الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-173-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٨
المفيد والحسين بن عبيد الله ، فكيف حكمت باختصاص الحسين بن عبيد الله بأحمد بن محمد بن يحيىٰ ؟ .
قلت : الأمر كما ذكرت ، إلّا أنّ كلامنا في عادة الشيخ في الأسانيد المذكورة ، ولم نقف علىٰ حديث يتضمن سنده : الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ؛ وأثر هذا هيّن ، فإنّ أحمد بن محمد بن يحيىٰ وإن ذكره الشيخ في من لم يرو عن أحد من الأئمّة عليهمالسلام (١) ؛ إلّا أنّه لم يوثّق ، وإنّما استفاد البعض توثيقه من تصحيح العلّامة بعض طرق الشيخ وهو فيها .
وفي السند أيضاً الحسين بن الحسن بن أبان ، وقد ذكره الشيخ فيمن لم يرو عن الأئمّة عليهمالسلام (٢) ، وفي رجال الهادي عليهالسلام ولم يوثّقه (٣) ؛ إلّا أنّه يستفاد من بعض الاعتبارات أنّ له جلالة ، كما ذكره الوالد (٤) ـ قدسسره ـ .
وما ذكره ابن داود ـ من أنّه روىٰ عن محمد بن اُورمة وكان ثقة (٥) ـ لا يعتمد عليه .
وما قيل : من احتمال أن يعود التوثيق لمحمد بن اُورمة ، بمعنىٰ أنّه روىٰ عنه حال كون محمد ثقة (٦) .
بعيد ؛ لأنّ محمد بن اُورمة لم ينقل توثيقه في زمن من الأزمان في
__________________
(١) رجال الطوسي : ٤٤٤ / ٣٩ .
(٢) رجال الطوسي : ٤٦٩ / ٤٤ . .
(٣) لم يتعرض له في رجال الهادي عليهالسلام ، بل ذكره في أصحاب العسكري عليهالسلام ، رجال الطوسي : ٤٣٠ / ٨ .
(٤) منتقىٰ الجمان ١ : ٤٢ .
(٥) رجال ابن داود : ٢٧٠ / ٤٣١ .
(٦) مشرق الشمسين : ٨١ .
الموجود من كتب الرجال .
علىٰ أنّ اللازم من هذا صحة الخبر ( أو حسنه إذا رواه الحسين عن محمد بن اُورمة ، ولا أعلم موافقة أحدٍ علىٰ هذا ) (١) .
نعم نقل الشيخ في الفهرست عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه : أنّ كل ما كان في كتبه ممّا يوجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره فإنّه يعتمد عليه (٢) .
وهذا لا يفيد شيئاً في شأن محمد كما لا يخفىٰ .
وذكر شيخنا المحقق ميرزا محمد ـ أيّده الله ـ أنّه يستفاد من تصحيح بعض طرق التهذيب من العلّامة توثيقه (٣) . وقد سمعت الكلام في ذلك (٤) .
وبالجملة لا مجال للقول في ردّ حديث هو فيه ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .
فإن قلت : إنّ التوقف في الحسين بن الحسن بن أبان لا يضر بحال الحديث ؛ لأنّه معطوف علىٰ محمد بن الحسن الصفار ، لأنّ رواية أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان كثيرة في الأخبار .
قلت : الأمر كما ذكرت ، وبتقدير غيره من احتمال العطف علىٰ القريب ، الأمر كذلك ، إلّا أنَّ ذِكرنا لحال الحسين من حيث هو لفائدة التنبيه علىٰ شأنه .
__________________
(١) بدل ما بين القوسين في « رض » : إذا اشتمل سنده علىٰ من ذكر ، وفيه ما فيه .
(٢) الفهرست : ١٤٣ .
(٣) منهج المقال : ٤٢٠ .
(٤) راجع ص ٣٩ .
فإن قلت : المعهود من الشيخ أنّه إذا روىٰ مثل ذلك يقول : جميعاً ، وبتقدير الاعتماد علىٰ المعلوميّة فعطف سعد علىٰ محمد بن الحسن الصفار دون الحسين بن الحسن ـ مع أنّه شريك في العطف معه ـ غير ظاهر الوجه .
قلت : الوجه فيه أنّ الراوي عن الحسين بن سعيد ، أحمد بن محمد ابن عيسىٰ والحسين بن الحسن بن أبان ، فلو عطف الحسين علىٰ محمد بن الحسن لم يتمّ هذا ، كما يظهر بالتأمّل .
فإن قلت : إذا كان الأمر كذلك فليكن الحسين معطوفاً علىٰ أحمد بن محمد بن عيسىٰ .
قلت : إذا عطف عليه سبق الوهم إلىٰ أنّ الراوي عن الحسين ، الصفار وسعد ، والحال ما سمعته من معهودية رواية الشيخ عن أحمد بن محمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان .
وفي فوائد شيخنا المحقق ـ أيّده الله ـ أنّه عطف علىٰ أبيه . ولم يظهر لي وجهه .
المتن :
قد استدلّ (١) بمفهوم الشرط فيه علىٰ نجاسة القليل ـ وهو ما دون الكثير (٢) ـ بالملاقاة ، فيدفع به قول ابن أبي عقيل (٣) .
واعترض الوالد ـ قدسسره ـ عليه : بأنّ المفهوم ليس بعام ، بل العموم في
__________________
(١) المعتبر ١ : ٤٨ .
(٢) كذا في النسخ والأنسب : الكرّ .
(٣) نقله عنه في المختلف ١ : ١٣ .
المنطوق موجود بسبب النكرة في سياق النفي ، وحينئذ لا بدّ من ضميمة عدم القائل بالفصل بين نجاسة ونجاسة . وبهذا يندفع الاستدلال بمفهومه علىٰ نجاسة الغسالة ؛ لوجود القائل بالفصل (١) .
أقول : والظاهر أنّ مراد الوالد ـ قدسسره ـ بضميمة الإجماع ، إنّما هو لإثبات تنجّس القليل ، أمّا ردّ قول ابن أبي عقيل فيكفي فيه ثبوت التنجّس بشيء مّا ؛ لأنّه قائل بعدم التنجّس بكل شيء .
وما قد يقال : إنّ ابن أبي عقيل قائل بتنجّس القليل بالتغيّر ، فلا يضرّه المفهوم في الحديث .
يمكن الجواب عنه : بأنّ المراد بالشيء في الحديث النجاسة من حيث هي ، والتغيّر خارج عنها ، وإن نوقش في هذا .
والأولىٰ الجواب : بأنّ التغيّر في الحديث لا يمكن إرادته من المفهوم ؛ لأنّ التغيّر لا فرق فيه بين الكرّ وغيره ؛ فليتأمّل .
ويمكن أن يقال : إنّ المفهوم إذا أفاد تنجّسه بشيء ما أفاد تنجّسه بكل من النجاسات ؛ لأنّ الإنسان مأخوذ عليه أن لا يستعمل في المشروط بالطهارة إلّا الطاهر ، فإذا دلّ الحديث علىٰ تنجّس القليل بشيء مّا فلا بدّ من العلم بذلك الشيء ، وإذا لم يعلم لم يمكن الحكم بطهارة القليل مع إصابة شيء من النجاسات من دون العلم بشخص المنجّس ، وحينئذ يجب اجتنابه إذا أصابه شيء من النجاسات ، وهو المطلوب .
وقد يجاب : بأنّ الشيء إذا كان غير عام كان مجملاً ، ومع الإجمال لا يجب الاجتناب من دون البيان ، فلا يتمّ الحكم بالعموم ، ولو فرض
__________________
(١) معالم الفقه : ١٢٤ .
تأخير البيان مع وجود محل الحاجة يحكم بالعموم ؛ لعدم جواز التأخير ، ومن دون حضور محل الحاجة لا دلالة فيه علىٰ العموم ، فالاستدلال علىٰ العموم مطلقاً غير تامّ .
علىٰ أنّ التأخير عن محل الحاجة إنّما يفيد العموم إذا كان الشيء منجّساً (١) واُخِّر بيان تنجيسه ، وهذا غير معلوم ، فليتأمّل .
وربما يقال : إنّ المفهوم إنّما يفيد إذا كان الماء عامّاً ، وهو في الحديث محتمل للعهدية احتمالاً ظاهراً ، وبتقدير عدم العهدية فالماء من المفرد المُحلّىٰ ، وعمومه محلّ تأمّل .
ويجاب : بأنّ الماء لا ظهور له في العهدية ، والعموم فيه من حيث منافاة غير العموم ـ من المعاني ـ للحكمة ، كما ذكره المحقق ـ رحمهالله ـ ؛ علىٰ أنّ الماء من باب الجنس المحلّىٰ ، والعموم فيه لا يخلو من وجه ؛ وفي البين كلام .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الحديث قد يستفاد منه نجاسة أبوال الدوابّ من حيث إقرار الإمام عليهالسلام للسائل ، ولم ينكر عليه في ذكر بول الدوابّ ، علىٰ نحو ما ذكروه في غيره من وجوه تقرير الإمام عليهالسلام ، ولم أرَ من ذكره في الاستدلال لذلك ، حتىٰ أنّ الوالد ـ قدسسره ـ سبر الأخبار في باب بول الدوابّ ، وردّها بالطعن في الأسانيد (٢) ، وهذا الحديث لا ينكر الوالد ـ قدسسره ـ صحته (٣) .
ويمكن الجواب عن ذلك : بأنّ التقرير في مثله غير معلوم ، وذكر
__________________
(١) في « د » و « فض » : نجساً .
(٢) معالم الفقه : ٢٠٢ ـ ٢٠٦ .
(٣) منتقىٰ الجمان ١ : ٤٧ .
ولوغ الكلاب كافٍ في الجواب . وفيه ما فيه .
ثم ما تضمنه الحديث من اغتسال الجنب ، لعلّ المراد به مع عدم خلوّ البدن من النجاسة كما هو الغالب ، ولو اُريد الأعمّ من خلوّه وعدمه ليصير الماء مستعملاً أُشكل : بأنّ الجواب لا يوافقه إلّا بأن يراد بالنجاسة ما يتناول المستعمل ، وإثبات الحكم في المستعمل مشكل ـ كما سيأتي بيانه (١) ـ ودلالة الرواية أشدّ إشكالاً ، والكلام السابق في التقرير يأتي هنا بنوع من التقريب .
قوله (٢) ـ رحمهالله ـ :
وأخبرني الشيخ ـ رحمهالله ـ عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان ؛ وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسىٰ ، جميعاً عن معاوية بن عمار قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « إذا كان الماءُ قدرَ كُرٍّ لم ينجّسه شيء » .
السند :
لا يخفىٰ أنّه يشتمل علىٰ طريقين يرويهما محمد بن يعقوب :
أحدهما : عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان .
وثانيهما : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسىٰ .
__________________
(١) يأتي في ص : ٢١٦ ـ ٢١٧ .
(٢) لم يتعرض ـ رحمهالله ـ لبيان الحديث الثاني ، ولعلّه لاتحاده مع الأوّل والثالث في المتن وتضمّنهما لسنده .
وقوله : جميعاً ، عائد إلىٰ صفوان وحماد .
ثم إنّ محمد بن إسماعيل ليس هو ابن بزيع بغير ارتياب ؛ لوجوه ، أوضحها : أنّ محمد بن يعقوب يروي عن محمد بن إسماعيل بن بزيع بواسطتين غالباً ، وبدون واسطة لم يوجد إلّا في بعض الطرق ، ( وفي الظنّ أنّه سهو من الكاتب ) (١) .
ثم إنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع يروي عنه (٢) الفضل بن شاذان دون العكس ، علىٰ أنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع لو روىٰ عنه الكليني يكون قد أدرك خمسةً من الأئمّة عليهمالسلام ، لأنّه من رجال أبي الحسن موسىٰ عليهالسلام ، وهذه المرتبة أحقّ بالذكر في الرجال ؛ لأنّ من يروي عن أربعة أئمة قد ذكروه ، ومحمد بن إسماعيل ، قد ذكر أصحاب كتب الرجال أنّه ( من أصحاب موسىٰ عليهالسلام ) (٣) أدرك أبا جعفر الثاني عليهالسلام وهذه العبارة تفيد أنّه غاية من أدرك ؛ ولو رام محتمل فتح باب الاحتمال في المقام فالتكلّف فيه ظاهر .
وقد حقق الوالد قدسسره ذلك في المنتقىٰ (٤) .
إذا عرفت هذا مجملاً فاعلم أنّه لا يبعد أن يكون محمد بن إسماعيل هذا هو البندقي النيسابوري ؛ لأنّ الكشي كثيراً ما يروي عنه بغير واسطة ، وهو في مرتبة محمد بن يعقوب .
وفيه في ترجمة الفضل بن شاذان ما هذه صورته : ذكر أبو الحسن
__________________
(١) بدل ما بين القوسين في « رض » : وفي الظنّ أنّه لا يدل علىٰ إرادة ابن بزيع هنا ، وسيأتي تفصيل القول في وجهه هنا إن شاء الله .
(٢) في « د » : عن .
(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » .
(٤) منتقىٰ الجمان ١ : ٤٤ .
محمد بن إسماعيل البندقي النيسابوري : أنّ الفضل بن شاذان بن الخليل نفاه عبد الله بن طاهر عن نيسابور بعد أنّ دعا به ، واستعلم كتبه ، وأمره أن يكتبها ـ إلىٰ أن قال ـ : فذكر أنّه يحبّ أن يقف علىٰ قوله في السلف ، فقال أبو محمد : أتولّىٰ أبا بكر ، وأتبرّأ من عمر ، فقال له : ولِمَ تتبرّأ من عمر ؟ قال : لإخراجه العباس من الشورىٰ (١) .
وهذا الحديث من القرائن الواضحة علىٰ ما قلناه ، غير أنّ الرجل غير معلوم الحال .
واعتمد الوالد ـ قدسسره ـ علىٰ عدّ (٢) الحديث من الحَسَن بسبب محمد بن إسماعيل ؛ نظراً إلىٰ اعتناء محمد بن يعقوب بالرواية عنه كثيراً (٣) .
وفي الظنّ أنّ الرواية عن الرجل في بعض الأحيان أيضاً لا تقصر عن ذلك ؛ لما يظهر من النجاشي في ترجمة أحمد بن محمد بن عياش حيث قال : سمعت منه شيئاً كثيراً ، ورأيت شيوخنا يضعّفونه ، فلم أروِ عنه ، وتجنّبته (٤) .
وفي ترجمة أحمد بن محمد بن خالد البرقي قال : إنّه ثقة في نفسه ، يروي عن الضعفاء ، واعتمد المراسيل (٥) .
وظاهر قوله : ـ يروي عن الضعفاء ـ أنّه نوع قدح ، بقرينة اعتماد المراسيل .
وقد يخطر في البال : أنّ الاعتماد علىٰ المراسيل لا يصلح للقدح ؛
__________________
(١) رجال الكشي ٢ : ٨١٨ / ١٠٢٤ .
(٢) في « رض » و « فض » : هذا .
(٣) منتقىٰ الجمان ١ : ٤٥ ، ٥٠ .
(٤) رجال النجاشي : ٨٥ / ٢٠٧ .
(٥) رجال النجاشي : ٧٦ / ١٨٢ .
لأنّ مرجعه إلىٰ الاجتهاد .
إلّا أن يقال : إنّ المراد روايته بالإرسال من دون البيان ، فهو نوع تدليس يقتضي القدح .
وفيه : أنّ بعض علماء الدراية جوّز الرواية بالإجازة من دون ذكر لفظ الإجازة (١) ، [ فضرره ] (٢) بحال المُرِسل محلّ تأمّل إذا كان مذهباً له .
وكلام النجاشي بعد تأمّل ما قلناه ربما يفيد القدح ، وإنّما ذكرناه في مقام التأييد ؛ لأنّ رواية الثقة عن الضعفاء نادر ، فإذا وقع ذكروه ، ومثل الثقة الجليل محمد بن يعقوب لو كان يروي عن الضعفاء لذكر .
فإن قلت : لا ريب في روايته عن الضعفاء في كتابه ، لكن الاعتماد علىٰ القرائن المصحّحة للخبر ، فلا يضرّ ضعف الرجل ، وحينئذ لا يدلّ ما ذكرت علىٰ جلالة شأن محمد بن إسماعيل .
قلت : لما ذكرت وجه ؛ إلّا أنّ ذكر الرواية عن الضعفاء في ترجمة محمد (٣) بن خالد يقتضي مخالفة قاعدة المتقدمين إنّ عمل بالخبر ، وإن كان مجرد الرواية عن الضعفاء من دون عمل بالخبر فلا يضر بحال الشخص ، وظاهر الحال نوع خدش .
فإن قلت : عدم التفات المتقدمين إلىٰ الخبر من جهة رواته (٤) لو كان تامّاً لما صرّحوا باستثناء رواية محمد بن أحمد بن يحيىٰ عن جماعة ، كما يأتي بيانه في مواضع من الكتاب .
__________________
(١) الدراية : ٩٥ .
(٢) في النسخ : فضرورته ، والظاهر ما أثبتناه .
(٣) كذا في النسخ ، والظاهر : أحمد بن محمد . . . راجع ص ٤٨ .
(٤) في النسخ : رواية ، والظاهر ما أثبتناه .
قلت : وما ذكرته أيضاً لا يخلو من وجه ، وإنّي متعجّب من ذلك ؛ غير أنّه يخطر في البال احتمال توجيه الجمع بين ما ذُكِرَ وبين الاستثناء ، بأنّ العمل بالقرائن يقتضي تخفيفها إذا كان الرواة معتَمَداً عليهم ، وعدم تخفيفها إذا لم يكن كذلك ، وحينئذ إذا استثني من روايات محمد بن أحمد ابن يحيىٰ ما يرويه عن الجماعة ، فإذا وردت الرواية عن محمد بن أحمد ابن يحيىٰ عن أحدهم يحتاج إلىٰ تحصيل قرائن زائدة ، ولو روىٰ عن غير الجماعة يفتقر إلىٰ أقلّ ممّا احتيج إليه لو روىٰ عن الجماعة ، فليتأمّل .
فإن قلت : كيف يوافق ما عليه المتقدّمون تصريح الصدوق في الفقيه في باب صلاة الغدير بعد ذكر رواية : أنّ راويها لم يوثّقه شيخه محمد بن الحسن بن الوليد ، وما لم يصحّحه لا يحكم بصحته (١) .
قلت : لا يبعد التوفيق بأنّ عدم توثيق شيخه للراوي يقتضي وجود قرينة الردّ للرواية ، فمن ثَمّ لم يعمل بها ، لا أنّ الأمر منحصر في تصحيح شيخه .
فإن قلت : الذي يظهر من الكشي في ترجمة الحسن بن علي بن أبي حمزة عدم الرواية عن الضعيف وإن لم يعمل بالرواية ، لأنّه نقل عن محمد ابن مسعود أنّه سأل علي بن الحسن بن فضال ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، فقال : كذّاب ملعون ، رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت عنه تفسير القرآن من أوّله إلىٰ آخره ، إلّا أنّي لا أستحلّ أن أروي عنه حديثاً واحداً (٢) .
وكذلك نقل العلّامة في الخلاصة عن ابن الغضائري ، عن علي بن الحسن بن فضال أنّه قال : إنّي لأَستحيي من الله أن أروي عن الحسن بن
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٥٥ .
(٢) رجال الكشي ٢ : ٨٢٧ / ١٠٤٢ .
علي (١) .
قلت : وهذا أيضاً يوجب التعجّب ، إلّا أنّ قول عليّ بن الحسن بن فضال ـ بتقدير اعتباره ـ يمكن أن يحمل علىٰ روايات الحسن بن علي في تفسير القرآن ؛ لأنّ الاحتياط فيه مطلوب .
وربما كان القول المحكي من ابن الغضائري علىٰ الإطلاق فيه نوع توهم ، أو التعبير بالاستحياء كناية عن فعل خلاف الأولىٰ ، ( أو أنّ تحقّق كذب الراوي يعترض بكثرة توجب عدم الرواية عنه ) (٢) وبالجملة فالمقام واسع البحث ؛ إلّا أنّ الدخول في هذا الباب يوجب شيئاً ما (٣) غير خفي .
وإذا عرفت مجمل الأمر فلنعد إلىٰ ما نحن بصدده ، فاعلم أنّه ربما يقال : إنّ غرض النجاشي بقوله ـ في ترجمة أحمد بن محمد بن خالد : إنّه يروي عن الضعفاء ـ (٤) إرادة كثرة روايته عن الضعفاء ، كما فهمه العلّامة في الخلاصة ، حيث قال في ترجمته : إنّه أكثر الرواية عن الضعفاء (٥) .
وإن أمكن أن يقال : إنّ إكثار الرواية من دون عمل لا يقتضي الطعن في الرجل ، وما ذكره النجاشي في ترجمة أحمد بن عياش (٦) ، له نوع دلالة علىٰ رجحان ترك الرواية عن الضعيف ، وهو أعلم بالوجه .
لكن المقصود أنّ المتقدمين لهم حرص علىٰ الرواية عن غير الضعفاء ، فربما كان في رواية الكليني عن الرجل المبحوث عنه نوع دلالة
__________________
(١) خلاصة العلّامة : ٢١٣ .
(٢) ما بين القوسين ليس في « رض » و « د » .
(٣) لفظة ما ليست في « رض » .
(٤) رجال النجاشي : ٧٦ / ١٨٢ .
(٥) خلاصة العلّامة : ١٤ / ٧ .
(٦) رجال النجاشي : ٨٥ / ٢٠٧ .
علىٰ جلالة شأنه .
وفي ترجمة جعفر بن محمد بن مالك قال النجاشي : إنّه ضعيف ، ثم تعجّب من شيخه أبي غالب وابن همام ؛ حيث رويا عنه (١) ؛ إلّا أنّ الظاهر كون التعجّب من زيادة ضعفه في أنّه يضع الحديث .
نعم في ترجمة علي بن الحسن بن فضال قال ـ في مقام الثناء عليه ـ : إنّه قلّ ما روىٰ عن ضعيف (٢) و (٣) نحو ذلك كثير ، ومجال القول واسع .
وأمّا غير محمد بن إسماعيل المذكور فقد ذكر أصحاب الرجال جماعة من المُسمّينَ بهذا الاسم (٤) ؛ إلّا أنّ بعضهم منفي الإرادة بغير ريب ، كمحمد بن إسماعيل العلوي ، فإنّه من أصحاب الباقر عليهالسلام ، ومحمد بن إسماعيل بن رجا من أصحاب الصادق عليهالسلام ، ومحمد بن إسماعيل المخزومي كذلك ، وكذلك محمد بن إسماعيل بن سعيد ، ومحمد بن إسماعيل الجعفي ، ومحمد بن إسماعيل الزعفراني ، فإنّه لقي أصحاب أبي عبد الله عليهالسلام .
وأمّا محمد بن إسماعيل الجعفري فقد ذكر الشيخ في الفهرست أنّ الراوي عنه ابن نهيك (٥) ، وأين هو من محمد بن يعقوب .
ومحمد بن إسماعيل البلخي ذكره الشيخ في رجال الهادي عليهالسلام (٦) ، وظاهر عدم إدراك محمد بن يعقوب له إلّا بتقدير بعيد ، وقد أوضحت القول في هذا في محلّ آخر علىٰ الانفراد ، وملخّص المرام ما ذكرناه .
__________________
(١) رجال النجاشي : ١٢٢ / ٣١٣ .
(٢) رجال النجاشي : ٢٥٧ / ٦٧٦ .
(٣) في « رض » زيادة : بالجملة .
(٤) انظر رجال الطوسي : ١٣٦ ، ٢٨٠ ، ٢٨١ .
(٥) الفهرست : ١٥٢ / ٦٥٥ .
(٦) رجال الطوسي : ٤٢٤ / ٣٦ .
ثم إنّ الحديث لا ريب في حسنه ؛ نظراً إلىٰ الطريق الآخر ، بل قال شيخنا ـ قدسسره ـ : إنّ حديث إبراهيم بن هاشم لا يقصر عن الصحيح (١) .
وفيه تأمّل يظهر من ملاحظة كتب الرجال ، وموافقة الاصطلاح في تعريف الصحيح ؛ فإنّ شأن إبراهيم لا يصل إلىٰ التوثيق علىٰ ما وقفت عليه .
وتصحيح العلّامة في المختلف بعض الطرق الذي هو فيها (٢) ، قد مضىٰ فيه القول (٣) .
غير أنّه ينبغي أن يعلم أنّ النجاشي قال في ترجمة إبراهيم بن هاشم : قال أبو عمرو الكشي : إنّه ـ يعني إبراهيم ـ تلميذ يونس بن عبد الرحمن من أصحاب الرضا عليهالسلام ، وفيه نظر (٤) .
وقد ذكرت وجوهاً للنظر في حاشية الفقيه ، والذي يخطر الآن في البال أنّ أوجهها : كون النظر راجعاً إلىٰ أنّه من أصحاب الرضا عليهالسلام ؛ لأنّ النجاشي ذكر في ترجمة محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني : وروىٰ إبراهيم بن هاشم ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني ، عن الرضا عليهالسلام (٥) .
وهذا الكلام يعطي أنّه روىٰ عن الرضا عليهالسلام بواسطة إبراهيم المذكور .
وإن أمكن أن يقال : إنّه لا مانع من كونه من أصحاب الرضا عليهالسلام وقد روىٰ عنه بواسطة ، إمّا دائماً أو في بعض الأحيان ؛ إلّا أنّ سياق المقال يقتضي عدم لقاء الرضا عليهالسلام .
__________________
(١) انظر المدارك ٦ : ١٨١ .
(٢) المختلف ٣ : ٣٨٤ .
(٣) راجع ص ٣٩ .
(٤) رجال النجاشي : ١٦ / ١٨ .
(٥) رجال النجاشي : ٣٤٤ / ٩٢٨ .
وما ذكره الشيخ ؛ من أنّه من أصحاب الرضا عليهالسلام ، في كتاب الرجال (١) ؛ كأنّه تبع فيه الكشي ، وهذا علىٰ سبيل الإجمال ، وتوضيح القول فيما أشرنا إليه ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .
المتن :
قد تقدم القول فيه بما يغني عن إعادته (٢) ، غير أنّه ينبغي أن يعلم أنّ دلالة الشرط ومفهومه في هذا الحديث ( أظهر .
وينبغي أن يعلم أنّه ) (٣) استُدل بهذا الحديث ونحوه علىٰ اشتراط الكريّة في البئر ، كما ذهب إليه البصروي (٤) ، نظراً إلىٰ العموم في الماء .
واُجيب عنه : بأنّ العموم مخصوص بخبر محمد بن إسماعيل ، الوارد في البئر ، معلّلاً : بأنّ له مادّة ؛ فإنّ التعليل يقتضي عدم الفرق بين القليل والكثير .
وهذا الجواب ذكره الوالد (٥) ـ قدسسره ـ أيضاً .
وقد يقال عليه : إنّه ـ قدسسره ـ كثيراً ما ذكر : أنّ عموم الماء ليس من حيث الصيغة ، بل من حيث منافاة الحكمة لو اُريد غير العموم من المعاني (٦) ،
__________________
(١) رجال الطوسي : ٣٦٩ .
(٢) راجع ص ٤٣ ـ ٤٥ .
(٣) بدل ما بين القوسين في « د » : أشهر ، وقد .
(٤) حكاه عنه في الذكرىٰ ١ : ٨٨ ، والمدارك ١ : ٥٥ ، والحبل المتين : ١١٧ ، وهو الشيخ أبو الحسن محمد بن محمد البصروي ، فقيه فاضل من قدمائنا ، قرأ علىٰ السيد المرتضىٰ ، وأجاز له السيد مصنفاته ، له كتاب المفيد في التكليف ، وكتاب المعتمد . رياض العلماء ٥ : ١٥٨ .
(٥) معالم الفقه : ٣٤ .
(٦) كما في معالم الفقه : ١٢ ، ومعالم الاُصول : ١١٠ .
ولا ريب أنّ انصراف الماء إلىٰ البئر في الحديث السابق بعيد جدّاً ، وفي هذا الحديث لو اعتبر العموم بما ذكر أمكن القول باندفاع منافاة الحكمة بالأفراد الكثيرة للمحقون .
ويمكن الجواب عن ذلك : بمنع ظهور غير ماء البئر بل هو متساوٍ .
ولا يتوجه أن يقال : إنّ الماء في الحديث يتناول الجاري حينئذ ، فيدل بمفهومه علىٰ نجاسة القليل منه .
لأنّه قد اُجيب عن ذلك : بأنّ التعليل في حديث محمد بن إسماعيل لا يوافقه .
والوالد ـ قدسسره ـ قال في الجواب : إنّ العموم في الأحاديث مخصوص بصحيح ابن بزيع ؛ لدلالته علىٰ أنّ وجود المادّة سبب في نفي الانفعال بالملاقاة ، فلو كانت الكريّة معتبرة في ذي المادّة لكانت هي السبب في عدم الانفعال ، فلا يبقىٰ للتعليل بالمادّة معنىٰ (١) .
وقد يقال : إنّ التعليل بالمادّة لو اختصّ بعدم النجاسة كان الجواب متوجهاً ، أمّا لو عاد إلىٰ طيب الطعم ـ كما ذكره شيخنا البهائي (٢) أيّده الله ـ لا يتمّ الجواب .
لكن لا يخفىٰ أنّ تحقيق الكلام لا يتمّ إلّا بذكر خبر ابن بزيع ، وسيأتي إن شاء الله في بابه (٣) ، وإنّما قدّمنا هذا القول للتعلّق بهذين الخبرين في الجملة .
__________________
(١) معالم الفقه : ١١١ .
(٢) الحبل المتين : ١١٧ .
(٣) يأتي في ص ٢٥٨ .
قوله ـ رحمهالله ـ :
فأمّا ما رواه محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير (١) ؛ ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، جميعاً ، عن حماد بن عيسىٰ ، عن حريز ، عن زرارة [ عن أبي جعفر عليهالسلام ] (٢) قال : « إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجّسه شيء ، تفسّخ فيه أو لم يتفسّخ فيه ؛ إلّا أن يجيء له ريح تغلب علىٰ ريح الماء » .
فليس ينافي ما قدّمناه من الأخبار ؛ لأنّه [ قال : ] (٣) « إذا كان الماء أكثر من راوية » فتبيّن أنّه [ إنّما ] (٤) لم يحمل نجاسة إذا زاد علىٰ الراوية ، وتلك الزيادة لا يمتنع أن يكون المراد بها ما يكون به تمام الكرّ .
السند :
قد تقدم القول في مثله (٥) .
وحريز لا ارتياب فيه عند المتأخرين ، وإن كان فيه نوع كلام في الرجال ، ففي النجاشي : كان ممّن شهر السيف في قتال الخوارج بسجستان في حياة أبي عبد الله عليهالسلام وروي أنّه جفاه ، وحجبه عنه (٦) .
وفي الكشي : ذكر في حذيفة بن منصور حديثاً معتبر الاسناد عن
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٦ : محمد بن أبي عمير .
(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار ١ : ٧ .
(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من الاستبصار ١ : ٧ / ٤ .
(٤) ما بين المعقوفين أضفناه من الاستبصار ١ : ٧ / ٤ .
(٥) راجع ص ٤٦ ـ ٥٣ .
(٦) رجال النجاشي : ١٤٤ / ٣٧٥ .
عبدالرحمن بن الحجاج قال : سأل أبو العباس فضل البقباق لحريز الإذن علىٰ أبي عبد الله عليهالسلام ، فلم يأذن له ، فعاوده فلم يأذن له ، فقال : أيّ شيء للرجل أن يبلغ في عقوبة غلامه ؟ فقال : « علىٰ قدر جريرته » قال : قد عاقبتَ ـ واللهِ ـ حريزاً بأعظمَ ممّا صنع ، فقال : « ويحك أما إنّي فعلت ذلك أنّ حريزاً جرّد السيف » الحديث (١) .
وأجاب العلّامة في الخلاصة : بأنّ الحجب لا يستلزم الجرح ؛ لعدم العلم بالسرِّ فيه (٢) .
قال شيخنا المحقق ـ أيّده الله ـ في كتاب الرجال : لاحتمال كون الحجب تقيّة علىٰ نفسه ؛ من حيث إنّ شهر السيف عظيم عند المخالفين (٣) .
ولا يخلو من وجه إلّا أنّ في البين شيئاً .
وأمّا زرارة فحاله مشهور (٤) ، والأخبار الواردة بالقدح فيه (٥) محمولة علىٰ الخوف عليه من أهل الخلاف ، كما هو صريح الخبر الصحيح (٦) .
المتن :
ظاهره أنّ الماء إذا كان أكثر من راوية لم ينجس ، إلّا أن يجيء له
__________________
(١) رجال الكشي ٢ : ٦٢٧ / ٦١٥ بتفاوت يسير .
(٢) خلاصة العلّامة : ٦٣ / ٤ .
(٣) لم نعثر عليه .
(٤) انظر رجال الكشي ١ : ٣٤٥ / ٢٠٨ ـ ٢٣٠ ، رجال النجاشي : ١٧٥ / ٤٦٣ .
(٥) كما في رجال الكشي ١ : ٣٥٨ / ٢٣٠ ـ ٢٤٤ .
(٦) رجال الكشي ١ : ٣٤٩ .
ريح تغلب علىٰ ريح الماء ، وغير خفيّ أنّ الراوية غير معلومة القدر ، والأكثرية في حيّز الإجمال ، والشيخ ـ رحمهالله ـ كما ترىٰ قال : إنّه لا يمتنع أن يكون الزائد علىٰ الراوية يحصل به تمام الكرّ .
وهذا لا ريب فيه ، لكن كان الأولىٰ أن يذكر الأخبار الدالة علىٰ مقدار الكرّ قبل ذكر هذا الخبر ، وما ذكره من الأخبار ، وإن تضمن الكرّ ؛ إلّا أن المقدار مفصلاً لا يعلم منها .
والحديث المتضمن للراوية إنّما تتحقق فيه المنافاة إذا علم أوّلاً مقدار الكرّ مفصلاً ؛ ليفهم منه أنّ الراوية لا تكون هذا القدر غالباً ، فتحمل الزيادة علىٰ تمام الكرّ .
والأمر سهل ، غير أنّ ما تضمنه الحديث ـ من أنّ الريح إذا غلب علىٰ ريح الماء ـ يراد به ريح النجاسة لا ريح المنجّس .
واعتبار الغلبة علىٰ ريح الماء ، وإن ظنّ منه أنّه لا بد أن يكون للماء ريح ؛ إلّا أنّه غير خفيّ عدم اللزوم .
ثم الذي عليه الأكثر هو أنّ المعتبر من التغيير ما يظهر للحسّ ، فلو كانت النجاسة مسلوبة الصفات لم تؤثّر في الماء ، وإن كثرت .
واختار العلّامة وجوب تقدير النجاسة علىٰ أوصافٍ مخالفة ، فإن كان الماء يتغيّر بها علىٰ ذلك التقدير حكم بالنجاسة ، وإلّا فلا (١) .
ونقل عنه الاحتجاج بأنّ التغيّر الذي هو المناط (٢) مع الأوصاف (٣) ،
__________________
(١) قواعد الأحكام ١ : ١٨٣ .
(٢) أي مناط النجاسة .
(٣) أي دائر مدار وجود الأوصاف .
فإذا فقدت وجب تقديرها (١) .
وهذا الاحتجاج غريب ، فإنّه نفس المدعىٰ .
واحتجّ ولده فخر المحققين : بوجود المقتضي ، وهو صيرورة الماء مقهوراً ؛ لأنه كلّما لم يكن الماء مقهوراً لم يتغيّر بها علىٰ تقدير المخالفة ، وينعكس بعكس النقيض إلىٰ قولنا : كلّما تغيّر علىٰ تقدير المخالفة كان مقهوراً (٢) .
وهذه الحجّة مردودة ؛ لتوجّه المنع إلىٰ كلّية الاُولىٰ ، وإطلاق النص يقتضي توقّف النجاسة علىٰ غلبة الريح .
وما قد يقال ؛ من أنّ عدم وجوب التقدير يقتضي جواز الاستعمال ، وإن زادت النجاسة علىٰ الماء أضعافاً ، وهو كالمعلوم البطلان ؛ فهو استبعاد ، لكن لا يصلح دليلاً ، فليتأمّل .
قوله ـ رحمهالله ـ :
وأمّا ما رواه محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « الكرّ من الماء نحو حبّي هذا » ، وأشار إلىٰ حبّ من تلك الحباب التي تكون بالمدينة .
فلا يمتنع أن يكون الحبّ يسع من الماء مقدار الكرّ ، وليس هذا ببعيد .
__________________
(١) حكاه في معالم الفقه : ١٦ .
(٢) إيضاح الفوائد ١ : ١٦ .
السند :
فيه إرسال ، غير أنّ عبد الله بن المغيرة قد ذكر الكشي : أنّه ممّن أجمعت العصابة علىٰ تصحيح ما يصح عنه (١) . وفهم بعض الأصحاب أنّ المراد بهذا الكلام صحة كل ما رواه (٢) ؛ بحيث تصح الرواية إليه ، وحينئذ لا يضرّ الإرسال ، ولا ضعفُ من روىٰ عنه عبد الله بن المغيرة .
وتوقّف في هذا بعض قائلاً : إنّا لا نفهم منه إلّا كونه ثقة .
والذي يقتضيه النظر القاصر أنّ كون الرجل ثقة أمر مشترك ، فلا وجه لاختصاص الإجماع بهؤلاء المذكورين ، وحينئذ لا بدّ من بيان الوجه .
ثم ما ذكره القائل الأوّل ينافيه ما قاله الشيخ في الرواية الآتية عن عبد الله بن المغيرة : من أنّها مرسلة (٣) ؛ فإنّ الشيخ أعلم بمقاصد الكشي من المتأخرين .
ولا يبعد أن يكون الوجه في ذكر الإجماع علىٰ الجماعة المخصوصين ، أنّ عمل المتقدمين بالأخبار إنّما هو مع اعتضادها بالقرائن ، فإذا كان الرواة ممّن اجمع علىٰ تصحيح ما يصح عنهم ؛ كان الإجماع من جملة القرائن ، وبدون هذا يحتاج إلىٰ زيادة القرائن .
فإن قلت : هذا الوجه إنّما يفيد في نفس الرجل ، والعبارة هي تصحيح ما يصح عنه ، فلا يوافق ما ذكرت .
قلت : بل الموافقة حاصلة ، فإنّ الخبر إذا صح إليه علىٰ طريقة
__________________
(١) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠ .
(٢) انظر الخلاصة : ٢٧٧ ، مشرق الشمسين : ٣٢ ، الرواشح السماوية : ٤٧ .
(٣) يأتي في ص ٦٣ .