الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-173-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٨
وبقية الرجال بعد سعد كلهم موثقون غير إمامية ، ولي في بعضهم كلام ، إلّا أنّ الخروج عن منهج مشايخنا ومن قبلهم تركه أولىٰ .
وعلىٰ كل حال ـ بعد سلامة ابن قولويه من الإشكال ـ الرواية موثّقة .
المتن :
ما حمله الشيخ عليه من البعد بمكان ، سيّما الثاني .
وما قاله شيخنا ـ قدسسره ـ في فوائده علىٰ الكتاب ـ من الحمل علىٰ التقية ـ له وجه .
وقد يحتمل أن يكون قوله في الرواية : أو من إناء غيره . اشتباهاً علىٰ الراوي بعد السؤال ، وإنّما كان السؤال عن الكوز ونجاسته بشرب اليهودي منه محل كلام ، وفي هذا أيضاً تكلف ، والتقية لا كلفة فيها ، ومن لم يعمل بالحديث في غنية من هذا كله .
قوله :
باب حكم الماء إذا ولغ فيه الكلب
أخبرني الشيخ ـ رحمهالله ـ عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : سألته عن الكلب يشرب من الإناء قال : « اغسل الإناء » وعن السنّور قال : « لا بأس أن يتوضّأ من فضلها إنّما هي من السباع » .
وبهذا الإسناد ، عن حماد ، عن حريز ، عن الفضل أبي العباس ،
قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام ، عن فضل الهرّة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع ، فلم أترك شيئاً إلّا سألته عنه ، فقال : « لا بأس به » حتىٰ انتهيت إلىٰ الكلب ، فقال : « رجس نجس ، لا تتوضّأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أوّل مرة ثم بالماء » .
السند :
أمّا الأوّل : فقد تقدم القول فيه (١) وأنّه معتبر عند المتأخرين .
وأمّا الثاني : فهو كذلك ، والفضل جلالته غير خفية ، وبعض الروايات في الكشّي (٢) يمكن توجيه عدم المنافاة فيها ، وقد سبق ذكر ذلك في أول الكتاب في حريز بن عبد الله ، حيث تضمنت الرواية قول أبي العباس لأبي عبد الله عليهالسلام : والله لقد عاقبت حريزاً بأعظم ممّا صنع ، فقال له عليهالسلام : « ويحك » (٣) إلىٰ آخره . فإنّ قول أبي العبّاس في مقام خطاب الإمام عليهالسلام يقتضي نوع نقض (٤) ، وقوله عليهالسلام : « ويحك » كذلك ، ووجه اندفاع المنافاة مذكور في كتاب شيخنا ، ـ سلمه الله ـ في الرجال (٥) ، وسيجيء في موضع من هذا الكتاب تفصيل المقال (٦) .
__________________
(١) راجع ص ٣٩ ، ٤٣ ، ٥٦ .
(٢) رجال الكشي ٢ : ٦٢٧ / ٦١٥ ، ٦٨٠ / ٧١٧ .
(٣) راجع ص ٥٧ .
(٤) في « رض » و « د » : نقص .
(٥) منهج المقال : ٩٤ .
(٦) يأتي في ج ٤ : ١٩١ ـ ١٩٤ .
المتن :
أمّا في الحديث الأوّل : فهو صريح في غسل الإناء بحيث يتحقق بالمرّة إلىٰ أنّ يثبت ما يقيده .
وما تضمّنه من أنّه لا بأس بفضل السنّور استدل به القائل بطهارة سؤره مضافاً إلىٰ الأصل ، والوالد ـ قدسسره ـ مشىٰ علىٰ هذا المسلك (١) ، وظاهره أنّ الفضلة هي السؤر ، بما قدّمه من تفسيره بما باشره الفم (٢) . فتختص الفضلة به ، واستفادة ذلك من الفضلة مطلقاً لا يخلو من تأمّل ، كما سبق ذكر (٣) الوجه فيه (٤) ، إلّا أنّ في مثل هذه الرواية لا يبعد ما ذكره .
وحكىٰ ـ قدسسره ـ عن العلّامة أنّه حكىٰ عن ابن إدريس الحكم بنجاسة ما يمكن التحرز عنه : ممّا لا يؤكل لحمه ، من حيوان الحضر غير الطير (٥) . وسيأتي من المصنف أنّ ما لا يؤكل لحمه لا يجوز استعمال سؤره (٦) ، وهذا الخبر صريح في طهارة فضل الهرة ، فإنّ كان مراده بالسؤر غير الفضلة يتعين إرادته هنا بالفضلة ما باشره السنور بغير الفم ، وإن اتحدا كان بين كلامي الشيخ تخالف .
والوالد : ـ قدسسره ـ نسب إلىٰ الشيخ في الاستبصار القول بالمنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه (٧) ، نظراً إلىٰ العبارة الآتية ، والحال أنّ نقله هذه الرواية
__________________
(١) معالم الفقه : ١٥٠ .
(٢) معالم الفقه : ١٤٧ .
(٣) في النسخ : ذكره . والظاهر ما أثبتناه .
(٤) راجع ص ١٥٠ .
(٥) معالم الفقه : ١٥٠ .
(٦) في ص ٢٠٠ .
(٧) معالم الفقه : ١٤٩ .
لا يوافق ذلك ، بل لا بُدّ من تخصيص كلام الشيخ ، فلا يتم نقل القول علىٰ الإطلاق ، وربما يستفاد من تعليله الآتي ما يتناول السنور ، ولا مانع من سؤره .
ثم التعليل في الرواية بأنها من السباع موجود أيضا في روايات اُخر (١) وربما دل علىٰ طهارة سؤر جميع السباع ، وفي بعض الروايات ما يقتضي أنّ السبع ما يأكل اللّحم (٢) .
وأمّا الحديث الثاني فهو صريح في طهارة سؤر السباع ، إلّا أنّ ذكر الوحش قد يأبىٰ تفسير السباع بما تأكل اللّحم ، والجمع ليس بعسير لو صحت الأخبار الدالة علىٰ تفسير السباع .
وما تضمنته الرواية من قوله : فلم أترك شيئاً . الظاهر أنّ المراد به ما خطر في باله ؛ لأنّه ينفي من الحيوان الذي عينه نجسة غير الكلب كما لا يخفىٰ ، ( أو أنّ المراد لم أترك ممّا قلته ، وفيه بعد ) (٣) .
ثم ما تضمّنته من الأمر بالغَسل من دون تقييد بالمرّتين هو الموجود في التهذيب (٤) أيضاً ، إلّا أنّ العلّامة في المنتهىٰ (٥) والمحقق في المعتبر (٦) نقلاه بلفظ مرّتين ، وفي المختلف نقله كما هنا من غير لفظ مرّتين (٧) ، ولا يخلو من غرابة .
__________________
(١) الوسائل ١ : ٢٢٧ أبواب الأسآر ب ٢ .
(٢) الوسائل ٢٤ : ١١٥ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣ ح ٧ .
(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » .
(٤) التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٦ .
(٥) المنتهىٰ ١ : ١٨٨ .
(٦) المعتبر ١ : ٤٥٨ .
(٧) المختلف ١ : ٦٤ .
وظاهر المنتهىٰ أنّه لا خلاف في التعدد بالماء مع التراب (١) .
والحديث كما ترىٰ لا ذكر فيه للإناء ، والمتضمن للإناء ـ وهو الأوّل ـ لا يوجب تخصيص الثاني ولا تقييده ، فلا أدري وجه ذكر الأصحاب الإناء في التعفير بالتراب .
وصريح الخبر فضلة الكلب ، وقد تقدم القول في احتمال الفضلة لغير السؤر (٢) ، إلّا أنّ الأصحاب الذي رأينا كلامهم ـ عدا المفيد علىٰ ما نقله في المختلف (٣) عنه ـ قائلون بالولوغ ، وأمّا المفيد فالمنقول عنه أنّ الكلب لو خالط الإناء ببعض أعضائه يغسل مرّة بالماء وثانية بالتراب وثالثة بالماء (٤) . وربما يصلح الحديث ـ باعتبار ذكر الفضلة ـ للاستدلال له ، ( وقد سبق احتمال ظهور السؤر من الخبر ) (٥) ولو جعلنا السؤر ما باشره الجسم اتّحدا ، ولعل (٦) الولوغ مخصوص عندهم بغير ما ذكر .
والعجب أنّ العلّامة قال في المختلف : والمشهور إيجاب التراب في الولوغ خاصة ، وهو المعتمد ، لنا أنّ الحكم معلّق بالولوغ (٧) . والحال أنّه لم يذكر سوىٰ رواية أبي العباس ، وهي كما ترىٰ .
والرواية التي نقلها الشيخ هنا أوّلاً وإنّ تضمّنت الشرب ( من الإناء ، إلّا أنها لا تتضمن التراب ، غير أنّ تقييد الغَسل بالتراب لا بُدّ منه ، أمّا تقيد
__________________
(١) المنتهىٰ ١ : ١٨٧ .
(٢) راجع ص ١٤٩ .
(٣) المختلف ١ : ٣٣٧ .
(٤) المقنعة : ٦٨ .
(٥) ما بين القوسين ساقط من « فض » و « د » .
(٦) في « د » و « فض » : أمّا .
(٧) المختلف ١ : ٣٣٧ .
التراب بالإناء والشرب ) (١) غير ظاهر الوجه ، واحتمال انصراف الفضلة إلىٰ الشرب والإناء محل كلام .
نعم نقل شيخنا ـ قدسسره ـ رواية عن النبيّ صلىاللهعليهوآله تتضمن ذكر الولوغ والغَسل سبعاً (٢) . والرواية مرسلة ، ومخالفة لما ذكره معتَبِر الثلاث .
وحكىٰ في المختلف عن ابن إدريس مزج التراب بالماء مستدلّاً بأنّ حقيقة الغَسل جريان الماء (٣) . وكأنّ غرضه أنّ المزج أقرب إلىٰ حقيقة الغسل ، وعند تعذّر الحقيقة يصار إلىٰ أقرب المجازات ؛ ويظهر من شيخنا (٤) ـ قدسسره ـ توجيهه بما قلناه .
واعترض عليه بعض محققي المعاصرين (٥) بلزوم مجازين علىٰ هذا التقدير في الغَسل والتراب (٦) .
وقد يقال : إنّ المزج ربما لا يخرج التراب عن الحقيقية ، فلا يلزم المجاز بمجرد المزج ، وهذا هو الذي يظهر من كلام ابن إدريس أيضاً ، وفي البين كلام طويل ذكرته في محل آخر .
غير أنّه ينبغي أن يعلم أنّ العلّامة في المختلف نقل عن الشيخ في الخلاف والمبسوط ما يقتضي أنّ التعدّد في الماء وإن كان كثيراً إذا بلغ الكرّ .
واعترض عليه بأنّ العدد إنّما يعتبر في الإناء الذي يصب فيه الماء ،
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في « رض » .
(٢) مدارك الأحكام ٢ : ٣٩١ .
(٣) المختلف ١ : ٣٣٧ وهو في السرائر ١ : ٩١ .
(٤) مدارك الأحكام ٢ : ٣٩٢ .
(٥) في « فض » : المتأخّرين .
(٦) كالشيخ البهائي في مشرق الشمسين : ٤٢٨ .
أمّا مع وقوعه في الكثير [ أو ] (١) الجاري فلا يعتبر التعدد ، واستدل بحديث عمار الساباطي عن الصادق عليهالسلام وقد سأله عن كيفية غسل الكوز والإناء إذا كان قَذِراً قال : « يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ثم يصب فيه ماء آخر ثم يفرغ ( ثم يصب ماء آخر ثم يفرغ ) (٢) وقد طهر » قال : وهو يدل بمفهومه علىٰ أنّ العدد إنّما يكون مع صب الماء في الإناء (٣) . انتهىٰ .
وأنت خبير بما في الاستدلال من القصور ، أمّا أوّلاً : فلأنّه في الاستدلال علىٰ حكم الولوغ إنّما استدل برواية أبي العباس وليس فيها ذكر الإناء ولا لفظ مرّتين ، فمن أين جاء التعدد ؟
وأمّا ثانياً : فلأنّ حديث عمار يتضمن الغسل ثلاثاً ، ودلالته علىٰ أنّ التعدد منحصر في القليل غير واضحة كما لا يخفىٰ علىٰ المتأمّل .
قوله :
وأخبرني الشيخ ، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن معاوية بن شريح قال : سأل عذافر أبا عبد الله عليهالسلام ـ وأنا عنده ـ عن سؤر السنور ، والشاة ، والبقر ، والبعير ، والحمار ، والفرس ، والبغال ، والسباع ، يشرب منه أو يتوضّأ منه ، فقال : « نعم اشرب منه وتوضّأ » قال : قلت له : الكلب ، قال : « لا » قلت له : أليس هو سبع ؟ قال : « لا والله إنّه نجس ، لا والله إنّه نجس » .
__________________
(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
(٢) ما بين القوسين ليس في « د » .
(٣) المختلف ١ : ٣٣٩ وهو في الخلاف ١ : ١٧٩ والمبسوط ١ : ١٤ .
سعد (١) عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال ، عن عبد الله بن بكير ، عن معاوية بن ميسرة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله .
السند :
أمّا الأوّل : فقد تقدم القول فيه مكرّراً (٢) ، وأحمد بن محمّد هو ابن عيسىٰ ، وأيوب بن نوح وصفوان حالهما في الجلالة غنية عن البيان .
وأمّا معاوية بن شريح : فالنجاشي ذكر معاوية بن ميسرة بن شريح وأنّه روىٰ عن أبي عبد الله عليهالسلام (٣) ، ولم يوثّقه .
والشيخ في الفهرست قال : معاوية بن شريح ، له كتاب يرويه عنه ابن أبي عمير ، وذكر أيضاً معاوية بن ميسرة له كتاب يرويه عنه علي بن الحكم (٤) . فالظاهر الاتحاد ، كما في النجاشي ، وقد ذكر النجاشي أنّ كتابه يرويه محمّد بن أبي عمير (٥) ، وعلىٰ كل حال فالرجل غير موثق .
وأمّا الثاني : فالطريق إلىٰ سعد هو الطريق إليه في الأوّل ، والكلام الكلام ، وأحمد بن الحسن وابن بكير فطحيّان ثقتان ، ومعاوية بن ميسرة عرفت القول فيه ، وربما دلت الرواية علىٰ التغاير ، ويحتمل الدلالة علىٰ الاتحاد ، والفائدة غير مهمة .
المتن :
في الأوّل ظاهر في طهارة سؤر كل ما ذكر فيه مؤيّداً لغيره ، وكذلك
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ١٩ / ٤٢ : سعد بن عبد الله .
(٢) راجع ص ١١٤ .
(٣) رجال النجاشي : ٤١٠ / ١٠٩٣ .
(٤) الفهرست : ١٦٦ / ٧٢٧ ، ١٦٧ / ٧٣١ .
(٥) رجال النجاشي : ٤١٠ / ١٠٩٣ .
يدل علىٰ نجاسة الكلب ، لكنه يدل علىٰ أنّ تفسير السَبُع بما يأكل اللحم غير تامّ ، والأمر سهل .
والوالد ـ قدسسره ـ قال : إنّ الطريق إلىٰ معاوية صحيح لكنه مجهول (١) ، وقد تقدم منّا الكلام في محمّد بن قولويه (٢) ، فإني لم أعلم توثيقه .
قوله :
فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : سألته عن الوضوء ممّا ولغ فيه الكلب والسنور أو شَرِب منه (٣) جمل أو دابّة أو غير ذلك أيتوضأ منه أو يغتسل ؟ قال : « نعم ، إلّا أن تجد غيره فتنزّه عنه » .
فليس هذا الخبر منافياً للأخبار الأوّلة ؛ لأنّ الوجه في هذا الخبر أن نحمله علىٰ أنّه إذا كان الماء كرّاً أو أكثر منه .
والذي يدل علىٰ ذلك : ما أخبرني به الشيخ ـ رحمهالله ـ عن أبي القاسم جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر أحمد بن محمّد عن عثمان بن عيسىٰ ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « ليس بفضل السنور بأس ( بأن تتوضّأ منه وتشرب ولا تشرب ) (٤) سؤر الكلب إلّا أن يكون حوضاً كبيراً يستقى منه » .
__________________
(١) معالم الفقه : ١٥٠ .
(٢) في ص ١١٤ ـ ١١٥ .
(٣) في « فض » و « د » : فيه .
(٤) في الاستبصار ١ : ٢٠ / ٤٤ : أن يُتوضأ منه ويُشرب منه ولا يُشرب .
وبهذا الاسناد عن أحمد بن محمّد عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سألته عن الماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل منه (١) الجنب قال : « إذا كان الماء (٢) قدر كرّ لم ينجسه شيء » .
السند :
قد تقدم الطريق إلىٰ الحسين بن سعيد (٣) ، وأنّ ابن سنان هو محمّد علىٰ الظاهر (٤) .
وأمّا ابن مسكان : فهو عبد الله ؛ لأنّ النجاشي قال في ترجمته : له كتب ، وذكر من رواتها محمّد بن سنان (٥) . وأمّا محمّد بن مسكان : فهو مذكور في كتاب الرجال للشيخ وأنّه مجهول (٦) . واحتماله هنا لا قرينة عليه ، والقرينة (٧) مرجّحة إرادة عبد الله ، وإن كان غير مفيد هنا كما لا يخفىٰ .
وأمّا الخبر الذي يدلّ علىٰ ما ذكره الشيخ فقد تقدم القول في ذكر رجاله أيضاً (٨) .
وتفسير أبي جعفر بأحمد بن محمّد بن عيسىٰ ربما يؤيد ما قاله
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٢٠ / ٤٥ : فيه .
(٢) ليست في الاستبصار ١ : ٢٠ / ٤٥ .
(٣) راجع ص ٧٠ .
(٤) راجع ص ١٢١ .
(٥) رجال النجاشي : ٢١٤ / ٥٥٩ .
(٦) رجال الطوسي : ٣٠٢ / ٣٥٠ .
(٧) في « فض » و « د » زيادة : علىٰ غيره .
(٨) راجع ص ٧١ ، ٧٣ ، ١١٠ ـ ١١٣ ، ١١٥ .
العلّامة في الخلاصة ، من أنّ المراد بأبي جعفر في رواية الشيخ عن سعد بن عبد الله عن أبي جعفر ، هو أحمد بن محمّد بن عيسىٰ (١) .
إلّا أنّ قول العلّامة : ذكره الشيخ وغيره . قد يشكل بأنّ محمّد بن يعقوب في الكافي في باب تاريخ مولد الصادق عليهالسلام قال : سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر محمّد بن عمر بن سعيد ، عن يونس بن يعقوب (٢) . والظاهر أنّ أبا جعفر هذا هو الزيّات ، إلّا أنّهم لم يذكروا كنيته بأبي جعفر .
ولولا اتفاق نسخ الكافي التي رأيناها لاحتمل كونه بن عثمان وعمر تصحيف ، فيكون محمّد بن عثمان بن سعيد العمري ، فإنّه يكنّىٰ بأبي جعفر وسعد يروي عنه ، فقد يحتمل أن يكون مراد العلّامة أنّ أبا جعفر مع الإطلاق ما ذكره ، والتقييد حكم آخر ، فتأمّل .
اللغة :
الولوغ ـ علىٰ ما ذكره جماعة من أهل اللغة ـ (٣) شرب الكلب ممّا في الإناء بطرف لسانه ، أو إدخال لسانه فيه وتحريكه (٤) .
المتن :
علىٰ ظاهر كلام من سمعت كلامه لا يتم فيه تأويل الشيخ ، إلّا بأن يراد بالولوغ الأعم من الشرب من الإناء ، ويصير في عرف الأئمّة عليهمالسلام غير
__________________
(١) خلاصة العلّامة : ٢٧١ .
(٢) الكافي ١ : ٤٧٥ / ٨ .
(٣) في « فض » و « رض » زيادة : أنّه .
(٤) القاموس المحيط ٣ : ١١٩ ( ولغ ) ، الصحاح ٤ : ١٣٢٩ ( ولغ ) .
العرف اللغوي ، أو أنّه مجاز ، ولو اُريد بالإناء ما يتناول الكرّ ففيه إشكال ، إلّا أنّ ضرورة الجمع يقتضي ما ذكره الشيخ .
وربما يشكل الحال ، بأنّ ظاهر الحديث التنزّه عنه مع وجود غيره ، فيدل علىٰ كراهية الوضوء والغسل من الماء الكثير إذا ولغ فيه الكلب والسنور والجمل والدابة ، ولم أعلم الآن القائل به ، غير أنّ الحديث حاله غير خفية ، والأمر بالنسبة إلىٰ غير الشيخ ممّا يتوقف عمله علىٰ صحة الخبر سهل .
والحديث الأخير قد تقدم سنداً ومتناً في أوّل كتاب الطهارة (١) ، فالكلام السابق فيه يغني عن الإعادة .
بقي شيء : وهو أنّ جماعة من الأصحاب المتأخّرين ذكروا أنّ لطع الكلب الإناء بلسانه بمنزلة الولوغ ، وإن لم يصدق عليه اسمه حقيقة ، بل لأنّه الأولىٰ في الحكم من الولوغ ، فيتناوله الدليل بمفهوم الموافقة (٢) ، قال الوالد ـ قدسسره ـ : ولا بأس به (٣) .
وفي نظري القاصر أنّ أصل مفهوم الموافقة محل بحث علىٰ طريقة الأصحاب ؛ لأنّ العلّة لا بُدّ منها عند المحققين فيه ، والعلّة إمّا منصوصة أو مستنبطة ، والثانية ليست بحجة في غيره ، وليس في مفهوم الموافقة دليل علىٰ حجيتها ، بل الظاهر منهم نفي المستنبطة مطلقاً كما يعلم من الاُصول ، والاُولىٰ إذا تحققت جرىٰ حكمها في كل موضع يتحقق فيه ، من غير فرق
__________________
(١) في ص ٣٩ .
(٢) منهم المحقق والشهيد الثانيان في جامع المقاصد ١ : ١٩٠ والروضة ١ : ٦٣ وصاحب المدارك ٢ : ٣٩٠ .
(٣) معالم الفقه : ٣٣٦ .
بين كون المسكوت عنه أولىٰ أو يساوي المنطوق .
وإذا علمت هذا فما نحن فيه لا يتم إذا لم يتحقق الولوغ حقيقة ، كما اعترفوا به ، فينبغي التأمّل في هذا ، فإنّي لم أجد من ذكره ، وفي الظن أنّ ذكر (١) مفهوم الموافقة بتبعيّة (٢) أهل الخلاف ، وعلىٰ قواعدهم له وجه غير خفي ، والله أعلم بالحال .
قوله :
باب الماء القليل يحصل فيه شيء من النجاسة
أخبرني أبو الحسين بن أبي جيد القمي ، عن محمّد بن الحسن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمّد ؛ والحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : سألته عن الجنب يجعل الركوة (٣) والتَور (٤) فيدخل إصبعه فيه قال : « إن كانت يده قذرة فأهرقه ، وإن كان لم يصبها قذر فليغتسل منه ، هذا ممّا قال الله تعالىٰ ( مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٥) .
وبهذا الإسناد ، عن الحسين بن سعيد ، عن أخيه الحسن ، عن
__________________
(١) في « د » : أذكر .
(٢) في « فض » و « رض » : يتبعه .
(٣) الركوة : إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء ـ النهاية لابن الأثير ٢ : ٢٦١ ( ركا ) .
(٤) التَور : بالفتح فالسكون : اناء صغير من صفر أو خزف يُشرب منه ويتوضأ فيه ، مجمع البحرين ٣ : ٢٣٤ ( تور ) .
(٥) الحج : ٧٨ .
زرعة ، عن سماعة (١) ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا أصاب الرجل جنابة فأدخل يده في الإناء فلا بأس إذا لم يكن أصاب يده شيء من المني » .
السند :
قد تقدم الكلام في رجال الحديثين (٢) ، سوىٰ الحسن بن سعيد وزرعة ، والحسن ثقة بغير ارتياب ، وزرعة ثقة واقفي كما ذكره النجاشي (٣) ، والحسين بن الحسن بن أبان في الأوّل معطوف علىٰ الصفار .
المتن :
ظاهر الحديث الأوّل ـ بتقدير العمل به ـ وجوب الإهراق ، والقائل بالوجوب موجود (٤) ، وتأويل المحقق في المعتبر بأنّ الإهراق كناية عن عدم الاستعمال في الطهارة (٥) . محل كلام ، كما ذكرناه في حاشية التهذيب .
وما تضمّنه قوله : « هذا ممّا قال الله » إلىٰ آخره ، لا يخلو من خفاء ، فإنّ الإصبع مع الطهارة لا يناسب الآية ظاهراً ، ولعل الوجه في ذلك أن الجنب لو مُنع من إدخال شيء في الماء لكان حرجاً ، إلّا أن يكون العضو قذِراً .
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٢٠ / ٤٧ : سماعة بن مهران .
(٢) راجع ص ٤١ ، ٧١ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٨٤ ، ١١٠ ـ ١١٣ ، ١٢١ ، ١٣٠ ، ١٧٠ .
(٣) رجال النجاشي : ١٧٦ / ٤٦٦ .
(٤) منهم الشيخان في المقنعة : ٦٩ والنهاية : ٦ .
(٥) المعتبر ١ : ١٠٤ .
وهذان الحديثان لو صحّا لدفعا قول ابن أبي عقيل (١) ، وإن كان الثاني فيه نوع إجمال . والعلّامة في المختلف ذكرهما في الاستدلال لنجاسة القليل بالملاقاة قائلاً في توجيه الثاني : إنّه علّق نفي البأس علىٰ عدم الإصابة فيثبت معها قضية للشرط (٢) .
وقد يقال : إنّ البأس أعم من التحريم ، والأمر سهل ؛ لوجود أخبار معتبرة دالّة علىٰ نجاسة القليل ، كما سيأتي .
قوله :
وأخبرني الشيخ ـ رحمهالله ـ عن أبي القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسىٰ ، عن سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن جرّة وجد فيها خنفساء قد مات ، قال : « ألقه وتوضّأ منه ، وإن كان عقرباً فأرق (٣) الماء وتوضّأ من ماء غيره » وعن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو ، وليس يقدر علىٰ ماء غيره ، قال : « يهريقهما ويتيمّم » .
محمّد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن العمركي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسىٰ بن جعفر عليهالسلام ، قال : سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههنّ (٤) تطأ العذرة ثم تدخل في الماء ، يتوضّأ منه للصلاة ؟ قال :
__________________
(١) حكاه عنه في المختلف ١ : ١٣ .
(٢) المختلف ١ : ١٤ .
(٣) في الاستبصار ١ : ٢١ / ٤٨ : فأهرق .
(٤) في الاستبصار ١ : ٢١ / ٤٩ : واشباههما .
« لا ، إلّا أن يكون الماء كثيراً قدر كرّ من الماء » (١) .
السند :
أمّا الأوّل : فقد تقدّم (٢) .
والثاني : تقدم طريق المصنف إلىٰ محمّد بن أحمد بن يحيىٰ (٣) ، والعمركي هو ابن علي البوفكي علىٰ ما في الخلاصة (٤) ، وتوثيقه في النجاشي (٥) .
وعلي بن جعفر حاله أشهر من أن يذكر .
المتن :
في الحديث الأوّل يدل علىٰ نجاسة القليل من جهة الإناءين ، فإنّ التيمم يقتضي ذلك لو صح الخبر ، وما تضمنه من إهراق الماء قد تقدّم فيه قول (٦) .
وقد حكىٰ العلّامة في المختلف عن صاحب النهاية الحكم بنجاسة ما يموت فيه العقرب من المياه ، ووجوب غسل الإناء والثوب والبدن ، ونقل الاستدلال برواية أبي بصير ، حيث قال فيها : قلت : والعقرب ، قال : « أرقه » (٧) .
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٢١ / ٤٩ : من ماء .
(٢) راجع ص ٧١ ـ ٧٣ ، ١١٥ ، ١١٠ ـ ١١٣ .
(٣) في ص ٥٠ .
(٤) خلاصة العلّامة : ١٣١ / ٢١ .
(٥) رجال النجاشي : ٣٠٣ / ٨٢٨ .
(٦) راجع ص ١٧٤ .
(٧) التهذيب ١ : ٢٣٠ / ٦٦٤ ، الوسائل ١ : ٢٤٠ أبواب الأسآر ب ٩ ح ٥ .
وأجاب العلّامة بأنّه غير دال علىٰ التنجيس بجواز استناد الإراقة إلىٰ وجود السم في الماء ، لا إلىٰ نجاسة العقرب (١) . والأمر كذلك ، ومثله القول في الرواية المبحوث عنها .
ولبعض الأصحاب توجيه لإهراق الإناءين بالنسبة إلىٰ التيمّم (٢) ، هو بالإعراض عنه حقيق .
وأمّا الخبر الثاني : فهو معدود في الصحيح ، ودلالته علىٰ نجاسة القليل بواسطة أنّ النهي عن الوضوء منحصر في علّتين : النجاسة أو سلب الطهورية ، والثاني متفق علىٰ نفيه ، فتعيّن الأوّل ، فلا يرد أنّ الرواية أخصّ من المدعىٰ .
والظاهر من الرواية دخول الدجاجة والحمامة في الماء مع عين العذرة ، فلا يتوجه احتمال أن يكون مجرّد زوال العين غير مطهّر ؛ لأنّ هذا الحكم وإن كان فيه نوع إشكال ، إلّا أنّ المشهور الطهارة ( بزوال العين وإن لم تغب ) (٣) .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الشيخ في التهذيب استدل علىٰ وجوب اجتناب الإناءين المشتبهين بحديث رواه عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وهو طويل ، قال : سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو ، وليس يقدر علىٰ ماء غيرهما ، قال : « يهريقهما جميعاً ويتيمّم » (٤) .
__________________
(١) المختلف : ٥٨ .
(٢) انظر من لا يحضره الفقيه ١ : ٧ ، والمقنع : ٩ .
(٣) ما بين القوسين ليس في « د » .
(٤) التهذيب ١ : ٢٤٨ / ٧١٢ .
وبرواية سماعة [ و ] (١) قد علمت حال رجالها ، ورواية عمار موثقة ، فغير العامل بالموثق قد يشكل الحال عنده في الحكم المذكور ، إلّا أنّ الخلاف في الاجتناب ذكر الوالد ـ قدسسره ـ أنّه غير متحقق (٢) .
والمحقق في المعتبر قال : إنّ عليه الاتفاق ، وزاد علىٰ ذلك : أنّ يقين الطهارة في كل منهما معارض بيقين النجاسة ، ولا رجحان ، فيتحقق المنع (٣) .
واعترض عليه الوالد ـ قدسسره ـ بأنّ يقين الطهارة في كل واحد بانفراده إنّما يعارضه الشك في النجاسة لا اليقين (٤) .
ولقائل أن يقول : إنّ كلام المحقق والاعتراض غير محرّرين .
أمّا الأوّل : فلأنّ اشتباه الإناءين علىٰ نحوين ، أحدهما : أن يعلم نجاسة أحدهما ثم يشتبه بالآخر ، وثانيهما : أن يشتبه وقوع النجاسة في أيّهما ، وفي الأوّل لا وجه لدعوىٰ يقين الطهارة في كل منهما ، وفي الثاني يقين الطهارة في كل واحد بانفراده لا يعارضه يقين النجاسة في كل واحد بانفراده ، وعلىٰ الاجتماع لا يقين للطهارة ، لتعارضه بيقين النجاسة .
وأمّا الاعتراض : فما فيه يعلم ممّا قررناه .
أمّا ما احتجّ به في المختلف من [ أنّ ] (٥) اجتناب النجس واجب ، ولا يتم إلّا باجتنابهما معاً (٦) ؛ فاعترض عليه شيخنا ـ قدسسره ـ : بأنّ اجتناب
__________________
(١) ما بين المعقوفين اضفناه لاستقامة العبارة .
(٢) معالم الفقه : ١٦٠ .
(٣) المعتبر ١ : ١٠٣ .
(٤) معالم الفقه : ١٦٠ .
(٥) أضفناه لاستقامة العبارة .
(٦) انظر المختلف ١ : ٨٢ .
النجس لا يقطع بوجوبه إلّا مع تحققه لا مع الشك (١) . ولا يخفىٰ عليك بعد ما قررناه في كلام المحقق ما في اعتراض شيخنا ـ قدسسره ـ وكلام العلّامة ـ رحمهالله ـ .
( ثم إنّه ربما يقال في المقام : إنّ وجوب الاجتناب علىٰ تقدير تحقق النجاسة وحصول الاشتباه ، أنّ المانع كان يقين النجاسة ومع الاشتباه لا يقين في كل واحد ، وإذا ارتفع اليقين لا وجه للاجتناب ، ان من المقرر عند جماعة اعتبار اليقين دون الظنّ في النجاسة ) (٢) .
ومثل هذا خطر في البال لكثير من المسائل ، مثل البئر في نجاسته بما لا نص فيه علىٰ القول بذلك ، والاختلاف في المقدار المطهر ، فيقال علىٰ تقدير يقين النجاسة قبل نزح شيء من الأقل الذي ذهب إليه بعض (٣) يرتفع يقين النجاسة ، فينبغي الطهارة بنزح الثلاثين فيما لا نص فيه ، لا بالدليل الذي نقلوه من الرواية التي لا تصلح للاستدلال ، كما سيأتي (٤) . إن شاء الله .
ويمكن الجواب عن الجميع بأنّ النجاسة إذا ثبتت شرعاً يحتاج رفعها إلىٰ ما أعدّه الشارع ، ولم يثبت أنّ رفع اليقين مطهّر ، وهكذا نقول هنا مع اشتباه الإناءين ، أمّا علىٰ تقدير الاشتباه من أول الأمر في وصول النجاسة إلىٰ أيّ الإناءين فيمكن أن يقال أيضاً : إنّ يقين الطهارة في كل واحد إذا لم يعارضه الشك لا يبقىٰ ، بل قد ارتفع يقيناً مع الشك ، غاية الأمر أنّ يقين
__________________
(١) مدارك الاحكام ١ : ١٠٧ .
(٢) ما بين القوسين كذا في النسخ ولعل الأنسب أن يقال : ثم إنّه ربما يقال في المقام : أنّه لا وجه للاجتناب علىٰ تقدير تحقق النجاسة وحصول الاشتباه ، إذ المانع كان يقين النجاسة ومع الاشتباه لا يقين في كل واحد ، وإذا ارتفع اليقين لا وجه للاجتناب ، إذ من المقرّر عند جماعة اعتبار اليقين دون الظنّ في النجاسة .
(٣) انظر مجمع الفائدة ١ : ٢٨٦ ومعالم الفقه : ٩٥ .
(٤) الآتي في ص ٣١٧ .
الارتفاع لا يوجب الطهارة ، بل الشارع حكم بأنّ اليقين لا يرفعه إلّا اليقين أو ما في حكمه علىٰ معنىٰ بقاء حكمه ، والوجدان شاهد ، فقول بعض : إنّ يقين الطهارة لا يعارضه الشك ، في حيّز الإجمال ، لولا ما قلناه .
وقول شيخنا ـ قدسسره ـ في توجيه الاجتناب علىٰ تقدير تعيّن نجاسة أحدهما ثم اشتباهه بأنّ المنع من استعمال ذلك المتعيّن متحقق فيستصحب (١) .
يشكل بما قدّمناه من أنّ زوال يقين النجاسة ينبغي أن يرفعها علىٰ القواعد المقررة من أنّ النجاسة لا تثبت بالظن .
وأنت خبير بعد هذا كله أنّ مع دعوىٰ الاتفاق علىٰ الاجتناب بالإطلاق المتناول للصورتين لا ثمرة في البحث ، إلّا أن يتنازع في دعوىٰ الإجماع ، والاحتياط في مثل هذا مطلوب .
قوله : ـ رحمهالله ـ :
فأما ما رواه الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد ، عن علي ابن أبي حمزة ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الماء الساكن والاستنجاء منه ، قال (٢) « توضّأ من الجانب الآخر ، ولا تتوضّأ من جانب الجيفة » .
وعنه ، عن عثمان بن عيسىٰ ، عن سماعة قال : سألته عن الرجل يمرّ بالميتة في الماء ، قال : « يتوضّأ من الناحية التي ليس فيها الميتة » .
وعنه ، عن القاسم بن محمّد ، عن أبان ، عن زكار بن فرقد ، عن
__________________
(١) مدارك الأحكام ١ : ١٠٨ .
(٢) في الاستبصار ١ : ٢١ / ٥٠ : عن الماء الساكن يكون فيه الجيفة أيصلح الاستنجاء منه فقال .