الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-173-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٨
وفيه : أنّ إخبار العدل مجال القول فيه واسع ، بالنظر إلىٰ إمكان أن يقال : إنّ الآية لا تخلو من إجمال ، كما يعرف مما قرّرناه في مواضع ، منها حاشية التهذيب ، وحينئذ فالمرجع إلىٰ الإجماع ، ومعه يشكل الحال بعد التصريح من البعض باعتبار ملاحظة الجرح (١) ، فليتأمّل .
وأمّا من جهة الكشّي فالأمر كما ذكرت ، إلّا أنّ التكليف بالاطلاع علىٰ غيره مع تعذّره منتف ، ولا مانع من الاكتفاء به ، علىٰ أنّه يمكن استفادة الجرح من غيره ، ككتاب الشيخ ، وفهرسته ، وغيرهما ، فليتدبّر .
فإن قلت : أصالة عدم الجرح ما المُخرج منها ليحتاج إلىٰ البحث عن الجارح ؟ .
قلت : كأنّ الوجه في البحث كثرة الجرح ، كما في العام ؛ فإنّ أصالة عدم التخصيص موجودة إلّا أنّه لمّا غلب التخصيص اعتبر الفحص عنه .
واحتمال الفرق بأنّه لما اشتهر أنّه ما من عامّ إلّا وقد خصّ احتيج إلىٰ البحث عن المخصص ، بخلاف الجرح .
قلت : الاعتبار في العام ليس من جهة ما اشتهر ؛ بل لأنّ كثرة التخصيص اقتضت انتفاء الأصل ، علىٰ معنىٰ أنّ ظنّ بقاء العام يضعّف بالكثرة ، وهذا يأتي مثله في الجرح .
فإن قلت : الأمر في العام ممكن حيث اشتهر أنّه ما [ من ] عامّ إلّا وقد خصّ ، لا من ثبوت هذا ؛ بل لأنّه يضعّف ظنّ العموم به إذا اُضيف إلىٰ كثرة التخصيص ، بخلاف الجرح ؛ فإنّ موجب (٢) ظنّ العدالة لا يضعّف بكثرة الجرح ؛ إذ لا مؤيّد له .
__________________
(١) كما في معالم الاُصول : ٢٠٩ .
(٢) ليس في « د » .
قلت : التأييد مع عدم ثبوت ما ذكر محل كلام ، ولو نوقش فيه أمكن أن يقال : إنّ مفهوم آية : ( إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ ) يقتضي تحقّق عدم الفسق ، والإخبار بالعدالة من دون البحث عن الجرح لا يفيد عدم الفسق ، بل ظن العدالة ، وانتفاء الفسق بالأصل ، فلا يتحقق عدم الفسق (١) ، وحينئذ لا يتم العمل إلّا بالبحث .
فإن قلت : هذا يقتضي حصول يقين عدم الفسق ، وتحققه واضح الإشكال ، بل المعتبر الظنّ بانتفائه .
قلت : إذا تحقق الإجماع علىٰ الظنّ كفىٰ في المطلوب .
فإن قلت : ما ذكرته في الآية يقتضي العلم بالعدالة ، والحال أنّ اعتباره لا دليل عليه .
قلت : اقتضاء ما ذكرته لا وجه له ، بل غاية المراد حصول ظن العدالة ، بحيث يحصل ظنّ عدم الفسق .
فإن قلت : إذا كان مفهوم الآية عدم الفسق فلا بُدّ من العلم به ؛ لأنّ ظاهر : ( إِن جَاءَكُمْ ) من له صفة الفسق ، فلا بُدّ من حصول انتفاء صفة الفسق ، كما هو مفاد المفهوم ، وانتفاء صفة الفسق لا يتحقق إلّا بالعلم .
قلت : انتفاء صفة الفسق يتحقق بالظن ؛ لتعذر العلم ، فلا يكلّف به .
فإن قلت : مع إخبار الثقة بالعدالة تحقق عدم الفسق ظناً ؛ نظراً إلىٰ الأصل ، فأيّ حاجة إلىٰ اعتبار البحث عن الجرح ؟
قلت : وجه الاحتياج أنّ ظاهر الآية اعتبار انتفاء وصف الفسق علماً ، ولمّا تعذّر اعتبر ما يقرب منه ، وهو ظنّ الراجح الحاصل بالبحث عن الجرح .
__________________
(١) في « فض » زيادة : بل .
وما عساه يقال : إنّ مفاد الآية : إن جاءكم من تعلمون فسقه ، فالمفهوم منها عدم العلم بالفسق ، وهو يتحقق مع الإخبار بالعدالة من دون البحث .
فالجواب عنه : ما ذكره الوالد (١) ـ قدسسره ـ : من أنّ الظاهر من الآية اعتبار العلم بانتفاء وصف الفسق ، كما حقّقه في الأصول ، موجِّها له بأنّ العلم أمر خارج عن مدلول اللفظ ، كما في قولنا : أعط الفقير مثلاً ، فإنّ المستفاد منه إعطاء من له صفة الفقر ، أمّا العلم بها أو الظنّ فمن خارج ، والآية كذلك ، فتقدير من علم فسقه ـ ليكون المفهوم من لم يعلم ـ فرع دخول العلم في اللفظ .
ولو نوقش في هذا (٢) يمكن أن يقال : إنّ مرجع الاستدلال علىٰ الاكتفاء بخبر العدل هو اتّفاق المتأخّرين ، ومع عدم البحث عن الجرح لا اتّفاق ، فليتأمّل .
وإذا عرفت حقيقة الحال فاعلم أنّ من قبيل ما نحن فيه ما لو قال الثقة (٣) : روىٰ الشيخ ـ مثلاً ـ في الصحيح ، فإنّ اكتفينا في التوثيق بمجرد ( ذكر الثقة ) (٤) من دون التصريح باسم الرجل يلزم الحكم بالصحة حينئذٍ من دون الرجوع إلىٰ الاُصول ، وإن اعتبرنا التصريح لنبحث عن الجرح لزم عدم الاكتفاء بمجرد ما ذكر .
فإن قلت : الفرق ربما يوجّه بأنّ الصحة لا تستلزم التوثيق ، لجواز
__________________
(١) معالم الاصول : ٢٠١ .
(٢) في « فض » زيادة : وان امكن دفعه .
(٣) في « فض » : الفقيه .
(٤) في « فض » : ذكره .
الاعتماد علىٰ قرائن توجبها ، ومن ثم حكموا بصحة أحاديث غير الموثقين ، نظراً إلىٰ الإجماع علىٰ تصحيح ما يصحّ عنهم .
قلت : الصحة بتقدير الإطلاق يراد بها ما رواه الثقة ، وأمّا الصحة التي ذكرتها فهي عند المتقدمين ، والكلام في اصطلاح المتأخّرين ، وسنذكر إن شاء الله في الكتاب ما لا بُدّ منه في ذلك (١) .
وما عساه يقال : إنا قد وجدنا العلّامة وصف أخباراً بالصحة في المختلف والمنتهىٰ ، مع أنّ في الطرق رجالاً لم يذكر توثيقهم في الخلاصة ، فكيف يُحكم بالتوثيق إذا وصف الرواية بالصحة ؟ .
قلت : لعل المكتفي بوصفه يجوّز أن يكون استفاد توثيق الرجل بعد الخلاصة ، وإن كان الحق أنّ في المقام تأمّلاً ، كما سنوضح الوجه فيه (٢) .
أمّا ما ذهب إليه البعض ـ من أنّ العدل إذا قال : أخبرني عدل ، لم يكن كافياً في التزكية ؛ لأنّه قد يتجوّز بهذا ـ ففيه نظر واضح .
كما أنّ ما قاله البعض ، من أنّ قول العدل : حدثني بعض أصحابنا ، يفيد تعديل المروي عنه (٣) .
واضح الإشكال ، إلّا بتقدير ما قدّمناه ، من اعتناء الأصحاب بالرواية عن غير الضعيف (٤) ، فليتأمّل (٥) .
المتن :
كأنّ الشيخ فهم منه المنافاة ، من حيث تقرير السائل علىٰ قوله : فإن
__________________
(١) انظر ج ٢ : ١٧٢ ـ ١٧٣ .
(٢) انظر ج ٢ : ٢٥٨ ـ ٢٦١ .
(٣) معارج الاُصول : ١٥١ .
(٤) راجع ص ٤٩ ـ ٥١ .
(٥) من قوله : فإن قلت ، في ص ٢٢٠ إلىٰ هنا ساقط من « رض » .
اغتسل رجع غَسله ـ بالفتح ـ أي ماء الغسل ؛ فلولا أنّ رجوع الماء مضرّ لما كان لخوفه فائدة .
وأمره عليهالسلام بنضح ما ذكره ، قد اختلفت فيه الآراء . .
فقيل : إنّ متعلق النضح الأرض ، والحكمة اجتماع أجزائها ، فيمنع سرعة انحدار ما ينفصل عن البدن إلىٰ الماء (١) .
وقيل : إنّ متعلقه بدن المغتسِل ، والمقصود بلّه ، لتعجيل (٢) الاغتسال قبل انحدار المنفصل عنه ، وعوده إلىٰ الماء إلىٰ الوهدة (٣) .
ويحكىٰ عن ابن إدريس إنكار الأوّل ، محتجّاً بأنّ اشتداد الأرض بالرشّ يوجب إسراع نزول الماء إلىٰ الوهدة (٤) ؛ والحقّ أنّ الأرضين مختلفة في ذلك .
أمّا الوجه الثاني : فهو يشعر بأنّ ما يتقاطر من البدن عن بعض الأعضاء يتحقق به الغسالة ؛ وإشكاله واضح ، والأخبار المعتبرة تدفع ذلك ، وقد أوضحنا الحال في حاشية الفقيه .
والذي يقال هنا : إنّ ظاهر النص إقرار السائل ، وأنّ خوفه يندفع بما ذكر ، وكأنّ الوجه الأول له قرب إلىٰ ذلك ، غير أنّ الأخبار الدالة علىٰ عدم صيرورة الماء مستعملاً بالتقاطر من الأعضاء توجب حمل الخبر علىٰ الاستحباب .
فمن الأخبار : صحيح الفضيل ، قال : سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن الجنب
__________________
(١) انظر البيان : ١٠٤ .
(٢) في « فض » : ليعجل ، وفي « د » : ليتعجل .
(٣) حكاه عن الصهرشتي في المعتبر ١ : ٨٨ وانظر الذكرىٰ ١ : ١٠٣ .
(٤) السرائر ١ : ٩٤ .
يغتسل فينضح من الأرض في الإناء ، فقال : « لا بأس ، هذا ممّا قال الله : ( مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (١) » (٢) وغير ذلك من الروايات (٣) ، وحينئذٍ يحمل الخوف في الرواية علىٰ إرادة المرجوحيّة .
أمّا ما قاله الشيخ ـ رحمهالله ـ : من أنّ المراد بالغسل غير غسل الجنابة .
قد يتوجّه عليه : أنّ مقتضىٰ الخبر الأوّل أنّ الماء الذي يغتسل به من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ به ، وأمّا عدم جواز الاغتسال به فلا يدل عليه إلّا من حيث قوله : « لا بأس أن يتوضّأ بالماء المستعمل » فإنّه يدل علىٰ عدم جواز غير الوضوء بمفهوم لا يصلح حجّة ، وحينئذ لا وجه لحمل الشيخ هذا الخبر علىٰ غير غسل الجنابة من الأغسال المسنونات .
علىٰ أنّ غير الجنابة أعم من المسنون .
وكأنّ الشيخ فهم من قوله : « وأشباهه » أشباه غسل الجنابة وهي الواجبة ، لكن قد علمت أنّ الحديث إنّما يتضمن المنع من الوضوء حسب ، والمفهوم لا يصلح لإثبات حكم .
ولعل الشيخ يحتجّ بهذا المفهوم ؛ لرجوعه إلىٰ مفهوم الوصف ، لكن لا أفهم وجهه .
ويحتمل أن يكون الشيخ ـ رحمهالله ـ فهم من هذا الحديث جواز استعمال الماء المستعمل ، من حيث إنّ النضح لا يمنع وصول الماء إلىٰ الوهدة ، فإذا اكتفىٰ بالنضح دل علىٰ الجواز ، والخبر الأول دل علىٰ المنع في غسل الجنابة ، فيختص هذا بغير غسل الجنابة ، ويضم إلىٰ ذلك عدم القائل
__________________
(١) الحج : ٧٨ .
(٢) التهذيب ١ : ٨٦ / ٢٢٥ ، الوسائل ١ : ٢١١ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ١ .
(٣) الوسائل ١ : ٢١١ أبواب الماء المضاف ب ٩ .
بالفصل بين الوضوء والغسل .
وممّا يؤيده قوله : ويجوز أن يكون هذا لمن ليس علىٰ بدنه شيء من النجاسة ؛ لأنّه لو كان هناك نجاسة لنجس الماء ، ولم يجز استعماله علىٰ حال .
فإنّ هذا الكلام يقتضي أنّه غير قائل بالمنع في المستعمل في الجنابة ، بل علىٰ سبيل الاستحباب ، ومن ثَمّ حمل هذا الحديث علىٰ الخالي من النجاسة ، حيث إنّ النضح لا يخلو من إصابة الماء ، وقوله : ولو كان هناك نجاسة لنجس الماء ، صريح الدلالة علىٰ أنّ النضح لا يمنع وصول الماء ، فليتأمّل .
ومن هنا يعلم أنّ الحديث الأول لو حمل الجنب فيه علىٰ من بدنه لا يخلو من نجاسة ليساوي ماء المغسول به الثوب ، أمكن ، إلّا أنّ تخصيص الوضوء غير ظاهر الوجه ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .
قوله :
والذي يدل علىٰ أنّه مخصوص بحال الاضطرار ، ما رواه أحمد ابن محمّد ، عن موسىٰ بن القاسم البجلي وأبي قتادة ، عن علي بن جعفر ، عن أبي الحسن الأول عليهالسلام قال : سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع أيغتسل (١) من الجنابة ، أو يتوضّأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره ، والماء لا يبلغ صاعاً للجنابة ، ولا مُدّاً للوضوء ، وهو متفرّق ، فكيف يصنع ، وهو يتخوّف أن تكون السباع قد شربت
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٢٨ / ٧٣ زيادة : به .
منه ؟ فقال : « إذا كانت يده نظيفة فليأخذ كفّاً من الماء بيد واحدة ، ولينضحه خلفه ، وكفّاً أمامه ، وكفّاً عن يمينه ، وكفّاً عن شماله ، فإن خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرّات ثمّ مسح جلده بيده ، فإنّ ذلك يكفيه (١) ، وإن كان الوضوء غسل وجهه ويمسح (٢) يده علىٰ ذراعيه ورأسه ورجليه ، وإن كان الماء متفرقاً وقدر أن يجمعه ، وإلّا اغتسل من هذا وهذا (٣) ، فإن كان في مكان واحد وهو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه ، فإنّ ذلك يجزيه » .
السند :
صحيح كما تقدم في ذكر الطريق إلىٰ أحمد بن محمّد (٤) ، وهو ابن عيسىٰ ؛ لأنّه الراوي عن موسىٰ بن القاسم في النجاشي (٥) ، ومن هنا يتّضح أنّ ما سبق من احتمال ابن خالد بعيد .
وأمّا موسىٰ بن القاسم ومن معه فلا ريب في جلالة شأنهم .
المتن :
ظاهره بمعونة آخره أنّ النضح خوفاً من عود الماء المستعمل ؛ لأنّ قوله في آخره : « فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه » يدل علىٰ حصول مرجوحيّة مع رجوع الماء .
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٣ : يجزيه .
(٢) في الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٣ : ومسح .
(٣) في الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٣ : ومن هذا ، وفي « د » : أو هذا .
(٤) راجع ص ١٨٤ .
(٥) رجال النجاشي : ٤٠٥ / ١٠٧٣ .
وما قاله الشيخ ـ من أنّه مخصوص بحال الضرورة ـ له وجه ، إلّا أنّ عبارته لا تخلو من شيء ؛ فإنّه لم يتقدم هذا الوجه من الحمل (١) ، وكأن مراده ذكر وجه الحمل علىٰ الضرورة في ضمن ما يدل عليه .
أمّا ما قاله شيخنا ـ قدسسره ـ في بعض فوائده علىٰ الكتاب : من أنّ الذي يظهر أنّ النضح للأرض لإلقاء الخبث المتوهم الحاصل في وجه الماء ، كما يدل عليه قوله عليهالسلام في رواية الكاهلي : « إذا أتيت ماءً وفيه قلّة فانضح عن يمينك وعن يسارك وبين يديك وتوضّأ » (٢) وفي رواية أبي بصير : « إن عرض في قلبك منه شيء فقل هكذا ـ يعني أفرج الماء بيدك ـ ثم توضّأ » (٣) .
ففيه تأمّل يظهر ممّا قلناه في الرواية .
وما ذكره من الروايتين لا دلالة في الاُولىٰ علىٰ ما قاله .
أمّا الثانية : ففيها دلالة علىٰ تفريج الماء ، وهو أمر آخر ، علىٰ أنّه لو سلّم يقال في الخبر المبحوث عنه بجواز النضح للأمرين .
ثم الخبر فيه دلالة علىٰ الاكتفاء بالمسح في الغسل للضرورة ، اللهم إلّا أن يكون المسح إضافياً بالنظر إلىٰ الرأس ( لكن لا يخفىٰ أنّه يدلّ علىٰ تصادق الغَسل والمسح ) (٤) .
__________________
(١) لا يخفىٰ أنّه قد تقدم هذا الوجه من الحمل في الاستبصار ١ : ٢٨ / ٧٢ ، والظاهر سقوطه من نسخة صاحب الاستقصاء ، راجع ص ٢١٩ .
(٢) الكافي ٣ : ٣ / ١ ، الوسائل ١ : ٢١٨ أبواب الماء المضاف ب ١٠ ح ٣ .
(٣) التهذيب ١ : ٤١٧ / ١٣١٦ ، الوسائل ١ : ١٦٣ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١٤ .
(٤) بدل ما بين القوسين في « رض » : لكن لا يخفىٰ أنّه يدل علىٰ تصادف الغسل والمسح ، ومن أوضح الأدلة قوله : ويمسح يده علىٰ ذراعيه ، وفي « فض » : المراد أنّ مسح الجلد كناية عن قدر مائه ، بالنسبة إلىٰ أنّ الرأس زيادة مائه مطلوبة ، فالكلام في الغسل ربما الترادف ، فيجوز كونه في الغسل ويجوز فيه الوضوء منه .
قوله :
باب الماء يقع فيه شيء ينجّسه ويستعمل في العجين وغيره
أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيىٰ ، عن أبيه ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن موسىٰ بن عمر ، عن أحمد ابن الحسن الميثمي ، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله بن الزبير (١) قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن البئر ، تقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب ، فتموت ، فيعجن من مائها أيؤكل ذلك الخبز ؟ قال : « إذا أصابته النار فلا بأس بأكله » .
وعنه ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن أبي عمير ، عمّن رواه ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في عجين عُجن وخُبز ثم عُلم بأنّ الماء كان (٢) فيه ميتة ، قال : « لا بأس ، أكلت النار ما فيه » .
السند :
أمّا الأوّل : فرجاله إلىٰ محمّد بن علي بن محبوب قد تقدم فيهم القول (٣) .
وأمّا موسىٰ بن عمر : فالظاهر انّه ابن يزيد ؛ لأنّ الراوي عنه سعد بن عبد الله ، وسعد في مرتبة محمّد بن علي بن محبوب ، بخلاف موسىٰ بن
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٤ زيادة : « عن جدّه » .
(٢) ليس في الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٥ .
(٣) راجع ص ٦٤ ، ٩٣ .
عمر بن بزيع ؛ فإنّ الراوي عنه حماد فمرتبته أبعد ، وابن يزيد ليس بثقة .
وأما أحمد بن الحسن الميثمي : فهو ثقة علىٰ ما في النجاشي ، ونقل عن الكشيّ ما هذه صورته : قال أبو عمرو الكشّي : كان واقفاً ، وذكر هذا عن حمدويه ، عن الحسن بن موسىٰ الخشاب ، قال : أحمد بن الحسن واقف ، وقد روىٰ عن الرضا عليهالسلام ، وهو علىٰ كل حال ثقة صحيح الحديث يعتمد عليه (١) . انتهىٰ .
ولا يخفىٰ أنّ قول النجاشي : وهو علىٰ كل حال ، ربما اشعر بارتضائه بنقل الكشي .
وفيه : أنّ الحسن بن موسىٰ غير ثقة ، بل قيل فيه : إنّه من وجوه أصحابنا (٢) ، ولعل قول النجاشي اعتماداً علىٰ الحسن بن موسىٰ لكون لفظ « من وجوه أصحابنا » يفيد التوثيق ، أو أنّ قوله : وعلىٰ كل حال ، لا يقتضي الاعتراف بما نقل ، بل علىٰ سبيل التسليم .
وأمّا أحمد بن محمّد بن عبد الله بن الزبير : فهو مجهول الحال .
وأمّا الثاني : فضمير عنه فيه كأنّه راجع إلىٰ محمّد بن علي بن محبوب ، بقرينة ما يأتي من الحديث بعده ، وهذا غير طريقة الشيخ ـ رحمهالله ـ إلّا أنّ له نظائر .
ومراسيل ابن أبي عمير قد تقدم الكلام فيها (٣) .
المتن :
في الخبر الأول : لا يخفىٰ أنّه لا يدل علىٰ طهارة العجين النجس
__________________
(١) رجال النجاشي : ٧٤ / ١٧٩ ، وهو في رجال الكشّي ٢ : ٧٦٨ / ٨٩٠ .
(٢) رجال النجاشي : ٤٢ / ٨٥ .
(٣) في ص ١٠٢ ـ ١٠٣ .
بالنار إذا صار خبزاً ، إلّا بعد ثبوت نجاسة البئر بالملاقاة ، أو حصول التغيّر في أحد الأوصاف ، وبدون ذلك لا يدل .
فإن قيل : لا بُدّ من حمل الخبر علىٰ أنّ البئر ينجس ماؤها وإلّا لكان قول الإمام عليهالسلام : « إذا أصابته النار فلا بأس » لا فائدة فيه .
قلت : لعل الإمام عليهالسلام أراد أنّ النفرة تزول بالنار ، لأنّ النار مطهِّرة له ، وهذا المعنىٰ يستعمل في البئر ، كما ينبّه عليه مراجعة الأخبار ، فالاستدلال به علىٰ هذا الحكم ـ أعني طهارة العجين إذا صار خبزاً بالنار ـ لا يخلو من تأمّل ، وظاهر المصنف في هذا الكتاب القول بذلك ، كما يفهم من أول الكتاب في المشي علىٰ القاعدة ، وإن كان الشيخ مضطرباً في هذه الحال ، وفي التهذيب لم يقل ذلك ، نعم في باب المياه من النهاية قال بالطهارة إذا صار خبزاً (١) ، وفي باب الأطعمة منها قال بعدم جواز أكل ذلك الخبز (٢) ؛ فهو مضطرب الأقوال .
والخبر الثاني له ظهور في الدلالة علىٰ الطهارة ، فالعامل بمراسيل ابن أبي عمير كأنّه لما نظر إلىٰ المعارض الآتي ـ الذي فيه رواية ابن أبي عمير بإرسالٍ ربما يرجع إلىٰ المسند ـ رجّحه علىٰ هذا الخبر ، وإلّا فهو دليل لا ينكر ظهوره ، ومن ثم نقل الوالد ـ قدسسره ـ : أنّ جمهور الأصحاب نفوا حصول الطهارة (٣) ، مع أنّ الجمهور قائلون بقبول المراسيل من ابن أبي عمير (٤) .
والاستدلال بأصالة النجاسة بعد الرواية لا وجه له ، إلّا من حيث إنّ الخبرين المعتبرين لمّا تعارضا وكان مع أحدهما الأصل يرجّح عليه ،
__________________
(١) النهاية : ٨ .
(٢) النهاية : ٥٩٠ .
(٣) معالم الفقه : ٤٠٥ .
(٤) انظر العدة ١ : ١٥٤ والذكرىٰ ١ : ٤٩ .
والعجب من الشيخ أنّه لم يجعل هذا مرجّحاً ، ولعله يدل علىٰ أنّ الأصل المذكور في المؤيدات غير الاستصحاب ، فتأمّل .
قوله :
فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ـ وما أحسبه إلّا حفص بن البختري ـ قال ، قيل لأبي عبد الله عليهالسلام في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به ؟ قال : « يباع ممن يستحلّ أكل الميتة » .
عنه ، عن محمّد بن الحسين ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه (١) ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « يدفن ولا يباع » .
فالوجه في هذين الخبرين أن نحملهما علىٰ ضرب من الاستحباب ، ويحتمل أن يكون المراد بالخبرين الماء الذي تغيّر أحد أوصافه ، والخبران الأوّلان متناولان لماء البئر الذي ليس ذلك حكمه ، ويمكن تطهيره بالنزح ؛ لأنّ ذلك أخفّ نجاسة من الماء المتغيّر بالنجاسة .
السند :
أمّا الأول فلا يبعد من الصحة عند بعض متأخّري الأصحاب النافين لقبول مراسيل ابن أبي عمير ، بعد صحة الطريق إلىٰ محمّد بن علي بن محبوب بواسطة أحمد بن محمّد بن يحيىٰ ، وقد تقدم (٢) .
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٦ : أصحابنا .
(٢) في ص ٦٤ .
( والوجه في القرب ) (١) أنّ الظاهر من قول ابن أبي عمير : ولا أحسبه إلّا حفص بن البختري ، أنّه اعتماد علىٰ الظنّ ، وظاهرهم العمل به .
وفي نظري القاصر أنّه محلّ تأمّل ؛ لأنّ العمل بالظن موقوف علىٰ الدليل ، والذي هو مظنّة في مثل هذا المقام الإجماع ، وتحقّقه في غاية البُعد ، كما يعلم بالتأمّل الصادق .
وبتقدير العمل بالظن فالرجل المذكور ـ وهو حفص بن البختري ـ قد وثّقه النجاشي ، وغير بعيد أن يكون التوثيق من أبي العباس ؛ لأنّه قال : كوفي ثقة روىٰ عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وأبي الحسن عليهالسلام ، ذكره أبو العباس ، وكان بينه وبين آل أعين نبوة فغمزوا عليه بلعب الشطرنج (٢) (٣) ، ويحتمل أن يرجع الذكر للرواية عن أبي عبد الله وأبي الحسن ، لا للتوثيق .
وأمّا توثيق العلّامة (٤) فهو تابع للنجاشي .
و (٥) المعروف بين المتأخّرين عدم التوقف في حال حفص (٦) ، إلّا المحقق في المعتبر ، فإنّه حكم بضعفه في مسألة شك الإمام مع حفظ المأموم (٧) .
__________________
(١) في « د » و « فض » : الوجه في القرب من .
(٢) رجال النجاشي : ١٣٤ / ٣٤٤ .
(٣) في « ض » زيادة : إلىٰ أن قال : وقال ابن نوح : الخ ، وهذا يدل علىٰ أنّ الأوّل ابن عقدة ، غير أنّ الأوّل يحتمل .
(٤) خلاصة العلّامة : ٥٨ / ٣ .
(٥) في « رض » زيادة : العبارة التي حكيتها وجدتها في نسخة للنجاشي ، إلّا أنّ شيخنا المحقق ـ أيده الله تعالىٰ ـ في كتاب الرجال لم ينقلها ، أعني قوله : وقال ابن نوح . . . وتحقيق الحال موقوف علىٰ مراجعة النسخ المعتبرة ، إلّا ان المعروف .
(٦) من هنا إلىٰ قوله : شيخنا أيّده الله ، في ص ٢٣٦ ، ساقط من « رض » .
(٧) المعتبر ٢ : ٣٩٥ .
ولا يبعد أن يكون نظره إلىٰ ما ذكرناه ، من حيث اشتراك أبي العباس بين ابن نوح وابن عقدة الجارودي ، علىٰ أنّ في ابن نوح نوع كلام ، كما يظهر من الفهرست ، وإن كان دفعه ممكناً ؛ لأنّ الشيخ قال : إنّه حكي عنه مذاهب فاسدة مثل القول بالرؤية (١) . والحاكي غير معلوم .
ويؤيّد هذا أنّ النجاشي لا يخفىٰ عليه الحال ، ولم يتعرض لشيء من ذلك .
فإن قلت : الذي ذكره الشيخ : أحمد بن محمّد بن نوح ، والنجاشي قال : أحمد بن علي بن نوح (٢) ، فلعلّه غيره .
قلت : الظاهر الاتّحاد ، كما يعلم من المراجعة لكتاب شيخنا ـ أيّده الله ـ في الرجال (٣) .
فإن قلت : لعل المحقق اعتمد في الضعف علىٰ ما قاله النجاشي : من أنّ آل أعين غمزوا عليه بما ذكر ، وآل أعين فيهم من هو ثقة .
قلت : لا يبعد أن يكون آل أعين ليس المراد جميعهم ؛ لما هو الظاهر من أنّ سبب الغمز هو النبوة المقتضية للميل إلىٰ الهوىٰ ، وصدور هذا من الثقة بعيد .
إلّا أن يقال : إنّ إظهار الجرح بلعب الشطرنج سببه النبوة ، وإنّ كان الرامي ثقة ، والوجه في ذلك أنّ الثقة قد يتحرّز عن القدح في الفاسق من غير سبب ، لكون الاحتياط فيه ، بناءً علىٰ جواز غيبة الفاسق ، ومع النبوة ترك الاحتياط ، وهو لا يضر بحال الثقة . ويشكل الحال في الثقة بأنّه
__________________
(١) الفهرست : ٣٧ / ١٠٧ .
(٢) رجال النجاشي : ٨٦ / ٢٠٩ ، وفيه : أحمد بن علي بن العباس بن نوح .
(٣) منهج المقال : ٤٧ .
لا يخرج عن اتّباع الهوىٰ المقتضي لنوع ريب .
ويمكن الجواب : بأنّ القدح بما ذكر في الثقة (١) محل تأمّل .
أمّا احتمال أن يقال : بأنّ لعب الشطرنج مع عدم الإصرار لا يضر بالحال ؛ ففيه : أنّ الظاهر الإصرار علىٰ ما ذكر .
وبالجمله فالأمر من جهة الغمز لا يخلو من نظر .
وأمّا من جهة أبي العباس فلا يبعد ادعاء إرادة الرواية عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وبتقدير إرادة ما يشمل التوثيق احتمال انصراف أبي العباس إلىٰ ابن نوح قريب ؛ لأنّه شيخ النجاشي ، وابن عقدة بينه وبينه واسطة كما ذكره شيخنا أيّده الله (٢) ، ( وفي البين كلام فليتأمّل ) (٣) .
وأمّا الثاني : فهو من مراسيل ابن أبي عمير ، وليس فيه ارتياب بعد ما تقدم ، إلّا من جهة الإرسال .
المتن :
في الخبر الأوّل ظاهر في العجين إذا عُجن بالماء النجس ، وأنّه يباع من مستحلّ أكل الميتة ، ولا ريب أنّه ما لم يخبز بالنار نجس ، فحكمه في البيع ما تضمنته الرواية ، وهذا لا ينافي الروايتين بتقدير الدلالة علىٰ الطهارة إذا خبز .
وكأنّ الشيخ ـ رحمهالله ـ فهم منه أنّ السؤال عن العجين إذا خبز بالنار فاحتاج إلىٰ الحمل بما ذكره ، ونحن مشينا أوّلاً علىٰ اعتقاد الشيخ ، فلم
__________________
(١) في « فض » : النهاية .
(٢) من قوله : إلّا المحقق ، في ص ٢٣٤ ، إلىٰ هنا ، ساقط من « رض » .
(٣) ما بين القوسين ليس في « فض » و « رض » .
نذكر هذا الوجه ، فلا يعترض علينا بما هو ظاهر .
والخبر الثاني : لا يبعد عن الأوّل في إرادة نفس العجين ، والجمع بين الخبرين بالتخيير بين البيع ممّن يستحل أكل الميتة وبين الدفن ، ويحتمل ترجيح الدفن من حيث اشتمال الرواية علىٰ النهي عن البيع .
أمّا ما قاله الشيخ رحمهالله ـ من الحمل علىٰ ضرب من الاستحباب ـ فمجمل المرام ؛ لأنّه إن أراد به أنّ البيع والدفن كلاهما مستحب علىٰ حد سواء ، ففيه : أنّ في الثانية ما يفيد نوع رجحان ، كما أشرنا إليه من النهي .
وإن أراد استحباب عدم الأكل سواء بيع أو دفن ، فالكلام لا يساعد عليه صريحاً ، ودليل الاستحباب المذكور مدخول .
أمّا الحمل الآخر : فالذي يخطر بالبال من معناه أن يراد بالخبرين الأخيرين الماء الذي تغيّر بالنجاسة ، وهذا يباع ما عُجن به لمستحل الميتة أو يدفن ، والخبران الأوّلان يراد بالماء فيهما ماء البئر إذا لم يتغيّر ؛ لأنّ تطهيره بالنزح دليل علىٰ كونه أخفّ نجاسة من المتغيّر المتوقف علىٰ نزح الجميع علىٰ اعتقاد الشيخ .
وبعد هذا التقرير في كلام الشيخ اُمور :
الأوّل : قوله ـ يراد بالخبرين تغيّر أحد أوصافه ـ شامل للبئر مع التغير ، ونزح الجميع كنزح البعض في كونه مطهِّراً من دون احتياج إلىٰ ماءٍ آخر ، فإن كان حكم ماء البئر أخفّ لكون تطهيره بالنزح فهو حاصل بالجميع .
واحتمال أن يقال : إنّ نزح جميع الماء أبلغ المطهِّرات لا أنّه أخفّ .
فيه :
أنّ نزح الجميع قد يكون بالتراوح مع غزارة الماء ، فلا يكون أبلغ إذا أزالت النار تغيّره ، إلّا أن يقال : إنّ النّار إنّما تجفّف الماء ولا
تُزيل
التغيّر .
الثاني : أنّ الخبر الثاني من الأوّلين معلل بأنّ النار أكلت ما فيه ، وهو شامل للمتغيّر من الماء وغيره .
الثالث : أنّ الخبر الثاني من الأولين ليس فيه دلالة علىٰ أنّه ماء بئر بوجه من الوجوه ، ولو فرض الحمل عليه من غير قرينة فالباب أوسع من ذلك ، فإنّ ما ذكرناه في ماء البئر من عدم النجاسة والتقريب من الإمام عليهالسلام (١) أولىٰ في توجيه الحديثين حينئذٍ .
الرابع : قوله ـ لأنّ ذلك أخفّ نجاسةً ـ إمّا أن تعود الإشارة إلىٰ البئر ، أو إلىٰ غير المتغيّر من البئر وغيره .
فإن عادت إلىٰ البئر يصير غير المتغير من البئر أخفّ نجاسةً من المتغيّر منه ، والخبران الأخيران ليسا بتقدير التغيّر خاصّين بالبئر .
وإن عادت إلىٰ الأعم لم يتم التعليل المطلوب إثباته ، كما هو واضح ، هذا .
وسيأتي من الشيخ في حكم البئر ما يقتضي القول بأنّ البئر لا تنجس ، وإنّما يجب النزح ، وإن احتمل القول بالنجاسة أيضاً ، والكلام هنا أيضاً لا يخلو من مخالفة لما سيأتي ، وستعلم الحال إذا انتهىٰ إلىٰ هناك المقال (٢) .
قوله :
باب الماء الذي تسخنه الشمس
أخبرني الشيخ ـ رحمهالله ـ عن أبي القاسم جعفر بن محمّد ، عن
__________________
(١) ص ٢٣٢ .
(٢) راجع ص ٢٥٤ .
أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن حمزة بن يعلى ، عن محمّد بن سنان ، قال : حدثني بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « لا بأس أن يتوضّأ بالماء الذي يوضع في الشمس » .
فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن عيسىٰ العبيدي ، عن درست ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن عليهالسلام قال : « دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله علىٰ عائشة وقد وضعت قمقمتها (١) في الشمس ، فقال : يا حميراء ما هذا ؟ قالت : أغسل رأسي وجسدي ، قال : لا تعودي فإنّه يورث البرص » .
فمحمول علىٰ ضرب من الكراهية دون الحظر .
السند :
قد تقدم الأوّل (٢) سوىٰ حمزة بن يعلى ، وهو ثقة ، وفيه أيضاً إرسال .
وأمّا الثاني : فقد تقدم أيضاً (٣) سوىٰ درست ، وهو ابن أبي منصور واقفي غير موثق .
وإبراهيم بن عبد الحميد ، قال الشيخ في الفهرست : إنّه ثقة (٤) ، وفي كتاب الرجال : إنّه واقفي (٥) ؛ ولا منافاة في كلام الشيخ ، والنجاشي لم يذكر الوقف ولا التوثيق (٦) .
__________________
(١) القمقمة : وعاء من صفر يستصحبه المسافر ـ مجمع البحرين ٦ / ١٤١ ( قمقم ) .
(٢) راجع ص ١١٤ ، ١٢١ ، ١٦٠ .
(٣) راجع ص ٦٤ ـ ٦٥ ، ٧٦ ـ ٨٤ .
(٤) الفهرست : ٧ / ١٢ .
(٥) رجال الطوسي : ٣٤٤ / ٢٦ .
(٦) رجال النجاشي : ٢٠ / ٢٧ .
المتن :
وإن كان ظاهره في الأوّل والثاني مجرد الوضع في الشمس ، من غير تسخين للماء ، إلّا أنّ الشيخ فهم ذلك ، وكأنّه الظاهر من الروايتين .
مضافاً إلىٰ دعوىٰ الشيخ الإجماع في الخلاف (١) علىٰ الماء إذا سخنته الشمس ، مؤيّداً برواية إسماعيل بن أبي زياد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : الماء الذي تسخنه الشمس لا تتوضّؤوا به ، ولا تغتسلوا به ، ولا تعجنوا به ، فإنّه يورث البرص » (٢) .
وذكر الوالد ـ قدسسره ـ : أنّ النهي في هذه الرواية ورواية إبراهيم بن عبد الحميد إنّما حمل علىٰ الكراهة مراعاةً للجمع بينه وبين رواية محمّد بن سنان ، كما ذكره الشيخ ، لكنه خص الروايتين المبحوث عنهما .
وزاد بعض في توجيه الكراهة : بأنّ العلّة المذكورة راجعة إلىٰ المصلحة الدنيوية ، وذلك قرينة كون النهي للإرشاد ، علىٰ حد قوله تعالىٰ : ( وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ) (٣) .
واعترض : بأنّ العود إلىٰ المصلحة الدنيويّة لا يدل علىٰ عدم التحريم ، كيف ووجوب دفع الضرر مما لا ريب فيه .
واُجيب : بأنّ دفع الضرر إنمّا يجب مع العلم أو الظنّ ، وهما منفيان (٤) .
__________________
(١) الخلاف ١ : ٥٤ .
(٢) الكافي ٣ : ١٥ / ٥ ، علل الشرائع : ٢٨١ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٧٩ / ١١٧٧ ، الوسائل ١ : ٢٠٧ أبواب الماء المضاف ب ٦ ح ٢ .
(٣) البقرة : ٢٨٢ .
(٤) معالم الفقه : ١٧٢ .