الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-173-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٨
الكلام خلافه .
الثاني : المنقول عن الصدوق أبي جعفر موافقته لشيخه ابن الوليد في الاستثناء ، وقد صرّح في الفقيه في باب الجمعة في خبر رواه حريز عن زرارة : بأنّه لا يعمل به لتفرّد حريز عن زرارة في روايته (١)، وقوله في محمد ابن عيسىٰ : ـ لا أروي ما يختص بروايته (٢) ـ موجب لنوع تخصيص بمحمد ابن عيسىٰ ، والجمع بين الأمرين غير واضح ، وقد قدمنا أنّ في الفقيه ما يقتضي خلاف هذا أيضاً ، وأجبنا عنه في الجملة (٣) ، وفي المقام يمكن التوجيه بتكلّف .
الثالث : الذي يقتضيه كلام الشيخ في الفهرست (٤) أنّ ابن بابويه استثناه من رجال نوادر الحكمة ، وكتاب نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيىٰ ، واللازم منه استثناؤه من رواية محمد بن أحمد بن يحيىٰ عنه ـ كما هو مذكور في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيىٰ ـ وحينئذ لا دخل لروايته عن يونس إلّا من حيث قول ابن بابويه : ولا أروي ما يختص بروايته ؛ بناءً علىٰ أنّه عامّ لا يختص برواية محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، والحال أنّ الشيخ في هذا الكتاب في باب أنّه لا يجوز العقد علىٰ امرأة عقد عليها الأب قال ـ بعد خبر رواه محمد بن عيسىٰ عن يونس ـ : وهو ضعيف قد استثناه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين من جملة الرجال الذين روىٰ عنهم ( صاحب نوادر الحكمة (٥) .
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٧ .
(٢) حكاه عنه الشيخ في الفهرست : ١٤١ .
(٣) راجع ص ٤٩ ، ٥٠ .
(٤) الفهرست : ١٤٠ / ٦٠١
(٥) الاستبصار ٣ : ١٥٥ / ٥٦٨ .
وهذا الكلام صريح في أنّ ابن بابويه استثناه من الرجال الذين يروي عنهم ) (١) محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، لا أنّه لا يروي عنه مطلقاً .
إلّا أن يقال : إنّه لمّا استثناه فهم منه عدم الرواية عنه مطلقاً .
وفيه نظر واضح ؛ لجواز اختصاص المورد ، وما نقله عنه ـ من قوله : لا أروي ما يختص به ـ غير صريح في العموم ، لجواز خصوص المورد أيضاً .
الرابع : مقتضىٰ كلام النجاشي أنّ ابن بابويه نقل عن ابن الوليد أنّه لا يعتمد علىٰ ما يرويه محمد بن عيسىٰ من كتب يونس وحديثه (٢) ، وكلام الشيخ كما ترىٰ في الفهرست (٣) ، وهذا الكتاب (٤) خلاف ذلك ، فينبغي تأمّل ما ذكرناه فإنّه موجب لذلك .
وإذا عرفت هذا فاعلم أنّه سيأتي ـ إن شاء الله ـ الكلام في رواية محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، ويذكر ما في كلام أبي العباس هناك (٥) ، وهو مؤيّد لما قلناه هنا .
ومن عجيب ما اتفق ممّا يناسب هذا المقام أنّ الشيخ ذكر الأخبار الواردة في أنّ شهر رمضان يلحقه ما يلحق غيره من الشهور في النقصان ، وقال بعد ذكر الروايات الدالة علىٰ أنّه لا ينقص : إنّ أصلها واحد (٦) ، والحال أنّ الصدوق ذكر ضدّ ذلك وبالغ فيه غاية المبالغة (٧) ، كما ذكرناه مفصّلاً في
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في « فض » .
(٢) رجال النجاشي : ٣٣٣ / ٨٩٦ .
(٣) الفهرست : ١٤٠ / ٦٠١ .
(٤) راجع : ص ٨١ .
(٥) يأتي في ٢ : ١٠٩ .
(٦) الاستبصار ٢ : ٦٩ ، التهذيب ٤ : ١٧٢ .
(٧) الفقيه ٢ : ١١١ .
معاهد التنبيه علىٰ نكت من لا يحضره الفقيه .
والمقصود هنا بيان أنّ الصدوق إذا لم يعمل بالخبر المجرّد عن القرائن ، فكيف يدّعي الشيخ أنّ الأخبار الدالة علىٰ مطلوبه ليس لها قرائن توجب العمل ، ولو احتمل عمل الصدوق من دون القرائن ، ينافي ما يصرّح به في الفقيه ، كما قدّمناه عنه (١) ، وإنّ وافقه بعض ما قدّمناه ، إلّا أنّه لا بدّ من الجواب عن الموافق كما علمت ؛ لحصول ما يقرب من العلم بعمل المتقدمين بما ذكر .
واحتمال أن يقال : بجواز حصول القرائن للصدوق دون الشيخ ، هو غاية ما يمكن من الجواب ، إلّا أنّه تكلف ، وعلىٰ كل حال فالمقام في حيّز الإشكال .
وقد يتوجه ما قدّمناه من الاحتمال بالنسبة إلىٰ المتأخّرين فيحتمل العمل بما يرويه محمد بن عيسىٰ عن يونس لأنّهما ثقتان ، والاتصال ظاهراً موجود ، فيصدق عليه تعريف الصحيح لو جمع صفاته من غير هذا الوجه .
والاستثناء المذكور في كلام من ذكر لا يقتضي الضعف ؛ لجواز كون الوجه فيه مختصاً بالمتقدّمين الموقوف [ عملهم ] (٢) علىٰ اقتران الخبر بالقرائن ، غاية الأمر أنّ فيه السؤال السابق : من أنّه لا وجه لاختصاص محمد بن عيسىٰ عن يونس بهذا .
ويمكن أن يقال : إنّ الاستثناء إذا خفي وجهه بحيث احتمل عدم ضعف كل من الرجلين لا يقدح في الصحة المعتبرة عند المتأخّرين .
وما عساه يقال : إنّ مرجع الصحة إلىٰ توثيق الرواة من المتقدّمين ،
__________________
(١) راجع ص ٤٩ ـ ٥٠ .
(٢) في النسخ : عليهم ، والظاهر ما أثبتناه .
وإذا صرّحوا بالاستثناء يعلم عدم التوثيق في هذه المادّة ، وإن وثّق الرجل من جهة اُخرىٰ ، كما يقول أصحاب الرجال : ثقة في الحديث ، فإنّه يقتضي اختصاص التوثيق بالحديث ، وهكذا يقال في محمد بن عيسىٰ عن يونس .
يمكن الجواب عنه : بالفرق بين التصريح بالتوثيق الخاص وبين الإجمال الواقع في محمد بن عيسىٰ ؛ وفي البين كلام بالنسبة إلىٰ الفرق ، إلّا أنّه قابل للتسديد ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .
وأمّا ياسين الضرير فهو مذكور في الرجال مهملاً (١) .
وأبو بصير قد تقدّم القول فيه إجمالا من الاشتراك إذا روىٰ عن غير معيّن من الأئمّة عليهمالسلام بين ثلاثة (٢) ، وفي المقام اشتراكه بين الإمامي الثقة والموثق مع نوع قدح فيه ، وقد عدّ من الموثق في مثل هذه الرواية ، والذي يقتضيه الخبر الآتي من الشيخ في الكتاب : القدح في عقيدته علىٰ وجه يقتضي التوقّف في كون خبره موثقاً ، وسنبيّنه إن شاء الله تعالىٰ (٣) .
المتن :
فيه دلالة علىٰ مطلق التغيّر الشامل للأوصاف الثلاثة ، لكن قد علمت حال سنده ، وهكذا القول في دلالته علىٰ نجاسة أبوال الدوابّ ، ولا أدري الوجه في عدم تعرّض الشيخ لحمل الحديث علىٰ أنّ الماء ليس بقليل إلّا ما تقدّم منه (٤) .
__________________
(١) انظر رجال النجاشي : ٤٥٣ / ١٢٢٧ ، والفهرست : ١٨٣ .
(٢) راجع ص ٧٣ .
(٣) يأتي في ص ١٣٠ .
(٤) راجع ص ٧٠ .
وربّما كان في قوله : « وإن لم تغيّره أبوالها فتوضّأ منه » دون الشرب إشارة إلىٰ عدم جواز الشرب ، لاشتمال الماء علىٰ فضلة لا يجوز شربها . وفيه نوع تأمّل ، إلّا أنّ البحث مع ضعف الخبر قليل الفائدة .
أمّا قوله : « في الماء وأشباهه » فيحتمل الضمير في أشباهه العود إلىٰ الدم ، ويراد بأشباهه سائر النجاسات ؛ ويحتمل أشباه الماء ، ولا يخفىٰ ما فيه ؛ ويحتمل أشباه الدم من النجاسات ذوات الألوان ، هذا .
ولا ريب أنّ تغيّر الماء وإن كان في ظاهره إطلاق ، إلّا أنّ المراد تغيّره بالنجاسات ، وقد أزال الارتياب عليهالسلام بقوله « وإن لم تغيّره أبوالها » .
قوله :
وبهذا الإسناد عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن العباس بن معروف ، عن حماد بن عيسىٰ ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن أبي خالد القماط أنّه سمع أبا عبد الله عليهالسلام يقول في الماء يمرّ به الرجل وهو نقيع فيه الميتة والجيفة ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : « إن كان (١) قد تغيّر ريحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضّأ منه ، وإن لم يتغيّر ريحه وطعمه فأشرب وتوضّأ منه (٢) » .
السند :
إبراهيم بن عمر اليماني ، ذكر النجاشي : أنّه شيخ من أصحابنا ثقة ، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام ، ذكر ذلك أبو العباس وغيره (٣) .
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٩ / ١٠ : إن كان الماء . . .
(٢) ليست في الاستبصار ١ : ٩ / ١٠ .
(٣) رجال النجاشي : ٢٠ / ٢٦ .
والعلّامة في الخلاصة نقل عن ابن الغضائري أنّه قال : إنّه ضعيف جدّاً ، ثم قال العلّامة : والأرجح عندي قبول روايته ، وإن حصل بعض الشك بالطعن فيه (١) .
واعترضه جدّي ـ قدسسره ـ بأنّ في تعديله نظراً :
أمّا أوّلاً : فلتعارض الجرح والتعديل ، والأوّل مرجَّح .
وأمّا ثانياً : فلأنّ النجاشي نقل توثيقه ( وما معه ) (٢) عن أبي العباس وغيره ، وأبو العباس هذا إمّا أحمد بن عقدة ، وهو زيدي المذهب ، أو ابن نوح ، ومع الاشتباه لا يفيد (٣) . انتهىٰ ملخّصاً .
وفيه نظر ، أمّا أوّلاً : فلأن كون التوثيق من النجاشي مجرّد النقل غير معلوم ، بل الظاهر خلافه ؛ وأنّ النقل لروايته عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهماالسلام ، لأنّه أقرب .
وأمّا ثانياً : فلأنّه بتقدير الاحتمال ، فالظاهر من أبي العباس هو ابن نوح عند الإطلاق ، وإذا ثبت التوثيق من النجاشي ، لا عبرة بقول ابن الغضائري ، لأنّه غير معلوم الحال .
( فإن (٤) قلت : ابن الغضائري هو أحمد ، أو الحسين ؟ .
قلت : الظاهر أنّه أحمد ؛ لأنّ العلّامة ذكر في ترجمة إسماعيل بن مهران ما هذا لفظه : وقال الشيخ أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله (٥) . والشيخ قال في خطبة الفهرست ما معناه : أنّ جماعة الأصحاب
__________________
(١) خلاصة العلّامة : ٦ .
(٢) ما بين القوسين ليس في « فض » و « د » .
(٣) حواشي الشهيد علىٰ الخلاصة ( المخطوطة ) : ١ .
(٤) من هنا إلىٰ قوله : وإذا عرفت هذا ، في ص ٨٨ ساقط من « فض » و « د » .
(٥) خلاصة العلّامة : ٨ .
لم يتعرض [ أحد ] (١) منهم لاستيفاء الرجال ، إلّا ما قصده أبو الحسين أحمد ابن الحسين بن عبيد الله ، فإنّ له كتابين : أحدهما ذكر فيه المصنفات ، والآخر ذكر فيه الاُصول (٢) .
وابن طاووس (٣) قال في كتابه الجامع للرجال من كتب الأصحاب ما صورته : ومن كتاب أبي الحسين بن عبيد الله الغضائري (٤) .
وفي الخلاصة أيضاً في ترجمة عمرو بن ثابت : أنّه ضعيف جدّاً قاله ابن الغضائري . وقال في كتابه الآخر : عمرو بن أبي المقدام ، إلىٰ آخره (٥) .
وهذا يؤيّد ما قاله الشيخ : من أنّ لابن الغضائري كتابين .
ويزيد الحال وضوحاً أنّ الحسين بن عبيد الله لم يذكر النجاشي أنّ له كتاباً في الرجال (٦) .
وذكر العلّامة في ترجمة أحمد بن الخضيب : أنّ ابن الغضائري قال :
__________________
(١) أثبتناه من المصدر .
(٢) الفهرست : ١ .
(٣) هو السيد جمال الدين أحمد بن موسىٰ بن طاووس الحسني ( الحسيني ) الحلّي ، المتوفىٰ ٦٧٣ هـ ، مؤلف : البشرىٰ ، والملاذ ، وغيرهما ، أخو السيد رضي الدين علي ابن موسىٰ بن طاووس ، المتوفىٰ ٦٦٤ هـ ، صاحب الإقبال ، وجمال الاسبوع ، وغيرهما .
واسم كتابه : حلّ الإشكال في معرفة الرجال ، كانت نسخته موجودة حتىٰ عصر العلّامة المجلسي رحمهالله ، استخرج منها الشيخ حسن ـ صاحب المعالم ـ كتابه التحرير الطاووسي . انظر رجال ابن داود : ٤٥ / ١٤٠ ، الكنىٰ والألقاب ١ : ٣٢٩ ، الذريعة إلىٰ تصانيف الشيعة ٣ : ٣٨٥ ، ٧ : ٦٤ .
(٤) المنقول من المصدر هكذا : وكتاب أبي الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري ـ انظر التحرير الطاووسي : ٥ ، والذريعة إلىٰ تصانيف الشيعة ٣ : ٣٨٦ ، ٧ : ٦٥ .
(٥) خلاصة العلّامة : ٢٤١ / ١٠ .
(٦) رجال النجاشي : ٦٩ / ١٦٦ .
حدثني أبي أنّ في مذهبه ارتفاعا (١) .
والحسين لم يعهد له أب [ لأن يفيد ] (٢) في أمثال هذه المقامات ، وعلىٰ هذا فحكم جدّي ـ قدسسره ـ بأنّه الحسين ، لا يخفىٰ ما فيه .
ثم إنّ أحمد لم نقف علىٰ ما يقتضي توثيقه ، نعم يستفاد من العلّامة الاعتماد علىٰ قوله في ترجمة صباح بن قيس ، قال في القسم الثاني : إنّه أبو محمد ، كوفي زيدي ، قاله ابن الغضائري ، وقال : حديثه في حديث أصحابنا ضعيف ، وقال النجاشي : إنّه ثقة (٣) .
والظاهر من ذكره في القسم الثاني الاعتماد علىٰ قول ابن الغضائري ، فمن اعتمد علىٰ توثيق العلّامة يلزمه توثيق المذكور ، فالعجب من جماعة من مشايخنا حيث توقّفوا في أحمد ، مع الاعتماد علىٰ ما ذكرناه من توثيق العلّامة للرجال .
وإذا عرفت هذا ) (٤) فقول جدّي ـ قدسسره ـ إنّ الجرح مقدم (٥) ، لا يخفىٰ دفعه ، وتحقيق الحال في الرجال ، وإنّما هذا علىٰ سبيل الإجمال .
نعم قد يتوجه علىٰ توثيق النجاشي : أنّه إذا رجع إلىٰ أبي العباس أحمد بن نوح ، ففيه نوع كلام ، كما يعرف من ملاحظة ترجمته ، إلّا أنّ الجواب سهل ، وسيأتي إن شاء الله تعالىٰ ذكر ما لا بُدّ منه في محلّ آخر (٦) .
وأمّا أبو خالد القماط ، فالذي صرّح به النجاشي : أنّ اسمه يزيد
__________________
(١) خلاصة العلّامة : ٢٠٤ .
(٢) في « رض » : ان بعيد ، والظاهر ما أثبتناه .
(٣) خلاصة العلّامة : ٢٣٠ .
(٤) من قوله : فإن قلت ، في ص ٨٦ إلىٰ هنا ساقط من « فض » و « د » .
(٥) الدراية : ٧٣ .
(٦) يأتي في ص ٢٣٥ ـ ٢٣٦ .
ووثّقه (١) ؛ والشيخ قال في كتاب الرجال : خالد بن يزيد يكنّىٰ أبا خالد القماط (٢) ؛ وأظنّه وهماً .
وفي الكشي نوع اضطراب ، وقد يأتي في بعض أسانيد الكشي : أبو خالد صالح القماط (٣) ، والقرائن تخصّص المراد .
المتن :
لا يخفىٰ إطلاقه ، لكنه يقيد بالكثير البالغ كرّاً ، كما تضمنته الأخبار الدالة علىٰ ذلك ، وذكر الميتة والجيفة يحتمل المرادفة ، ويحتمل المغايرة معنىً ، والجيفة أعم ، وقد تقدم التنبيه علىٰ دلالة الحديث علىٰ الوصفين فقط وجوابه (٤) .
قوله رحمهالله :
فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : كتبت إلىٰ من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء ويستقىٰ فيه من بئر يستنجي فيه الإنسان من بول أو غائط ، أو يغتسل فيه الجنب ، ما حدّه الذي لا يجوز ؟ فكتب : « لا يتوضّأ من مثل هذا إلّا من ضرورة إليه » .
فهذا الخبر محمول علىٰ ضرب من الكراهية ؛ لأنّه لو لم يكن كذلك لكان لا يخلو ماء الغدير أن يكون أقل من الكرّ ، فإن كان كذلك
__________________
(١) رجال النجاشي : ٤٥٢ / ١٢٢٣ .
(٢) رجال الطوسي : ١٨٩ / ٧١ .
(٣) رجال الكشي ٢ : ٦٨٧ / ٧٣١ .
(٤) راجع ص ٧٤ ، ٧٥ .
فإنّه ينجس ، ولا يجوز استعماله علىٰ حال ، ويكون الفرض التيمم ؛ أو يكون المراد أكثر من الكرّ فإنّه لا يحمل نجاسة ، ولا يختص حال الاضطرار ، والوجه في هذه الرواية الكراهية ؛ لأنّ مع وجود المياه المتيقّن طهارتها لا ينبغي استعمال هذه المياه ، وإنّما تستعمل عند فقد الماء علىٰ كل حال .
السند :
قد تقدّم الطريق إلىٰ الحسين بن سعيد (١) ، والإضمار قد قدّمنا الوجه في عدم قدحه بالصحة (٢) .
وما اشتهر بين المتأخّرين ـ من أنّ المكاتبة لا يخلو من شيء (٣) ـ محلّ كلام .
أمّا ما يتوهم ـ من أنّ المكتوب معه غير معلوم ـ فدفعه أنّ ظاهر الجواب بقوله : فكتب ، الجزم من محمد بن إسماعيل بذلك .
وما قد يقال ؛ إنّ الجزم ربّما يكون بسبب اعتماده علىٰ الرسول ولا يجدي نفعاً لغيره ؛ ففيه : أنّ الظاهر الجزم بكون الكتابة من الإمام عليهالسلام فهي كسماع لفظه عليهالسلام ، وقد يختلج شك في المقام ، إلّا أنّ أمره سهل .
المتن :
لا يخلو من إجمال ، فإنّ ضمير « يستنجي فيه » يحتمل أن يعود إلىٰ
__________________
(١) راجع ص ٧٠ .
(٢) راجع ص ٧٣ .
(٣) انظر المعتبر ١ : ٥٦ ، والذكرىٰ ١ : ٨٨ .
الغدير ، ويحتمل العود إلىٰ البئر ( بنوع من التوجيه ، إمّا علىٰ أنّ البئر ليس بمؤنّث حقيقي ، وسيأتي في البئر ما يؤيّده (١) ، أو بإرادة الماء ) (٢) وكأنّ الشيخ رجّح الأوّل كما يظهر من توجيهه ، وربما يوجه الثاني بأنّ مورد السؤال حينئذ يكون عن الماء الذي يستقىٰ من البئر مع اتصافه بما ذكر ، ووجه التنزّه عن ماء الغدير لأنّ فيه ماء البئر الواقع فيه ما ذكر ، ولو عاد إلىٰ الغدير أشكل الحال باغتسال الجنب ، فإنّ اغتساله لا يؤثّر في الغدير إلّا إذا كان بدنه نجساً ، وبدون ذلك لا يؤثّر إلّا بتقدير كونه ماءً مستعملاً ، والإشكالات في الماء المستعمل أشد .
أمّا لو رجع إلىٰ البئر ، فالأخبار فيه موجودة بما يقرب معها التنزّه عن الماء .
لكن لا يخفىٰ أنّه يبعّد هذا الوجه أنّ السؤال ليس عن ماء البئر بل عن الغدير ، وذكر السقاية من البئر بالعارض ، إلّا أنّ باب الاحتمال واسع .
وما قاله الشيخ ـ من الحمل علىٰ الكراهة ـ قد لا يوافقه ظاهر السؤال ؛ فإنّ مفاده طلب الحدّ الذي لا يجوز .
ولعلّ الجواب أنّ العبارة لا تنافي الكراهة .
نعم قد يشكل ما قاله الشيخ ـ من أنّ الماء لو كان أقلّ من الكرّ فإنّه ينجس ـ بأنّ الاستنجاء من البول والغائط لا ينجّس الماء ، واغتسال الجنب لا يقتضي نجاسة الماء إلّا إذا كان بدنه نجساً .
ويجوز حمل الحديث علىٰ عدم نجاسة البدن ، غاية الأمر أن يصير الماء مستعملاً ، والمنع من المستعمل محلّ كلام ، فلو فرض أنّ ماء الغدير
__________________
(١) يأتي في ص ٢٥٧ .
(٢) ما بين القوسين ليس في « فض » و « د » .
أقلّ من كرّ لا يلزم التنجيس مطلقاً ، ولعلّ سبب الكراهة نفرة النفس واحتمال النجاسة .
أمّا قول الشيخ : أو يكون المراد أكثر من الكرّ ؛ فلا حاجة إلىٰ ذكر الأكثر ، وعلىٰ تقدير كونه كرّاً إذا لم يتغيّر يشكل كراهة الاستعمال ، مع وجود المياه المتيقن طهارتها ؛ لأنّه حكم بمجرد الاحتمال في الرواية ، فليتأمّل .
قوله ـ رحمهالله ـ :
٢ ـ باب كمّيّة الكرّ
أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن إسماعيل بن جابر قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الماء الذي لا ينجّسه شيء ، قال : « ذراعان عمقه ، في ذراع وشبر سعته » .
السند :
هنا كما ترىٰ ، وفي التهذيب رواه عن الشيخ ، عن أحمد بن محمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن محمد بن يحيىٰ ، عن أيوب بن نوح (١) . ولا ضير في ذلك ( إلّا من حيث اشتمال السند علىٰ محمد بن يحيىٰ ) (٢) (٣) .
__________________
(١) التهذيب ١ : ٤١ / ١١٤ . وفيه : عن محمد بن يحيىٰ عن محمد بن أحمد بن يحيىٰ . . .
(٢) ما بين القوسين ليس في « فض » و « د » .
(٣)
في « د » زيادة : وما قاله في الفهرست من أنّ طريقه الىٰ محمد بن [ أحمد بن
]
=
أمّا ما ذكره شيخنا ـ قدسسره ـ في فوائده علىٰ الكتاب : من أنّه في طريق الرواية أحمد بن محمد بن يحيىٰ العطار ، ولم ينصّ الأصحاب علىٰ توثيقه ، ولكن لا يبعد قبول روايته ، وقد روىٰ هذه الرواية في التهذيب عن أحمد ابن محمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن محمد بن يحيىٰ ، إلىٰ آخر الاسناد ، وهو صحيح .
ففيه نظر واضح ؛ لأنّ أحمد بن محمد بن الحسن مشارك لأحمد بن محمد بن يحيىٰ في عدم التوثيق ، بل أحمد بن محمد بن يحيىٰ مذكور في رجال الشيخ (١) دون أحمد بن محمد بن الحسن ، وإن كان الذكر لا يفيد توثيقا إلّا أنّه له فائدة ما .
والعلّامة قد صحّح طريق الشيخ إلىٰ الحسين بن سعيد (٢) ، وأحمد بن محمد بن يحيىٰ فيه ، لكن قد سمعت القول في ذلك (٣) : ( هذا .
وفي نسخة مقابلة بنسخة الأصل بالطريق السابق عن محمد بن أحمد ابن يحيىٰ ، عن محمد بن يحيىٰ ؛ ومحمد بن يحيىٰ هذا هو الضعيف علىٰ ما قاله الشيخ في رواية محمد بن أحمد بن يحيىٰ عنه ، والحكم بالصحة علىٰ الإطلاق واضح الإشكال ، ولا يبعد أن يكون ما هنا فيه تصحيف ، والأصل أحمد بن محمد بن عيسىٰ مع نوع تبديل ، إلّا أنّ الاعتماد علىٰ ما يوجب الجزم بالصحة غير حاصل .
__________________
= يحيىٰ في رواية جميع كتبه ورواياته ليس فيه الطريق التي في التهذيب ربما يظنّ منه الوهم في طريق التهذيب ، إلّا أنّ باب الاحتمال واسع .
(١) رجال الطوسي : ٤٤٩ / ٦٠ .
(٢) خلاصة العلّامة : ٢٧٦ .
(٣) راجع ص ٣٩ .
وبالجملة فالأمر في الاستناد بالنسبة إلىٰ الكتابين غريب ، فتأمّل ) (١) .
المتن :
لا يخلو من إجمال من جهة الذراع والشبر في السعة ، لاحتمال أن يراد بالسعة ما يعم الطول والعرض ، أو يراد أحدهما ـ كما في غيره من الأخبار ـ وترك الآخر ، ويفارق غيره من الأخبار ، إذ ( مساواة ) (٢) المقدار المذكور قد يدل علىٰ أنّ غير المذكور مثله ، بخلاف هذه الرواية فإنّ المقادير مختلفة ، ولم يعلم أنّ أحد البُعدين كالعمق في الذراعين ، أو كالبُعد الآخر في الذراع والشبر .
وشيخنا ـ قدسسره ـ في المدارك جزم بأنّ معنىٰ الحديث اعتبار الذراع والشبر في كل من البعدين (٣) ، ومراده أنّ كلّاً من عرضه وطوله ثلاثة ، فيكون المجموع ستة وثلاثون شبراً ، إذ الذراع والنصف ثلاثة .
وفي المعتبر يظهر منه الميل إلىٰ العمل بالرواية (٤) ، والإجمال فيها يوجب نوع إشكال ، مضافا إلىٰ عدم الموافقة للأقوال المنقولة في المسألة كما سيأتي ذكره إن شاء الله (٥) .
قوله ـ رحمهالله ـ :
وبهذا الإسناد عن محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن
__________________
(١) ما بين القوسين ساقط من « فض » و « د » .
(٢) ما بين القوسين ليس في « رض » .
(٣) مدارك الأحكام ١ : ٥١ .
(٤) المعتبر ١ : ٤٦ .
(٥) انظر ص ١٠٣ ـ ١٠٤ .
محمد ، عن البرقي ، عن عبد الله بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الماء الذي لا ينجّسه شيء ، ( قال : « كرّ » قلت : وما الكرّ ) (١) ؟ قال : « ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار » .
السند :
المشار إليه هو الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ ، عن أبيه ، وقد عرفت الحال فيه (٢) .
وأحمد بن محمد هو ابن عيسىٰ ، والبرقي محمد بن خالد ، وقد نصّ الشيخ علىٰ توثيقه في كتاب الرجال (٣) ، لكن قال النجاشي : إنّه كان ضعيفاً في الحديث (٤) ، وكان الوالد (٥) ـ قدسسره ـ وشيخنا (٦) ـ قدسسره ـ يقولان : إنّ هذا لا يقدح فيه نفسه ، لأنّ المراد كونه يروي عن الضعفاء .
ولي في هذا نظر ؛ لأنّ الرواية عن الضعفاء لا يختص بمحمد بن خالد ، وحينئذ لا بدّ لتخصيصه من وجه ، كما لا يخفىٰ .
أمّا ما قاله العلّامة ـ نقلاً عن ابن الغضائري ـ : من أنّ محمد بن خالد يروي عن الضعفاء كثيراً ويعتمد المراسيل (٧) ؛ فلا أرىٰ وجهاً لذكر اعتماده علىٰ المراسيل ، ( لأنّ ) (٨) هذه مسألة اجتهادية لا تقدح في حال الرجال .
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في « فض » و « د » .
(٢) راجع : ص ٦٤ و ٩٣ .
(٣) رجال الطوسي : ٣٨٦ / ٤ .
(٤) رجال النجاشي : ٣٣٥ / ٨٩٨ .
(٥) معالم الفقه : ٩ .
(٦) مدارك الأحكام ١ : ٥٠ .
(٧) خلاصة العلّامة : ١٣٩ / ١٤ .
(٨) بدل ما بين القوسين في « د » : كما قدمناه من أنّ .
واحتمال أن يراد باعتماده علىٰ المراسيل أنّه يرسل أو يروي مرسلاً معتقداً صحته ، فهو يرجع إلىٰ التدليس ، علىٰ أنّ هذا الاحتمال يوجب الخلل في نقل أصحابنا عنه : أنّه كان يعمل بالمراسيل في مسائل الاُصول ، إذ الظاهر من كلامهم أنّه اجتهد في هذا .
وبالجملة فللكلام مجال واسع في شأن الرجل ، لا سيّما والنجاشي لم يذكر توثيقه ، أمّا كلام ابن الغضائري فلا يعتد به ؛ لعدم العلم بحاله .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الشيخ روىٰ هذه الرواية في التهذيب بطريقين : أحدهما كما في هذا الكتاب (١) ، والآخر عن محمد بن خالد ، عن محمد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر (٢) . والكليني رواها عن البرقي ، عن ابن سنان (٣) ، من غير تعيين ، وهذا يوجب عدم الوثوق بصحة الرواية ، كما نبّه عليه الوالد ، وشيخنا (٤) ـ قدسسرهما ـ بل جزما بأنّ الراوي محمد بن سنان ، وأنّ عبد الله سهو ؛ وفي هذا نوع تأمّل .
وبما قررناه يعلم أنّ ظنّ ردّ الرواية من جهة اُخرىٰ ، فيه ما فيه ، فليتأمّل .
المتن :
قد استدل به الصدوق وجماعة القميّين علىٰ ما قيل (٥) : من اكتفائهم ببلوغ الكرّ سبعة وعشرين شبراً ، ووجّهوا ترك البُعد الثالث في الرواية
__________________
(١) التهذيب ١ : ٤١ / ١١٥ .
(٢) التهذيب ١ : ٣٧ / ١٠١ ، الوسائل ١ : ١١٨ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٧ .
(٣) الكافي ٣ : ٣ / ٧ .
(٤) منتقىٰ الجمان ١ : ٥١ ، مدارك الأحكام ١ : ٥٠ .
(٥) المختلف ١ : ٢١ .
للاعتماد علىٰ العلم بالبعدين الآخرين ، قال الوالد ـ قدسسره ـ : وهو تكلّف ظاهر (١) .
وفيه : أنّ هذا متعارف في المحاورات .
وفي المعتبر : إن كان معوّل الصدوق علىٰ هذا فهي ناقصة عن اعتباره (٢) ، ولا يخفىٰ عليك الحال بعد ما ذكرناه .
قوله رحمهالله :
وأخبرني الشيخ ـ رحمهالله ـ عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسىٰ ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الكرّ من الماء كم يكون قدره ؟ قال : « إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله ، ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض فذلك الكرّ من الماء » .
السند :
فيه عثمان بن عيسىٰ وقد تقدم فيه القول ، وكذلك أبو بصير (٣) .
وما ذكره شيخنا ـ قدسسره ـ من أنّ رواية ابن مسكان عن أبي بصير يعيّن كونه ليث المرادي ؛ لا يخلو من تأمّل ، لما قاله الوالد ـ قدسسره ـ من أنّه اطّلع علىٰ رواية فيها ابن مسكان عن أبي بصير يحيىٰ بن القاسم ، وأظنّ أنّي
__________________
(١) معالم الفقه : ٩ .
(٢) المعتبر ١ : ٤٦ .
(٣) راجع ص ٧١ و ٧٣ .
وقفت علىٰ ذلك أيضا .
وفي المدارك قال بعد ذكر رواية أبي بصير : إنها مستند القول بالثلاثة ونصف ، وهي ضعيفة السند بأحمد بن محمد بن يحيىٰ (١) ، وهذا بناءً منه علىٰ النقل من التهذيب ، فإنّه رواها فيه عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ (٢) ؛ والوهم من الشيخ في هذا اللفظ ، أو من الكاتب ، وإنما هو أحمد بن محمد ، ولفظ « بن يحيىٰ » سهو ، أو أنّه في الأصل « بن عيسىٰ » فصحّف عيسىٰ بيحيىٰ ، وكثيرا ما ترىٰ هذا في التهذيب والاستبصار ، ولا ريب في الوهم ؛ فالحكم من شيخنا ـ قدسسره ـ بجهالة أحمد بن محمد بن يحيىٰ لا وجه له ، ولو راجع الاستبصار زال الشك .
المتن :
هو دليل المشهور بين المتأخّرين من القول بأنّ الكرّ ما كانت أبعاده الثلاثة كل واحد ثلاثة أشبار ونصف .
وقد وقع الاضطراب في أنّ المتروك من الأبعاد في الرواية ما هو ؟ فالذي ظنّه جدّي ـ قدسسره ـ أنّ المتروك فيه العمق (٣) .
واعترض عليه بأنّه يستلزم أن يكون قوله في عمقه كلاماً منقطعاً ، بل الأولىٰ حينئذ أن يكون المتروك هو العرض (٤) . ولا يخلو من وجاهة .
واحتمال أن يكون الثلاثة مذكورة : بأن يعاد الضمير في قوله : في
__________________
(١) مدارك الأحكام ١ : ٤٩ .
(٢) التهذيب ١ : ٤٢ / ١١٦ .
(٣) روض الجنان : ١٤٠ .
(٤) الحبل المتين : ١٠٨ .
مثله ، إلىٰ ما دلّ عليه قوله عليهالسلام : « ثلاثة أشبار ونصف » أي في مثل ذلك المقدار لا في مثل الماء ، إذ لا محصّل له ، وكذا الضمير في قوله عليهالسلام : « في عمقه » أي في عمق ذلك المقدار من الأرض .
له وجه أيضاً ، لولا إمكان أن يقال : إنّ ثلاثة مجرورة علىٰ البدليّة من مثله ، إمّا علىٰ أنّ لفظة « في عمقه » صفة ، أو هي حال ، وعلىٰ التقادير لا يفيد ذكر العرض المطلوب إثباته ، اللّهم إلّا أن يكون حالاً بتقدير شيء يتم به المطلوب ، أي حال كون مثلها في عمقه ، لا نفسها ، فإنّه لا يوافق المراد إلّا بتكلّف ، فليتأمّل .
فإن قلت : ما وجه الجرّ في « ونصف » في الرواية ، مع أنّه ينبغي النصب ، لعدم صحة المجاورة مع العطف ؟
قلت : هكذا في النسخ التي رأيتُها ، والأمر كما ذكرت ، وفي التهذيب « ونصفا » (١) وهو الصواب ، إلّا أنّ فيه : في مثله ثلاثة أشبار ونصف في نسخة ، ونصفاً في اُخرىٰ ، وكذلك في بعض نسخ الاستبصار (٢) ، والوجه في ذلك يعرف ممّا قدّمناه .
فإن قلت : علىٰ ما في التهذيب وبعض النسخ للكتاب من نصب نصف الأخيرة ، يجوز أن تكون معطوفة بحذف حرف العطف ، وقد جوّزوا ذلك .
قلت : لما ذكرت وجه ، إلّا أنّ في الظنّ أنّ جواز ذلك في عطف الجمل لا المفردات ، كقولهم : كيف أصبحت كيف أمسيت ؟ ، ويفهم من بعض جواز ذلك في المفردات علىٰ ضعف ، ولعلّه إذا صحّ في الجملة كفىٰ
__________________
(١) التهذيب ١ : ٤٢ / ١١٦ .
(٢) الاستبصار ١ : ١٠ / ١٤ .
في ثبوت الاحتمال ، إلّا إذا كان الحديث منقولاً بالمعنىٰ ، وفي البين كلام .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الوالد ـ قدسسره ـ أراد تأييد الرواية لتصلح للاحتجاج ، بأنّ الأخبار الدالة علىٰ اشتراط الكرّية اقتضت كونها شرطاً لعدم انفعال الماء بالملاقاة ، فما لم يدل دليل شرعي علىٰ حصول الشرط يجب الحكم بالانفعال ، وقد انتفىٰ علىٰ الأقل من مضمون الرواية ، والأكثر المنقول عن ابن الجنيد : من اعتبار المائة شبر (١) ؛ لم يثبت ، فتعيّن هذا المقدار (٢) .
وقد تكلمت في ذلك في مواضع بما حاصله : أنّ العمدة عنده ـ قدسسره ـ في نجاسة القليل مفهوم الشرط في الخبر الدال علىٰ أنّ الماء إذا كان قدر كرٍّ لم ينجّسه شيء ، وحينئذ يقال عليه : ـ كما ذكره ـ من أنّ الحكم بالتنجيس موقوف علىٰ انتفاء الكرّيّة ، وفيما دون القدر المدلول عليه في الخبر المبحوث عنه لم يعلم الشرط ، فكيف يحكم بالتنجيس ؟ .
اللّهم إلّا أن يقال : بالفرق بين شرط التنجيس وشرط الطهارة ، ففي الأول الشرط عدم العلم بالكرّيّة ، وشرط الطهارة العلم بالكرّيّة ، وفي المقام بحث طويل ليس هذا محلّه .
ولا يخفىٰ عليك أنّ الأخبار السابقة ـ المتضمنة لأنّ الكرّ نحو الحبّ وأكثر من راوية ـ مؤيدة لقول القميّين ، وأمّا قول ابن الجنيد فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله .
قوله ـ رحمهالله ـ :
فأما ما رواه محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن يعقوب بن يزيد ،
__________________
(١) نقله عنه في المختلف ١ : ٢١ .
(٢) معالم الدين : ٩ ، ١٠ .