الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-173-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٨
الخبر الذي رواه الشيخ في الغرفتين المحتمل لإرادة الإسباغ منها ، وهو غير المرّتين المذكورتين في كلام الصدوق ، واحتمال إرادته الغرفتين للإسباغ لا يتم كما لا يخفىٰ .
والعلّامة في المختلف بعد أنّ ذكر قول ابن بابويه ، أجاب بما لا فائدة في ذكره ، سوىٰ ما ذكره في الجواب عن الحمل علىٰ التجديد ، من أنّه لا ينسحب علىٰ الحديث الذي رواه زرارة وبكير عن الباقر عليهالسلام (١) .
وعنىٰ بالحديث ما رواه الشيخ فيما يأتي (٢) ، وقد أشرنا إليه ، والمطلوب منه قولهما : فقلنا : أصلحك الله الغرفة الواحدة تجزئ للوجه وغرفة للذراع ؟ فقال : « نعم إذا بالغت فيها ، والثنتان يأتيان علىٰ ذلك كله » (٣) وهذا لا أعلم وجه عدم انسحاب التجديد إليه ، فإنّ مفاد الحديث كون الغرفتين إذا فعلهما الإنسان يأتيان علىٰ ذلك كلّه ، وأين هذا من الغسلتين .
ولعلّ العلّامة فهم من الغرفتين الغسلتين ، أو أنّ الحديث مطلق في الغرفتين ، بحيث يتناول ما لو تمّت الغسلة الاُولىٰ بغرفة ، وأنت خبير بأنّ إطلاقه يقيّد بغيره ، وحينئذٍ لا يخفىٰ عليك الحال .
إذا عرفت هذا كلّه وتحققته وفي صحيفة خاطرك كتبته فاعلم أنّ الذي رأيته في نسخ المختلف ما نقلته أوّلاً : من القول بعدم جواز الثانية عن ابن إدريس (٤) .
__________________
(١) المختلف ١ : ١١٧ .
(٢) في ص ٤٦٣ .
(٣) التهذيب ١ : ٨١ / ٢١١ ، الوسائل ١ : ٣٨٨ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣ .
(٤) راجع ص ٤٥٢ .
وفي الحبل المتين نقلاً عن السرائر ما هذا لفظه : المرّتان فضيلة بإجماع المسلمين ، ثم قال : ولا يلتفت إلىٰ خلاف من خالفه من أصحابنا بأنّه لا يجوز المرّة الثانية ، لأنّه إذا تعين المخالف وعرف اسمه ونسبه فلا يعتد بخلافه (١) .
وشيخنا ـ قدسسره ـ في المدارك نقل عن ابن إدريس أيضاً أنّه ادّعىٰ الإجماع علىٰ استحباب الثانية (٢) .
وعلىٰ هذا فالظاهر أنّ نقل العلّامة لا يخلو من خلل ، ولعلّ هذا لا يضرّ بحال الكلام السابق ، لجواز تأخّر القائل عن الشيخ ، وعدم اعتباره نقله للإجماع ، وفيه نوع تأمّل .
وحكىٰ شيخنا ـ قدسسره ـ عن ابن إدريس أيضاً ، أنّه حكىٰ عن أحمد ابن أبي نصر البزنطي أنّه قال في نوادره : واعلم أنّ الفضل في واحدة واحدة ، ومن زاد علىٰ اثنتين لم يؤجر . وقال الكليني في الكافي بعد أن أورد رواية عبد الكريم السابقة : هذا دليل علىٰ أنّ الوضوء إنّما هو مرّة مرّة ، لأنّه صلىاللهعليهوآله كان إذا ورد عليه أمران كلاهما طاعة لله أخذ بأحوطهما وأشدّهما علىٰ بدنه ، وأنّ الذي جاء عنهم أنّه قال : « الوضوء مرّتان » أنّه هو لمن لم يقنعه مرّة فاستزاده ، فقال : « مرّتان » ثم قال : « ومن زاد علىٰ مرّتين لم يؤجر » وهو أقصىٰ غاية الحدّ في الوضوء الذي من تجاوزه أثِم ولم يكن له وضوء (٣) . انتهىٰ .
ولا يخفىٰ إجمال كلام الثقة الجليل محمّد بن يعقوب كما قدّمنا إليه
__________________
(١) الحبل المتين : ٢٤ وهو في السرائر ١ : ١٠٠ .
(٢) مدارك الأحكام ١ : ٢٣١ .
(٣) مدارك الأحكام ١ : ٢٣٣ .
الإشارة (١) .
قال :
ويؤكد ذلك أيضاً ما رواه محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اُذينة (٢) ، عن زرارة وبكير ، أنهما سألا أبا جعفر عليهالسلام عن وضوء رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فدعا بطشت ، وذكر الحديث إلىٰ أن قال : فقلنا : أصلحك الله فالغرفة الواحدة تجزئ للوجه وغرفة للذراع ؟ قال : « نعم إذا بالغت فيها والثنتان تأتيان علىٰ ذلك كله » .
السند :
حسن بإبراهيم بن هاشم ، وقد قدّمنا ما وقع للشيخ في تفريق هذا الحديث (٣) .
المتن :
قد تقدم فيه كلام ، ويبقىٰ أنّ قوله : « تأتيان علىٰ ذلك كله » لا يخلو من إجمال ، من حيث إنّ الإشارة محتملة العود إلىٰ الغَسل ، ويراد حينئذٍ به عدم الاحتياج إلىٰ المبالغة المذكورة في الغرفة ، ويحتمل العود إلىٰ محل الغَسل من الوجه واليدين .
__________________
(١) في ص ٤٥٧ .
(٢) الاستبصار ١ : ٧١ / ٢١٦ : عمر بن اُذينة .
(٣) في ص ٣٩٢ ـ ٣٩٣ .
ويحتمل أن يراد بالثنتين الغرفة التي للوجه والغرفة التي للذراع مع المبالغة يأتي علىٰ المحل كله ، فيفيد الخبر عدم الاحتياج إلىٰ غرفة اُخرىٰ لكل منهما ، كما يفيده فعل الإمام عليهالسلام في رواية أبي عبيدة (١) ، إذ لو كان المراد الغرفتين في كل من الأعضاء المغسولة لأفاد الاستحباب ، وإخلاله عليهالسلام به غير لائق ، سيّما وقد ذكر بعض احتمال أن يكون الثانية إسباغاً (٢) ، وهو مؤكّد في الوضوء .
وفي نظري القاصر أنّ هذا الاحتمال له نوع رجحان ، فيندفع به ما قيل في الحديث : إنّ الثانية للإسباغ ، فليتأمّل .
أمّا قوله عليهالسلام : « إذا بالغت فيها » فالمراد به علىٰ الظاهر إملاء الكفّ من الماء ، ويحتمل إرادة المبالغة في استيعاب العضو بإمرار اليد علىٰ جميع العضو وإن لم يكن الكفّ مملوّاً من الماء ، مع احتمال إرادة الأمرين ، ولا يخفىٰ دلالة الحديث حينئذ علىٰ الاكتفاء في الغَسل بنحو الدهن .
ولا يرد عليه أنّ الغَسل لا يتحقق حينئذٍ ، بل هو مسح .
لإمكان أن يقال : إنّ الفرق بين الغَسل والمسح بكون الغَسل لا يشترط فيه المشابهة للدهن بخلاف المسح ؛ أو يقال : إنّ الغَسل في العضو باعتبار الأغلب فيه وإن كان في بعضه مشابهة للمسح ، بخلاف المسح .
فيندفع حينئذٍ ما قيل : إنّ الفرق بين العضو المغسول والممسوح لا يتحقق ، علىٰ أنّ الغرفتين في كل عضو لا ينفك بعض أجزائه عن المشابهة للمسح ، فلا بُدّ من أحد الاعتبارين الذين ذكرناهما ، ( أو غيرهما ) (٣) ممّا
__________________
(١) المتقدّمة في ص ٤٤٩ .
(٢) راجع : ص ٤٦٠ .
(٣) ليست في « رض » .
تقدم .
فإن قلت : كيف يليق من زرارة وبكير أن يسألا عن الغرفة الواحدة ، مع أنّ الحديث تضمّن أنّه عليهالسلام غسل كل عضو بكفّ من ماء ، كما سبق في الرواية إن كانت هي المرادة هنا ؟
قلت : الظاهر أنّ الرواية هي المتقدمة ، وإن اختلف السند ، ولعل السؤال منهما لدفع احتمال كون فعله عليهالسلام أحد أفراد وضوء رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فاُريد بالسؤال عن الإجزاء دائماً ، وإن لم يدل اللفظ عليه ، لكن بمعونة ما ذكر ، وفيه نوع تأمّل ، والأمر سهل .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ جدّي ـ قدسسره ـ في المسالك قال : إنّ التشبيه بالدهن في كلام المحقق في الشرائع مبالغة في الاجتزاء (١) بالجريان القليل علىٰ جهة المجاز لا الحقيقة .
وقد يقال عليه : إنّ مثل هذا الخبر الدال علىٰ الاكتفاء بالغرفة ظاهر الدلالة علىٰ الاكتفاء بالدهن حقيقة ، وأدلّ منه صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « إنّما الوضوء حدّ من حدود الله ، ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه ، وإنّ المؤمن لا ينجّسه شيء ، إنّما يكفيه مثل الدهن » (٢) .
فإن قلت : ظاهر رواية زرارة ومحمّد أنّ الذي يجزئ مثل الدهن ، لا الدهن ، والمطلوب الثاني ، فلا يتمّ الدلالة .
قلت : الظاهر أنّ الدهن المشبّه به ما كان بغير الماء من الأدهان ، والتشبيه للماء به ، ومن هنا يعلم أنّ ما أورده شيخنا ـ قدسسره ـ علىٰ جدّي ـ قدسسره ـ
__________________
(١) في المسالك ١ : ٤١ الإجزاء .
(٢) التهذيب ١ : ١٣٨ / ٣٨٧ . الوسائل ١ : ٤٨٣ أبواب الوضوء ب ٥٢ ح ١ .
من أنّه لا مانع من كون التشبيه حقيقة (١) . مجمل المرام ، وكشفه بما ذكرناه بعد التأمّل فيه حق التأمّل ، والله تعالىٰ أعلم .
قال :
فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن محمّد ، عن موسىٰ بن إسماعيل بن زياد ، والعباس بن السندي ، عن محمّد بن بشير ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « الوضوء واحدة فرض واثنتان لا يؤجر والثالثة بدعة » .
فالوجه في قوله عليهالسلام : « واثنتان لا يؤجر » أنّه إذا اعتقد أنّهما فرض لا يؤجر عليهما ، فأمّا إذا اعتقد أنّهما سنّة فإنّه يؤجر علىٰ ذلك ، والذي يدل علىٰ ما قلناه :
ما أخبرني به الشيخ ـ رحمهالله ـ عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن عيسىٰ ، عن زياد بن مروان القندي ، عن عبد الله بن بكير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « من لم يستيقن أنّ واحدة من الوضوء تجزيه لم يؤجر علىٰ الثنتين » (٢) .
السند :
في الأوّل موسىٰ بن إسماعيل : مجهول الحال ، والمذكور في الرجال بهذا الاسم مهمل (٣) ، لكنه غير معلوم كونه هذا ، إذ ليس ابن زياد مذكوراً ،
__________________
(١) مدارك الاحكام ١ : ٢٣٥ .
(٢) في النسخ : اثنتين ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٧١ / ٢١٨ .
(٣) رجال النجاشي : ٤١٠ / ١٠٩١ .
والعباس بن السندي : لم أجده في الرجال ؛ ومحمّد بن بشير : مشترك بين ثقة وغيره (١) .
وفي الثاني زياد بن مروان : وهو واقفي غير موثق .
المتن :
قد قدّمنا ما في الأوّل من الإشكال في توجيه الشيخ له بالاعتقاد ، فإنّ اللازم منه حصول الإثم ، وكون عدم الأجر لا ينافيه وإن كان صحيحاً ، إلّا أنّ جعل الثالثة بدعة يدل علىٰ أنّ فعل الثنتين ليس بدعة ، ومع الاعتقاد يكون بدعة ، ومن لوازمها الإثم .
واستدلال الشيخ بالخبر الثاني فيه الإشكال أيضاً ، إلّا أنّه أخفّ باعتبار تحقق عدم الأجر (٢) فيما فيه الإثم ، إلّا أنّ التعبير غير واضح الوجه ، والأمر سهل بعد ضعف الرواية .
فإن قلت : ربما يستفاد من الرواية الأخيرة أنّ من لم يستيقن إجزاء الواحدة ( لم يؤجر ) (٣) علىٰ الواحدة ، والحال أنّه ليس كذلك . قلت : لا يبعد ذلك ، إلّا أنّ الكلام في ذلك خال من الفائدة بعدما أشرنا إليه .
قال :
فأمّا ما رواه الصفار عن يعقوب بن يزيد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن داود بن زربي ، قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الوضوء ،
__________________
(١) هداية المحدثين : ٢٢٩ .
(٢) في « رض » : الاجزاء .
(٣) في « رض » : يؤجر ، وفي « فض » : ثم يؤجر .
فقال لي : « توضّأ ثلاثاً ثلاثاً » قال : ثم قال : « أليس تشهد بغداد وعساكرهم ؟ » قلت : بلىٰ ، قال : كنت يوماً أتوضّأ في دار المهدي فرآني بعضهم وأنا لا أعلم به ، فقال : كذب من زعم أنّك فلاني وأنت تتوضّأ هذا الوضوء ، قال : فقلت (١) : لهذا والله أمرني .
فإنّه صريح في التقيّة ، وإنّما أمره اتقاءً عليه وخوفاً علىٰ نفسه ، بحضوره مواضع الخوف ، فأمره أن يستعمل ما تسلم معه نفسه (٢) وماله .
السند :
فيه داود بن زربي ، وقد نقل العلّامة في الخلاصة عن النجاشي توثيقه عن ابن عقدة (٣) ، ولم نر توثيقه في النسخ التي وقفنا عليها من النجاشي (٤) ، وعلىٰ تقدير الثبوت عن النجاشي فابن عقدة حاله معلوم .
المتن :
واضح الدلالة علىٰ ما قاله الشيخ ، غير أنّ الكشي روىٰ رواية عن داود الرقي قال : دخلت علىٰ أبي عبد الله فقلت له : كم عدّة الطهارة ؟ فقال : « ما أوجبه الله فواحدة ، وأضاف رسول الله صلىاللهعليهوآله واحدة لضعف الناس ، ومن توضّأ ثلاثاً فلا صلاة له » أنا معه في ذا حتىٰ جاء داود بن زربي وأخذ زاوية من البيت ، فسأله عمّا سألته في عدّة الطهارة ، فقال له : « ثلاثاً ثلاثاً من نقص عنه فلا صلاة له » قال : فارتعدت فرائصي ، وكاد أن يدخلني
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٧١ / ٢١٩ : قلت .
(٢) في الاستبصار ١ : ٧٢ / ٢١٩ زيادة : وأهله .
(٣) خلاصة العلّامة : ٦٩ .
(٤) رجال النجاشي : ١٦٠ / ٤٢٤ .
الشيطان ، فأبصر أبو عبد الله عليهالسلام إليّ وقد تغيّر لوني ، فقال : « أسكن يا داود هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق » قال : فخرجنا من عنده ( وكان ابن زربي إلىٰ جوار أبي جعفر ) (١) المنصور ، وكان قد اُلقي إلىٰ أبي جعفر أمر داود بن زربي وأنّه رافضي يختلف إلىٰ جعفر بن محمّد ، فقال أبو جعفر المنصور : إنّي مطلع علىٰ طهارته ، فإن هو توضّأ وضوء جعفر بن محمّد فإنّي لأعرف طهارته ، حققت عليه القول وقتلته ، فاطّلع وداود يتهيّأ للصلاة من حيث لا يراه ، فأسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثاً ثلاثاً ، كما أمره أبو عبد الله عليهالسلام ، فما تمّ وضوءه حتىٰ بعث إليه أبو جعفر المنصور فدعاه ، فقال (٢) داود : فلمّا أن دخلت عليه رحّب بي ، وقال : يا داود قيل فيك شيء باطل وما أنت كذلك ، وقد اطّلعت علىٰ طهارتك وليس طهارتك طهارة الرافضة . الحديث (٣) .
ولولا أنّ في سنده جهالة لدل علىٰ أمر غير خفي من زيادة الواحدة لضعف الناس ، وربما لخّص الشيخ الحديث من هذا ، وقد يظن من التقية التي ذكرها الشيخ خلاف ما يفهم من هذه الرواية ، ودفعه ظاهر .
قال :
باب وجوب الموالاة في الوضوء
أخبرني الشيخ ـ رحمهالله ـ عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن أحمد
__________________
(١) بدل ما بين القوسين في الكشي هكذا : وكان بيت ابن زربي إلىٰ جوار بستان أبي جعفر .
(٢) في الكشي : قال فقال .
(٣) رجال الكشي ٢ : ٦٠٠ .
ابن إدريس ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ابن أيوب ، عن الحسين بن عثمان ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا توضّأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتىٰ يبس وضوؤك فأعد وضوءك ، فإنّ الوضوء لا يتبعّض » .
وبهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد ، عن معاوية بن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ربما توضّأتُ فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي ، قال : « أعد » .
السند :
في الحديثين واضح الحال بعدما قدّمناه مراراً ، غير أنّ رواية الحسين ابن سعيد عن معاوية بن عمار في الثاني بغير واسطة ليس بمعهود ، وغالباً ما يكون فضالة ونحوه ، وحينئذٍ فالحديث محل ارتياب من هذه الجهة . والأولىٰ من أبي بصير وسماعة .
المتن :
في الخبرين ظاهره أنّ الوضوء إذا جفّ جميع السابق قبل إكماله وجبت إعادته ، وهو أحد الأقوال لعلمائنا ، علىٰ معنىٰ أنّ الحكم بالإعادة يتوقف علىٰ الجفاف المذكور ، فلو جفّ البعض لم تجب الإعادة (١) . وقيل : باشتراط بقاء جميع الأعضاء السابقة مبتلّة إلىٰ مسح الرِّجلين ، وهو منقول عن ابن الجنيد (٢) . ونقل عن المرتضىٰ وابن إدريس
__________________
(١) كما في المعتبر ١ : ١٥٧ ، والمدارك ١ : ٢٢٩ .
(٢) نقله عنه الشهيد في الذكرىٰ ٢ : ١٧٠ .
اعتبار بقاء البلل علىٰ العضو السابق علىٰ ما هو فيه (١) .
والخبران كما ترىٰ دلّا علىٰ البطلان بجفاف الجميع كما يظهر منهما ، واحتمال شمولهما للبعض بعيد ، وعلىٰ الأوّل فلو بقي بعض بغير جفاف لم يبطل الوضوء .
واحتجّ المحقق في المعتبر علىٰ هذا القول أيضاً باتّفاق الأصحاب علىٰ أنّ الناسي للمسح يأخذ من شعر لحيته وأجفانه ، وإن لم يبق في يده نداوة (٢) ؛ وفيه نظر ، لاحتمال الاختصاص بالناسي ، أو حال الضرورة .
وفي نظري القاصر إمكان الاستدلال بالآية الشريفة ، فإنّ الامتثال يحصل بالوضوء بأيّ وجه اتّفق ، فإذا خرج جفاف الجميع بالإجماع بقي الباقي ، هذا علىٰ تقدير عدم العمل بالخبر الأوّل ، ولو عملنا به احتمل أن يستفاد من قوله عليهالسلام : « إنّ الوضوء لا يتبعّض » اشتراط بقاء جميع البلل ، إلّا أنّ المنقول عن ابن الجنيد القائل باعتبار بقاء جميع البلل أنّه قيّده بغير الضرورة ، والنص مطلق ، ولعلّ الأمر في هذا سهل .
غير أنّ الحديث قد يحتمل غير ما ذكرناه وهو أن يراد بعدم تبعّضه وجوب الموالاة ، بمعنىٰ أن يوالي بين غَسل الأعضاء ولا يؤخّر بعضها عن بعض ، والخلاف في الموالاة واقع بين الأصحاب ، فالمنقول عن الشيخ في الجمل أنّه قال : الموالاة أن يوالي بين غَسل الأعضاء ولا يؤخّر بعضها من بعض بمقدار ما يجفّ ما تقدم (٣) ، ويعبّر عن هذا بمراعاة الجفاف . وهذا
__________________
(١) نقله عنهما الشهيد في الذكرىٰ ٢ : ١٧٠ وهو في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٥ ، والسرائر ١ : ١٠٣ .
(٢) المعتبر ١ : ١٥٧ .
(٣) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٥٩ .
القول محكيّ من جماعة أيضاً (١) .
ونقل عن الشيخ في الخلاف أنّه قال : الموالاة أن تتابع بين أعضاء الطهارة ولا يفرق بينها إلّا لعذر (٢) ، بانقطاع الماء ، ثم يعتبر إذا وصل إليه الماء فإن جفّت أعضاء طهارته أعاد الوضوء ، وإن بقي في يده نداوة بنىٰ عليه .
ونقل عن الشيخ أيضاً أنّ الموالاة هي المتابعة مع الاختيار ، فإن خالف لم يجزه (٣) .
وقد احتجوا لهذه الأقوال بوجوه ، ولم يذكروا فيها الرواية ، وكأنّ الوجه في ذلك عدم تعيّن الاحتمال ، وبتقدير التعيّن يفيد الإبطال مطلقاً ، والقول به غير معلوم ، وقد يقال : إنّ التقييد بالإجماع ممكن ، فالأولىٰ الاعتماد علىٰ عدم تعين الاحتمال ، فليتأمّل .
اللغة :
قوله في الخبر الثاني : نَفِد بالفاء المكسورة والدال المهملة : فنىٰ ، والوَضوء في قوله : فيجفّ وَضوئي ، في الخبر الثاني أيضاً بفتح الواو بمعنىٰ ماء الوضوء ، وكذلك الوَضوء الواقع فاعلاً في الخبر الأوّل ، ونقل في الحبل المتين عن بعض أهل اللغة أنّه يفهم منه أنّ الوضوء بالضم يجئ بمعنىٰ ماء الوضوء (٤) .
__________________
(١) حكاه عنهم في المدارك ١ : ٢٢٦ و ٢٢٧ .
(٢) المعتبر ١ : ١٥٧ ، الخلاف ١ : ٩٣ .
(٣) حكاه عنه في المدارك ١ : ٢٢٧ وهو في المبسوط ١ : ٢٣ .
(٤) الحبل المتين : ٢٣ .
قال :
فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن حريز ، في الوضوء يجفّ قال : قلت : فإنّ جفّ الأوّل قبل أن أغسل الذي يليه ؟ قال : « جفّ أو لم يجفّ اغسل الذي بقي » (١) قلت : وكذلك غسل الجنابة ؟ قال : « هو بتلك المنزلة وابدأ بالرأس ثم أفِض علىٰ سائر جسدك » قلت : وإن كان بعض يوم ؟ قال : « نعم » .
فالوجه في هذا الخبر أنّه إذا لم يقطع المتوضّئ وضوءه وإنّما تجفّفه الريح الشديدة أو الحرّ العظيم فعند ذلك لا يجب عليه إعادته ، وإنّما تجب عليه الإعادة في تفريق الوضوء مع اعتدال الوقت والهواء ، ويحتمل أيضاً أن يكون ورد مورد التقية ، لأنّ ذلك مذهب كثير من العامة .
السند :
فيه محمّد بن عيسىٰ الأشعري ولم أجد توثيقه في الرجال .
المتن :
ما ذكره الشيخ فيه (٢) لا يتم بعد قوله : وكذلك غسل الجنابة ، فإنّ ما ذكره في الوضوء لا يشترط في الغسل ، إلّا أن يقال : إنّ تقييد الوضوء
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٧٢ / ٢٢٢ : اغسل ما بقي .
(٢) ليس في « رض » .
لا يقتضي تقييد غيره ، وإن اشتمل الحديث الواحد عليهما . وفيه ما فيه .
وقد يقال : إنّ الحديث يدل علىٰ أنّه إذا جفّ الأوّل قبل أن يغسل الذي يليه لا يؤثّر ، فلا اعتبار ببقاءِ نداوته وجفافها ، وهذا لا ينافي الخبر الدال علىٰ أنّ جفاف جميع الأعضاء مبطل ، وحينئذٍ لا تعارض إلّا إذا كان في صورة جفاف الوجه قبل غسل اليد اليمنىٰ ، فتحمل علىٰ غير هذه الصورة ، غاية الأمر أنّه مطلق فيقيّد الشمول لما يخالف الأوّل ، وتقييده بغيره ممكن ، كما لا يخفىٰ ، نعم لمّا (١) كان عند الشيخ اشتراط بقاء جميع البلل كما يفهم من ذكر منافاة هذه الرواية لما تقدم ، فمن ثم احتاج إلىٰ التأويل الذي قاله ، وفيه ما فيه ، والحمل علىٰ التقية متعين بتقدير تماميّة اعتقاده ، فليتأمّل في ذلك .
قال :
باب وجوب الترتيب في الأعضاء الأربعة (٢)
أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن عدّة من أصحابنا ، منهم أبو غالب أحمد بن محمّد الزراري ، وأبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، وأبو محمّد هارون بن موسىٰ التلّعُكبري ، وأبو عبد الله بن أبي رافع الصيمري (٣) وأبو المفضل الشيباني كلهم ، عن محمّد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل ابن شاذان جميعاً ، عن حماد ابن عيسىٰ ، عن حريز ، عن زرارة قال : قال أبو جعفر عليهالسلام : « تابع بين الوضوء ، كما قال الله عزّ وجلّ ، ابدأ بالوجه
__________________
(١) ليس في « رض » .
(٢) ليس في الاستبصار ١ : ٧٣ .
(٣) في الاستبصار ١ : ٧٣ / ٢٢٣ : وأبو عبد الله الحسين بن أبي الرافع الصيمري .
ثم باليدين ثم امسح الرأس والرِّجلين ، ولا تقدّمنّ شيئاً بين يدي شيء تخالف ما أمرت به ، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد علىٰ الذراع ، وإن مسحت الرِّجل قبل الرأس فامسح علىٰ الرأس قبل الرِّجل ثم أعد علىٰ الرِّجل ، ابدأ بما بدأ الله عزّ وجلّ » .
وأخبرني ابن أبي جيد القمي ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن ابن اُذينة ، عن زرارة قال : سُئل أحدهما عن رجل بدأ بيده قبل وجهه ، وبرجليه قبل يديه ، قال : « يبدأ بما بدأ الله به ، وليُعِد (١) ما كان فعل » .
وبهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن منصور ابن حازم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في الرجل يتوضّأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين ، قال : « يغسل اليمين ويعيد اليسار » .
السند :
في الأوّل أبو غالب الزراري من الأجلّاء ، والشيخ وثّقه فيمن لم يرو عن أحد من الأئمّة عليهمالسلام (٢) ؛ وأبو القاسم معلوم مما تقدم (٣) ؛ وأبو محمّد هارون بن موسىٰ وثّقه النجاشي والشيخ في كتاب الرجال (٤) ؛ وأما ابن أبي رافع فلم أعرف الآن اسمه في الرجال ، وكتبه غير مذكورة أيضاً ؛ وأبو المفضّل هو محمّد بن عبد الله ، وفيه كلام ؛ وبقيّة السند معلومة .
__________________
(١) في النسخ زيادة : علىٰ ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٧٣ / ٢٢٤ .
(٢) رجال الطوسي : ٤٤٣ / ٣٤ .
(٣) في ص ١١٤ ـ ١١٥ .
(٤) رجال النجاشي : ٤٣٩ / ١١٨٤ ، رجال الطوسي : ٥١٦ / ١ .
وفي الثاني : قد تقدّم القول فيه ، وهو معدود من الصحيح ؛ وكذلك الثالث .
المتن :
في الثلاثة دال علىٰ الترتيب فيما عدا الرِّجلين بالنسبة إلىٰ تقديم اليمنىٰ علىٰ اليسرىٰ ، وقد روىٰ الكليني في الحسن بإبراهيم بن هاشم ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « الاُذنان ليسا من الوجه ولا من الرأس » قال : وذكر المسح ، فقال : « امسح علىٰ مقدم رأسك وامسح علىٰ القدمين وابدأ بالشق الأيمن » (١) وقد وصفها شيخنا ـ قدسسره ـ بالصحة ، وحكم بوجوب الترتيب بينهما (٢) ، والأمر كما ترىٰ .
ثم إنّ المتابعة المذكورة في الخبر الأوّل يراد بها المتابعة بين الأفعال ، بمعنىٰ جعل بعض أفعاله تابعاً أي مؤخّراً وبعضها متبوعاً أي مقدّماً ، كما في الحبل المتين (٣) ، وحينئذٍ لا دلالة للخبر علىٰ المتابعة التي هي الموالاة عند بعض العلماء (٤) ، كما هو واضح .
وربما يتخيل عدم وفاء الأحاديث الثلاثة بالدلالة علىٰ الترتيب في جميع الأعضاء ما عدا الرِّجلين ، إلّا أنّ التأمّل يدفع ذلك .
وقوله عليهالسلام في الخبر الأوّل : « إبدأ بما بدأ الله به » يراد به البدأة الحقيقية والإضافية ؛ وقوله في الخبر الثاني : « وليعد علىٰ ما كان فعل » يراد به أنّه يعيد ما كان قدّمه لا جميع الوضوء ، كما لا يخفىٰ .
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢٩ / ٢ ، الوسائل ١ : ٤١٨ أبواب الوضوء ب ٢٥ ح ١ .
(٢) مدارك الأحكام ١ : ٢٢٢ .
(٣) الحبل المتين : ٢٢ .
(٤) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ٢٢ و ٢٣ ، والنهاية : ١٥ ، والعلّامة في المختلف ١ : ١٣٤ ، وجعله أحوط في الحبل المتين : ٢٣ .
قال :
فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن موسىٰ ابن القاسم وأبي قتادة ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسىٰ بن جعفر عليهماالسلام قال : سألته عن رجل توضّأ ونسي غَسل يساره ؟ فقال : « يغسل يساره وحدها ، ولا يعيد وضوء شيء غيرها » .
فلا ينافي ما قدّمناه من الترتيب ، لأنّ معنىٰ قوله عليهالسلام : « لا يعيد شيئاً من وضوئه » أنّه لا يعيد شيئاً ممّا تقدم من أعضائه قبل غسل يساره ، وإنّما يجب عليه إتمام ما يلي هذا العضو .
والذي يدل علىٰ ذلك :
ما رواه محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن الحسين بن عثمان ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غَسل وجهك ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه ، فإن بدأت بذراعك الأيسر فأعد علىٰ الأيمن ثم اغسل اليسار ، وإن نسيت مسح رأسك حتىٰ تغسل رجليك فامسح علىٰ (١) رأسك ثم اغسل رجليك » .
وعنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه فذكر بعد ذلك غَسَل يمينَه
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٧٤ / ٢٢٧ لا يوجد : علىٰ .
وشماله ومسح رأسه ورجليه ، وإن كان إنّما نسي شماله فليغسل الشمال ولا يعيد (١) علىٰ ما كان توضّأ » وقال : « اتبع وضوءك بعضه بعضاً » (٢) .
الحسين بن سعيد (٣) ، عن القاسم بن عروة ، عن بكير (٤) ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، في الرجل ينسىٰ مسح رأسه حتىٰ يدخل في الصلاة ، قال : « إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه ورجليه فليفعل ذلك وليصلِّ » قال : « وإن نسي شيئاً من الوضوء المفروض فعليه أن يبدأ بما نسي ويعيد ما بقي لتمام الوضوء » .
عنه عن صفوان ، عن منصور ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عمّن نسي أن يمسح رأسه حتىٰ قام في الصلاة قال : « ينصرف فيمسح رأسه ورجليه » .
السند :
في الأوّل واضح ؛ وفي الثاني فيه أبو بصير ، وسماعة قد تقدم فيه القول (٥) ، والثالث حسن ، والرابع فيه القاسم بن عروة ولم أَرَ توثيقه ولا مدحه ؛ وفي الخامس واضح .
المتن :
ما ذكره الشيخ في الأوّل لا يخفىٰ بُعده ، وبتقدير تمامه فالحكم بعدم إعادة ما تقدم مقيّد بما إذا لم يجفّ السابق ، كما هو مقرّر عند الأصحاب
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٧٤ / ٢٢٨ : ولا يُعد .
(٢) في « رض » : ببعض .
(٣) في الاستبصار ١ : ٧٤ / ٢٢٩ لا يوجد : بن سعيد .
(٤) في الاستبصار ١ : ٧٤ / ٢٢٩ يوجد : ابن بكير .
(٥) في ص ٧٢ و ٨٣ ، ١٠٨ ـ ١١٠ .
الذين رأينا كلامهم (١) .
وما تضمنه الثاني : من غسل الرِّجلين لم يتوجه الشيخ إلىٰ بيان الوجه فيه ، ولعلّ المراد به المسح ، وإطلاق الغَسل علىٰ المسح حينئذٍ يدل علىٰ عدم التباين بينهما في الجملة ، والحمل علىٰ التقيّة مشكل ، كما لا يخفىٰ ، إلّا أن يكون علىٰ بعض مذاهب العامة من وجوب الترتيب (٢) .
الثالث : واضح المتن .
والرابع : يراد بالصلاة المأمور بها الاستئناف ، ولا بُدّ من تقييد الخبرين بما قدّمناه ؛ وكذلك الخامس .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الحديث الثالث استدل به العلّامة في المختلف علىٰ وجوب الموالاة ، بمعنىٰ المتابعة علىٰ الوجه الذي يذكره العلّامة ، حيث قال بعد الخبر : والمفهوم من المتابعة فعل كل واحد عقيب الآخر (٣) .
وفيه نظر ؛ إذ الظاهر من سياق الخبر أنّ المراد بالإتباع الترتيب لا المتابعة .
ونقل في المختلف عن ابن إدريس أنّ الموالاة مراعاة الجفاف ، وحكىٰ عنه أنّه قال : يجوز تأخير غَسل اليد اليمنىٰ عن الوجه ما دام الوجه رطباً ، ولا يجوز تأخيره حتىٰ تجفّ رطوبته ، وأنّه يحتجّ بأنّ الأمر بالغَسل ورد مطلقاً ، والأصل براءة الذمّة من المبادرة ؛ لما ثبت أنّ الأمر لا يقتضي الفور .
وأجاب العلّامة بأنّه قد بيّن وجوب المتابعة .
__________________
(١) المتقدم في ص ٤٧٠ ـ ٤٧٢ .
(٢) كما في مغني المحتاج ١ : ٥٤ .
(٣) المختلف ١ : ١٣٤ .
والذي قاله هو الاستدلال بالأمر في الآية وهو للفور ؛ وبأنّه أحوط ؛ وبقوله تعالىٰ ( وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ) (١) وقوله تعالىٰ : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ) (٢) وبأنه تعالىٰ أوجب غَسل الوجه واليدين والمسح عقيب إرادة القيام إلىٰ الصلاة بلا فصل ، وفعل الجميع دفعة متعذّر ، فتحمل علىٰ الممكن ، وهو المتابعة ؛ وبرواية أبي بصير المتقدمة المتضمّنة لقوله عليهالسلام : « إنّ الوضوء لا يتبعّض » (٣) وهو صادق مع الجفاف وعدمه ؛ وبالرواية المبحوث عنها هنا .
وفي الجميع نظر :
أمّا الأوّل : فلمنع دلالة الأمر علىٰ الفور كما حرّر في الاُصول (٤) ، ودعوىٰ بعض الإجماع علىٰ أنّ الأمر للفور في الآية (٥) محل كلام .
وأمّا الاحتياط فلا يصلح دليلاً للوجب مطلقاً .
وآية المسارعة والاستباق فيها كلام أنهيناه في الاُصول .
وإيجاب الجميع عقيب الإرادة أوّل المدعىٰ .
ورواية أبي بصير قد تقدم القول فيها (٦) .
ورواية الحلبي علمت حالها في الدلالة .
وفي المعتبر ـ بعد أن حكم بوجوب المتابعة مع الاختيار واحتج عليها ـ قال : إذا أخلّ بالمتابعة اختياراً لم يبطل الوضوء إلّا مع جفاف
__________________
(١) آل عمران : ١٣٣ .
(٢) البقرة : ١٤٨ .
(٣) في ص : ٤٧٠ .
(٤) معالم الاُصول : ٥١ ـ ٥٣ .
(٥) انظر المدارك ١ : ٢٢٨ .
(٦) في ص ٤٧٠ ـ ٤٧٢ .