أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]
المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٥٦
السادس لشهر ذي قعدة عام اثنين وعشرين وسبعمائة ، فسبحان الملك الحقّ المبين ، وارث الأرض ومن عليها ، وهو خير الوارثين. وفي جهة (١) : [الكامل]
يا قبر ، جاد ثراك (٢) صوب غمام |
|
يهمي عليك برحمة وسلام |
بوركت لحدا فيه أيّ وديعة |
|
ملك كريم من نجار كرام |
ما شئت من حلم ومن خلق رضى |
|
وزكاء أعراق ومجد سام |
فاسعد بنصر رابع الأملاك من |
|
أبناء نصر ناصري الإسلام |
من خزرج الفخر الذين مقامهم |
|
في نصر خير الخلق خير مقام |
يا أيها المولى المؤسّس بيته |
|
في معدن الأحساب والأحلام |
ما للمنيّة والشباب مساعد |
|
قد أقصدتك بصائبات سهام |
عجلت على ذاك الجمال فغادرت |
|
ربع المحاسن طامس الأعلام |
فمحى الرّدى من حسن وجهك آية |
|
نحو (٣) النهار لسدفة الإظلام |
ما كنت إلّا بدر تمّ باهرا |
|
أخنى الخسوف عليك عند تمام |
فعلى ضريح أبي الجيوش تحيّة |
|
كالمسك عرفا عند فضّ ختام |
وتغمّدته رحمة الله التي |
|
ترضيه من عدن بدار مقام |
ومن الأعيان والوزراء
نصر بن إبراهيم بن أبي الفتح الفهري
يكنى أبا الفتح ، أصلهم من حصن أريول من عمل مرسية ، ولهم في الدولة النّصرية مزية خصّوا لها بأعظم رتب القيادة ، واستعمل بعضهم في ولاية السلطان.
حاله : نقلت من خط شيخنا أبي بكر بن شبرين ، قال : وفي السادس عشر لذي قعدة منه ، يعني عام عشرة وسبعمائة ، توفي بغرناطة القائد المبارك أبو الفتح ، أحد الولاة والأعيان الذاكرين لله تعالى ، أولي النزاهة والوفاء.
نصر بن إبراهيم بن أبي الفتح بن نصر بن إبراهيم
ابن نصر الفهري
يكنى أبا الفتح ، حفيد المذكور معه في هذا الباب.
__________________
(١) قوله : «وفي جهة» ساقط في اللمحة البدرية.
(٢) في اللمحة : «ثراك جاد» وهكذا ينكسر الوزن.
(٣) في اللمحة : «محو».
حاله : من كتاب «طرفة العصر» : نسيج وحده في الخير والعفاف ، ولين العريكة ، ودماثة الأخلاق ، إلى بعد الهمّة ، وجمال الأبّهة ، وضخامة التّجنّد ، واستجادة المركب والعدّة ، وارتباط العبادة. استعان على ذلك بالنّعمة العريضة بين منادية إليه بميراث ، ومكتسب من جرّاء المتغلّب على الدولة صهره ابن المحروق معياشة لبنته. ونمت حال هذا الشهم النّجد ، وشمخت رتبته حتى خطب للوزارة في أخريات أيامه ، وعاق عن تمام المراد به إلحاح السّقم على بدنه وملازمة الضّنا لجثمانه ، فمضى لسبيله ، عزيز الفقد عند الخاصّة ، ذائع الثّناء ، نقي العرض ، صدرا في الولاة ، وعلما في القوّاد الحماة.
وفاته : توفي بغرناطة ليلة الجمعة الثامن والعشرين لجمادى الآخرة عام خمسة وأربعين وسبعمائة. وكانت جنازته آخذة نهاية الاحتفال ، ركب إليها السلطان ، ووقف بإزاء لحده ، إلى أن ووري ، تنويها بقدره ، وإشادة ببقاء الحرمة على خلفه. وحمل سريره الجملة من فرسانه وأبناء نعمته.
ومن الكتّاب والشعراء
نزهون بنت القليعي (١)
قال ابن الأبّار (٢) : وهو فيما أحسب أبو بكر محمد بن أحمد بن خلف بن عبد الملك بن غالب الغسّاني ، غرناطية (٣).
حالها : كانت (٤) أديبة شاعرة ، سريعة الجواب ، صاحبة فكاهة ودعابة. وقد جرى شيء من ذلك في اسم أبي بكر بن قزمان (٥) ، والمخزومي الأعمى (٦) ، وأبي بكر بن سعيد (٧).
__________________
(١) ترجمة نزهون في المغرب (ج ٢ ص ١٢١) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ٢١٦) والذيل والتكملة (ج ٨ ص ٤٩٣) والتكملة (ج ٤ ص ٢٥٨) وبغية الملتمس (ص ٥٤٦) ورايات المبرزين (ص ١٥٩) ونفح الطيب (ج ٦ ص ٦٩).
(٢) التكملة (ج ٤ ص ٢٥٨). وانظر أيضا : الذيل والتكملة (ج ٨ ص ٤٩٣).
(٣) في التكملة : «من أهل غرناطة».
(٤) النص في التكملة (ج ٤ ص ٢٥٨) والذيل والتكملة (ج ٨ ص ٤٩٣).
(٥) هو أبو بكر محمد بن عيسى بن عبد الملك بن قزمان ، وقد ترجم له ابن الخطيب في الجزء الثاني من الإحاطة.
(٦) هو أبو بكر المخزومي الموروري ، وقد ترجم له ابن الخطيب في الجزء الأول من الإحاطة.
(٧) أغلب الظن أنه أبو بكر محمد بن سعيد بن خلف بن سعيد ، وقد ترجم له ابن الخطيب في هذا الجزء.
شعرها : دخل (١) الأديب أبو بكر الكتندي (٢) الشاعر ، وهي تقرأ على المخزومي الأعمى ، فلمّا نظر إليها ، قال : أجز يا أستاذ : [الكامل]
لو كنت تبصر من تكلّمه (٣) |
|
.............. |
فأفحم المخزومي زامعا ، فقالت : [الكامل]
.................. |
|
لغدوت أخرس من خلاخله |
ثم زادت :
البدر يطلع من أزرّته |
|
والغصن يمرح في غلائله |
ولا خفاء ببراعة هذه الإجازة ورفاعة هذا الأدب.
وكتب إليها أبو بكر بن سعيد ، وقد بلغه أنها تخالط غيره من الأدباء الأعيان (٤) : [المجتث]
يا من له ألف خلّ (٥) |
|
من عاشق وعشيق (٦) |
أراك خلّيت للنّا |
|
س سدّ ذاك الطريق (٧) |
فأجابته بقولها : [الطويل]
حللت أبا بكر محلّا منعته |
|
سواك ، وهل غير الرفيع (٨) له صدري؟ |
وإن كان لي كم من حبيب فإنما |
|
يقدّم أهل الحقّ فضل (٩) أبي بكر |
وهذه غاية في الحسن بعيدة. ومحاسنها شهيرة ، وكانت من غرر المفاخر الغرناطية.
__________________
(١) الحكاية والشعر في التكملة (ج ٤ ص ٢٥٨ ـ ٢٥٩) ورايات المبرزين (ص ١٥٩ ـ ١٦٠) والمغرب (ج ٢ ص ١٢١) ونفح الطيب (ج ٦ ص ٧١ ـ ٧٢) والذيل والتكملة (ج ٨ ص ٤٩٣).
(٢) هو أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز الكتندي ، وله ترجمة في رايات المبرزين (ص ١٥٧).
(٣) في التكملة : «من نجالسه». وفي الذيل والتكملة والنفح : «من تجالسه».
(٤) شعر أبي بكر بن سعيد وجواب نزهون في المقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ٢١٦) ورايات المبرزين (ص ١٦٠) ونفح الطيب (ج ٦ ص ٦٩).
(٥) في المقتضب ورايات المبرزين : «شخص».
(٦) في النفح : «وصديق».
(٧) في المصدر نفسه : «... للناس منزلا في الطريق».
(٨) في المصادر الثلاثة : «الحبيب».
(٩) في النفح : «حبّ».
حرف الصاد
من الأعيان والوزراء
الصّميل بن حاتم بن عمر بن جذع بن شمر بن ذي الجوشن
الضّبابي الكلبي (١)
وهو من أشراف عرب الكوفة.
أوليته : قال صاحب الكتاب «الخزائني» : جدّه (٢) أحد قتلة الحسين بن علي والذي قدم برأسه على يزيد بن معاوية ، فلمّا قام المختار (٣) ثائرا بالحسين فرّ عنه شمر ولحق بالشام فأقام بها في عزّ ومنعة. ولمّا خرج كلثوم بن عياض غازيا إلى المغرب ، كان الصّميل ممن ضرب عليه البعث في أشراف أهل الشام. ودخل الأندلس في طالعة بلج بن بشر القشيري ، فشرف ببدنه إلى شرف تقدّم له ، وردّ ابن حيّان هذا. وقال في كتاب «بهجة الأنفس ، وروضة الأنس» : كان الصّميل بن حاتم هذا جدّه شمر قاتل الحسين ، رضي الله عنه ، من أهل الكوفة ، فلمّا قتله ، تمكّن منه المختار فقتله ، وهدم داره ، فارتحل ولده من الكوفة ، فرأس بالأندلس ، وفاق أقرانه بالنجدة والسّخاء.
حاله : قال (٤) : كان شجاعا ، نجدا ، جوادا ، كريما ، إلّا أنه كان رجلا أمّيّا لا يقرأ ولا يكتب ، وكان (٥) له في قلب الدول وتدبير الحروب ، أخبار مشهورة.
من أخباره : حكى ابن القوطيّة ، قال (٦) : مرّ الصّميل بمعلّم يتلو : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ)(٧) ، فوقف يسمع ، ونادى بالمعلّم : يا هناه ، كذا نزلت
__________________
(١) توفي الصميل بن حاتم سنة ١٤٢ ه ، وترجمته في الحلة السيراء (ج ١ ص ٦٧) وتاريخ افتتاح الأندلس (ص ٤٤ ـ ٤٦ ، ٥١ ، ٥٩ ـ ٦١).
(٢) النص في الحلة السيراء (ج ١ ص ٦٧) بتصرف ، وجاء فيه أن جدّه هو : شمر بن ذي الجوشن.
(٣) هو أبو إسحاق المختار بن أبي عبيد الثقفي ، المتوفى سنة ٦٧ ه ؛ من زعماء الثائرين على بني أمية ، كان همه أن يقتل من قاتلوا الحسين بن علي ، عليهما السلام. الأعلام (ج ٧ ص ١٩٢) وفيه ثبت بأسماء المصادر التي ترجمت له.
(٤) قارن بالحلة السيراء (ج ١ ص ٦٨).
(٥) في الحلة السيراء : «وكانت».
(٦) النص في تاريخ افتتاح الأندلس (ص ٦٠) والحلة السيراء (ج ١ ص ٦٨) بتصرف.
(٧) سورة آل عمران ٣ ، الآية ١٤٠.
هذه الآية؟ فقال : نعم ، فقال : أرى والله أن سيشركنا في هذا الأمر العبيد والأراذل والسّفلة.
خبره في الجود : قال : كان أبو الأجرب الشاعر (١) وقفا على أمداح الصّميل ، وهو القائل : [الوافر]
بنى لك حاتم بيتا رفيعا |
|
رأيناه على عمد طوال |
وقد كان ابتنى شمر وعمرو |
|
بيوتا غير ضاحية الظّلال |
فأنت ابن الأكارم من معدّ |
|
تعلج للأباطح (٢) والرّمال |
وقارضه بإجزاله لعطائه وانتمائه في ثوابه ، بأن أغلظ القسم على نفسه بأن لا يراه إلّا أعطاه ما حضره ، فكان أبو الأجرب قد اعتمد اجتنابه في اللقاء حياء منه وإبقاء على ماله ، فكان لا يزوره إلّا في العيدين قاضيا لحقّه. وقد لقيه يوما مواجهة ببعض الطريق ، والصّميل راكب ، ومعه ابناه ، فلم يحضره ما يعطيه ، فأرجل أحد ابنيه ، وأعطاه دابّته ، فضرب في صنعه ، وفيه يقول من قصيدة : [الكامل]
دون الصّميل شريعة مورودة |
|
لا يستطيع لها العدوّ ورودا |
فتّ الورى وجمعت أشتات العلا |
|
وحويت مجدا لا ينال وجودا |
فإذا هلكت فلا تحمّل فارس |
|
سيفا ولا حمل النساء وليدا |
وكان صاحب أمره ولّاه الأندلس قبل الأمويين ؛ لهم الأسماء وله معنى الإمرة ، وكان مظفّر الحروب ، سديد الرأي ، شهير الموقف ، عظيم الصبر. وأوقع باليمانيّة وقائع كثيرة ، منها وقيعة شقندة ، ولم يكن بالأندلس مثلها ، أثخن فيها القتل باليمانية.
أنفته : قال : وكان أبيّا للضّيم ، محاميا عن العشيرة ، كلّم أبا الخطّار الأمير في رجل من قومه انتصر به ، فأفجمه ، وردّ عليه ، فأمر به ، فتعتع ومالت عمامته ، فلمّا خرج قال له بعض من على باب الأمير : يا أبا الجوشن ، ما باب عمامتك مائلة؟ فقال : إن كان لي قوم فسيقيمونها ، وخرج من ليلته ، فأفسد ملكه.
__________________
(١) أبو الأجرب هو جعونة بن الصّمّة الكلابي ، من قدماء شعراء الأندلس ، وترجمته في جذوة المقتبس (ص ١٨٩) وبغية الملتمس (ص ٢٦١) والمغرب (ج ١ ص ١٣١).
(٢) في الأصل : «تعتلج الأباطح ...» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى. ويعلج الرجل : يشتدّ.
وفاؤه : وخبر وفائه مشهور ، فيما كان من جوابه لرسولي عبد الرحمن بن معاوية إليه ، بما قطع به رجاء الهوادة في أمر أميره يوسف بن عبد الرحمن الفهري ، والتّستّر مع ذلك عليهما ، فلينظر في كتاب «المقتبس».
دخوله غرناطة : ولما صار الأمر إلى عبد الرحمن بن معاوية ، صقر بني أمية ، وقهر الأمير يوسف الفهري ووزيره الصّميل ، إذ عزله الناس ، ورجع معه يوسف الفهري والصميل إلى قرطبة ، ولم يلبثا أن نكثا ، ولحقا فحص غرناطة ، ونازلهما الأمير عبد الرحمن بن معاوية في خبر طويل ، واستنزلهما عن عهد ، وعاد الجميع إلى قرطبة ، وكان يوسف والصميل يركبان إلى القصر كل جمعة إلى أن مضيا لسبيلهما. وكان عبد الرحمن بن معاوية يسترجع ويقول : ما رأيت مثله رجلا. لقد صحبني من إلبيرة إلى قرطبة ، فما مسّت ركبتي ركبته ، ولا خرجت دابّته عن دابّتي.
ومن الكتّاب والشعراء
صفوان بن إدريس بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عيسى
ابن إدريس التّجيبي (١)
من أهل مرسية ، يكنى أبا بجر (٢).
حاله : كان (٣) أديبا ، حسيبا جليلا ، أصيلا ، ممتعا من الظّرف ، ريّان من الأدب ، حافظا ، حسن الخطّ ، سريع البديهة ، ترف النّشأة ، على تصاون وعفاف ، جميلا سريّا ، سمحا ذكيا ، مليح العشرة ، طيّب النفس ، ممّن تساوى حظّه في النظم والنثر ، على تباين الناس في ذلك.
مشيخته : روى عن أبيه وخاله ، ابن عمّ أبيه القاضي أبي القاسم بن إدريس ، وأبي بكر بن مغاور ، وأبي الحسن بن القاسم ، وأبي رجال بن غلبون ، وأبي عبد الله بن حميد ، وأبي العباس بن مضاء ، وأبي القاسم بن حبيش ، وأبي محمد الحجري ، وابن حوط الله ، وأبي الوليد بن رشد ، وأجاز له أبو القاسم بن بشكوال.
__________________
(١) ترجمة صفوان بن إدريس في التكملة (ج ٢ ص ٢٢٤) والمغرب (ج ٢ ص ٢٦٠) ورايات المبرزين (ص ٢٠١) وفوات الوفيات (ج ٢ ص ١١٧) والوافي بالوفيات (ج ١٦ ص ٣٢١) ومعجم الأدباء (ج ٣ ص ٤٢١) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ١٥٥ ، ٢٠٦) والذيل والتكملة (السفر الرابع ص ١٤٠) ونفح الطيب (ج ٧ ص ٥٧).
(٢) في النفح : «أبو بحر».
(٣) النص في الذيل والتكملة (السفر الرابع ص ١٤٠) والنفح (ج ٧ ص ٥٧ ـ ٥٨).
من روى عنه : أبو إسحاق اليابري ، وأبو الربيع بن سالم ، وأبو عبد الله بن أبي البقاء ، وأبو عمرو بن سالم ، ومحمد بن محمد بن عيشون.
تواليفه : له تواليف أدبيّة منها ، «زاد المسافر» ، وكتاب «الرحلة» ، وكتاب «العجالة» سفران يتضمنان من نظمه ونثره أدبا لا كفاء له. وانفرد من تأبين الحسين ، رضي الله عنه ، وبكاء أهل البيت ، بما ظهرت عليه بركته في (١) حكايات كثيرة.
شعره : ثبتّ من ذلك في العجالة قوله (٢) : [الكامل]
جاد الزمان بأنّة الجرعاء |
|
توقان من دمعي وغيث سماء (٣) |
فالدّمع يقضي عندها حقّ الهوى |
|
والغيم حقّ البانة الغيناء (٤) |
خلت الصّدور من القلوب كما خلت |
|
تلك المقاصر من مها وظباء |
ولقد أقول لصاحبيّ وإنما |
|
ذخر الصّديق لأمجد (٥) الأشياء |
يا صاحبيّ ، ولا أقلّ إذا أنا |
|
ناديت من أن تصغيا لندائي (٦) |
عوجا بحار (٧) الغيم في سقي الحما |
|
حتى ترى (٨) كيف انسكاب الماء |
ونسنّ في سقي المنازل سنّة |
|
نمضي بها حكما على الظّرفاء |
يا منزلا نشطت إليه عبرتي |
|
حتى تبسّم زهره لبكائي (٩) |
ما كنت قبل مزار ربعك عالما |
|
أنّ المدامع أصدق الأنواء |
يا ليت شعري والزّمان تنقّل |
|
والدّهر ناسخ شدّة برخاء |
هل نلتقي في روضة موشيّة |
|
خفّاقة الأغصان والأفياء؟ |
وننال فيها من تألّفنا ولو |
|
ما فيه سخمة (١٠) أعين الرّقباء؟ |
في حيث أتلعت الغصون سوالفا |
|
قد قلّدت بلآلئ الأنداء |
وجرت (١١) ثغور الياسمين فقبّلت |
|
عنيّ (١٢) عذار الآسة الميساء |
__________________
(١) في النفح : «من».
(٢) القصيدة في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٩٠ ـ ٣٩١).
(٣) رواية البيت في النفح هي :
جاد الرّبا من بانة الجرعاء |
|
نوءان من دمعي وغيم سماء |
(٤) في النفح : «الغنّاء».
(٥) في النفح : «لآكد».
(٦) في الأصل : «لنداء» والتصويب من النفح.
(٧) في النفح : «نجاري».
(٨) في النفح : «يرى».
(٩) في الأصل : «لبكاء» والتصويب من النفح.
(١٠) في النفح : «سخنة».
(١١) في النفح : «وبدت».
(١٢) في الأصل : «عيني» والتصويب من النفح.
والورد في شطّ الخليج كأنّه |
|
رمد ألمّ بمقلة زرقاء |
وكأنّ غصن (١) الزّهر في خضر الرّبى |
|
زهر النجوم تلوح بالخضراء |
وكأنما جاء النّسيم مبشّرا |
|
للرّوض يخبره بطول بقاء |
فكساه خلعة طيبه ورمى له |
|
بدراهم الأزهار رمي سخاء |
وكأنّما احتقر الصّنيع فبادرت |
|
بالعذر (٢) عنه نغمة الورقاء |
والغصن يرقص في حلى أوراقه |
|
كالخود في موشيّة خضراء |
وافترّ ثغر الأقحوان بما رأى |
|
طربا وقهقه منه جري الماء |
أفديه من أنس تصرّم فانقضى |
|
فكأنّه قد كان في الإغفاء |
لم يبق منه غير ذكر أو منى |
|
وكلاهما سبب لطول عناء |
أو رقعة من صاحب هي تحفة |
|
إنّ الرّقاع لتحفة النّبهاء |
كبطاقة الوسميّ (٣) إذ حيّا بها |
|
إنّ الكتاب تحيّة الظّرفاء (٤) |
وهي طويلة (٥). وقال مراجعا عن كتاب أيضا : [الوافر]
ألا سمح الزمان به كتابا |
|
ذرى بوروده أنسي قبابا |
فلا أدري أكانا تحت وعد |
|
دعا بهما لبرئي فاستجابا؟ |
وقد ظفرت يدي بالغنم منه |
|
فليت الدهر سنّى لي إيابا |
فلو لم أستفد شيئا سواه |
|
قنعت بمثله علقا لبابا |
إذا أحرزت هذا في اغترابي |
|
فدعني أقطع العمر اغترابا |
رجمت بأنسه شيطان همّي |
|
فهل وجّهت طرسا أم شهابا؟ |
رشفت به رضاب الودّ عذبا |
|
يذكّرني شمائلك العذابا |
وكدت أجرّ أذيالي نشاطا |
|
ولكن خلت قولهم تصابا |
فضضت ختامه عنّي كأني |
|
فتحت بفضّه للروض بابا |
فكدت أبثّه في جفن عيني |
|
لكي أستودع الزّهر السّحابا |
وكنت أصونه في القلب لكن |
|
خشيت عليه أن يفنى التهابا |
ولو أنّ الليالي سامحتني |
|
لكنت على كتابكم الجوابا |
__________________
(١) في النفح : «غضّ».
(٢) في النفح : «للعذر».
(٣) في النفح : «الوشقيّ».
(٤) في النفح : «الخلطاء».
(٥) أورد منها المقري ستة وأربعين بيتا.
فأبلي عندكم بالشّكر عذرا |
|
وأجزل من ثنائكم الثّوابا |
ولكنّ الليالي قيّدتني |
|
وقيّد عدّتي (١) إلّا الخطابا |
فما تلقاني الأحباب إلّا |
|
سلاما أو مناما أو كتابا |
لأمر ما يقصّ الدهر ريشي |
|
لأنّ السّهم مهما ريش صابا |
وعاذلة تقول ولست أصغي |
|
ولو أصغيت لم أرفع جوابا |
تخوّفني الدّواهي وهي عندي |
|
أقل من أن أضيق بها جنابا |
إذا طرقت أعدّ لها قراها |
|
وقارا واحتسابا واصطبارا |
وما مثلي يخوّف بالدواهي |
|
عرين اللّيث لا يخشى الذّبابا |
تعاتبني فلا يرتدّ طرفي |
|
وهل تسترقص الرّيح الهضابا؟ |
ولو أنّ العتاب يفيد شيئا |
|
ملأت مسامع الدّنيا عتابا |
وقد وصّيتها بالصّمت عنّي |
|
فما صمتت ولا قالت صوابا |
تعنّفني على تركي بلادا |
|
عهدت بها القرارة والشّبابا |
تقول : وهل يضرّ السّيف إلّا |
|
إذا ما فارق السيف القرابا |
فقلت : وهل يضرّ السيف فلّ |
|
إذا قطّ الجماجم والرّقابا؟ |
بخوض الهول تكتسب المعالي |
|
يحلّ السّهل من ركب الصّعابا |
فليث الغاب يفترس الأناسي |
|
وليث البيت يفترس الذّبابا |
ولو كان انقضاض الطّير سهلا |
|
لكانت كلّ طائرة عقابا |
دعيني والنهار أسير فيه |
|
أسير عزائم تفري الصّلابا |
أغازل من غزالته فتاة |
|
تبيّض فودها هرما وشابا |
إذا شاءت مواصلتي تجلّت |
|
وإن ملّت توارت لي احتجابا |
وأسري اللّيل لا ألوي عنانا |
|
ولو نيل الأماني ما (٢) أصابا |
أطارح من كواكبه كماما |
|
وأزجر من دجنّته غرابا |
وأركب أشهبا (٣) غبرا كباعي |
|
وخضرا مثل خاطري انسيابا |
وآخذ من بنات الدّهر حقّي |
|
جهاز البيت استلب استلابا |
ولست أذيل بالمدح القوافي |
|
ولا أرضى بخطّتها اكتسابا |
__________________
(١) في الأصل : «وقيدت عرضي» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.
(٢) في الأصل : «لما» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.
(٣) في الأصل : «شهبا» ، وكذا لا يستقيم الوزن.
أأمدح من به أهجو مديحي |
|
إذا طيّبت بالمسك الكلاما |
سأخزنها عن الأسماع حتى |
|
أردّ الصّمت بينهما حجابا |
فلست بمادح ما عشت إلّا |
|
سيوفا أو جيادا أو صحابا |
أبا موسى ، وإنّي ذو (١) وداد |
|
أناجي لو سمعت إذا أجابا |
ولكن دون ذلك مهمه لو |
|
طوته الريح لم ترج الإيابا |
أخي ، برّ المودّة كلّ برّ |
|
إذا برّ الأشقّا (٢) الانتسابا |
بعثت إليك من نظمي بدرّ |
|
شققت عليه من فكري عبابا |
عداني الدهر أن يلقاك شخصي |
|
فأغنى الشّعر عن شخصي ونابا |
وقال في الغرض الذي نظم فيه الرّصافي (٣) من وصف بلده ، وذكر إخوانه ومعاهده ، مساجلا في العروض والرّوي ، عقب رسالة سماها «رسالة طراد الجياد في الميدان ، وتنازع اللّدان والإخوان ، في تنفيق مرسية على غيرها من البلدان» (٤) : [الطويل]
لعلّ (٥) رسول البرق يغتنم الأجرا |
|
فينثر (٦) عنّي ماء عبرته نثرا! |
معاملة أربو (٧) بها غير مذنب |
|
فأقضيه دمع العين من نقطة بحرا |
ليسقي (٨) من تدمير قطرا محبّبا |
|
يقرّ بعين القطر أن تشرب القطرا |
ويقرضه ذوب اللّجين وإنما |
|
توفّيه عيني من مدامعها تبرا |
وما ذاك تقصيرا بها غير أنه |
|
سجيّة ماء البحر أن يذوي الزّهرا |
خليليّ ، قوما فاحبسا طرق الصّبا |
|
مخافة أن تحمي (٩) بزفرتي الحرّى |
فإنّ الصّبا ريح عليّ كريمة |
|
بآية ما تسري من الجنّة الصّغرى |
__________________
(١) في الأصل : «أخيّ» ، وكذا ينكسر الوزن.
(٢) في الأصل : «الأشقّة» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.
(٣) تقدمت قصيدة الرصافي الرائية في الجزء الثاني من الإحاطة في ترجمة محمد بن غالب الرصافي ومطلعها : [الطويل]
خليليّ ، ما للبيد قد عبقت نشرا |
|
وما لرؤوس الرّكب قد رجحت سكرا |
(٤) القصيدة في نفح الطيب (ج ٧ ص ٥٨ ـ ٦١).
(٥) في الأصل : «هل رسول ...» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(٦) في الأصل : «فينشر» ، والتصويب من النفح.
(٧) في النفح : «أربي».
(٨) في الأصل : «ليسقني» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(٩) في النفح : «يحمي».
خليليّ ، أعني أرض مرسية المنى |
|
ولو لا توخّي الصّدق سمّيتها الكبرى |
محلّي بل جوّي الذي عبقت به |
|
نواسم آدابي معطّرة نشرا |
ووكري الذي منه درجت فليتني |
|
فجعت بريش العزم كي ألزم الوكرا |
وما روضة الخضراء قد مثلت بها |
|
مجرّتها نهرا وأنجمها زهرا |
بأبهج منها والخليج مجرّة |
|
وقد فضحت أزهار ساحتها الزّهرا |
وقد أسكرت أزهار (١) أغصانها الصّبا |
|
وما كنت أعتدّ الصّبا قبلها خمرا |
هنالك بين الغصن والقطر والصّبا |
|
وزهر الرّبى ولّدت آدابي الغرّا |
إذا نظم الغصن الحيا قال خاطري |
|
تعلّم نظام النّثر من ههنا شعرا |
وإن نثرت ريح الصّبا زهر الرّبى |
|
تعلّمت حلّ الشّعر أسبكه نثرا |
فوائد أسحار هناك اقتبستها |
|
ولم أر روضا غيره يقرئ السّحرا |
كأنّ هزيز الريح يمدح روضها |
|
فتملأ فاه من أزاهر ها درّا (٢) |
أيا زنقات (٣) الحسن ، هل فيك نظرة |
|
من الجرف الأعلى إلى السّكّة الغرّا؟ |
فأنظر من هذي لتلك كأنما |
|
أغيّر إذ غازلتها أختها الأخرى |
هي الكاعب الحسناء تمّم حسنها |
|
وقدّت لها أوراقها حللا خضرا |
إذا خطبت أعطت دراهم زهرها |
|
وما عادة الحسناء أن تنقد المهرا |
وقامت بعرس الأنس قينة أيكة (٤) |
|
أغاريدها تسترقص الغصن النّضرا |
فقل في خليج يلبس الحوت درعه |
|
ولكنه لا يستطيع بها قصرا (٥) |
إذا ما بدا فيها الهلال رأيته |
|
كصفحة سيف وسمها قبعة صفرا |
وإن لاح فيها البدر شبّهت متنه |
|
بسطر (٦) لجين ضمّ من ذهب عشرا |
وفي جرفي روض هناك تجافيا |
|
لنهر (٧) يودّ الأفق لو زاره فجرا |
كأنهما خلّا صفاء تعاتبا |
|
وقد بكيا من رقّة ذلك النّهرا |
وكم لي بالباب الجديد (٨) عشيّة |
|
من الأنس ما فيه سوى أنّه مرّا |
__________________
(١) في النفح : «أعطاف».
(٢) رواية عجز البيت في النفح هي :
فملّأ فاها من أزاهره درّا
(٣) في الأصل : «رنقات» بالراء غير المعجمة ، والتصويب من النفح. وزنقات الحسن : من متنزهات مرسية.
(٤) في النفح : «أيكها».
(٥) في المصدر نفسه : «نصرا».
(٦) في المصدر نفسه : «بشطّ».
(٧) في النفح : «بنهر».
(٨) في النفح : «وكم لي بأبيات الحديد ...».
عشايا (١) كأنّ الدّهر غصّ (٢) بحسنها |
|
فأجلت سياط (٣) البرق أفراسها الشّقرا (٤) |
عليهنّ أجري خيل دمعي بوجنتي |
|
إذا ركبت حمرا ميادينها الصفرا |
أعهدي بالغرس المنعّم دوحه |
|
سقتك دموعي إنها مزنة شكرى (٥) |
فكم فيك من يوم أغرّ محجّل |
|
تقضّت أمانيه فخلّدتها ذكرا |
على مذنّب كالنحر (٦) من فرط حسنه |
|
تودّ الثّريّا أن تكون (٧) له نحرا |
سقت أدمعي والقطر أيهما انبرى |
|
نقا الرّملة البيضاء فالنّهر فالجسرا |
وإخوان صدق لو قضيت حقوقهم |
|
لما فارقت عيني وجوههم الزّهرا |
ولو كنت أقضي حقّ نفسي ولم أكن |
|
لما بتّ أستحلي فراقهم المرّا |
وما اخترت هذا البعد إلّا ضروة |
|
وهل تستجير العين أن تفقد الشّفرا (٨)؟ |
قضى الله أن ينأى (٩) بي الدهر عنهم |
|
أراد بذاك الله أن أعتب الدهرا |
ووالله لو نلت المنى ما حمدتها |
|
وما عادة المشغوف أن يحمد الهجرا |
أيأنس باللّذات قلبي ودونهم |
|
مرام يجدّ الرّكب (١٠) في طيّها شهرا؟ |
ويصحب هادي الليل راء وحرفة |
|
وصادا ونونا قد تقوّس (١١) واصفرّا |
فديتهم بانوا وضنّوا بكتبهم |
|
فلا خبرا منهم لقيت ولا خبرا |
ولو لا علا همّاتهم لعتبتهم |
|
ولكن عراب الخيل لا تحمل الزّجرا |
ضربت غبار البيد في مهرق السّرى |
|
بحيث جعلت الليل في ضربه حبرا |
وحقّقت ذاك الضّرب جمعا وعدّة |
|
وطرحا وتجميلا فأخرج لي صفرا |
كأنّ زماني حاسب متعسّف |
|
يطارحني كسرا ، أما يحسن الجبرا؟ |
فكم عارف بي وهو يحسب (١٢) رتبتي |
|
فيمدحني سرّا ويشتمني جهرا |
__________________
(١) في الأصل : «عشيات» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(٢) في النفح : «غضّ».
(٣) في النفح : «بساط».
(٤) في النفح : «شقرا».
(٥) يقال : عين شكرى : أي ملأى من الدمع ، ويقال : درّة شكرى : أي ملأى من اللبن ؛ والمزنة الشّكرى : الكثيرة المطر. محيط المحيط (شكر).
(٦) في النفح : «كالبحر».
(٧) في النفح : «يكون».
(٨) الشّفر : بضم الشين وسكون الفاء : أصل منبت الشعر في طرف العين. لسان العرب (شفر).
(٩) في النفح : «أن تنأى بي الدار ...».
(١٠) في النفح : «الكرب».
(١١) في النفح : «تقدس».
(١٢) في النفح : «يحسن».
لذلك ما أعطيت نفسي حقّها |
|
وقلت لسرب الشّعر : لا ترم (١) الفكرا (٢) |
فما برحت فكري عذارى قصائدي |
|
ومن خلق العذراء أن تألف الخدرا |
ولست وإن طاشت سهامي بآيس |
|
فإنّ مع العذر (٣) الذي يتّقى يسرا |
ومن مقطوعاته (٤) : [السريع]
يا قمرا مطلعه أضلعي |
|
له سواد القلب منها (٥) غسق |
وربّما استوقد نار الهوى |
|
فناب فيها لونها عن شفق |
ملّكتني في (٦) دولة من صبا |
|
وصدتني في (٧) شرك من حدق |
عندي من حبّك (٨) ما لو سرت |
|
في البحر منه شعلة لاحترق |
ومن مقطوعاته أيضا (٩) : [الكامل]
قد كان لي قلب فلمّا فارقوا |
|
سوّى جناحا للغرام وطارا |
وجرت سحاب بالدموع (١٠) فأوقدت |
|
بين الجوانح لوعة وأوارا |
ومن العجائب أنّ فيض مدامعي |
|
ماء ويثمر (١١) في ضلوعي نارا |
وشعره الرّمل والقطر كثرة ، فلنختم له المقطوعات بقوله (١٢) : [المنسرح]
قالوا وقد طال بي مدى خطئي |
|
ولم أزل في تجرّمي ساهي (١٣) |
أعددت شيئا ترجو النجاة به؟ |
|
فقلت : أعددت رحمة الله |
نثره : كتب يهنّئ (١٤) قاضي الجماعة أبا القاسم بن بقيّ من رسالة (١٥) : لأن (١٦) قدره (١٧) دام عمره ، وامتثل نهيه الشرعي وأمره ، أعلى رتبة وأكرم محلّا ، من أن
__________________
(١) في الأصل : «لا تهمّ» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(٢) في النفح : «الذكرا».
(٣) في النفح : «العسر».
(٤) الأبيات في معجم الأدباء (ج ٣ ص ٤٢٢) ونفح الطيب (ج ٧ ص ٦٢).
(٥) في المصدرين : «فيها».
(٦) في معجم الأدباء : «بدولة».
(٧) في معجم الأدباء : «يشرك».
(٨) في الأصل : «حبيبك» ، وكذا لا يستقيم الوزن ، والتصويب من المصدرين.
(٩) الأبيات في معجم الأدباء (ج ٣ ص ٤٢١) ونفح الطيب (ج ٧ ص ٦٢).
(١٠) في المصدرين : «للدموع».
(١١) في المعجم : «ماء يمرّ وفي ...».
(١٢) البيتان في نفح الطيب (ج ٧ ص ٦٢ ـ ٦٣).
(١٣) في الأصل : «ساه» والتصويب من النفح.
(١٤) النص في الذيل والتكملة (السفر الرابع ص ١٤٠ ـ ١٤٢) ونفح الطيب (ج ٧ ص ٦٣ ـ ٦٤).
(١٥) في النفح : «برسالة منها».
(١٦) في الأصل : «لان» والتصويب من النفح والذيل والتكملة.
(١٧) في النفح : «محلّه».
يتحلّى بخطّة هي به تتحلّى. كيف يهنأ بالقعود لسماع دعوة (١) الباطل ، ولمعاناة (٢) الإنصاف الممطول من الماطل ، والتّعب في المعادلة ، بين ذوي المجادلة. أما لو علم المتشوّقون (٣) إلى خطّة الأحكام ، المستشرفون إلى ما لها من التّبسّط والاحتكام ، ما يجب لها من اللّوازم ، والشروط الجوازم ، كبسط الكنف ، ورفع الجنف ، والمساواة بين العدوّ وذي الذّنب ، والصاحب بالجنب ، وتقديم ابن السّبيل ، على ذي الرّحم والقبيل ، وإيثار الغريب ، على القريب ، والتوسّع في الأخلاق ، حتى لمن ليس له من خلاق ، إلى غير ذلك ممّا علم قاضي الجماعة أحصاه ، واستعمل لخلقه (٤) الفاضل أدناه وأقصاه ، لجعلوا خمولهم مأمولهم ، وأضربوا عن ظهورهم (٥) ، فنبذوه وراء ظهورهم (٦) ، اللهمّ إلّا من أوتي بسطة في العلم ، ورسا طودا في ساحة الحلم ، وتساوى ميزانه في الحرب والسّلم ، وكان كقاضي الجماعة (٧) ، في المماثلة بين أجناس الناس ، فقصاراه أن يتقلّد الأحكام للأجر ، لا للتّعسف (٨) والزّجر ، ويتولّاها للثواب ، لا للغلظة في ردّ الجواب ، ويأخذها لحسن الجزاء ، لا لقبح (٩) الاستهزاء ، ويلتزمها لجزيل الذّخر ، لا للإزراء والسّخر. فإذا كان كذلك ، وسلك المتوليّ هذا السّالك (١٠) ، وكان كقاضي (١١) الجماعة ولا مثل له ، ونفع الحقّ به علله ، ونقع غلله ، فيومئذ تهنأ (١٢) به خطّة القضاء ، ويعرف ما لله عليه (١٣) من اليد البيضاء.
ومحاسنه في النثر أيضا جمّة.
ومن أخباره (١٤) أنه رحل إلى مرّاكش متسبّبا (١٥) في جهاز بنت بلغت التّزويج ، وقصد دار الإمارة مادحا ، فما تيسّر له شيء من أمله ، ففكّر في خيبة قصده ، وقال : لو كنت تأمّلت (١٦) جهة الله ، ومدحت المصطفى (١٧) صلى الله عليه وسلم ، وآل بيته الطاهرين ، لبلغت أملي بمحمود عملي. ثم استغفر الله (١٨) في توجّهه الأول ، وعلم أن ليس على غير
__________________
(١) في المصدرين : «دعاوى».
(٢) في المصدرين : «والمعاناة لإنصاف».
(٣) في المصدرين : «المتشوفون».
(٤) في المصدرين : «خلقه».
(٥) الظهور : مصدر ظهر أي بدا.
(٦) الظهور : جمع ظهر.
(٧) في النفح : «وكان كمولانا».
(٨) في المصدرين : «لا للتعنيف».
(٩) في النفح : «لقبيح».
(١٠) في المصدرين : «هذه المسالك».
(١١) في الذيل : «مثل قاضي». وفي النفح : «وكان قاضي».
(١٢) في المصدرين : «تهنّى».
(١٣) في الذيل : «وتعرف بما لله عليه ...». وفي النفح : «وتعرف ما لله تعالى عليه ...».
(١٤) النص في نفح الطيب (ج ٧ ص ٦٤).
(١٥) كلمة «متسببا» ساقطة في النفح.
(١٦) في النفح : «أمّلت الله سبحانه».
(١٧) في النفح : «نبيّه».
(١٨) في النفح : «الله من اعتماده في ...».
الثاني من (١) معوّل ، فلم يكن إلّا أن صوّب نحو هذا القصد سهمه ، وأمضى فيه عزمه ، وإذا به قد وجّه عنه ، وأدخل (٢) على الخليفة ، فسأله عن مقصده ، فأخبره مفصحا به ، فأنفذه وزاده عليه ، وأخبره أنّ ذلك لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في النّوم يأمره (٣) بقضاء حاجته. فانفصل موفّى الأغراض ، واستمرّ في مدح أهل البيت حتى اشتهر في ذلك (٤).
وفاته : سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ، وسنّه دون الأربعين سنة ، وصلّى عليه أبوه ، فإنه كان بمكان من الدّين (٥) والفضل ، رحمة الله عليه ، وتلقيت من جهات أنه دخل غرناطة ، لما امتدح القائد أبا عبد الله بن صناديد بمدينة جيّان ، حسبما يظهر من عجالته ، من غير تحقيق لذلك.
صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم
ابن علي بن شريف النّفزي (٦)
من أهل رندة ، يكنى أبا الطّيّب.
حاله : قال ابن الزّبير : شاعر مجيد في المدح والغزل ، وغير ذلك. وعنده مشاركة في الحساب والفرائض. نظم في ذلك. وله تواليف أدبية ، وقصائد زهدية ، وجزء على حديث جبريل عليه السلام ، وغير ذلك مما روى عنه. وكان في الجملة معدودا في أهل الخير ، وذوي الفضل والدّين. تكرّر لقائي إياه ، وقد أقام بمالقة أشهرا ، أيام إقرائي. وكان لا يفارق مجالس إقرائي ، وأنشدني كثيرا من شعره.
وقال ابن عبد الملك (٧) : كان خاتمة الأدباء بالأندلس ، بارع التّصرّف في منظوم الكلام ومنثوره ، فقيها حافظا ، فرضيّا ، متفنّنا في معارف شتى (٨) ، نبيل المقاصد (٩) ، متواضعا ، مقتصدا في أحواله. وله مقامات بديعة في أغراض شتّى ، وكلامه ، نظما ونثرا ، مدوّن.
__________________
(١) كلمة «من» ساقطة من النفح.
(٢) في النفح : «فأدخل».
(٣) في النفح : «يأمر».
(٤) في النفح : «بذلك».
(٥) في النفح : «من الفضل والدين».
(٦) ترجمة صالح بن يزيد النفزي في الذيل والتكملة (ج ٤ ص ١٣٦) ونفح الطيب (ج ٦ ص ٢٤٣).
(٧) الذيل والتكملة (ج ٤ ص ١٣٧).
(٨) في الذيل والتكملة : «جليلة».
(٩) في المصدر نفسه : «المنازع».
مشيخته : روى (١) عن آباء الحسن : أبيه ، والدبّاج ، وابن الفخّار الشّريشي ، وابن قطرال ، وأبي الحسن بن زرقون ، وأبي القاسم ابن الجدّ (٢).
تواليفه : ألّف جزءا على حديث جبريل ، وتصنيفا في الفرائض وأعمالها ، وآخر في العروض ، وآخر في صنعة الشعر سماه «الوافي (٣) ، في علم القوافي».
وله كتاب كبير سماه «روضة الأنس ، ونزهة النّفس».
دخوله غرناطة : وكان كثير الوفادة على غرناطة ، والتردّد إليها ، يسترفد ملوكها ، وينشد أمراءها ، والقصيدة التي أوّلها : «أواصلتي يوما وهاجرتي ألفا» (٤) ، أخبرني شيخنا أبو عبد الله اللّوشي أنه نظمها باقتراح السلطان ، رحمه الله ، وقد أوعز إليه ألّا يخرج عن بعض بساتين الملك حتى يكملها في معارضة محمد بن هاني الإلبيري.
شعره : وهو كثير ، سهل المأخذ ، عذب اللفظ ، رائق المعنى ، غير مؤثر للجزالة. فمن ذلك قوله ، رحمه الله ، في غرض المدح من السّلطانيات (٥) : [الوافر]
سرى والحبّ أمر لا يرام |
|
وقد أغرى به الشّوق الغرام (٦) |
وأغفى أهلها إلّا وشاة |
|
إذا نام الحوادث لا تنام |
وما أخفاه (٧) بين القوم إلّا |
|
ضنى ولربما (٨) نفع السّقام |
فنال بها على قدر مناه |
|
وبين القبض والبسط القوام |
وأشهى الوصل ما كان اختلاسا |
|
وخير الحبّ ما فيه اختتام |
وما أحلى الوصال لو أنّ شيئا |
|
من الدّنيا للذّته دوام |
بكيت من الفراق بغير أرضي |
|
وقد يبكي الغريب المستهام |
أعاذلتي ، وقد فارقت إلفي |
|
أمثلي في صبابته يلام؟ |
أأفقده فلا أبكي عليه؟ |
|
يكون أرقّ من قلبي الحمام |
أأنساه فأحسبه كصبري |
|
وهل ينسى لمحبوب ذمام؟ |
__________________
(١) الذيل والتكملة (ج ٤ ص ١٣٧).
(٢) في الذيل والتكملة : «ابن الجد التونسي».
(٣) في الذيل والتكملة (ج ٤ ص ١٣٧): «الكافي».
(٤) سيرد من هذه القصيدة بعد قليل ستة أبيات.
(٥) بعض أبيات هذه القصيدة في الذيل والتكملة (ج ٤ ص ١٣٩).
(٦) في الأصل : «والغرام» ، وكذا ينكسر الوزن.
(٧) في الأصل : «أخفا» وكذا ينكسر الوزن.
(٨) في الأصل : «وربما» ، وكذا ينكسر الوزن.
رويدا ، إنّ بعض اللّوم لوم |
|
ومثلي لا ينهنهه الملام |
ويوم نوى وضعت الكفّ فيه |
|
على قلب يطير به الهيام |
ولو لا أن سفحت به جفونا |
|
تفيض دما لأحرقها الضّرام (١) |
وليل بتّه (٢) كالدّهر طولا |
|
تنكّر لي وعرّفه التّمام |
كأنّ سماءه (٣) زهر (٤) تجلّى |
|
بزهر الزّهر والشّرق (٥) الكمام |
كأنّ البدر تحت الغيم وجه |
|
عليه من ملاحته لثام |
كأنّ الكوكب الدّرّي كأس |
|
وقد رقّ الزّجاجة والمدام |
كأنّ سطور أفلاك الدّراري |
|
قسيّ والرّجوم لها سهام |
كأنّ مدار قطب بنات نعش |
|
نديّ والنجوم به ندام |
كأنّ بناته الكبرى جوار |
|
جوار والسّهى فيها غلام |
كأنّ بناته الصّغرى جمان |
|
على لبّاتها منها (٦) نظام |
كواكب بتّ أرعاهنّ حتى |
|
كأنّي عاشق وهي الذّمام |
إلى أن مزّقت كفّ الثّريّا |
|
جيوب الأفق وانجاب الظلام |
فما خلت انصداع الفجر إلّا |
|
قرابا ينتضى منه حسام |
وما شبّهت وجه الشمس إلّا |
|
لوجهك (٧) أيها الملك الهمام |
وإن شبّهته بالبدر يوما |
|
فللبدر الملاحة والتّمام |
تهلّل منه حسن الدهر حتى |
|
كأنّك في محيّاه ابتسام |
وعرف ما تنكّر من معال |
|
كأنّك لاسمها ألف ولام |
وملء العين منك جلال مولى |
|
صنائعه كغرّته وسام |
إذا ما قيل في يده غمام |
|
فقد بخست وقد خدع الغمام |
وحشو الدّرع أروع غالبيّ |
|
يراع بذكره الجيش اللهام |
إذا ما سلّ سيف العزم يوما |
|
على أمر فسلّم يا سلام |
__________________
(١) الأبيات التي تلي هذا البيت وعددها ثلاثة عشر ، في الذيل والتكملة (ج ٤ ص ١٣٩).
(٢) في الذيل والتكملة : «صبابة».
(٣) في الأصل : «سماه» ، وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدر السابق.
(٤) في الذيل والتكملة : «روض».
(٥) في الأصل : «والشوق» والتصويب من الذيل والتكملة.
(٦) في الذيل والتكملة : «منه».
(٧) في الأصل : «بوجهك» والتصويب من الذيل والتكملة.
تناهى مجده كرما وبأسا |
|
فما يدري أمحيا أم حمام |
نمّته للمكارم والمعالي |
|
سراة من بني نصر كرام |
هم الأنصار هم نصروا وآووا |
|
ولو لا المسك ما طاب الختام |
وهم قادوا الجيوش لكلّ فتح |
|
ولو لا الجدّ ما قطع الحسام |
وهم منحوا الجزيرة من حماهم |
|
جوارا لا يذمّ ولا يضام |
فمن حرب تشيب له النّواصي |
|
وسلم تحيّته سلام |
بسعدك ، يا محمد ، عزّ دين |
|
له بعد (١) الإله بك اعتصام |
وباسمك تمّ للإسلام سلم |
|
وغبّ السّلم نصر مستدام |
وكان مرامه صعبا ولكن |
|
بحمد الله قد سهل المرام |
أدام الله أمرك من أمير |
|
ففيه لكل مكرمة دوام |
وأنت العروة الوثقى تماما |
|
وما للعروة الوثقى انفصام |
وروح أنت والجسم المعالي |
|
ومعنى أنت واللّفظ (٢) الأنام |
إذا ما ضاقت الدنيا بحرّ |
|
كفاه لثم كفّك والسلام |
ومن شعره أيضا : [الطويل]
أواصلتي يوما وهاجرتي ألفا |
|
وصالك ما أحلى وهجرك ما أجفا! |
ومن عجب للطّيف أن جاء واهتدى |
|
فعاد عليلا عاد كالطّيف أم أخفى |
فيا سائرا ، لولا التخيّل ما سرى |
|
ويا شاهدا ، لو لا التعلّل ما أغفى |
ألمّ فأحياني وولّى فراعني |
|
ولم أر أجفى منك طبعا ولا أشفى |
بعيني شكواي للغرام وتيهه |
|
إلى أن تثنّى عطفه فانثنى عطفا |
فعانقته شوقا وقبّلته هوى |
|
ولا قبلة تكفي ولا لوعة تطفا |
ومن نزعاته العجيبة قوله ، وقد سبق إلى غرضه غيره : [البسيط]
يا طلعة الشمس إلّا أنه قمر |
|
أمّا هواك فلا يبقي ولا يذر |
كيف التخلّص من عينيك لي ومتى |
|
وفيهما القاتلان الغنج والحور |
وكيف يسلي فؤادى عن صبابته |
|
ولو نهى النّاهيان الشّيب والكبر |
|
||
أنت المنى والمنايا فيك قد جمعت |
|
وعندك الحالتان النّفع والضّرر |
__________________
(١) في الأصل : «بعده» ، وكذا ينكسر الوزن ، ولا معنى له.
(٢) في الأصل : «وللّفظ» ، وكذا لا يستقيم الوزن ، ولا معنى له.
ولي من الشّوق ما لا دواء له |
|
ومنك لي الشّافيان القرب والنّظر |
وفي وصالك ما أبقي به رمقي |
|
لو ساعد المسعدان الذّكر والقدر |
وكان طيف خيال منك يقنعني |
|
لو يذهب المانعان الدّمع والسّهر |
يا نابيا ، لم يكن إلّا ليملكني |
|
من بعده المهلكان الغمّ والغير |
ما غبت إلّا وغاب الجنس أجمعه |
|
واستوحش المؤنسان السّمع والبصر |
بما تكنّ ضلوعي في هواك بمن |
|
يعنو له السّاجدان النّجم والشجر |
أدرك بقيّة نفس لست مدركها |
|
إذا مضى الهاديان العين والأثر |
ودلّ حيرة مهجور بلا سبب |
|
يبكي له القاسيان الدّهر والحجر |
وإن أبيت فلي من ليس يسلمني |
|
إذا نبا المذهبان الورد والصّدر |
مؤيّدا لملك بالآراء يحكمها |
|
في ضمنها المبهجان اليمن والظّفر |
من كالأمير أبي عبد الإله إذا ما |
|
خانت القدمان البيض والسّمر |
الواهب الخيل آلافا وفارسها |
|
إذا استوى المهطعان الصّرّ والصّبر |
والمشبه اللّيث في بأس وفي خطر |
|
ونعمت الحليتان البأس والخفر |
تأمّن الناس في أيامه ومشوا |
|
كما مشى الصّاحبان الشاة والنّمر |
وزال ما كان من خوف ومن حذر |
|
فما يرى الدّايلان الخوف والحذر |
رأيت منه الذي كنت أسمعه |
|
وحبّذا الطّيّبان الخبر والخبر |
ما شئت من شيم عليا ومن شيم |
|
كأنها الرّائقان الظّلّ والزّهر |
وما أردت من إحسان ومن كرم |
|
ينسى به الأجودان البحر والمطر |
وغرّة يتلألأ من سماحتها |
|
كأنها النّهران الشمس والقمر |
إيه ، فلو لا دواع من محبّته |
|
لم يسهل الأصعبان البين والخطر |
نأيت عنه اضطرارا ثم عدت له |
|
كما اقتضى المبرمان الحلّ والسّفر |
فإن قضى الله أن يقضي به أملي |
|
فحسبي المحسبان الظّلّ والثّمر |
ولست أبعد إذ والحال متّسع |
|
أن يبلغ الغائبان السّؤل والوطر |
ومن شعره في أغراض متعددة ، قال في الليل والسّهر : [مجزوء السريع]
أطال ليلي الكمد |
|
فالدهر عندي سرمد |
وما أظنّ أنه |
|
ليلة الهجر غد |
يا نائما عن لوعتي |
|
عوفيت ممّا أجد |
ارقد هنيّا إنّني |
|
لا أستطيع أرقد |
لواعج ما تنطفي |
|
وأدمع تضطرد |
وكبدي كبد الهوى |
|
وأين منّي الكبد؟ |
ولا تسل عن جلدي |
|
والله ما لي جلد |
ومن شعره أيضا في المقطوعات : [السريع]
وليلة قصّر من طولها |
|
بزورة من رشا نافر |
استوفر الدهر بها غالطا |
|
فأدغم الأوّل والآخر |
وقال من قصيدة مغربة في الإحسان (١) : [السريع]
وليلة نبّهت أجفانها |
|
والفجر قد فجّر نهر النهار |
والليل كالمهزوم يوم (٢) الوغا |
|
والشّهب مثل الشّهب (٣) عند الفرار |
كأنما استخفى السّها خيفة |
|
وطولب النّجم بثأر فثار |
لذاك ما شابت نواصي الدّجى |
|
وطارح النّسر أخاه فطار |
وفي الثّريّا قمر سافر |
|
عن غرّة غيّر منها الشّفار (٤) |
كأنّ عنقودا بها ماثل (٥) |
|
إذ صار كالعرجون عند السّرار |
كأنها تسبك ديناره |
|
وكفّها تفتل منه سوار (٦) |
كأنما الظّلماء مظلومة |
|
تحكّم الفجر عليها فجار |
كأنما الصّبح لمشتاقه |
|
إقبال دنيا (٧) بعد ذلّ افتقار |
كأنما الشمس وقد أشرقت |
|
وجه أبي عبد الإله استنار |
وفي وصف البحر والأنهار وما في معنى ذلك : [البسيط]
البحر أعظم مما أنت تحسبه |
|
من لم ير البحر يوما ما رأى عجبا |
طام له حبب طاف على زورق |
|
مثل السماء إذا ما ملئت شهبا |
وقال في وصف نهر : [الطويل]
وأزرق محفوف بزهر كأنّه |
|
نجوم بأكناف المجرّة تزهر |
يسيل على مثل الجمان مسلسلا |
|
كما سلّ عن غمد حسام مجوهر |
__________________
(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٦ ص ٢٤٦).
(٢) في الأصل : «في يوم» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(٣) الشهب : جمع أشهب وهو الجواد الذي يخالط بياضه سواد. لسان العرب (شهب).
(٤) في النفح : «السفار».
(٥) في النفح : «... عنقودا تثنّى به».
(٦) في النفح : «السوار».
(٧) في النفح : «عزّ غنى من بعد ...».