايخربون قباب مشايخنا ومناصبنا ، والأولى أن تصلون أنتم ويكون الاتّفاق ، واحتملوا المشقّة في الوصول ، وهذه منّا نصيحة ومحبّة وشفقة ، وما يشقّ عليكم يشقّ علينا ..) في كلام طويل (٢).

وكانوا يعرفون محبّته وموالاته لهم فاطمأنّوا بكتابه ، فوصلوا إلى تريم ، وألقوا عليهم القبض ، وألقوهم تحت المراقبة ، وأرسلوا العسكر إلى عينات ، وقالوا لأهل عينات : إن أحدثتم أدنى أمر .. بعثنا لكم برؤوس المناصب. فتركوهم يفعلون ما شاؤوا ، وخافوا منهم خوفا شديدا ، وكلّفوهم غرامة شديدة دفعوا فيها حليّ نسائهم (٣).

__________________

(١) ترجمته وأخباره في «البستان» (٧٧ ـ ٩٠).

(٢) ولو لم يكن من غرامة من الغدر والخيانة إلا هذه .. لكفته.

(٣) تنظر التفاصيل في «البستان» (٩٧ ـ ٣٠٣).


ثمّ إنّ آل قملا تصادقوا هم والمقدّم عبد الله بن أحمد بن عبد الله ففتح لهم الطّريق إلى شعب نبيّ الله هود عليه السّلام .. فهدموا قبّته.

وبإثر رجوع آل قملا من الجهة الحدريّة .. أطلق غرامة سراح المناصب.

ولا يشكل نسبة كبر الأمر إلى عبد الله عوض غرامة ، مع أنّ ذلك كان في أيّام عمّه ؛ لاحتمال أنّه غلبه على رأيه أو استماله إليه ، وبقي عنده فيه شكّ أو مجاملة فألقى عهدته على عبد الله عوض.

وبإثر وصول الحبيب أحمد بن سالم إلى عينات .. أرسل ولده أبا بكر إلى جبل يافع ، وأتى بأقوام ، وأذكى نار الحرب على غرامة ، وضيّق عليه الخناق.

هذا ما يقوله السّيّد محمّد بن سقّاف ، وفيه خلاف أو تفصيل لما في شرح بيت آل تميم من «الأصل» ؛ إذ الّذي فيه : أنّ السّيّد أبا بكر بن أحمد إنّما ينهض إلى يافع ليأتي بقوم يحارب بهم السّيّد سالم بن أحمد الحامد ، وأنّهم لمّا وصلوا تريم بعد اللّتيّا واللّتي في أوّل رمضان من سنة (١٢٣٧ ه‍) .. أرضوهم بخمس مئة ريال فرّقوها على سيئون وتريم وعينات ، ولم يكن حرب ، والله أعلم أيّ ذلك كان. مع أنّه لا يبعد أنّ الحبيب أرسل ابنه أبا بكر إلى يافع مرّتين ؛ أوّلا : لحرب غرامة ، وثانيا : لحرب السّيّد سالم ، ولم يكن بالآخرة قتال.

وفي «الأصل» عن الجنيد : أنّه انتقد على الحبيب أحمد بن سالم هذا كثرة حروبه مع قوّته في العبادة وصيامه للأشهر الحرم ، وأنّ الحبيب طاهر بن حسين أجابه بما يزيل سوء ظنّه به ، فليكشف منه.

ومن هذا المنصب كانت تولية القضاء لجدّنا محسن بن علويّ بسيئون وأعمالها بوثيقة محرّرة في ذلك بتاريخ محرّم سنة (١٢٣٦ ه‍) ، وفي ذلك ما يدلّ على نفوذ أمره ، واتّساع سلطانه ، ودخول يافع تحت طاعته.

وقد حجّ الحبيب أحمد بن سالم ، وأكرم شريف مكّة (١) وفادته ، وأهداه كسوة

__________________

(١) كان ذلك زمن الشريف يحيى ابن الشريف سرور بن مساعد ، وكان محمد علي باشا ولاه على مكة سنة


فاخرة ، وفرسا عربيّة محلّاة ، وألفا وخمس مئة من الرّيالات الفرانصة. وكانت له نفقات جليلة ، وصدقات جزيلة. توفّي سنة (١٢٤٢ ه‍).

ووقع رداؤه على ابنه أبي بكر ، وكانت له عبادة ومحاسن وإيثار للسّلم ، فاصطلح هو وابن يمانيّ والمناهيل وأهدروا الدّماء الّتي طلّت (١) بينهم ، ولكنّ يافعا أساءت عليه الأدب ، ونهبوا في عينات ، ووصل إلى سيئون ليصلح بينهم .. فلم يقبلوا له كلاما. توفّي سنة (١٢٦١ ه‍).

وقام في مقامه ابنه سقّاف بن أبي بكر بن أحمد بن سالم وفي أيّامه انتشر الجهل ، فحرص الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر على كشف غمراته ، فبعث بالحبيب عمر بن عبد الله بن يحيى فلم يحسن سياستهم ، فردّوه مكسور الخاطر ، ثمّ إنّ جدّي المحسن زار شعب المهاجر فلاقى به بعض أبناء الحبيب عبد الله بن حسين ، فزيّن له زيارة أبيه ، فتوجّهوا معا إلى المسيله ، فكلف عليه الحبيب عبد الله أن يذهب إلى عينات ليذكر آل الشّيخ ، فاعتذر أوّلا بأنّ معه صغار أولاده ، فلم يقبل له عذرا ، فذهب وأقام لديهم أربعين يوما ، وحصل به نفع عظيم لا يحصل مثله في أعداد من السّنين ؛ لأنّ قلوبهم سليمة ، وأذهانهم نقيّة.

وفي أيّامه وصل السّيّد عمر بن عليّ بو علامة (٢) ـ السّابق ذكره في المكلّا ـ إلى عينات ، وسار هو وإيّاه إلى دوعن (٣).

ثمّ حجّ في سنة (١٢٨٠ ه‍) ، وتوفّي سنة (١٢٨٣ ه‍) (٤) ، وابنه سالم في بندر المكلّا ، فنادوا به مع غيابه منصبا ساعة دفن أبيه ، وكتبوا له وللنّقيب صلاح بن محمّد

__________________

(١٢٢٨ ه‍) بعد القبض على عمه غالب بن مساعد ، فاستمر فيها إلى سنة (١٢٤٢ ه‍) ، حيث فصل عنها وسار إلى مصر ومات بها سنة (١٢٥٢ ه‍).

(١) طلّت : هدرت.

(٢) واسمه : عمر بن علي بن شيخ بن أحمد بن علي .. إلى آخر النسب ، يلقب بأبي علامة ، مولده في سورابايا.

(٣) الخبر في «البستان» (١٤١ ـ ١٤٧). وكانت وفاة الحبيب عمر بو علامة في شبام سنة (١٢٧٩ ه‍).

(٤) أخباره في «البستان» لابنه محمد بن سقاف (١٣١ ـ ١٥٣).


الكساديّ وأولاد عمر بن عوض القعيطيّ وهم مجتمعون بالمكلّا ، وعندهم يافع من الجبل ومن حضرموت ، وناس من الأعجام المسلمين ، يقال لهم : الرّويلة ، من كابل (١) ، يريدون بذلك إخراج غالب بن محسن الكثيريّ من الشّحر ، فتمّ لهم ما يريدون.

وكان الحبيب سالم هذا أدّى نسكه مع أبيه ، ثمّ توفّي سنة (١٢٩٥ ه‍) (٢).

ونادوا بابنه أحمد منصبا مع أنّ سنّه لم يكن يومئذ إلّا تسعا ، فكان كما قال مروان بن أبي حفصة [في «ديوانه» ٧٥ من الطّويل] :

فبانت خصال الخير فيه وأكملت

وما بلغت خمسا سنوه وأربعا

وكان عمّه الفاضل السّيّد محمّد بن سقّاف غائبا بجاوة ، فترك كلّ شيء وخفّ إلى حضرموت اهتماما بتعليمه.

وفي حدود سنة (١٣٠٦ ه‍) اتّصل ـ بواسطة عمّه محمّد والسّيّد بو بكر منصب الآتي ذكره ـ بسيّدي الأستاذ الأبرّ اتّصالا أكيدا ، ولبس منه ، وأخذ عنه ، وتحكّم له ، وعهدي به وهو ماثل بين يدي الأستاذ في مصلّى والدي بعلم بدر من أرباض سيئون مع أنّه من عشيّة اللّيلة الّتي مثل في صباحها بين يدي سيّدي الأبرّ كان يمشي إلى حفل المولد العامّ ، وشيوخ العلويّين ـ ومنهم الأستاذ ـ يمشون وراءه كما يقول الوالد مصطفى المحضار عن مشاهدة ، وهو المقدّم عليهم في القعود والقيام.

وفي ذلك العهد كان وصول الفاضل الجليل المنصب أبي بكر بن عبد الرّحمن بن أبي بكر (٣) ، من ذرّيّة الحبيب عبد الله بن شيخان ابن الشّيخ أبي بكر صاحب لامو إلى

__________________

(١) جاء بهم السلطان عوض بن عمر القعيطي لقتال غالب بن محسن الكثيري.

(٢) في (٤) من ذي الحجة من تلك السنة ، وأخباره وترجمته في «البستان» لأخيه محمد : (١٥٣ ـ ١٩١).

(٣) ذكر في «الفرائد الجوهرية» ، ولم يؤرخ لوفاته. ويلقب أجداد المترجم بآل بتّة ؛ نسبة لجدهم أبي بكر بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله بن شيخان بن الحسين ؛ وبتّة هي مدينة من مدن سواحل أفريقيا الشرقية ، هاجر إليها السيد أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي بكر حفيد المذكور هنا ، ووالد السيد


حضرة الأستاذ ، وهو رجل شهم ، ذو أيد وقوّة ، فلقد شهدت سيّدي الأستاذ الأبرّ تحت نخلة من بستاننا ظليلة بعد الظّهر إذ سقط عذق والنّاس ملتفّون ، وكاد يقع على عمامة سيّدي الأستاذ ، فنهض المنصب بو بكر نصف نهضة وتلقّاه بيد واحدة كأنّه كرة ، مع أنّه لا ينقص وزنه عن أربعين رطلا.

وله اطّلاع على أسرار الأسماء والحروف ، ومعرفة بالأوفاق ، وله خطّ جميل .. وكتب «رسالة» ـ أظنّها تتعلّق برحلته واتّصاله بالأستاذ ـ ذكر فيها أخذ الحبيب أحمد بن سالم عن الأستاذ ، وفرقان ما بين حاله قبل أخذه وبعده ، وأطنب في ذلك بصورة مشوّقة لم يبق بذهني منها إلّا اليسير ، ولا لوم ؛ فقد كنت يومئذ حوالي السّابعة من عمري ، ولو لا أنّ خطّه كان بديعا حسنا ، وأنّ الرّسالة كانت مزيّنة بالألوان والنّقوش .. لم يبق لها أثر عندي البتّة ، لكنّ وجودها بالصّفة الّتي تستلفت أنظار الصّبيان هو الّذي حمّلني منها ما لا تزال بقاياه بالذّاكرة على بعد العهد وصغر السّنّ ، مع أنّي لم أنظرها إلّا وقت وجوده بحضرموت ، وهو عام (١٣٠٦ ه‍) كما تقدّم.

توفّي الحبيب أحمد بن سالم فجأة سنة (١٣٢٤ ه‍) (١) ، ووقع رداؤه على ولده عليّ ، وكان شابّا نشيطا ، مضيافا كثير الإصلاح بين الجنود ، وكان السّيّد حسين بن حامد يكرهه ويحسده ؛ لامتداد نفوذه وجاهه ، وله معه مواقف لم يلن فيها جانبه ، ولم يزلّ نعله ، ولم يعط المقادة ، ولم يسلس الزّمام.

حجّ في سنة (١٣٤٥ ه‍) ، وأكرم وفادته الملك ابن سعود ، وأعطاه خنجرا ومئة جنيه من الذّهب ، وتوفّي سنة (١٣٤٩ ه‍) (٢).

__________________

عبد الرحمن المنصب الذي ذكره المؤلف. ينظر : «حاضر العالم الإسلامي» للأمير شكيب أرسلان (٣ / ١٧٨) ، و «تعليقات ضياء شهاب على شمس الظهيرة» (١ / ٢٩٤ ـ ٢٩٥).

وبالمناسبة : فإن سلاطين جزر القمر هم من آل الشيخ أبي بكر بن سالم. ينظر «تعليقات السيد ضياء» (١١ / ٢٩٤).

(١) كانت وفاته في (٢٨) رجب من السنة المذكورة ، وقبته هي سابع قباب آل الشيخ بعينات ، وينظر طرف من أخباره في «البستان» (١٩١ ـ إلى آخره).

(٢) كانت وفاته في (٣) شعبان من السنة المذكورة.


وخلفه ولده المبارك أحمد بن عليّ (١) ، وقد اعتنى بتربيته الشّابّ العفيف شيخ بن أحمد بن سالم عمّ أبيه (٢) ، وأحضره على العلماء ، ودبّر أمور دنياه ، حتّى لقد مات أبوه مدينا باثني عشر ألف ريال (١٢٠٠٠) ، ولم يكن ضيفه ولا خرجه بأقلّ من خرج أبيه ، ومع ذلك فقد قضى جميع ديون والده ، ومرّت الأزمة وفناؤه رحب ، وضيفه كرم ، وخاطره رخو ، وكاهله خفيف بفضل تدبير السّيّد شيخ ، فجزاه الله خيرا.

وله فوق ذلك من المحاسن ، ولين النّحيزة (٣) ، وكرم الطّبيعة ، واستواء السّرّ والعلانية ، والخبرة بأحوال الزّمان ، والتّمرّن على سياسة أهله .. ما لا يساهمه أحد فيه.

وللسّادة آل الحامد بن الشّيخ أبي بكر منصب بعينات ، وجاه ضخم لدى الصّيعر (٤) والمناهيل (٥) وغيرهم.

__________________

(١) مولده في حدود (١٣٣٠ ه‍) ، وتوفي سنة (١٤١٤ ه‍) ، وقد جاوز السبعين ، وخلفه في المقام ابنه السيد المنصب حسن بن أحمد بن علي ، وهو القائم بالمقام اليوم ، تربى تحت نظر والده وجده عم أبيه الحبيب شيخ الآتي ذكره.

(٢) بل هو عمه مباشرة ، ولعل هذا سهو من المؤلف عليه رحمات الله ، ولد الحبيب البركة الشهم المعمر شيخ بن أحمد بن سالم بعينات سنة (١٣٢٠ ه‍) أو قبلها ، ونشأ في حجر والده ، وأدرك من حياته بضع سنوات ، وله سيرة زكية عطرة ، وترجمته حافلة بالأخذ عن الأكابر ، وأدرك تنصيب حفيد أخيه الحبيب حسن بن أحمد بن علي بعد وفاة والده سنة (١٤١٤ ه‍) كما تقدم ذكره ، توفّي فجر الأربعاء (٢٨) رجب الحرام من سنة (١٤١٩ ه‍) عن عمر ناهز المئة من السنين ممتعا بكامل حواسه وقواه ، رحمه الله تعالى ورضي عنه.

(٣) النّحيزة : الطّبيعة.

(٤) الصيعر : من بادية حضرموت ، ومرجعهم إلى كندة ، وهم كما في «الإكليل» للهمداني (٢ / ٤١) : من بني الصيعر بن الأشموس بن مالك بن حريم بن مالك الصدفي.

وهم قسمان كبيران : آل علي بالليث ، وآل محمد بالليث ، ومساكنهم في شمال غرب حضرموت ، ويحد أرضهم من الشمال : الربع الخالي ، ومن الجنوب : الكرب ونهد وحضرموت ، ومن الشرق : العوامر من المشقاص ، ومن الغرب : بلاد دهم ويام وعبيدة. وتسمى هذه المنطقة : حجر الصيعر ، أو : ريدة الصيعر ، وبعض منهم يسكن في أسفل دوعن ، وهم آل محفوظ في الهجرين وخريخر ، وآل قصيّر ، وآل مداعس ، وآل بن مساعد.

(٥) أجود ما قيل في نسب المناهيل : أنهم من بني ظنة هاجروا إلى حضرموت إبان هجرة قبائل نهد إليها ،


وفي «شمس الظّهيرة» [١ / ٢٨٨] : أنّ القائم بمنصب جدّه بعد أبيه هو : السّيّد عيدروس بن سالم ، ذو السّيرة الحميدة ، توفّي بعينات سنة (١١٧٠ ه‍) ، وعقبه هناك (١)

ومنهم : ولده المنصب الجليل سالم بن محسن ، وخلفه ولده المنوّر البارّ عبد القادر ، توفّي وخلفه ولده صالح (٢).

ومنهم : الفاضل العالم الواعظ السّيّد حسن بن إسماعيل (٣) ، تخرّج برباط تريم على الفاضل العلّامة السّيّد عبد الله بن عمر الشّاطريّ ، ثمّ عاد إلى عينات وابتنى بها رباطا (٤) ، هو مقيم به على نشر العلم ، وقد انتفع به خلق كثير من أهل تلك النّواحي.

__________________

وقيل : إنهم من قضاعة وينسبون هم والمهرة إلى جد واحد. وقيل : إنهم من آل المنهال من بلحارث بن كعب ، «الإكليل» للهمداني (١ / ٢٤٠).

ويميل بعض الباحثين إلى أنهم من بلحارث بن كعب كما ذكر الهمداني ، وأنهم إنما هاجروا من مساكنهم حوالي نجران إلى شرقي حضرموت خلال هجرة نهد ، وسكنوا مع بني ظنه فنسبوا فيهم.

وأول ما ورد ذكرهم في التاريخ سنة (٩٧٨ ه‍) عندما سعى محمد كعشم المنهالي في صلح بين السلطان عبد الله بن بدر بوطويرق وقبيلة المهرة. ثم ظهروا كقوة عسكرية تحيط بعينات ، وسكنوا بعد ذلك الجزء الشمالي الشرقي من وادي المسيله ، ويتوغلون شمالا في الجزء الشرقي لصحراء الربع الخالي ، وبيوتهم كثيرة ، ومنهم من سكن الشحر من السواحل الحضرمية. تنظر أخبارهم في : «الأدوار» (٢ / ٣٥٤) ، «البكري» (٢ / ١٠٦) ، «جواهر» (٢ / ٢٠٣) ، «بابطين» ، أو «المقحفي». وسيأتي للمؤلف كلام عن المناهيل فيما يأتي.

(١) سلالة السيد عيدروس بن سالم بن الشيخ عمر بن الحامد بن الشيخ أبي بكر .. منتشرة في تاربه وسيئون وسيحوت وعمد ورخيه وجاوة.

(٢) هؤلاء السادة المناصب الأفاضل تسلسلت فيهم منصبة مقام الشيخ الحامد ، ولا زال الحبيب صالح بن عبد القادر قائما بالمقام إلى اليوم حفظه الله تعالى.

(٣) هو الحبيب الحسن بن إسماعيل بن علي بن عبد القادر بن أحمد بن عيدروس بن سالم .. إلخ. مولده بعينات سنة (١٣٠٥ ه‍) ، قدم تريم صغيرا وهو في السادسة من عمره ، وأقام في الرباط طالبا للعلم حتى سنة (١٣٢٤ ه‍) ، توفي بعينات في (٨) شوال سنة (١٣٦٧ ه‍). وللشيخ محمد باحنّان : «الشرف الأصيل في مناقب ابن إسماعيل» ، مذكور في قائمة مؤلفاته.

(٤) كان بناؤه للرباط في سنة (١٣٤٠ ه‍) ، ونجز خلال عامين تقريبا ، ثم زاد فيه وعمره وقوى بناءه سنة (١٣٤٥ ه‍) بعد أن دهمه سيل كبير أثّر في بنائه الأول.


وفي عينات جماعة من آل باوزير ؛ منهم : العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن أحمد باوزير (١).

وجماعة من آل بافضل (٢) ؛ منهم : العلّامة الشّيخ رضوان بن أحمد بافضل (٣) ، من أعيان أهل العلم والصّلاح ، وحسبك أنّ سيّدي عبد الله بن حسين بلفقيه على تحرّيه يشهد له بذلك ، توفّي سنة (١٢٦٥ ه‍).

وأوّل من نقل منهم من تريم إلى عينات : الشّيخ محمّد بن أحمد بن عبد الرّحمن بن أحمد بارضوان ، المتوفّى سنة (١١٨٨ ه‍) (٤).

وفي عينات جماعة من آل بايعقوب (٥) ، أظنّهم من أعقاب قاضي تريم في عصر السّقّاف الشّيخ بو بكر بن محمّد بن أحمد بايعقوب ، وناس من آل باحنان وآل باعبده وغيرهم.

حبوظة

هو موضع قرية قديمة ، ولا أعرف مكانه بالتّعيين ، له ذكر كثير في التّواريخ ؛ منه ما جاء في (ص ١٩٠ ج ٢) من «المشرع» ، ومنه ما جاء في حوادث سنة (٨٦٠) من «تاريخ شنبل» : أنّها وقعت خصومة بين صاحب مريمه وصاحب حبوظة.

إلّا أنّ هذا قد يراد منه قارة الحبوظيّ المتاخمة لمريمه في الشّمال ؛ لأنّهما متقاربتان ، ولكن يغبّر عليه أنّه لا يطلق على قارة الحبوظيّ لفظ حبوظة فقط ؛ ثمّ

__________________

(١) كان معاصرا لأبناء الشيخ أبي بكر وأحفاده ؛ ومنهم : الشيخ محمد بن عبد الرحمن البيتي باوزير ، له مكاتبات من الشيخ أبي بكر بن سالم ، وكلاهما مذكوران في كتب المناقب.

(٢) ويعرفون بآل بارضوان بافضل.

(٣) مولده بعينات في رمضان سنة (١٢١١ ه‍) ، وبها وفاته ليلة الثلاثاء (٢٤) رمضان سنة (١٢٦٥ ه‍). تنظر ترجمته الحافلة في «صلة الأهل» (٢٧٣ ـ ٢٨٤).

(٤) ترجمته في «صلة الأهل» (٢٥٧ ـ ٢٥٨) ، وترجم لوالده قبله وذكر أنه من الآخذين عن الإمام الحداد.

(٥) وهم آل بايعقوب ، وليسوا من آل يعقوب شراحيل سكان شبام .. فليعلم.


عرفت أنّ حبوظة اسم لواد على يسار الذّاهب إلى عينات ، وفي غربيّه : قوز آل مرساف.

ولم يبق بحبوظة من آثار القرية القديمة إلّا مسجد ينسب إلى السّيّد عمر بن الحسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم ، لا تزال نظارته لآل عمر بن حسين إلى اليوم.

النّقرة

في شمال عينات اشتدّ جرف السّيول في أخدودها المعروف من حوالي سنة (١٣٠٦ ه‍) ، وكلّما جاء سيل وجرف شيئا .. غاض ماء النّهر الّذي يجري تحت الأرض ، ويظهر منه ماء الآبار في وادي حضرموت من أعلاها ؛ لأنّه متّصل بماء النّقرة ، وعندئذ يغور ماء الآبار ، حتّى لقد زعم بعض أهل الأزكان (١) من شبام أنّه يعرف جرف السّيول هناك بما يغور من مياه الآبار بسحيل شبام.

وهلك بذلك نخل كثير لآل عينات ، وزاد اهتمام النّاس لذلك ، ونهضوا عدّة مرّات لحسم شرّه ببنائه بالحصى المحكم ، ولكنّهم تارة تقصّر بهم النّفقة ، وأخرى يصلحونه صلاحا غير متقن فيكتسحه أوّل سيل يمرّ به.

وفي الأخير اهتمّت الحكومة الإنكليزيّة بإصلاحه لسببين ؛ أحدهما : حسم شرّه ، والثّاني : لإيجاد أعمال للعاطلين ـ من الأكرة وغيرهم ـ من المال الّذي خصّصته للإسعاف بحضرموت ، ولكنّهم اجتووا ذلك المكان في بدء الأمر واستوخموه ، وهلك منهم بشر كثير لعدم ملائمة الأهوية لهم هناك ؛ بسبب كثرة المستنقعات والمياه.

غير أنّ الجوع اضطرّهم إلى الصّبر على الأعمال هناك ؛ لأنّ شرّه محقّق ، وشرّ ذاك مشكوك فيه ، وقد تمّ بناؤه على أقوى ما يكون فيما يتعالم به النّاس ، ويقال : إنّ

__________________

(١) أي : الحصافة والذكاء.


الحكومة أنفقت عليه أكثر من ثلاث مئة ألف ربّيّة هنديّة (١) ، وهو مبلغ هائل جدّا ، فلا يتمعنى أن تجد السّيول طريقا إلى اجترافه إن توفّر ولو بعض أسباب الأمانة في هذا الإنفاق العظيم لبنائه.

قسم

هو في شرقيّ العجز ، وهو أرض واسعة اشتراها سيّدنا عليّ بن علويّ بن محمّد بن علويّ بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى بعشرين ألف دينار ، وسمّاها : قسم باسم أرض كانت لأهله بالبصرة ، وغرسها نخيلا ، وبنى بها دارا ينزلها أيّام الرّطب ، ثمّ بنى جماعة بيوتا عند داره حتّى صارت قرية ، ولهذا سمّي : خالع قسم ، توفّي بتريم سنة (٥٢٧ ه‍).

وفي الحكاية (١٨١) من «الجوهر» ما يفهم منه أنّها لا تقام جمعة بقسم في حدود سنة (٧٨٦ ه‍) ، وذلك أنّه قال فيها : (قال بعض الثّقات : طلعت مع الشّيخ محمّد بن أحمد بن عبد الله باعلويّ بعدما كفّ بصره من قسم إلى جامع العجز ليصلّي فيه الجمعة) اه

وما كان على ضعفه وذهاب بصره ليذهب من أجل صلاة الجمعة لو كانت تقام في بلده.

وكان الشيخ محمّد هذا كثير العبادة ، شديد المجاهدة ، أقام في آخر عمره بمدينة قسم واستوطنها ، وبها توفّي سنة (٧٨٧ ه‍) (٢) ، ودفن بمقبرتها المسمّاة بالمصفّ ، وهو الملقّب جمل اللّيل (٣).

ومن ذرّيّته : علويّ بن أحمد قسم بن علويّ الشيبة ابن عبد الله بن عليّ بن

__________________

(١) في نسخة : (ست مئة).

(٢) كما في ترجمته في «المشرع» (١ / ٣٣٣ ـ ٣٣٤).

(٣) ويعرف بجمل الليل الأول ؛ تمييزا له عن تلميذه جمل الليل الثاني محمد بن حسن المعلم .. السابق ذكره في روغه.


عبد الله بن محمّد جمل اللّيل (١) ، كان له عقب بقسم انقرضوا ، ولم يبق إلّا شيخ بن عبد الله بمليبار.

وفي «الأصل» ما يعرف منه أنّ أمر قسم كان لمنصب عينات.

وآخر مناصبها ولاية على قسم : الحبيب أحمد بن سالم بن أحمد بن عليّ بن أحمد بن عليّ بن سالم بن أحمد بن الحسين ، المتوفّى سنة (١٢٣٦ ه‍) ، فغلبه عليها المقدّم عبد الله بن أحمد بن عبد الشّيخ بن يمانيّ بن سعيد بن العبد بن أحمد ، وهذا النّسب مقطوع به بينهم.

ثمّ إنّهم يقولون : إنّ أحمد ـ هذا ـ ابن عبد الله بن يمانيّ بن عمر بن مسعود بن يمانيّ بن سلطان بن دويس بن راصع بن مسعود بن يمانيّ بن لبيد الظّنّيّ.

وربّما سقط شيء من هذا النّسب ؛ فإنّه ليس من المقطوع اتّصال سلسلته.

ثمّ صارت إلى ولده أحمد بن عبد الله ، واتّسع نفوذه من ضواحي قسم الجنوبيّة إلى ماوراء شعب نبيّ الله هود عليه السلام. وكانت له ولأبيه شهامة ملك وأبّهة سلطان.

لهم أوجه بيض حسان وأذرع

طوال ومن سيما الملوك نجار

وما سمعت والدي يذكر أحدا بالشّهامة وجمال الشّارة سواه ؛ لانقطاعه بالعلم والعبادة عن مجاري الأخبار وعمّا النّاس عليه ، ولكنّه استجهره لمّا رآه يتخلّع تخلّع الأسد في جنازة الحبيب محمّد بن إبراهيم سنة (١٣٠٧ ه‍) ، ووراءه زهاء الأربع مئة من أبطال آل تميم.

__________________

(١) لعل في العبارة خللا ؛ إذ جمل الليل الأول لم يعقب سوى قليل انقرض ، قال في «شمس الظهيرة» (١ / ٣٣٦): (ولمحمد ابن : هو عبد الله ، ولعبد الله ابن هو : أحمد ، انقرضوا) اه

وأما أحمد قسم بن علوي الشيبة .. فهو ينسب إلى عبد الله بن علي بن عبد الله باعلوي ؛ فهو ابن عم محمد جمل الليل الأول ؛ وكلاهما حفيد الشيخ عبد الله باعلوي ، وليس كما ذكر المؤلف فليتنبه ، والله أعلم.

وأما علوي بن أحمد قسم بن علوي الشيبة ـ الذي ذكر هنا ـ .. فقد توفي بقسم سنة (٩١٨ ه‍).

وأما جدهم علوي الشيبة .. فوفاته بتريم سنة (٨٦٢ ه‍).


ثمّ خلفه ولده عليّ بن أحمد ، وكان شهما كريما شجاعا متين الدّين ، وله غلوّ في العلويّين حتّى لقد سمّى ولده : (عبد علويّ) يعني به شيخنا الجليل علويّ بن عبد الله الهندوان السّابق ذكره في روغه.

ولمّا عجز عن نفقات حاشيته وعبيده ـ وهم كثر ـ .. تفرّقوا في البلاد ، وهاجر كثير منهم إلى السّواحل الأفريقيّة ، وأوّل ذلك كان بإثر المجاعة الّتي اشتدّت بأسفل حضرموت سنة (١٣١٥ ه‍) ، وعندئذ احتاج إلى مساعدة القعيطيّ ، وما زالت المفاوضات جارية حتّى انعقد بينهم الحلف المؤكّد بتاريخ ذي الحجّة سنة (١٣٣٧ ه‍).

وفي نفس هذا التّاريخ كتبت بينهم وثيقة حاصلها : أنّ المقدّم عليّ بن أحمد بن يمانيّ (١) ـ عن نفسه وعن أولاده وإخوانه ـ وهب بلاده الّتي له الولاية عليها ـ وهي قسم والخون والسّوم وعصم وبرهوت وفغمة وسنا ونواحيها ومتعلقاتها ـ للمكرّم السّلطان غالب بن عوض بن عمر القعيطيّ ، فتلقّاها بالقبول ، وشلّ (٢) واعترف السّلطان غالب بن عوض بأنّ الأمير ـ من طرفه ـ عليّ بن أحمد وأولاده ما تناسلوا.

هذا حاصل تلك الوثيقة وعليها إمضاء السّلطان غالب والمقدّم ، وشهادة السّيّد حسين بن حامد وعبد الكريم بن شملان وجماعة من يافع.

وفي (٢٣) القعدة سنة (١٣٥٥ ه‍) كتب السّلطان صالح بن غالب ما نصّه :

وبعد : فقد أيّد عظمة السّلطان صالح بن غالب القعيطيّ عبد علويّ بن عليّ بن أحمد بن يمانيّ مقدّما على كافّة آل تميم محلّ والده المرحوم عليّ بن أحمد بن يمانيّ ، وله على الدّولة القعيطيّة ما لوالده ، وعليه ما على والده ، وبالله التّوفيق. وعليه إمضاؤه بخطّه.

ثمّ إنّ المقدّم لم يحصل على شيء يستحقّ الذّكر من المساعدة المرجوّة من الحكومة القعيطيّة سوى المواعيد ـ المعروف شأنها ـ من السّيّد حسين بن حامد في

__________________

(١) توفي علي بن أحمد هذا سنة (١٣٥٥ ه‍) ، كما يؤخذ من نص خطاب السلطان صالح الآتي ، المتضمن توليته خلفا لوالده.

(٢) شلّ : تحمل ، وقد تكررت في عدد من نصوص المعاهدات في هذا الكتاب.


أيّامه ، بل كثيرا ما كانت الحكومة القعيطيّة بعده ضدّ آل تميم كما يعرف بعضه ممّا سبق.

وقد أضرّ المقدّم عليّ بن أحمد بالآخرة ، وثقل سمعه ، ولم يمنعه ذلك أن حجّ في سنة (١٣٥٤ ه‍) ، وتوفّي مرجعه من الحجّ ، وكان شهما شجاعا متواضعا لأهل العلم والدّين ، منصفا للضّعفاء والمساكين ، وخلفه ولده عبد علويّ ، ولهم مع المناهيل أحوال طويلة مستوفاة في «الأصل» ، ويأتي بعضه في العرّ إن شاء الله.

ومن أخبارهم : أنّه حصل بعد وفاة عبد الله بن أحمد نزاع على الإمارة بين ولده أحمد بن عبد الله وبين عوض بن صالح بن عوض بن صالح بن عبود بن عبد الشّيخ ، وعبد الشّيخ هذا هو الجدّ الّذي يجتمعون فيه ، باختلافهم افترق ملأ آل تميم ، فكان آل عبد الشّيخ وآل مرساف وآل سعيد وآل عثمان في جانب عوض بن صالح ، وآل سلمة وآل شيبان وآل شملان وآل قصير والقرامصة وآل محد في جانب أحمد بن عبد الله.

وفي تلك الأثناء كان تجهيز آل كثير على آل تميم بعد أن عقدوا حلفا مع عوض بن صالح ولمّا استولى السّلطان الكثيريّ على المسنّدة وعلى أمكنة الفلاهمة وضرب ديار آل شيبان بالمدافع وتحمّل نساءهم وأولادهم إلى سنا ، وكان عوض بن صالح قد مات وخلفه ابنه صالح فأضأرته الرّحم ، وسيّر قصيدة لأحمد بن عبد الله وهو مرابط بالسويريّ يقول فيها

أحمد زميم الجيش ثاقل حمله

مع القبيلة قد بلغ مجهوده

ذري الأسد جمع الملا تشهد له

بأرض جاوه لا جهات هنوده

عصب بني مالك وربعه جمله

في عار بن فلهوم لي مقصوده

خذوا كوات الخشم هن والسّهله

معا عدانة باعلال اعبوده

خلّو ديرهم قايسوها سهله

ترجع محلتهم بروس نجوده

ذا قول من صالح مراده فصله

بن سالم اللّي طالبك مردوده


فلمّا وصلته .. سرّ بها ، وأمر المعلّم سعيد عبد الحقّ أن يتولّى الجواب ، فأنشأ قصيدة جاء فيها قوله :

قل له وزد قل له وعادك قل له

ساعة أتتنا ابياتك المرصوده

الفجر وصلت والقبايل جمله

في حضرتي أربع مئه معدوده

فرحو بحجّه من كلامك جزله

حتى اصبحت كل القبل مقيوده

يا ريت لك عينا تشوف السّهله

أيضا وشرقيها دير مهدوده

ونحن خوّه بيننا متّصله

والمرء ما يتركه لحم زنوده

فلم يكن من صالح بن سالم إلّا أن ردّ حلف الكثيريّ وانضمّ إلى أحمد بن عبد الله ، فاستفحل أمرهم ثمّ قام الصّلح بينهم وبين الكثيريّ ، ودفع غرامة الحرب ، وحدّدت الحدود كما فصّل ب «الأصل».

ومن أخبارهم : أنّ عوض بن صالح بن عوض كان في أيّام حرب حصن العزّ في جانب آل تميم ، وعليّ بن أحمد بن يمانيّ في جانب آل كثير وآل تريم. وفي عواد الحجّة سنة (١٣٤٣ ه‍) جاء في أتباعه لمعايدة المقدّم عليّ بن أحمد بن يمانيّ ، فبينا هو يلقي الزّوامل على أصحابه .. أصابته رصاصة بين عينيه ، قيل : إنّها من حيدر بن حميد اسعيّد أحد دلل آل تريم ، وكان وليّ دمه ـ وهو الشّهم العربيّ القحّ عبد الهادي بن سالم بن صالح بن سالم بن صالح بن عبود بن عبد الشّيخ ـ غائبا ، فحضر وخاطبوا المناهيل وآل مرساف أن يعطيهم بعض حصونه ليحصروا عليّ بن أحمد ، فلم يرض ؛ لأنّه كان حليما ، وأراد عليّ بن أحمد أن يبرّىء نفسه فلم يقدر ، وقال له عبد الهادي : إن سلمتم من القتل .. فلن تسلموا من التّدبير ، ولمّا رأى أنّ الزّمان قد حرب أبناء عمّه .. لم يرد أن يكون هو والزّمان عليهم وبينهم رحمة ماسّة ، وصهر أكيد ، فتوجّه إلى السّواحل الأفريقيّة في سنة (١٣٤٨ ه‍) ومعه ابنه أحمد ، ولا يزالان بها إلى اليوم على وجه نقيّ ، وسير مرضيّ.

ومن أخبارهم : أنّ آل يمانيّ ذهبوا في سنة (١٣٤٩ ه‍) لجذّ ما لهم من الخريف


بالسّوم ، فاغتنم الفرصة مبخوت المنهاليّ ، الملقّب ب : (البس) وقصد دار سالم بن أحمد بصفة الضّيف ، فلمّا قابله .. أطلق عليه الرّصاص ، وهرب ، ولكنّه ـ أعني البس ـ غزا إلى القبلة في هذا العام ، فلاقى حتفه ، وكان قتله لسالم بن أحمد غدرا في أوفى صلح بينهم.

وفي قسم جماعة من ذرّيّة السّيّد عبد الله بن عبد الرّحمن السّقّاف ، المتوفّى بتريم سنة (٨٥٧ ه‍) ، وهم آل بن إبراهيم (١).

قال في «شمس الظّهيرة» : ومنهم : السّيّد الفاضل الكريم أبو بكر بن إبراهيم بن عبد الرّحمن (٢) ، له أياد عظيمة ، وأوقاف جسمية ، وقف على مسجد السّقّاف مالا بنحو خمسة آلاف ريال ، توفّي بقسم سنة (١٢٢٧ ه‍).

ومنهم الآن بتريم : حفيده عبد الرّحمن (٣) بن محمّد بن عبد الله ، شريف فاضل متواضع.

ومنهم : السّيّد علويّ بن إبراهيم بن شيخ بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد الرّحمن ابن عبد الله بن عبد الله بن عبد الرّحمن السّقّاف ، رجل صالح له ثروة ، توفّي سنة (١٣٥٢ ه‍) عن (٨١) ، وله جملة أولاد ؛ أكبرهم محمّد ، له عدّة أولاد ؛ أكبرهم عبد الرّحمن. ومنهم عمّهم عمر بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن شيخ ، توفّي بعد أن رجع من الحجّ في سنة (١٣٥٨ ه‍) ، وكان عالما فاضلا.

وفي قسم ناس من آل فدعق (٤).

__________________

(١) السادة آل بن إبراهيم سكان قسم من ذرية السيد إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن عقيل السّعودي ـ نسبة إلى أخواله آل بالسّعود ـ ابن عبد الله بن عبد الله ابن الشيخ عبد الرحمن السقاف.

(٢) السيد أبو بكر هذا ، أمه من آل باقشير سكان العجز ، توفي بقسم بموضع يقال له : الغديّر بالتصغير.

(٣) هو السيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن أبي بكر ـ السابق الذكر ، توفي بقسم عشية الإثنين (٨) جمادى الأولى (١٣١٨ ه‍) ، وليس له عقب ، وورثه زوجتاه ، وعصبته السيد علوي إبراهيم بن شيخ بن أبي بكر ، المتوفى بقسم في ذي القعدة (١٣٥٢ ه‍).

(٤) فدعق لقب لثلاث أسر من العلويين :

١ ـ آل أحمد بن محمد بن علوي بن محمد مولى الدويلة ، ذكرناهم في الخون قريبا.


قال في «شمس الظّهيرة» [١ / ٣٦٧] : منهم محمّد بن عمر ، سيّد جليل ، توفّي سنة (١٢٧٨ ه‍) (١).

ومن آل فدعق الفاضل النّبيه السّيّد حسن بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن حسين بن فدعق ، نزيل مكّة المشرّفة الآن ، وله بها عدّة أولاد ؛ منهم أربعة على أسماء الخلفاء الرّاشدين ، أنجبهم عليّ.

وفي قسم أيضا ناس من ذرّيّة السّيّد امبارك مدهر بن عبد الله وطب بن محمّد المنفّر ، المتوفّى سنة (٨٨٤ ه‍) (٢).

قال في «شمس الظّهيرة» [١ / ٣٦٤] : (منهم الشّريف النّجيب السّاعي للعلماء ، والمحبّ لهم : عبد الله بن عبد الرّحمن (٣) ، المتوفّى بمكّة سنة «١٢٩٥ ه‍».

ومنهم : عبد الله بن محمّد (٤) ، شريف نبيه مكرم للضّيفان.

__________________

٢ ـ آل عمر فدعق بن عبد الله وطب بن محمد المنفّر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله باعلوي ، توفي سنة (٩١٠ ه‍) بقسم ، وكان مؤذن الجامع بها ، أعقب (٦) بنين ، أعقب منهم (٣) ، وهم : علي وعلوي وإبراهيم.

٣ ـ آل فدعق بن محمد بن عبد الله بن مبارك بن عبد الله وطب. توفي بالبيضاء من أرض اليمن.

عقبه من ولديه : حسين المتوفى بقسم ، وعقيل المتوفى بالهند سنة (١٠٨٩ ه‍).

(١) هو السيد محمد بن عمر بن حسين بن علوي بن حسين بن فدعق .. إلخ.

(٢) لعل تداخلا حصل هنا بين السيد امبارك بن عبد الله وطب بن محمد المنفر المتوفى سنة (٩١٦ ه‍) كما تقدم وهو جد السادة آل فدعق ، وبين السيد امبارك مدهر بن عبد الله بن أحمد مدهر بن محمد بن عبد الله وطب ، ويلقب ببركات ، توفي بظفار ، وتوفي والده عبد الله سنة (٩٩٦ ه‍) ، وهذا الأخير هو الذي ينسب إليه آل مدهر سكان قسم.

ومن نسل السيد مبارك مدهر هذا : آل مطهّر مدهر ، ذرية السيد مطهر ـ المتوفى بقسم سنة (١١١٧ ه‍) ـ ابن عبد الله بن علوي بن مبارك.

(٣) هو السيد المتواضع عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عقيل مطهّر مدهر ، وفاته بمكة سنة (١٢٩٠ ه‍) كما في «الشجرة» ، أو (١٢٩٥ ه‍) كما في «الشمس».

(٤) السيد الشريف الصّالح عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عقيل ... إلخ ، ابن عم المتقدم قبله. مولده بقسم سنة (١٢٦٤ ه‍) ، وبها وفاته سنة (١٣٣٨ ه‍) ، أخذ عن جمع من أعيان عصره. واستجاز منه الحبيب سالم بن حفيظ ، وترجم له في «منحة الإله»


ومنهم : عمّه المعمّر كثير الصّيام والذّكر : عمر بن عبد الله) اه

وعبد الله بن محمّد هذا هو ابن عقيل مطهر مدهر ، راوية لأخبار الأوائل ، توفّي بقسم سنة (١٣٣٨ ه‍) ، وكان بها جماعة من ذرّيّة السّيّد عبد الله بن أحمد بن أبي بكر الورع (١) ، يقال لهم : آل برهان الدّين ، انقرضوا (٢).

ومن أهل قسم : السّيّد الإمام محمّد بن سالم الجفريّ ، أحد مشايخ الحبيب عبد الله بن عمر بن يحيى.

وفي قسم جماعة يقال : إنّهم من بقايا آل النّجّار أمراء سيئون في السّابق ؛ منهم الآن : رجل يقال له : سعيد بن عبد الشّيخ.

العجز (٣)

قال ياقوت [٤ / ٨٧] : (قال الكلبيّ : هي قرية بحضرموت مذكورة في قول الحارث بن جحدم [من الطّويل] :

تناوله من آل قيس سميذع

وريّ الزّناد سيّد وابن سيّد

فما غضبت فيه تميم ولا حمت

ولا انتطحت شاتان في قتل مزيد

ثوى زمنا بالعجز وهو عقابه

وقين لأقيان وعبد لأعبد)

وكان مزيد وعبد الله ابنا حرز بن جابر العنبريّ ادّعيا قتل محمّد بن الأشعث الكنديّ ، فأقادهما به مصعب ، فتولّى قتلهما الحارث بن جحدم بيد القاسم بن

__________________

(١) السادة آل الورع ، هم ذرية السيد أبي بكر الملقب بالورع لشدة خوفه وورعه ، المتوفى بتريم سنة (٧٠٦ ه‍) ، وفي بعض التواريخ ومنها «تاريخ شنبل» أنه توفي سنة (٧٥٠ ه‍) ، وهو ابن أحمد ابن الفقيه المقدم ، المتوفى شهيدا غريقا بقسم سنة (٧٠٦ ه‍) كما تقدم.

وإلى أحمد ابن الفقيه تنسب أسر كثيرة ؛ منها : آل البار ، وآل المقدي ، وآل بلفقيه ، وآل خنيمان ، وجماعات أخرى.

(٢) السادة آل برهان الدين ، من نسل السيد أحمد الحوت بن عبد الله الورع.

(٣) وقد اندثرت هذه القرية في هذه الأيام ، ويسمّى موضعها : العجز ينطقها العامة بكسر العين والجيم.


محمّد بن الأشعث ، وبمناسبة ذلك أنشأ الحارث تلك الأبيات ، و (العجز) فيها مضبوط بضمّ العين وسكون الجيم ، وإلّا .. لتغيّر الوزن.

وفي كتاب «مفتاح السّعادة والخير في مناقب السّادة آل باقشير» : وبلدة العجز هي بفتح العين وضمّ الجيم ، مأخوذة من عجز الإنسان ـ وهو أسفله ـ كما أفصح بذلك الإمام عبد الملك بن هشام في كتابه «التّيجان في ذكر ملوك اليمن في سالف الأزمان» ، وصرّح بوصول ذي القرنين إليها حين جاء لزيارة نبيّ الله هود عليه السلام ، وهي آخر قرية معمورة يقصدها القاصد.

وبعد أن ذكر ابن الحائك قرى أخطأ في ترتيبها من حيث المواقع ، وبعضها لا أثر له ، أو تبدّل اسمه .. قال : (ثمّ العجز ، قرية عظيمة مقسومة نصفين بين حمير ، نصف للأشباء ، ونصف لبني فهد) اه (١)

وقد سبق هذا مع ما يتعلّق بالأشباء في وادي ابن علي.

وفي «مفتاح السّعادة والخير» [خ ٧٦] ـ أيضا لمؤلف «القلائد» ـ (ومن أهل العجز : السّادة بنو مشيرح ، وهم من الصّدف من كندة ، رؤوس العرب كما ذكره الإمام أبو شكيل في «تاريخه» (٢) ، لهم بالعجز مسجد معروف بالبركة ، تغلّظ فيه الأيمان ، فتعجّل عقوبة الكاذب.

وقد انقرضت قبيلتهم ـ فيما نعلم ـ إلّا أن يكون انقلب اسم القبيلة باسم آخر.

وقبورهم ـ كما يذكر عن جدّي سهل ـ في جانب التّربة القبليّ النّجديّ) اه

والكتاب المذكور كما يعرف من اسمه في مناقب آل باقشير ، فعليه الإحالة في ذكر رجالهم ومناقبهم (٣) ، ويطربني منها قوله : إنّ السّيّد عبد الله بن الفقيه محمّد بن حكم

__________________

(١) صفة جزيرة العرب (ص ١٦٩).

(٢) هو القاضي مسعود ، و «تاريخه» هذا .. قديم مفقود ، وهو الذي حفّز العلامة الطيب بامخرمة بتأليف كتابه «النسبة إلى المواضع والبلدان». وانظر : ذلك في مقدّمته.

(٣) وقد ترجم لجمهرة منهم ، وجميعهم ينسبون إلى الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأخير ابن عبد الله بن إبراهيم القديم باقشير ، كان معاصرا للفقيه المقدم ، وله أخذ عن ابن الجعد اليمني ، ومنه تناسل أفراد آل باقشير.


باقشير ـ جدّ صاحب «القلائد» ـ إذا قام إلى الصّلاة .. جرت دموعه على خدّيه ، ولا تزال تقاطر على لحيته ، حتّى وقع لها أثر ظاهر ، وقد أسلفنا هذا في عيديد.

قال سيّدي الأستاذ الأبرّ : وأخذ الشّيخ محمّد بن حكم عن الشّيخ عمر بن عبد الله بن عمر بن عبد الله بامهرة الحضرميّ ، وهو أخذ عن جماعة من الفقهاء وأجازوه ؛ منهم الشّيخ الإمام محمّد بن علويّ بن أحمد ؛ والشّيخ محمّد بن أبي بكر عبّاد ؛ والفقيه عمر بن محمّد حضارم ؛ والشّيخ أحمد بن أبي بكر بن محمّد بن حفص العمديّ ، وغيرهم.

وفي «مفتاح السّعادة والخير» ذكر كثير للعجز يخرج بنا استقصاؤه إلى الإطالة.

وقد مرّ في عيديد ذكر الشّيخ حكم بن عليّ بن محمّد باقشير ، ولو لم يكن لهم إلّا مؤلّف «القلائد» وهو الشّيخ عبد الله بن محمّد باحكم باقشير (١) .. لكفاهم فخرا وذكرا.

فتى كان يعلو مفرق الحقّ قيله

إذا العلماء الصّيد عضّل قيلها (٢)

ومن ذلك إنكاره على بدر بوطويرق ما عمله بالإفرنج بعد العهد أو شبهه حسبما في «الأصل» ، مع أنّ المنافقين يثنون على من استعان بالكفّار على المسلمين وسلّم لهم أساراهم.

وفي ترجمة السّيّد أحمد بن الفقيه المقدّم من «المشرع» [٢ / ١٩٠] أنّه كان يتردّد كثيرا إلى قرية العجز الشّهيرة ويقيم بها ؛ لكثرة من فيها من الصّالحين ، فاتّفق أن فاض

__________________

(١) الشيخ عبد الله بن محمد بن حكم الملقب (سهل) ابن عبد الله بن الفقيه محمد بن الفقيه حكم بن الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأخير ابن عبد الله بن إبراهيم باقشير. مولده كما ذكر عن نفسه في «المفتاح» (سنة ٨٩٠ ه‍) ، ونشأ يتيما في حجر والدته ، التي دفعت به إلى الفقيه عبد الله بلحاج والسيد الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ علي السكران ، وبهما كان تخرجه .. وطلب العلم ورحل إلى البلدان ، وأخذ بشبام عن الشيخ محمد بن عبد الرحمن باصهي أحد شيوخ والده وغيرهم. ومن الآخذين عنه : الشيخ أبو بكر بن سالم ، والسيد شيخ بن عبد الله العيدروس صاحب «العقد» والد مؤلف «النور السافر» وغيرهما.

(٢) البيت من الطويل.


بها سيل عظيم ، فغرق صاحب التّرجمة ، وحصلت له الشّهادة وذلك سنة (٧٠٦ ه‍) ، ودفن بالقرب من مسجد العارف بالله الشّيخ عبد الله بن إبراهيم باقشير (١).

الواسطة (٢)

هي قاعدة ملك الصّبرات ، بشهادة ما في «الأصل» عن «مفتاح السّعادة والخير» [خ ٦٣] : (أنّ عيسى بن محمّد الصّبريّ والي الواسطة تعمّر كثيرا ، ومات ولا ولد له (٣) ، فولي بعده عقيل بن عيسى بن مجلب الصّبريّ (٤) ، وهو ابن أخته ، وليس من فخذه ، وكان لهذا تعلّق بالصّالحين مثل خاله ، فصال آل أحمد على الواسطة فأراد الخروج لقتالهم ـ ولم يكن عنده سوى سبعة فرسان مع عسكر قليل لا يكافىء آل أحمد ـ فمنعه أصحابه من الخروج ، فلم يمتنع ، وهجم على آل أحمد ، وتبعه أصحابه فقتلوا كثيرا من آل أحمد ، وما زالوا يقتلونهم ويطردونهم إلى فرط باشحاره) اه

وللواسطة ذكر كثير في حوادث آل يمانيّ والصّبرات وغيرهم ب «الأصل».

وفي الواسطة كثير من علماء آل باشعيب وفضلائهم ؛ منهم الشّيخ حسن بن إبراهيم باشعيب ؛ أحد تلاميذ الشّيخ أبي بكر بن سالم (٥).

__________________

(١) وقد كان السادة بني علوي كثيري التردد على العجز ، وكثير منهم تزوجوا عند آل باقشير ، كالسيد محمد بن حسن المعلم جمل الليل ، والشيخ عمر المحضار الكبير ، وغيرهما.

(٢) والنسبة إليها : الواسطي ، وهي تدخل في مشتبه النسبة ؛ لوجود جمهرة من أعلام المسلمين يعرفون بهذه النسبة ، إلا أنهم ينسبون إلى واسط في العراق التي اختطها الحجّاج ، أما هذه الواسطة .. فأعلامها معروفون ومحصورون.

(٣) مات عيسى الصبري في آخر يوم من صفر سنة (٩١٥ ه‍).

(٤) عقيل بن عيسى هذا هو الثاني ؛ إذ هناك رجل آخر بنفس الاسم ، توفي سنة (٨٥٢ ه‍) ، كما في «شنبل» (١٨١).

(٥) لعل هنا سبق قلم ، فتلميذ الشيخ أبي بكر بن سالم إنما هو حسن بن أحمد بن إبراهيم ، وليس حسن بن إبراهيم ، وإنما وقع في ترجمة السيد عبد الرحمن المعلم المنفر في «المشرع» (٢ / ٢٨٦) أنه أخذ عن حسن بن إبراهيم ، وهو خطأ مطبعي ، والصواب ما ذكر ، وقد ترجم له الشلي في «الجواهر والدرر».


وفي ترجمة السّيّد عقيل بن عمران من «المشرع» [٢ / ٤٤٢] : أنّه أخذ عن الشّيخ حسن باشعيب بالواسطة.

وفي ترجمة السّيّد أبي بكر بن سعيد الجفريّ المتوفّى سنة (٨٨٠ ه‍) أنّه أخذ عن العارف بالله حسن بن أحمد باشعيب ، وفي مقدّمة «ديوان الحدّاد» عن الحبيب أحمد بن زين الحبشيّ : أنّ سبب إنشاء القصيدة المستهلّة بقوله [من المنسرح] :

إن كان هذا الّذي أكابده

يبقى عليّ فلست أصطبر

ما أخبرني سيّدي عبد الله الحدّاد قال : وقعت لي مسائل أظنّها ثلاثا ؛ فلم يجبني عنها أحد بتريم ، فرأيت الشّيخ حسن باشعيب تلميذ الشّيخ أبي بكر بن سالم في مسجد آل أبي علويّ فأجابني عن اثنتين ، وقال لي في الثّالثة : إنّما يجيبك عنها السّقّاف ، فوقع في خاطري : أنّه السّيّد محمّد صاحب مكّة ، فكتبت إليه ، فأجابني.

وفي ترجمة السّيّد عبد الرّحمن بن إبراهيم بن عبد الرّحمن المعلّم بن إبراهيم بن عمر بن عبد الله وطب المتوفّى بقسم في سنة (١٠٥٧ ه‍) : أنّه أخذ عن الإمام العارف الأديب حسن بن إبراهيم باشعيب.

ومنهم : العلّامة الفقيه الشّيخ عبد الله قدريّ باشعيب ، له ذكر كثير في «مجموع الأجداد». ومن فوائده : أنّه نقل في رسالة له عن التّاج السّبكيّ أنّها تسمع دعوى من يدّعي على تارك الصّلاة ولو لغير الحسبة ، فيقول : أدّعي على هذا أنّه ترك صلاة كذا ، وقد أضرّني ، فأنا مطالب بحقّي. اه

وفي ترجمة الشّيخ عليّ بن عبد الرّحيم بن قاضي : أنّه من أقران القطب الحدّاد.

ومنهم : الشّيخ عبد الله بن أبي بكر قدريّ (١) صاحب «الباكورة» ، أحد مشايخ السّيّد أحمد بن عليّ الجنيد (٢).

__________________

(١) الشيخ عبد الله بن أبي بكر القدري باشعيب ، مولده بالواسطة ، ووفاته بها سنة (١١١٨ ه‍) كما في «تاريخ الشعراء» ، وقد طلب العلم بمكة ، وأخذ بها عن جماعة ، واشتهر باعتنائه بعلم التجويد والقراءات ، وله مصنفات ؛ منها : «باكورة الوليد في علم التجويد» ، وهي منظومة شرحها السيد أحمد الجنيد.

(٢) لعل المؤلف رحمه الله اشتبه عليه الأمر ؛ فوفاة باشعيب سنة (١١١٨ ه‍) ، ومولد السيد الجنيد سنة


ومنهم : الشّيخ حسن بن أحمد باشعيب صاحب كتاب «عافية الباطن».

وعلى الإجمال : فإنّهم بيت علم وصلاح ، ولهم مؤلّفات ، ولبعضهم تراجم في «خلاصة الأثر» للمحبّي.

وعن الشّيخ رضوان بن أحمد بارضوان بافضل قال : (رأيت على هامش تصنيف ـ في مناقب الشّيخ أبي بكر بن سالم للشّيخ عبد الله بن أبي بكر باشعيب (١) ، أظنّه بخطّ المؤلّف ـ خبرا عن الفقيه عبد الرّحمن بن عبد الله باشعيب ، وهو من آل شعيب أهل شبام ؛ منهم الشّيخ أبو بكر بن شعيب صاحب التّصنيف المشهور في الفقه ، وله شرح على «المنهاج» ، له إقامة بمكّة ولعلّه توفّي بالحرمين.

وليس لهم اتّصال بآل شعيب المسفلة (٢) ؛ فجدّ أهل المسفلة : الشّيخ العارف محمّد بن عليّ بن سعيد شعيب الخطيب ، انتقل من تريم ، وهم مشهورون ب «آل شعيب الخطيب» ، ومنهم بنو عقيل بالرّيدة ، كان منهم ناس أهل حال منتظم ، ومنهم الآن ناس بزيّ البادية.

ومن آل شعيب المسفلة : بنو عيسى أو بنو عليّ بظفار ، كانوا بيت علم وصلاح ، ومنهم قضاة الشّريعة ، لهم ذكر في مناقب الشّيخ عبد الله بن أبي بكر العيدروس ، ولأحدهم مدائح في الشّيخ ، وبلغني أنّه بقي منهم قليل ، ومنهم طائفة بعمان يحملون السّلاح مع السّلطان ابن سيف عالمين بالنّسبة لآل أبي شعيب.

وسمعت بعض شيوخ آل شعيب بشبام يذكر أنّ أصل آل شعيب بشبام من أرض الجوف ، والله أعلم) اه

وقد مرّ بعضه في شبام.

__________________

(١١٩٥ ه‍) ، فمن المحال قطعا إدراكه له ، وإنما قام بشرح «الباكورة» وسمّى شرحه : «سلم المريد».

(١) هو عبد الله بن أبي بكر قدري السابق ذكره ، واسم كتابه هذا : «الزهر الباسم في ربى الجنات في مناقب الشيخ أبي بكر بن سالم صاحب عينات».

(٢) المسفلة : من قرى ريدة الصيعر.


وفي ترجمة السّيّد عبد الله باعلويّ من «المشرع» [٢ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧] : (أنّه أعطى تلميذه الشّيخ محمّد بن عليّ باشعيب الأنصاريّ أرضا واسعة ، فغرسها الشّيخ محمّد نخلا ، وتسمّى بباشعيب. ووقف على ضيف بلده المسمّاة بالواسطة نخلا وأرضا) اه

وهو أوّل من انتقل من تريم إلى الواسطة.

ومن آل باشعيب الشّيخ عبيد بن عبد الله بن هادي بن صالح باشعيب ، طلب العلم بتريم على أخينا العلّامة السّيّد عبد الله بن عمر الشّاطريّ ، وهو الآن بمكّة. وله تعلّق برجل البرّ والإحسان : الشّيخ محمّد بن عوض بلّاذن السّابق ذكره في رباط باعشن.

ومن أهل الواسطة : الشّيخ مهنّا بن عوض بن عليّ بن أحمد بامزروع بامطرف القنزليّ (١) ، كان من العلماء ثمّ تعلّق بكتب الصّوفيّة ، فأخذه الجذب ، ترجم له في «خلاصة الأثر» [٤ / ٤٤٢] ، وأورد له أشعارا ؛ منها قوله [من مجزوء الكامل] :

للقادسيّة فتية

لا يشهدون العار عارا

لا مسلمين ولا يهو

د ولا مجوس ولا نصارى

كذا روي ، وقد رأيت البيتين (٢) في مادّة (بغداد) من «معجم ياقوت» معزوّين لغيره ، والأوّل شبيه بما أنشده الأصمعيّ عن أبي عمرو لبعض بني أسد [من مجزوء الكامل]

إن يبخلوا أو يجبنوا

أو يغدروا لا يحفلوا

يغدوا عليك مرجّلي

ن كأنّهم لم يفعلوا

قال المحبّي : (وكانت ولادة مهنّا ـ كما أخبرني بعض تلاميذه ـ في شوال سنة (١٠٠٤ ه‍) ،

__________________

(١) مهنا بن عوض بامزروع ، من المزاريع المتفرعين من قبيلة القنازلة الكندية ، وإلى القنازلة ينسب آل بامطرف وآل بامزروع ، لكن خف استعمال الناس لهذا الاسم منذ زمن بعيد. ولد بالواسطة بحضرموت سنة (١٠٠٤ ه‍) ، وكانت وفاته بالمدينة المنورة سنة (١٠٦٩ ه‍) ، ودفن قريبا من قبة سيدنا إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ترجم له في «خبايا الزوايا» ، وعاصره الشلّي وترجم له في «الجواهر والدرر».

(٢) ولكن بتغيير بسيط.


وتوفّي ب (المدينة) سنة (١٠٦٩ ه‍) ، وأبوه عوض من تلاميذ الشّيخ أبي بكر بن سالم)

وفي (ص ٩٤ ج ٢) من «عقد شيخنا» : نروي حزب الشّيخ أبي بكر بأسانيد إلى الشّيخ المحدّث حسن بن عليّ العجيميّ المكّيّ بروايته له عن الشّيخ الصّوفيّ مهنا بن عوض بامزروع عن والده عن الشّيخ أبي بكر بن سالم.

وفي «مجموع الجدّ طه بن عمر» عن أحمد مؤذّن : (أنّ عليّ باشعيب نائب الواسطة أثبت هلال شعبان سنة «١٠٧١ ه‍» ، وهو رجل عاميّ محض لا يعرف شيئا من الفقه ، وصادقه الحبيب عليّ بن الحسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم ، ثمّ انخسف القمر ليلة (١٦) على حسابه ، فتحقّق تهوّره في الإثبات. ثمّ ثبت رمضان عند ولد بامطرف في الغيل بغوغاء ، وأنفذ الثّبوت إلى الشّحر ليلة الجمعة ، فلم يره ليلة السّبت إلّا الآحاد ، فتبّين أنّ إثبات بامطرف والكتابة به تلاعب بالدّين) اه

وقد مرّت الإشارة إلى بعضه في الغيل.

وفي الواسطة ناس من آل دخنان التّميميّين ، وناس من آل عثمان التّميميّين.

وفي شمال الواسطة قرية يقال لها : سويدف ، فيها مشايخ من آل بني صالح باجابر ، وناس من آل عثمان وآل سعيد التّميميّين ، وناس من آل عبد الباقي العوامر.

ثم : وادي الواسطة.

وهناك أودية كثيرة ؛ كوادي حسين ، ووادي هجره ، ووادي عولك.

ومن قسم إلى جهة الشّرق : وادي الخون (١) ، فيه نخل جميل.

وله واد يسمّى : وادي ضرغون ، يذهب غربا في الجبل الّذي عن شماله ، وفيه ثلاثة معايين ، يقال لأحدها : معيان العليا ، وللثّاني : معيان العيينة ، وللثّالث : معيان سويدف.

__________________

(١) وادي الخون : يقع إلى الجنوب من نجد العوامر ، وهذا الوادي به تربة طيبة صالحة للزراعة ، ولكنه متروك غير معمور.


وفي شمال هذا : وادي الشّكيل. وفي غربيّه : وادي سويدف.

وهذه المعايين تسقي نخيل الخون الّتي يضرب المثل بها في النّفاسة ، ويفيض الزّائد من مائها إلى المخاضة الّتي في شرقيّ قسم على طريق الذّاهبين إلى شعب هود عليه السلام.

وفي الخون قرية ينسب إليها السّيّد علويّ الخون بن عبد الرّحمن بن عبد الله باعلويّ ، انقرض عقبه سنة (١٠٣٩ ه‍) (١) ، والسّيّد عبد الرحمن بن أحمد الخون.

ومن وراء الخون : الفرط ، والكوده ، وباحفاره ، ووادي سبيه ، ووادي جب.

ثم : حصن العر ، وهو حصن بأعلى قارة فاردة ، باقية آثاره الشّاهدة بحكمة وقوّة بانيه من الحجارة المنحوتة ، حتى لقد أنكر بعض السّوّاح الأجانب أن يكون من بناء الحضارم ، وتوهّم أنّه من بناء حكماء اليونان ومهندسيهم ؛ لأنّه بصنيعهم أشبه ، وما درى أنّ عادا هم الّذين يبنون بكلّ ريع آية يعبثون ، ويتّخذون مصانع لعلّهم يخلدون ، وأنّ ثمودا نعم الّذين ينحتون من الجبال بيوتا فرهين ، والله يقول : (وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ)(٢)

وتعدّ منازلهم وحضارتهم أقدم من حضارة اليونانيّين بألوف السّنين.

وقد مرّ في حصن الغراب ما ينبغي النّظر إليه عند هذا ، ولا يبعد أن يكون هذا

__________________

(١) في المطبوع من «شمس الظهيرة» (١ / ٣٥١) : أنها سنة (١١٣٩ ه‍).

(٢) قال صلاح البكري في «تاريخه» (١ / ٤٨ ـ ٤٩): (.. أطلال حصن العر ، وهي عبارة عن بقايا من الحيطان الضخمة ، يرجع عهدها إلى ما قبل الإسلام ، قائمة على تل منعزل ، ممتدة إلى مسافات بعيدة ، شديد الانحدار ، وهذا الحصن المتهدم كان فيما مضى قلعة تشرف على ذلك الإقليم.

وفي سفح التل توجد بئر مطمورة. ولا تزال آثار الطريق الذي يؤدّي إلى القمة متميزة ، وما زالت بقايا الأبنية مبعثرة حول قمة التل على ارتفاع (٥٠) قدما.

وهناك ممرّ صغير في الصخر ، منحدر من الجهة الجنوبية الشرقية ، حيث توجد بضع درجات كانت المدخل الرئيسي للقلعة ، وعلى الأعمدة المتهدمة نقوش دقيقة تدل على مهارة صانعها ؛ فقد رسم صورا للصيد ، بها فرسان يحاربون الأسود وجها لوجه ، وصورا أخرى جميلة للوعل الذي يلعب دورا مهما في خرافات حضرموت ، ورسم أيضا عناقيد العنب كزخارف جميلة للأعمدة) اه


الحصن هو حصن جعفر بن قرط بن الهميسع ـ المسمى : علعال ـ الّذي لجأت إليه بلقيس في خبرها المشروح ب «الأصل».

وفي «صفة جزيرة العرب» [١٧٣ ـ ١٧٤] لابن الحائك ذكر العرّ وثوبة في عداد سرو حمير وأوديته بترتيب مشوّش.

وفي «القاموس» : أنّ العرّ اسم لجبل عدن.

ولعلّ العرّ وثوبه المذكورين عند ابن الحائك على اسم العرّ هذا وثوبه الّتي تليه ؛ لأنّ هذين إذا كانا عاديّين .. فهما أقدم من ذينك بكثير.

وحوالي هذا الحصن كانت الواقعة الهائلة للمناهيل على آل تميم ، حسبما فصّلت ب «الأصل».

ومن قتلى آل تميم في ذلك اليوم : منصور وهادي وعليّ آل قحطان.

أبوا أن يفرّوا والقنا في نحورهم

ولم يرتقوا من خشية الموت سلّما

ولو أنّهم فرّوا .. لكانوا أعزّة

ولكن رأوا صبرا على الموت أكرما

وقديما كان يقال : ضحّى بنو أميّة بالدّين يوم كربلاء ، وبالشّجاعة يوم العقر .. وكذلك ضحّت المناهيل بناس بني تميم يوم العر بعد أن كان منهم ليوث غريف ، وغيوث خريف.

لعمرك ما تدري القوابل منهم

أسلّت رجالا أم ظبى قضب بتر (١)

هم استفرغوا ما كان في البيض والقنا

فلم يبق إلّا ذو اعوجاج وذو كسر

وفي الأخير ضبطت الحكومة القعيطيّة هذا الحصن ، وجعلت فيه عسكرا أو شابا ليسوا من صميم يافع ، ومع ذلك أقرّتهم المناهيل ولم تستنكف ، حتّى سمعوا ما يؤلمهم من بعض نوّاب القعيطيّ الّذين طالما تألّمنا من سياستهم العوجاء ـ كما سبق ـ في الشّحر ؛ لأنّهم لا يعرفون مقادير الرّجال ، ولا ينزلون النّاس منازلهم ، فلم

__________________

(١) البيتان من الطويل ، وهما للشريف الرضي في «ديوانه» (١ / ٥٠٤).


يكن من المناهيل إلّا أن هجموا على الحصن وجرّدوا العسكر من السّلاح ، وطردوهم ، وكسروا ناموسهم.

ولم يبال أحد منهم بالعار سوى يافعيّ واحد كان بينهم ؛ فإنّه لم يرض إلّا بالقتل ، وكان ذلك في سنة (١٣٦٦ ه‍) ، وأشاع بإثرها من في صدره ضبّ ضغن على الحكومة القعيطيّة : أنّ الدّولة البريطانيّة فصلت العر وما نزل عنها شرقا عن المملكة القعيطيّة ، وعقدت مع المناهيل معاهدة مستقلّة طمعا فيما ظهر بتلك البقاع من آثار البترول. وما أظنّ هذا يصحّ بحال ، وإذا كان المتحدّث سفيها .. يكون المستمع عاقلا ؛ لأنّ الحكومة الإنكليزيّة أعقل من أن تكون كالصّائم الّذي وقع على حشفة فأفسد بها صومه ، مع أنّه لا يتعذّر عليها شيء من أمر البترول مع بقاء الأرض في حوزة القعيطيّ ؛ إن هذا إلّا اختلاق.

ثوبه

هي من الدّيار القديمة. لها ذكر عند ابن الحائك كما سبق في الخون ، وقال في موضع آخر بعد العجز : (ثمّ ينحدر المنحدر منها إلى ثوبه ، قرية بسفلى حضرموت بواد ذي نخل ، ويفيض وادي ثوبه إلى بلد مهرة ، وحيث قبر النّبيّ هود عليه السّلام) اه (١)

وأطلال هذه القرية ظاهرة إلى اليوم ، وهي في شمال السّوم إلى الغرب ، بينها وبينه نحو نصف ساعة ، ينزلها المناهيل ، ويضربون بها الخيام ، وبها آثار كثيرة مطمورة بالتّراب.

وأخبرني الولد الفاضل الأديب عبد القادر بن أحمد بن عبد الرّحمن السّقّاف (٢) :

__________________

(١) الصفة (١٦٩ ـ ١٧٠).

(٢) وتعود معرفة الحبيب عبد القادر بهذه الأماكن لسكناه بها مدة ؛ إذ كان مدرّسا في قسم في الفترة ما قبل سنة (١٣٩٠ ه‍) ، وكان معه فيها الأستاذ النحوي الأديب السيد حسين بن عيدروس عيديد وتصاحبا مدة ، قرأ فيها الأستاذ حسين شيئا من كتب النحو على الحبيب عبد القادر ك «شرح القطر» لابن هشام.


أنّ بعضهم خرج إليها في السّنين الأخيرة ، فوقع على ضريبة (١) من الذّهب لم يكن لها مثال. وفي هذا المكان غيران وكتابات حميريّة ، وهذه الضّريبة نموذج ممّا وراءها من الكنوز المدفونة.

ومن وراء ثوبه إلى الشّرق : وادي سخورة.

السّوم

لا يبعد أن يكون هو المعنيّ بقول ابن الحائك السّابق عن ثوبة : (بواد ذي نخل) اه

إلّا أنّ وادي ثوبه غير أودية السّوم ، يسكن فيها جماعة من آل باحميد ، وآل البسريّ ، وآل سعيدان ، وآل برّكيز ، آل قفلة من آل نهيد من آل تميم.

وفيها مسجد للإمام عبد الرّحمن السّقّاف ، وفي «شمس الظّهيرة» [١ / ٢٢٨] : (أنّ في السّوم جماعة من ذرّيّة إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرّحمن السّقّاف ، يقال لهم : آل بن براهيم) (٢).

وفيها أيضا : (سهل بن أحمد (٣) بن محمّد حذلقات (٤) ـ المتوفّى بتريم سنة «٨٢٧ ه‍» ـ ابن علويّ بن محمّد مولى الدّويلة ، عقبه : آل زحوم بشتير (٥) قرب النّبيّ هود عليه السّلام. وآل صالح ، وآل فدعق (٦) ؛ ومنهم : آل بالبطق بالسّوم ،

__________________

(١) أي : نقود مضروبة.

(٢) وآل بن براهيم هؤلاء ذرية عبد الرحمن القارىء بن إبراهيم .. بنو عمومة سكان قسم الذين هم من ذرية أخيه عقيل بن إبراهيم كما سبق فيها.

(٣) يلقب السيد أحمد هذا بصاحب يبحر ، توفي سنة (٨٧٣ ه‍).

(٤) السيد محمد حذلقات هذا مترجم في «المشرع» (١ / ٣٨١ ـ ٣٨٢).

(٥) شتير : واد من أودية الحموم ، يصب قريبا من قبر نبي الله هود عليه السلام بأسفل حضرموت.

(٦) آل فدعق هؤلاء ذرية السيد فدعق بن محمد بن علي بن سهل ، وهم من بادية السادة ، غير آل فدعق سكان قسم آل عبد الله باعلوي ، ومن هؤلاء من سكن قسم ؛ ومنهم : السيد سالم بن زين بن محمد بن عبد الله فدعق ، المتوفى بقسم سنة (١٢٩٠ ه‍).


وآل ابن سالمين بفغمه ، وآل ابن زين بالسّوم ، وآل بيت محمّد بالسّوم وفغمه) اه (١)

وفي الحكاية (٤٠٥) من «الجوهر» : (روي أنّ الشّيخ عبد الله بن محمّد بن عليّ بن علويّ ابن الفقيه كان مقيما بالسّوم الأحرم ، وابنه محمّد (٢) إذ ذاك بظفار ، فأرجفوا بموت ولده ، فكذّبهم). توفّي عبد الله سنة (٨١٨ ه‍).

وفي الحكاية (٤٣٧) : (عن الشّيخ عبد الله باعلويّ : أنّ والده كان ساكنا بأمه (٣) في عريش بالسّوم ، ففاض وادي عرده بسيل عظيم ، وهو السّيل المشهور الّذي أهلك كثيرا من النّاس ومن البهائم ، فلم يضرّهم إلّا قليلا بدفن أثاثهم ، ثمّ أدركوه).

وكان بالسّوم نخل كثير مثمر ، حتّى لقد كان ما يدخل على المقدّم أحمد بن عبد الله بن يمانيّ من مغلّه وجبايته أكثر من ألفي بهار ، وكان أكثر تمر حضرموت من ذلك الجانب ، لكنّ السّيول اجتاحت ذلك النّخل ولم يبق إلّا القليل ، وشرّ ذلك من أخدود النّقرة.

وحوالي السّوم أودية كثيرة ؛ منها : وادي سخورة.

ثمّ : وادي عرده السّابق ذكره في حكاية «الجوهر» ، وهو واد تنهر إليه السّيول من جبال بعيدة.

وبينه وبين السّوم موضع يقال له : مكينون ، به آثار قديمة (٤).

__________________

(١) الصفة (١ / ٣٢٨).

(٢) ترجم له في «المشرع» (١ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧).

(٣) أم الشيخ عبد الله باعلوي هي الشريفة فاطمة بنت الشيخ أحمد بن عبد الرحمن بن علوي عم الفقيه المقدم ، لم يعقب والدها سواها.

(٤) تقع أطلال مكينون ، ويقال لها : مكنون ، على مقربة من السوم ، ولا زالت بقايا الأبنية القديمة قائمة ، ويتصل بهذه الخرائب مكان متسع كان مقبرة لذلك الحي ، والقبور طويلة ، مما يدل على أن أصحابها كانوا عماليق ، وقد رصفت الأحجار على القبور بشكل دوائر. وبقرب وادي سخورة فوق الصخور على ارتفاع (٣٠٠) قدم تقوم قلعة ثوبه (ثوبى) ، ولا زالت حيطانها حافظة شكلها بالرغم من سقوطها وتراكمها بعضها على بعض. وتوجد حصون كثيرة واستحكامات متهدّمة في ثوبه والعر ، وهذا يدل على أن هذا الإقليم كان منطقة حربية لحماية حدود المملكة. عن «تاريخ حضرموت السياسي» للبكري (١ / ٥٦ ـ ٥٧).


ثمّ : شطب ، ومشاطر ؛ كما في خريطة قدّمها لي الضّابط الإنكليزي المكرّم وطس ، فقلّدني منّا ، واستحقّ منّي عليها شكرا ، وأوقعني في العجب إذ خفّ في مساعدتي بهذه الخدمة عندما تثاقل العلويّون.

ثمّ : عصم ، وهو : منزل ينزل به زوّار نبيّ الله هود عليه السّلام ، فيه آل سعد من آل تميم.

وفي شماله : وادي عصم. ثمّ : العصيّه لآل تميم. ووادي عنحي.

فغمه

يسكنها جماعة من ذرّيّة السّيّد محمّد بن عليّ مولى الدّويلة ، وآل بلحتيش من آل تميم.

وفي «بستان العجائب» : (أنّها كانت قريتين : إحداهما لمولى الدّويلة وفيها له مسجد ، والأخرى لابنه السّقّاف وفيها له مسجد ، وكان يقال للأولى : الدّويلة) اه بمعناه.

وهو إمّا انتقال نظر من يبحر إليها ، وإمّا أن تكون مثلها في الانقسام بين السّقّاف وأبيه.

وفي جنوبها : وادي يبحر. وفي شمالها : وادي فغمه.

ثمّ : يبحر ، وهي الدّويلة المنسوبة إلى محمّد بن عليّ ، وكانت موضعا للّصوص وقطّاع الطّريق ، فاحتمى به كما في الحكاية (١٢٥) من «الجوهر» (١).

والجديدة ، المنسوبة إلى ابنه عبد الرّحمن السّقّاف (٢).

__________________

(١) ويشبه هذا ما قام به الحبيب علي بن حسن العطاس في الموضع الغيوار الذي سمّي بالمشهد.

(٢) وذلك بعد خراب القديمة الدويلة ، جاء في «الشجرة الكبرى» في ترجمة الشيخ محمد مولى الدويلة : (فانحدر وبنى المسجد القبلي الذي على الجرف ، وقد انهدم حمّامه من السيل ، وأصلح .. ثم اختطّ بعده يبحر الشرقية ابنه السقاف وبنى بها مسجده المعروف ، وبنيت حوله بيوت ، وصارت قرية يقال


وفي الحكاية (١٢٧) من «الجوهر» : (أنّ لآل محرم ـ وهم بطن من آل كثير ـ حصنا قريبا من يبحر).

وفي الحكاية (١٣٣) منه : (أنّ مولى الدّويلة سابق محمّد بن أحمد النّهديّ .. فسبقه ، مع أنّه على حمار والنّهديّ على فرس).

ثمّ : تنعه : وهي من قدامى البلدان. قال ياقوت : (روي عن الدّار قطنيّ أنّه قال : تنعة هو بقيل بن هانىء بن عمرو بن ذهل بن شرحبيل بن حبيب بن عمير بن الأسود بن الضّبيب بن عمرو بن عبد بن سلامان بن الحارث بن حضرموت ، وهم اليوم ـ أو أكثرهم ـ بالكوفة ، وبهم سمّيت قرية بحضرموت بقرب وادي برهوت الّذي تسمع منه أصوات أهل النّار ، له ذكر في الآثار.

وقد نسب بهذه النّسبة جماعة منهم إلى القبيلة ، ومنهم إلى الموضع.

منهم : أوس بن ضمعج (١) التّنعيّ أبو قتيبة.

وعياض بن عياض بن عمرو بن جبلة بن هانىء بن بقيل الأصغر ابن أسلم بن ذهل بن نمير بن بقيل وهو تنعه ، روى عن ابن مسعود ، حديثه عند سلمة بن كهيل.

وعمرو بن سويد التّنعيّ الكوفيّ الحضرميّ (٢) ، روى عن زيد بن أرقم.

وأخوه عامر بن سويد يروي عن عبد الله بن عمر ، وعنه جابر الجعفيّ وغيره) اه (٣)

__________________

لها : يبحر الجديدة ، والكلّ الآن خراب ، لم يبق إلا المساجد والتربة رضي الله عن الجميع ونفع بهم) اه

(١) أوس بن ضمعج الكوفي الحضرمي ، ويقال : النّخعي ، ولعله بالولاء ، حدث عن أبي مسعود الأنصاري ، وسلمان الفارسي ، والسيدة عائشة رضي الله عنهم. وعنه : ابنه عمران ، وأبو إسحاق السبيعي ، وإسماعيل بن رجاء ، قال خليفة بن خياط : إنه كان موجودا سنة (٧٤ ه‍) في ولاية بشر بن مروان. وقال العجلي : كوفي تابعي ثقة. وقال ابن سعد : أدرك الجاهلية وكان ثقة معروفا ، قليل الحديث ، وذكره ابن حبان في «الثقات». وحديثه عند مسلم والأربعة. ترجمته في «تهذيب التهذيب» (١ / ١٩٣ ـ ١٩٤).

(٢) نسبته عند ابن حجر في «التهذيب» : الثقفي.

(٣) معجم البلدان (٢ / ٤٩).


وعلى ذكر أوس بن ضمعج أعود بالقارىء إلى ما سبق في (يبعث) عن ياقوت من قول التّنوخيّ [من الطّويل] :

لعمري لنعم الحيّ من آل ضجعم

ثوى بين أحجار ببرقة حارب

إلى ما جاء في كتابه صلّى الله عليه وآله وسلّم هناك:(إلى أبناء معشر وأبناء ضمعج)

وحوالي تنعه مكان يقال له : السّبعة الوديان.

ثمّ : شقير (١) السّابق ذكره به ديار آل مولى الدّويلة.

ثمّ : حصن ابن كوب التّميميّ ، لا يزال به ناس منهم إلى الآن.

ثمّ : وادي برهوت (٢) : والكلام فيه منتشر ، وقد ذكره ابن الحائك (٣) وصاحب «القاموس» وياقوت [١ / ٤٠٥] وغيرهم من المحدّثين والمفسّرين والإخباريّين ، فلا حاجة إلى الإطالة بما لا مطمع في حصره ولا يقين من صحّته.

وفي الأخبار له ذكر كثير ، وهو واد لا بأس به ، منه كليب بن سعد البرهوتيّ ، وفد على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنشد قصيدة ، منها ـ كما عند ابن سعد [١ / ٣٥٠] والسّيوطيّ وغيرهما ـ قوله [من البسيط] :

من (وشز برهوت) تهوي بي عذافرة

إليك يا خير من يحفى وينتعل (٤)

شهرين أعملتها نصّا على وجل

أرجو بذاك ثواب الله يا رجل (٥)

__________________

(١) ولعلها تقرأ : (شتير) ، بالتاء بعد الشين المعجمتين ، وتقدم ذكره.

(٢) برهوت : اسم هضبة أسفل وادي ابن راشد من أعمال مديرية سيئون ، بها مزارع وسكان ، وبها مغارة برهوت. ويرجع المؤرخ عبد القادر الصبان رحمه الله التسمية إلى قبيلة البراهيت من حمير.

(٣) «صفة جزيرة العرب» (٢٤٢) و (٣١٩) و (٣٢٣).

(٤) العذافرة : النّاقة الشّديدة الأمينة الوثيقة.

(٥) ونص الخبر عند ابن سعد في «طبقاته الكبرى» (١ / ٣٥٠) : أخبرنا هشام بن محمد ، قال : حدثني عمرو بن المهاجر سنان ، قال : كانت امرأة من حضرموت من تنعه يقال لها : تهناة بنت كليب ، صنعت لرسول الله كسوة ثم دعت ابنها كليب بن أسد بن كليب فقالت : انطلق بهذه الكسوة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأتاه بها وأسلم ، فدعى له ، فقال رجل من ولده ؛ يعرّض بناس


وحدّثني من سار إلى بئره (١) وقال : إنّها عبارة عن غار يتّسع تارة ويضيق أخرى ، وهو مظلم وفيه روائح منكرة. قال : ولمّا انتهينا إلى حيث انطفأت السّرج .. لم نجسر على التّقدّم ؛ لأنّ انطفاءها دليل فقد الهواء المغذّي للأنفاس (٢).

__________________

من قومه :

لقد مسح الرسول أبا أبينا

ولم يمسح وجوه بني بحير

شبابهم وشيبهم سواء

فهم في اللؤم أسنان الحمير

وقال كليب حين أتى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم :

من وشز برهوت تهوي بي عذافرة

إليك يا خير من يحفى وينتعل

تجوب بي صفصفا غبرا مناهله

تزداد عفوا إذا ما كلّت الإبل

شهرين أعملتها نصا على وجل

أرجو بذاك ثواب الله يا رجل

أنت النبي الذي كنا نخبّره

وبشرتنا بك التوراة والرسل) اه

وها هنا وقفة عند قوله : (وبشرتنا بك التوراة ..) ، مما يدلنا على وجود للديانة اليهودية بحضرموت قبل مجيء الإسلام. والله أعلم.

(١) أي : بئر برهوت.

(٢) يعني به الأكسجين ، ويذهب بعض السياح الأوربيين الذين زاروا هذه البئر بعد دراسة ، إلى أنه موضع بركان قديم يظهر أنه انفجر فأهلك من حوله. ولعل مما يؤيد هذا الرأي .. ما يقال : إنه يسمع لهذا المكان أصوات كالرعد من مسافات ، وأنه يقذف بحرارة ودخان! وينظر «تاريخ البكري» (١ / ٥٥ ـ ٥٦).

وقد وردت أحاديث نبوية عند الطبراني في «المعجم الكبير» (١١ / ٩٨) (١١١٦٧) ، و «الأوسط» (٤ / ١٧٩) (٣٩١٢) ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «خير ماء على وجه الأرض .. ماء زمزم ..» وفيه : «وشر ماء على وجه الأرض .. ماء بوادي برهوت ، بقية بحضرموت كرجل الجراد من الهلام ، تصبح تتدفق ، وتمسي لا بلال لها». وفي رواية : «والله ما على وجه الأرض ماء شر من ماء بئر بوادي برهوت».

ففي الأحاديث تصريح بأن برهوت اسم للوادي واسم للبئر ، لكن لا وجود للبئر اليوم ، إنما هي مغارة أشبه بكهف .. وجاء في كتاب : «الأصنام» للكلبي (ص ٥٠): (يقال : أمرع من نوذ ، وأجدب من برهوت ، وبرهوت واد بحضرموت ، بقرب قرية يقال لها : تنعة) اه

وممن دخلها من المستشرقين : الهولندي فان درميولين (وقد طبعت رحلته) ، والنمساوي فان وايزمان .. وحاصل ما قالاه : أن هذه المغارة تقع على ارتفاع (٣٠٠) قدم من سفح الجبل ، ولها طريق معبد نقر في الصخر ، كانت الجمال تسير عليه لجلب السماد من فضلات الخفافيش.

وتتشعب هذه المغارة إلى شعب ، كما أن في أقصاها منحدرا.

واستنتجا : أن برهوت كهف جيري ليس به أثر بركاني ، وأن الروائح الخبيثة ليست من الكبريت بل


وهذا الوصف قريب ممّا نشره العلّامة الجليل السّيّد محمّد بن عقيل في «مقتطف» جمادى الأولى من سنة (١٣٤٧ ه‍) (١).

وأخرج أبو نعيم في ترجمة مجاهد صاحب «التّفسير» من «الحلية» بسنده إلى الأعمش : أنّ مجاهدا ذهب إلى حضرموت إلى بئر برهوت.

شعب نبيّ الله هود عليه السّلام

هو شعب متّقد بالنّور ، حليّ بالسّرور ، شبيه بمنى من حيث الدّور ، فلا بدع أن يجيء فيه موضع قول الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ٢ / ٥٧٠ من الطّويل] :

فوا لهفي كم بي من الخيف لهفة

تذوب عليها قطعة من فؤاديا

وكيف لا يكون كذلك وهو مهبط وحي ، ومعقل نبوّة ، ومختلف ملائكة ، ومتنزّل سكينة؟!!

وقد دلّلت في «الأصل» على وجود نبيّ الله هود في حضرموت بالدّلائل

__________________

من تحول الصخور وبول الخفافيش ، وأن الحرارة ليست من عامل بركاني ولكن من أثر الحرارة الخارجية.

وأخرج أبو نعيم بسنده في «الحلية» (٥ / ١٩٢) من حديث حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لتقصدنكم نار هي اليوم خامدة في واد يقال له : برهوت ، يغشى الناس فيها عذاب أليم ... إلخ» الحديث ، وهو حديث غريب كما قال الحافظ.

قال السيد صالح الحامد (١ / ٨٢): (وقد رأيت فيما نقله ابن هشام من أخبار يعرب بن قحطان : أنه أتاه آت فقال له : يا يعرب ؛ هلا جعلت نقبا في الجبل الأغر من أرض برهوت في غربي حضرموت ؛ فإنه معدن عقيان ، وانقر شرقيه ؛ فإنه معدن لجين ؛ ففعل ، ثم إنه يستخرج الجوهر من العقيق ، فكثر اللجين والعقيق في أرض يمن) اه

وهذا يوقع في النفس احتمالا آخر ؛ وهو : أن هذه المغارة نقبت وحفرت ؛ بحثا وطمعا وراء معدن مظنون في هذا الجبل.

(١) الذي نشر في «المقتطف» الجريدة المصرية المعروفة آنذاك .. هو ملخص رحلة السيد محمد المذكور ، وكان دخوله إلى المغارة بصحبة السيد محمد بن علي الحييد وحاصل رحلتهما : أنهما يريان أنها بقايا بركان قديم خمد. «الحامد» (١ / ٨٢).


المجلوّة ، ومن أقواها هذه الآية المتلوّة : (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)

والأحقاف هي حضرموت دون نزاع (١) ، والأصل بقاء ما كان على ما كان حتّى يعلم خلافه ، فينبغي أن يعقد عليه الإجماع.

وما أخرجه الحاكم من التحاق نبيّ كلّ أمّة تهلك بمكّة (٢) .. عامّ موقوف ، يخصّصه ما أخرجه ابن إسحاق في «المبتدأ» وابن عساكر في «التّاريخ» عن عروة بن الزّبير : (أنّه ما من نبيّ إلّا حجّ هذا البيت ، إلّا ما كان من هود وصالح تشاغلا بأمر قومهما حتّى قبضهما الله ولم يحجّا).

ولئن ذكر حجّ هود في «مسند أحمد» (٣) فما سنده بأشمل ممّا مرّ عن ابن إسحاق وابن عساكر.

وقد ذكر ابن هشام في «التّيجان» : (أنّ هودا وأولاده يحجّون ثمّ يعودون إلى ديارهم).

وفي جواره كان قبر لقمان بن عاد الملطاط بن سكسك بن وائل بن حمير ، صاحب النّسور السّبعة كما في «إكليل» الهمدانيّ (٤) [٨ / ١٨٤] وذكره غيره أيضا. ولقبر هود ذكر طويل في (ج ٨ ص ١٣١ ـ ١٣٣) منه.

__________________

(١) والأحقاف ـ جمع حقف بالكسر ـ والحقف : المعوجّ من الرمل ، أو الكثيب منه إذا تقوس ، أو الرمل المستطيل المشرف.

(٢) أخرج الحاكم في «المستدرك» بسنده (٢ / ٦١٥) : عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن ساباط قال : (إنه لم تهلك أمة إلا لحق نبيّها بمكة فيعبد فيها حتى يموت ، وإن قبر هود بين الحجر وزمزم).

(٣) أخرج الإمام أحمد في «المسند» (١ / ٢٣٢) : عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : لمّا مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوادي عسفان حين حجّ .. قال : «يا أبا بكر .. أيّ واد هذا؟» ، قال : وادي عسفان ، قال : «لقد مرّ به هود وصالح على بكرات حمر ، خطمها اللّيف ، أزرهم العباء ، وأرديتهم النّمار ، يلبّون يحجّون البيت العتيق».

(٤) ومما جاء في «الإكليل» من خبر لقمان : أنه أعطي ما لم يعطه غيره في زمانه ، أعطي حاسة (١٠٠) رجل ، وكان طويلا جدا ، وهو الحكيم المذكور في القرآن ، وزعم البعض نبوته.


ولذكر منبره ، ولقبر قضاعة بن مالك بن حمير جدّ قبائل قضاعة في الشّام واليمن حديث آخر فيه من (ص ١٥٦ ـ ١٥٨) ، وهو لا يخرج عمّا سبق في وادي عمد عن «الشّهاب الرّاصد» : أنّ قبر قضاعة بجبل الشّحر ؛ لأنّ شعب هود عليه السّلام داخل في مسمّى الشّحر.

وقال في (ص ١٧٦ ـ ١٧٧) منه : (إنّ قبر هود عليه السّلام بالأحقاف ، بموضع يقال له : الحفيف في الكثيب الأحمر) (١) ، وهو موافق لما في «الأصل» ، وذكر أنّ : «قبر قحطان بن هود بمأرب».

__________________

وسبب تلقيبه بصاحب النسور السبعة .. أنه كان يدعو بعد الصلوات بقوله :

اللهم يا رب البحار الخضر

والأرض ذات النبت بعد القطر

(أسألك عمرا فوق كلّ عمر)

فنودي : قد أجبت ، وأعطيت سؤلك ، ولا سبيل إلى الخلود ، فاختر إن شئت بقاء سبع بقرات عفر في جبل وعر لا يمسهن ذكر ، أو بقاء سبعة أنسر كلما هلك نسر عقب بعده نسر ، فاختار النسور.

قال وهب : فيذكر أنه عاش (٢٤٠٠) سنة ، وقال عبيد بن شريّة : (١٧٦٤) سنة. وكان هو ونسوره مثلا في العرب ، واسم نسره الأخير (لبد).

وفيه قول النابغة :

أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا

أخنى عليها الذي أخنى على لبد

قال وهب : لما دنا الموت من لقمان بن عاد .. قال : يا قوم دعوني من سنن الجبارين واسلكوا بي سبل الصالحين ، احفروا لي ضريحا واروني فيه ترابا وحصبا ، ولا تجعلوني للناظرين نصبا ، فدفن بالأحقاف إلى جوار قبر هود عليه السلام.

(١) بمكان كان يقال له : الهبينق ، وفي هذا موافقة لما ورد عن الكثيب الأحمر في الأثر الذي روي عن أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه.

ونصه : ما رواه ابن جرير الطبري في «تفسيره» ، عند تفسير قول الله تعالى : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) قال : حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق ، عن محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال : سمعت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لرجل من حضرموت : هل رأيت كثيبا أحمر يخالطه مدرة حمراء ، ذا أراك وسدر كثير ، بناحية كذا وكذا من حضرموت ، هل رأيته؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، وو الله إنك تنعته نعت رجل رآه. قال : لا ، ولكني قد حدثت عنه. فقال الحضرمي : وما شأنه يا أمير المؤمنين؟ قال : فيه قبر هود صلوات الله عليه. اه

وذكر في هذا الموضع أيضا روايات عن السدي وابن إسحاق ، حاصلها : أن الأحقاف في


وأمّا نسب نبيّ الله هود عليه السّلام .. فقال الهمدانيّ في (ج ١ ص ١٦١ ـ ١٧٧) من «الإكليل» ، (إنّهم اختلفوا فيه إلى خمس فرق).

قالت الأولى : إنه قحطان بن هود بن عبد الله بن رباح بن خلد بن الخلود ـ وهو مخلّد ـ ابن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. قال أبو نصر : والنّاس يغلطون في عابر ، وهو هود بن أيمن بن حلجم بن بضم بن عوضين بن شدّاد بن عاد بن الهاد بن عاد بن عوص بن إرم بن عوص بن عابر بن شالخ ، وذكر أنّه وجد هذا النّسب في بعض مساند حمير في صفاح الحجارة.

وعابر بن شالخ هو هود بن شالخ ، ولا نسب لحمير في عاد.

وأمّا قول علقمة بن ذي جدن [من الوافر] :

ومصنعة بذي ريدان أسّت

بناها من بني عاد قروم

 .. فحيف من علقمة ، وربّما كان الّذي بناه من حمير أبناء رجل منهم يسّمى عادا ؛ فالأسماء مستعارة ، وقد جاء في حمير عمالقة ، والعمالقة إنّما هم بنو لاوذ بن سام ، فإمّا أن يكون ذهب إلى القدم فالعرب تقول لكلّ شيء قديم : عاديّ ، قال بعض طيّء [من المتقارب] :

وبالجبلين لنا معقل

صعدنا إليه بسمر الصّعاد

ملكناه في أوليات الزّمان

من بعد نوح ومن قبل عاد

ذهب إلى مجرّد القدم.

ومن الدّليل على أنّ حمير ليست من عاد .. قوله جلّ وعلا بعدما ذكر مهلك عاد : (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) فلا باقية لهم ولا لثمود ؛ لقوله تعالى : (وَثَمُودَ فَما أَبْقى)

__________________

حضرموت ، وهي منازل عاد.

أما الحديث هذا ـ حديث الكثيب ـ فقد خرجه العلامة سالم بن عبد الله الشاطري في رسالة «نيل المقصود» فلينظر فيها ، وللأخ السيد علي بن محمد بن حسين العيدروس كتاب سماه : «بذل الجهود في الروايات والأخبار المروية في فضائل نبي الله هود عليه السلام» ، وتحقيق مكان قبره وغير ذلك.


وحمير تملأ البلاد إلى اليوم ، وهذه الحجّة ضعيفة ، وفي الحديث : «إنّ في المشرق : جابلق ، يسكنها بقايا عاد ، وفي المغرب : جابرس ، ويسكنها بقايا ثمود».

والعرب كثيرا ما تطلق الكلّ على البعض.

وقال الفرقة الثّانية ـ وهم الأكثر ـ : هو قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ ، ثمّ افترقت هذه الفرقة.

فقال أقلّها : إنّ عابر هذا ليس بهود المرسل ؛ لأنّه ليس من عاد ، وإنّ هودا المرسل إلى عاد كان من أنفسها وأوسطها.

وقال أكثر هذه الفرقة : إنّ عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام هو النّبيّ المرسل ، وإنّه عاش (٤٢٠) سنة ، وعاش عاد بن عوص ثلاث مئة سنة وما مات حتّى ملأ أولاده البلاد ، وأدرك أوّل ملك الخلجان من ولده ، وهو الّذي هلكت عاد في عصره ، واحتجّ هؤلاء بحجّتين ؛ إحداهما : قول علقمة بن ذي جدن [من الطّويل] :

سأبكي لقومي حميرا أن تجرّموا

وأصبح منهم ملكهم متمزّقا

تراث نبيّ الله هود بن شالخ

بنيه بني قحطان غربا ومشرقا

وقول النّعمان بن بشير الأنصاريّ [من الطّويل] :

فمنّا سراة النّاس هود وصالح

وذو الكفل منّا والملوك الأعاظم

وقول حسّان بن ثابت الأنصاريّ [من الطّويل] :

فنحن بنو قحطان والملك والعلا

ومنّا نبيّ الله هود الأحابر

وإدريس ما إن كان في النّاس مثله

ولا مثل ذي القرنين أبناء عابر

قال يعرب [من الوافر] :

بنيّ أبوكم لم يعد عمّا

به وصّاه قحطان بن هود

والحجّة الثّانية : أنهم ذكروا أنّ حمير بن سبأ سيّر جرهما إلى الحرم وأرض الحجاز ، وأمّر عليهم هيّ بن بيّ بن جرهم بن يقطن بن عابر.


وقال الخزاعيّ : هو هيّ بن بيّ بن جرهم بن الغوث بن يشدد بن سعد بن جرهم فلمّا صاروا بأسفل مكّة .. إذا هم بهاجر ومعها ابنها إسماعيل بن إبراهيم ، ولمّا أخبرتهم بنسبه .. عرفوه ، وذكروا القرابة ، ورغّبهم قربهم في مجاورته ، فكان حمير بن سبأ في درجة إبراهيم في النّسب إلى عابر ؛ إذ هو إبراهيم بن آزر ، وهو تارخ بن شاروخ بن أرعواء بن فالخ بن عابر ، وحمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر ، وكذلك من قال : إنّ عابر هو هود بن عبد الله بن خالد بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ، وهذا أقرب القولين إلى ما يلائم الصّواب.

وقالت الفرقة الرّابعة : إنّ حمير وجرهم قبل عاد وثمود بدهور طويلة ، وإنّ جرهم لم تكن يوم عثرت على إسماعيل وأمّه وعلى زمزم سيّارة من اليمن ، وإنّما كان حمير بن سبأ ، سيّرهم إلى جبال الحرم ولاة على العماليق وعبد ضخم ، فكانوا بنجد والطّائف وأجبل الحرم ، فأقاموا دهورا لا يدخلون وادي مكّة ـ إذ كان خاويا ـ إلّا لرعي ، حتّى خرج الحارث بن مضاض بن عمر بن سعد بن الرّقيب بن ظالم بن هيّ بن بيّ بن جرهم بن قحطان في عصبة ترود من جرهم ، فوجدوا إسماعيل وأمّه فعرّفته بالنّسب ، فرغب في المقام معهما ، فأقام وجميع جرهم معه ، وتزوّج إسماعيل إلى العماليق ، ثمّ إلى الحارث بن مضاض.

أقول : وهذا بالحقيقة لا يردّ ما قبله ، بل يؤيّده ؛ إذ لم يزد بين الحارث وهيّ بن بيّ إلّا خمسة ، وهذه لا تغبّر على شيء كما يتوضّح من قول الفرقة الخامسة : إنّ الاحتجاج بمعادّة الآباء سبب ضعيف ؛ لاختلاف أعمار النّاس) اه بنوع تصرّف واختصار.

والقول الّذي ينبغي اعتماده هو ما تكرّر عند الهمدانيّ وغيره : إنّ حمير ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود.

وأمّا السّوق الّتي تقوم في ذلك الشّعب .. فقد مرّ خبرها في وادي العين ، وكانت هذه السّوق كما ب «الأصل» عن «بلوغ الأرب» تقام في النّصف من شعبان ، وما زال عليه الأمر بحضرموت إلى ما قبل اليوم بنحو من مئتي سنة ، فتغيّر قليلا.


وفي مكاتبة بتاريخ (٥) شعبان سنة (١٢٠٢ ه‍) من السّيّد أحمد بن حسن بن عبد الله الحدّاد سيّرها للسّيّد محمّد بن حسن بن محمّد مولى خيله .. تدلّ على أنّ تأخّر الزّيارة عن نصف شعبان إنّما كان بعد القطب الحدّاد ، غير أنّ في «مجموع كلام القطب الحدّاد» (١) ما يدلّ على أنّ بدء التّغيير كان في أيّامه ، فصار أهل سيئون ومن في غربيّهم يدخلون الشّعب في اليوم الثّامن من شعبان ، وينفرون في العاشر ، وآل تريم يردون في التّاسع وينقلبون في الحادي عشر ، وآل عينات يدخلون في العاشر ويصدرون في الثّاني عشر.

ثمّ حاول العلّامة السّيّد أحمد بن حسن العطّاس إرجاع الأمر إلى ما كان من الاجتماع هناك للنّصف من شعبان ، فتمّ له الأمر بعد مراجعات (٢) ، ثمّ اختلف أهل تريم وآل عينات على شرف المجلس الحافل وقراءة دعاء شعبان وإمامة العشائين فيه ، وأهل عينات يقنعون بالمقاسمة ، لكنّ أهل تريم لا يرضيهم إلّا الاستئثار بالجميع ، وتفاقم الأمر حتّى انتهى إلى حرب صوريّة كعادة حروب آل حضرموت ، ثمّ لم تسوّ القضيّة إلّا بإعادة الأمر إلى ما كان عليه بالآخر.

ولقد حضرت تلك المحافل المشهورة بذلك الشّعب الشّريف كثيرا من المرّات ، أوّلها الّتي لا أزال جامعا منها يديّ على غذاء الرّوح وتباشير الفتوح هي الّتي كانت بمعيّة والدي وشيخي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، حوالي سنة (١٣١١ ه‍) ، وفيها كانت محاورات فقهيّة ، سببها :

أنّ سيّدي عمر بن عيدروس بن علويّ العيدروس وإخوانه والشّيخ الجليل محمّد بن أحمد الخطيب في ناس من تريم تبعوا سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر

__________________

(١) المعروف ب «تثبيت الفؤاد».

(٢) وكان قد ورد إليه خطاب من علماء تريم ومناصبها بتوقيع السادة : أحمد بن حامد باعلوي ، ومحمد بن إبراهيم بلفقيه ، وعلي بن حسن بن عمر الحداد ، وكافة سادة تريم مؤرخا في فاتحة شعبان (١٣٢٦ ه‍) ، يطلبون منه القدوم إلى تريم للقيام بالزيارة بمعيته ، والنزول على رأيه من إعادة التراتيب السلفية لهذه الزيارة. وقد دوّن تفاصيل هذه الرحلة ومجرياتها تلميذه العلامة علوي بن طاهر الحداد ، وهي موجودة متداولة في عدة كراريس ، وقد قرأها على شيخه وأقرها ، وفيها فوائد عزيزة.


في جمع العشاء تقديما مع المغرب بمسجد العجز مع الذّهاب ، مع أنّ ما بين تريم والشّعب لا يبلغ القصر ، والظّاهر أنّ سيّدي الأستاذ الأبرّ يقصر ويجمع في سائر صلواته ، لكن لا أثبت حفظا إلّا ما كان تلك اللّيلة.

ثمّ كانت بعدها مرّات كثيرة ، وأذكرها عندي ـ لأكثريّة جمعها ـ هي الّتي كانت في سنة (١٣٢٤ ه‍) (١).

وقد تداول الخطابة في محافلها جماعة من الأفاضل ، وهم : السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ. وسيّدي الوالد علويّ بن عبد الرّحمن السّقّاف. والسّيّد عمر بن عيدروس ، المتوفّى عن عمر قصير في آخر سنة (١٣٢٨ ه‍) بتريم ، وكان خطيبا مفوّها ، آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، يتكلّم على النّاس في أيّام الشّيوخ المراجيح ، وكان بدء خطابته أنّه قرأ رسالة لسيّدي الأستاذ الأبرّ في مجمع مولد السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ ، ثمّ علّق عليها وتيسّر له من بعدها الكلام.

ولا أذكر غير هؤلاء ، إمّا لنسيان ، أو لانحصارها فيهم.

وقد حضر ذلك العام سيّدي العلّامة المتفنّن في أنواع المعارف شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر ابن سميط في جمع ليس بالقليل من آل شبام.

وحضرتها أيضا في سنة (١٣٤٠ ه‍) ، وكانت مشهودة من نواحي حضرموت .. دوعن فما دونها ، والسّواحل فما وراءها ، وكانت الخطابة خاصّة بي في اليوم الثّاني عشر ، وفي صباح اليوم الثّالث عشر كانت للعلّامة الفاضل السّيّد أحمد بن عبد الرّحمن ابن عليّ السّقّاف ، المتوفّى بسيئون سنة (١٣٥٧ ه‍) ، وبعد ظهره لي وللأخ العلّامة السّيّد عبد الله بن عمر الشّاطريّ ، وفي اليوم الرّابع عشر ـ وهو أعظمها حفلا يترأسه منصب الشّيخ أبي بكر بن سالم ـ كانت الخطابة إليّ وإلى الأخ الفاضل حسن بن إسماعيل عالم آل الشّيخ أبي بكر بن سالم.

وفي سنة (١٣٥٠ ه‍) كان أكثر الخطابة إليّ ، وشاركني العلّامة الفاضل الجليل

__________________

(١) سنة توفي والد المؤلف.


الأخ عبد الله بن عمر الشّاطريّ في اليوم التّاسع ، والفاضل النّبيه الأخ حسن بن إسماعيل في اليوم العاشر. وكانت الزّيارة في تلك السّنة أعيدت إلى ما كانت عليه ، بخلاف سنة (١٣٤٠ ه‍).

وكان الذّكيّ اللّغويّ المرحوم محمّد بن أحمد بن يحيى معنا ذلك العام (١) ، فاختزل خطبتي في حفل السّادة آل الشّيخ أبي بكر بن سالم ، فأضيفت إلى مجموعة الخطب.

وفي تلك المرّة كانت ضجّة خفيفة بسبب أنّني كنت مقيما بتريم ، ومنها عزمت إلى شعب نبيّ الله هود عليه السّلام مع آل سيئون ومن لفّهم ، وقد طال مجلس الخطابة في اليوم الثّامن حتّى وجبت الظّهر ، فصلّيتها بهم والعصر مقدّما معها مقصورتين ، فزعم بعضهم أن لا رخصة لي ؛ لأنّ المسافة من تريم إلى شعب نبيّ الله هود عليه السّلام لم تبلغ القصر ، فقلت لهم : إنّني بركوبي من تريم أنشأت سفرا طويلا منها إلى الشّعب وإلى سيئون إيابا ، بدون تخلّل إقامة قاطعة للسّفر ، وذكرت لهم قول العلّامة ابن حجر في «التّحفة» : (يقع لكثير من الحجّاج أنّهم يدخلون مكّة قبل الوقوف بنحو يوم ناوين الإقامة بمكّة بعد رجوعهم من منى أربعة أيّام فأكثر ، فهل ينقطع سفرهم أو يستمرّ إلى عودهم من منى ؛ لأنّه من مقصدهم ، فلا تؤثّر نيّة الإقامة إلّا عند الشّروع فيها؟ للنّظر فيه مجال ، وكلامهم محتمل ، والثّاني أقرب) اه

فاقتنع بعضهم ، وأصرّ آخرون على تخطئتي .. وللنّاظر البحث.

ثمّ ذكّرني الولد الفقيه علويّ بن عبد الله أنّ البحث طال في المسألة أيّام تدريسي في «المنهاج» والتزامي بإملاء عبائر «التّحفة» و «النّهاية» و «الأسنى» وحواشيهما من حفظي بعد التّعليق وكان سيّدي الوالد علويّ بن عبد الرّحمن السّقّاف هو الّذي قلّدني ذلك والعود ريّان ، والعارض عريان ، والشّيوخ كثير ، وعدد أهل العلم وفير ، فكنت كما قال نهار بن توسعة [من الخفيف] :

قلّدته عرى الأمور نزار

قبل أن تهلك السّراة البحور

__________________

(١) أي : سنة (١٣٥٠ ه‍).


لا كما قال الأسود [من الوافر] :

وسادت بعد مهلكهم رجال

ولو لا يوم بدر لم يسودوا

وبما نال من التّوفيق ، واشتمل ، على التّحقيق .. كان لا يتخلّف عنه إلّا الشّاذّ قال : ولمّا قرّرت نحو ما هنا .. وافق الأكثرون ؛ كالأجلّاء : الفاضل السّيّد عبد الله بن حسين (١) ، والسّيّد محمّد بن حامد بن عمر ، والشّيخ محمّد بن محمّد باكثير ، والشّيخ عوض الصّبّان ، وعمر بن أحمد بن جعفر ، وعبد الله بن شيخ بن محمّد ، وجعفر بن عبد الله ، وسالم بن صافي ، والشّيخ أحمد بن محمّد بارجاء ، وغيرهم.

وخالف الشّيخان عمر عبيد ومحفوظ بن عبد القادر آل حسّان ، واشتدّ الجدال ، وتشادقت الرّجال ، وأحضر «الإيعاب» وفيه ما هو أصرح من «التّحفة» وقد نظمه (٢) الشّيخ محمّد باكثير بقوله [من الرّجز] :

ومن يسر من نحو (سيئون) إلى

زيارة النّبيّ هود مثلا

وكان لمّا وصل (الغنّا) نوى

عودا إلى (سيئون) بعد أن أوى

فالآن لا ترخّصن له ول

كن إن يجدّد قصد هود مقبلا

ففي الذّهاب والإياب كان له

ترخّص والنّقل في ذي المسأله

جاء صريح النّصّ في «الإيعاب»

عزاه في «المجموع» للأصحاب

والشّافعيّ وهو أنّ من أتى

للحجّ من بلاده موقّتا

ثمّ أتى (مكّة) ناويا إقا

مة تنافي نحو قصر مطلقا

فليترخّصن ذهابا وإياب

وذي وتلك كالغراب والقراب

ومع هذا أصرّ الشّيخان عمر ومحفوظ على خلافي ، فأنا أمهّد العذر لمن أنكر عليّ بعد ؛ لأنّ له بهذين على ثقوب فهمهما أسوة.

__________________

(١) والد السيد علوي المذكور آنفا.

(٢) وللشيخ محمد باكثير نظم لكثير من المسائل الفقهية والنحوية وقيودها.


هذا حاصل ما أخبرني به الولد علويّ فتذكّرته.

وبعد هذا كلّه ذكرت أنّ سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر في زيارته السّابق ذكرها أقام بتريم قبل أن ينشىء السّفر إلى الشّعب أكثر من أربعة أيّام صحيحة وهو يقصر ويجمع كما تقدّم ، وكفى به حجّة ، ولو أنّني ذكرت ذلك لعمر عبيد ومحفوظ آل حسّان .. لأذعنا لما ذهبت إليه ، ولكنّني نسيت ، وما أنساني إلّا الشّيطان.

أمّا الحديث الصّحيح : «لا تشدّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد» .. فقد اختلف فيه ، والأكثرون على أنّه عامّ مخصوص بالمساجد ، فلا تشدّ الرّحال إلى شيء منها لتقاربها في الفضيلة .. ما عدا الثّلاثة ؛ لتميّزها بزيادتها فيه ؛ إذ لا يحرم بالاتّفاق شدّها للتّجارة وطلب العلم وزيارة الأحباب والصّالحين من الأحياء وما أشبه ذلك ، ولكن قد نصّ إمام الحرمين ـ ومثله القاضي حسين ـ على تحريم السّفر لزيارة القبور ، واختاره القاضي عياض بن موسى بن عياض في «إكماله» ، وهو من أفضل متأخّري المالكيّة ، وقام وقعد في ذلك الشّيخ الإمام ابن تيميّة ، وخطّأه قوم ، وصوّبه آخرون ، ومهما يكن من الأمر .. فليسعه ما وسع الجوينيّ والقاضيين حسينا وعياضا ، ولكنّهم أفردوه باللّوم ، والقول واحد.

وقال مالك بن أنس : من نذر المشي إلى مسجد من المساجد ليصلّي فيه .. كرهت ذلك ؛ لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «لا تشدّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد».

وقال ابن كجّ ـ من كبار أصحاب الشّافعيّ ـ : إنّ الزّيارة قربة تلزم بالنّذر.

والخطب يسير لم يوسّعه إلّا الحسد والتّعصّب ، وإلّا .. فالتّثريب في موضع الاختلاف ممنوع.

وأيّام الشّعب ـ بما فيها من الصّفاء والأنس والأفراح والمزاورات ـ أشبه بأيّام منى (١)

__________________

(١) وذلك من عدة وجوه ؛ منها : أن الإقامة بها لا تتجاوز الأربعة الأيام. والروحانية العظيمة التي تغمر الحضور. وأن غرض القادمين إليها هو التعبد والخلوة في ذلك الشعب. ووجود الأسواق بها كما في منى. وكونها في واد لا يقصده أحد إلا في أثناء ذلك الموسم وخلوّه باقي أيام السنة.


من الجرادة بالجرادة ، وفيها الدّعاء يجاب ، والغمّى تنجاب (١) ، والرّحمى لا تنتقر (٢) ، وشقاشق الخطباء لا تقرّ ، وثمّ تذرف العيون ، وتغرق الجفون ، وتبتلّ الأردان (٣) ، وتقشعرّ الأبدان ، وترجف القلوب ، ويحصل المطلوب ، ويتحدّث النّاس في خطابة جدّي المحسن بتلك المشاهد عن أمر عظيم.

وقد علم الحيّ اليمانون أنّه

إذا قال : أمّا بعد .. فهو خطيبها (٤)

وتنعقد ثمّ الأسواق المجلوبة إليها الأغنام والإبل من أطراف بلاد المهرة والمناهيل ، غير أنّ الآخرين (٥) لا يمكّنون الأوّلين (٦) من دخولها إلّا في اليوم العاشر ، أمّا ما قبله .. فلهم الأثرة به.

ومن وراء شعب نبيّ الله هود عليه السّلام : وادي ينحب (٧) ، ووادي يسحر.

ثمّ : مقاشع ، وهي قرية بالية ليس بها إلّا الآثار القديمة. ثمّ : سنا.

وفي «شمس الظّهيرة» [١ / ٣٢٨] في ذكر عبد الرّحمن بن أحمد يبحر بن محمّد حذلقات : (من عقبه آل بيت الهادي بالبادية : بالجزع وراطح ، وآل بارزينة بالجزع ، وسنا قرب هود ، وآل مخضرم بسنا وفغمه) اه

وفيها أناس من آل تميم.

والظّاهر أنّ سنا على اسم : سنا بن السّكون بن الأشرس بن كندة ؛ فقد جاء في

__________________

(١) تنجاب : تنشقّ.

(٢) تنتقر : تختص أحدا دون أحد.

(٣) الأردان : الأكمام ، وهو كناية عن شدّة البكاء ؛ حيث لم يبق مع الباكي مناديل يمسح دموعه بها فيمسحها بأكمامه.

(٤) البيت من الطّويل.

(٥) أي : المناهيل.

(٦) أي : أهل المهرة.

(٧) بفتح فسكون فضم ، واد بالغرب من سنا فيما وراء شعب النبي هود ، وهو من الأودية التي تسيل من نجد المناهيل فتصب جنوبا في وادي حضرموت. «مقحفي» (٢ / ١٩٢٦).


«روضة الألباب وتحفة الأحباب» لعزّ الإسلام محمّد بن عبد الله بن عليّ بن الحسين الشّهير بأبي علامة : أنّ تريم وشبام وسنا بنو السّكون بن الأشرس بن كندة بن عفير ، وذكر أن تريما وسنا بحضرموت.

وقد سبق هذا في شبام ، لكنّ المقصود هنا : كون سنا بحضرموت ، سواء كان ابن السّكون أو ابن حضرموت.

ومن أقرب شيء أن تكون سنا هذه على اسمه حسبما جرت عادتهم بذلك من تسمية البلاد بأسماء السّكّان.

وفي آخر «فتاوى شيخنا المشهور» عن الغسّانيّ : أنّ حضرموت ابن سبأ الأصغر ؛ فمن ولده : الحارث وفوّه وسيبان وربيعة وشبام وسبأ. اه والظّاهر أنّ سبأ المعطوف على شبام محرّف عن سنا بالفوقيّة ؛ ليوافق ما في «روضة الألباب» من جهة.

طبوقم

على عشرين ساعة من سنا إلى جهة الشّرق بليدة يقال لها : طبوقم ، لا يقيم بها السّكّان إلّا ريثما يزرعون ويحصدون.

وقبيلها : موضع سدّ سنا (١) السّابق ذكره في الحسيّسة ـ على الصّورة المذكورة آخر هذه الصّفحة ـ فالأخدود ما بين الخطّين الأحمرين ، وقد انخفض الآن انخفاضا هائلا.

والبياض الّذي بجانبي الخطّين الأحمرين والأزرقين هو مستوى الأرض.

__________________

(١) سد سنا : هو سدّ قديم كانت تنهر إليه سيول الأمطار النازلة من نجد المناهيل ثم تذهب إلى بلاد المهرة. وقد كانت المنطقة الواقعة بين قبر هود عليه السلام ووادي سنا من أخصب البقاع في حضرموت ، ومن أكثرها خيرات وأوفرها غلّات ، ولكن حينما انهدّ هذا السد الذي كان قائما في شمال وادي سنا فيما يرجع إلى ما قبل الإسلام .. أجدبت تلك المنطقة وأجدب معها كل الوادي إلى المهرة. اه «مقحفي» (١ / ٨١٤).


والبياض الهلاليّ في الجانبين كان مرتفعا عن سطح الأرض بقليل ، ومنه تفيض السّيول ؛ لأنّها متى أقبلت .. صدمتها الآكام المرسومة بالحمرة فارتدّت إلى جانبيها المرسومين بالزّرقة ، ثمّ لا تفيض إلا من ذينك الجانبين ، ومنهما تنهر إلى أرض المهرة ، غير أنّ الأكمة المرسومة بالحمرة كانت رخوة فصدعها السّيل ، ومنذ جرفتها .. بدأ يخدّ في الأرض ، فارتفع سطحها عن مجرى السّيل ، وكلّما أعمق الماء في الأخدود .. زاد حرمانها من الماء.

وزعم بعض أهل الحدس والنّظر من أهل شبام أنّهم يعرفون وصول ماء السّيل إلى النّقرة بزيادة جري الماء في المسيال الواقع في جنوب شبام ؛ إذ يكون جريه قبل وصولها رهوا ، فإذا انتهى إليها .. اشتدّ جدّا. وهو مقبول ؛ إذ قالوا بأنّ الحجر السّاقط من علوّ أو الماء المنصبّ منه تتضاعف قوّته بمقدار بعد المسافة ، وهذا من نوعه ، وقد سبق في النّقرة والحسيّسة والكسر ما يتعلّق بهذا (١).

__________________

(١) وهذه صورة تقريبية لما أراده المؤلف رحمه الله تعالى.


القسم الثّالث

في نجود حضرموت من أعلاها إلى أسفلها



القسم الثّالث

في نجود حضرموت من أعلاها إلى أسفلها

اعلم : أنّ ما سبق في القسمين الأوّل والثّاني كلّه غور (١) ، إلّا ما كان من نحو الضّليعة وبعض ما قبلها في الثّاني ؛ فإنّها من السّوط ؛ فإنّه نجد في رأس جبل ، فيه مضارب آل بلعبيد ، وهم قبيلة لا تزال لها خشونتها إلى اليوم ـ كما سبق ـ لا يبالون بعسكر القعيطيّ ، بل كلّما لاقوهم .. قتلوهم. وهم عدّة ديار : آل مزعب ، وآل باكرش ، والجهمة ، وسلم ، وبلّحول ، يقدّر مجموعهم بثلاثة آلاف رام.

وفي «سبائك الذّهب» : (أنّ بني العبيد ـ بضمّ العين ـ : بطن من سليح من قضاعة ، وهم من أشراف العرب ، وإليهم يشير الأعشى بقوله [في «ديوانه» ١٣٥ من الوافر] :

 ...

ولست من الكرام بني العبيد

والنّسبة إليهم : عبدي ؛ كما قالوا في هذيل : هذلي).

وقال في «العبر» : (كان لهم ملك يتوارثونه بالحصن الحصين الباقية آثاره في برّيّة سنجار من الجزيرة الفراتيّة ، إلى أن كان آخرهم الضّيزن بن معاوية بن العبيد) اه

والعبيد هو ابن الأبصر بن عمرو بن أشجع بن سليح بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة.

وممّا يتأكّد به كون آل بلعبيد أهل السّوط هم من هؤلاء .. وجودهم في نواحي قضاعة ، وقربهم من يبعث ، وقد سبق فيه أنّ سكّانه الّذين كتب إليهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من أبناء ضمعج ، وهو قريب من ضعجم ، وأنّ ضعجم هو

__________________

(١) أي : منخفض من الأرض.


ابن سعد بن سليح بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة.

ولسليح القضاعيّ خبر مع غسّان استوفاه ابن شريّة (١) ، وسبق ذرو منه في يبعث.

وأمّا نجود حضرموت .. فقسمان :

أحدهما : الجنوبيّ ؛ وفي أعلاه : كور سيبان ، والحالكة ، والعكابرة ، والخربة ، وبحسن.

ومنها تكون الطّريق من السّاحل إلى وادي حمم ، ثمّ الخريبة ، ودوعن.

ووادي حمم (٢) ، هو واد طويل كثير النّخيل والأشجار والعيون ، يسكنه آل باهبريّ ، من قديم الزّمان ، ولهم ذكر كثير ولا سيّما في حروب القرن العاشر ، وفيه ناس من السّادة آل العطّاس وغيرهم.

ثم : حويرة (٣).

ومنها تنشعب الطّرق إلى وادي العين ، وإلى وادي بن عليّ.

وفي شمال حويرة إلى الشّرق : ريدة المعارّة وريدة الجوهيّين ، ومنهما تشرع الطّرق إلى حضرموت ، وإلى عقبة الفقره ، وعقبة العرشه ، وعقبة عبد الله غريب ، وعقبة عثه ، تنزل هذه كلّها إلى السّاحل ، وقد أصلحت في الأخير طريق للسّيّارات في هذا الجبل.

والمسافة بمشي السّيّارة بالتّقريب من الغرف إلى أوّله ـ عقبة الغزّ ـ نحو ثلاث

__________________

(١) هو عبيد بن شريّة الجرهمي ، توفي حوالي (٦٧ ه‍) ، راوية من المعمرين ، إن صح وثبت وجوده ..

فهو أول من صنف الكتب من العرب ، مما ينسب له : «كتاب الملوك وأخبار الماضين» طبع مع كتاب : «التيجان وملوك حمير» المنسوب لابن هشام ، وسمّاه ناشره : «أخبار عبيد بن شرية في أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها». وله : «كتاب الأمثال» ، ويرى بعض المستشرقين أن عبيدا هذا من مخترعات بعض المؤرخين ، ينظر : «الأعلام» (٤ / ١٨٩).

(٢) ينظر في وصف هذا الوادي والطريق المؤدية من الساحل عبره إلى وادي دوعن .. كتاب «الشامل» (٨٩ ـ ٩١) وما بعدها.

(٣) حويرة : قرية وواد في طريق القوافل للقادم من الحرشيات ، ورأس حويرة الآن هو مفرق الطرق المؤدية إلى وادي دوعن الأيمن والأيسر ، ينظر تفصيل هذه الطريق في «الشامل» (٩١ ـ ٩٣).


ساعات ، ومنها إلى ريدة الجوهيّين والمعارّة ثلاث ساعات.

ومن الرّيدتين إلى عقبة الفقره يكثر الازورار والانعطاف ؛ لكثرة القور والشّناخيب بذلك الطّرف ، فبطن ذلك الجبل الّذي يلي حضرموت أشبه بظهر الضّبّ ، وأمّا ما يلي عقبة الفقره في شمالها .. فأشبه بذنبه ، والسّيّارات فيه يحيط بها خطر السّقوط إذا لم يمهر السّائقون.

والمسافة إلى الفقره نحو ثلاث ساعات.

ومنها إلى الشّحر نحو ساعتين (١).

وفي هذا النّجد جول عبول ، وهو الّذي توفّي به سيّدنا العيدروس الأكبر مرجعه من الشّحر إلى تريم (٢) ، على ثلاث مراحل من تريم ومرحلتين من الشّحر.

وفيه أيضا : مقد العبيد (٣) ، سمّي بذلك لسبب يتعالم به الحضارمة ولا ندري ما نصيبه من الصّحّة ، إلّا أنّ آثار القبول ظاهرة عليه ؛ وهو : أنّ أحد سلاطين حضرموت بات به مع عبيده في ليلة شاتية ، وهو ممّا ينطبق عليه قول أبي الطّيّب [في «العكبريّ» ١ / ١٨ من الكامل] :

وعقاب لبنان وكيف بقطعها

وهو الشّتاء وصيفهنّ شتاء

فجمعوا عليه الرّحال والفراش ، وباتوا هم في نقل الحجارة من مكان إلى آخر .. فاندفع عنهم البرد بحرارة الأعمال ، وأصبح السّلطان ميتا من شدّته.

وفي أواخر هذا النّجد : غيل بن يمين (٤) ، ولسويد بن يمين ذكر كثير في شعر إمام الإباضيّة إبراهيم بن قيس ، وقلت في «الأصل» : يحتمل أن يكون سويد صاحب

__________________

(١) لمعرفة تفاصيل هذه الطرق والوديان .. يراجع «الشامل» (٩١) و (١٠٣) وما بعدها.

(٢) «المشرع» (٢ / ٣٦١).

(٣) وهذا المقد في طريق النازل من رأس حويرة إلى وادي دوعن ، والمقد : هو كل موضع جبلي صعب الصعود ، وأطلق على بعض المواضع.

(٤) غيل بن يمين : بلدة في وادي المسيلة ، ترتبط إداريا بمديرية الشحر ، وتبعد عنها أكثر من (٢٠٠ كم) ، كما تبعد عن سيئون نحو (١٥٠ كم) ، وتصب سيولها في وادي سنا.


هذا الغيل ، ويحتمل أن يكون المراد من شعر إبراهيم إنّما هو جدّ آل يمين النّهديّين الموجودين اليوم بالسّور ، وسفولة اليمنة ، على مقربة من طريق حريضة.

وقد سبق في حجر : أنّ طائفة من آل دغّار يقال لها : آل ابن يمين لا تزال بقاياها بقرية في حجر يقال لها : الحسين ، فلا يبعد أن تكون هي ، لا سيّما وأنّ القرائن المتوفّرة في شعر إبراهيم بن قيس تؤكّد ذلك.

ويقال للغيل المذكور : غيل الشّناظير أيضا ؛ نسبة ليافع الّذين استولوا عليه وقت اقتسامهم لحضرموت.

وفي حوادث سنة (٩٣٦ ه‍) (١) استولى السّلطان بدر بوطويرق على غيل ابن يمين ، ونهب أولاد يمين وطردهم ، فلجؤوا إلى الحموم ، وما كاد يتّصل هذا الخبر بالسّلطان محمّد أخي بدر بوطويرق .. إلّا وتكدّر واغتاظ وأظهر أنّه محشوم ، واتّسع الخلاف بينه وبين أخيه ، إلى أن سفر المصلحون ، وأرجع بدر أمر الغيل إلى أخيه محمّد فردّه لأولاد يمين.

وفي رحلة السّلطان عمر بن صالح هرهرة أنّ جعفر بن يمين قتل مع السّلطان عمر بن جعفر الكثيريّ في المعركة الّتي كانت بين يافع وآل كثير في بحران سنة (١١١٧ ه‍).

وللغيل هذا ذكر كثير في أخبارهم وحروبهم ، ثمّ استولت عليه طائفة من يافع يقال لهم الشّناظير ، ولذا ينسبه بعضهم إليهم كما سبق في تريم.

وسيول هذا الغيل تدفع إلى وادي سنا ، وأمّا ماؤه الجاري .. فالغالب عليه الإهمال.

وهو من النّقاط المعيّنة لسلاطين آل عبد الله الكثيريّ في المعاهدة ذات الإحدى عشرة مادّة ، ولم يذكر في وثيقة اقتسام الممالك بين السّلطانين منصور ومحسن ابني غالب بن محسن ، المحرّرة فاتحة رجب سنة (١٣٣٦ ه‍) ، فهو باق بينهم على

__________________

(١) تفاصيلها في «تاريخ بافقيه» (١٩٢).


الشّركة الشّائعة ، وأكثر معوّل الدّولة الكثيريّة في حمايته على الحموم إزاء امتيازات لهم فيه ، وهم الّذين طردوا عنه الشّناظير من يافع سنة (١٢٧٥ ه‍).

وفيه جماعة من ذرّيّة السّيّد عمر بن أحمد بن قطبان ، وبالبادية حواليه جماعة من بادية العلويّين (١) كبيت سهل ، وبيت حمودة ، وبيت قرموص ، وبيت عقيل ، وبيت الحنشش ، وبيت محسن ، وبيت الأخسف ، وبيت كدحوم (٢).

منهم جماعة اشتهروا بالنّجدة والشّجاعة الخارقة ؛ كالسّيّد حسن بالحنشش ، والسّيّد عميّر ؛ فقد كانا مضرب المثل في ذلك.

 ...

إنسا إذا نزلوا ، جنّا إذا ركبوا

لا ، بل كانوا جنّا وشياطين دائما ، حتّى إنّ الأمّهات ليروّعن بهم الصّبيان ليسكتوا عن البكاء ؛ لأنّهم من أكثر النّاس شرّا وقيادة للغارات.

ومنها غارة سنة (١٣١٨ ه‍) ؛ فقد نهبوا قافلة الحجيج الصّادرة من المكلّا إلى حضرموت ، وفيها السّيّد سالم بن محمّد بن عليّ بن محمّد السّقّاف ، والسّيّد عبد الرّحمن بن عبد القادر البحر ، وكان السّيّد حسن بالحنشش هو القائد العامّ لتلك الغزوة ، غير أنّهم بعد ما نهبوا الحاجّ .. هاجمتهم سيبان والعوابثة وهم غارّون فقتلت منهم نحوا من خمسين ، وأخذت ما استولوا عليها من أموال الحجّاج على نيّة إرجاعه لهم ، ثمّ خاسوا بتلك النّيّة ، وبيناهم يقتسمون .. عطف عليهم السّيّد حسن بالحنشش بقومه وكثرت القتلى من الجانبين ، ولم يحجز بينهم إلّا حرّ النّهار ، وكان الوقت خريفا.

__________________

(١) بادية العلويين تنسب إما : إلى أحمد بن أبي بكر السكران ، ومنهم الذين ذكرهم المؤلف ، أو : إلى علوي بن محمد مولى الدويلة ؛ ومنهم : آل زحوم ، وبيت فدعق ، أو : إلى أحمد بن الفقيه ، ومنهم : بيت بو بكر ، وبيت الرديني «المعجم اللطيف» (٦٢ ـ ٦٦).

(٢) في «المعجم اللطيف» لم يذكر هذا الاسم ، لكن ذكر بيت دحوم وبيت كحوم وهم من آل أحمد السكران ، وبيت زحوم من آل مولى الدويلة ، وهم غير آل زحوم آل باجبّار ، من فروع آل باجابر سكان بروم .. فليعلم.


وهذه من كبريات حوادث بادية حضرموت إن لم تكن أكبرها على الإطلاق ؛ فلقد أنتنت من جيفهم الجبال وسنقت الوحوش (١) من لحومهم.

وفي النّاحية الغربيّة من هذا النّجد طريق أخرى للسّيّارات ، تخرج من المكلّا ، وتمرّ في أعلى وادي حمم إلى جبال دوعن ، ثمّ تنزل بجحي الخنابشة ، ومنه إلى الكسر ، ثمّ إلى شبام.

وهناك تتّصل الطّريقان ، وتدخل في كلّ واحد من النّجدين أودية كثيرة كعمد ووادي دوعن ووادي العين ووادي بن عليّ وشحوح ووادي تاربه وبايوت والقرى الّتي في جنوب الغرف إلى عقبة الغزّ.

فهذه كلّها داخلة في النّجد الجنوبيّ ، وكوادي سر ويبهوض وجعيمه ووادي مدر ووادي الذّهب والخون وغيرها ، فكلّها داخلة في النّجد الشّماليّ كما سنذكره بعد أسطر.

وأمّا الثّاني : فالنّجد الشّماليّ (٢) ؛ وهو جبل ينقاد من قرب سيحوت شرقا إلى محاذات العبر غربا ، إلّا أنّه يستدقّ في طرفيه ، وتعقبه في الغرب آكام وقور (٣). وعرضه تارة ينبسط إلى مسافة ثمانية أيّام ، وأخرى ينقبض إلى خمسة أيّام فقط ، ومنه تنشعب الأودية إلى وادي الجابية ، ووادي سور ، ووادي هينن ، وأودية سر ، وجعيمه ، ومدر ، وثبي ، ووادي الغبيرا الّذي ينهر إلى دمّون ، ووادي الخون ، وسويدف ، ووادي عرده ، ووادي طبوقم من أودية الظّنّيّ ، وبعدهنّ وادي عشارهم ، وهو من أودية المهريّ وغيرها.

وارتفاعه من جهة الشّمال إلى الرّمال أقلّ من ارتفاعه في جهة جنوبه إلى حضرموت بكثير ، حتّى لقد تختلط أطرافه برمال الدّهناء ، كما سيأتي عن بير ثمود.

__________________

(١) سنقت : شبعت إلى حدّ التّخمة.

(٢) ينظر تفاصيل جغرافية هذا النجد في «الشامل» (١٢٠ ـ وما بعدها).

(٣) تكررت كلمة قور ، ولعل المراد بها جمع قارة ، والقارة : هي الأرض ذات الحجارة السوداء ، أو هي الجبل الصغير المنقطع عن الجبال.


وفي أوّل هذا النّجد غربا : ريدة الصّيعر (١) ، قال الهمدانيّ في عداد قرى حضرموت : (وريدة العباد وريدة الحرميّة) (٢).

وقال عمرو بن معديكرب الزّبيديّ [من الوافر] :

أولئك معشري وهم خيالي

وجدّي في كتيبتهم ومجدي

هم قتلوا عزيزا يوم لحج

وعلقمة ابن سعد يوم نجد

وما أظنّه يعني إلا هذا النّجد ؛ لأنّه أقام طويلا على مقربة منه بالكسر.

والصّيعر ـ كما عند الهمدانيّ (٣) وأجمع عليه مؤرّخو حضرموت ـ : قبيلة من الصّدف تنسب إليها ريدة ؛ ليفرّق بينها وبين ريدة أرضين (٤).

وقال في موضع آخر : (وكان الصّدف بحضرموت من يوم هم ، ثمّ فاءت إليهم كندة بعد مقتل ابن الجون يوم شعب جبلة لمّا انصرفوا عن غمر ذي كندة ، وفيهم الصّدف ، وتجيب ، والعباد من كندة ، وبنو معاوية بن كندة ، ويزيد بن معاوية ، وبنو وهب ، وبنو بدّا بن الحارث ، وبنو الرّائش بن الحارث ، وبنو عمر (٥) بن الحارث ، وبنو ذهل بن معاوية ، وبنو الحارث بن معاوية ، ومن السّكون فرقة ، وفرقة من همدان يقال لهم : المحاتل ، وفرقة من بلحارث بن كعب بريدة الصّيعر ، وإليها تنسب الإبل الصّيعريّة ، والأشلّة الصّيعريّة ، وفيها يقول طرفة [في «ديوانه» ٢٠٢ من الطّويل] :

__________________

(١) تقع منطقة الصيعر في شمال غرب حضرموت ، يحدها من الشمال : الربع الخالي ، ومن الجنوب : هينن ، وسور ، وحصن الغراب ، ومن الغرب : الربع الخالي ويافع ، ومن الشرق : وديان سر.

وهذه المنطقة من أقفر مناطق القطر الحضرمي وأجدبها ، وأنزرها ماء ، وتنعدم النباتات في المرتفعات ، ولا ترى هناك أثرا يدل على الحياة ، وفي المنخفضات توجد شجيرات النبق والسنط وقليل من الأعشاب القصيرة. «تاريخ البكري» (٢ / ١٠٨ ـ ١٠٩).

(٢) صفة جزيرة العرب (١٧٠).

(٣) في «الإكليل» (٢ / ٤١).

(٤) ونسبهم كما في «الإكليل» : (بنو الصيعر بن الأشموس بن مالك بن خريم بن مالك الصدفي) اه

(٥) في «الصفة» : (عمرو).


وبالسّفح آيات كأنّ رسومها

يمان وشته ريدة وسحول) اه (١)

وقد ناقشته في «الأصل» إذ زعم أنّ فيئة كندة إلى الصّدف بحضرموت أوّل عهدهم بها ؛ إذ لا يتّفق مع وجود السّبعين ملكا منهم بها متوّجين ؛ آخرهم الأشعث بن قيس.

وقد صرّح بأنّ العباد من كندة ، وفي «التّاج» [٨ / ٣٣٨] و «أصله» : (أنّ العباد من القبائل الشّتى الّتي اجتمعت على النّصرانيّة ، مع احتمال أن يكون جدّ العباد الكنديّين أحد أولئك ؛ فإنّه لا مانع منه).

وفي [٨ / ٧٨] من «خزانة الأدب» للبغدادي : (أنّ الصّدف بطن من كندة ينسبون اليوم إلى حضرموت) اه

وقد تفرّع كثير من قبائل حضرموت عن الصّيعر كما تكرّر مثله في هذا المجموع كآل باجمّال ، وآل باصهي ، وآل بابقي ، وآل باحنين ، وآل باكثير ، وآل الجرو ، وآل باحلوان ، وآل باغانم ، وكانوا ببور ، وآل بامطرف ، وآل بامزروع.

وبقي أهل الرّيدة على حالهم لم يتغيّر اسمهم ولا اسم بلادهم ، وقد سبق في الغرفة وغيرها أنّ آل باحلوان من قضاعة.

والصّيعر قبيلتان : آل مسلّم ، وآل حاتم ، وكلّ قبيلة تنقسم إلى بطون كثيرة (٢) ،

__________________

(١) صفة جزيرة العرب (١٦٦).

(٢) الصيعر : من بادية حضرموت ، ومرجعهم إلى كندة ، وهم كما في «الإكليل» للهمداني (٢ / ٤١) : من بني الصيعر بن الأشموس بن مالك بن حريم بن مالك الصدفي.

وهم قسمان كبيران : آل علي بلّيث ، وآل محمد بلّيث ، ومساكنهم في شمال غرب حضرموت ، ويحد أرضهم من الشمال : الربع الخالي ، ومن الجنوب : الكرب ونهد وحضرموت ، ومن الشرق : العوامر من المشقاص ، ومن الغرب : بلاد دهم ويام وعبيدة. وتسمى هذه المنطقة : حجر الصيعر ، أو : ريدة الصيعر ، وبعض منهم يسكن في أسفل دوعن ، وهم آل محفوظ في الهجرين وخريخر ، وآل قصيّر ، وآل مداعس ، وآل بن مساعد. قال بعض الرحالة الغربيين عن الصيعر وقبائلهم : وقبيلة الصيعر هذه تعرف بذئاب الصحراء ، وهي قبيلة كبيرة قوية ، وكانت قبائل جنوب الجزيرة كلها تخافها وتخشى بأسها لأنها تنهبها دون شفقة ، وتسطو عليها ، ولم يتمكن أوربي من الوصول إلى ربوعهم إلا «بوسكاف» الذي اصطاد الوعول في بلادهم عام (١٩٣١ م) ، وإلا «انجرامس» الذي قام بزيارة خاطفة لأطراف أراضيهم سنة (١٩٣٤ م) اه وهذا الرحالة هو المستر


ورئيس الصّيعر كلّهم الآن : سعد بن طنّاف بن رميدان (١) ، ورئيس آل عليّ بلّيث منهم ، يقال له : عليّ بن عيضة ، ومقدّم آل يربوع منهم (٢) ، يسلم بن محمّد ، ومقدّم آل عبيدون (٣) : سعيد بالحاشدي.

وكثير منهم من ينتجع وبار ، وبالأخصّ آل عبد الله بن عون (٤) ؛ ففيها منهم نحو مئتي رام.

ووبار : هي الرّمال الّتي من وراء جبلهم ، إلّا أنّ كلّا من أهل النّجد يسمّي ما يجاور نجده باسم غير الّذي يسمّيه الآخر ، فالصّيعر يسمّون ما يلي نجدهم من الغرب إلى الشّرق : (عيوه) بكسر العين وسكون الياء وفتح الواو.

وفي الأخير رعاها آل معروف (٥) منهم ، ثمّ نجعوا إلى مقربة من نجران بسبب الجدب ، وأذن لهم أمير نجران وهو رجل شهم ، وعربيّ قحّ من صميم تميم ، له مروءة وشمم ، يقال له : تركيّ بن محمّد بن ماضي ـ أن يضربوا خيامهم في أطرافها ، كما أذنت الفرس لحاجب بن زرارة.

ثمّ وفد منهم أربعون على أربعين نجيبة ، يرأسهم اثنان ـ يقال لأحدهم : قنيبر ، والآخر هو : عبد الله بن سالم بن معيقل ـ حتّى وصلوا الرّياض ، فتركوهم أربعة

__________________

«تيسيغر» في كتابه «رمال العرب» (ص ٢٠٩). عن المقحفي ، وبابطين.

الذي ذكره غير المؤلف وعليه إجماع المؤرخين الحضارمة ـ فيما اطلعنا عليه ـ أن الصيعر يجتمعون على قبيلتين : الأولى : آل محمد بللّيث ، والثانية : آل علي بلّيث. وأمّا آل حاتم .. فهم من آل محمد ، وأما آل مسلّم .. فهم من آل علي ، وتفاصيل أسرهم وفخائذهم في : «الشامل» (١٢٣) ، و «المقحفي» (١ / ٩٣٠) ، وينظر : «تاريخ البكري» (٢ / ١٠٨ ـ ١٠٩) ، و «الأدوار» (٣٦٠).

(١) آل رميدان : من آل علي بلّيث.

(٢) آل يربوع : من آل علي بن سليمان من آل حاتم من آل محمد بلّيث.

(٣) آل عبيدون : من المسادسة ـ البامسدوس ـ من آل محمد بلّيث.

(٤) آل عبد الله بن عون : من آل معروف ـ سكان عيوه ـ من آل محمد بلّيث.

(٥) هم آل معروف بن معيقل ، من آل محمد بلّيث من الصيعر ، ومن فروعهم : آل ملهي ، وآل عبد الله بن عون.


أيّام ، وفي الخامس أو السّابع اجتمعوا بملك الحجاز ونجد ورأوا من بشره وإكرامه أكثر ممّا يؤمّلون ، وقدّموا له مطيّة على سبيل الهديّة اشتروها عمّا يقولون بثلاث مئة ريال ، لكنّه بعيد ؛ لأنّ إبلهم لا تبلغ ذلك ولا نصيفه ، وبعد اجتماعهم به أجروا عليهم حكم الضّيافة ، وطلبوا منه أن يديم الإذن لهم بالإقامة في مشارف نجران ، فأحالهم على ما يرى فيه المصلحة أميرها ، ودفع لكلّ من الرّئيسين أربعين ريالا ، ولكلّ واحد ممّن سواهم عشرين ، مع ما يلزم من الزّاد ، ولمّا عادوا إلى نجران .. أبقاهم أميرها مدّة ، ثمّ طردهم ، فعادوا إلى عيوه ، هكذا أخبرني عنهم امبارك بن يسلم بن زيمة بن امبارك العوينيّ.

وكما رفعوا ثمن ناقتهم إلى ما لا يقبله العقل .. كتموا ـ فيما أرى ـ بعض ما أعطاهم الملك ؛ لأنّ ذلك النّزر لا يتّفق مع ما سارت به من سماحته الرّكبان وضربت الأمثال ؛ فهو الّذي :

يهمي النّدى والرّدى في راحتيه فلا

عاصيه ناج ولا راجيه محروم

وعدد الصّيعر لا يزيد عن ألفي رام ، وقد عاهدهم الضّابط السّياسيّ الإنكليزيّ انجرامس منذ أحد عشر عاما معاهدة اعترف لهم باستقلالهم ، وأنّهم ليسوا تبعا لأحد من سلاطين حضرموت ، وعلى أن لا رسوم عليهم في بلادهم ، وعلى أنّ العبر من حدودهم ، كذا أخبرني من اطّلع على المعاهدة (١).

__________________

(١) قام انجرامس بزيارة المناطق الحدودية عام (١٩٣٤ م) تقريبا ، وقام بتحديد القبائل التي تتبع القعيطي والتي تتبع الكثيري ، وقرر أن تكون القبائل القاطنة في المناطق الحدودية تابعة للقعيطي وخاصة قبائل الصيعر والكرب.

والسبب في ذلك : هو اتفاقية عدن عام (١٩١٨ م) ، التي حددت الأراضي التابعة للكثيري بشكل دقيق ، بينما أعطت للقعيطي الحق في التوسع.

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) عام (١٩٣٦ م) وجّه انجرامس أنظار السلطان القعيطي إلى أهمية توسيع نفوذه إلى قبائل حضرموت النائية ، كما حضّ حاكم شبام القعيطي للقيام بهذا التوسع ، وناقش معه احتمالات إقامة حامية للقعيطي في حصن العبر.

أما الاتفاقية أو المعاهدة التي أشار إليها المؤلف .. فتعرف باسم : اتفاقية انجرامس للسلام مع قبائل حضرموت كتبت عام (١٩٣٧ م).


والجاهليّة عندهم جهلاء ، وشأنهم شأن العرب في السّلب والنّهب ، وكثيرا ما يتناهبون هم والعوامر وآل كثير النّعم بأنواعها ، ولكنّ أولاء لا يقدرون على الانتصاف منهم ، إلّا إذا انضمّوا إلى المهرة والمناهيل ، وتجمّعوا من كلّ صوب ، وأمّا هم ؛ أعني الصّيعر والمناهيل ، والمهرة ، ويام ، ودهم ، والكرب .. فلا يتناهبون إلّا الإبل ؛ لبعد الشّقّة.

وفي الشّتاء من هذه السّنة غزت آل حاتم إلى بعض البوادي الدّاخلة في الحدود السّعوديّة ، فغنموا إبلا كثيرا ، فاحتجّت عليهم حكومة عدن ، فقيل : إنّهم أرجعوها كلّها أو بعضها ، وقيل : لم يردّوا شيئا.

وفي جمادى الآخرة من هذه السّنة غزت طائفة من قبيلة يقال لهم : (القحطانيّون) مكانا في شرقيّ العبر وشماله ، يقال له : (شمال) ، وفيه أخبية لكثير من الصّيعر والكرب ونهد ، فالتحم القتال ودام نحو ثلاث ساعات ، وأنجدهم عسكر البادية المحافظ على الأمن بطرف حضرموت من جهة الحكومة الإنكليزيّة ، ولكنّه قليل جدّا ، فلم ينجه مع ألفافه إلّا الهرب بعد أن قتل منهم ثمانية عشر ، ونهبت إبلهم وسائر ما معهم ، وبيان القتلى : سبعة من الكرب ، وسبعة من الصّيعر ، واثنان من نهد ، واثنان من العسكر ، ويزعم المنهوبون أنّهم ومن لفّهم قتلوا ثلاثة من القحطانيّين ، ولكنّه زعم بدون تعيّن ، وعلى هذه .. فقس ما سواها.

وعن امبارك بن يسلم العوينيّ عن صالح بالخليس الصّيعريّ الكسيليّ قال : غزوت على ظهر الجبل من نجدنا إلى نجد المهرة ، فلمّا قارب الجبل الانتهاء .. استدقّ حتّى صار مثل السّيف ، فنزلنا عنه ونحن ستّة على ستّ من المطايا ، فلاقانا سوماليّ (١) على جمل في طلب اللّبان ، فهابنا ، فآمنّاه ، وسألناه : من أين أقبلت؟

قال : من عيان ، وهو موضع قريب من سيحوت ، يجري فيه غيل ، تقام فيه الأسواق.

__________________

باختصار من كتاب : «سياسة بريطانيا تجاه حضرموت» رسالة ماجستير بجامعة بغداد ، للسيد صادق عمر مكنون (١٢١ ـ ١٢٥).

(١) أي : صومالي ، ولا يزال كثير من الناس ينطقونها بالسين.


قلنا له : من هناك؟ قال : تجّار ببضائعهم يتأهّبون لقيام السّوق.

فأبقيناه مع أحدنا عند المطايا ، ولمّا قاربناهم .. ألفينا عندهم مهريا يحلب ناقة له ، فأرديناه وانتهبنا ستّين مطيّة مع ما قدرنا عليه من خفيف البضائع ، وضربنا آباط الإبل مساءها واليوم الثّاني وردهة من اللّيلة الثّانية ، فكلّ أصحابي وأرادوا التّعريس ، فنهيتهم فلم يسمعوا ، فأكلوا وأغفوا ، ولم يكد يطرقني النّوم من الذّعر حتّى انتبهت فقمت أعسّ (١) فشممت رائحة الوزيف (٢) من عرق جمال النّجدة ؛ لأنّها تأكل منه ، فأقبلت على أصحابي فسبقتني إليهم البنادق ، واعتصمت بأكمة ، وناديت القوم في أن يعود كلّ بحلاله ، فأجابني الشّوص أحد آل عليّ بن كثير وكان معهم فقال : انتظر حتّى نتشاور ، ولمّا ناديته مرّة أخرى .. قال : إنّ الّذين قتلتم أخاهم بالأمس وهو يحلب ناقته أبوا ؛ فجاء موضع قول أبي مكعب [من البسيط] :

إنّ الّذين قتلتم أمس سيّدهم

لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما

ولهذا البيت قصّة جاءت في (ج ١٠ ص ٢٥٠) من «خزانة الأدب».

وأمر جماعة أن يكمنوا لي على الطّريق ، وكان أحد أصحابي نجا براحلتين من النّهب ، فاقتعدناهما ، فلم يقدر علينا الكمين ؛ لأنّهما كما قال القطاميّ [من البسيط] :

يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة

ولا الصّدور على الأعجاز تتّكل

وكانت هذه القضيّة في حدود سنة (١٣٥٠ ه‍) ، وآثار الصّدق لائحة عليها.

وفيها فوائد كثيرة ؛ أهمّها : أنّ الجبل لا ينتهي إلّا على قرب سيحوت حسبما قدّمنا ، وقد نقلنا في شرح البيت (٣٦) في الجزء الأوّل من «الأصل» عن أبي شكيل : (أنّ مدينة تريم في شمال لسعا ، وجبالها اثنان ممتدّان من الشّرق إلى الغرب ، فيها قوم من المهرة كالوحوش ، يتكلّمون بلغة عاد ، وإليهم تنسب الإبل المهريّة) اه

__________________

(١) أعسّ : أسير في الظلام أترقب المارة.

(٢) صغار السمك بعد تجفيفه.


وما كان الخليسيّ مع أصحابه في المراجعة إلّا كدريد بن الصّمّة (١) في الحادثة الّتي غزا فيها بني كعب بن الحارث بنجران فتبعوهم وقتلوا أخاه عبد الله (٢) في حبونن (٣) واستردّوا منهم ما أخذوا ، وفي ذلك يقول قصيدته الّتي منها [من الطّويل] :

بذلت لهم نصحي بمنعرج اللّوى

فلم يستبينوا النّصح إلّا ضحى الغد

وما أنا إلّا من غزيّة إن غوت

غويت ، وإن ترشد غزيّة أرشد

تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا

فقلت أعبد الله ذلكم الرّدي؟!

لئن كان عبد الله خلّى مكانه

فلا طائشا خلو الجنان ولا اليد

وفي أرض الصّيعر بئر يقال لها : منوخ ، فيها ماء ، إلّا أنّه ينضب عند قلّة الأمطار (٤) ، وهذه البئر في منطقة يقال لها : منوخ.

__________________

(١) هو دريد بن الصمّة الجشمي البكري ، من هوازن ، من الأبطال الشعراء ، عمر في الجاهلية ، قتل يوم حنين على جاهليته سنة (٨ ه‍) ، ولم يسلم ، وكانت هوازن خرجت به معها لقتال المسلمين ، وكان قد عمي ، فأدركه ربيعة بن رفيع السلمي فقتله ، وأخباره كثيرة. «الأعلام» (٢ / ٣٣٩).

(٢) كان مقتل عبد الله بن الصمة بخليف دكم بأعلى حبونن ، قتله بنو الحارث بن كعب ، وفيه يقول أخوه دريد

تنادوا فقالوا : أردت الخيل فارسا

فقلت : أعبد الله ذلكم الردي؟

وقتل به أخوه دريد : ذؤاب بن أسماء بن زيد بن قارب ، وقال :

قتلت بعبد الله خير لداته

ذؤاب بن أسماء بن زيد بن قارب

«الصفة» (٣٠٥) ، «الاشتقاق» (٢٩٢).

(٣) حبونن : قال الهمداني : (وهو واد يغيب من بلد يام من سنحان (سمنان) ، وهي كثيرة الأرطى ، وبه بئر زياد الحارثي ، جاهلية). وقال الحجري : (بلدة في نجران يسكنها قبائل من يام ثم من مواجد ، وفيها حصن العان من حصون نجران أيضا). وهو عند ياقوت بلفظ : حبونى ، بألف مقصورة. «الصفة» (٣٠٥) ، «البلدان اليمانية عند ياقوت» (٨٨).

(٤) تقع بئر منوخ في منطقة منوخ الواقعة في الجنوب الشرقي لوادي عيوه.

وفي غربي هذه المنطقة على بعد (٥٥) ميلا تقع منطقة زمخ ، وبها بئر ، وبها مركز حربي بنته الحكومة القعيطية يبعد عن مركز العبر نحو (٣٧) ميلا ، وفي شمال زمخ رمال الدهناء أو الربع الخالي.

وقد كانت زمخ ومنوخ وثمود تشكل مركزا تجاريا مرموقا ، ولكن أفناها ما أفنى القرون الماضية. يراجع «الشامل» (١٢١ ـ ١٢٣).


وقد بنت فيه الحكومة مركزا على أكمة صخريّة عالية ، وهي في الجنوب الشّرقيّ لوادي عيوه.

وفي غربيّ هذه المنطقة على بعد خمسة وخمسين ميلا : منطقة زمخ ، وفيها بئر مهمّة يستقي منها الغزاة القادمون من بوادي نجران ، ويحملون ما يكفيهم من الماء في غزوهم للصّيعر ، وآل كثير والعوامر والمناهيل والمهرة ، وكذلك هؤلاء يتزوّدون منها لغزو يام والقبائل السّعوديّة وغيرهم.

ومركز زمخ يبعد عن مركز العبر بسبعة وثلاثين ميلا.

وعن قرية الحجر بريدة الصّيعر نحوا من أربعين ميلا.

وفي شمالها : رمال الدّهناء ، أو الرّبع الخالي.

وموقع زمخ بمكان كبير من الأهمّيّة ، ولذا بنت فيه الحكومة الإنكليزيّة على حساب الحكومة القعيطيّة مركزا لصدّ عوادي الغزاة أو تخفيفها.

وأمّا بير ثمود ـ الآتي ذكرها ـ فتبعد عن منطقة زمخ بمئتين وثلاثة وسبعين ميلا في جهة الشّرق.

وسكّان منطقة زمخ : آل عبد الله بن عون من الصّيعر ، وهم بدو رحّل.

وفي وادي دهر مكان يسمّى : زمخا ، وبئر تسمّى : ببئر زمخ ، ولكنّها أقلّ شهرة من المكان الّذي نحن بسبيله.

وسكّان منطقة منوخ : آل عليّ بلّيث من الصّيعر ، وسيأتي في وبار أنّها تمتّعت بالثّروة زمانا طويلا ، وأنّها كانت طريق التّجارة الأهمّ بين الشّرق والغرب. وقد كانت كلّ من منطقة ثمود ومنوخ وزمخ مدنا عظيمة للتّجارة ؛ ولكن أفناها ما أفنى القرون الماضية ، ولا شكّ أنّ آثارها مطمورة بالرّمال.

ومنذ أربعين يوما غزت يام وقتلت ثلاثة من الكرب ، وغنمت مئة راحلة ، ولم يقتل منها إلّا واحد ، ولم يصب إلّا اثنان.

وفي مكان المحارقة من أرض الصّيعر شيء من النّخل ، ولا نخل في سواها من


أرضهم ، والطّرق من ريدة الصّيعر مفتوحة إلى كلّ مكان ، ومن أقربها طريق وادي هينن ، ومن سرّ إلى مكان آل عليّ بلّيث في الرّيدة مسير يوم ونصف.

ومنذ ثمان سنوات تقريبا أمطرت الطّائرات الإنكليزيّة نارها على حصن يسلم بن يربوع ملهيّ ، وحصن عبد الله بن عون فهدمتهما ، ثمّ سوّيت القضيّة على ما تريد الحكومة من الموافقة على الحلف السّابق ذكره عمّا قريب.

وبلغني أنّ الحكومة جعلتهم بالآخرة تبعا للقعيطيّ برغم الاستقلال الّتي اعترفت لهم به في ذلك الحلف.

نجد آل كثير

هو من وراء نجد الصّيعر إلى المشرق (١) ، وفيه سعة وأودية ؛ منها : فرع ، والقويع ، وظيلم ، والحوياه ، ونخط ، وطرون ، وفيه من آل عامر : آل كدّه ، وآل دويس ، وآل عبدات .. ما يبلغ مجموعهم مئة رام.

وفيه من آل عمر : آل الشّين ، وآل بدر بن عبد الله .. نحو ستّين راميا. وفيه من الفخائذ آل الصّقير ، وآل زيمه ، وآل عليّ بن سعيد .. نحو أربعين راميا ، ولو لا أنّ بقيّة السيف أبقت عددا .. لأتت عليهم المغازي واستأصلتهم الحروب.

وفي أرضهم تنمو العلوب نماء عجيبا ، ومنها تجلب الأخشاب للعمارة إلى شبام وسيئون وتريم وما بينهنّ. وعود العلوب ـ أي : شجر السّدر ـ إذا نضج واصفرّ لا تقدر عليه دابّة الأرض.

وفي أخبار بدر بوطويرق : ما يفهم منه أنّ كثيرا من أسرتهم ـ لعهده ـ كانوا بهذا النّجد.

وفي أخبار بدر بن عبد الله : أنّه لمّا انكسر من جيش الإمام ولّى منهزما إلى جبال أخواله ؛ ففيه دلالة على أنّ مثرى آل كثير كان بادية لذلك العهد بهذا النّجد.

__________________

(١) نجد آل كثير : يحده شمالا : الرمال ، وجنوبا : وادي حضرموت الأكبر ، وشرقا : نجد العوامر ، وغربا : ريدة الصيعر. وتسيل منه إلى الجنوب : وادي جعيمه ، ووادي نعام ، ووادي يبهوض.

«الشامل» (١٢١). وهو نجد قليل الخير كنجد العوامر.


نجد العوامر

هو في شرقيّ نجد آل كثير ، ومن أوديته : يبا ، والدّخان ، وامباركه ، والعرج ، وغيرهنّ (١) ، ورجالهم لا يزيدون عن مئة وخمسين ، وفي أرضهم بئر يقال لها : تميس ، لكنّها بعيدة عن أماكنهم لا تنفعهم أيّام الظّمأ ، فيفضّلون عليها الانتقال إلى تاربه.

وفي نجد العوامر يزكو النّخل كثيرا ، غير أنّه يذوي ويموت إذا تتابعت عليه الجدوب ، ولأوّليهم في تعهّده اعتناء أكثر من متأخّريهم ، وإلّا .. فنخل تاربه لا يعدّ في جانبه شيئا مذكورا.

ولسيّدي الفاضل علويّ بن عبد الرّحمن المشهور ـ السّابق ذكره في تريم ـ رحلات إلى النّجدين لنشر الدّعوة الدّينيّة والإرشاد إلى طريق الحقّ ، غير أنّ المادّة لا تساعده ، وما أشدّ اهتمامه بحفر الآبار وبناية الأحواض والصّهاريج ؛ لأنّها ضروريّة هناك لو ساعدته القدرة ، لكنّ الأمر كما قال أبو الطّيّب [في العكبريّ» ٢ / ٣٧٠ من الخفيف] :

والغنى في يد اللّئيم قبيح

قدر قبح الكريم في الإملاق

وبناء على هذا تكلّمت مع سماحة الملك ابن السّعود في ذلك أواخر سنة (١٣٥٤ ه‍) ؛ إذ كانت حضرموت تمتّ إليه بحرمة وذمام بما كان بها لأوّليه من الإلمام ؛ إذ هتف بهم منها صريخ في حدود سنة (١٢١٧ ه‍) ، فإذا هم لذلك العهد كما قال الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ٢ / ٤٢١ ـ ٤٢٢ من الطّويل] :

من القوم ما زرّوا الجيوب على الخنا

ولا قرعت أسماعهم بملام

__________________

(١) ومن أودية العوامر : وادي القيلة وهذبيل ، بهما : آل وعيل. ووادي جبا ، به آل عبد الباقي ، ووادي العري ، وإليه تفيض وديان النجد ، ثم يفضي إلى وادي الخون. ووادي الذهب ، به آل براهم من آل جعفر بن عمر. وحصون السلاسل لآل كليلة. «الشامل» (١٢٠). وتقدم الكلام على العوامر في (تاربه) ، ومن أراد المزيد .. فعليه «بالشامل» (١٢٠ ـ ١٢١).


سريعون إن نودوا ليوم كريهة

جريئون إن قيدوا ليوم خصام

يهاب بهم مستلئمين إلى الرّدى

على عارفات بالطّعان دوام

عناجيج قد طوّحن كلّ حقيبة

من الرّكض واستهلكن كلّ لجام

نزائع ما تنفكّ تطري صدورها

جيوب ظلام ، أو ذيول قتام

يخالطن بالفرسان كلّ طريدة

ويبلغن بالأرماح كلّ مرام

تلك هي حالهم قبل أن ينغمسوا في التّرف ، أمّا بعده .. فما أراهم يقدرون على مثل ذلك الشّرف ، سنّة الله في خلقه.

وقد قرّرت في «بلابل التّغريد» ما ينشأ عن التّرف من الأضرار وما ينجرّ به من المصايب ، ودلّلت عليه بما لا يوجد في سواه.

تكلّمت مع الملك في بناية الأحواض والصّهاريج بذلك النّجد فوعد ، غير أنّ الظّروف والاستعجال حالا عن استنجاز ذلك (١) ؛ إذ لا بدّ وأن تقوم دونه عقاب كأداء من الماليّة المعروفة بذلك ، وهي تطلب من الانتظار ما لا يقدر عليه أمثالي من الأحرار ، ولقد أخبرني غير واحد ممّن لا أشكّ فيهم عن الأمير الخطير الثّقة عبد الله بن عبد الرّحمن بأنّ أخاه الملك أمر لي عامئذ بمئة دينار من الذّهب .. فاختانها وزير الماليّة ، وما أدري هل الفرصة باقية لبناء الخزّانات إلى اليوم أم قد فاتت ؛ فإنّ جمعيّة الأخوّة والمعاونة أرادت أن تبني مسجدا بالعبر ـ وهو نظير تلك النّاحية ـ فلم يسمح لها.

نجد المناهيل (٢)

هو في شرق نجد العوامر ، وقد اختلفت عليّ رواة البادية في بير ثمود ، وجبل ـ أو قارّة ـ حبشيّة ؛ فمنهم من يجعلهما من أواخر نجد العوامر ، ومنهم من يجعلهما من

__________________

(١) كان ذلك في حج عام (١٣٥٤ ه‍).

(٢) نجد المناهيل : يقع بين وادي المسيله عند حدود المهرة في الجنوب ، وبين قبر هود عليه الصلاة والسّلام شمالا. وتصب منه إلى وادي حضرموت الكبير هذه الأودية : وادي يشحر ، ووادي فغمه ،


أوائل نجد المناهيل أمّا جبل حبشيّة (١) ـ بفتح الحاء المهملة وسكون الباء وكسر الشّين المعجمة وتشديد الياء المثنّاة من تحت المفتوحة ـ فعلى مقربة من بير ثمود.

ويقولون : إنّهم يسمعون دويّا منه يدلّ على وجود شيء من المخزونات نارا أو غازات أو غيرها.

وأمّا بير ثمود .. فإنّها ـ كما سبق ـ في جانب ذلك النّجد الشّماليّ الّذي يقصر ارتفاعه جدّا إلى الدّهناء ، فهي في أطرافها. وبقاؤها بهذا الاسم من قديم الزّمان إلى الآن يؤكّد ما تقدّم في وادي سر ونبيّ الله صالح عليه السلام.

ويشاع أنّ حواليها منابع غزيرة للبترول ، يتأيّد بتردّد رجال الحكومة الإنكليزيّة إلى ذلك المكان ، وشدّة اهتمامهم به ، وتكتّمهم بعمليّاتهم وحفريّاتهم فيه.

وذكر لي الولد الفقيه عبد القادر الرّوش أنّه رأى بمكّة سنة (١٣٦٤ ه‍) عددا ثامنا من الجريدة المسمّاة ب : (العالم العربيّ) ـ الّتي لم يصدر منها إلّا سبعة أعداد ـ جاء فيه : (أنّ من أغزر منابع بترول العالم : منابع اليمن ، ثمّ حضرموت ، ثمّ الظّهران) اه

وأمرت الولد النّبيل سالم خرد أن يراجع لي مسألة أذكرها عن القطب الحدّاد ،

__________________

ووادي ينحب ، ووادي عنح ، ووادي عصم ، ووادي عرده ، ووادي فغمه.

ونجد المناهيل نجد قليل الخير ؛ لقلة مياهه ، ويرعى سكانه جمالهم بالرمل ، ويوردون مورد المهرة ، وينتهي حد هذا النجد تقريبا عند خط الطول : (٥٠ ـ ١٢ ـ ٤٩) ، وسوق المناهيل : سيحوت ، يتوصلون إليها عن طريق وادي المسيله.

وفي الوديان المذكورة تنمو الأعشاب بوفرة ، وترعى العنوز والنعاج والجمال ، وتوجد قرى المناهيل وهي مكونة من بيوت وأكواخ مبنية من الطين ، ويسكن البعض منهم في كهوف الجبال.

ينظر : «الشامل» (١٢٠) ، «البكري» (٢ / ١٠٦).

(١) قال صاحب «الشامل» (١٧): (بلغنا أنه يوجد في القارة المسمّاة : حبشية فوق صيقة سنا بطرف غيل بن يمين بناء بحجارة فيها كتابات ، وعندها كهيئة البئر .. فربما أن يكون ذلك فوق فوهة بركان) اه ويقال : إن اسم الحبشة الذي سميت به إثيوبيا جاءها من اسم قبيلة حبشات ، إحدى بطون الأجاعز التي هاجرت إلى إثيوبيا من منطقة جبل حبشية بحضرموت. «الهجرة اليمنية» لبامطرف (٩).


فراجع «تثبيت الفؤاد» فتعسّرت عليه ؛ لعدم ترتيبه ، ولكنّه وقع على أهمّ منها ، وذلك أنّه جاء فيه [١ / ٧٢ ـ ٧٣] ما يأتي :

لو لا أنّ هذه ـ يعني تريم ـ دار هجرتنا .. لخرجنا منها ، ولا موضع لهجرتنا إلّا مرباط ، غير أنّه لا يمكننا ذلك لثقل الكلفة في التّحمّل بالنّساء والصّغار والولدان.

ثمّ قال : نحفظ عن بعض جدّاتنا عن أبيها ـ وهو من أهل الكشف ـ أنّه أغمي عليه عند موته بحضورها ، ثمّ أفاق فقال : عادكم تقولون : يا حيّا دولة الكثيريّ ، ثمّ أغمي عليه ، ثمّ أفاق فقال : يأتي على النّاس زمان ما لهم مفرّ إلا ثمود ، ثمّ مات على إثر ذلك.

وقال الحدّاد ـ أيضا بإثر ذلك ـ :

ما في تريم إلّا الوطن

إنّ الإبل تهوى العطن

وقد سبق في صيف من أرض دوعن أنّ القطب الحدّاد كان يذكر الانتقال إليها أيضا.

وما جاء من ذكر المفرّ إلى ثمود عن ذلك الرّجل الصّالح في الحالة الّتي لا يتّهم فيها الكاذب .. يبشّر بمستقبل ضخم لتلك النّواحي ، بدأت تتمخّض به الأيّام. والله العالم وحده ماذا يكون الحال عند الأولاد فيما بعده ، جعل الله العاقبة إلى خير.

وغير بعيد أن يأتي هنا موضع ما سبق في ميفع.

وقد ظهر تصديق فراسة ذلك الرّجل الصّالح الأولى : بتمنّي النّاس أيّام الدّولة الكثيريّة الّتي تضعضعت ثمّ بادت بيافع ، وما تصديق الفراسة الثّانية ببعيد.

وفي نجد المناهيل : وادي قتاب ، وهو واسع جدّا ، حتّى لقد قيل : إنّه أوسع من وادي حضرموت على العرف المصغّر مرّات (١).

وفيه أيضا : وادي قيصوم ، وهو واسع أيضا ، واقع في جهة الشّمال إلى الشّرق من وادي عيوه ـ بكسر العين المهملة وسكون الياء المثنّاة من تحت وفتح الواو ـ زنة عيوه الصّيعريّة.

__________________

(١) أي : في تحديد حضرموت السابق أول الكتاب.


ومن بعدها : رماه ، على وزن قطاه.

والمناهيل فرقتان : آل بن معشني وعددهم نحو ثمان مئة رام ، وآل كزيم وعددهم نحو سبع مئة ، وكان على رئاستهم البخيت بن اللويطيّ ، وهو ممّن أمضى على نسخة من الوثيقة الّتي أرسلت لعليّ سعيد باشا.

ومع توقيعه على تلك الوثيقة .. أمضى لي على ما هذا نصّه :

الحمد لله ، وبتاريخ عشر جمادى الأولى سنة (١٣٣٥ ه‍) فقد شلّ وتحمّل بخيت بن اللّويطيّ عن نفسه وعن كافّة المناهيل لله ولرسوله وللعلم الشّريف بكلّ منفعة يقدر عليها للحبيب عبد الرّحمن بن عبيد الله السّقّاف ، وأن يوالي من والاه ويعادي من عاداه ، ويسمع نصيحته وشفاعته ، ويقوم معه ومع عياله من بعده بالحقّ والشّريعة وينصرهم على من تعدّى عليهم بدّا بوفا ما ذكر فترث عليه وعلى من بعده إلى أن يرث الأرض وراثها ، والله شهيد بدّا بما ذكر البخيت بن اللّويطيّ.

وكتب بأمره وشهد به عبد الله بن عمر بن سلمة وقد قتل البخيت المذكور في حربه مع أمير قسم.

ورئيس جميع المناهيل الآن عيضه بن الحريز بن طناف.

وفي الأخير غزتهم قبائل الجهة الغربيّة فأخذوا عليهم كثيرا من الإبل ، فجمعوا جموعهم من أنفسهم ومن المهرة والعوامر وغيرهم .. فانهزموا وكانوا كالضّبع ذهبت تطلب لها قرنا .. فعادت بلا أذنين.

وأكثر المناهيل والعوامر وآل كثير والصّيعر من سكّان هذه النّجود .. قبائل رحّل ، يتتبّعون مواقع القطر ، لا بيوت لهم إلّا الخيام غالبا ، ولكنّهم يصدحون (١) الأمطار عن أغنامهم ونعمهم وأنفسهم ، وإلّا .. للاقوا منها أتعابا وأنكالا.

__________________

(١) يصدحون : من الصّدحة ؛ وهي : رقية تزعم العرب أنها تمنع المطر أن يصيب مكانا وقد أصاب كل ما حوله من الأرض.


وذكر لي من طالع «الصّبح المنبي عن حيثيّة المتنبّي» (١) [٥٢ ـ ٥٤] : (أنّ فيه قصّة طويلة ؛ فيها : أنّ المتنبّي خدع واحدا بما أراه من نتيجة الصّدحة ، فآمن بنبوّته ، وذلك شيء يسير تعمله العرب بأصغر حيلة ، وقد رأيت كثيرا منهم بالسّكون وحضرموت والسّكاسك يفعلون هذا ، حتّى إن أحدهم ليصدح عن غنمه ، وعن إبله ، وعن القرية ، فلا يصيبها شيء من المطر ، وهو ضرب من السّحر) اه

والأقرب أنّه من آثار إجابة الدّعاء ومن أسرار الحروف ، فلا يلزم أن يكون سحرا (٢) ، لا سيّما وأنّ له حقيقة ظاهرة.

وبار

ومن وراء هذا الجبل الضّارب بجرانه من نحو العبر إلى مشارف سيحوت : صيهد حضرموت ، أو وبار ، أو رمل عالج ، أو الدّهناء ، أو البحر السّافي ، أو الرّبع الخالي ؛ فكلّ ذلك يقال عليها ـ كما أشرنا إلى بعضه في «الأصل» ـ ولا عبرة بما طرأ من تخصيص الدّهناء بما جاور نجدا من رمالها ؛ قال ياقوت في (ص ٤٤٢) من الجزء الأخير : (وكانت منازل عبيل يثرب ، ومساكن أميم برمل عالج ـ وهي أرض وبار ـ ومساكن جرهم بتهائم اليمن ، ثمّ لحقوا بمكّة ...) ، وأطال في ذلك بما تكفي الإحالة عليه.

وكان الحبيب أحمد بن حسن العطّاس يقول : (إنّها تصل ما بين البصرة ونجد وأرض العوامر والمناهيل وجبال حضرموت النّجديّة الشّرقيّة ، وأقرب المنازل إليها من جهة الإحساء رملة يبرين) اه

وقوله : (النّجديّة) ؛ يعني : الشّماليّة ، ولعلّ يبرين هذه الّتي يعنيها الشّمردل

__________________

(١) اسم كتاب من تأليف العلامة يوسف البديعي الحلبي الأديب ، المتوفى سنة (١٠٧٣ ه‍) ، وهو دمشقي الأصل ، تولى قضاء الموصل. ترجم له المحبي في «الخلاصة» (٤ / ٥١٠).

(٢) لأن السحر إنما هو تخييل ووهم يضرب على الأعين قال تعالى : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ)


في بيته السّابق في المقدّمة (١) ، وسبط ابن التّعاويذيّ بقوله [من الكامل] :

إن كان دينك في الصّبابة ديني

فقف المطيّ برملتي يبرين

وهو من قصيدة شاعرة يمدح بها صلاح الدّين ، ويعارض بها قصيدة صرذر المستهلّة بقوله :

أكذا يجازى ودّ كلّ قرين

وفي الجزء الأوّل [ص ٢١٩] من «الإكليل» : (أنّ معدا كانت بتهامة ، فلمّا قاربت بلد حكم ابن سعد بن مذحج .. حاربتهم سعد العشيرة وأخرجتهم إلى الحجاز ، وفي ذلك يقول عامر ابن الظّرب العدوانيّ [من الوافر] :

فسعد أرحلت منها معدّا

وكيف تصاقب الدّاء الدّفينا (٢)

وممّا ينسب إلى تبّع في ذلك قوله [من البسيط] :

عطفت خيلي على عيلان إذ قفلت

فأنزلتهم بدار الجوع يبرينا

أرحلتهم من بلاد الرّزق كلّهم

فما يذوقون رمّانا ولا تينا

وبطون قيس تنجع في البلاد شرقا وغربا ، وتوغّل في بلدان الأعاجم ، وفيهم السّلطان ، وما تحدّث نفوسها بمأرب أن تطرّفها (٣) إلى غيرها ؛ فضلا عن النّزول بها) اه باختصار.

وقد ذكرنا في غير هذا الموضع : أنّ اليمن ما زالت قاهرة لعدنان حتّى كان يوم حزاز وعلى عدنان وائل ، فقهروا اليمن ، ثمّ اتّصل ذلك بعد عدنان في الإسلام ؛ فإن أراد الهمدانيّ ما قبل ، وإلّا .. فكلامه مردود ، وهو لم يكن إلّا في القرن الرّابع وحمير مقهورة لا قاهرة ، ومرؤوسة لا رئيسة ، وهذا جاء في البين لمناسبتين مارّتين .. فلنعد لما نحن فيه.

__________________

(١) والبيت هو :

بلغن أقصى الرمل من يبرينا

وحضرموت وبلغن الصينا

(٢) تصاقب : تجاور وتلتصق.

(٣) أي : تنزل بأطرافها.


وقال البكريّ في «معجمه» [٤ / ١٣٦٦] : قال أبو عمرو : وبار بالدّهناء ، بها إبل وحوشيّة (١) ، وبها نخل كثير ، لا يرده أحد ولا يجذّه ، وزعم أنّ رجلا وقع إلى تلك الأرض .. فإذا تلك الإبل تأكل من التّمر ، وترد ماء هناك ، فركب منها فحلا فتبعته تلك الإبل على توحّشها ، فذهب بها إلى أهله.

وقال الخليل : إنّها كانت مساكن عاد ، ولمّا أهلكهم الله .. ورثها الجنّ ، وهي الأرض الّتي ذكرها الله في قوله : (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)

وقال إسحاق بن إبراهيم الموصليّ : كان من شأن دعيميص الرّمل : أنّه لم يكد يدخل أحد أرض وبار غيره ، ولمّا انصرف عنها .. وقف بالموسم يقول [من الطّويل] :

فمن يعطني تسعا وتسعين نعجة

هجانا وأدما أهدها لوبار

فلم يلتفت له أحد من أهل الموسم سوى رجل من مهرة أعطاه ما سأل وتحمّل معه في جماعة من قومه بأهليهم وأموالهم ، فلمّا توسّطوا الرّمل .. طمست الجنّ بصر دعيميص ، واعترته الصرفة ، وهلك هو ومن معه جميعا) اه

وهذا من الخرافات ؛ فإنّ النّاس اليوم لها فيه جيئة وذهاب ، وما بأحد بأس.

والنّحاة على اختلاف في إعراب وبار ؛ فمنهم من يبنيها على الكسر ؛ لأنّه المطّرد فيما كان آخره راء وزن فعال ، ومنهم من يعربها إعراب الممنوع من الصّرف.

والطّرق مفتوحة للسّيّارات في هذه الرّملة من غير تعبيد إلى كلّ مكان ، ومنه تعرف خطأ الفرزدق إذ ضرب المثل بخفاء طريقها في قوله [في «ديوانه» ١ / ٣٩٥ من الكامل]

ولقد ضللت أباك يطلب دارما

كضلال ملتمس طريق وبار

وقد يجاب بأن ليس المراد قلّة السّالكين ، ولكن قلّما تثبت الآثار على الرّمال ،

__________________

(١) بمعنى وحشية غير أليفة.


وإلّا .. فهي مسلوكة من قديم الزّمان إلى الآن ، وقد سلكها العلاء ابن الحضرميّ في قتال المرتدّين ، وندّت (١) إبلهم وهم نزول ، وأصابهم من الكرب والعطش أمر عظيم ، ثمّ ظهر لهم ماء فمشوا إليه ، وعادت إبلهم وعليها أزوادهم ، فامتطى كلّ بعيره ، وكتب إلى أبي بكر ـ كما عند الطبري [في «تاريخه» ٣ / ٣١٣] ـ يقول له : (أما بعد : فإنّ الله تبارك وتعالى فجّر لنا الدّهناء فيضا لا ترى غواربه (٢) ، وأرانا آية وعبرة بعد همّ وكرب ؛ لنحمد الله ونمجّده).

فلا يتعذّر سلوك السّيّارات بها من حضرموت إلى العبر ، ولا من العبر إلى نجران ، وقد سلكها المستشرق فلبي.

ولمّا اجتمعت بملك الحجاز ونجد في سنة (١٣٥٤ ه‍) .. قال لي : إنّ الحكومة الإنكليزيّة أرسلت إليّ وفدا في رمضان من هذا العام يقول لي : لا بدّ من إصلاح حضرموت ، وتمّ الكلام على إرسال وفد من عندي ومن عند الأخ يحيى ومن عندهم للاستفتاء ؛ فإن اختاروا الأخ يحيى .. فبها ، وإن اختاروني .. فعلي أن أذبّ عنهم بما أذبّ به عن أهلي وولدي ، وإن اختاروا الإنكليز .. فشأنهم وأنفسهم.

هذا معنى ما قاله لي يومئذ ؛ إن لم يكن بلفظه.

وكم كان سرور النّاس بذلك لمّا خابرتهم به مرجعي من الحجّ ، ثمّ لم يكن إلّا أن جاء فلبي وكان يتقمّص الإسلام ، ولا ينبغي إلّا أن نحمل باطنه على ظاهره ، فكان الكلّ في الكلّ.

وسبق في المقدّمة ما يقرب من كلام الحبيب أحمد بن حسن العطّاس عن الطّيّب بامخرمة عن القاضي مسعود.

وقال الهمدانيّ : وفي شعر الأخنس بن شهاب التّغلبيّ الّذي يذكر فيه منازل العرب [من الطويل] :

__________________

(١) ندّت : تفلّتت وشردت.

(٢) غوارب الماء : أعالي موجه.


وصارت تميم بين قفّ ورملة

لها من جبال منتأى ومذانب

وكلب لها خبت فرملة عالج

إلى الحرّة الرّجلاء حيث تحارب

والرّجلاء : هي الّتي ترجل صاحبها فلا يقدر على الرّكوب فيها.

وأمّا ما يزعمه كثير من النّاس من فرط نعومة رمل بعضها بحيث يغرق من يقع فيه .. فقد أشرت في «الأصل» إلى استحالته ، غير أنّ الأخبار كثرت بالآخرة عنه.

ويزعم بعضهم أنّ في هذه الفلاة بحرا ، ومع اتّساعها وكثرة أعاجيبها وغرائبها ... فإنّه لا يبعد ؛ لأنّ البدو والسّيّاح قد قتلوها علما ، ولم يذكروه ، ولكنّهم ذكروا أمّ الصّميم.

أم الصميم

وهو موضع في الرّبع الخالي ، قريب من مسقط ، يرى مثل التّراب ، وهو ماء إذا وقع فيه الإنسان .. غرق ، ولكنّه ليس بواسع ، وزعم بعض سيّاح الأجانب ممّن يدّعي أنّه قتلها علما : أنّها تسع مئة ميل في مثلها ، لا تزيد على ذلك ، وأورد الطّائيّ في المراثي من «حماسته» [١ / ٣٩٨] أربعة أبيات لابن رواحة السّبنسيّ منها [من الطّويل] :

وما زال من قتلى رزاح بعالج

دم ناقع أو جاسد غير ماصح (١)

وفي مضرب المثل بسعتها يقول البحتريّ [في «ديوانه» ٢ / ٣٧٠ من الكامل] :

ليس الّتي ضلّت تميم وسطها الدّ

هناء لا بل صدرك الدّهناء

وقال الهمدانيّ في موضع آخر من «الصّفة» بعد أن ذكر أودية كثيرة : (وكلّ هذه الأودية فيها نخل ومساكن وزروع ؛ وهي تسمّى الثّنايا ؛ ثنايا العارض وهو قفّ

__________________

(١) قال شارح «ديوان الحماسة» : رزاح : اسم قبيلة من خولان. ورمل عالج : اسم موضع. والنّاقع : الثّابت. والماصح : الذّاهب. والجاسد : الجامد. والمعنى : أنّ دماء قتلى رزاح بعالج لم تزل طريّة أو جامدة غير ذاهبة ؛ أي : باقية على حالها فلا تغسل إلّا بأخذ الثّأر من أعدائها.


مستطيل ، أدناه بحضرموت وأقصاه بالجزائر) اه (١)

وقد أطلت القول عن وبار هذه ب «الأصل» ، ومنه : أنّها تمتّعت بالشّرف قرونا طويلة ، واستثمرت توسّط موقعها بين الشّرق والغرب ، فكانت مركز التّجارة العظيمة ، ومخزن البضائع الأهمّ ؛ إذ كانت السّفن تقصد سواحلها ـ ومنها : إلى عمان وظفار وسيحوت الشّحر ـ من السّند والهند والصّين وجاوة وأفريقيا وغيرها من الجهات الغربيّة ؛ كما أشار إليه صاحب «الشّهاب الرّاصد» وغيره.

وأكثر الدّهناء لتميم ، ولهم إقطاع من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حسبما أظنّني ذكرته في «الأصل».

وقال الفرزدق في هجائه لعمرو بن عفراء [في «ديوانه» ١ / ٥٩ من الطّويل] :

ولمّا رأى الدّهنا رمته جبالها

وقالت : ديافيّ مع الشّأم جانبه (٢)

فإن تغضب الدّهنا عليك فما بها

طريق لزيّات تقاد ركائبه (٣)

ومعناه : أنّ الدّهناء لا تقبل زياتا مثلك.

وقلّما ذكرت الدّهناء في «خزانة الأدب» .. إلّا وقال صاحبها : وهو موضع ببلاد تميم ، كما في شرح هذه الأبيات [٥ / ٢٣٧] منها ، وشرح قول أبي زبيد الطّائيّ [من الخفيف] :

فلحا الله طالب الصّلح منّا

ما أطاف المبسّ بالدّهناء

في (ص ١٥٥) منه : والمبسّ : حادي الإبل ، وفيه تكثير لسالكيها ؛ إذ جعله مضرب مثل على عكس ما سبق.

وقال عن الفرزدق ذو الرّمّة [في «ديوانه» ٧٢ من البسيط] :

حنّت إلى نعم الدّهنا فقلت لها

أمّي بلالا على التّوفيق والرّشد

__________________

(١) صفة جزيرة العرب (٢٥٣).

(٢) ديافيّ : منسوب إلى بلدة في الشّام ؛ اسمها : دياف ، وأهلها نبط الشام ، وإذا أرادوا التّعريض برجل أنّه نبطيّ نسبوه إليها.

(٣) الزّيّات : بائع الزّيت.


وقد شرحها صاحب «الخزانة» في [٩ / ٤٢٤] ، وقال : (والدّهنا : موضع ببلاد تميم ، يمدّ ويقصر).

وقد اعترف كثير من الإفرنج أنّ المحيط الهنديّ كان بحيرة عربيّة من القرن الثّامن إلى نهاية القرن الخامس عشر كما سبق في تريم بمناسبة ذكر الملّاح العظيم أحمد بن ماجد عندما ذكرنا علماء آل باماجد.

ولوبار هذه ذكر كثير من الأشعار ؛ منها قول النّابغة [من الكامل] :

فتحمّلوا رحلا كأنّ حمولهم

دوم ببيشة أو نخيل وبار (١)

وفي مضرب المثل بنخلها ما يؤكّد قولنا بغزارة خيراتها ، وكثرة بركاتها ، وقد أطال ياقوت فيها بما لا حاجة إلى ذكره ؛ لأنّ الكتاب موجود ، ولأنّ بعضه ممّا يشكّ فيه العاقل ، ويحتاج في تصديقه إلى سذاجة وافرة.

وممّن نصّ على أنّها هي رمال عالج : ياقوت وابن خلدون وغيرهما.

وفي «شرح ديوان الحماسة» [١ / ٢٤٢] : أنّ مروان الحمار آخر ملوك بني مروان كتب لمعدان بن عبيد بن عديّ : ثمّ والله لأبيلنّ الخيل في عرصاتك. فقال معدان للرّسول : قل له : تبيل الخيل في عرصاتي وبيني وبينك رمل عالج ، وحولي عديد طيّء ، وخلف ظهري الجبلان؟!! فاجهد جهدك ؛ فلا أبقى الله عليك إن أبقيت. في حديث طويل.

وقال ذو الرّمّة [في «ديوانه» ٤٥ من الطّويل] :

أبيت على ميّ كئيبا وبعلها

على كالنّقا من عالج يتبطّح

وقال ابن الأشعث الجنبيّ يصف صيهد حضرموت هذه ـ وكان سلكها إلى وادي نجران كما فعل فلبي ـ [من الكامل] :

هلّا أرقت لبارق متهجّد

برق تولّع في حبيّ منجد

__________________

(١) بيشة : واد بطريق اليمامة.


برق يذكّرك الجريدة أنّها

علقت علائقها طوال المسند

فلقد ذكرتك ثمّ راجعت الهوى

يوم الشّرى ودعوت أن لا تقعدي

منها :

فإذا مفازة صيهد بتنوفة

تيه تظلّ رياحها لا تهتدي

وتظلّ كدر من قطاها ولّها

وتروح من دون المياه وتغتدي

بلد تخال بها الغراب إذا بدا

ملكا يسربل في الرّياط ويرتدي

فسألت حين تغيّبت أعلامنا

من حضرموت بأيّ نجم نهتدي؟

قالوا : المجرّة أو سهيل باديا

ثمّ اهتدوا لقفولكم بالفرقد

نتجشّم الأهوال نبغي عامرا

متحزّنين عليه أن لم يوجد

وقال الهمدانيّ في الجزء الأوّل [ص ١٩٥ ـ ١٩٧] من «الإكليل» : (ذهب في الدّهناء بعهدنا قطار فيه سبعون محملا من حاجّ الحضارم ، صادرين من نجران ، لحق هذا القطار في أعقاب النّاس ، ولم يكن فيه دليل ، فساروا ليلة وأصبحوا وقد تياسروا عن الطّريق ، وتمادى بهم الحور حتّى انقطعوا في الدّهناء ، فلم يدر ما خبرهم ؛ لأنّ أحدا لا يدخل ذلك المكان ، ولو دخله .. لم يظفر بموضعهم ؛ لسعة ذلك الخرق .. فهي فلاة واسعة جدّا ، وفيها بقايا قصور في جانبها الغربيّ ممّا يصله العمران ، يعدّنها النّاس في زماننا .. فيجدون فيها الذّهب وما لم يسرع إليه أكل التّراب من الفضّة) اه

وفيه كثرة حاجّ الحضارم لذلك العهد ؛ لأنّه إذا كان اللّاحق سبعين محملا .. فما بالك بالسّابقين؟

ويشبه أن تكون هذه القصّة هي بنفسها الّتي سمعتها عن شيخنا العلّامة أحمد بن حسن العطّاس ، وذكرتها في «الأصل» ، وهي : أنّ مئة وأربعين دخلوا الدّهناء مردفين على سبعين مطيّة ، كلّ اثنين على واحدة ، فغرقوا في بحر الرّمل ما عدا واحدا تخلّف لقضاء حاجته ، وانتظره صاحبه على مطيّته ، فجاءت حيّة هائلة والتهمت الجمل وراكبه ولم ينج إلا قاضي الحاجة.


وكنت أستبعدها ؛ لما اشتملت عليه من المحالات ؛ حتّى رأيت كلام الهمدانيّ ، فظننت أنّه هي ، إلّا أنّه دخل عليها التّغيير. والله أعلم.

وفي المقدّمة : أنّ وبار اسم لحضرموت بأسرها ، ولكنّ بعضهم يخصّه بهذه الفلاة الّتي قلّما تجلس مع أحد من بادية العوامر .. إلّا حدّثك بالأعاجيب عن أشجارها ، وعن جنّها ، وعن حيواناتها ؛ ومنها النّعام ، وبها يكثر بيضها ، ومن المعلوم أنّها لا تبيض إلّا في خصب من الأرض ، قال جابر بن حريش يصف أرضا بالخصب والرّخاء [من الكامل] :

لا أرض أكثر منك بيض نعامة

ومذانبا تندي وروضا أخضرا

وقال الجاحظ في كتاب «الحيوان» : زعم ناس أنّ من الإبل وحشيّة وكذا الخيل ، وقاسوا ذلك على الحمير والحمام والسّنانير وغيرها.

وزعموا أنّ مسكن الإبل الوحشيّة بوبار ، قالوا : وربّما خرج الجمل منها لبعض ما يعرض فيضرب في أدنى هجمة من الإبل الأهليّة ، ومن هذا النّتاج كانت الإبل المهريّة.

وفي «لسان العرب» لابن منظور : (أنّ الحوش الحوشيّة : إبل الجنّ. وقيل : المتوحّشة. ويقال : إنّ فحلا منها ضرب في إبل لمهرة بن حيدان فنتجت النّجائب المهريّة من تلك الفحول الوحشيّة .. فهي لا يكاد يدركها التّعب). وفي «الأصل» ذكر جميل من الأشعار في وبار.

ومن أشهى ما يحدّثك الخبير عن وبار : حسن التّربة ، وزكاء المنبت ؛ فإنّ الزّرع يحصد منها خمس مرّات بالسّقية الواحدة ، والعوامر يسمّون المكان الصّالح للعمارة منها : الحجر ؛ لأنّهم يحتجرونه لمراعيهم ؛ كما يسمّي الصّيعر المكان النّازل عن نجدهم فيما يليهم منها : عيوه.

وخيام الصّيعر والعوامر والمناهيل منتشرة بكثرة في هذه الرمال.

هذا ما تلقيته بشأنها عن كثير من العوامر ، يصدّق بعضهم بعضا ، إلّا أنّ عندهم نصيبا كاثرا من البلادة وسوء الفهم .. فالعهدة عليهم.


خاتمة الكتاب

وهذا آخر ما انتهى إليه القلم في الموضوع ، ولم يصل إليه إلّا بعد الحران (١) ، وصوارف الاقتران ، وذلك أنّني لمّا خرجت عن سيئون (٢) .. عرض ما يوجب تصنيف «السّيف الحادّ لقطع الإلحاد» (٣) ، ثمّ لمّا قاربت الحسيّسة .. نجم ما يقتضي تأليف «نسيم حاجر في تأييد قولي عن مذهب المهاجر» ، وبإثره انفسخت العزيمة ، وضعفت الهمّة ، حتّى عالجتها بمثل قول أبي الطّيّب [في «العكبريّ» ٤ / ١٤٥ من الوافر] :

ولم أر في عيوب النّاس عيبا

كنقص القادرين على التّمام

فانبعثت ثالثة ، لكن بخطا قصيرة ، وصدر ضيّق ، مع أنّ الموضوع ليس من فنّي (٤) ، ولا يليق بسنّي ، وإنّما كان الأحرى هو الإقبال على الدّار الأخرى ، وأستقيل الله من العثار ، ومن غثاء الإكثار ، وقد قالوا : إنّ أعراض الخلق حفرة من حفر النّيران ، وقف على شفيرها القضاة والمحدّثون ، وأهل التّاريخ فيهم يدخلون.

وأنا في المدح أخوف منّي في القدح ؛ إذ قرّرت في «بلابل التّغريد» أن لا غيبة لفاسق مطلقا ؛ فكيف بها للمصلحة؟

فإنّي لأرجو أن أنال بذمّهم

من الله أجرا مثل أجر المرابط (٥)

وقد صرّحوا بجواز الغيبة للتّحذير من الشّرّ كجرح الشّهود والرّواة.

وقاعدة : (ما جاز بعد امتناعه) تقتضي الوجوب.

__________________

(١) الحران : الشدة.

(٢) أي : عقب الانتهاء من تدوين ما يتعلق بها.

(٣) ألفه في الرد على كتاب «وحدة الأديان» للصّافي ، طبع بعدن سنة (١٣٦٧ ه‍).

(٤) هذا من هضم النفس وكسرها ، وإلا .. فمن لهذا الفن الذي لم يدع فيه رحمه الله شاذة ولا فاذة إلا وأوردها ، ولا فائدة وحسن عائدة إلا واقتادها .. سواه ، ولكنه اعتذر بما يأتي .. فأبان عن حسن اعتذاره.

(٥) البيت من الطويل ، وهو لبشار بن برد في «ديوانه» (١٨٥).


والتّحذير من الشّرّ أحد أمور ستّة تستباح بها الغيبة من دون خلاف ، وزاد صاحب «الأنوار» سابعا : وهو النّصيحة العامّة ، ولكن قال ابن حجر : إنّه داخل تحت التّحذير من الشّرّ ، ونقل عن المحقّقين : أنّه لا يجوز للمؤرّخ أن يذكر من المساوىء إلّا ما يقدح في العدالة ؛ لبيان الجرح .. إلخ ما ذكر.

ولئن قصّرت في شيء من ذلك في حقّ من يخشى به الاغترار .. فلخطر المقام ، وأنا أستغفر الله ، وأرجو أن يكون فيما أذكره بهذا الكتاب وغيره من الكتب والأشعار والخطب ما يكفي للخروج من الحرج.

وأمّا في المدح .. فكيف لا أخاف وأنا لا آمن مع الاحتياط فيه التّسوّر على الغيب ، والثّناء بالأمور القلبيّة ـ وفيه ما فيه ـ إذ لم تتوفّر القرائن من الإثم والعيب ، وعسى أن يكون لي مخرج ممّا قرّرته في الجزء الأوّل من «الأصل» في مبحث الثّناء ، وقد زادني خوفا : ما جاءني في مكاتبة من شيخ مشايخنا العلّامة الجليل عبد الله بن حسين بلفقيه من قوله : (فأماثل البلد عندنا لم يبلغوا العشرة) اه

ومتى كانت تريم وهي مهد العلم ووكر الولاية لا يبلغ الأماثل ـ فضلا عن العدول ـ بها في ذلك العصر الطّيّب عشرة ، فما بالك بما سواها؟ ، وتأكّد ذلك بما جاء في حكم (١) بتاريخ سنة (١٢٧٦ ه‍) من قاضي تريم لذلك العهد الشّيخ سعيد بن أحمد بن سعيد الكبيّر : أنّه قبل شهادة سيّدي عيدروس بن علويّ بن عبد الله العيدروس في دعوى للسّيّد عوض بن عمر بن أحمد الشّاطريّ (٢) ، وقال : لأنّه من الأماثل.

ولم يقل : من العدول.

وذكر غير واحد من الثّقات : أنّ الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر شهد مرّة برؤية الهلال لدى القاضي ، ولمّا أراد العمل بشهادته .. قال له : تمكث حتّى أخبرك بحالي وفعلي ؛ فربّما ترى فيه ما يسقط شهادتي ؛ فإنّي كنت أخرج إلى بعض الآبار وهناك

__________________

(١) أي : حكم قضائي.

(٢) توفي السيد عوض بتريم سنة (١٣٢٥ ه‍) ، وهو الجد الأول للعلامة أحمد بن عمر بن عوض ..

مؤلف «الياقوت النفيس» ، وهو شقيق السيد أحمد بن عمر جد العلامة عبد الله بن عمر الشاطري.


رجل وزوجته يسنون ، وأقعد عندهم ، وربّما يكون في هذا ما ينافي العدالة. اه

ومعاذ الله أن يكون خروجه إلّا لبعض شغله في شيء من آباره ، ثمّ يعرض له القعود المشار إليه.

وأنا قد أطنبت في الثّناء على رجال هاتين الطّبقتين (١) ، لكنّ المحامل كثيرة ، وفوائد حسن الظّنّ أثيرة بثيرة ، وإنّي لأحاول جهدي عند الكتابة عن أيّ إنسان ـ ما لم أنس التّحفّظ أحيانا ـ أن أتخلّى عن عواطف إعظامي وحبّي له ؛ لأكون أبعد عن المغالاة في فضائله ، كما فعلت في والدي ، وسيّدي الأستاذ الأبرّ ، وشيخه الإمام البحر ، فكلّ عارف يعلم أنّي مقصّر فيما كتبت عنهم.

ولو أبصروا ليلى أقرّوا بحسنها

وقالوا بأنّي في الثّناء مقصّر

وقد بلغني : أنّ بعضهم اشتكى إلى الشّيخ عبد الله بن أحمد باسودان قراءته في شيء من كتب الأخلاق على الحبيب أحمد بن عمر بن سميط من غير تقرير منه البتّة ، فقال له : يكفيك قراءته ؛ أي معرفة ما هو عليه من الأعمال الحسنة والأخلاق الفاضلة ، تصداق ما أخرجه أبو نعيم في «حليته» [٣ / ٣٦٢] بسنده إلى الزّهريّ قال : (كنّا نأتي العالم ، فما نتعلّم من أدبه .. أحبّ إلينا من علمه).

وما أخرجه أيضا فيها [٣ / ٧] : بسنده إلى عبد الله بن بشر قال : (إنّ الرّجل ربّما جلس إلى أيّوب السّختيانيّ فيكون لما يرى منه أشدّ اتّباعا منه لو سمع حديثه).

ولله درّ أبي الطّيّب في قوله [في «العكبريّ» ٢ / ١٥٥ من الطّويل] :

وأستعظم الأخبار قبل لقائه

فلمّا التقينا صغّر الخبر الخبر

وقول عصريّه ابن هانىء الأندلسيّ [من البسيط] :

كانت مساءلة الرّكبان تخبرني

عن جعفر بن فلاح أطيب الخبر

حتّى التقينا فلا والله ما سمعت

أذني بأحسن ممّا قد رأى بصري

__________________

(١) لعله يقصد طبقة الحبيب عبد الله بن حسين (القرن الثالث عشر) ، وطبقة العيدروس والشاطريّ المذكورين ؛ أي : أوائل القرن الرابع عشر لأنه عاصر وقتهما.


كما أنّني أكلّف قلمي تكليفا دقيقا أن لا تكون كتابته عمّن تنفر عنه نفسي تحت تأثير أيّ شيء من تلك العاطفة ، بل إنّني لا آمن أن يذهب بي التّحرّي فيه إلى المغالاة ؛ تفاديا من ميل الطّبع إلى التّقصير ، وإنّني لكثيرا ما أفترض الحبيب بغيضا وعكسه ؛ لأكون أدنى إلى النّزاهة ، وأنأى عن الهوادة (١).

ولم يعزب عن ذهني ما ذكرته أوائل «الأصل» عن ابن السّبكيّ من إنكار ما عليه بعض المؤرّخين يعرّض بالإمام الذّهبيّ من تقصير الخطا ، وقرمطة الكلام في ترجمة من لا يوافقه هواه متوهّما أن لا ضير عليه ـ متى اجتنب المذامّ ـ أن لا يستوفي المحاسن ؛ لأنّه لا يلزمه استيفاؤها ، وإن تفضّل به في حقّ من يحبّه ويواليه ، أو ما يقرب من هذا السّياق.

ولكنّني أجمد عن نزر خواصّ لبعض المتأخّرين إذا لم ننهض للتّغطية على سيّئاتهم ، وعذري في ذلك : أنّني إن ذكرتهم بالعجر والبجر .. أسوّد التّاريخ ، وإ حلّيتهم بالمحاسن .. كان غشّا وظلما لمن يفضلهم بالنّزاهة مع خلوّه من تلك الفضائل الّتي تشين متى وزنت بتلك المساوىء السّوداء ، فبعد أن اعتلجتني الخواطر ، وأتعبني التّردّد .. رأيت الجمود أحزم ، والإغضاء ألزم ، والاقتصار على التّعريف أسلم ، وقد قالت إحدى أخوات أمّ زرع : (زوجي لا أبثّ خبره) ... إلخ.

أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم لي ولوالديّ ولمشايخي ولمشايخهم وهلمّ جرا ، ولزوجي وأولادها ، وللمسلمين ، والحمد لله ربّ العالمين ، سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.

وكان الفراغ منه في منتصف جمادى الآخرة من سنة (١٣٦٧ ه‍).

__________________

(١) الهوادة : اللين.



الفهارس العامة



الأعلام التي ذكرها المؤلف وترجم لها في طيات الكتاب

 ـ أ ـ

أبو بكر بازرعة ٣٢٦

أبو بكر بن حسن بن محمد ابن جعفر ٣٤٩

أبو بكر بن عبد الرحمن بن طاهر ٨٢٥

أبو بكر بن أحمد الخطيب ٩٢٠

أبو بكر بن أحمد بن سالم بن أحمد بن علي ٩٨٦

أبو بكر بن إبراهيم بن عبد الرحمن السقاف ٩٩٨

أبو بكر بن سالم بن عبد الله السقاف ٩٧٥

أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي بكر ٩٨٧

أبو بكر بن عبد الرحمن بن شهاب العلوي ٨٥٨

أبو بكر بن عبد الله الهندوان ٩٥٠

أبو بكر بن عبد الله بن أحمد العطاس ٢٨٨

أبو بكر بن عبد الله بن علي مولى عيديد ٩٣٣

أبو بكر بن عبد الله بن محمد (ابن حسن) ٩٦٦

أبو بكر بن عبد الله بن محمد باكثير ٦٥٣

أبو بكر بن عمر باكثير ٦٥١

أحمد الأشرم ٢٧٥

أحمد بن أبي بكر بن عبد الله ابن زين ٥١٤

أحمد بن جعفر بن علي السقاف ٧٠٢

أحمد بن حسن بن عبد الله الحداد ٩٣٩

أحمد بن حسين بن عمر بن هادون ٤٢٦

أحمد بن زين الحبشي ٥٧٨

أحمد بن سالم بن أحمد بن علي بن أحمد بن سالم ٩٨٤

أحمد بن سالم بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي ٩٩٤

أحمد بن طاهر بن أحمد ٨٢٦

أحمد بن طه باحميد ٦٧١

أحمد بن عبد الرحمن بفلح ٢٦٤

أحمد بن عبد الرحمن بلحاج ٢١٣

أحمد بن عبد القادر باعشن ٣٤٧

أحمد بن عبد الله باعبيد ٣١٩

أحمد بن عبد الله بن أبي بكر الخطيب ٩١٩

أحمد بن عبد الله بن حسين ٨٢٥

أحمد بن عبد الله بن سالم الكاف ٢٧٢

أحمد بن عبد الله بن عمر الخطيب ٩٣٣

أحمد بن عبد الله بن عيدروس ٣٥٦

أحمد بن عبود بن عيسى الزبيدي ٨٠٤

أحمد بن علوي العيدروس ٧٦٣

أحمد بن علي بن أبي بكر ٩٨٩

أحمد بن علي بن أحمد ٩٨٢

أحمد بن علي بن سالم ٩٨٠

أحمد بن عمر باجابر ٢٩١

أحمد بن عمر بن زين بن سميط ٥١٢

أحمد بن عمر بن عبد الله باضريس ٣٧٩

أحمد بن عمر بن عوض الشاطري ٩١٥

أحمد بن عمر بن يحيى ٨٢٨

أحمد بن محضار العيدروس ٧٦٨

أحمد بن محمد المحضار ٣٢٨

أحمد بن محمد باذيب ٥١٧

أحمد بن محمد بارجاء ٦٨١

أحمد بن محمد باكثير ٦٨٢

أحمد بن محمد بن عبد الرحيم باجابر ٢٩٢

أحمد بن محمد بن عبد الله ابن شهاب ٩٦٨


أحمد بن محمد بن علي بوطويرق ٨٠٥

أحمد بن ناصر البطاطي ٤١٥

أحمد بن ناصر بن أحمد بن أبي بكر بن سالم ٢٠٦

أحمد بن هاشم المساوى ٢٧٧

أحمد بن هاشم بن أحمد الحبشي ٧٦٩

إسماعيل الجرداني ٢٤٩

امبارك بن عمر بن شيبان ٨٥٠

امبارك بن محمد عجاج ٤٦٣

امبارك عميّر باحريش ٧١٧

ـ ب ـ

بو بكر بن عبد الرحمن بن جعفر ٨٠٧

بو بكر بن محمد بامطرف ١٤٦

ـ ج ـ

جعفر بن أحمد بن زين الحبشي ٥٧٩

جعفر بن سالم بن مرعي ٥٧٤

جعفر بن طه الحداد ٥٦٢

جعفر بن علي بن عانوز ٦٤٦

جعفر بن منصور بن غالب الكثيري ٧٣٣

ـ ح ـ

حسن بن أحمد بن حسن الحداد ٦٣٢

حسن بن إسماعيل بن علي ٩٩٠

حسن بن سالم بن أحمد العطاس ٢٨٨

حسن بن صالح البحر ٥٨٨

حسن بن عبد الله بن عبد الرحمن الكاف ٩١٥

الحسن بن عبد الله بن علوي الحداد ٩٣٩

حسن بن علوي بن شهاب ٩٠٩

الحسن بن علي الصادق الجفري ٦٦٦

حسن بن عمر بن حسن بن عبد الله الحداد ٩٤١

حسن بن عوض بن زين مخدم ٧٧١

الحسن بن محمد بن إبراهيم بلفقيه ٤٧٧

حسين بن حامد المحضار ٣٣٠

حسين بن حامد بن عمر العطاس ٣٤٢

حسين بن عبد الرحمن بن سهل ٢١٠

حسين بن عبد الله بن حسين ابن علوي ٨٥٣

حسين بن عبد الله عيديد ٦٧١

حسين بن علوي ابن أحمد بن علوي ٧٥١

حسين بن محمد ابن أبي بكر بن سالم ٢٧٦

حسين بن محمد ابن عمر المحضار ٩٧٦

حسين بن محمد البار ٣٥٦

حسين بن محمد الحبشي ٧٠٧

حسين بن محمد بن عبد الله الحسني ٧٥٤

ـ ر ـ

رضوان بن أحمد بافضل ٩٩١

ـ ز ـ

زين بن حسن بن محمد بلفقيه ٤٧٨

زين بن صادق بن زين ٨٤٨

ـ س ـ

سالم بن أحمد باحميد ٦٧١

سالم بن أحمد بن علي ٩٨٣

سالم بن حفيظ بن عبد الله ٩٦٥

سالم بن طه الحبشي ٥٨٥

سالم بن عبد الرحمن باصهي ٥١٧

سالم بن عبد الله بن سعد بن سمير ٦٠١

سالم بن علوي بن سقاف ٦٦١

سالم بن فضل بن محمد بافضل ٨٧٥

سالم بن محمد باوزير ١٥٢

سالم بن محمد بن سالم بن حميد ٦٥٥

سالم بن محمد بن يماني ٥٧١

سالم عبود بلعمش ٣٦٨


سالمين بن عوض بن عبيد ٨٠٦

سعد بن أحمد بن عبد الله الصبان باغريب ٩٦٦

سعد بن سعيد الظفاري ٢٠٤

سعد بن علي الظفاري ٢٠٣

سعيد باحفظ الله ٣٧٠

سعيد بن سالم الشواف ٤٥٩

سعيد بن عبد الله باعبيد ٣١٩

سعيد بن عوض بن كده ٥٦٠

سعيد بن عيسى العمودي ٣٣٧ ـ ٣٨٧

سعيد بن قطامي ٧٧٧

سعيد بن محمد الشاعر ٥٥٢

سعيد بن محمد بن علي باعشن ٣٤٨

سقاف بن أبي بكر بن أحمد بن سالم ٩٨٦

سلطانة بنت علي الزبيدي ٧٥٧

سلمة بن يزيد الجعفي ٢٤٨

ـ ش ـ

شيخ بن عبد الرحمن الكاف ٩١٤

شيخ بن محمد الحبشي ٧٠٨

شيخ بن محمد بن شيخ الجفري ٩٣٧

شيخان بن علي بن هاشم السقاف العلوي ١٣٦

شيخان بن محمد الحبشي ٦٢٩

شيخان جمل الليل ٣٨٤

ـ ص ـ

صادق بن زين بن محمد ٨٤٨

صافي بن عبد الرحمن بن صالح ٣٧٨

صالح بن أبي بكر الحبشي ٥٨٥

صالح بن أحمد بن صالح الحامد ٨٠٢

صالح بن عائض بن خجير ٨٠٦

صالح بن عبد الله بن ثابت ٤٧١

صالح بن غالب بن عوض القعيطي ١٨٧

صالح بن محمد بن أحمد الحبشي ٥٨٠

صلاح أحمد الأحمدي ٤٩٠

صلاح البكري ٤٨١

ـ ط ـ

طالب بن جعفر بن سالم ٥٧٤

طالب بن مرعي ٥٦٥

طاهر بن عمر الحداد ٣٨٩

طه بن جعفر بن طه الحداد ٥٦٢

طه بن عبد القادر بن عمر السقاف ٧٥٨

طه بن علي بن عبد الله الهدار الحداد ٥٦٣

طه بن عمر (الثاني) السقاف ٦٨٧

طه بن عمر الصافي السقاف ٦٨٦

ـ ع ـ

عائظ بن سالمين بن عبد الله ٦٠٣

عامر بن طاهر بن نهيد ٤٦١

عامر بن كده ٥٦١

عباس بن علوي بن عبد الرحيم ٩٧٣

عبد الحسين بن حميد بن امبارك بامعبد ٦٦

عبد الحق بن هاشم الجربي ٤٢٧

عبد الرحمن الأخضر بن عمر باهرمز ٤٥٨

عبد الرحمن بن أحمد باشيخ ٣٦٢

عبد الرحمن بن أحمد بن عبد القوي بافضل ٩٢٠

عبد الرحمن بن إبراهيم باعلوي ٣٤٧

عبد الرحمن بن حسن بن طالب باصادق ٣٢٤

عبد الرحمن بن عبد الله الحبشي ٨٠٣

عبد الرحمن بن محمد المشهور ٩٠٤

عبد الرحيم بن محمد ابن قاضي باكثير ٦٥٢

عبد القادر الجرداني ٢٤٩

عبد القادر بن أحمد الحداد ٩٠٠

عبد القادر بن أحمد بن طاهر ٨٢٦

عبد القادر بن أحمد بن عبد الرحمن الحداد ٩٤١

عبد القادر بن أحمد بن محمد باكثير ٦٨٢


عبد القادر بن سالم بن علوي العيدروس ٧٦٤

عبد القادر بن عبد الله بن محمد الحبشي ٨٠٣

عبد القادر بن علي العيدروس ٧٦٨

عبد القادر بن عمر بن امبارك (الشعيرة) ٨٥١

عبد القادر بن محمد السقاف ٤٠١

عبد القادر بن محمد بن حسين ابن أحمد ٦١٨

عبد الله الصالح المغربي ٨٠

عبد الله بن أبي إسحاق الزيادي ٦٥١

عبد الله بن أبي بكر النوام ٣٧٠

عبد الله بن أحمد بازرعة ٣٢٦

عبد الله بن أحمد باسودان ٣١٧

عبد الله بن أحمد بافارس باقيس ٣٣٦

عبد الله بن أحمد بافلاح ٢٠٣

عبد الله بن أحمد بن عبود (ابن الطيير) ٤٧٩

عبد الله بن أحمد بن عمر ٨٢٩

عبد الله بن حسن بلخير ٣٦٤

عبد الله بن حسن بن صالح البحر ٥٩٥

عبد الله بن حسن بن طالب باصادق ٣٢٤

عبد الله بن سالمين بن مرعي ٦٠٨

عبد الله بن سعد بن سمير ٦٠١

عبد الله بن سعيد باجنيد ٣٧١

عبد الله بن سعيد بافضل ٤٨٦

عبد الله بن شيخ (الأوسط) ٨٨٥

عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس (ابن شيخ الأصغر) ٢٠٧

عبد الله بن صالح العمودي ٣٣٧

عبد الله بن صالح بن أحمد باكثير ٥٠٦

عبد الله بن طه بن عبد الله ٣٩٦

عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بافضل ٢٠٠

عبد الله بن عبد الرحمن بن حسين ٨٢٥

عبد الله بن عثمان ٣٧٥

عبد الله بن علوي الحبشي ٨٥٥

عبد الله بن علوي الحداد ٩٣٧

عبد الله بن علوي المشهور ٧٥٥

عبد الله بن علوي بن الفقيه المقدم ٦٥

عبد الله بن عمر باطويل ٣٤٨

عبد الله بن عمر بن عبد الله باجماح ٣٨٦

عبد الله بن عمر بن يحيى ٨٢٦

عبد الله بن عوض بن ناصر ٦٠٩

عبد الله بن محسن بن غالب الكثيري ٧٣٣

عبد الله بن محمد باحسن ٢٠٦

عبد الله بن محمد بن أحمد الحبشي ٥٨٠

عبد الله بن محمد بن حسن ابن عبسين ١٩٩

عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عوض باوزير ١٢٦

عبد الله بن محمد بن عقيل مدهر ١٠٠٠

عبد الله بن محمد عباد القديم ٦١٠

عبد الله بن هادون بن أحمد المحضار ٣٣٣

عبد الله عوض غرامة ٩٤٩

عبد الله قدري باشعيب ١٠٠٤

عبد المعطي بن حسن بن عبد الله باكثير ٥٠٥

عبد الواحد بن صلاح ابن روضان ٨٣

عبود (عبد الله) القحوم العمودي ٣٦٥

عبيد الله بن أحمد ٨١٤

عبيد الله بن محسن بن علوي السقاف ٦٨٨

عتيق باجبير ٥٥٦

عثمان بن أحمد العمودي ٣٣٨

عثمان بن عبد الله بن يحيى ٨١٩

عثمان بن محمد بن عمر العمودي ٣٠٥

عقيل بن عبد الله بن يحيى ٨٣٣

عقيل بن عثمان بن عبد الله ٨٢٢

عقيل بن محمد بن أحمد جمل الليل ٩٦٣

علوي بن أحمد المحضار ٣٣١

علوي بن أحمد بن علوي العيدروس ٧٦٤

علوي بن إبراهيم بن شيخ السقاف ٩٩٨

علوي بن سقاف بن محمد ٦٥٦


علوي بن طاهر ٣٩٨

علوي بن عبد الرحمن المشهور ٩٠٥

علوي بن عبد الرحمن بن علوي ٧١٤

علوي بن عبد الرحيم بن سالم ٩٧٤

علوي بن عبد الله بن محمد باحسن ٢٠٤

علوي بن عثمان بن يحيى ٨٢١

علوي بن علي الحبشي ٧٠٦

علوي بن علي الهندوان ٩٦٤

علوي بن علي بن علوي الجنيد ٢١١

علوي بن محمد بن عبد الرحمن ٨٥٤

علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن السقاف ١٤٣

علي بن أبي بكر بن محمد النضيري ٨١٦

علي بن أحمد ابن علي هرهرة ٥٠١

علي بن أحمد بن سالم بن أحمد ٩٩٥

علي بن أحمد بن سالم بن سقاف ٩٨٨

علي بن أحمد بن سعيد باصبرين ٣٠٧

علي بن أحمد بن علي بن سالم ٩٨٠

علي بن حسن بن حسين الحداد ٩٤٠

علي بن حسن بن عبد الله العطاس ٤٢٤

علي بن سالم ابن يماني ٥٧٢

علي بن سعيد باوزير ٥٤٥

علي بن صالح بن أحمد الحامد ٨٠٢

عليبن عبد الرحمن ابن أحمدبن زين الحبشي ٥٨٦

علي بن عبد الرحمن بن عبد الله الحبشي ٨٠٤

علي بن عبد الرحيم ابن قاضي باكثير ٦٥٣

علي بن عبد القادر العيدروس ٧٦٧

علي بن عبد الله باراس الكندي ٣١٦

علي بن عبد الله بن عبد الرحمن السقاف ٧٠١

علي بن عقبة الخولاني ٤١٩

علي بن علي بايزيد ٢١٢

علي بن عمر الجرو ٥٥٦

علي بن محمد الحبشي ٧٠٧

علي بن محمد بن عبد الله مولى عيديد ٩٣٢

علي بن محمد بن عقيل ٨٣٧

علي بن محمد بن علي مولى عيديد ٩٣٣

علي بن محمد بن عمر المالكي ٧٧

علي بن منصور بن غالب الكثيري ٧٣٣

عمر الصافي بن عبد الرحمن السقاف ٦٨٦

عمر المحضار بن أبي بكر ٩٧٦

عمر باعثمان ٣٦٢

عمر بن أبي بكر باجنيد ٣٧١

عمر بن أحمد باصرة ٣٥١

عمر بن أحمد بن عمر باسودان ٣١٩

عمر بن حسن الحداد ٩٤٢

عمر بن زين بن علوي بن سميط ٥١٢

عمر بن سقاف بن محمد السقاف ٦٦٤

عمر بن طه بن عمر الصافي السقاف ٦٨٧

عمر بن عبد الرحمن الثاني البار ٣٥٥

عمر بن عبد الرحمن بن علي العيدروس ٥٤٨

عمر بن عبد الرحمن بن محمد ابن علي البار ٣٥٤

عمر بن عبد الرحيم بارجاء ٦٨٠

عمر بن عبد الله الشبامي ٥١٠

عمر بن عبد الله باغريب ٩٢٥

عمر بن عبد الله بامخرمة السيباني ٦٨٣

عمر بن عبد الله بن سالم بن شحبل ٢٦٣

عمر بن عبد الله بن عمر ٨٢٦

عمر بن عبد الله بن محمد الحبشي ٥٨٦

عمر بن عبيد حسان ٧٠٩

عمر بن عقيل بن عبد الله ٨٣٧

عمر بن علوي باعقيل ٤٠١

عمر بن عمرو بن مخاشن ٤٤٥

عمر بن عوض بن عمر القعيطي ١٨٧

عمر بن عوض بن عمر شيبان ٦٣٣

عمر بن عيدروس ١٠٢٤

عمر بن عيسى باركوه السمرقندي ٦١٧

عمر بن محمد بن عمر ابن سميط ٥١٣


عمر بن هاشم المساوى ٢٧٧

عمر عبود بلخير ٦٣٢

عمرو بن معديكرب ٤٤٦

عوض بن جعفر بن مرعي ٦٠٨

عوض بن سنكر ٢٥٧

عوض بن عبد الله بن شحبل ٢٦٣

عوض بن عبد الله بن عانوز ٦٤٥

عوض بن عمر القعيطي ١٧٨

عوض بن محمد باذيب ٥١٨

عيدروس بن حسين ابن أحمد العيدروس ٥٤٧

عيدروس بن حسين بن سالم ابن شيخ السقاف ٢١١

عيدروس بن سالم بن علوي ٦٦٢

عيدروس بن سالم بن عيدروس البار ٣٥٧

عيدروس بن عبد القادر العيدروس ٧٦٥

عيدروس بن عمر (الأستاذ الأبر) ٦٢١

ـ غ ـ

غالب بن عوض بن عمر القعيطي ١٨٠

ـ ف ـ

فضل بن عبد الرحمن بن عبد الله بافضل ٩٢٠

فضل بن عبد الله بن فضل بافضل ١٩٩

فضل بن عبد الله عرفان بارجاء ٩٢١

ـ ق ـ

قيس بن سلمة المرّاني الجعفي ٢٤٧

ـ م ـ

محسن بن جعفر بونمي ١٤٨

محسن بن عبد الله العولقي ١٥٨

محسن بن علوي بن سقاف السقاف ٧١٣

محمد بروم ٣٤٤

محمد بن أبي بكر عباد ٥٠٧

محمد بن أحمد الخطيب ٩٢٠

محمد بن أحمد المحضار ٣٣١

محمد بن أحمد المخشب ٣٧٣

محمد بن أحمد باجرفيل الدوعني ١٤٣

محمد بن أحمد بافضل ١٤٤

محمد بن أحمد بامشموس ٣٥٨

محمد بن أحمد بن علي السقاف ٧٠٢

محمد بن أحمد قعيطبان ٩٢٠

محمد بن إبراهيم بلفقيه ٤٧٧

محمد بن بو بكر باخشب ٣٦٨

محمد بن جعفر العطاس ١٤٩

محمد بن جعفر بن عبد الله ٨٤٨

محمد بن حسين ابن أحمد ٨٠٨

محمدبن حسين الحبشي (والد الحبيب علي) ٧٠٧

محمد بن حسين الحبشي الرشيدي ٣٢٨

محمد بن حسين بن علوي ٧٥١

محمد بن حمران الجعفي ٢٤٧

محمد بن زين بن علوي بن سميط ٥١١

محمد بن سالم باخشوين ٩٨

محمد بن سالم بن حفيظ ٩٦٦

محمد بن سعد بن علي كبّن الطبري ١٩٩

محمد بن سعيد بن أحمد الذبحاني ١٩٧

محمد بن سعيد بن عوض بن كده ٥٦٠

محمد بن سقاف بن محمد ٧١٣

محمد بن سقاف مولى خيله ٧٣٧

محمد بن سلمة الكندي ٦٥٤

محمد بن طالب ٣٣٤

محمد بن طاهر الحداد ٣٩٠

محمد بن عبد القادر بن عبد الله الحبشي ٨٠٣

محمد بن عبد الله الحنبصي ٩٤٩

محمد بن عبد الله باكريت ٢٣٥

محمد بن عبد الله بن سراج ٢١٣


محمد بن عبد الله بن محمد عباد ٦١٢

محمد بن عثمان بن يحيى ٨٢١

محمد بن عقيل بن عبد الله ٨٣٤

محمد بن علوي بن أحمد (صاحب العمائم) ٨٩٨

محمد بن علوي بن عثمان ٨٢١

محمد بن علوي بن محمد ٨٥٤

محمد بن علي مولى عيديد ٩٣٢

محمد بن عمر بازرعة ٣٢٦

محمد بن عمر باقضام بامخرمة ٤١٨

محمد بن عمر بن بكران بن سلم ١٤٧

محمد بن عوض العمودي ١٠٥

محمد بن عوض بلّاذن ٣٥٠

محمد بن محمد بارجاء ٦٨١

محمد بن محمد باكثير ٦٨١

محمد بن محمد بلخير ٣٦٤

محمد بن محمد بن حسين ابن أحمد ٨٠٩

محمد بن هادي بن حسن ابن سقاف ٧٢١

محمد بن ياسين باقيس ٣٣٥

محمد عامر بن سند ٥٤٨

مزاحم بن أحمد باجابر ١٠٧

مصطفى بن أحمد المحضار ٣٣٢

معروف بن عبد الله بن محمد باجمّال ٥٠٨

منصور بن غالب الكثيري ٧٣٣

مهنا بن عوض بامزروع بامطرف ١٠٠٦

ـ ن ـ

ناصر بن طالب ٧١

ناصر بن علي ٤١٢

نشوان بن سعيد ٨٩٣

نصار بن جميل بن فاضل ٥٧٨

ـ هـ ـ

هاشم بن عبد الرحمن بن عبد الله ٨٢٥

هود بن أحمد السقاف ٧٥١

ـ ي ـ

يحيى بن قاسم الجهوري اليافعي ٤١٣

يسلم بن عديان ٤٦١

يعقوب بن يوسف باوزير ١٢٢

يوسف بن أحمد باناجة ٣٢٦

يوسف بن عابد الحسني الفاسي ٧٥٢

يوسف بن عبد الله الفاسي ٧٥٥


الأعلام التي ترجمناها بهوامش الكتاب

 ـ أ ـ

أبو بكر بن أحمد باحميد ٣٧٧

أبو بكر بن أحمد بن عبد الرحمن ٨٩٥

أبو بكر بن أحمد بن عبد الله الخطيب ٩٢٠

أبو بكر بن سالم بن عبد الله السقاف ٩٧٥

أبو بكر بن سالم بو بكر الراقي ٨٥٥

أبو بكر بن شيخ بن عبد الرحمن الكاف ٩١٥

أبو بكر بن طه بن عبد القادر السقاف ٧٥٩

أبو بكر بن عبد الله ابن محمد مولى عيديد ٩٣٣

أبو بكر بن عبد الله بن طالب ٢٨٦

أبو بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن زين ٥١٥

أبو بكر بن عمر بن عبد الله ٨٢٨

أبو بكر بن محمد بن عبود باذيب ٥١٧

أبو بكر بن محمد سالم ابن يوسف ٤٤٠

أحمد البيض بن عبد الرحمن ٢٠٩

أحمد الغزالي بن محمد المشهور البيتي ١٠٣

أحمد المشهور بن طه بن علي الهدار الحداد ٣٩٨

أحمد بن إسماعيل (ابن الأشرف) ١٠٨

أحمد بن إسماعيل بن العباس الرسولي ٧٩

أحمدبن الحسن بن القاسم (صفي الإسلام) ١٧٠

أحمد بن الحسين بن أبي بكر بن سالم ٩٧٨

أحمد بن جعفر بن أحمد السقاف ٧٠٢

أحمد بن حسن بروم ١٠٦

أحمد بن حسن بن عبد الله العطاس ٢٨٦

أحمد بن حسن بن علي الكاف ٤١٨

أحمد بن حسين بن محمد العطاس ٥٦٥

أحمد بن زين الحبشي ٥٧٨

أحمد بن سعيد بالوعار ٤١٦

أحمد بن صالح بن أحمد ابن أبي بكر بن سالم ٢١٨

أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد ٨٩٥

أحمد بن عبد الرحمن بن علوي ٩٣٤

أحمد بن عبد الرحيم العمودي ٣٧٥

أحمد بن عبد القادر باعشن ٣٤٧

أحمد بن عبد القادر بن عقبة الشبامي ٥١٠

أحمد بن عبد الله الخطيب ٩٣٣

أحمد بن عبد الله بامخرمة ٤١٨

أحمد بن عبد الله بن سالم الكاف ٢٧٢

أحمد بن عبد الله بن شيخ ٢٠٨

أحمد بن عبد الله بن طالب العطاس ٤١٩

أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بلحاج ٢٠١

أحمد بن عبد الله بن عيدروس البار ٣٥٦

أحمد بن عبد الله بن محمد الأكبر (الساكت) ٣٥٦

أحمد بن عبد الله خرد ٣٤٣

أحمد بن علي الجنيد ٩٠٤

أحمد بن علي بن أبي بكر بن سالم ٩٨٩

أحمد بن عمر بن زين بن سميط ٥١٢

أحمد بن عمر بن عوض الشاطري ٩١٥

أحمد بن محمد المحضار ٣٢٨

أحمد بن محمد باعيسى ٨٩١

أحمد بن محمد بن إبراهيم الأشعري ٦٧٤

أحمد بن محمد بن عبد الرحيم باجابر ٢٩٢

أحمد بن محمد بن علي باشميل ٣٦٩

أحمد بن محمد بن فضل بافضل ٨٩٦


أحمد بن محمد بن يحيى السبتي ٨٩٥

أحمد بن ناصر بن أحمد بن أبي بكر ٢٠٦

أحمد عبد الله بركات ٥٣٠

إبراهيم بن عمر بن عقيل ٨٣٧

إبراهيم بن قيس بن سليمان الهمداني ٥٢٦

إسحاق بن عقيل بن عمر ابن يحيى ١٠٧

إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الجهضمي ٤٧٠

إسماعيل بن إسماعيل الضحوي ٦٣٣

امبارك عميّر باحريش ٧١٧

انجرامس ١٣٠

ـ ب ـ

بكار بن قتيبة الثقفي ٤٦٩

بكران بن عمر باجمال ٩١١

بوبكر بن عبد الله بن علي خرد ٩٢٥

ـ ج ـ

جعفر الصادق بن زين بن عبد الله العيدروس ٨٨٤

جعفر الصادق بن محمد المصطفى العيدروس ٨٨٤

جعفر بن أحمد بن زين الحبشي ٥٧٩

جعفر بن منصور بن غالب الكثيري ٧٣٤

جوهر العدني ١٩٥

ـ ح ـ

حامد بن حسن الحامد (بيّاع السيول) ٥٦٥

حامد بن عبد الهادي بن عمر ٣٢٣

حسن بايماني ٣٧٧

حسن بلخير ٣٦٣

حسن بن أحمد الحداد ٦٣٢

حسن بن أحمد العيدروس ٧٦٦

حسن بن أحمد بن زين ٥١٤

الحسن بن إسماعيل بن علي ٩٩٠

حسن بن سالم بن أحمد العطاس ٢٨٨

حسن بن عبد الله بن عبد الرحمن الكاف ٩١٥

حسن بن علوي بن شهاب ٩٠٩

الحسين بن أبي بكر بن سالم ٩٧٧

حسين بن أبي بكر بن سعيد ٢١٠

حسين بن أحمد بن زين بافقيه ٣٢٣

حسين بن حامد بن عمر العطاس ٣٤٢

الحسين بن سلامة النوبي ٥٢٤

حسين بن طاهر بن محمد ٨٢٤

الحسين بن عبد الرحمن بن محمد جمل الليل ٢١٠

حسين بن عبد الله الحاج ٩٢٥

حسين بن عبد الله عيديد ٦٧١

حسين بن علوي مديحج ٩٥٢

حسين بن محسن الشامي العطاس ٤٣٦

حسين بن محمد البار ٣٥٦

حنظلة بن الشرقي (أبو الطمحان القيني) ٢٧٥

ـ د ـ

داود بن عبد الرحمن بن قاسم (حجر القديمي) ٨٥٩

ـ ر ـ

ربيعة بن الحسن الشبامي ٥٠٧

رضوان بن أحمد بافضل ٩٩١

ـ ز ـ

زرعة بن عمرو بن زرعة الأوسط (ذو نواس الأصغر) ٧٥

زين العابدين بن عبد الله (الأوسط) العيدروس ٨٨٤

زين بن أحمد ابن سميط ٥٢٨

زين بن حسن بن محمد بلفقيه ٤٧٨

زين بن صالح بن زين بن عمر ٩٧٣


 ـ س ـ

سارجنت ٨

سالم بن أحمد بن الحسين ابن أبي بكر بن سالم ٢٣٧

سالم بن بصري ٨٩١

سالم بن حفيظ بن عبد الله ٩٦٥

سالم بن عبد الرحمن باسويدان ٥١٩

سالم بن عبد الرحمن باصهي ٥١٧

سالم بن عبد الله ابن سمير ٦٠١

سالم بن محمد باوزير ١٥٢

سالم بن محمد بن سالم بن حميد ٦٥٥

سالم بن محمد بن عبد الرحمن الحبشي ٣٢٧

سالم سعيد بكير باغيثان ٩٢٧

سعد الدين بن علي الظفاري ٢٠٣

سعد بن أحمد بن عبد الله الصبان باغريب ٩٦٦

سعد بن سعيد الظفاري ٢٠٤

سعود بن عبد العزيز بن محمد ١٧٤

سعيد بن أحمد الذبحاني ١٩٧

سعيد بن عبد الله بن سعيد باشميل ٣٦٩

سعيد بن عمر بلحاف ٦٧

سعيد بن عيسى العمودي ٣٨٧

سعيد بن محمد بن علي باعشن ٣٤٨

سعيد بن محمد معنوز بافيل ٣٨٧

سقاف بن علوي بن محسن السقاف ٦٩٠

سقاف بن محمد بن عمر الصافي ١٠

ـ ش ـ

شيبان بن صالح ابن إسحاق ٤٥٧

شيخ بن أحمد بن سالم ٩٨٩

شيخ بن أحمد بن عبد الله ٢٠٨

شيخ بن سقاف بن أحمد بن علوي ٧٥١

شيخ بن عبد الله (الأكبر) العيدروس ٨٨٣

شيخ بن عبد الله (الأوسط) بن شيخ العيدروس ٨٨٤

شيخ بن محمد الحبشي ٧٠٨

شيخان بن محمد شيخان الحبشي ٦٢٩

ـ ص ـ

صالح بن أحمد بن عبد الكبير باقيس ٢٨١

صالح بن سعيد بن هادي ٥٦٥

صالح بن عبد الله العطاس ٢٧٦

صالح بن علي بن صالح الحامد ٨٠٢

صالح بن محسن بن أحمد ابن عبد الله الحامد ٢٧٣

صلاح بن محمد بن عمر القعيطي ٤٨٤

ـ ط ـ

طاهر بن حسين بن طاهر ٨٢٤

طه بن أبي بكر بن طه السقاف ٧٥٩

طه بن علوي ابن عمر الصافي ٧١٤

ـ ع ـ

عامر بن طاهر بن نهيد ٤٦١

عامر بن عبد الوهاب بن داود ٨٧٣

عباس بن عبد الله بن جعفر الحداد ٥٦٢

عبد الباري بن شيخ بن عيدروس ٩٢٤

عبد الرحمن الطويل باصهي ٥٢٢

عبد الرحمن بن أحمد بن محمد السبتي ٨٩٥

عبد الرحمن بن راشد بن إقبال ١٦٦

عبد الرحمن بن شيخ بن عبد الرحمن الكاف ٩١٥

عبد الرحمن بن عبد الله بافضل ٩٢٠

عبد الرحمن بن عبد الله بكير ١٥٣

عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه ٤٧٦

عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بلفقيه ٩٠٣

عبد الرحمن بن عبد الله بن عتيق ٦٧٢


عبد الرحمن بن علي بن حسان ٧٠٩

عبد الرحمن بن عيسى ٤٠٢

عبد الرحمن بن محمد المشهور ٩٠٤

عبد الرحمن بن محمد باصهي ٥٢٧

عبد الرحمن بن محمد بن أحمد ابن أبي بكر ٣٤٣

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ٩٩٨

عبد الرحمن بن مزروع ٥٣٢

عبد الرحمن بن مصطفى بن شيخ العيدروس ٨٨٤

عبد الرحيم بن محمد ابن قاضي باكثير ٦٥٢

عبد الرحيم بن محمد بن عبد الله المعلم باكثير ٢٠٥

عبد الصمد باكثير ١٥١

عبد العزيز بن محمد بن سعود ١٧٣

عبد القادر بن أحمد الحداد ٩٠٠

عبد القادر بن أحمد بن محمد باكثير ٦٨٣

عبد القادر بن شيخ العيدروس ٨٨٤

عبد القادر بن عمر بن امبارك (الشعيرة) ٨٥١

عبد الكبير بن عبد الكبير بن عبد الله باحميد ٦٦٩

عبد الكريم الملّاحي ٢١٦

عبد الله ابن أبي بكر العيدروس ٩٦٥

عبد الله بن أبي بكر عيديد ٩٠٤

عبد الله بن أبي بكر مقيبل ٣٦٧

عبد الله بن أحمد بافلاح الشحري ٢٠٣

عبد الله بن أحمد بلفقيه ٩٠٣

عبد الله بن أحمد بن علي بامخرمة ٤١٧

عبد الله بن أحمد بن عمر ٨٢٩

عبد الله بن أحمد بن محسن الناجي اليافعي ١٢٧

عبد الله بن أحمد بن محمد باشميل ٣٦٩

عبدالله بن الحسين بن محسنالشامي العطاس ٤٣٦

عبد الله بن حسن باطيران العمودي ٣٤٤

عبد الله بن حسن بن عبد الله الحداد ٦٣٢

عبد الله بن حسين بلفقيه ٩٠٤

عبد الله بن حسين بن محسن السقاف ٦٩٠

عبد الله بن راشد بن شجعنه ٧٥٥

عبد الله بن سالم بن عبد الله بن زين ٢٠٩

عبد الله بن سعد بن سمير ٦٠١

عبد الله بن شيخ العيدروس (ابن شيخ الأكبر) ٢٠٧

عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس (الأوسط) ٨٨٣

عبد الله بن صالح بن هاشم الحبشي ٧٢١

عبد الله بن طاهر ٣٩٨

عبد الله بن عبد الرحمن ابن عقيل مدهر ٩٩٩

عبد الله بن عبد الرحمن العمودي (أبوست) ٣٤٤

عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بافضل ٢٠٠

عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عبيد ٨٩١

عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد ٢٠٧

عبد الله بن علوي الحبشي ٨٥٥

عبد الله بن علوي الحداد ٩٣٧

عبد الله بن علوي بن حسن ابنعمر العطاس ٢٨٧

عبد الله بن علي بن شهاب ٩٠٤

عبد الله بن علي بن عمر الكثيري ٥٦٨

عبد الله بن عمر الشاطري ٩٠١

عبد الله بن عمر باجماح ٣٨٦

عبد الله بن عمر باشراحيل ٧٧٠

عبد الله بن عمر باعباد ٣٧٦

عبد الله بن عمر بن عبد الله باشراحيل ٧٧١

عبد الله بن عمر بن عبد الله بامخرمة ٢٠٢

عبد الله بن عمر بن محمد ابن سميط ٥١٤

عبد الله بن عمر بن محمد بلخير الدوعني ٣٩

عبد الله بن عمر بن يحيى ٨٢٦

عبد الله بن عوض باحشوان ١٢٦

عبد الله بن عيدروس بن علوي ٩٢٣

عبد الله بن فضل بن محمد الحاج ٢٠١

عبد الله بن محسن بن محمد ابن عمر العطاس ٢٨٧


عبد الله بن محفوظ بن محمد ابن الإمام الحداد ٢٢٤

عبد الله بن محمد ابن خالد باعباد ٢٢٧

عبد الله بن محمد الحبشي ٩

عبد الله بن محمد المصطفى ٨٨٤

عبد الله بن محمد باحمدين ٣٦٣

عبد الله بن محمد باسخلة (باسنجلة) ٢١٢

عبد الله بن محمد بن حكم باقشير ١٠٠٢

عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عقيل مدهر ٩٩٩

عبدالله بن محمدبن عبدالله جمل الليلباعلوي ١٩٨

عبد الله بن محمد بن عوض بن قطنة ٦٥٢

عبد الله بن معروف بن محمد باجمال ٥٥٠

عبد الله عوض بكير ١٥٣

عبد الله قدري باشعيب ١٠٠٤

عبد المجيد خان بن محمود خان العثماني ١٧٥

عبد الهادي بن عبد الله بن عمر الجيلاني (الطبيب) ٣٢٢

عبود القحوم العمودي ٣٦٥

عبيد الله بن محسن بن علوي السقاف ٦٨٨

عبيد بن شريّة الجرهمي ١٠٣٤

عثمان بن عبد الله بن يحيى ٨١٩

عقيل بن عثمان بن عبد الله ٨٢٢

عقيل بن عمر باعمر العماني ٦٧

عقيل بن عمر بن يحيى ٨١٩

علوي بن سالم بن زين بن أبي بكر ٣٤٣

علوي بن سقاف بن محمد ٧١٣

علوي بن طاهر ٣٩٨

علوي بن عبد الرحمن المشهور ٩٠٥

علوي بن عبد الرحمن بن علوي ٧١٤

علوي بن عبد الله بن عيدروس بن شهاب ٩٠٢

علوي بن عبيد الله بن أحمد (المبتكر) ٧٦٣

علوي بن علوي الكاف (يسرين) ٩٢٦

علوي بن علي الهندوان ٩٦٤

علوي بن علي بن علوي الجنيد ٢١١

علوي بن محمد بن سهل مولى خيله ٧٠٣

علوي بن محمد بن طاهر الحداد ٣٩٥

علوي بن محمد بن عمر الصافي ٧١٣

علي بن أحمد باكثير ٦٨٣

علي بن أحمد بامروان ٨٩٦

علي بن أحمد بن حسن العطاس ٢٨٨

علي بن أحمد بن سعيد باصبرين ٣٠٧

علي بن أحمد بن عبد الله باجخيف ٣٦٨

علي بن إبراهيم بن يحيى ٨٩١

علي بن الحسين بن علي ابن أحمد البيض ٢٠٩

علي بن سعيد باصليب (الرخيلة) ٢٧١

علي بن صلاح بن محمد القعيطي ٤٨٤

علي بن عبد الرحمن المشهور ٩٠٦

علي بن عبد القادر بن سالم العيدروس ٧٦٧

علي بن عقبة الزيادي الخولاني ٤١٩

علي بن علي بايزيد ٢١٢

علي بن محمد ابن عقيل جمل الليل ٣٢٣

علي بن محمد الحبشي ٧٠٧

علي بن محمد الخطيب (صاحب الوعل) ٩٣٤

علي بن محمد باحميش ٣٠٧

علي بن محمد بن زين باعبود ٧٧٠

علي بن منصور بن غالب الكثيري ٧٣٤

عمر المثنى بن عمر العطاس ٢٧٧

عمر بن أبي بكر باحويرث ٣١٦

عمر بن أحمد الشاطري ٩٠١

عمر بن أحمد بن أبي بكر بن سميط ٥١٦

عمر بن أحمد بن علوي السقاف ٧٥٠

عمر بن أحمد بن عمر بن حسين ٣٢٠

عمر بن أحمد بن محمد ابن سعيد العمودي ٢٧٣

عمر بن امبارك بن عوض بادبّاه ١٥٤

عمر بن جعفر بن علي ابن بدر بوطويرق ١٧١


عمر بن زيد ٣٧٦

عمر بن سالم بن أبي بكر باذيب ٥١٠

عمر بن سعيد بن أبي بكر باغريب ٩٢٦

عمر بن سقاف بن محمد ٦٦٥

عمر بن عبد الرحمن المشهور ٩٠٧

عمر بن عبد الرحمن بن علي العيدروس ٥٤٨

عمر بن عبد الله ابن سالم الخطيب ٩٣٤

عمر بن عبد الله بن حسين العطاس ٢٨١

عمر بن علوي الحداد ٩٤٤

عمر بن عيدروس بن علوي ٩٢٣

عمر بن محمد بن عمر ابن سميط ٥١٣

عوض بن أحمد الجرو ٥٥٥

عوض بن أحمد عقبة (سديس) ٥١٠

عوض بن عبد الله بامختار ٦١٧

عوض بن محمد بن أبي بكر الراقي ٨٥٥

عون الرفيق باشا بن محمد الحسني ١٧٩

عيدروس بن حسين ابن أحمد العيدروس ٥٤٧

عيدروس بن سالم بن علوي ٦٦٢

عيدروس بن سالم بن عيدروس البار ٣٥٧

عيدروس بن علوي بن عبد الله ٩٢٣

عيدروس بن عمر بن عبد الرحمن المشهور ٩٠٧

عيسى بن بدر بن علي ابن بدر بوطويرق ١٧٢

عيسى بن محمد بن أحمد الحبشي ٢٧٨

ـ غ ـ

غالب بن عوض بن عمر القعيطي (أبونا آدم) ١٨٠

غالب بن محسن بن أحمد الكثيري ٧٢٩

ـ ف ـ

فان درمولن ١٨

فضل بن عبد الرحمن بن عبد الله بافضل ٩٢٠

فضل بن عبد الله بن فضل بافضل ١٩٩

فضل بن عبد الله عرفان بارجاء ٩٢١

فضل بن علوي بن محمد (مولى خيله) ٢٣٩

فيصل بن الحسين بن علي الحسني ١٢٧

ـ ق ـ

القدّال سعيد القدّال ١٣١

قيس بن عاصم بن سنان المنقري ٣٦٥

ـ ك ـ

كريستيان سنوك هرخونيه ٩٠٨

ـ م ـ

محسن بن جعفر بونمي ١٤٨

محسن بن علوي بن سقاف السقاف ٧١٣

محفوظ بن سعيد المصلي اليافعي ٦٤٠

محمد الباقر بن عمر بن عقيل ٩٦٤

محمد باعلي باشميل ٣٦٩

محمد بايزيد ٢٧١

محمد بن أبي بكر الأشخر ٩١٦

محمد بن أحمد ابن أبي الحب الخطيب ٨٨٠

محمد بن أحمد السقاف ٨٣٦

محمد بن أحمد المحضار ٣٣١

محمد بن أحمد باحميش ٣٠٧

محمد بن أحمد بغلف ٣٦٣

محمد بن أحمد بن حسن (باساكوته) ٣٤١

محمد بن أحمد بن سالم الخطيب ٩٣٤

محمد بن أحمد بن عبد الرحمن العلوي النقعي ١٥١

محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد ٨٩٥

محمد بن أحمد بن علوي جمل الليل ٣٨٥

محمد بن أحمد بن علي الحجري الصنعاني ٤٤٩

محمد بن أحمد بن عمر الشاطري ٩٢٧

محمد بن أحمد بن عمر بن يحيى ٨٢٩

محمد بن أحمد بن محمد الجفري ٤١٨


محمد بن أحمد عقيلة ٧٧٤

محمد بن أحمد قعيطبان ٩٢٠

محمد بن إسماعيل الكبسي ١٦٩

محمد بن الحسين بن القاسم ١٦٩

محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي ١٩٦

محمد بن بو بكر عبد الله باخشب ٣٦٨

محمد بن حرمي بن معاذ الشحري ١٩٧

محمد بن حسن عيديد ٩١٢

محمد بن حسين بن محمد الحبشي ٢٧٨

محمد بن زين بن محمد باعبود ٧٧٠

محمد بن سالم بن حفيظ ٩٦٦

محمد بن سالم بن عبد الله بن زين ٢٠٩

محمد بن سراج باجمال ٦١٥

محمد بن سعد بن كبّن الطبري ١٤٤

محمد بن سعد بن محمد باشكيل ١٩٦

محمد بن سعيد باطويح ٢١٥

محمد بن سقاف ابن أبي بكر بن سالم ٤٩٠

محمد بن طاهر بن عمر الحداد ٣٩٠

محمد بن عبد الرحمن بن شهاب ٨١٩

محمد بن عبد القادر الإسرائيلي ٧٨

محمد بن عبد القادر الإسرائيلي ٧٨

محمد بن عبد القادر بامطرف ١٤٦

محمد بن عبد الكبير بن عبد الله باقيس ٢٨١

محمد بن عبد الله بافيل ٣٨٧

محمد بن عبد الله باكريت ٢٣٥

محمد بن عبد الله بن عمر الشاطري ٩٠٢

محمد بن عقيل بن عبد الله السقاف ٢٣٩

محمد بن عقيل بن عبد الله بن يحيى ٨٣٤

محمد بن علي القلعي الظفاري ٧٩٠

محمد بن علي بن إبراهيم ٨٩١

محمد بن علي بن علوي (صاحب مرباط) ٨٩١

محمد بن علي بن عمر الكثيري ٥٧٠

محمد بن علي بن محمد باعلوي ٨٩٦

محمد بن عمر باجمال ٥٠٨

محمد بن عمر بن امبارك بن عبد الله بحرق ٢٠٢

محمد بن عمر بن سلم ١٤٧

محمد بن عوض العمودي ١٠٤

محمد بن مبارك البركني ٢٧٩

محمد بن محسن بن علي ابن أبي بكر ٢٧٨

محمد بن محسن بن عمر العطاس ٢٨٨

محمد بن محمد بن محمد السقاف ١٧٦

محمد بن محمد بن معبد الدّوعني (أبو معبد) ٦٥

محمد بن مسعود بن سعد باشكيل ١٤٥

محمد بن هادي بن حسن ابن سقاف ٧٢١

محمد بن ياسين باقيس ٣٣٥

محمد جمل الليل بن حسن المعلم (الشيبة) ٩٦٤

محمد رشاد بن أحمد البيتي ١٠٣

محمد سعيد بن محمد بابصيل ٤١٧

محمد طاهر بن مسعود الدّباغ ١٢٨

مصطفى بن حسن العيدروس ٧٦٦

معروف بن عبد الله بن محمد باجمال ٥٠٨

منصور بن نزار العبيدي ٩٥٣

مهنا بن عوض بامزروع ١٠٠٦

ـ ن ـ

نشوان بن سعيد ٨٩٣

ـ هـ ـ

هادون بن أحمد العطاس ٧

هشام بن محمد بن السائب الكلبي ٤٨

ـ ي ـ

يحيى بن سالم بن فضل ٨٩١

يعقوب بن صالح الحريضي ٢٨٣

يوسف بن إسماعيل النبهاني ٩١١

يوسف بن عابد الحسني الفاسي ٧٥٢


الفهرس الألفبائي لأسماء المدن والقرى والمواضع التي ذكرت في الكتاب

 ـ أ ـ

أصبعون ٧٩

* أم الصميم ١٠٥٧

أنف الجبل ـ السويحلي ٩٦٨

أيروب ٢٣٨

ـ ب ـ

باب المندب ٨٥

* بابكر ٦٠٩

باحسان ٤٦١

باحفاره ١٠٠٨

باخبره ٥٤٦

بارفعه ٥٦١

* الباطنة (من الكسر) ٤٧٦

الباطنة (من وادي العين) ٤٣٠

* باعبد الله ٨٠٧

باعطير ٩٦٧

باعلال ٨٣٢

* بالحاف ٦٧

بالسان ٥٤٦

بامشجع ٥٤٣

بامعد ٥٦٥

بامعدان ٥٦٥

باهزيل ٥٦٥

باوردان ٢٨٠

بايوت ٨٤٠

بحران ٤٦٢

بحسن ١٠٣٤

* بحيره ٥٥٦

البديعة ٢٦٤

براقش ٤٥١

البرح ٢١٩

برط ٦٣٣

* بروم ١٠٥

بريح ٩٤٦

بريكة (لآل محمد التميميين) ٨٣٢

البريكه (لآل ثابت) ٥٦٤

* بضه ٣٣٧

بضي ٨٣٩

البقرين ١٣٨

* بلاد الماء ٣٤٤

بلاد منوب ٤٨٠

بلاد يام ٢٥٦

بلعقبة ٥٦٧

* بليل ٦٠٧

البهاء ـ الحوطة الغربية ٥٧٨

بور ٧٦٢

البويرقات ٤٣٠

بويش ١٣٨

بيت جبير ٨٤٥

بير الأعمش ٧٦٣

بير المديني ٧٧٩

بير المير ٨٠٣


بير بشهر ١١٠

بير ثمود ١٠٥٠

بير عبد الله بن مصطفى ٨٤٩

* بير علي ٧١

بير غمدان ٢٩٠

البيضاء ـ نشق ٤٥١

ـ ت ـ

* تاربه ٨٠٠

تبالة ٢١٦

التّبيقول ٥٧١

* تريس ٦٥٠

* تريم ٨٧١

تفيش ٤٨٠

تمران ٧٥٩

تنعه ١٠١٤

توخّري ٥٤٥

تولبة ٣٧٤

ـ ث ـ

* ثبي ٨٥٢

ثغر عدن ـ حيق بني مجيد ٧٤

ثلة عضد ١٣٨

ثوبان ٢٢١

* ثوبه ١٠١٠

ـ ج ـ

جاحز ٢٧٦

جاذب ٢٣٨

جبال دوعن ٩٥

جبال نعمان ٩٥

جبل حبشية ١٠٥٠

جبل دمح ٧٧٥

جبل دمخ ٧٧٥

* الجبيل ٣٣٦

جحورب ٥٤٥

الجحي ٥٤٥

* جحي الخنابشة ٣٧٠

جدفرة الصيعر ٥٦٥

الجدفره (لآل الشرعي والمسامير) ٥٤٦

الجدفره (لآل العطاس) ٢٨٠

الجدفره (من جفل) ٥٦٧

الجديدة ٣٧٢

* جذع ٧٥٦

الجرادف ٢١٩

* الجرب ٩٦٣

جردان ٢٤٦

جروب آل جعفر المسيطي ٥٦٥

جروب البريكه ٥٦٤

جريف ٣٧٢

* جعيمه ٥٤٤

جفل ٥٦٧

جمعوض ٢٢٢

الجوة ٥٦٧

جوة آل مهنا ٤٧٦

جوة الخناق ٤٦١

جوجه ٤٩٤

جول آل عبد المانع ٧٩

جول عبود ١٠٣٥

الجويب ١٤٠

ـ ح ـ

الحارة ١٣٧

حارة الخليف ٩٣٠

حافة العبيد ١١١

الحالكة ١٠٣٤


الحالمين ١٢٩

الحامي ٢٢٢

الحاوي ٧٧٣

* الحاوي (حاوي الحوطة) ٥٦٢

الحاوي (حاوي تريم) ٩٣٦

حباير ٢١٩

حبب ٢٧٧

حبره (لآل ماضي) ٢٧٦

حبره (من وادي بن علي) ٥٦٦

الحبس ٢١٩

* حبوظة ٩٩١

حبونن ١٠٤٥

الحثم (من هينن) ٤٥٦

* حجر ٩٢

حجر ابن دغار ٩٤

حجر علوان ٩٤

الحجيل ٩٧٠

الحدبه ٥٧٤

حراد ٨٠٥

حرة ابن ميمون ٤١٠

حرة العين ٤٧٤

حرة باعبد الله ٢٥٦

حرة بدر بن ميمون ٤١٠

حرة مرشد بن ميمون ٤١٠

الحرشيات ١٣٨

حرو (من المكلا) ١٨٢

حرو (في وادي عدم قرب ساه) ٨٣٩

الحرية ٥٤٤

حريز ٨٠٦

حريضة ٢٨٣

* الحزم ١٥٤

* الحزم (بسفح جبل الخبة) ٥٤٧

الحزم (من غيل عمر) ٨٤١

الحزم (من هينن) ٤٥٧

حسوة ٢٦٢

* الحسوسة ٣١٢

* الحسيّسة ٧٨٠

الحسين ٩٧

الحصن (شرقي محيفيف) ٢٣٨

* حصن آل الرباكي ٥٦٩

حصن آل الزوع ٤٨٧

* حصن آل فلوقة ٨٥٨

حصن آل كوير ٤٧٥

حصن ابن ضوبان ٨٣٩

حصن ابن عياش ١٧١

حصن ابن ميمون ٤١٠

* حصن الحوارث ٧٤٧

حصن الخنابشة ٣٧٤

حصن الدولة آل جعفر ٨٠٥

حصن الرّكّة ٤٣٦

حصن الرّكيّة ٥٤٦

حصن السعيدية ٤٩٥

* حصن الشاووش ٥٧٦

حصن الشيخ سالم بن يماني ٥٧١

حصن العر ١٠٠٨

* حصن العز ٨٥٧

* حصن الغراب ٧١

حصن القروقر ٥٥٤

حصن المداشلة ٤٩٠

حصن المعرّ ١٠٠٨

حصن الهاجري ٥٥٤

حصن باخطيب ٣٧٧

حصن بلغيث ٩٧٠

حصن بن كوب ١٠١٥

* حصن جره ٨٥٠


حصن دكين ٩٧٠

حصن صداع ١٥٥

حصن قسبل ٥٥٤

حصن كندة ـ حصن فرحة ٤٦١

حصن مطهر ٨٤٦

حصون آل الشيخ أحمد بن علي ٤٩٩

حصون آل العاس ٦٤٤

حصون آل الفاس ٦٤٤

* حصون آل جعفر بن بدر ٦٤٧

حصون آل خالد بن عمر ٦٤٢

حصون آل عون ٦٤٤

* حصون آل كثير ٦٤٢

* حصون آل منيباري ٦٤٧

حصون آل مهري ٦٤٤

* حصون العوانزه ٦٤٥

حصويل ٢٣٧

* حضرموت ٤١

حكمه ٨٣٩

* حلبون ٣٣٥

الحمام ٢٩٣

الحمراء ١٢٩

حنور ٩٨

حوته ١٠٢

* حوره ٤٣٧

الحوش ٧٩

* الحوطة ـ خلع راشد ٥٧٧

حوطة العيدروس ٤٦٢

الحوطة الغربية ـ البهاء ٥٧٨

* حوطة الفقيه ٧٧

حوطة القعيطي ـ الريضة ٤٨٣

حوطة النور ٤٩٠

حوطة باوزير ٥٤٥

حوطة حميشة ـ كيرعان ٤٣٥

* حوطة سلطانة ٧٥٧

حوف ٢٣٨

حوفة ٣٧٨

* الحول ٦١٠

حول (من يبعث) ٢٩٤

حويرة ١٠٣٤

حويلة آل الشيخ علي ٤٩٨

حيد الجزيل ٣٧٤

حيريج ٢٣١

حيق بني مجيد ـ ثغر عدن ٧٤

حيلة باصليب ٢٧١

الحيوار ٩٤٦

ـ خ ـ

خبايه ٩٦٠

الخت ٥٤٦

الخديد ٤٧٦

* خديش ٣٤٥

الخرابة ٤٧٩

الخربة ١٠٣٤

الخربة (من المكلا) ١٣٨

خربة باكرمان ٢٧٢

* الخريبة ٣١٤

خشامر ٤٩٣

الخشعة ٤٥٤

* خلع راشد ـ الحوطة ٥٧٧

خلفوت ٢٣٧

* خمور ٤٩٤

خموسة ٥٦٤

الخميلة ٢٧١

الخندق ٥٤٥

خنفر ٢٧٨

الخنم ٥٦٤


خور يضغط ٢٢٧

الخون ١٠٠٨

خيصيت ٢٣٧

خيله (لآل بقشان) ٣٧٧

ـ د ـ

دار آل الرشيد ٤٨٧

دار آل النقيب ٤٨٧

دار ابن صريمان ٤٦٣

دار الراك ٤٩٢

دحامة آل قصير ٨٤٦

* الدحقة ٥٤٨

الدخناء ٤٥١

درفات ٢٣١

دفيقه ٢١٦

الدلفة ٨٤١

* دمح ٨٣٠

دمخ حساج ٢٣٠

دمقوت ٢٣٨

* دمون ٩٦٨

* دهر ٢٥٨

* دوعن ٣٠٥

الدوفة ٣٧٤

الدويلة ـ يبحر ١٠١٣

ديار آل أحمد (من القطن) ٤٩٠

ديار آل أحمد بن علي آل باجري ٧٧٢

ديار آل سعد ٤٩١

ديار آل شملان ٦٧٣

ديار آل عبود ٥٦٧

ديار آل علي بن سعيد ٦٧٣

ديار آل مبارك ٥٦٤

ديار آل مطرف ٨٠٧

ديار الزمالكة وآل منيف ٥٦٤

ديار الصويل ٥٦٦

ديار بني بكر ٤٨١

الديس ١٣٨

الديس الشرقية (قرب الحامي) ٢٢٣

ـ ذ ـ

الذنائب ٩٣

ذو النّخيل ٥٨

ذو ناخب ١٧٢

ذو يجور ٣١٩

* ذي أصبح ٥٨٧

ـ ر ـ

رأس الفرتك ٧٤

الرابية (قرب البويرقات) ٤٣١

الرابية (قرب قعوضة) ٤٣٢

راوك ٨٤١

رباط باعشن ٣٤٧

رباط باكويل ٢٧٢

* رحاب ٣٥٩

رحابة ٥٧١

الرحب ٢٧٨

الرحبة ٧٧

الرحم ٢٨١

* رخية ٢٥٩

رخيوت ٢٣٨

الردود ٧٥٩

رسب ٨٤٠

* الرشيد ٣٢٥

رضوم ٧٩

رضيح ٨٣٨

رضيمة ٥٤٦


رغوان (من الجوف) ٤٥١

الرقة ٧٩

ركبان ٤٥٣

ركبة محيصن ٥٦٥

ركيكه ٤٧٩

رماه ١٠٥٢

الرمضاء ٢١٩

* الرملة ٨٤٧

الرملة (من الكسر) ٤٧٥

الرملة القديمة ٨٤٩

رهطان ٤٥٤

روبه ٩٨

روبه ٩٨

روضة آل باهديلة ٥٤٦

روضة آل مهري ٥٤٦

* روضة بني إسرائيل ٧٨

الروضه ٥٦٦

* روغه ٩٦٣

روكب ١٣٨

ريبون ٤٢٨

* الريدة ٢٢٩

ريدة آل بارشيد ٧٩

ريدة الجوهيّين ٨٣٩

ريدة الدّيّن ـ ريدة أرضين ٢٩٥

ريدة الصيعر ١٠٣٩

ريدة المعارة ١٠٣٤

ريدة بامسدوس ١٧١

ريسوت ٧٢

* الريضة ٨٤٦

الريضة (من دوعن) ٣٤٦

الريضة ـ حوطة القعيطي ٤٨٣

الرييده ٧٧٥

 ـ ز ـ

زاهر باقيس ٢٨١

الزبارة ٢٦٢

زبيد (شمال بلاد الغريب) ٥٦٧

زمخ (غرب منوخ) ١٠٤٦

زمخ (من وادي دهر) ١٠٤٦

زهر الجنان ٥٦٤

ـ س ـ

ساحة آل علي الحاج ٤٨٨

ساحة الجهاورة ٤٨٨

ساحة الحضارمة ٤٨٧

* ساه ٨٤٢

السبعة الوديان ١٠١٥

السّبير ٩٧٠

السحيل ٥٤٦

* سحيل آل مهري ٥٤٦

سحيل الفقرا ٥٦٧

السحيل القبلي ـ سحيل بدر ٨٠٠

سحيل غانم ٥٧١

سحيل محسن ٨٠٦

سد سنا ١٠٢٩

* سدبه ٤٣٥

سدة العيدروس ١٧٤

* سدة باتيس ٢٦٥

سراواه ٢٨٠

السعيدية ٤٩٥

السفوله (لآل حويل) ٤٧٩

السفوله (لآل سيف) ٥٦٥

السفيل (من وادي العين) ٤٣٠

سكدان ٨٤١

سلمون ٢٦٤


السلهبي ٤٧٩

* السليل أو السرير ٥٤٩

* سمل ٨١٤

سنا ١٠٢٨

* السهلة ٨٣١

سهوة ٢٦٤

السّور (قرب وادي الجابية) ٤٥٤

سور بني الحارثة ٢٦١

السوط ٢١٩

* سوط آل سميدع ٢٦٦

السوق (أعلى أصبعون) ٨٢

السوق (في تريم) ٩٣٠

* السوم ١٠١١

* السوم (شرقي تريس) ٦٦٤

سونه ٨٣٩

السويحلي ـ أنف الجبل ٩٦٨

سويدف ١٠٠٧

السويري ٨٤٦

* سيئون ٦٧٤

سيبان ٩٥

سيحوت ٢٣١

ـ ش ـ

الشاغي ٥٤٤

* شبام ٥٠٤

* شبوة ٢٥٠

* الشحر ١٦١

* شحوح ٦٦٧

* شحير ١٣٩

شراج الجواده ٤٩٧

شراح ٤٦٢

شرج آل القحوم ٥٤٦

شرج الشريف ٤٣٠

شرج باسالم ١٣٨

شرج باوهال ٢٤٥

شرج مدرك ٥٤٦

شرج نعام ٥٤٤

الشرقي ٢٧٢

* شرمة (شرمة الكساسيب) ٨١٢

* شرمة (في الشحر) ٢٢٥

شريوف ٨٣٨

شريوف (لآل محمد بن عبد الله) ٤٦١

شطب ١٠١٣

* الشعب ٦٠٢

شعب آل نهيد ٤٧٦

شعب النور ٢١٨

شعب خيله ٩٢٨

* شعب نبي الله هود عليه السلام ١٠١٧

الشعبة (شعبة بامحمد) ٢٧٣

شكلنزه ٢١٩

الشوف ٢٤٥

ـ ص ـ

الصاري ٨٣٨

صبيخ ٣٧٢

الصدارة ٩٥

الصدف ٣٤٦

الصعيد ٧٩

صقر ٢٣٧

صلاله ٢٤٠

صمع ٢٦١

صنا ٢٦١

صنعنون ٥٤٦

صهيبة ٥٤٤

* صوران ٤٧٢

* الصومعة ٨٤٤


صيعق العجر ٩٥

* صيف ٣٨٤

صيقة آل عامر ٨٤٢

صيلع ٤١٥

ـ ض ـ

ضباب ٢٤٥

ضبعان ٤٨٠

ضبوت ٢٣٧

الضبيعة ٨٤١

ضري ٣٧٧

* الضليعة ٢٩٥

ضوران ١٧١

ـ ط ـ

* طبوقم ١٠٢٩

طمحان ٢٧٤

طهيف ٤٨٠

ـ ظ ـ

الظاهر ٥٦٤

ظاهرة آل كليب ٤٧٩

ظاهرة آل نهيد ٤٧٩

الظاهره ٥٦٤

* الظاهره (شرقي قعوضه) ٤٦٥

ظفار ٢٣٨

ظلوم ٥٦٦

ـ ع ـ

العادي ٥٦١

العادية ٤٧٨

العبر ٤٥٣

عتاب ٢٣٦

عثه ٨٤٠

* العجز ١٠٠٠

العجلانية ٤٧٥

العدان ٤٧٨

* العرسمة ٣٦٧

العرض ٨٤١

عرض آل بلعلا ٤٩١

عرض آل حويل ٤٧٩

* عرض آل مخاشن ٤٤٤

عرض الربيخة ٥٦٤

عرض باقار ٣٧٢

عرض باهيثم ٣٧٢

عرض بو زيد ٤٣٥

عرض عبد الله ٧٧٦

* عرض مسرور ٤٩٨

عرض مولى خيله ٧٧٩

عرف ٢١٩

عرفة (قلعة في بروم) ١٠٦

العرقوب ٥٤٦

* عرما ٢٥٦

* عزّان ٧٧

عسد الجبل ٢٢٩

عسنب ٤٩٥

عشة القمر ـ غب القمر ـ غية ٧٤

عصم ١٠١٣

العصيّة ١٠١٣

عطف بالرشيد ـ عطف ميفعة ٨٤

العطوف ٧٩

العقبة ٥٦٤

عقبة العرشه ١٠٣٤

عقبة الغز ٨٤٣


عقبة الفقره ١٠٣٤

عقبة عبد الله غريب ١٠٣٤

عقبة عثه ١٠٣٤

عقدة آل المصلي ٤٩١

عقدة الشاووش ٤٩١

عقدة الوهالين ٥٦٤

العقده ٥٧٤

العقيقه ٥٤٤

العكابرة ١٠٣٤

عكبان ٤٥٤

عكرمة ٣٠٥

علم بدر ٧٢٣

علوجة ٢٦٥

عمد ٢٧٦

عمقين ٢٤٥

عندل ٢٩٠

عنق ٢٧٨

عنيبدة ٤٧٦

العنين ٤٩٠

* عوره ٣٥١

عوقد ٧٣

عيديد ٩٣١

العيص ٢٢١

العين (غربي علبان) ٤٥٦

* عين بامعبد ٦٥

* عينات ٩٧٤

عيوه ١٠٤١

ـ غ ـ

الغارين ٨٣٢

غب القمر ـ عشة القمر ـ غبة ٧٤

* الغرف ٨١٨

* الغرفة ٦١٠

غصيص ٤٧٦

غنيمة آل عبري ٤٦١

غنيمه ٨٠٥

غورب ٤٣٠

الغويضه ٩٧٠

* الغيل ١٤٠

غيل ابن عمر ١٤٠

غيل ابن يمين ـ غيل الشناظير ١٠٣٥

غيل باسودان ١٤٠

غيل بدر ٨٠٦

غيل بلخير ٣٦٣

غيل عمر ٨٤١

الغييل ٦٠٨

ـ ف ـ

الفتك (من قرى محيفيف) ٢٣٨

الفجير (قرب دمون) ٩٧٠

الفجير (من ضواحي سيئون) ٧٣٦

الفرط (قرب الباطنة) ٤٨٠

الفرط (قرب الخون) ١٠٠٨

الفرط (من ضواحي سيئون) ٩٧١

فرط قبوسه ـ فرط الحميرا ٥٥٠

فريشه ٤٧٩

الفشلة (في عرض آل مخاشن) ٤٨٠

الفشلة (في وادي منوب) ٤٨٠

* فغمه ١٠١٣

الفغوة ٥٨٧

فنده ٤٧٩

الفوهة ٤٥٤

الفيدمي ٢٣٨

فيل ٣٨٦


 ـ ق ـ

* القارة (بجانب النقعة) ١٥٣

* القارة (لآل ثابت) ٤٧١

قارة آل عبد العزيز ٥٥٠

قارة ابن محركة ٢١٩

* قارة الحبوظي ٧٦٠

* قارة الشناهز ٨١٥

* قارة العر ٧٦٠

قارة جشيب ـ قارة جشير ٧٧٩

قارة دخان ٣٤٦

قاهر ٩٧١

* قبر تبع ٣٤٦

قبر نبي الله حنظلة عليه السلام ٧٧٣

* قبر نبي الله صالح عليه السلام ٤٩٥

قرحة آل باحميش ٣٠٦

القرن ٧٤٠

القرن (مرفأ الديس) ٢٢٣

قرن ابن عدوان ٢٨١

قرن المشايخ آل العمودي ٢٩٣

* قرن با حكيم ٣١٣

قرن باشريح ٢٦٤

قرن باظبي ٢٧٢

* قرن ماجد ٣٦٥

* القرين ٦٦٦

* القرين (من وادي دوعن) ٣٥٤

قزة آل البطاطي ٤١٢

* قسم ٩٩٣

قشن ٢٣٧

قصر ذي يهر ٩٤٩

قصيعر ٢٢٧

القطار ٥٤٦

* القطن ٤٨٣

القطيب ١٣٠

* قعوضه ٤٦٣

القفل (لآل رطّاس) ٧٧٩

القفل (لآل منيف) ٤٦٢

قلات ٤٩٧

القمر ٧٢

القوز ٥٧٤

قوز آل مرساف ٩٦٦

* القويرة ٣٢٨

* قيدون ٣٨٧

القيرح ٥٦٤

ـ ك ـ

* كحلان ٨٤٣

كساح ٨١١

* الكسر ٤٤٧

كنينة ٩٤

كوت سرور ٨٤١

كودة آل عوض ٩٦٦

الكوده ١٠٠٨

كور سيبان ١٠٣٤

* كوكه ٣٤٥

كيرعان ـ حوطة حميشة ٤٣٥

ـ ل ـ

لبنة باراشيد ٩٥

لحروم ٢٩٠

لخماس ٤٦٢

* اللسك ٩٧٣

لصف ٥٤٥

لعمق ٢٦٣

لفحون ـ نفحون ٢٨٠


 ـ م ـ

المتنه ٤٧٩

المجف ٩٣٠

* المحترقه ٥٥٥

المحجر ٥٤٣

محل الصقعان ٥٦٧

محمدة ٩٤

المحيضرة ٩٤٦

محيفيف ٢٣٧

مخاران الجنوبي ٩٣١

المخارم ٢٦٢

مخلاف خولان ١٧٠

مخية ٢٧٢

المخينيق ٤٧٥

المدهر ٤٧٩

* مدوده ٦٦٨

مريخ ٥٤٤

مرير ١٧٥

* مريمه ٧٥٠

مسايل الصيوق ٩٨

مسجد النور ٥٦٦

* المسحرة ٤٩٢

* المسندة ٩٥٧

مسه ٤٠٨

مسيال وادي بن علي ٥٥٤

مسيل عدم ٨٢٤

مسيلة آل شيخ ٧٥٩

* مسيلة آل كدّه ٥٦٠

* المسيله ٨٢٤

مشاط ٢٩٣

مشاطر ١٠١٣

مشطه ٩٦٥

* المشهد ٤٢٤

المصنعه ٥٦٦

مضارب الكرب ٢٥٥

مطارح ٥٤٥

معبر ٢٢٨

معيان العليا ١٠٠٧

معيان العيينة ١٠٠٧

معيان المساجدة ٢١٩

معيان سويدف ١٠٠٧

معين ٤٤٩

مقاشع ١٠٢٨

المقد ٢٢٣

مقد العبيد ١٠٣٥

مقيبل ٧٧٩

مكان آل البرقي ٦٠٨

مكان آل الصقير ٦٧٣

مكان آل الوعل ٥٦٢

مكان آل جعفر ٨١١

مكان آل حصن ٥٤٥

مكان آل غريب ٨١١

مكان آل فحثيا ٥٦٢

مكان آل كحيل ٦٠٨

مكان آل كرتم ٨١١

مكان آل معتاشي ٧٧٩

* المكلا ١٠٩

مكينون ١٠١٢

ملفوق ٧٤٠

المنبعث ٤٧٥

منخوب ٢٧٨

المنغلقة ٤٥٦

منوخ ١٠٤٥

المنيظرة ٤١٠

مهينم ٢٢٨


الموزع ٤٩٢

موشح ٥٦٥

* ميخ ٤٢٨

* ميفع ٨٩

* ميفعة ٧٩

ـ ن ـ

نباع ٢٦٢

النجاعين ٢١٩

* نجد آل كثير ١٠٤٧

النجد الجنوبي ١٠٣٤

النجد الشمالي ١٠٣٨

* نجد العوامر ١٠٤٨

* نجد المناهيل ١٠٤٩

* النجير ٩٦١

نحوله ٤١٢

* نخر عمرو ٥٠٢

* نخر كعده ٧٧٩

النخش ٥٦٦

نسرة ٤٠٩

نشطوت ٢٣٧

نشق ـ البيضاء ٤٥١

* نعام ٥٤٣

النعير ٢٧٧

النعير (من تريم) ٩٢٨

نفحون ـ لفحون ٢٨٠

* النقرة ٩٩٢

* النقعة (شمال الغيل) ١٥١

* النقعة (لآل جنيد) ٤٤٣

* نقعة آل جنيد (شمال حوره) ١٥٢

نقق ٤٩١

النويدرة ٨٤١

 ـ هـ ـ

الهجر ٨٤

* الهجرين ٤١٠

* هدامه ٥٥٩

* هدون ٣٦١

هروت ٢٣٧

الهشم ٤٣٠

هشيمه ٥٤٤

هينن ٤٥٦

ـ و ـ

الواد ٩٩

وادي الأيسر ـ وادي عمر ٣٧٤

وادي الجابية ٤٥٤

وادي الحوياه ١٠٤٧

وادي الخون ١٠٠٧

وادي الدخان ١٠٤٨

* وادي الذهب ٨٥٦

وادي السّر ١٧٠

وادي الشكيل ١٠٠٨

وادي العرج ١٠٤٨

* وادي العين ٤٣٠

وادي الغبر ٤١٢

وادي الغبيرا ١٠٣٨

وادي القويع ١٠٤٧

وادي المشاجرة ـ وادي يبعث ٢٩٥

وادي النبي ٣٠٦

وادي الواسطة ١٠٠٧

وادي امباركه ١٠٤٨

وادي برهوت ١٠١٥

وادي بن راشد ٤٥

* وادي بن علي ٥٦٤


وادي جب ١٠٠٨

وادي جرمان ٩٧١

وادي حسين ١٠٠٧

وادي حمم ١٠٣٤

وادي حموضة ٣٠٦

وادي سبيه ١٠٠٨

وادي سخورة ١٠١٢

* وادي سر ٤٩٥

وادي سور ١٠٣٨

وادي شحوح بن ثعلب ٦٦٧

وادي شحوح بن يماني ٦٦٧

وادي ضرغون ١٠٠٧

وادي طبوقم ١٠٣٨

وادي طرون ١٠٤٧

وادي ظيلم ١٠٤٧

وادي عبد الله بن سلمان ٨٠٥

وادي عرده ١٠١٢

وادي عشارهم ١٠٣٨

وادي عصم ١٠١٣

وادي عقران ٤٩٢

* وادي عمد ٢٦٦

وادي عمر ـ وادي الأيسر ٣٧٤

وادي عمقين ٢٤٥

وادي عنحي ١٠١٣

وادي عولك ١٠٠٧

وادي فرع ١٠٤٧

وادي فغمه ١٠١٣

وادي قتاب ١٠٥١

وادي قيصوم ١٠٥١

وادي مدر ٧٧٥

* وادي منوب ٤٧٩

وادي منوه ٣٠٦

وادي نخط ١٠٤٧

وادي هجره ١٠٠٧

وادي هينن ٤٥٦

وادي يبا ١٠٤٨

وادي يبحر ١٠١٣

وادي يبعث ـ وادي المشاجرة ٢٩٥

* وادي يبهوض ٤٩٧

وادي يثمه ٧٢٣

وادي يسحر ١٠٢٨

وادي ينحب ١٠٢٨

الواسط ٢١٨

* الواسطة ١٠٠٣

* وبار ١٠٥٣

الوجر ٢٧٤

الوجيب ٤٧٦

وردة مصبح ٤٥٩

وزيرية ١٢٢

ـ ي ـ

يبحر ـ الدويلة ١٠١٣

يبحر الجديدة ١٠١٣

يبرين ٤٤٢

* يبعث ٢٩٢

يترب ٥٣

* يرقق ٦٤٥

يشبم ١٧٦

* يشحر ٨٣٢

يون ٩٨



فهرس موضوعات الكتاب

مقدمة علّامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر........................................... ٧

بين يدي الكتاب............................................................ ٢١

وصف النسختين الخطيّتين.................................................... ٢٨

عملنا في الكتاب............................................................ ٢٩

خاتمة....................................................................... ٣٠

صور المخطوطات............................................................ ٣١

مقدمة المؤلف............................................................... ٣٩

حضرموت.................................................................. ٤١

ـ حدود حضرموت........................................................... ٤٣

ـ أسماء حضرموت............................................................ ٤٦

ـ من خصائص حضرموت..................................................... ٥٢

القسم الأول

في مرافىء حضرموت وما داناها من أعلاها إلى أدناها............................. ٦٥

عين بامعبد................................................................. ٦٥

بالحاف..................................................................... ٦٧

بير علي.................................................................... ٧١

حصن الغراب............................................................... ٧١

عزّان....................................................................... ٧٧

حوطة الفقيه................................................................ ٧٧

روضة بني إسرائيل............................................................ ٧٨


ميفعة...................................................................... ٧٩

ـ وصف وادي ميفعة.......................................................... ٨٤

ـ قبائل ميفعة................................................................ ٨٥

ميفع....................................................................... ٨٩

ـ وصف أرض ميفع ووبائها.................................................... ٩١

حجر...................................................................... ٩٢

ـ فروع قبيلة نوّح السيبانية..................................................... ٩٧

ـ أعقاب السّادة بني علوي بوادي حجر....................................... ١٠٣

ـ تمور حجر................................................................ ١٠٥

بروم...................................................................... ١٠٥

المكلّا..................................................................... ١٠٩

ـ تاريخ المكلّا القديم وإمارة آل كساد.......................................... ١١٠

ـ المكلّا تحت حكم القعيطيّ................................................. ١٢٠

ـ معاهدة الحماية............................................................ ١٢٠

ـ فائدة في حكم المقبرة إذا دثرت.............................................. ١٢٤

ـ التعليم في المكلّا........................................................... ١٢٥

ـ كلمة توجيهية عن التعليم عموما............................................. ١٣١

ـ أحوال المكلّا الداخلية ، وأهمها القضاء....................................... ١٣٢

ـ أشهر مساجد المكلّا....................................................... ١٣٥

ـ بعض أعيان المكلّا وعلمائها في السابق....................................... ١٣٧

ـ ضواحي المكلّا وقراها...................................................... ١٣٨

شحير.................................................................... ١٣٩

الغيل..................................................................... ١٤٠

ـ الأعلام والعلماء في غيل باوزير.............................................. ١٤٣

النّقعة..................................................................... ١٥١

القارة..................................................................... ١٥٣


الحزم وصداع............................................................... ١٥٤

ـ قيام دولة العولقي في الحزم.................................................. ١٥٥

ـ استطراد في الكلام على فحولة الشعراء....................................... ١٥٨

الشّحر................................................................... ١٦١

ـ دولة آل بريك............................................................ ١٧٢

ـ حادثة مرير............................................................... ١٧٥

ـ نهاية آل بريك............................................................ ١٧٦

ـ استتباب الحكم للقعيطيين.................................................. ١٧٨

ـ حادثة الحموم سنة (١٣٣٧ ه‍)............................................. ١٨١

ـ معاهدة الاستشارة بين صالح بن غالب والحكومة الإنكليزية..................... ١٨٨

ـ أعلام الشّحر............................................................. ١٩٦

ـ القضاء في الشّحر......................................................... ٢٠١

ـ السادة العلويون بالشّحر................................................... ٢٠٤

ـ آل الشيخ أبي بكر بن سالم سكان الشّحر................................... ٢٠٦

ـ آل العيدروس بالشّحر..................................................... ٢٠٧

ـ آل بافقيه بالشّحر......................................................... ٢٠٨

ـ آل عيديد بالشّحر........................................................ ٢٠٩

ـ آل البيض بالشّحر........................................................ ٢٠٩

ـ المدارس بالشّحر........................................................... ٢١٢

ـ تجارة أهل الشّحر......................................................... ٢١٥

ـ غياض الشحر............................................................ ٢١٦

مراسي بحر الشّحر إلى ظفار................................................. ٢٢١

ـ نسب الحموم............................................................. ٢٢٣

ـ السادة آل المقدي......................................................... ٢٢٤

شرمة..................................................................... ٢٢٥

الرّيدة..................................................................... ٢٢٩


ـ قشن.................................................................... ٢٣٧

ـ من قرى قشن ونواحيها..................................................... ٢٣٧

ـ من قرى محيفيف ونواحيها.................................................. ٢٣٨

القسم الثاني

في أواسط حضرموت من أعلاها إلى أدناها.................................... ٢٤٥

ـ حدود حضرموت من الغرب................................................ ٢٤٥

ـ جردان................................................................... ٢٤٦

شبوة..................................................................... ٢٥٠

ـ خبر علي ناصر القردعي................................................... ٢٥٢

عرما...................................................................... ٢٥٦

دهر...................................................................... ٢٥٨

رخية..................................................................... ٢٥٩

ـ المخارم................................................................... ٢٦٢

ـ آل شحبل................................................................ ٢٦٣

ـ سهوة.................................................................... ٢٦٤

ـ حادثة الكسادي وآل العمودي............................................. ٢٦٤

سدّة باتيس................................................................ ٢٦٥

سوط آل سميدع............................................................ ٢٦٦

وادي عمد................................................................ ٢٦٦

ـ بلدان وادي عمد.......................................................... ٢٧١

ـ قبائل الجعدة.............................................................. ٢٨٢

ـ حريضة.................................................................. ٢٨٣

ـ قدوم آل العطاس إلى حريضة............................................... ٢٨٤

يبعث..................................................................... ٢٩٢

الضّليعة................................................................... ٢٩٥

ـ خبر ثورة باعقيل........................................................... ٣٠٢


دوعن.................................................................... ٣٠٥

الحسوسة.................................................................. ٣١٢

قرن باحكيم............................................................... ٣١٣

الخريبة.................................................................... ٣١٤

الرّشيد.................................................................... ٣٢٥

القويرة.................................................................... ٣٢٨

حلبون.................................................................... ٣٣٥

الجبيل.................................................................... ٣٣٦

بضه...................................................................... ٣٣٧

بلاد الماء.................................................................. ٣٤٤

خديش................................................................... ٣٤٥

كوكه..................................................................... ٣٤٥

قبرتبّع..................................................................... ٣٤٦

عوره...................................................................... ٣٥١

القرين.................................................................... ٣٥٤

رحاب.................................................................... ٣٥٩

هدون.................................................................... ٣٦١

غيل بلخير................................................................ ٣٦٣

قرن ماجد................................................................. ٣٦٥

العرسمة.................................................................... ٣٦٧

جحي الخنابشة............................................................ ٣٧٠

صيف.................................................................... ٣٨٤

قيدون.................................................................... ٣٨٧

ـ السادة آل الحداد بقيدون................................................... ٣٨٩

ـ آل باعقيل السقاف....................................................... ٤٠٠

ـ حادثة الخنابشة وباهبري.................................................... ٤٠٧


ـ مسه..................................................................... ٤٠٨

ـ نسرة.................................................................... ٤٠٩

الهجرين................................................................... ٤١٠

ـ القرى المحيطة بالهجرين..................................................... ٤١٢

ـ قزة آل البطاطي........................................................... ٤١٢

ـ صيلع.................................................................... ٤١٥

ـ أعلام الهجرين............................................................ ٤١٦

ـ آل ابن محفوظ حكّام الهجرين............................................... ٤١٩

المشهد.................................................................... ٤٢٤

ـ آثار المشهد............................................................... ٤٢٨

ميخ...................................................................... ٤٢٨

وادي العين................................................................ ٤٣٠

ـ من أخبار العوابثة.......................................................... ٤٣٣

سدبه..................................................................... ٤٣٥

حوره..................................................................... ٤٣٧

ـ وجود أسماء أعجمية في حضرموت........................................... ٤٤٢

النّقعة (نقعة آل جنيد)...................................................... ٤٤٣

عرض آل مخاشن........................................................... ٤٤٤

ـ من أواخر حروب نهد...................................................... ٤٤٤

الكسر.................................................................... ٤٤٧

ـ براقش................................................................... ٤٤٨

ـ معين.................................................................... ٤٤٩

ـ بلاد العبر وما وراءها....................................................... ٤٥٣

ـ هينن.................................................................... ٤٥٦

ـ آل ابن إسحاق بهينن...................................................... ٤٥٧

ـ من قرى الكسر........................................................... ٤٦١


قعوضه.................................................................... ٤٦٣

الظاهره................................................................... ٤٦٥

ـ كلمة عن المحاكم.......................................................... ٤٦٨

القارة (قارة آل ثابت)....................................................... ٤٧١

صوران.................................................................... ٤٧٢

ـ التحقيق في ضوران وضروان................................................. ٤٧٣

الباطنة (من وادي الكسر).................................................. ٤٧٦

وادي منوب............................................................... ٤٧٩

ـ كلام للمؤلف عن الجمعيات................................................ ٤٨١

القطن.................................................................... ٤٨٣

ـ قرى القطن وحصونه....................................................... ٤٨٧

المسحرة................................................................... ٤٩٢

خمور..................................................................... ٤٩٤

وادي سر وقبر نبيّ الله صالح عليه السّلام...................................... ٤٩٥

وادي يبهوض.............................................................. ٤٩٧

عرض مسرور.............................................................. ٤٩٨

نخر عمرو................................................................. ٥٠٢

شبام..................................................................... ٥٠٤

ـ السادة آل سميط سكان شبام............................................... ٥١١

ـ من أعلام آل باذيب....................................................... ٥١٧

ـ مناقب أهل شبام.......................................................... ٥١٩

ـ جامع شبام............................................................... ٥٢٤

ـ آل باذيب سكان شبام.................................................... ٥٢٤

ـ القضاء في شبام........................................................... ٥٢٧

ـ آل شمّاخ................................................................. ٥٢٧

ـ بعض نوادر الشّباميين...................................................... ٥٢٨


ـ من نوادر الشيخ أحمد بركات................................................ ٥٣٠

ـ أحوال شبام السياسية...................................................... ٥٣٣

نعام...................................................................... ٥٤٣

جعيمه.................................................................... ٥٤٤

ـ قرى جعيمه.............................................................. ٥٤٤

سحيل آل مهري........................................................... ٥٤٦

الحزم...................................................................... ٥٤٧

الدّحق.................................................................... ٥٤٨

السّليل أو السّرير........................................................... ٥٤٩

المحترقه.................................................................... ٥٥٥

بحيره...................................................................... ٥٥٦

ـ الشيخ عتيق باجبير ونوادره................................................. ٥٥٦

هدّامه.................................................................... ٥٥٩

مسيلة آل كدّه............................................................. ٥٦٠

الحاوي (حاوي الحوطة)..................................................... ٥٦٢

وادي بن علي............................................................. ٥٦٤

ـ قرى وادي بن علي........................................................ ٥٦٤

ـ من أخبار أهل الوفاء وضدها............................................... ٥٦٨

حصن آل الرّباكي.......................................................... ٥٦٩

ـ الإشارة إلى موقع قارة الأشباء............................................... ٥٦٩

حصن الشّاووش............................................................ ٥٧٦

الحوطة (في وادي بن علي).................................................. ٥٧٧

ـ أرباض الحوطة............................................................ ٥٨٧

ذي أصبح................................................................ ٥٨٧

ـ زوجة المصنف ونتف من أخبارها............................................ ٥٩٦

ـ المشايخ آل ابن سمير....................................................... ٦٠١


الشّعب................................................................... ٦٠٢

كلام نفيس عن الغدر واستطراد إلى ذكر فلسطين.............................. ٦٠٣

بلّيل...................................................................... ٦٠٧

بابكر..................................................................... ٦٠٩

الحول..................................................................... ٦١٠

الغرفة..................................................................... ٦١٠

ـ آل باجمّال................................................................ ٦١٥

ـ نسب آل باعبّاد.......................................................... ٦١٦

ـ آل الحبشي سكان الغرفة................................................... ٦١٨

ـ آل الحداد سكان الغرفة.................................................... ٦٣١

ـ تاريخ الغرفة السياسي...................................................... ٦٣٤

ـ حرب ابن عبدات في القرن الرابع عشر....................................... ٦٣٥

حصون آل كثير............................................................ ٦٤٢

يرقق...................................................................... ٦٤٥

حصون العوانزه............................................................. ٦٤٥

حصون آل جعفر بن بدر من الفخائذ........................................ ٦٤٧

حصون آل منيباري......................................................... ٦٤٧

ـ الحلف بين القعيطي وآل منيباري............................................ ٦٤٨

تريس..................................................................... ٦٥٠

ـ آل باكثير في تريس........................................................ ٦٥١

ـ السادة آل الجفري سكان تريس............................................. ٦٥٥

ـ أحوال تريس السياسية..................................................... ٦٦٣

السّوم (شرق تريس)........................................................ ٦٦٤

القرين.................................................................... ٦٦٦

شحوح................................................................... ٦٦٧

مدوده.................................................................... ٦٦٨


ـ ذكر آل باحميد........................................................... ٦٧٠

ـ بعض سكان مدوده....................................................... ٦٧٢

سيئون.................................................................... ٦٧٤

ـ تاريخ سيئون القديم وجامعها................................................ ٦٧٩

ـ أعلام آل بارجاء.......................................................... ٦٨٠

ـ آل باكثير................................................................ ٦٨١

ـ تاريخ وتراجم آل السقاف.................................................. ٦٨٦

ـ ترجمة والد المؤلف......................................................... ٦٨٨

ـ ذكر بعض العلماء ممن أخذ عنهم المؤلف..................................... ٦٩٨

ـ آل الحبشي سكان سيئون.................................................. ٧٠٦

ـ آل حسّان................................................................ ٧٠٩

ـ القضاء بسيئون........................................................... ٧١٢

ـ خصائص سيئون.......................................................... ٧٢٢

ـ أحوال سيئون السياسية.................................................... ٧٢٨

ـ ضواحي سيئون........................................................... ٧٣٦

حصن الحوارث............................................................. ٧٤٧

مريمه..................................................................... ٧٥٠

ـ بعض من تدير مريمه....................................................... ٧٥٢

جذع..................................................................... ٧٥٦

حوطة سلطانة............................................................. ٧٥٧

ـ آل الزّبيدي سكان الحوطة.................................................. ٧٥٩

قارة الحبوظيّ وقارة العرّ...................................................... ٧٦٠

بور وحنظلة بن صفوان عليه السلام وعرض عبيد الله بن أحمد بن عيسى........... ٧٦٢

ـ بور...................................................................... ٧٦٢

ـ آل بانجار ولاة بور......................................................... ٧٦٣

ـ آل العيدروس مناصب بور.................................................. ٧٦٣


ـ قبر حنظلة................................................................ ٧٧٣

ـ عرض عبد الله............................................................ ٧٧٦

ـ آل باجري................................................................ ٧٧٦

ـ بعض قرى بور............................................................ ٧٧٩

نخر كعده................................................................. ٧٧٩

الحسيّسة.................................................................. ٧٨٠

تاربه...................................................................... ٨٠٠

ـ آل الحامد سكان تاربه ثم سيئون............................................. ٨٠١

باعبد الله.................................................................. ٨٠٧

ـ السادة آل بو فطيم........................................................ ٨٠٩

ـ بعض القرى من وراء باعبد الله.............................................. ٨١١

شرمة الكساسيب.......................................................... ٨١٢

سمل...................................................................... ٨١٤

قارة الشّناهز............................................................... ٨١٥

الغرف.................................................................... ٨١٨

المسيله (مسيلة آل شيخ).................................................... ٨٢٤

ـ آل طاهر سكان المسيله.................................................... ٨٢٥

ـ حادثة النويدرة............................................................ ٨٢٧

دمح...................................................................... ٨٣٠

السّهلة.................................................................... ٨٣١

يشحر.................................................................... ٨٣٢

ـ التاجر فرج يسر وقصة ثروته................................................ ٨٣٧

ـ بعض القرى من وراء يشحر................................................. ٨٣٨

ـ غيل عمر ومنازله.......................................................... ٨٤١

ساه...................................................................... ٨٤٢

كحلان................................................................... ٨٤٣


الصّومعة.................................................................. ٨٤٤

الرّيضة.................................................................... ٨٤٦

الرّملة..................................................................... ٨٤٧

حصن جرّه................................................................ ٨٥٠

ثبي....................................................................... ٨٥٢

ـ استطراد لذكر صهاريج عدن................................................ ٨٥٢

ـ آل العيدروس بثبي......................................................... ٨٥٣

ـ السادة آل الحبشي سكان ثبي............................................... ٨٥٥

وادي الذهب.............................................................. ٨٥٦

حصن العزّ................................................................ ٨٥٧

حصن آل فلّوقة............................................................ ٨٥٨

تريم...................................................................... ٨٧١

ـ جامع تريم................................................................ ٨٧٣

ـ كرم السادة آل العيدروس................................................... ٨٨٥

ـ الكلام عن مسجد باعلوي................................................. ٨٨٩

ـ طبقات علماء تريم......................................................... ٨٩١

ـ ذكر طائفة من علماء تريم الأقدمين.......................................... ٨٩٥

ـ طبقات العلويين بحضرموت................................................. ٨٩٧

ـ رباط العلم الشهير بتريم.................................................... ٩٠٠

ـ قضية فقهية جرت بين المؤلف والسّيّد الشاطري............................... ٩١٥

ـ أعلام تريم ممن عاصرهم المؤلف.............................................. ٩٢٣

ـ مدارس تريم............................................................... ٩٢٥

ـ المدارس الحديثة بتريم....................................................... ٩٢٦

ـ قرى تريم................................................................. ٩٣١

ـ المشايخ خطباء تريم........................................................ ٩٣٣

ـ استطراد في مسألة تولية الصبي.............................................. ٩٣٥


ـ الحاوي................................................................... ٩٣٦

ـ آل الحداد سكان الحاوي................................................... ٩٣٧

ـ آل باسالم................................................................ ٩٤٢

ـ استطراد في حكم قضائي توجه على الإمام الحداد.............................. ٩٤٤

عودة إلى قرى تريم.......................................................... ٩٤٦

ـ أحوال تريم الدّولية......................................................... ٩٤٦

ـ ذكر آل غرامة حكام تريم................................................... ٩٤٩

المسنّده وما وراءها إلى عينات................................................ ٩٥٧

ـ حرب المسنّده............................................................. ٩٥٧

ـ استطراد في مسألة فقهية أفتى فيها المؤلف..................................... ٩٥٨

ـ خبايه.................................................................... ٩٦٠

النجير.................................................................... ٩٦١

الجرب.................................................................... ٩٦٣

روغه..................................................................... ٩٦٣

ـ مشطه................................................................... ٩٦٥

ـ كودة آل عوض........................................................... ٩٦٦

ـ باعطير................................................................... ٩٦٧

دمّون..................................................................... ٩٦٨

اللّسك................................................................... ٩٧٣

عينات.................................................................... ٩٧٤

ـ السادة آل المحضار سكان أرض الرصاص..................................... ٩٧٦

حبوظة.................................................................... ٩٩١

النّقرة..................................................................... ٩٩٢

قسم..................................................................... ٩٩٣

ـ أعيان الأسر العلوية الساكنة بقسم.......................................... ٩٩٨

العجز................................................................... ١٠٠٠


ـ تراجم أعيان آل باقشير................................................... ١٠٠٢

الواسطة................................................................. ١٠٠٣

ـ المشايخ آل باشعيب..................................................... ١٠٠٣

ـ التفريق بين آل شعيب وآل باشعيب........................................ ١٠٠٥

ثوبه.................................................................... ١٠١٠

السّوم................................................................... ١٠١١

ـ الأودية حوالي السوم..................................................... ١٠١٢

فغمه.................................................................... ١٠١٣

شعب نبي الله هود عليه السلام............................................. ١٠١٧

طبوقم.................................................................. ١٠٢٩

القسم الثالث

في نجود حضرموت من أعلاها إلى أسفلها.................................... ١٠٣٣

ـ النجد الجنوبي........................................................... ١٠٣٤

ـ النجد الشمالي.......................................................... ١٠٣٨

ـ قبائل الصيعر........................................................... ١٠٤٠

نجد آل كثير............................................................. ١٠٤٧

نجد العوامر.............................................................. ١٠٤٨

نجد المناهيل.............................................................. ١٠٤٩

وبار.................................................................... ١٠٥٣

أم الصميم............................................................... ١٠٥٧

خاتمة الكتاب............................................................ ١٠٦٢

الفهارس العامة........................................................... ١٠٦٧

ـ فهرس الأعلام التي ذكرها المؤلف وترجم لها في طيّات الكتاب................. ١٠٦٩

ـ فهرس الأعلام التي ترجمناها بهوامش الكتاب................................. ١٠٧٦

ـ الفهرس الألفبائي لأسماء المدن والقرى والمواضع التي ذكرت في الكتاب........... ١٠٨٣

ـ فهرس موضوعات الكتاب................................................ ١٠٩٧

ادام القوت في ذكر بلدان حضرالموت

المؤلف:
الصفحات: 1110