آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مؤسسة عاشوراء للتحقيقات والبحوث الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 964-7263-74-0
الصفحات: ٢٠٦
( لألِيمِ العَذابِ وَشِدَّتِهِ ، أوْ لِطُولِ البَلاءِ وَمُدَّتِهِ )
أليم : فعيل من الألم. وهو إدراك المنافر ، كما أنّ اللذة إدراك الملائم.
معنىٰ الشر والألم
ومن قواعد الحكماء (١) أنَّ الشرّ عدمُ ذاتٍ أو عدمُ كمالٍ لذات ، ونوقضت هذه القاعدة بالألم ، حيث إنّه شرّ مع كونه وجودياً. فقد ذكروا في التفصّي عن نقض القاعدة أقوالاً.
والحقّ ما حقّقه صدر المتألهين السبزواري (٢) ، من أنّ الألم معدود من الخيرات ، لأنّه وجودي ، ولكنّه شرّ بالعرض بواسطتين :
إحداهما : تفرّق الاتصال.
والثانية : عدم الطاقة.
وقاعدة الحكماء غير منقوضة ، وهي أنّ كلّ ما هو شرّ بالذات فهو من أفراد العدم البتة. ثم إنّ الناس اختلفوا في سبب الألم : هل هو تفرّق الاتصال أو سوء المزاج ، أو قد يكون هذا وقد يكون ذلك ؟
فأكثر الأطباء ـ تبعاً لجالينوس ـ علىٰ الأول ، والإمام الرازي مع جماعة علىٰ الثاني ، والشيخ الرئيس علىٰ الثالث (٣).
ثمّ إنّ استعمال « المدّة » لبلاء الآخرة ، كسائر أسماء الزمان الذي استعمل في ثوابها وعقابها ، علىٰ سبيل المجاز ؛ لأنّها من الأسماء المبهمة للزمان ، والزمان ـ كما قرّر في محلّه ـ مقدار الحركة القطعية التي كانت للفلك الأقصىٰ (٤).
ودار الآخرة في باطن العالم الجسماني كذلك ثوابها وعقابها من سنخها ، وهي دار الصور الصرفة الغير الواغلة في المادة ، إذ عالم الصورة غير منحصر في هذا
_____________________________
(١) انظر « القبسات » ص ٤٣٠ ـ ٤٣١. |
(٢) « شرح الأسماء » ص ٦٨٣ ـ ٦٨٩. |
(٣) انظر « شرح الأسماء » ص ٦٨٧. |
(٤) انظر « شرح حكمة الإشراق » ص ٤٢٨. |
العالم ، بل الصورة صورتان :
صورة منطبعة وواغلة في المواد ، وهي داثرة زائلة غير باقية.
وصورة صرفة مجردّة عن الموادّ قائمة بذاتها ، ودائمة باقية لا تتغيّر من حال إلىٰ حال ، وعذابها وثوابها أيضاً صورية صرفة لا تنقطع ، فلا وقت ومدّة هناك.
فالمراد بالمدّة ما نزلت منزلتها ، وهو الدوام والبقاء الدهري ؛ إذ كما مرّ جارٍ مجرى الوعاء للثابتات هو الدهر.
وما ورد في القرآن الكريم ، كقوله تعالىٰ : ( هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ ) (١) وقوله : ( يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (٢) ، وقوله : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ) (٣) ـ وغير ذلك من أسماء الزمان التي ذكرت في القرآن ـ من ذلك القبيل.
( فَلَئنْ صَيَّرتَنِي في العُقوباتِ مَعَ أعدائِكَ ، وَجَمَعْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ أهْلِ بَلائِكَ ، وَفَرَّقْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ أحَبّائِكَ )
بمعصيتي واستحقاقي للعقوبات.
الأحباء : جميع حبيب ، وأحباؤه تعالىٰ هم الذين خلصوا وأخلصوا في المحبة ، وهم الأنبياء والأوصياء ، وسيّما رأسهم ورئيسهم وسيّدهم هو الخاتم الملقب بحبيب الله صلىاللهعليهوآله ، وأوصياؤه الاثنا عشر من بعده ، وكذلك أشياعهم وأتباعهم وأشعتهم وأظلّتهم من العلماء الراشدين الراسخين ، والعرفاء الكاملين الشامخين.
( وَأوْلِيائِكَ )
جمع « الولي » ، بمعنىٰ : الحبيب والمحبّ هنا ، وهو من عطف الخاص علىٰ العام إن اُريد بها الأوصياء فقط ، واُريد بالأحبّاء : جميع الأنبياء والأوصياء والملائكة
_____________________________
(١) « يونس » الآية : ٣٠. |
(٢) « البقرة » الآية : ١١٣ ، ١٧٤ ، ٢١٢. |
(٣) « القمر » الآية : ١.
المقربين ، كما مرّ. وقد لا يفرّق بين الأولياء والأحبّاء ، بناء علىٰ قاعدة أنّ كل نبي ولي ولا عكس ، وحينئذٍ كان من قبيل عطف العام علىٰ العام ، والفرق هو الاختلاف في العبارة وملاحظة التفنّن فيها. وسيأتي لك تعداد بعض معاني « الولي » عند شرح قوله : ( يا ولي المؤمنين ).
( فَهَبْنِي يا إلٰهِي وَسيِّدي وَمَوْلايَ وَرَبِّي صَبَرْتُ عَلَىٰ عَذابِكَ )
الفاء للتفريع ، « وهب » : من أفعال القلب ، يلازم الأمر أبداً ، وهو بمعنىٰ : ظنّ.
( هبني ) أي ظنّني ، ينصب مفعولين ، كقول الشاعر :
فقلت أجرني أبا خالد |
|
وإلّا فهبني امرأً هالكا (١) |
مفعوله الأول ضمير المتكلّم ، والثاني « امرأً » ، فقوله : « هالكاً » ، وكذا : « فانياً » ، صفتان لقوله : « امرأً ».
وهاهنا مفعوله الأوّل ضمير المتكلّم ، وجملة ( صبرت علىٰ عذابك ) مفعوله الثاني.
( فَكَيْفَ أصْبِرُ عَلَىٰ فِراقِكَ )
وحرمان لقائك الذي هو منتهىٰ آمال المحبّين ، ونصب عيون العارفين ، وغاية منىٰ المجاهدين ، ومفرّج قلوب العاشقين ، الذي وعدت به عبادك المتّقين ، وقلت في كتابك المبين ـ وأنت أصدق الصادقين ، وأعزّ القائلين ـ : ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) (٢).
فراق بر دل نادان چوپ کاهي نيست |
|
بيا وبر همدان بين كه كوه الوند است |
كيف : اسم للاستفهام. والاصطبار : توطين النفس علىٰ تحمّل مشاق الاُمور في
_____________________________
(١) القائل هو عبدالله بن همام السلولي. انظر « لسان العرب » ج ١٥ ، ص ٤١٢. وفي المخطوط زيادة : « فانيا » آخر البيت ، وما أثبتناه وفق المصدر.
(٢) « الكهف » الآية : ١١٠.
طلب المطلوب المحبوب.
وفي الحديث : ( الصبر صبران : صبر [ علىٰ ] ما تكره ، وصبر علىٰ ما تحب ) (١).
فالصبر الأول : مقاومة النفس للمكاره الواردة عليها ، وثباتها وعدم انفعالها ، وقد يسمّىٰ : سعة الصدر ، وهو داخل تحت الشجاعة.
والصبر الثاني : مقاومة النفس لقوّتها الشهوية ، وهو فضيلة داخلة تحت العفّة.
ثمّ إنّ السائل أدرج فراق أحبّاء الله تعالىٰ وأوليائه في فراقه تعالىٰ ، وإلّا فالأولىٰ أن يقول : فكيف أصبر علىٰ فراقك وفراق أحبائك وأوليائك ، إشارة إلىٰ أنّ فراقَهم من حيث إنّهم أولياؤه فراقُه تعالىٰ ؛ إذا العلة واجدة لكمال المعلول بنحو الأتمّ. ولهذا ورد : ( مَن أحبهم فقد أحب الله ، ومن أبغضهم فقد أبغض الله ، ومن أطاعهم فقد أطاع الله ) (٢).
وفي مناجاة الشيخ عبدالله الأنصاري ، قال بالفارسية : « إلهي چون آتش فراق داشتي باتش دوزخ چه کار داشتي ؟ » (٣).
أقول : ظنّي أنه ألهمه الله تعالىٰ ـ إذ ناجاه بهذه المناجاة ـ أنّه خلقتُ نار السعير لإحراق جلود الفاسقين والكافرين في الآخرة ، وجعلتُ نار فراقي لأحرق بها قلوب العاشقين والعارفين في الأُولىٰ.
أي فراقت همچو نار مؤصده |
|
زد بهر بندم هزار آتشكده |
سينه خواهم شرحه شرحه از فراق |
|
تا بگويم شرح درد اشتياق |
( وَهَبْني صَبَرتُ عَلَىٰ حَرِّ نَارِكَ )
أي نار جهنم. وجملة ( هَبني ) معطوفة علىٰ ( هبني ) الاُولىٰ.
_____________________________
(١) « بحار الأنوار » ج ٦٨ ، ص ٩٥ ، والزيادة من المصدر.
(٢) « بحار الأنوار » ج ٣٨ ، ص ١٣٩ ، ج ٣٩ ، ص ٢٥٠ ، باختلاف.
(٣) انظر « شرح الأسماء » ص ١٠٧.
( فَكَيْفَ أصْبِرُ عَنِ النَظَرِ إلىٰ كَرامَتِكَ )
كرامته تعالىٰ للعباد : إراءته إيّاهم جماله وجلاله في فراديس الجنان ، واجتماعهم مع أحبّته وأوليائه في محضر القرب ومشهد الاُنس.
( أمْ كَيْفَ أسْكُنُ فِي النارِ وَرَجائِي عَفْوُكَ )
( أم ) : حرف عطف ، والجملة معطوفة علىٰ ما قبلها.
يريد : أنّ رجائي القديم الذي معه وفدتُ علىٰ فناء بابك وفضلك وعفوك ، فكيف يسكن ويقوم في النار مَن تغيّر رجاؤه وانعكست منيته وآماله.
( فَبِعِزَّتِكَ يَا سَيِّدِي وَمَوْلايَ اُقْسِمُ صَادِقَاً )
حرف الباء للقسم ، وجملة : ( اُقسم صادقاً ) تؤكده ، أي قسماً صادقاً خالصاً.
( لَئِنْ تَرَكْتَنِي نَاطِقاً )
أي لا تأخذ عني قوّة التنطّق والتكلّم ، ولا تُذهب بجرأتي هيبتُك وسطوتُك ، وبقي لي مجال البكاء ، والفزع والصياح.
( لأَضِجَّنَّ إلَيكَ بَيْنَ أهْلِها )
أي أهل النار والعذاب.
( ضَجِيجَ الآمِلِينَ )
أي أفزعنّ وأصيحنّ صيحة المشتاقين.
الأمل : المنية والاشتياق ، والآمل وصف منه بمعنىٰ : المشتاق والراجي.
( وَلَأصْرُخَنَّ إِلَيْكَ صُراخَ المُسْتَصْرِخِينَ )
الصراخ : الصباح بالاستغاثة ، والصريخ : المغيث والمستغيث ، من الأضداد. ومنه في الدعاء : ( يا صريخ المستصرخين ) (١) أي مغيثهم.
( وَلَأبِكَينَّ عَلَيْكَ بُكاءَ الفاقِدِينَ )
الفاقد : مَن فقد ابنه أو ابنته بالموت أو الأسر أو الغرق والخسف والهلك ، أو فقد شيئاً آخر مطلوباً له. والمصدر للتنويع ، أي نوع البكاء الفاقدين.
( وَلاُنِادَينَّكَ أيْنَ كُنتَ يَا وَلِيَّ المُؤمِنِينَ )
معني الولي والإيمان ومراتبه
للولي معانٍ كثيرة ، منها : الناصر ، والمعين ، والمدبّر ، والمتولي لاُمور العالم المتصرّف فيه ، وهو من أسمائه تعالىٰ. والمناسب هاهنا هو الأول والثاني.
والإيمان في اللغة : التصديق والاعتقاد ، وفي العرف أيضاً : عبارة عن التصديق بتوحيد الله تعالىٰ ونبوة أنبيائه ، والاعتقاد بما جاء به النبيّون ، مع موالاة أهل البيت عليهمالسلام ومحبّتهم.
اعلم أنّه ـ كما مرّ ـ للإيمان مراتب ، أدناها الإقرار باللسان ، وأعلىٰ منها التصديق بالجنان والعمل بالأركان ، وأعلىٰ منها ـ وهي المرتبة القصوىٰ ـ تنوّر في القلب ، ينكشف به حقيقة الأشياء كما هي عليها ، فيرىٰ الجميع من الله وإلىٰ الله ، واقتدار في الباطن يوصل به إلىٰ مقام « كن » ، فيتخطّون في المقامات ، ويشاهدون في أنفسهم الكرامات ، فيصدّعون علىٰ أبلغ وجه بالنبوّات والولايات ، ولا يحتاجون في إثباتها إلىٰ الدلائل والبيّنات ، وهذه هي حق حقيقة الإيمان.
_____________________________
(١) « المصباح » للكفعمي ، ص ٣٣٦.
فقوله : ( أين كنت ) أي أين نصرك وإعانتك يا معين المؤمنين ؟
( يا غايَةَ آمالِ العَارِفِينَ )
ومنتهىٰ أشواقهم وطلباتهم.
العارف ـ كما قال صدر المتألهين (١) قدسسره ـ : من أشهده الله تعالىٰ ذاته وصفاته أفعاله.
والعالم ـ إذا جُعل مقابلاً له ـ : من أطلعه الله علىٰ ذلك لا عن شهود ، فهو في مقام علم اليقين ، والعارف في مقام عين اليقين أو حق اليقين ، ولهذا يقال : المعرفة إدراك الجزئي أو البسيط ؛ لأنّ متعلق الشهود جزئي حقيقي وبسيط. والعلم حدود ورسوم مركّبة وتصديقات كذلك ، وجميعها عنوانات كلّية. وغاية الشيء : منتهاه.
الآمال : جمع « أمل » ، قد مرّ معناه.
( يا غِياثَ المُسْتَغِيثِينَ ، يا حَبيبَ قُلُوبِ الصادِقِينَ )
إن كان الحبيب بمعنىٰ المُحبّ فالقلوب محبوبون له تعالىٰ ، وإن كان بمعنىٰ المحبوب فهم محبّون له ، كما قال تعالىٰ : ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) (٢).
الغياث : بمعنىٰ المغيث.
( وَيا إلٰهَ العَالَمِينَ )
ومعبودهم الحقيقي.
العالمون : اسم جمع لـ « العالَم » ـ بفتح اللام ـ وليس جمعاً له ، إذ هو اسم لما سوىٰ الباري تعالىٰ. والعالمون يختص استعماله في ذوي العقول وما سوىٰ البارئ تعالىٰ ،
_____________________________
(١) « شرح الأسماء » ص ٥٣١. |
(٢) « المائدة » الآية : ٥٤. |
أعمّ من أن يكونوا عقلاء أو غير عقلاء ، ولو كان جميعاً له ينبغي أن يكون مدلوله زائداً علىٰ مدلول مفرده ، والأمر بالعكس فيهما.
( أَفَتُراكَ سُبحانَكَ يا إلٰهي وَبِحَمْدِكَ تَسْمَعُ فِيها صَوْتَ عَبدٍ مُسْلِمٍ سُجِنَ فِيها بِمُخالَفَتِهِ )
الضميران المؤنّثان راجعان إلىٰ النار.
( سُجن ) : أي حُبس في السجن ، والباء للسببية ، أي بسبب مخالفته أوامرك ونواهيك.
والمسلم من أتىٰ بالشهادتين : شهادة التوحيد ، وشهادة الرسالة.
( وَذاقَ طَعْمَ عَذِابها بِمَعْصِيَتِهِ ، وَحُبِسَ بَيْنَ أطباقِها بِجُرْمِهِ وَجَرِيرَتِهِ )
أطباق النار : دركات الجحيم التي بعضها فوق بعض ، كما أنّ درجات الجنان بعضها فوق بعض.
الجريرة : الخطيئة. والضمائر الثلاثة ترجع إلىٰ العبد.
( وهو يضجُّ )
ويفزع.
( إليَكَ ضَجيجَ مُؤَمِّلٍ )
وراجٍ.
( لِرَحْمَتِكَ )
ورأفتك.
( وَيُنادِيكَ بِلِسانِ أهلِ تَوحِيدِكَ )
أي يناديك ويدعوك كما يدعوك الموحّدون الذين لا يرون في مملكة الوجود غيره تعالىٰ ديّاراً ، بل يرون في كلّ شيء ذاته وصفاته وأفعاله وشؤونه وآثاره ، ولا يدعون لحوائجهم أحداً غير الواحد الأحد الصمد ، المقصود في الحاجات وقاضيها ، ويقولون :
جمالك في كُلّ الحقائق سائر |
|
وليس له إلّا جلالُك ساتر |
تجلّيت للأكوان خلف ستورها |
|
فتمت بما ضمت عليه الستائر (١) |
جمال دوست هر جا جلوه كرده |
|
ز معشوقان عالم بسته پرده |
الا تا نغلطی ناگه نگوئی |
|
که از عاشقي وزا ونگوئی |
که همچون نيگوئی عشق ستوده |
|
از او سر بر زده در تو نموده |
تو آئينه او آئينه آرا |
|
توی پوشيده و او آشکاره |
چو نيکو بنگری آئينه هم اوست |
|
نه شها گنج او گنجينه هم اوست |
من وتو در ميان کاری نداريم |
|
بجز بيهوده پنداری نداريم |
( وَيَتَوسَّلُ إلَيكَ بِرُبوِبيَّتِكَ )
كما في دعاء عرفة : ( بك عرفتك ، وأنت دللتني عليك ، ولو لا أنت لم أدرِ ما أنت ) (٢).
كما قيل :
بوى گل خود بچمن راهنما شد ورنه |
|
|
|
مرغ مسکين چه خبر داشت که گلزار کجاست |
|
ولكنّه ليس المراد هاهنا جعله تعالىٰ وسيلة لمعرفته ، بل المراد جعله وسيلة
_____________________________
(١) انظر « جامع الأسرار » ص ١٥٢ ، « شرح الأسماء » ص ٢١٨ ، « شرح دعاء الصباح » ص ١٨٢.
(٢) « الإقبال » ص ٣٣٥ ، من دعاء أبي حمزة الثمالي.
لاستخلاصه من العذاب.
الوسيلة : هي ما يتقرّب بها إلىٰ الشخص ، حتّىٰ يعرض عليه حاجته.
( يا مَولايَ ، فَكَيفَ يَبقىٰ في العَذابِ وهُوَ يَرْجُو مَا سَلَفَ مِنْ حِلْمِكَ )
ورأفتك ورحمتك.
فالمراد برجاء السائل : ما سلف من حلمه تعالىٰ أنّه في الدنيا كثيراً ما صدر عنه المعصية ، وترقّب لذلك غضب الله وسخطه علىٰ نفسه ، ولكن تجاوز عنه كثيراً ما : لحلمه ورأفته ورحمته بعباده ، وما أخذه بالعقوبة ، كما قال المولوي :
خونيها جرم نفس قاتله |
|
هست بر حلمش ديت بر عاقله |
فاعتاد لذلك بحمله تعالىٰ ، ويرجوه عن الله في الآخرة أيضاً.
( أمْ كَيْفَ تُؤْلِمُهُ النَّارُ )
وتوجعه.
( وَهُوَ يَأمُلُ )
ويرجو.
( فَضْلَكَ وَرَحْمَـتِكَ ، أمْ كَيفَ يُحِرقُهُ لهيبُها وأنت تَسْمَعُ صَوتَهُ )
لهب النار : اتقادها واشتعالها.
( وَتَرىٰ مَكانَهُ )
ومقامه في النار.
المكان : مقولة من
المقولات التسع العرضية ، وعُرّف بـ « البعد المجرّد » في
اصطلاح الإشراقيين (١) ، وبـ « تماس باطن الحاوي بظاهر المحوي » في اصطلاح المشائين (٢).
كأنّه يريد السائل : أنّ إبراهيم عليهالسلام حين اُلقي في نار نمرود لم يستغث ولم يستصرخ ، وما دعا ربّه للنجاة منها ، مع أنّ جبرائيل عليهالسلام نزل إليه من ربّه الجليل وقال : ( هل لك حاجة ؟ ) قال : ( بلىٰ ، أمّا إليك فلا ) (٣). فمع هذا ما آلمته النار وما أحرقته ، بل جُعلت النار عليه برداً وسلاماً ، فكيف بعبدٍ استغاثك واستصرخ إليك وأنت تسمع صوته ، وترىٰ مكانه فيها ، وهي تؤلمه ويحرقه لهبها ، ولا تنجيه عنها ؟ حاشىٰ بكرمك وفضلك.
( أمْ كَيفَ يَشْتَمِلُ عَليهِ زَفِيرُها )
اشتمل عليه : أي أحاط عليه.
الزفير : حسيس النار ، وهو في الأصل : أول صوت الحمار ، كما أنَّ الشهيق آخره.
شبّه حسيسها المفظع بزفير الحمار الذي هو كذلك.
( وَأَنتَ تَعْلَمُ ضَعْفَهُ )
وهنه وتوانيه وعدم طاقته ، وقلّة بضاعته في مبانيه.
( أمْ كُيفَ يَتَغَلْغَلُ بَينَ أطباقِها )
التغلغل : هو التحرّك مع الاضطراب ، إذا قصد الخروج عن تحت شيء لا طاقة له فيه.
_____________________________
(١) انظر « شرح المقاصد » ج ٢ ، ص ١٩٨ ـ ١٩٩. |
(٢) انظر « شرح المقاصد » ج ٢ ، ص ١٩٨ ـ ١٩٩. |
(٣) « مجمع البيان » ج ٧ ، ص ٧٥.
طبقات النار : مواقفها ودركاتها.
( وأنت تعلم صدقه )
أي أنت تعلم أنّه في تغلغله وعدم تحمله إيلام وإحراقها صادقٌ لا خادع وماكر.
( أمْ كَيْفَ تَزْجُرهُ زبانِيَتُها وَهُوَ يُنادِيكَ يا رَبَّه )
( تزجره ) : أي تمنعه عن الخروج منها.
الزبانية : الملائكة الموكّلة عليها ، واحدهم « زُبني » مأخوذ من « الزبن » وهو الدفع ؛ لأنّهم يدفعون أهل النار إليها.
وفي الصحاح : « الزبانية عند العرب : الشرطة ، وسمّي به بعض الملائكة ؛ لدفعهم أهل النار إليها » (١).
( أمْ كَيْفَ يَرْجُو فَضْلَكَ في عِتْقِهِ مِنْها فَتَتْرُكُهُ فِيها )
العتق : التحرير والتخليص عن القيد.
تتركه : أي تَذَرُه فيها.
( هَيْهاتَ ، ما هكذا الظَنُّ بِكَ ، ولا المَعْرُوفُ مِنْ فَضْلِكَ )
بل الذي هو معروف من فضلك بين عبادك بعكس ذلك ، كما مرّ.
( وَلا مُشْبِهٌ لِما عَامَلْتَ بِهِ المُوَحِّدينَ )
_____________________________
(١) « الصحاح » ج ٥ ، ص ٢١٣٠ ، مادة « زبن ».
معطوفة علىٰ ما قبلها ، أي ولا هكذا مشبهٌ لمعاملتك مع الموحّدين.
( مِنْ بِرِّكَ وإحِسْانِكَ )
كلمة : ( من ) بيان لـ ( ما ).
يريد أنّك تتعامل مع موحّديك بالبرّ والإحسان ، لا بالعذاب والإساءة والنيران.
( فَبِاليَقِينِ أقْطَعُ )
الفاء للتفريع ، والظرف متعلّق بـ ( أقطع ).
وجملة ( أقطع ) تأكيد لما قبلها ، أكّده لاقتضاء المقام.
اليقين : هو الاعتقاد الجازم الثابت ، ويرادفه القطع.
ثم لمّا كان المقام أن يتوهمّ متوهّمٌ أنّ السائل في تلك الضراعة والابتهال والمسكنة وتوصيف العذاب والنكال ، كأنه أساء ظنّه بربه وضعف اعتقاده بفضله وكرمه ، فلدفع هذا التوهم أتىٰ بجملة مؤكدة :
( لَوْلا ما حَكَمْتَ بِهِ مِنْ تَعْذِيبِ جاحِدِيكَ )
كلمة ( من ) بيان لـ ( ما ).
الجاحد : المنكر المصرّ في الإنكار ، وحكمه تعالىٰ بتعذيب جاحديه في القرآن المجيد ، حيث قال : ( وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (١).
_____________________________
(١) « السجدة » الآية : ١٢ ـ ١٤.
( وَقَضَيْتَ بِهِ مِنْ إخلادِ مُعانِدِيكَ )
( قضيت ) : حكمت.
المعاند والعنود والعنيد واحد ، وهو : المعارض لك بالخلاف عليك.
والمراد بهم : الذين عارضوا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وجادلوه بالباطل والخلاف ، ولم يؤمنوا بالله ورسوله ، وماتوا علىٰ كفرهم.
الخلود : دوام البقاء ، وقضىٰ أيضاً في كتابه الكريم ، حيث قال تعالىٰ في جواب إبليس متىٰ قال : ( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ) (١).
( لَجَعَلْتَ النارَ كُلَّها بَرْداً وَسَلاماً )
جواب ( لولا ).
البرد : خلاف الحرّ ، كما أن الحرارة خلاف البرودة.
سلام : كناية عن الراحة وعدم الآفة والأذىٰ ، ومنه سمّىٰ الجنة : دار السلام ؛ لعدم وجدان الآفة فيها ، ونضارة عيش أهلها بالتنعم والالتذاذ.
( وَمَا كانَ لأحَدٍ فِيها مَقَرّاً ولا مُقاماً )
المقرّ والمقام : كلاهما اسم مكاني القرار والقيام.
( وَلِٰكنَّكَ )
استدراك عمّا قبلها.
_____________________________
(١) « ص » الآية : ٨٢ ـ ٨٥.
( تَقَدَّسَتْ أسْماؤُكَ )
تنزّهت عن شائبة النقص والعيب.
( أقْسَمْتَ )
في كتابك الحميد ، حيث قلت مخاطباً لنبيّك : ( فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ) (١) أي علىٰ ركبهم وأطراف أصابعهم ، لا يستطيعون القيام علىٰ أرجلهم في حول جهنّم.
( أنْ تَمْلأها مِنَ الكافِرِينَ مِنَ الجِنَّةِ والناسِ أجمَعِينَ )
أقسام الكفر :
الكفر ثلاثة أقسام : كفر الجحود ، وكفر النفاق ، وكفر التهوّد. وفي جميعها بمعنىٰ الستر والإنكار.
ولكن الأول عبارة عن إنكار ضروري من ضروريات الدين ، أو إنكار جميعها ، فمَن أنكر واحدها أو أنكر الجميع فهو كافر شرعاً بالكفر الجحودي ، وليس لدمه وماله وعرضه حرمة ما دام باقياً عليه.
والثاني عبارة عن الإنكار في القلب والإقرار باللسان ، خوفاً وطمعاً ، كالمنافقين الذين أخبر عنهم قوله تعالىٰ : ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّـهِ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ) (٢).
والثالث عبارة عن الإنكار في ظاهر والإقرار في الباطن ، كاليهود الذين علموا وأيقنوا أنَّ موسىٰ عليهالسلام رسول الله ونبيّه ، ولكن أنكروه بأقوالهم ، وطلبوا منه المعجزات ، ومع إتيانه بها لهم أصرّوا أيضاً في الإنكار القولي ، حتىٰ سألوا منه رؤيته
_____________________________
(١) « مريم » الآية : ٦٨. |
(٢) « المنافقون » الآية : ١ ـ ٢. |
تعالىٰ بأبصارهم الحسّية الحيوانية ، كما قال المولوي :
گر بديدي حسّ حيوان شاه را |
|
پس بديدی گاو و خر الله را |
فهذه الأقسام الثلاثة [ ... ] (١) وحكم بها ظاهر الشريعة ، وتسمىٰ بالكفر الجلي.
وأمّا الكفر الخفي فأقسامه كثيرة ، وفيه ورد أحاديث :
منها : قوله صلىاللهعليهوآله : ( إنّ دبيب الشرك في اُمّتي أخفىٰ من دبيب النملة السوداء علىٰ الصخرة الصماء ـ أو الملساء ـ في الليلة الظلماء ) (٢).
ومنها : قوله عليهالسلام : ( من دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس ) (٣).
أي لا يزال دهره منغمساً في الضلال والعمىٰ عن الحقّ ، وعُدّ الاستبداد بالرأي والجهل والفسوق من أقسام الكفر الخفي.
وبالجملة ، كلّ ما ستر الحق ولو لحظة عن فؤاد العباد فهو كفر عند أهل السلوك.
والجِنّة : جمع « جِنّ » ، من : جَنَّهُ إذا سَتَرَهُ ، ومنه الجنين في الرحم ، إذ الجنة والأجنة مستورة عن الحواس. ثم إنَّ من الجن كافر ومنهم مؤمن ، وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالىٰ.
( وأنْ تُخَلِّدَ فِيها المُعانِدِينَ ، وَأنْتَ جَلَّ ثناؤُكَ )
أي عظم من أن يصفه الواصفون ، كما قال الشاعر :
إذا أثنىٰ عليك المرء يوماً |
|
كفاه من تعرّضه الثناء |
معناه : أنّه يكفي من تعرّض للثناء التعرّض فقط ، وإلّا لا يمكن لأحد أن يثني لله تعالىٰ حقّ ثناؤه ، بل ثناؤه أجلّ من إحصاء البشر ، كما قال سيد الكائنات : ( لا اُحصي ثناءً عليك ، أنت كما أثنيت علىٰ نفسك ) (٤).
_____________________________
(١) كلمة غير مقروءة في المخلوط. |
(٢) « بحار الأنوار » ج ٦٩ ، ص ٩٣ ، باختلاف يسير. |
(٣) « بحار الأنوار » ج ٢ ، ص ٢٩٩ ، ح ٢٤. |
(٤) « مصباح الشريعة » ص ٥٦. |
( قُلتَ مُبتَدِئاً )
في ابتداء الإسلام وأول الدين ، متىٰ نزل الفرقان السماوي ، وتفضّلتَ :
( وَتَطَوَّلْتَ في الإنعامِ مُتَكَرِّماً )
التكرّم : ازدياد الكرم علىٰ البرايا ، فهو تعالىٰ متكرّم ، أي مضعّف إكرامه وإنعامه علىٰ عباده ، ومن فضله وإنعامه أنّه أخبر عباده علىٰ لسان نبيّه وأعلمهم في كتابه الكريم ، وقال :
( أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ )
كيف يتساوىٰ الكفر والإيمان ، والفسوق والعدالة ، والنور والظملة ، والجهل والعلم ، والبصارة والعمىٰ ، والهداية والغواية ؟
( إلٰهي وَسَيِّدِي ، وأسأَلُكَ بالقُدْرَةِ التي قَدَّرْتَها )
الواو عاطفة.
معنى القدرة :
والمراد بالقدرة هنا : إمّا قدرته الفعلية ، أي الوجود المنبسط والفيض المقدّس ، التي قدّرها بالقدرة الذاتية ، وبها قدّر جميع المقدورات وأوجد جميع الموجودات ، وأحيا بها الأشياء ، وبها خلق الموت والحياة ، وبها أخرج الأشياء من العدم والليسية الذاتية إلىٰ الوجود والأيسية.
قد مرّ أنّ القدرة في
الواجب الذاتِ واجبةٌ بالذاتِ وفوقَ الجوهرية ، فضلاً عن العرضية ، وعين ذاته بقولٍ مطلق ؛ إذ لا ماهية له وراء الإنيّة البحتة ، حتّىٰ
يمكن أن يقال : قدرته عين شيئيته ، ووجوده لا عين ماهيته ، وفي فعله تعالىٰ عين فعله
، وفي
العقول : جواهر مفارقة عن المادّة رأساً ؛ لأنّها وإن لم تكن عين ماهيتها ، لكنّها عين وجودها ، دائمة بدوام وجودها. وفي الحيوان : كيفية نفسانية.
والمراد بالقدرة : العقل الفعّال الذي هو قدرة الله المتعال ، ومخرج النفوس جميعاً من القوة إلىٰ الفعل ، ومعلّم أنبياء الأولين والآخرين ، وهو المسمّىٰ بـ « روح القدس » و « جبرائيل » و « روح الأمين » ، في لسان الشرع المبين.
والمراد بتقديرها : إيجادها ؛ لأنّه وإن كان موجوداً دائماً بديمومة الله تعالىٰ ، ولكن بذاته ليس محضاً وإمكاناً صِرفاً ، كما قال الحكماء : الممكن من ذاته أن يكون الليس ، وله من علّته أن يكون الأيس.
أو المراد بالقدرة : مطلق الإيجاد ، والخلق والإحياء ، وبتقديرها : جعلها.
أو يكون المراد : إحياء الإنسان بخصوصه ، وكأن المراد بقوله :
( وَبالقَضِيَّةِ التي حَتَمْتَها وحَكَمْتَها )
بيان حكمة الموت :
هي قضية الإماتة والموت التي حَتَمها وحَكَمها علىٰ النفوس ؛ لإيصالها إلىٰ غاياتها الذاتية والعرضية ، ولأنّ الموت إن لم يُخلق لم تصل دورة الحياة والوجود الكوني الطبيعي إلينا ، بل إلىٰ الدورات الاُخريات التي تكون بعدنا ؛ إذ الممكنات غير متناهية ، فلابدّ أن تنقضي وتموت دورة ، حتىٰ تأتي وتحيا دورة اُخرىٰ ؛ لأنّه لو بقيت أشخاص الناس والحيوانات بلا نهاية لكان السابقون قد أفنوا المادّة ، التي منها التكون ، فلم يبق لنا مادّة يمكن أن نوجد ونتكون منها ، ولو بقيت لنا مادّة لم يبق لنا مكان ورزق.
وإن قلنا : نبقىٰ
نحن والذين بعدنا علىٰ العدم دائماً ، ويبقىٰ الأولون علىٰ
الوجود أبداً ، كان منافياً لحكمته تعالىٰ ؛ إذ ليسوا بدوام الوجود أولىٰ
منّا ، بل العدالة الإلٰهية تقتضي أن يكون للكل حظّ ونصيب من الوجود والحياة ، فوجب أن يموت السابق
ليكون لوجود اللاحق إمكان ، فلذلك حَكَم وحَتَم علىٰ عباده بالموت والفناء.
والسبب الطبيعي للموت : انعدام الرطوبة الأصلية ، ووقوف الغاذية عن شغلها ، إذ القوىٰ الطبيعية متناهية التأثير والتأثر ، فلابدّ لها من الوقوف ، وبقاء الحرارة الغريزية الأصلية بلا مقاوم ومعادل ، فيُهدم البدن ، فتقطع النفس علاقتها عنه.
جان عزم رحيل كرد گفتم که مرو |
|
گفتا چکنم خانه فرو مييايد |
أو المراد بالقدرة : هي القدرة التي جعلها الله تعالىٰ في عباده ، كما أنّ أحد أسمائه : ( يا ربَّ القدرة في الأنام ) (١) أي صاحب القدرة فيها.
وبالقضية : هي التكليف الذي حَكَمه وخَتَمه علىٰ العباد.
أو المراد : مطلق الحكم ، تكوينياً كان أو تشريعياً.
وبالقدرة : جمع « القدر » ، وكانت الألف واللام فيهما للاستغراق.
أو المراد بالقدرة : القدر ، وبالقضية : القضاء ، فإنّ الصور القضائية كلّها محكمة محتّمة لغلبة أحكام الوجوب عليها ، ولكلّيتها لكونها العلم الفعلي لله تعالىٰ لا تُرَدّ ولا تبدّل.
( وَغَلَبْتَ مَنْ عَلَيهِ أجْرَيْتَها )
أي أجريت القدرة والقضية عليه.
فمن المعلوم أن مَن اُجري عليه قضاء الله وقدره ـ بأي معنًى كان القضاء والقدر ـ فهو مغلوب مضمحل ، مستهلك تحت حكمه وقدرته تعالىٰ.
وغلبته : قهره ، ومقهورية الأشياء في سطوع نوره وهيمان حضوره.
_____________________________
(١) « المصباح » للكفعمي ، ص ٣٣٧.
( أنْ تَهَبَ لِي في هِذهِ الليلةِ وفِي هذهِ الساعَةِ )
ظاهر الليلة والساعة : لعلّها ليلة الجمعة ، وساعتها التي تلا فيها هذا الدعاء الشريف ، ومن المأثور تأكيد استحباب تلاوته في ليالي الجمعات.
وباطنها وتأويلها : هذا العالم برمّته وجملته ، بل جميع العوالم في السلسلة النزولية ؛ لأنَّ هذا العالم مختتم نوره تعالىٰ ، ولهذا أطلق الله تعالىٰ علىٰ كلّ عالم من العوالم في السلسلة الصعودية اسم « اليوم » عليه ، كما قال تعالىٰ لموسىٰ عليهالسلام : ( وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّـهِ ) (١) ، وقال : ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ) (٢). وقال في مقام آخر : ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) (٣).
والمراد : اليوم الملكوتي ، واليوم الجبروتي ، واليوم اللاهوتي وهو يوم القيامة والطامة الكبرىٰ.
وسرّ تسمية العوالم في السلسلة النزولية بالليالي ، وفي السلسلة الصعودية بالأيام ، هو أنَّ اليوم عبارة عن بروز النور وظهوره وشدّته ، والليل عبارة عن الظلمة والغسق وضعف النور وقلّته.
فإذا صدر الأمر ونزل من المبدأ إلىٰ هذا العالم ، كأنّه بَعُدَ متدرّجاً عن مطلع شمس الحقيقة وأدبر عنه ، فحين الوصول إلىٰ كلّ عالم كان ذلك العالم ليلاً بالنسبة إليه ؛ إذ النور ضعيف بالإضافة إلىٰ عالم الفوق ، إلىٰ أن يصل الأمر إلىٰ عالم المادّة ، يعني عالمنا هذا ، وهذا العالم لمّا كان عالم الظلمة والهيولىٰ ، وكان قسطه من مطلق الكمال والنور قوة الكمال والنور ، كان في غاية الانظلام والانعدام بالقياس إلىٰ العوالم الطولية ، فكان ليلاً مظلماً ، ولهذا قال المولوي رحمهالله :
_____________________________
(١) « إبراهيم » الآية : ٥. |
(٢) « السجدة » الآية : ٥. |
(٣) « المعارج » الآية : ٤.