الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-173-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٨
وفي نظري القاصر أنّ هذا الجواب لا يتم عند الشيخ ومن يعمل بالأخبار من غير جهة الأسانيد ووصفها المعتبر ، فالإشكال علىٰ الشيخ ونحوه متوجه ، والمعارض غير صريح في كون الماء صار مسخناً .
نعم لو كان صريحاً أو استفيد من ظاهره ذلك أمكن أن يقال : إنّ الحديثين مع العمل بهما لا يصير ظن الضرر متحققاً ، نظراً إلىٰ المعارض بل يصير شكاً ، وحينئذٍ يمكن الحمل علىٰ الكراهة .
والعجب من الوالد قدسسره أنّه لم يتعرض لتحقيق الحال في هذا ، ولعل العذر له ضعف الأخبار ، إلّا أنّه ذكر الاعتراض والجواب قانعاً به ، فتأمّل .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الشيخ في الخلاف اشترط في الحكم بالكراهة القصد إلىٰ التسخين ، وجعل الإجماع مقيّداً به (١) ، وجماعة من الأصحاب لم يفرقوا (٢) ، ووافق الشيخ جماعة علىٰ اعتبار القصد (٣) .
والأخبار كما ترىٰ لا تصلح للاعتماد ، والإجماع المدعىٰ من الشيخ خاص بالقصد ، وربما يستفاد من الخبر الذي رواه إبراهيم بن عبد الحميد القصد ، فيؤيّد الإجماع ، إلّا أنّ العلّة ربما تأبىٰ ذلك ، والأمر سهل .
__________________
(١) الخلاف ١ : ٥٤ .
(٢) منهم العلّامة في نهاية الاحكام ١ : ٢٢٦ ، والشهيدان في البيان : ١٠٢ ، والذكرىٰ ١ : ٧٨ . وروض الجنان : ١٦١ ، والمسالك ١ : ٢٢ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ١٣٠ .
(٣) منهم الحلي في السرائر ١ : ٩٥ ، ويحيىٰ بن سعيد الحلي في الجامع للشرايع : ٢٠ .
أمّا لو زال التشميس (١) فالعلّامة في التذكرة قال : احتمل بقاء الكراهة لعدم خروجه عن كونه مسخناً (٢) .
وفي الذكرىٰ قطع الشهيد بالبقاء (٣) ، وتبعه جماعة ؛ مستدلّين بالاستصحاب ، والتعليل بخوف البرص ، وبصدق الاسم بعد الزوال ؛ إذ المشتق لا يشترط فيه بقاء أصله (٤) .
وفي الاستصحاب بحث ، وكذلك القول في المشتق ؛ لأنّ عدم اشتراط البقاء إنّما يكره زواله بطريان وصفٍ وجوديٍ يضادّه ، وفي المقام قد تحقّق المضادّ .
وما أجاب به الوالد قدسسره عن هذا : بأنّ الاشتقاق هنا من التسخين لا من السخونة (٥) ؛ ففيه نظر واضح .
وذكر بعض فضلاء المتأخّرين بأنّ الكراهة مشترطة بقلّة الماء (٦) ، وظاهر جماعة من المتأخّرين عدم الفرق (٧) ؛ لإطلاق النص والتعليل ، وفي المقام كلام ، إلّا أنّ ضعف المستند يسهل الخطب ، والله تعالىٰ أعلم .
__________________
(١) في « د » : التسخين .
(٢) التذكرة ١ : ١٣ .
(٣) الذكرىٰ ١ : ٧٨ .
(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٢ ، وروض الجنان : ١٦١ . والكركي في جامع المقاصد ١ : ١٣٠ ، والاردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ٢٩١ .
(٥) معالم الفقه : ١٧٣ .
(٦) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٩٢ .
(٧) صرّح به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٢ ، واستظهره في روض الجنان : ١٦١ ، والكركيّ في جامع المقاصد ١ : ١٣١ .
قوله :
أبواب حكم الآبار
باب البئر يقع فيها ما يغير أحد أوصاف الماء إما اللون أو الطعم أو الرائحة
أخبرني الشيخ أبو عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن محمّد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سمعته يقول : « لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما يقع (١) في البئر ، إلّا أنّ ينتن ، فإنّ أنتن غسل (٢) الثوب ، واُعيدت الصلاة ، ونزحت البئر » .
وأخبرني الشيخ رحمهالله عن أبي القاسم جعفر بن محمّد (٣) ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبي طالب عبد الله بن الصلت ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في الفأرة تقع في البئر فيتوضّأ الرجل منها ويصلّي ( ولا يعلم ) (٤) أيُعيد الصلاة ويغسل ثوبه ؟ قال : « لا يعيد الصلاة ولا يغسل ثوبه » .
السند :
في الأوّل : ليس فيه ارتياب علىٰ ما قدمناه في أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد (٥) .
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٣٠ / ٨٠ وقع .
(٢) في « فض » زيادة : منه ، وفي « رض » : به .
(٣) في الاستبصار ١ : ٣١ / ٨١ زيادة : ( ابن قولويه ) .
(٤) ما بين القوسين ليس في « رض » وفي الاستبصار ١ : ٣١ / ٨١ : وهو لا يعلم .
(٥) في ص ٣٩ ـ ٤١ .
وفي التهذيب رواه عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن الحسن (١) ، وبيّنا في حاشيته أنّ الأولىٰ ما هنا من غير نظرٍ إلىٰ الاستبصار ، وبعد ما ترىٰ الذي هنا يتبيّن الصواب .
واعتراض المحقق في المعتبر بأنّ حمّاداً مشترك بين موثق وغيره ، فلا يكون الخبر صحيحاً (٢) .
يدفعه : أنّ حمّاداً هو ابن عيسىٰ علىٰ الظاهر ، كما يعلم من مواضع متعددة ، وقد نبّه علىٰ ما قلناه شيخنا قدسسره في فوائده علىٰ الكتاب .
وأمّا الثاني : فقد تقدم القول في رجاله (٣) ما عدا عبد الله بن الصلت ، وهو ثقة بغير ريب ، والذي في الفهرست أنّ الراوي عنه أحمد بن أبي عبد الله (٤) ، فيكون هو أحمد بن محمّد ، لا ابن عيسىٰ ، وفي أحمد بن أبي عبد الله نوع كلام (٥) .
المتن :
في الأول ظاهره عدم نجاسة البئر بمجرد ملاقاة النجاسة ، والحصر في النتن من الأوصاف لا يضر بالحال بعد ثبوت غيره .
وربما يستفاد من الحديث عدم وجوب النزح ؛ لإطلاق عدم إعادة الصلاة .
وعلىٰ ما يفهم من كلام الشيخ بنوع من الاحتمال ـ أنّ إعادة الصلاة لا بُدّ منها إذا لم يتحقق النزح ـ يدفعه الخبر ، وستستمع الكلام في ذلك إن
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢٣٣ / ٦٧٠ ، الوسائل ١ : ١٧٣ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٠ .
(٢) المعتبر ١ : ٥٧ .
(٣) راجع ص ١١٤ ، ١٣٩ ، ١٦٠ .
(٤) الفهرست : ١٠٤ / ١٨٢ .
(٥) قال النجاشي : كان ثقة في نفسه ، يروي عن الضعفاء واعتمد المراسيل . رجال النجاشي : ٧٦ / ١٨٣ .
شاء الله (١) .
ولفظة « من » في قوله : « مما وقع » للسببية .
وفي المختلف حكىٰ عن الشيخ في النهاية أنّه قائل بنزح الماء أجمع مع التغير ، فإن تعذر نزح إلىٰ أن يزول التغير ، وأنّه احتج بهذه الرواية .
وأجاب العلّامة : بأنّه لا بُدّ في الحديث من إضمار ، وليس إضمار جميع الماء بأولىٰ ( منه بإضمار ) (٢) بعضه ، المحمول علىٰ ما يزول به التغير (٣) .
وقد ذكرت في حاشية التهذيب ما يتوجه علىٰ كلام العلّامة بنوع تطويل ، ومحصّله : أنّ زوال التغير لا ينحصر في البعض ، فإضمار البعض الذي يزول به التغير لا أولويِّة له ، بل الأولىٰ علىٰ تقدير التغير حمل قوله : « نزحت البئر » علىٰ ما يزول به التغير ؛ لأنّها لا تخرج عن الإطلاق وغيرها عن التقييد ، فلا يضمر الجميع ولا البعض بخصوصهما .
فإن قلت : لفظ « نزحت البئر » حقيقة في الجميع ، ومجاز في البعض ، فكيف يقول العلّامة ليس بأولىٰ ؟ .
قلت : لعل مراده أنّ « نزحت البئر » مجاز ، فلا بُدّ من إضمار ، وليس إضمار الجميع أولىٰ من إضمار البعض .
وقد يقال : إنّ « نزحت البئر » قد صار حقيقة عرفية في نزح الجميع ، ولو لم يكن حقيقة عرفية فتقدير ماء البئر كأنّه معلوم ، وظاهره الجميع .
والحق أنّ الخبر بعد ورود غيره مما سنذكره (٤) لا يخرج عن الإجمال .
__________________
(١) في ص ٢٤٧ .
(٢) كذا في النسخ ، والظاهر : من إضمار .
(٣) المختلف ١ : ٢٧ ـ ٢٩ .
(٤) يأتي في ص : ٢٤٨ .
ومن هنا يعلم أنّ ما ذكره الوالد ـ قدسسره ـ : من أنّا نحمله علىٰ نزح الأكثر ؛ ( لتوقف زوال التغيّر عليه ، كما يشعر به قوله : إلّا أنّ ينتن ، وإطلاق نزح البئر علىٰ نزح أكثره ) (١) جائز ، ولو بطريق المجاز ، لضرورة الجمع (٢) . .
محل بحث ؛ لأنّه إنّما يتم علىٰ أن يكون تقدير ماء البئر في الحديث معلوماً ، ليحمل علىٰ الأكثر مجازاً ، أمّا لو جعل المجاز في الإسناد فلا ، بل يرجع الإجمال ، فليتأمّل .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الوالد ـ قدسسره ـ احتجّ لنزح أكثر الأمرين من المقدّر وزوال التغيّر ، بأنّ الدليل الدال علىٰ نزح المقدر مع عدم التغيّر يدل علىٰ وجوب المقدّر مع التغيّر بطريق أولىٰ (٣) .
وفي نظري القاصر أنّه غير تام ؛ لأنّ مفهوم الموافقة بتقدير تمامه إنّما هو يصلح للاستدلال إذا لم يعارضه المنطوق ، وهو موجود في الخبر الصحيح الدال علىٰ أنّ زوال التغيّر مطهِّر .
وما عساه يتوجه علىٰ هذا من أنّ الخبر الدال علىٰ أنّ زوال التغيّر كاف لا يخرج عن احتمال التقييد بما يدل عليه مفهوم الموافقة . .
فيه : أنّ الظاهر خلاف ذلك ، وأنّ زوال التغيّر كاف ، والخبر هو صحيح ابن بزيع الآتي عن قريب (٤) وما ذكرناه هنا علىٰ سبيل الاختصار ، وفي غير هذا الكتاب قد بسطنا الكلام ، ولعل في هذا كفاية إن شاء الله تعالىٰ .
__________________
(١) ما بين القوسين ساقط من « د » .
(٢) منتقىٰ الجمان ١ : ٥٨ ، معالم الفقه : ٣٣ .
(٣) معالم الفقه : ٣٣ ، منتقىٰ الجمان ١ : ٥٨ .
(٤) الآتي في ص ٢٥٨ .
بقي في الحديث شيئان ، أحدهما : أنّ العموم في قوله : « مما وقع في البئر » شامل للمنصوص الذي له مقدّر وغيره ، وعلىٰ تقدير الحكم بأكثر الأمرين في المقدّر ينبغي الاكتفاء بزوال التغيّر في غير المنصوص ، لا أكثر الأمرين مما ثبت لغير المنصوص وزوال التغير ، كما هو أحد الأقوال ، وسيأتي إن شاء الله ذكر ما قيل في الاستدلال لغير المنصوص (١) .
وثانيهما : أنّ الحكم بإعادة الصلاة مع التغيّر يتناول الوقت وخارجه ، كما يستفاد من الأخبار في إطلاق الإعادة علىٰ خارج الوقت ، والحكم وإن لم يكن إجماعياً في الإعادة مطلقاً إذا استعمل الماء المتغيّر في الوضوء أو الغسل ؛ إذ العلّامة نقل في المختلف قولاً بعدم الإعادة في خارج الوقت ، إذا كان الوضوء بغير الماء الطاهر أو الغسل (٢) ، غير أنّ ظاهر المتأخّرين أنّه لا خلاف في ذلك .
وسيأتي ذكر ما لا بُدّ منه في ذلك إن شاء الله تعالىٰ في محله (٣) .
ولعل الإجماع متأخّر عن القائل ؛ فإنّ المنقول عن الشيخ ذلك (٤) ، لكن ظاهر الحديث المبحوث عنه الشمول لنجاسة الثوب والبدن ، والإعادة مطلقاً فيهما غير سليمة من المعارض ، وسيأتي أيضاً ، وحينئذٍ فالحديث من هذه الجهة لا يخلو من إجمال .
وأمّا الخبر الثاني : فغير خفيّ أنّ فيه احتمال كون عدم إعادة الصلاة وغسل الثوب لعدم العلم بالتقدم علىٰ المباشرة ، وأصالة عدم التقدم يقتضي
__________________
(١) الآتي في ص ٣١٨ .
(٢) المختلف ١ : ٧٤ .
(٣) انظر ص ٢٥٣ ـ ٢٥٤ .
(٤) نقله عنه في المختلف ١ : ٧٤ وهو في المبسوط ١ : ١٣ و ٣٨ .
ذلك ، إلّا أنّ ترك الاستفصال من الإمام عن ظهور القرائن الدالة علىٰ التقدم وعدمها عند السائل يفيد العموم ، كما هو مقرّر في الاُصول .
وربما يدعىٰ أنّ قول السائل : ولا يعلم ، يفيد خلاف ذلك . وفيه ما فيه .
ثم إنّ الفأرة لا ذكر في الخبر لموتها ، فربما كان الحكم المذكور لعدم نجاسة عينها ، كما تقدم فيه القول (١) ، إلّا أنّ ترك الاستفصال في الخبر يفيد العموم للموت .
قوله :
وأخبرني الشيخ ـ رحمهالله ـ عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سئل عن الفأرة تقع في البئر لا يعلم بها إلّا بعد ما يتوضّأ منها ، أتعاد الصلاة ؟ قال : « لا » .
وأخبرني الشيخ ـ رحمهالله ـ عن أبي القاسم جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن أبي عيينة ، قال : سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن الفأرة تقع في البئر ، قال : « إذا خرجت فلا بأس ، وإن تفسخت فسبع دلاء » قال : وسئل عن الفأرة تقع في البئر فلا يعلم بها أحد إلّا بعد ما يتوضّأ منها ، أيعيد وضوءه وصلاته ، ويغسل ما أصابه ؟ فقال : « لا ، قد استعمل أهل الدار (٢) ورشّوا » .
__________________
(١) راجع ص ١٩٣ ـ ٢٠٠ .
(٢) في الاستبصار ١ : ٣١ / ٨٣ : « بها » .
السند :
في الأوّل : لا يخلو من خلل ، والصواب عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن الصفار ، كما لا يخفىٰ .
ورجال السند لا ارتياب فيهم بعد ما قدمناه (١) ، سوىٰ علي بن الحكم ؛ فإنّه قد يظن فيه الاشتراك بين موثق وغيره (٢) .
والحق علىٰ تقدير الاشتراك أنّ هذا هو الثقة ، بقرينة رواية أحمد بن محمّد بن عيسىٰ عنه ، كما يستفاد من الرجال (٣) .
واحتمال أحمد بن محمّد لغير ابن عيسىٰ ، يدفعه الظهور ، نظراً إلىٰ تكرّر ذلك ، لا من جهة أنّ الراوي عن ابن عيسىٰ الصفار مع غيره ؛ لأنّ الصفار يروي عن أحمد بن أبي عبد الله أيضاً ، كما يعلم من الرجال (٤) .
وفي الثاني : ليس فيه من ينافي الصفحة ـ بعد محمّد بن قولويه كما قدمناه (٥) ـ سوىٰ أبي عيينة ؛ فإنّه مجهول الحال .
المتن :
في الأوّل : حكمه ما تقدم في السابق من جميع ما ذكرناه .
وفي الثاني : دلالة علىٰ أنّ الفأرة لا تؤثّر مع الحياة في البئر شيئاً ، ومع الموت إنّ تفسخت سبع دلاء .
__________________
(١) راجع ص ٣٩ ـ ٤٠ ، ١٨٣ ، ٢٠٧ .
(٢) انظر هداية المحدثين : ٢١٦ .
(٣) الفهرست : ٨٧ / ٣٦٦ .
(٤) الفهرست : ٢٢ .
(٥) راجع ص ١١٤ ـ ١١٦ .
وما تضمّنه من السؤال عن الفأرة التي تقع في البئر ، ولا يعلم بها أحد إلّا بعد الوضوء وما معه . .
يمكن أن يقال فيه ما تقدم ، إلّا أنّ الجواب منه عليهالسلام بقوله : « قد استعمل أهل الدار ورشّوا » لا يوافق ذلك .
ولعل التوجيه : بأنّه تقريب لخاطر السائل لبُعد تنبّهه من جهة أنّ الأصل عدم التقدم فلا يلزم إعادة الوضوء . .
ممكن ، إلّا أنّ الإشكال المتقدم من احتمال وجود أمارات التقدم يأتي هنا .
ولعل الأولىٰ في التوجيه أنّ البئر لا تنجس بالملاقاة ، وإنّما النزح لحصول النفرة ، فإذا رفع من البئر لرشّ الدار حصل المطلوب من النزح ، غاية الأمر أنّ ذكر الاستعمال لا يوافق هذا .
ويحتمل أن يكون المراد بالاستعمال إخراج الماء للرشّ .
ويحتمل أن يراد أنّ استحباب النزح إنّما هو إذا لم يعارضه معارض ، واستعمال البئر في الرشّ وغيره يسقط ذلك ؛ لحصول نوع حرج ، إلّا أنّ هذا لا يلائم عدم النجاسة كما لا يخفىٰ .
وأنت خبير بأنّ ضعف الرواية يسهّل معه الخطب ، وباب الاحتمال واسع .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّه سيجيء من المصنف في حكم الفأرة أنّ التسلخ يقتضي نزح سبع دلاء ؛ لرواية تأتي (١) ، وهو يدل علىٰ أنّ التسلخ والتفسخ واحد .
__________________
(١) الآتي في ص ٢٩٩ .
وبُعده واضح ، بل الظاهر أنّ أحدهما يقتضي السبع علىٰ تقدير العمل بالخبرين ، وسيأتي إن شاء الله الكلام في ذلك (١) ، إلّا أنّ هذا الحديث يفيد بظاهره عدم الفرق بين التسلخ والتفسخ في سقوط النزح مع الرشّ ، ولم يذكر المصنف الحديث فيما سيأتي ، فلا أدري الوجه في ذلك .
قوله :
وبهذا الإسناد عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان ، عن أبي اُسامة وأبي يوسف يعقوب بن عثيم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلاء » قلنا : فما تقول في صلاتنا ووضوئنا وما أصاب ثيابنا ؟ فقال : « لا بأس به » .
أحمد بن محمّد بن أبي نصير ، عن عبد الكريم ، عن أبي بصير قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : بئر يستقىٰ منها ويتوضّأ به وغسل منه الثياب وعجن به ، ثم علم أنّه كان فيه ميّت ، قال : « لا بأس ، ولا يغسل الثوب ، ولا تعاد منه الصلاة » .
قال محمّد بن الحسن : ما يتضمن هذه الأخبار من إسقاط الإعادة في الوضوء والصلاة عمّن استعمل هذه المياه لا يدل علىٰ أنّ النزح غير واجب مع عدم التغيّر ؛ لأنّه لا يمتنع أن يكون مقدار النزح في كل شيء يقع فيه واجباً وإن كان متىٰ استعمله لم يلزمه إعادة الوضوء والصلاة ؛ لأنّ الإعادة فرض ثان ، فليس لأحد أن يجعل ذلك
__________________
(١) الآتي في ص ٣٠٠ .
دليلاً علىٰ أنّ المراد بمقادير النزح ضرب من الاستحباب .
علىٰ أنّ الذي ينبغي أن يعمل عليه هو أنّه إذا استعمل هذه المياه قبل العلم بحصول النجاسة فيها فإنّه لا يلزمه إعادة الوضوء والصلاة ، ومتىٰ استعملها مع العلم بذلك لزمه إعادة الوضوء والصلاة .
السند :
في الأول : واضح ( في غير أبان ) (١) ، إذ لا ارتياب في رجاله بعد ما قدّمناه (٢) .
وأبو اُسامة : هو زيد الشحام ، ثقة ، وجهالة أبي يوسف لا تضرّ بالحال .
( وأمّا أبان فلا يبعد ادّعاء ظهور كونه ابن عثمان عند الإطلاق ، إلّا أنّ باب الاحتمال واسع ) (٣) .
وفي الثاني : غير واضح الصحة مع عدم ذكر الطريق إلىٰ أحمد في المشيخة ، مضافاً إلىٰ أن عبد الكريم ـ وهو ابن عمرو بقرينة رواية أحمد عنه ـ واقفي ، وإن كان ثقة كما في النجاشي (٤) ، وأبو بصير حاله قد سبق ذكرها مكرّراً (٥) .
المتن :
في الأول : ظاهر في نزح السبع للفأرة سواء تفسّخت أم لا ، والخبر
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في « فض » و « رض » .
(٢) راجع ص ١٦٠ ، ٢٠٧ ، ٢٤٩ .
(٣) ما بين القوسين ليس في « فض » و « رض » .
(٤) رجال النجاشي : ٢٤٥ / ٦٤٥ .
(٥) راجع ص ٧٣ ، ٨٤ ، ١٣٠ .
السابق قد علمت تقييده ، فيحتمل حمل هذا عليه ، وما تضمنه من حكم الصلاة كالصريح في أنّ البئر لا تنجس بالملاقاة ، وكلام الشيخ فيما يأتي ستسمع القول فيه (١) .
والوالد ـ قدسسره ـ ( في المعالم ) (٢) لم يوصف هذه الرواية بالصحة (٣) ، ولا أدري وجهه ، إلّا أن يكون أخذها من غير هذا الكتاب ، فإنّ المعهود منه عدم التوقف في محمّد بن قولويه ، ولا في علي بن الحكم الراوي عنه أحمد بن محمّد بن عيسىٰ ، ولا في أبان .
وفي الثاني : كالأول في ظهور عدم نجاسة البئر بالملاقاة ، والميت فيه لا يضر إطلاقه ؛ للعلم بأنّ المراد النجس .
وما قاله الشيخ رحمهالله ـ في توجيه الأخبار ـ في غاية البعد ؛ لأنّ الإعادة إن أراد بها القضاء فالحق أنّها فرض ثان ، لكن تعيّن إرادة القضاء غير معلوم .
ولو سلم اشكل الحال في الثياب ؛ فإنّ عدم غسلها غير ظاهر الوجه ، مع تضمن بعض الأخبار ذكرها مع الوضوء .
وما قد يقال : من انّ الإعادة إذا اختل الوضوء لا ريب فيها فكيف يحكم الشيخ بعدمها ؟
فقد قدّمنا نقل القول عن العلّامة في المختلف ، وأنّه حكاه عن الشيخ (٤) ، والكلام هنا كالصريح فيه ، غير أنّي لم أستثبت كون الشيخ ذاكراً
__________________
(١) يأتي في ص ٢٥٤ .
(٢) ما بين القوسين ليس في « فض » .
(٣) معالم الفقه : ٦١ .
(٤) راجع ص ٢٤٧ .
هنا مذهبه ؛ لأنّه مضطرب في ذلك .
أمّا ما قاله الشيخ : من أنّ الذي ينبغي أن يعمل عليه ، قد أوضح الوالد ـ قدسسره ـ مرامه فيه بما هذا لفظه : والذي فهمته من كلامه في الكتابين ـ يعني التهذيب والاستبصار ـ أنّه يقول بعدم الانفعال بمجرد الملاقاة ، لكنه يوجب النزح ، فالمستعمِل لمائها بعد ملاقاة النجاسة له وقبل العلم لا يجب عليه الإعادة أصلاً ، سواءً في ذلك الوضوء والصلاة وغسل النجاسات وغيرها ، والمستعمِل له بعد العلم بالملاقاة يلزمه إعادة الوضوء والصلاة ؛ لأنّه منهي عن استعماله قبل النزح ، والنهي يفسد العبادة ، فيقع الوضوء فاسداً ويتبعه فساد الصلاة ، وكذا غيرها من العبادات (١) ، انتهىٰ كلامه ـ قدسسره ـ .
وفي نظري القاصر أنّ كلام الوالد ـ قدسسره ـ محل تأمّل ، أمّا في عبارة التهذيب (٢) فقد ذكرت ما فيه في الحاشية .
وأمّا عبارة الإستبصار فهو وإن لم يذكر فيها حكم الثياب ، ففي التهذيب صرّح به في كونه كالوضوء ، ومعه لا يتم كلام الوالد ـ قدسسره ـ .
ثم إنّ النهي عن الاستعمال قبل النزح غير معلوم من الأخبار ، واحتمال كون النهي من جهة استلزام الأمر بالشيء النهي عن ضدّه إنّما يتم علىٰ تقدير تضيق النزح ، ولم يعلم أيضاً .
إلّا أنّ الحق عدم بعد عبارة الاستبصار عن قول الوالد ـ قدسسره ـ ، بخلاف عبارة التهذيب ، كما يعلمه من وقف علىٰ كلامنا في حاشيته .
أمّا ما يدل عليه قول الشيخ : من أنّ الإعادة فرض ثان ، فهو مناف لإطلاق الإعادة مع العلم ، إلّا بتأويل متكلف ، كما أنّ العلم المذكور في
__________________
(١) معالم الفقه : ٣٠ .
(٢) معالم الفقه : ٣٠ .
كلامه بوقوع النجاسة لا يوافق المطلوب ؛ إذ الذي ينبغي العلم بوجوب النزح إلّا بتكلف أيضاً ، فليتأمّل .
قوله :
والذي يدل علىٰ ذلك ما رواه إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في الرجل الذي يجد في إنائه فأرة وقد توضّأ من ذلك الإناء مراراً ، وغسل منه ثيابه ، واغتسل منه ، وقد كانت الفأرة متسلخة (١) ، فقال : « إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه ، ثم فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه ، ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ، ويعيد الوضوء والصلاة ، وإن كان إنّما رآها بعد ما فرغ من ذلك وفعله فلا يمسّ من الماء شيئاً ، وليس عليه شيء ؛ لأنّه لا يعلم متىٰ سقط فيه » ثم قال : « لعله أن يكون إنّما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها » .
السند :
غير مذكور في المشيخة الطريق إلىٰ إسحاق بن عمار فهو مرسل ، وإسحاق بن عمار فطحي ثقة علىٰ قول الشيخ في الفهرست (٢) ، والنجاشي وثّقه من غير ذكر كونه فطحياً (٣) ، وقد تقدم منا كلام في مثل هذا (٤) .
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٣٢ / ٨٦ : متفسخة .
(٢) الفهرست : ١٥ / ٥٢ .
(٣) رجال النجاشي : ٧١ / ١٦٩ .
(٤) راجع ص ١١١ .
وفي الفقيه روىٰ هذه الرواية عن عمار بن موسىٰ الساباطي (١) ، وطريقه إليه من الموثق (٢) ، فما أدري الشيخ سبق قلمه إلىٰ إسحاق بن عمار ، أو هي رواية اُخرىٰ عن إسحاق .
( فإن قلت : قد ذكر الشيخ في الفهرست أنّ لإسحاق أصلاً معتمداً عليه أخبرنا به الشيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله ، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن ابن أبي عمير ، عن إسحاق (٣) ، وهذا الطريق صحيح .
قلت : إنّما تظهر فائدة الصحة لو علم أنّ الخبر من أصله ، واحتمال كونه من مروياته حاصل ، فلا يفيد غيره كما لا يخفىٰ ) (٤) .
المتن :
صريح الدلالة في أنّ مراد الشيخ غير ما ذكره الوالد (٥) ـ قدسسره ـ بل الذي يقتضيه النظر بعد ذكر الرواية أنّه يقول بنجاسة البئر ، ويعتبر العلم بالنجاسة وعدمه .
وإن كان غرضه غير مدلول الرواية ، وإنّما أتىٰ بها للاستدلال علىٰ أنّ عدم العلم لا يؤثّر في بطلان العبادة في مثل الإناء ، وإن كان الفرق حاصلاً من حيث إنّ الإناء ينجس بخلاف البئر ، إلّا أنّ المراد الاستشهاد علىٰ أنّ
__________________
(١) الفقيه ١ : ١٤ / ٢٦ .
(٢) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ٤ .
(٣) الفهرست : ١٥ / ٥٢ .
(٤) ما بين القوسين ساقط من « فض » و « رض » .
(٥) معالم الفقه : ٣٠ .
المؤثّر العلم .
ففيه : أنّ هذا لا دخل له في مطلوب الشيخ ، علىٰ ما قرّره الوالد ـ قدسسره ـ من حيث النهي عن الاستعمال ، كما يعلم بالتأمّل الصادق ، والله تعالىٰ هو أعلم بالحقائق .
إذا عرفت هذا فاعلم أن شيخنا ـ قدسسره ـ قال في بعض فوائده علىٰ الكتاب : لا يخفىٰ أنّ ما سبق من الروايات قد تضمن عدم إعادة غسل الثياب ، وذلك لا يجامع الحكم بنجاسة الماء ، وارتكاب القول بنجاسته ـ مع عدم وجوب غسل الثياب التي غُسِلت به قبل العلم بالنجاسة ـ بعيد جداً ، خصوصاً مع انتفاء الدليل علىٰ ذلك . انتهىٰ .
وفي نظري القاصر أنّ هذا الكلام إن كان علىٰ قول الشيخ : ما يتضمن هذه الأخبار من إسقاط الإعادة في الوضوء ، فالشيخ غير مصرح بنجاسة الماء ، إلّا من (١) حيث ذكر الرواية الأخيرة ، وقد علمت أنّها للاستدلال علىٰ سبق العلم وعدمه ، وحينئذٍ عدم إعادة غسل الثياب لعدم العلم بالنجاسة وبعدمها علىٰ ما ظنه الشيخ .
وإن كان كلام شيخنا ـ قدسسره ـ علىٰ قوله : علىٰ أنّ الذي ينبغي ، فالحال ما سمعته .
وقول شيخنا قدسسره ـ : إنّ ارتكاب القول بالنجاسة ، إلىٰ آخره ـ لا وجه له ؛ إذ لا يمكن القول بذلك علىٰ ما فهمه ـ قدسسره ـ وكلام الشيخ في جهة اُخرىٰ ، بتقدير اعتماده علىٰ المستفاد من خبر إسحاق ، فليتأمّل .
__________________
(١) في « د » زيادة : قوله أخيراً : علىٰ أنّ الذي ينبغي ، إلىٰ آخره .
قوله :
فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الرضا عليهالسلام قال : « ماء البئر واسع لا يفسده (١) شيء ، إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه ، فينُزح حتىٰ يذهب الريح ويطيب طعمه ؛ لأنّ له مادّة » .
فالمعنىٰ في هذا الخبر أنّه لا يفسده شيء إفساداً لا يجوز الانتفاع بشيء منه ، إلّا بعد نزح جميعه ، إلّا ما يغيّره ، فأمّا ما لم يتغيّر فإنّه ينزح منه مقدار ، وينتفع بالباقي علىٰ ما بيّناه في (٢) تهذيب الأحكام .
السند :
ليس فيه ارتياب بعد ما قدّمناه : من أنّ طريق الشيخ إلىٰ أحمد بن محمّد معتبر (٣) .
ومحمّد بن إسماعيل : هو ابن بزيع الثقة الجليل .
المتن :
لا يخلو قوله عليهالسلام : « ماء البئر واسع » من إجمال ، ولعل المراد حكم ماء البئر ، وحذفه للعلم به .
واحتمال كون الماء واسعاً باعتبار المادّة بخلاف المحقون ، يتوقف علىٰ أنّ التعليل راجع إلىٰ ذلك ، وفيه احتمالات :
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٣٣ / ٨٧ : لا ينجسه .
(٢) في الاستبصار ١ : ٣٣ / ٨٧ زيادة : كتاب .
(٣) راجع ص ١٨٤ .
أحدها : ـ وهو الذي فهمه جماعة منهم الوالد (١) قدسسره ، وشيخنا (٢) قدسسره ـ أنّ التعليل لعدم الإفساد .
وثانيها : أنّه راجع إلىٰ كون ماء البئر واسعاً ، وهذا يجامع التعليل بعدم الإفساد كما لا يخفىٰ .
وثالثها : أن يكون التعليل راجعاً لذهاب الريح وطيب الطعم ، كما يقال : لازم غريمك حتىٰ يعطيك حقك ، لأنّه يكره ملازمتك .
ورابعها : أن يعود إلىٰ الجميع .
وفي نظري القاصر أنّ العود إلىٰ الأخير خاصة وإن قرب ، إلّا أنّ العود إلىٰ الجميع أعم فائدة كما لا يخفىٰ ، غاية الأمر أنّ الاحتمال إذا انفتح بأنه للأخير خاصة لا يبقىٰ في الحديث صلاحيّة للاستدلال علىٰ أنّ الماء الجاري إذا كان أقل من كرّ لا ينجس بالملاقاة ، كما يقوله بعض (٣) .
والوالد ـ قدسسره ـ عمدة استدلاله علىٰ ردّ هذا القول بالتعليل (٤) ، كما ذكرناه في موضعه من حاشية الروضة .
أمّا ما قاله الشيخ رحمهالله ـ من أنّ المراد بالحديث لا يفسده إفساداً ، إلىٰ آخره ـ فمراده به أنّ المنفي إفساد خاص ، وهو الإفساد الذي لا ينتفع به إلّا بنزح الجميع ، أمّا الإفساد الذي يزول بنزح البعض فليس بمنفي ، فقوله : إلّا بعد نزح جميعه ، من متعلقات الإفساد المنفي ، وقوله : إلّا ما يغيّره ، استثناء من النفي .
__________________
(١) معالم الفقه : ٣٢ .
(٢) مدارك الاحكام ١ : ٥٥ .
(٣) مدارك الاحكام ١ : ٣٠ .
(٤) انظر معالم الفقه : ٣٢ و ١١١ .
وما أورده عليه شيخنا ـ قدسسره ـ في بعض فوائده علىٰ الكتاب : من (١) أنّ عدم الانتفاع بشيء من ماء البئر يتحقق مع عدم التغيّر في كثير من النجاسات عند القائلين بالتنجيس ، كما أنّه قد يجوز الانتفاع بالباقي إذا زال التغيّر بنزح البعض ، فإطلاق القول بعدم جواز الانتفاع بشيء مع التغيّر ، وجوازه مطلقاً بدونه غير مستقيم (٢) . .
فيه نظر يعرف مما قرّرناه في حلّ كلام الشيخ .
وما أورده ـ قدسسره ـ من بعض الصور ، لا يضرّ بحال الشيخ ؛ لأن التخصيص للعام واقع ، غير أنّ معنىٰ الحديث كما قاله الشيخ ، بواسطة إرادة الجمع بينه وبين ما دل علىٰ المقدّر .
نعم الحمل علىٰ الاستحباب في المقدّر أولىٰ ، أمّا عدم استقامة كلام الشيخ ، ففيه ما عرفت .
وما قاله شيخنا ـ قدسسره ـ في الفائدة أيضاً : من أنّ الرواية واضحة الدلالة علىٰ عدم نجاسة البئر بدون التغيّر ؛ لأنّه نفىٰ الإفساد عنه بدون التغيّر علىٰ وجه العموم ، فتكون النجاسة منفية ؛ لأنّها أقوىٰ أنواع الإفساد ، بل الظاهر أنّ المراد بها النجاسة ، كما يقتضيه المقام والوصف بالسعة والاستثناء .
لا يخلو من وجاهة ، غير أنّ السعة قد تقدم ذكر الإجمال فيها (٣) .
وما قد يتخيل ـ من أنّ العموم لا صفة له ـ فجوابه أنّ الفعل في حكم النكرة .
أما ما قاله شيخنا ـ قدسسره ـ : من أنّ هذه الرواية تدل علىٰ عدم وجوب
__________________
(١) في « فض » و « رض » زيادة : أنه يتوجّه عليه من .
(٢) العبارة موجودة في مدارك الأحكام ١ : ٥٦ .
(٣) راجع ص ٢٥٨ .