مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٢٤٠
تراثنا |
|
|
العدد الأول [ ٢٦ ] |
السنة السابعة |
|
الفهرس
* كلمة التحرير :
« تراثنا » بين الماضي والمستقبل على طريق مذهب أهل البيت عليهم السلام .
...................................... هيئة التحرير ٧
* الولادة في الكعبة المعظَّمة : فضيلة لعليٍّ عليه السلام خصّه بها ربُّ البيت .
................................... شاكر شبع ١١
* من الأحاديث الموضوعة ( ٦ ) :
حديث ٱتّباع سُنّة الخلفاء وإطاعة الْأُمراء .
............................. السيّد عليّ الحسينيّ الميلانيّ ٤٣
* أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في المكتبة العربية ( ١٧ ) .
............................. السيّد عبد العزيز الطباطبائي ٩٨
ISSN ١٠١٦ – ٤٠٣٠ |
|
|
|
محرّم ـ صفر ـ ربيع الأول |
١٤١٢ هـ |
|
* فهرس مخطوطات المدرسة الباقرية ـ مشهد المقدَّسة ( ٥ ) .
............................. الدكتور محمود فاضل ١١٦
* الإِمامة : تعريف بمصادر الإِمامة في التراث الشيعي ( ٩ ) .
.............................. عبد الجبّار الرفاعي ١٤٩
* قراءة جديدة في كتاب « نهج البلاغة » للإِمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
............................. الدكتور عبد الكريم الأشتر ١٧٠
* تاريخ الأدب الشيعي في الحويزة والدورق .
............................. السيّد هادي بالليل الموسوي ١٧٧
* من ذخائر التراث :
الباقيات الصالحات في أُصول الدين الإِسلامي ـ لآية الله الخراساني الحائري .
........................... تقديم : السيّد محمد رضا الحسينيّ ١٩١
* من أنباء التراث
....................................... ٢٢٦
* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة « الإِرشاد في معرفة حجج الله علی العباد » للشيخ المفيد ( ت ٤١٣ هـ ) تاريخها سنة ٥٦٥ هـ ، مقابلة علی نسخة السيد فضل الله الراوندي بتاريخ سنة ٥٦٦ هـ ، والذي تقوم مؤسسة آل البيت ـ عليهم السلام ـ لإِحياء التراث بتحقيقه ، راجع العدد ٦ ص ٢٢٧ . |
كلمة التحرير |
|
«تُراثنا» بين الماضي والمستقبل على طريق مذهب أهل البيت عليهم السلام |
بسم الله الرحمن الرحيم
بهذا العدد تدخل « تُراثنا » عامها السابع . وقد خلّفتْ أعداداً ، وصفحاتٍ مُلِئَتْ بأعمالٍ وجهود ـ وإنْ كانت كثيرة ، وعديدةً ، وواسعةً ، ومثيرةً ـ إلّا أنّها في جنب « التراث الإِسلاميّ العظيم » الذي يحمله الماضي ، جهدٌ لا يمثّل سوى بعض ما يجب !
وأمّا المستقبل ـ المنظور وغير المنظور ـ فهو بلا ريبٍ يتطلّب من أحبّاء هذا التراث ، وهُواته ، وعارفيه : جهوداً أكبر وأوفر ، وسعياً أدقّ ، وأكثر !
فما حصل ، ويحصل ، عليه إنسانُ العصر من إمكانات ، وقدرات ، وأساليب ووسائل ، تغري بالتوسّع في العمل التراثيّ ، والاستفادة من التقدّم التكنولوجي ، والألكتروني ، بالسرعة الفائقة التي وصلت إليها أجهزة الاتّصال ، والتصوير ، والإِرسال ، والطبع والنشر والتوزيع ، وما إلى ذلك من نعم الله على البشر .
ولكن المستقبل ، بما فيه من أخطار ، وأمراض ، وأعراض ، بشكل حروب ، بأسلحة الدمار الواسعة ، والعصبيّات المقيتة ، التي إن كانت في الماضي تحرق كتاباً أو تقتل مؤلِّفاً ، فهي الآنَ تحرق مكتباتٍ ومدناً بأكملها ، وتقتل شعباً بكامله ، إنّ المستقبلَ مهدد فيه التراث الغالي ، بأكثر ممّا كان في الماضي .
ولئن كان التوسّع في تحقيق التُراث ونشره ، والاستفادة من إمكانات العصر الحاضر في هذا السبيل ، أمراً يبعث على الأمل ، لكنّ ما يُرى من العبث بالكتاب ، والتراث منه بخاصّة ، وما تَطالُ الأيدي عليه باسم التصحيح ، ولكنّه التصحيف والتحريف ، وباسم التحقيق ، لكنّه التخفيق والتزييف .
إنّ هذا التعدّي على الكتاب الإِسلاميّ ـ والتراث منه بخاصّة ـ لهو ممّا يزري بكرامة العلم والعلماء ، وبحرمة التراث والثقافة والحضارة الإِسلامية في ماضيها ومستقبلها .
مع أنّ الإِقدام على الطبع بذلك الشكل السيّئ ـ مضموناً ، لا إخراجاً ـ يعدّ كفراً بأنعم الله ، وتضييعاً للوقت والجهد ، وتبذيراً للأموال والأعمال !
وبين هذه الأتراح وتلك الأفراح ، وهذه الاثقال وتلك الآمال ، وهذه الخسارات وتلك البشارات ، فلا يُستثنى التراث ولا التراثيّون من التعرّض لمشاكل الحياة العامة والخاصة ، كما لا يُستثنيان ـ هو وهم ـ من القوانين المعقّدة العامة والخاصة ، ولا الإِرادات العامة والخاصة ، التي تعترض طريق العمل التراثيّ وتعوق مسيرته ، ونشره ، وتحقيقه .
وبين كلّ الذي جرى ويجري فإنّ « التُراث الإِسلاميّ » هو العملاق الصامد ، الذي لا يخبو نوره ، ولا يُنكر فضله ، ولا يزول أثره ، ولا يزال مجيداً وعظيماً ومفيداً وكريماً . . بالمجد الذي كتبته له القرون ، والعظمة المستلهمة من الإِسلام ، والفائدة التي يفرضها العقل والتدبير ، والكرامة لأُمّتنا ، في ماضيها ومستقبلها . فإنْ كنّا أغنياء في فكرنا إلى هذا الحدّ ، فما لنا لا نبني مستقبلنا على ذلك ، ونستضيء بنور التراث في طريقنا لنسير عليه في هذا العالم المليء بالظلمات ، ظلمات الظلم والجور ، وظلمات العقيدة والفكر .
وإذا كنّا نحمل بأيدينا مصباحاً غالي الثمن ، يحمل تلك القدرة الفائقة على الإضاءة وإراءة الهدىٰ ، فلماذا نبقى ـ على التلّ ـ تائهين ، متردّدين ، بين الأفكار المستوردة من هنا وهناك ، والأحزاب والنظريّات السائبة والهزيلة ؟ ! !
وإذا كان قُرآننا ـ أقدس كتاب تُراثيّ يملكه المسلمون ـ يدعو بإصرار إلى « التفكّر » و « التدبّر » و « العقل » و « النظر » فما لنا نكتفي بطبع هذا القرآن ـ فقط ـ وتزويقه وتزيينه وتذهيبه وتجليده فحسب ! ! !
و « تراثنا » تستهدي الطريق إلى الهدف الأسمىٰ من خلال تراث أهل البيت عليهم السلام ، خير أئمّة لهذه الأُمّة ، وبلغة القرآن الكريم ونوره ، كي ترسمه أمام المسلمين ، في خضمّ هذا الصَخَب ، ليركبوا « سفينة نجاتهم » التي عيّنها لهم الرسول الأكرم صلّی الله عليه وآله وسلّم في قوله : « مثل أهل بيتي كسفينة نوح مَنْ ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق » .
و « تُراثنا » تتجاوز كلّ ما يخصّها أو يعمّها من عقبات وعراقيل ، بما فيها استفزازات أعداء الحقّ ، المدّعين للإِسلام ، والمتسمّين به ـ مع الأسف ـ والّذين يحاولون شقّ عصا المسلمين ، وتشتيت كلمتهم ، في هذه الظروف العصيبة ، التي كشّر الكفّار الأجانب عن أنْيابهم ، وبصراحة ووقاحة ، لهذا الدين ولمعتنقيه المسلمين ، وهؤلاء ـ هم ـ تدنّس أقدامُهم القذرةُ أرضَ المقدّسات !
ومع هذا نجد المتأسلمين يحاولون بأقلامهم المأجورة رسم فتاوی مزيَّفة ، تهاجم طائفة كبيرة من المسلمين من شيعة أهل البيت النبويّ ، ينبزونهم بما لا يليق ، ويحضُّون الجهلة على سفك دمائهم وهتك أعراضهم ، وما إلى ذلك من إفك وحرام .
فلو حلَّ ـ في شرعة الله ـ قتل أحد ممّن شهد الشهادتين ، أو جاز ـ في قوانين الدول الحاكمة ـ إهدار دم من أجل المذهب ، فالأوْلى لهؤلاء « المفتين » أن يحكموا بقتل الكفّار الأجانب ـ الأمريكان وغيرهم ـ الّذين يعيثون في الأرض الإِسلامية المقدّسة فساداً ، والّذين يدنّسون بنجسهم أرض الحرمين المقدّسَين في الحجاز ! !
بدلاً من أن يُصدروا فتاوى في أُمّة تقول : « ربّنا الله » .
وتعمل
« تُراثنا » لصدّ مثل هذا ، بأنَّ تكشف عن واقع مذهب أهل البيت من خلال تعريف تُراثه ، وفكره وجهده ليقف المسلمون على ذلك ، بعلم ويقين ، بما لأهل بيت النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم من فضل وشرف وكرامة على هذه الأُمّة ،
وما
لأعدائهم الّذين ينصبون لهم العداء ، ويتحاملون على شيعتهم ، ويحاولون تكفيرهم وقتلهم ، ونبذ معارفهم ، وتخويف المسلمين من كتبهم وعلومهم ، لا لشيء ارتكبوه إلا أنهم يدعون إلى الحقِّ ، ويتمثّلون ذلك في أهل بيت النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم ، ويتّبعون فقههم باعتباره أصفى مورداً ، وأقرب مصدراً ، وأوضح دليلاً ومنطقاً .
و « تُراثنا » غير متوانيةٍ ولا متردّدة ، تؤدّي بذلك ما حمّلها التاريخ وما تفرضه الأحداث .
والثقة بالله ، أن يبلغ بالعمل رضاه ، وأن يمدّ العاملين بفضله وإحسانه ، فهو المأمول من منّه وكرمه ، إنّه ذو الجلال والإِكرام .
هيئة التحرير
الولادةُ في الكَعْبةِ المُعَظَّمَةِ فَضِيلةٌ لِعَليٍّ عَليهِ السَّلام خَصَّهُ بِهَا رَبُّ البَيْتِ |
|
شاكر شَبَعْ |
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، وصحبه الأخيار المنتجبين .
أمّا بعد :
فقد حالفني الحظّ في مطالعة كتاب « عليٌّ وليدُ الكعبةِ » لسماحة الشيخ الحجّة الميرزا محمّد علي الغروي الأُردوبادي تغمّدَهُ الله برحمته ، وسبرت غوره بقدر ما وسعني ذلك ، فامتلأتْ نفسي إعجاباً به وإكباراً له ، ووجدتني مندفعاً لتسجيل كلمة تُعرب عن مبلغ ارتياحي وابتهاجي بهذا الأثر القيّم ومكانته .
ولم يَعْرُني شكٌّ في أنّه نفحة من نفحات أمير المؤمنين عليه السلام منحها المؤلفَ فاستأثر بها ، مطلقاً العنان لسعة باعه وقوّة بيانه المفعم بعناصر التجويد والإِبداع ، مَوقِفَاً الباحث على جليّة حديث الولادة الميمونة ، مظهراً في أثناء ذلك مبلغ عنائه في جمع موادّه .
ولشدّة
ما استهواني موضوع الكتاب بدأت أجمع استدراكات له ، تتميماً وتعضيداً ، والذي حداني إلى ذلك ثقتي بأنّه قدّس سرّه لو أمدَّ الله في عمره لصنع
مثل
ما
صنعت ، وبارك لي فيما كتبت ، خاصّة أنّي اقتفيتُ في هذا التتميمِ أثرَه ، وسلكت منهجَه . وقد
تجمّعت لديَّ نصوصٌ كثيرة من مخطوط الكتب ومطبوعها ، قديمها وحديثها ، نادرها ونفيسها ، ممّا كان الوصول إليه والحصول عليه في زمان الحجّة
المؤلِّف أمراً عسيراً ، ومجموع ذلك يُغني لإِثبات صحّة الحديث ، والكشف عن اتّفاق أهل
العلم والفضل عليه . ولكن
الّذين (
يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ) لم تُطاوعهم نفوسهم لقبول فضائل الإِمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وهذه أوّلها بما فيها من دلالات عميقة ، فحاولوا تشويهها بشتّى الأساليب ، تمريراً لسياسة معاوية في التصدّي
لفضائل الإِمام عليّ عليه السلام ، تلك السياسة التي دبّرها وعمّمها في مرسوم
سلطاني يقول فيه : برئت
الذمّة ممّن روى شيئاً في فضل أبي تراب وأهل بيته (١)
. ثمَّ
كتب إلى عمّاله في جميع الآفاق : إذا
جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب ، إلّا وتأتوني بمناقضٍ له في الصحابة ، فإنَّ هذا أحبُّ إليَّ وأقرُّ لعيني ، وأدحضُ لحجّة أبي تراب وشيعته (٢) . قال
الرواي : فَرُوِيَتْ أخبارٌ كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها ! فظهر حديثٌ كثيرٌ موضوع ، وبهتان منتشر ! (٣) . وبهذه
الجرأة والصلافة ملأوا كتبهم بالأكاذيب الكثيرة ، والفضائل المجعولة ،
(١) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١١ / ٤٤ عن كتاب « الأحداث » لأبي الحسن علي بن محمّد المدائني .
(٢) المصدر السابق : ١١ / ٤٦ .
(٣) المصدر السابق .
والأحاديث
الموضوعة . وحيث
لم يطالوا إنكار فضيلة المولد الشريف للإِمام عليّ عليه السلام لوضوحه واشتهاره ، بل تواتره والاتّفاق عليه ، عمدوا إلى وضع أُسلوب آخر لإِخفاء أثرها ،
وهو ادّعاء مثل ذلك لشخص آخر هو الصحابي حكيم بن حزام ، وروّجوا لهذه المزعومة حسب الإِمكانات التي هيّأتها لهم السلطة وأعوانها . وهذه
ليست أوّل خصوصية يحاولون سلبها عليّاً عليه السلام ، بل هناك غيرها كثير ، منها : الحديث المتواتر المتَّفق على صحّته : « أنا مدينة
العلم وعليٌّ بابها » . وضعوا
قباله حديثاً واهياً هو : « أنا مدينة العلم ، وأبو بكر أساسها ، وعمر حيطانها ، وعثمان سقفها ، وعليٌّ بابها ! » (٤) . وحديثاً آخر ، أشدُّ وهناً ، وأظهر وضعاً ، هو : « أنا
مدينة العلم ، وعليٌّ بابها ، ومعاوية حلقتها ! » (٥) . ومنها الحديث المتواتر الثابت الآخر : « عليٌّ منّي بمنزلة هارون من
موسى » . وضعوا
قباله حديثاً يشهد متنه وسياقه بوضعه ، فضلاً عن سنده ، هو : « أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى ! » (٦) . ومنها الحديث المتواتر الصحيح الآخر : « لأُعطينَّ الراية غداً رجلاً
يحبُّ اللهَ ورَسولَه ، ويحبّه اللهُ ورسولُه . . . » . وضعوا
قباله حديثاً مثيراً للضحك والسخرية والاستغراب ، هو : « لأُعطينَّ هذا الكتاب رجلاً يحبُّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ! قم يا عثمان بن أبي العاص
. فقام عثمان بن أبي العاص ، فدفعه إليه » ؟ ! (٧) . ويكشف
عن هذا التلاعب المكشوف ، ويبيّن أنّه كان أمراً معروفاً ومألوفاً ، قول
(٤ و ٥) راجع الغدير ٧ : ١٩٧ ـ ١٩٩ .
(٦) راجع الغدير ١٠ : ٩٤ .
(٧) المعجم الأوسط للطبراني ١ : ٤٣٨ ح ٧٨٨ ، عنه مجمع الزوائد ٩ : ٣٧١ .
الزهري
في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد بن حنبل في « فضائل الصحابة » قال : حدّثنا
عبد الرزّاق ، قال : أنا معمّر ، قال : سألتُ الزهري : مَن كان كاتب الكتاب يوم الحديبيّة ؟ فضحك
وقال : هو عليٌّ ، ولو سألت هؤلاء ـ يعني بني أُميّة ـ قالوا : عثمان (٨)
. واستعراض
باقي الأمثلة يُخْرِجُنَا عن موضوع البحث الرئيسي ، وإنّما أردنا التدليل على منهج أُولئك في سلب الخصوصية ، وجرأتهم على وضع الأحاديث الواهية قبال الأحاديث السليمة . هذا
رغم ميل بعض العلماء إلى أنَّ ولادة حكيم بن حزام في الكعبة ليست فضيلة ولا مكرمة ، وإنّما كانت اتّفاقاً ولم تكن قصداً ، كما ارتأى ذلك الصفوري وغيره (٩) . وأغرق
بعضهم نزعاً في الضلال ، ورمى القول على عواهنه ، متحدِّياً ما أثبته مهرة الفنّ وأئمّة النقل ، وأخبت كبار العلماء والمؤرّخين بصحَّته ، ولم يكترث
بأسانيده المتضافرة ، وطرقه المتَّصِلة المعتمدة عند كلّ مؤالف ومُخالِف ، فقال : «
إنَّ حكيم بن حزام وُلِدَ في جوف الكعبة ، ولا يُعْرَف ذلك لغيره ، وأمّا ما روي أنَّ عليّاً وُلِدَ فيها فضعيفٌ عند العلماء » (١٠) ! ! وقد
أجاد الحجّة الأُردوبادي في الردِّ عليه ، وتفنيد مزاعمه ، فراجع أواخر باب « حديث الولادة والمؤرِّخون » . ولكن
نجد رغم ذلك أنَّ محاولتهم فيما يخصّ فضيلة المولد الشريف في الكعبة المعظّمة باءت بالفشل (١١) ، فلو رجعنا إلى
مصادر الحديث لوجدنا خلالها ـ مع إثبات
(٨) فضائل الصحابة ٢ : ٥٩١ ح ١٠٠٢ طبعة مكّة .
(٩) نزهة المجالس ٢ : ٢٠٤ .
(١٠) أُنظر إنسان العيون ١ : ٢٢٧ .
(١١) قال الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني في الإِصابة : ٤ / ٢٦٩ : « كلّما أرادوا ـ يعني بنو أُميّة ـ إخمادها وهدّدوا مَن حَدَّثَ بمناقبه لا تزداد إلّا انتشاراً » .
تلك
الفضيلة للإِمام عليّ عليه السلام على اليقين والجزم ـ أنَّ من المؤلّفين والعلماء
والرواة مَن أعلن أنَّ هذه الفضيلة مختصّة بالإِمام عليه السلام لم يشركه فيها أحد
قبله ولا بعده ، مصرّحين بذلك بعبارات شتّى تدلُّ على حصر هذه الفضيلة للإِمام عليه السلام بضرس قاطع . وإليك
نصوصها : « لم يولَد قبله ولا بعده مولود في
بيت الله الحرام سواه ، إكراماً له بذلك وإجلالاً لمحلّه في التعظيم » . رواها
الحافظ أبو عبد الله محمّد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي ( ت ٦٥٨ هـ ) عن الحاكم أبي عبد الله النيشابوري ( ٣٢١ ـ ٤٠٥ هـ ) (١٢)
. وقالها
أيضاً : ـ
الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي ، الشيخ المفيد ( ت ٤١٣ ) (١٣) . ـ
الحافظ يحيى بن الحسن الأسدي الحلّي ، المعروف بابن البطريق ( ٥٣٣ ـ ٦٠٠ هـ ) (١٤) . ـ
الشيخ الثبت أبو علي محمّد بن الحسن الواعظ الشهيد النيسابوري ، المعروف بابن الفتّال ، من علماء القرن السادس (١٥) . ـ
الشيخ الوزير بهاء الدين أبو الحسن علي بن عيسى الأربلي ( ت ٦٩٣ هـ ) (١٦) .
(١٢) كفاية الطالب : ٤٠٧ .
(١٣) الإِرشاد : ٩ .
(١٤) عمدة عيون صحاح الأخبار : ٢٤ .
(١٥) روضة الواعظين : ٧٦ .
(١٦) كشف الغمّة ١ : ٥٩ .
ـ
الإِمام جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي ( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ ) (١٧) . ـ
السيّد المحدَّث جلال الدين عبد الله بن شرفشاه الحسيني ، المتوفّى نيف وثمانمائة من الهجرة (١٨) . ـ
الشيخ المحدِّث الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، من أعلام القرن الثامن الهجري (١٩) . ـ
الشيخ المؤرِّخ النسّابة جمال الدين أحمد بن علي الحسني ، المعروف بابن عنبة ( ت ٨٢٨ هـ ) (٢٠) . ـ
العلّامة المحدِّث السيّد وليّ الله بن نعمة الله الحسيني الرضوي ، من أعلام القرن التاسع الهجري (٢١) . ـ
العالم اللغوي الشيخ فخر الدين الطريحي ( ٩٧٩ ـ ١٠٨٧ هـ ) (٢٢)
. ـ
العلّامة محمود بن محمّد بن علي الشيخاني القادري الشافعي المدني ، من أعلام القرن الحادي عشر (٢٣) . * *
* « ولد بمكّة في البيت الحرام ، ولم
يولد قطّ في بيت الله تعالى مولود سواه ، لا قبله ولا بعده ، وهذه فضيلة خصّه الله تعالى بها ، إجلالاً لمحلّه ومنزلته ،
وإعلاءً لقدره » .
__________________
(١٧) نهج الحقّ وكشف الصدق : ٢٣٢ .
(١٨) منهج الشيعة في فضائل وصيّ خاتم الشريعة : ٧ ، نسخة مكتبة آية الله الكلبايكاني المؤرّخة ١٢٦٥ هـ .
(١٩) إرشاد القلوب : ٢١١ .
(٢٠) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : ٥٨ .
(٢١) كنز المطالب وبحر المناقب : ٤١ ، نسخة المدرسة الفيضية المؤرّخة ٩٨٩ هـ .
(٢٢) جامع المقال : ١٨٧ .
(٢٣) الصراط السويّ : ١٥٢ ، نسخة المكتبة الناصرية في لكهنو بالهند ، والتي يظهر أنّها بخطّ المؤلّف .
قالها
: ـ
أمين الإِسلام الشيخ المفسِّر أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي ( ت ٥٤٨ هـ ) (٢٤) . ـ
الحافظ محمّد بن معتمد خان البدخشاني الحارثي ، من أكابر علماء العامّة في القرن الثاني عشر (٢٥) . * *
* « ولد بداخل البيت الحرام ، ولم يولد
في البيت الحرام قبله أحدٌ سواه ، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالاً له ، وإعلاءً لمرتبته ، وإظهاراً لتكرمته » . قالها
: ـ
الحافظ نور الدين عليّ بن محمّد بن الصبّاغ المكّي المالكي ( ٧٨٤ ـ ٨٥٥ هـ ) (٢٦) . وحكاها
عنه : ـ
الفقيه المؤرِّخ نور الدين علي بن عبد الله الشافعي السمهودي ( ٨٤٤ ـ ٩١١ هـ ) في « جواهر العقدين في فضل الشرفين العلم الجليّ والنسب العليّ » . ـ
الشيخ علي بن برهان الدين الحلبي ( ٩٧٥ ـ ١٠٤٤ هـ ) في « إنسان العيون » (٢٧) . ـ
الشيخ مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي ، من علماء القرن الثالث عشر (٢٨)
. *
*
*
(٢٤) إعلام الورى : ١٥٣ ، تاج المواليد : ١٢ .
(٢٥) مفتاح النجا في مناقب آل العبا ، نزل الأبرار بما صحَّ من مناقب أهل البيت الأطهار : ١١٥ .
(٢٦) الفصول المهمّة : ٣٠ .
(٢٧) عنهما عليٌّ وليد الكعبة : ١١٩ .
(٢٨) نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار : ١٥٦ .
« ولد في البيت الحرام ، ولا نعلم
مولوداً في الكعبة غيره » . قالها
نقيب الطالبيين الأديب الفقيه أبو الحسن محمّد بن الحسين الموسوي ، المعروف بالشريف الرضي ( ٣٥٩ ـ ٤٠٦ هـ ) (٢٩) . *
*
* « ولدته ـ أُمّه ـ في الكعبة ، ولا
نظير له في هذه الفضيلة » . قالها
علم الهدى ذو المجدين علي بن الحسين الموسوي ، المعروف بالشريف المرتضى ( ٣٥٥ ـ ٤٣٦ هـ ) (٣٠) . * *
* « لم يولد في الكعبة إلّا عليّ » . قالها
: ـ
الحافظ الفقيه محمّد بن علي القفّال الشاشي الشافعي ( ت ٣٦٥ هـ ) (٣١)
. ـ
شيخ الإِسلام الحافظ المحدِّث إبراهيم بن محمّد الجويني الشافعي ( ٦٤٤ ـ ٧٣٠ هـ ) (٣٢) . * *
* « ولدت ـ فاطمة بنت أسد ـ عليّاً عليه
السلام في الكعبة ، وما ولد قبله أحدٌ فيها » . نصّ
على ذلك السيّد الشريف النسّابة نجم الدين أبو الحسن علي بن محمّد العلوي العمري ، من علماء القرن الخامس الهجري (٣٣) .
(٢٩) خصائص الأئمّة : ٤ .
(٣٠) شرح قصيدة السيّد الحميري المذهَّبة : ٥١ ، طبعة مصر سنة ١٣١٣ هـ .
(٣١) فضائل أمير المؤمنين : مخطوط ، عنه إحقاق الحقّ ٧ : ٤٨٩ .
(٣٢) فرائد السمطين ١ : ٤٢٥ .
(٣٣) المجدي في أنساب الطالبيّين : ١١ .
« لقد وُلِدَ عليه السلام في بيت الله
الحرام ، ولم يولد فيه أحدٌ غيره قط » . قالها
الشيخ الفقيه أبو الحسين سعيد بن هبة الله ، المعروف بقطب الدين الراوندي ( ت ٥٧٣ هـ ) (٣٤) . * *
* « مولده عليه السلام في الكعبة المعظّمة
، ولم يولَد بها سواه » . قالها
العلّامة عمر بن محمّد بن عبد الواحد (٣٥) . *
*
* « . . . فالولد الطاهر ، من النسل
الطاهر ، وُلِدَ في الموضع الطاهر ، فأين توجد هذه الكرامة لغيره ؟ ! فأشرف البقاع : الحرم ، وأشرف الحرم :
المسجد ، وأشرف بقاع المسجد : الكعبة ، ولم يولد فيه مولودٌ سواه . فالمولود فيه يكون في غاية الشرف ،
فليس المولود في سيّد الأيّام ( يوم الجمعة ) في الشهر الحرام ، في البيت الحرام سوى أمير المؤمنين عليه السلام » . قالها
الحافظ المؤرّخ أبو عبد الله محمّد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني ( ت ٥٨٨ هـ ) بعد أن ذكر عدّة أحاديث في ولادة عليٍّ عليه السلام في الكعبة (٣٦) . *
*
* « وُلِدَ في الكعبة بالحرم الشريف ،
فكان شرف مكّة وأصل بكّة لامتيازه
__________________
(٣٤) الخرائج والجرائح ٢ : ٨٨٨ .
(٣٥) النعيم المقيم لعترة النبأ العظيم : ١٦ ، مخطوطة مكتبة آيا صوفيا ـ تركيا ، وأنظر بشأنه إيضاح المكنون ٢ : ٦٦١ ، أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في المكتبة العربيّة .
(٣٦) مناقب آل أبي طالب ٢ : ١٧٥ .
بولادته في ذلك المقام المنيف ، فلم
يسبقه أحد ولا يلحقه أحد بهذه الكرامة » . قالها
المحدّث الجليل السيّد حيدر بن علي الحسيني الآملي من علماء القرن الثامن الهجري (٣٧) . * *
* « كانت ولادته بالكعبة المشرّفة ، وهو
أوّل مَن وُلِدَ بها ، بل لم يُعْلَم أنَّ غيرَه وُلِدَ بها » . قالها
العلّامة صفي الدين أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير الحضرمي الشافعي ، من أعلام القرن الحادي عشر (٣٨) . *
*
* « وُلِدَ عليه السلام بمكّة داخل
الكعبة على الرخامة الحمراء ، ولم ينقل ولادة أحدٍ قبله ولا بعده في الكعبة ، وذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء » . قالها
كلٌّ من : ـ
العالم المحدِّث الفقيه السيّد تاج الدين بن علي بن أحمد الحسيني العاملي ، من علماء القرن الحادي عشر (٣٩) . ـ
العالم الفاضل محمّد بن رضا القميّ ، من علماء القرن الحادي عشر (٤٠)
. * *
* « ولادة معدن الكرامة في جوف الكعبة ،
ولم يولَد أحدٌ فيها غيره ، وقد خصّه
__________________
(٣٧) الكشكول فيما جرى على آل الرسول : ١٨٩ .
(٣٨) وسيلة المآل : ٢٨٢ ، نسخة مكتبة آية الله المرعشي النجفي العامة ، المؤرّخة ١٢٨٠ هـ .
(٣٩) التتمّة في تواريخ الأئمّة ، الفصل الثالث ، مخطوط .
(٤٠) كاشف الغمّة : ٤٢٢ ، نسخة المؤلِّف المخطوطة المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى ، برقم ٢٠٠٠ .