الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-173-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٨
السند :
قد تقدم الطريق إلىٰ الحسين بن سعيد (١) .
وأمّا ابن سنان فالظاهر أنّه محمد ، بل الوالد ـ قدسسره ـ جزم بأنّه محمد (٢) ، وما يوجد في بعض الطرق : من رواية الحسين بن سعيد ، عن عبد الله بن سنان (٣) ، سهو عند الوالد ـ قدسسره ـ .
وقد اتّفق في مثل هذا السند المبحوث عنه : أنّ المحقق ردّ الرواية بأنّ محمد بن سنان ضعيف (٤) .
واعترضه الشهيد ـ رحمهالله ـ بأنّه يجوز أن يكون هو الثقة يعني عبد الله (٥) ـ .
ونوقش بأنّ الاحتمال لا يصحّح الرواية ، فإنّ الاشتراك كاف في الضعف (٦) . واعتُرض علىٰ المناقشة : بأنّ الشهيد ليس غرضه تصحيح الحديث ، بل مراده أنّ الجزم بكونه محمداً غير معلوم (٧) .
وقد يقال : إنّ منشأ المناقشة ذكر الثقة في كلام الشهيد ـ رحمهالله ـ .
والحق أنّ كلام المحقق لا غبار عليه ، فإن ذكر ضعف محمّد لا يقتضي أنّه هو بالخصوص ، بل إذا تحقق ضعف محمد فالاشتراك كاف في الضعف ، وعلىٰ ما قلناه من ظهور كونه محمداً لا وجه لذكر عبد الله من
__________________
(١) راجع ص ٧٠ .
(٢) منتقىٰ الجمان ١ : ٣٦ .
(٣) التهذيب ٢ : ١٣١ ح ٥٠٤ .
(٤) المعتبر ١ : ١٠١ .
(٥) الذكرىٰ ٢ : ٢٦٤ .
(٦) لم نعثر عليه .
(٧) انظر منتقىٰ الجمان ١ : ٣٦ .
الشهيد ـ رحمهالله ـ فليتأمّل .
وأمّا عنبسة بن مصعب ، فالشيخ في رجال الباقر والصادق عليهماالسلام ذكره مهملاً (١) ، والعلّامة في الخلاصة نقل عن الكشي ، أنّه نقل عن حمدويه أن عنبسة ناووسي واقفي (٢) .
والذي في الكشي ما نقله عنه ( وزاد ما هذه صورته : علي بن الحكم عن منصور بن يونس عن عنبسة بن مصعب ؛ وذكر رواية (٣) .
وفي التهذيب في باب الأذان رواية عن منصور بن يونس ، عن عنبسة العابد (٤) .
ومقتضىٰ كلام الشيخ كما سمعته رواية منصور بن يونس ، عن عنبسة ابن مصعب ، فربما يتحد عنبسة العابد ، وهذا هو ابن بجاد ، وقد وثّقه النجاشي قائلاً : إنّه كان قاضياً (٥) .
إلّا أنّ كتاب الشيخ يشكل الاعتماد عليه في الطرق ، مع احتمال رواية منصور عن الرجلين ، فلا ينبغي الغفلة عن هذا ، وإن لم يؤثّر في الحديث المبحوث عنه بالنسبة إلىٰ الصحة ) (٦) .
المتن :
مضمونه كالأوّل ، وقوله عليهالسلام : « لا بأس به إذا كان الماء جارياً »
__________________
(١) رجال الطوسي : ١٣٠ / ٥٤ و ٢٦١ / ٦٣٣ .
(٢) خلاصة العلّامة : ٢٤٤ / ١٢ .
(٣) رجال الكشي ٢ : ٦٥٩ / ٦٧٦ ، ٦٧٧ .
(٤) لم نعثر عليها في باب الأذان ، ولكنّها موجودة في باب المواقيت ، التهذيب ٢ : ٢٧٥ / ١٠٩٣ .
(٥) رجال النجاشي : ٣٠٢ / ٨٢٢ .
(٦) ما بين القوسين ليس في « فض » و « د » .
محتمل لأمرين :
أحدهما : أنّ البول فيه لا بأس به إذا كان في حال الجريان ، فلو كان نابعاً غير متّصف بالجريان كما في بعض المياه النابعة يتحقق فيه البأس .
وثانيهما : أن يكون أتىٰ عليهالسلام بالجريان لتضمن السؤال ذلك ، وكأن الأوّل له ظهور من الرواية ، إلّا أنّ التعليل الآتي (١) يفيد التعميم ، إن صلحت الرواية لإثبات المرام .
قوله :
عنه ، عن حماد ، عن ربعي ، عن الفضيل ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري ، وكره أن يبول في الماء الراكد » .
السند :
ضمير عنه للحسين بن سعيد ، فالطريق الطريق (٢) ، وحماد هو ابن عيسىٰ .
وربعي ، هو ابن عبد الله بن الجارود الثقة ، لقول النجاشي : إنّه صحب الفضيل بن يسار وأكثر الأخذ عنه وكان خِصّيصاً به (٣) .
وبذلك يندفع سبق الوهم إلىٰ الاشتراك بينه وبين ربعي بن أحمر المذكور مهملاً في رجال الصادق عليهالسلام (٤) ، ويتعيّن الفضيل بن يسار أيضاً .
__________________
(١) في ص ١٢١ .
(٢) راجع ص ٧٠ .
(٣) رجال النجاشي : ١٦٧ / ٤٤١ .
(٤) رجال الطوسي : ١٩٤ / ٤٠ ، وانظر هداية المحدثين : ٦٠ .
وما قد يقال : من أنّه يلزم الدور من توقف تعيّن ربعي علىٰ تعيّن الفضيل ، وتعيّن الفضيل علىٰ تعيّن ربعي ، فدفعه أظهر من أن يخفىٰ علىٰ الممارس .
المتن :
ربما يظنّ منه الصراحة في الكراهة بالنسبة إلىٰ الراكد .
ويدفعه : أنّ استعمال الكراهة في الأخبار غير متعيّن في إرادة المعنىٰ الاُصولي ، بل يستعمل في التحريم أيضاً بكثرة ، فلا يدل من هذه الجهة .
نعم ربما يقال : إنّ الكراهة تستعمل في الأمرين ، فهي مشتركة ، ومعه لا يدل علىٰ التحريم ، وأصالة الجواز لا يخرج عنها مع الإجمال ، ولما دلّت الأخبار على نفي البأس عن الجاري ، وبمعونة مفهوم الشرط ، مع إشعار البعض الخالي ، تدل علىٰ وجود البأس في الراكد ، فالكراهة غير بعيدة الاستفادة
وروىٰ الصدوق في العلل بإسناد صحيح عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « لا تَبُلْ في ماء نقيع ، فإنّه من فعل ذلك فأصابه شيء فلا يلومنّ إلّا نفسه » (١) .
وربما ينصرف النقيع إلىٰ الراكد .
وروىٰ الكليني في الصحيح : عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : « من تخلّىٰ علىٰ قبر ، أو بال قائماً ، أو بال في ماء قائم ـ وعدّ أشياء ، إلىٰ أن قال ـ : فأصابه شيء من الشيطان لم يدعه إلّا أن يشاء الله » الحديث (٢) .
__________________
(١) علل الشرائع : ٢٨٣ / ١ ، الوسائل ١ : ٣٤١ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٤ ح ٦ .
(٢) الكافي ٦ : ٥٣٣ / ٢ بتفاوت ، الوسائل ١ : ٣٢٩ أبواب أحكام الخلوة ب ١٦ ح ١ .
وكأنّ المراد بالقائم الراكد ، واحتمال إرادة غير الجاري علىٰ النحو الذي قدّمناه ممكن .
وربما كان في هاتين الروايتين ما يقتضي قرب التحريم ، إلّا أنّ المشهور الكراهة (١) .
وما قاله شيخنا ـ قدسسره ـ في المدارك عند قول المحقق : وفي الماء جارياً وراكداً ، لورود النهي عنه (٢) ؛ لم أقف علىٰ النهي بنحو ما هو مطلوبه .
قوله :
عنه ، عن حماد ، عن حريز ، عن ابن بكير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « لا بأس بالبول في الماء الجاري » .
السند :
موثق بابن بكير ، لتصريح النجاشي : بأنّه فطحيٌ إلّا أنّه ثقة (٣) ، وهذا من المواضع الذي نبّهنا علىٰ أنّ النجاشي لم يغفل عن ذكره مخالفة المذهب الحق ، أمّا الإجماع علىٰ تصحيح ما يصح عن ابن بكير (٤) فقد سمعت فيه القول .
__________________
(١) كما في المعتبر ١ : ٨٧ ، وشرائع الإسلام ١ : ١٩ ، والمنتهىٰ ١ : ٤٠ .
(٢) مدارك الاحكام ١ : ١٨٠ .
(٣) رجال النجاشي : ٢٢٢ / ٥٨١ إلّا أنّه لم يذكر كونه فطحيّاً ثقة : نعم ، صرّح الشيخ به في الفهرست : ١٠٦ / ٤٥٢ ، وكذا ابن شهر آشوب في معالم العلماء : ٧٧ / ٥١٧ ، وعدّه الكشي ( ٢ : ٦٣٥ / ٦٣٩ ) من فقهاء أصحابنا من الفطحية .
(٤) كما في رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ .
المتن :
قد تقدم القول في مثله بما يغني عن إعادته (١) .
قوله :
فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن علي بن الريان ، عن الحسن ، عن بعض أصحابه ، عن مسمع ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قال أمير المؤمنين عليهالسلام : أنّه [ صلىاللهعليهوآله ] (٢) نهىٰ أن يبول الرجل في الماء الجاري إلّا من ضرورة ، وقال : إنّ للماء أهلاً » .
فالوجه فيه أن نحمله علىٰ ضرب من الكراهة دون الحظر والإيجاب .
السند :
قد تقدم الطريق إلىٰ محمد بن علي بن محبوب (٣) .
وأمّا علي بن الريان : فثقته غنيّة عن البيان .
وأمّا الحسن : فهو مشترك بين جماعة (٤) ، غير أنّ احتمال كونه ابن فضال غير بعيد ، ( لما يظهر من الكشي في بعض الروايات من رواية علي ابن الريان [ عنه ] (٥) وإن كان بواسطة (٦) ؛ لكن مجال القول فيه واسع ) (٧) .
__________________
(١) راجع ص ١٢٠ ـ ١٢٣ .
(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣ / ٥ .
(٣) في ص ٦٤ .
(٤) انظر هداية المحدثين : ٣٧ .
(٥) ما بين المعقوفين اضفناه لاستقامة المعنىٰ .
(٦) رجال الكشي ٢ : ٨٣٦ / ١٠٦٧ .
(٧) ما بين القوسين ساقط من « رض » .
وأمّا مسمع : فهو ابن عبد الملك ، أو ابن مالك ، وحاله لا يزيد علىٰ الجهالة ، واحتمال كونه ممدوحاً (١) ، لا أعلم وجهه .
المتن :
ظاهر كلام الشيخ كما ترىٰ حمله علىٰ ضرب من الكراهة ، ولعلّ مراده عدم الكراهة الشديدة ، وتكون الكراهة الشديدة في غير الجاري ، كما ذكره جماعة من المتأخّرين (٢) ، وإن كان كلام الشيخ في قوله : دون الحظر والإيجاب ؛ قد يقتضي أنّ غير الجاري محظور فيه البول ، كما أشرنا إلىٰ احتماله ، من حيث دفع الضرر المظنون بظاهر الأخبار المعلّلة ، إلّا أنّ في كلام الشيخ احتمالاً إلىٰ الرجحان أقرب ، وهو إرادة الكراهة غير الشديدة ، ويكون قوله : دون الحظر ؛ لا يخلو من تسامح ، أمّا الإيجاب فكأنّ مراده به لازم الحظر ، وهو وجوب الاجتناب من البول في الراكد .
ثم إنّ التعليل قد يفيد العموم لجميع المياه ، ولو جعل التعليل للجاري حسب أشكل : بأن الكراهة الشديدة في غيره لا سبيل إلىٰ إنكارها بمقتضىٰ الأخبار ، فالحق أنّ الخبر لو صح أفاد عموم التعليل ، والحمل علىٰ تفاوت الكراهة وجه للجمع ، وإنّ لم يصح الخبر ـ كما هو الظاهر من جهة الإرسال وغيره ـ فالجاري لا وجه للكراهية فيه ، والتساهل في أدلّة الكراهة محلّ تأمّل .
أمّا احتمال كراهة الغائط أيضاً ، فربما يستفاد من مفهوم الموافقة إذا لم يثبت التعليل المذكور في الرواية ، وفيه نوع تأمّل .
أمّا استثناء المواضع المبنيّة علىٰ الماء كبلاد الشام ، فإن ثبت الخبر
__________________
(١) انظر رجال النجاشي : ٤٢٠ / ١١٢٤ .
(٢) جامع المقاصد ١ : ١٠٢ ، مجمع الفائدة ١ : ٩٥ ، المدارك ١ : ١٨٠ .
الدالّ علىٰ دفع النهي مع الضرورة أمكن صحة الاستثناء إن تحققت الضرورة ، وبدونه فزوال الكراهة لا يخلو من نظر ، وإنّ ذكر الاستثناء جماعة من المتأخّرين (١) ، والله تعالىٰ أعلم بحقائق الاُمور .
قوله :
باب حكم المياه المُضافة
أخبرني الشيخ ـ رحمهالله ـ عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن يحيى (٢) ، عن محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن محمد بن عيسىٰ ، عن ياسين الضرير ، عن حريز ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن الرجل يكون معه اللّبن أيتوضّأ منه للصلاة ؟ قال : « لا ، إنّما هو الماء والصعيد » .
قال أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ـ رحمهالله ـ : هذا الخبر يدلّ علىٰ أنّ ما لا ينطلق (٣) عليه اسم الماء لا يجوز استعماله ، وهو مطابق لظاهر الكتاب ، والمتقرّر من الاُصول .
السند :
فيه رواية محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن محمد بن عيسىٰ ، وقد نقل النجاشي عن محمد بن الحسن بن الوليد : أنّه استثنىٰ من روايات محمد بن
__________________
(١) المدارك ١ : ١٨٠ ، جامع المقاصد ١ : ١٠٣ ، مجمع الفائدة ١ : ٩٥ .
(٢) في نسخة « د » من الاستبصار ١ : ١٤ / ٢٦ زيادة : العطّار .
(٣) في الاستبصار ١ : ١٤ / ٢٦ : يطلق .
أحمد بن يحيىٰ ما يرويه عن محمد بن عيسىٰ بن عبيد بإسناد منقطع مع جماعة آخرين ، ونقل عن أبي العباس بن نوح : أنّه قال : وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كله ، وتبعهُ أبو جعفر بن بابويه ـ رحمهالله ـ علىٰ ذلك ، إلّا في محمد بن عيسىٰ بن عبيد ، فلا أدري ما رابه فيه ؟ لأنه كان علىٰ ظاهر العدالة والثقة (١) . انتهىٰ .
ولا أدري معنىٰ قوله : بإسناد منقطع ، إلّا أنّ ظاهر اللفظ يعطي إرادة الإرسال ، وتحقق هذا المعنىٰ في غاية الإشكال ، لأنّ محمد بن عيسىٰ من رجال الرضا والجواد والهادي والعسكري عليهمالسلام ، علىٰ ما يستفاد من كتاب الشيخ في الرجال (٢) فيما عدا الجواد عليهالسلام ؛ ومن النجاشي في روايته عنه عليهالسلام (٣) ، وذكره الشيخ أيضاً فيمن لم يرو عن أحد من الأئمّة عليهمالسلام (٤) ، وذكر محمد بن أحمد بن يحيىٰ فيمن لم يرو أيضاً (٥) . فرواية محمد بن أحمد بن يحيىٰ عنه بالإرسال في حيّز الإجمال ، ولعلّ ذلك لعدم الإجازة ، إلّا أن الظاهر من الكلام لا يدل عليه ، بل مقتضاه أنّه يروي تارة بإسناد منقطعّ ، وتارة بغيره ، ولم يتضح حينئذ المعنىٰ .
( وقد يحتمل إرادة الإرسال في الخبر المشتمل علىٰ محمد بن عيسىٰ ؛ وفيه ما لا يخفىٰ ) (٦) .
وما قاله أبو العباس ممّا ظاهره أنّه فهم التوقّف في محمد بن عيسىٰ
__________________
(١) رجال النجاشي : ٣٤٨ / ٩٣٩ .
(٢) رجال الطوسي : ٣٩٣ / ٧٦ ، ٤٢٢ / ١٠ ، ٤٣٥ / ٣ .
(٣) رجال النجاشي : ٣٣٣ / ٨٩٦ .
(٤) رجال الطوسي : ٥١١ / ١١١ .
(٥) رجال الطوسي : ٤٩٣ / ١٢ .
(٦) ما بين القوسين ليس في « فض » و « د » .
غير واضح من الكلام المنقول ، واحتمال أن يكون المراد بانقطاع السند من محمد بن عيسىٰ إلىٰ الإمام عليهالسلام غير ظاهر الوجه .
وبالجملة فالأمر في غاية الغموض ، وفي ظاهر الحال يوجب نوع إشكال ، إلّا أنّ هذا الحديث فيه التوقّف من جهة اُخرىٰ ، فلا ثمرة لتحقيق القول في محمد بن عيسىٰ ، ورواية محمد بن أحمد بن يحيىٰ عنه ، فإنّ ياسين الضرير مهمل في الرجال (١) ، وأبو بصير مشترك (٢) علىٰ وجه لا نعلم فيه حقيقة الحال .
فإن قلت : ما وجه عدم العلم بالحقيقة ، والرواية عن الصادق عليهالسلام ، وقد قَدَّمتَ انتفاء احتمال أبي بصير المسمىٰ بيوسف بن الحرث ، لأنّه من أصحاب الباقر عليهالسلام (٣) ، وحينئذ لم يبق إلّا احتمال ليث المرادي الثقة الإمامي ، ويحيىٰ بن القاسم الموثق ، فالخبر موثق .
قلت : وجه عدم العلم أنّ أبا بصير غير من ذكرت أوّلاً مشترك في الظاهر بين ليث وبين من ورد فيه الذمّ البالغ علىٰ وجه يقتضي ردّه ، كما أشرنا إليه سابقا (٤) ، وسيأتي إن شاء الله تعالىٰ (٥) .
المتن :
ظاهر في عدم جواز الوضوء باللّبن ، ومستفاد من الحصر عدم الجواز بالمضاف علىٰ وجه العموم (٦) ، إلّا أنّ في ذكر الصعيد نوع إجمال ؛ لأنّ
__________________
(١) انظر الفهرست : ١٨٣ / ٧٩٥ ، ورجال النجاشي : ٤٥٣ / ١٢٢٧ .
(٢) هداية المحدثين : ٢٧٢ .
(٣) راجع ص ٧٣ ، وفي رجال الطوسي : ١٤١ / ١٧ .
(٤) راجع ص ٧٣ و ٨٤ .
(٥) في ج ٣ : ٦٥ ، ٢٤٣ .
(٦) في « فض » و « د » زيادة : كما هو مقتضىٰ الحصر .
ضمير هو إنّ عاد إلىٰ الوضوء كما يقتضيه عبارة الصدوق في الفقيه ، حيث نقل مضمون الحديث قائلاً : ولا يجوز التوضّؤ باللَّبن ؛ لأنّ الوضوء إنّما هو بالماء و (١) الصعيد (٢) . فغير خفيّ أنّ ظاهر الحديث يأباه ، ولو عاد إلىٰ المطهِّر المدلول عليه بالمقام أمكن ، إلّا أنّ إرادة العموم في المطهِّر لا يخلو من إشكال ، ولعلّ التسديد إلىٰ هذا الوجه أقرب من تعبير الصدوق ، وإن أمكن توجيه كلامه أيضاً ، والمراد واضح ، إنّما الكلام في العبارة .
أمّا ما قاله الشيخ ـ رحمهالله ـ من المطابقة لظاهر القرآن ؛ فلعلّ مراده به قوله تعالىٰ ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ) (٣) حيث أوجب التيمم عند عدم الماء ، فلو كان المضاف يصلح للوضوء لما أوجب التيمم عند فقد الماء المطلق .
واحتمال أن يريد كون الأمر بالغَسل في آية الوضوء ينصرف إلىٰ المطلق ؛ ففيه ما لا يخفىٰ .
أمّا ما ذكره من أنّه المتقرّر في الاُصول فلا يخلو من غموض ، ولعلّ المراد أنّ الدخول في الصلاة من جملة الأحكام ، والأصل يقتضىٰ عدم جواز الدخول فيها إلّا بما أعدّه الشارع ، ولم يثبت جواز الدخول بالوضوء بالمضاف ، وإلىٰ هذا أشار في المختلف بنوع من الإجمال حال الاستدلال علىٰ أنّ المضاف لا يرفع الحدث (٤) .
وقد يناقش في هذا : بأنّ الأصل يرتفع بإطلاق الغَسل في الوضوء الشامل للمضاف ، ولو رجعنا إلىٰ آية ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ) لم يبق لذكر
__________________
(١) في المصدر : أو .
(٢) الفقيه ١ : ١١ .
(٣) النساء : ٤٣ ، المائدة : ٦ .
(٤) المختلف ١ : ٥٧ .
المتقرّر في الاُصول فائدة .
وربما يحتمل أن يراد بالاُصول أنّ الماء ينصرف إلىٰ المطلق حقيقة ، وإلىٰ غيره علىٰ سبيل المجاز ، والأصل في الاستعمال الحقيقة ، فيكون قوله : والمتقرّر في الاُصول ، من تتمّة الاستدلال بظاهر الكتاب .
وفيه : أنّه خلاف مدلول العبارة ، بل الظاهر منها أنّهما دليلان .
ويحتمل أن يكون المراد بالاُصول ما ذكروه في « إنّما » من كونها تفيد الحصر ؛ لأنّ لفظة « إن » تفيد الثبوت و « ما » تفيد النفي ، فمع التركيب لا يخرج كل منهما عن مقتضاه ، وإلّا لزم خروج اللفظ عن إفادته لمعناه باعتبار التركيب ، وهو خلاف الأصل ، فإذا ثبت بقاء المعنىٰ فإمّا أن يقتضي إثبات الحكم ونفيه عن المذكور ، أو إثبات الحكم لغير المذكور ونفيه عن المذكور ، أو بالعكس ، والكلّ باطل ، إلّا الأخير ، ولا معنىٰ للحصر إلّا ذلك .
وفي هذا الاستدلال بحث ليس هذا محله ، إلّا أنّ مطلوب الشيخ لا يبعد عن إرادته ، ويكفي في صحته النقل عن أهل اللغة في أنّ هذه اللفظة للحصر .
فإن قلت : يجوز أن يكون غرض الشيخ بظاهر الكتاب ما ذكروه في الاستدلال علىٰ عدم جواز الوضوء بالمضاف بظاهر قوله تعالىٰ : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ ) (١) وقد ذكره الشيخ أيضاً في التهذيب (٢) .
قلت : لا يخلو ما ذكرت من وجه ، ولي في الآية كلام لا يقتضي المقام ذكره .
قوله ـ قدسسره ـ :
فأمّا ما رواه محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد ، عن سهل بن
__________________
(١) الأنفال : ١١ .
(٢) التهذيب ١ : ٢١٨ .
زياد ، عن محمد بن عيسىٰ ، عن يونس ، عن أبي الحسن عليهالسلام قال : قلت له : الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضّأ به للصلاة قال : « لا بأس بذلك » .
فهذا خبر شاذّ شديد الشذوذ ، وإن تكرّر في الكتب ، فإنّما أصله يونس عن أبي الحسن عليهالسلام ، ولم يروه غيره .
وقد أجمعت العصابة علىٰ ترك العمل بظاهره ، وما يكون هذا حكمه لا يعمل به .
ولو ثبت لاحتمل أن يكون المراد بالوضوء في الخبر التحسين ، وقد بينّا في كتابنا « تهذيب الأحكام » ، الكلام علىٰ ذلك (١) ، ولأنّ ذلك يسمّىٰ وضوءاً في اللغة .
وليس لأحد أن يقول : إنّ في الخبر أنّه سأله عن ماء الورد يتوضّأ به للصلاة أو يغتسل به ؛ لأنّ ذلك لا ينافي ما قلناه ؛ لأنه يجوز أن يستعمل للتحسين ، ومع ذلك يقصد به الدخول في الصلاة ، من حيث إنّه متىٰ استعمل الرائحة الطيّبة للدخول في الصلاة كان أفضل من أن يقصد التطيّب والتلذّذ حسب ، دون وجه الله تعالىٰ ، ويكون قوله : يغتسل به ، يكون المعنىٰ فيه رفع الحظر عن استعماله في الغسل ونفي السرف عنه ، وإن كان لا يجوز به استباحة الصلاة ، ويحتمل أن يكون المراد بقوله : ماء الورد ، الذي وقع فيه الورد ؛ لأنّ ذلك يسمىٰ ماء وردٍ ، وإن لم يكن معتصراً منه ؛ لأنّ كل شيء جاور غيره فإنّه يكسبه اسم الإضافة ، وإن كان المراد به المجاورة كما يقولون : ماء
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢١٩ .
الحب ، وماء البئر ، وماء المصنع (١) ، وماء القرب ، وكل ذلك إضافة مجاورة وفي ذلك إسقاط التعلق بالخبر .
السند :
علي بن محمد الواقع فيه ، علان أبو الحسن الثقة ، كما ذكره النجاشي (٢) .
وسهل بن زياد : ضعيف ، كما قاله النجاشي (٣) ، وللشيخ فيه اضطراب (٤) .
وما قاله شيخنا ـ قدسسره ـ : من أنّه عامي (٥) ، لا أدري مأخذه ، بل المنقول في الرجال : أنّ أحمد بن محمد بن عيسىٰ شهد عليه بالغلوّ (٦) .
وعلىٰ كل حال لا اعتماد علىٰ روايته .
فإن قلت : قد تقدّم في توجيه اعتبار محمد بن إسماعيل أنّ رواية الأجلّاءِ عن الضعفاء نادرة (٧) ، والحال أنّ رواية الكليني عن سهل بن زياد في غاية الكثرة ، فلِمَ لا يرجَّح بها قولُ الشيخ : بأنّه ثقة ؟ . وقوله : إنّه ضعيف ، وإن ترجّح به قول النجاشي بضعفه ، إلّا أنّ قول النجاشي السابق نقله (٨) ، الدال علىٰ ندور الرواية من الأجلّاء عن الضعفاء يؤيّد توثيق الشيخ .
__________________
(١) المِصَنع : ما يصنع لجمع الماء كالبركة ونحوها ، والجمع مصانع ـ مجمع البحرين ٤ : ٣٦١ ( صنع ) .
(٢) رجال النجاشي : ٢٦٠ / ٦٨٢ .
(٣) رجال النجاشي : ١٨٥ / ٤٩٠ .
(٤) ضعّفه في الفهرست : ٨٠ ، ووثّقه في الرجال : ٤١٦ / ٤ .
(٥) مدارك الأحكام ١ : ١١١ .
(٦) كما في رجال النجاشي : ١٨٥ / ٤٩٠ .
(٧) راجع ص ٤٨ .
(٨) في ص ٤٨ .
قلت : علىٰ تقدير ما ذكرت لا وجه للترجيح علىٰ وجه يقتضي العمل برواية سهل بل غاية الأمر التعارض .
وما عساه يقال : إنّ كلام النجاشي السابق لا يتناول رواية الكليني عن سهل ؛ لأنّها بواسطة .
يمكن الجواب عنه : بأنّ الواسطة فيها ثقة ، فما قيل في الكليني يقال فيه ، مضافاً إلىٰ أنّ الواسطة غالبا العِدّة ، ومن المستبعد رواية العِدّة عن الضعيف .
والحق أنّ المقام واسع البحث ، كما يعرف ممّا قدّمناه (١) في رواية الأجلّاء عن الضعفاء بكثرة ، ولو نظرنا إلىٰ أنّ الاعتبار عند المتقدّمين بالقرائن ، انتفت الفائدة المطلوبة في سهل بن زياد وغيره .
ورواية محمد بن عيسىٰ عن يونس قد تقدم القول فيها (٢) .
المتن :
حكىٰ العلّامة في المختلف عن ابن بابويه القول : بأنّه يجوز الوضوء والغسل من الجنابة بماء الورد ، وأنّه احتجّ بهذه الرواية ، وبأنّها طهارة من نجاسة حكمية فجاز استعمال ما يشابه الماء فيها لضعفها .
وأجاب العلّامة عن الرواية بالطعن في السند بسهل بن زياد ، وبأنّ فيه محمد بن عيسىٰ عن يونس ، وقد ذكر ابن بابويه عن ابن الوليد : أنّه لا يعتمد علىٰ حديث يرويه محمد بن عيسىٰ عن يونس ، فكيف يصح منه الاستدلال بهذا الحديث (٣) ؟
__________________
(١) راجع ص ٤٧ ـ ٥١ .
(٢) ص ٧٧ ـ ٨٤ .
(٣) المختلف ١ : ٦١ .
وأرىٰ هذا الكلام من العلّامة في نهاية الغرابة ؛ لأنّ المتقدّمين لم يكن التفاتهم في الأحاديث إلىٰ الأسانيد ، وذكرها في كتبهم ليس من جهة التصحيح ، كما يعلمه الآحاد ، فضلاً عن مثل العلّامة .
ثم إنّ ما نقله عنه من الاحتجاج بالاعتبار لا يخلو من غرابة أيضاً بالنسبة إلىٰ الصدوق ، وهو أعلم بالحال .
والذي في الفقيه : ولا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة بماء الورد . ثم فيه مضمون الحديث السابق الدال علىٰ الحصر في الماء و (١) الصعيد (٢) ، ولا يخلو الجمع بين الأمرين من إشكال ، وقد ذكرت ما يصلح توجيها في حاشية الكتاب .
أمّا ما قاله الشيخ ـ رحمهالله ـ من أنّ هذا الخبر شاذّ (٣) ، فالمراد من الشاذّ عند أهل الدراية ما رواه الراوي الثقة مخالفاً لما رواه الأكثر ، وهو مقابل المشهور ، وقد تقرر في الدراية أيضاً أنّ المخالف للشاذّ إنّ كان أحفظ وأضبط وأعدل من راوي الشاذ فشاذّ مردود ، وإن انعكس فكان الراوي للشاذّ أحفظ وأضبط له وأعدل من غيره من رواة مقابله فلا يردّ ؛ لأنّ في كل منهما صفة راجحة وصفة مرجوحة فيتعارضان ، ومن العلماء من ردّه مطلقاً ، نظراً إلىٰ شذوذه وقوّة الظنّ بصحة جانب المشهور ، ومنهم من قَبِله مطلقاً نظراً إلىٰ كون راويه ثقة في الجملة ، ولو كان راوي الشاذّ المخالف لغيره غير ثقة فحديثه منكر مردود (٤) .
__________________
(١) في المصدر : أو .
(٢) الفقيه ١ : ٦ ، ١١ .
(٣) التهذيب ١ : ٢١٩ .
(٤) انظر الدراية : ٣٧ ، ٣٨ .
وأنت إذا تأمّلت هذا الكلام لا يخفىٰ عليك الحال بعد نقل الصدوق الرواية ، وإنّ كان الطريق فيه ما هو معلوم ، فالأولىٰ الاعتماد علىٰ توجيه الشيخ ( في التوجيه ) (١) .
أمّا ما قاله : من أنّ أصله يونس ولم يروه غيره ، وقد أجمعت العصابة علىٰ ترك العمل بظاهره ، فلقائل أن يقول : إنّه يشكل بأن الصدوق صريح كلامه في الفقيه أنّه لا يعمل بما ينفرد به الراوي . فمن مواضع التصريح ما قاله في باب الجمعة في حديث القنوت وتعدّده في الجمعة : إنّ حريزاً انفرد به عن زرارة (٢) ، فكيف يعمل بحديث يونس مع انفراده به ؟ والإجماع علىٰ خلافه من العصابة كيف يحكىٰ مع خلاف الصدوق ؟ .
ولعل الشيخ اطّلع علىٰ أنّ الصدوق غير قائل بظاهر الخبر ، والإجماع انعقد بعده ، إذ لا يشترط فيه جميع الأعصار ، وبالجملة فالمقام يحتاج إلىٰ مزيد تأمّل ، وتوجيه الشيخ قد أوضحه بما لا مزيد عليه .
وما قد يتوجه علىٰ الشيخ : من استبعاد السؤال من مثل يونس عن مثل ما ذكره يمكن أن يوجّه وإن بَعُد ، والحمل علىٰ التقية لم يذكره الشيخ ، وأظنّه داخلاً في حيّز الإمكان إن لم يختص بالرجحان .
قوله :
باب الوضوء بنبيذ التمر
قد بيّنا في كتاب تهذيب الأحكام (٣) أنّ النبيذ المسكر حكمه
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في « د » .
(٢) الفقيه ١ : ٢٦٦ .
(٣) التهذيب ١ : ٢٧٨ .
حكم الخمر في نجاسته ، وحظر استعماله في كل شيء ، ومشاركته لها في جميع أحكامها (١) ، فلذلك لم تُكرَّر هنا الأخبار في هذا المعنىٰ .
فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن العباس ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن بعض الصادقين قال : « إذا كان الرجل لا يقدر علىٰ الماء ( وهو يقدر علىٰ اللبن فلا يتوضّأ (٢) ، إنّما هو الماء أو التيمم ، فإن لم يقدر علىٰ الماء ) (٣) وكان نبيذاً فإنّي سمعت حريزاً يذكر في حديث أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قد توضّأ بنبيذ ولم يقدر علىٰ الماء » .
فأوّل ما فيه : أنّ عبد الله بن المغيرة قال : عن بعض الصادقين ، ويجوز أن يكون من أسنده إليه غير إمام ، وإن اعتقد فيه أنّه صادق علىٰ الظاهر ، فلا يجب العمل به .
والثاني : أنّه أجمعت العصابة علىٰ أنّه لا يجوز الوضوء بالنبيذ ، فسقط أيضا الإحتجاج به من هذا الوجه ، ولو سلم من ذلك كله لجاز أن نحمله علىٰ الماء الذي قد طرح فيه تمر قليل ، ليطيب طعمه وتنكسر ملوحته ومرارته ، وإن لم يبلغ حدّاً يسلبه اسم الماء بالإطلاق ؛ لأنّ النبيذ في اللغة : هو ما ينبذ فيه الشيء ، والماء إذا طرح فيه قليل تمر يسمّىٰ نبيذا .
السند :
قد تقدم الطريق إلىٰ محمد بن علي بن محبوب (٤) ، وذكرنا أنّ
__________________
(١) في النسخ : أحوالها . وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٥ .
(٢) في الاستبصار ١ : ١٥ / ١ زيادة : به ، وفي التهذيب ١ : ٢١٩ / ٦٢٨ : باللّبن .
(٣) ما بين القوسين ساقط من « رض » .
(٤) راجع ص ٦٤ .
العباس هو ابن معروف علىٰ ما جزم به الوالد ـ قدسسره ـ ، أو ابن عامر (١) .
وعبد الله بن المغيرة علىٰ الظاهر هو أبو محمد البجلي الثقة ، وما في الكشي : من أنّه رَوىٰ أنّه كان واقفيّاً ثم رجع (٢) . لم يثبت ؛ وقد نقل الإجماع علىٰ تصحيح ما يصح عنه (٣) .
وإنما قلنا : علىٰ الظاهر ؛ لأنّ هذا الاسم مشترك بينه وبين آخرين غير موثّقين في أصحاب الكاظم والرضا عليهماالسلام من رجال الشيخ (٤) ، إلّا أنّ الإطلاق في مثله ينصرف إلىٰ من ذكرناه ، وإن كان في البين نوع ارتياب .
ثم إنّ ما ذكره الشيخ : من أنّ بعض الصادقين يجوز أن يكون غير الإمام يقتضي إرسال الحديث ، ولا نفع (٥) لوصفه بالصدق من دون ذكر الاسم ليعلم حال الرجل من وجود الجارح وعدمه ، علىٰ أنّ الصدق لا يوجب التوثيق المعتبر .
وما قاله شيخنا ـ قدسسره ـ من أنّ قول هذا البعض : سمعت حريزاً ؛ كالصريح في أنّه غير الإمام (٦) ، فيه : ما تسمعه من القول علىٰ حسب ما خطر في البال .
المتن :
يختلج في الخاطر أنّه محمول علىٰ التقيّة ، والقائل : « فإنّي سمعت
__________________
(١) راجع : ص ٦٥ .
(٢) رجال الكشي ٢ : ٨٥٧ / ١١١٠ .
(٣) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠ / ١٠٥٠ .
(٤) رجال الطوسي : ٣٥٥ / ٢١ ، ٣٧٩ / ٤ .
(٥) في النسخ : يقع ، والظاهر ما أثبتناه .
(٦) حكاه عنه في هامش الاستبصار ١ : ١٥ ، ولم نعثر عليه في المدارك .
حريزاً » هو الإمام معبّراً عنه ببعض الصادقين ، والوجه في قوله : « سمعت حريزاً » انتفاء التقيّة بالصدق ، لجواز كون حريز حكىٰ عند الإمام عليهالسلام ما يرويه المخالفون عن النبي ، ومن ثَمّ نكّر حديثاً في قوله : « يذكر في حديث » ولا ينافي هذا عدم جواز الوضوء باللبن ، إذ لم يعلم جوازه عندهم ، بل المنقول القول في النبيذ .
وقد يحتمل أن يكون القائل : سمعت حريزاً ، عبد الله بن المغيرة ، فكأنّه حكىٰ عن الإمام أوّلاً ما ذكره ، ثم حكىٰ ما هو عند المخالفين ، وذكر بعض الصادقين للتمويه علىٰ المخالف ، وقد ذكرت هذا مفصّلاً في حاشية التهذيب ، ولعلّ الإجمال هنا كاف في المرام ، ومنه يعلم ما في قول شيخنا ـ قدسسره ـ : من النظر ، فينبغي الملاحظة .
قوله :
والذي يدلّ علىٰ هذا التأويل ما أخبَرَنا به الشيخ ـ رحمهالله ـ عن أبي القاسم جعفر بن محمد (١) ، عن محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّىٰ بن محمد ؛ وعدّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، جميعاً عن محمد بن علي الهمداني ، عن علي بن عبد الله الحناط (٢) ، عن سماعة بن مهران ، عن الكلبي النسّابة أنّه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن النبيذ فقال : « حلال » فقال : إنا ننبذه فنطرح فيه العَكَر وما سوىٰ ذلك ، قال : « شُه شُه تلك (٣) الخمرة المنتنة » قال : قلت : جعلت فداك فأيّ
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ١٦ / ٢٩ زيادة : بن قولويه .
(٢) في الاستبصار ١ : ١٦ / ٢٩ : الخيّاط .
(٣) ليست في الاستبصار ١ : ١٦ / ٢٩ .