الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-173-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥١٨
عن أحمد ابن الحسن بن علي ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سُئل عمّا (١) يشرب منه الحمام ، فقال : « كلّ ما اُكل لحمه يتوضّأ من سؤره ويشرب » .
وممّا (٢) يشرب منه بازي أو صقر أو عقاب ، فقال : « كلّ شيء من الطير (٣) يتوضّأ ممّا يشرب منه إلّا أن ترىٰ في منقاره دماً فإن رأيت شيئاً في منقاره فلا تشرب » (٤) .
وسئل عمّا (٥) يشرب (٦) منه الدجاجة ، فقال : « إن كان في منقارها قذر لم تشرب ولم تتوضّأ منه ، وإن لم تعلم أنّ في منقارها قذراً توضّأ منه واشرب » .
وهذا خبر عام في جواز سؤر كلّ ما يؤكل لحمه من سائر الحيوان ، وأنّ ما لا يؤكل لحمه لا يجوز استعمال سؤره ، وقد بينا أيضاً في كتاب تهذيب الأحكام ما يتعلق بذلك ، واستوفينا فيه الأخبار (٧) .
وما يتضمن هذا الخبر من جواز سؤر طيور لا يؤكل لحمها مثل البازي والصقر إذا عري منقارها من الدم مخصوص من بين ما لا يؤكل لحمه في جواز استعمال سؤره .
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٢٥ / ٦٤ : عن ماء .
(٢) في الاستبصار ١ : ٢٥ / ٦٤ : عن ماء .
(٣) في الاستبصار ١ : ٢٥ / ٦٤ و « رض » : الطيور .
(٤) في الاستبصار ١ : ٢٥ / ٦٤ : فإن رأيت في منقاره دماً فلا تتوضأ منه ولا تشرب منه .
(٥) في الاستبصار ١ : ٢٥ / ٦٤ : عن ماء .
(٦) في الاستبصار ١ : ٢٥ / ٦٤ : شرب .
(٧) التهذيب ١ : ٢٢٤ .
وكذلك ما رواه إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام « أنّ أبا جعفر عليهالسلام كان يقول : لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن يشرب منه ويتوضّأ منه » .
الوجه فيه أن نخصّه من بين ما لا يؤكل لحمه ، من حيث لا يمكن التحرز من الفأرة ويشق ذلك علىٰ الإنسان ، فعفي لأجل ذلك عن سؤره .
السند :
فيه العدة الذي يروي عنها الحسين بن عبيد الله ، وسيأتي في باب ترتيب الوضوء ذكرها ومن لا ارتياب فيه (١) ، والظاهر اطّرادها .
وفي التهذيب روىٰ بعض هذا الحديث ، والسند : عن الشيخ ـ أيّده الله ـ عن أبي القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن أحمد ابن إدريس ؛ ومحمّد بن يحيىٰ ، جميعاً عن محمّد بن أحمد ، عن أحمد بن الحسن بن علي ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسىٰ ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سئل عمّا يشرب منه الحمام قال : « ما اُكل لحمه يتوضّأ من سؤره ويشرب » (٢) فالسند موثق ، ورواه مرّة ثانية بهذا السند وزاد فيه ما هنا (٣) .
__________________
(١) يأتي في ص ٤٧٤ ـ ٤٧٥ .
(٢) التهذيب ١ : ٢٢٤ / ٦٤٢ وفيه : كل ما يؤكل ، الوسائل ١ : ٢٣٠ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٢ ، بتفاوت يسير .
(٣) التهذيب ١ : ٢٢٨ / ٦٦٠ .
المتن :
كما ترىٰ مشتمل علىٰ لفظ كلّ ما اُكل ، وفي التهذيب ذكر التوجيه بعد نقل الحديث الذي ذكرناه عنه ، فقال : قوله : « كلّ ما يؤكل لحمه يتوضّأ بسؤره ويشرب » يدل علىٰ أنّ ما لا يؤكل لحمه لا يجوز التوضّؤ به والشرب منه ؛ لأنّه إذا شرط في استباحة سؤره أن يُؤكل لحمه دل علىٰ أنّ ما عداه بخلافه ، ويجري هذا مجرىٰ قول النبي صلىاللهعليهوآله « في سائمة الغنم الزكاة » (١) في أنّه يدل علىٰ أنّ المعلوفة ليس فيها الزكاة (٢) .
وأنت خبير بأنّ الشيخ لو جعل توجيهه بعد الحديث المتضمن للفظ « كلّ » كان أولىٰ (٣) ، لكن اعتماده علىٰ ما ذكره بلفظ « كلّ » اقتضىٰ اكتفاؤه بذلك كما نقله هنا .
وقد اعترض عليه شيخنا ـ قدسسره ـ في بعض فوائده علىٰ الكتاب ، وكذلك شيخنا المحقق ميرزا محمّد ـ أيّده الله ـ بما حاصله : أنّه لو سلّم دلالته علىٰ أنّ ما عداه بخلافه ؛ إنّما يدل علىٰ أنّ غير المأكول لا يثبت له الحكم كلّياً كما ثبت للمأكول ، ونحن نقول بموجبه ، فإنّ سؤر بعض غير المأكول نجس قطعاً .
وقد سبق إلىٰ هذا العلّامة في المختلف ، فقال : إذا سلّمنا أنّ المفهوم حجة يكفي في دلالته مخالفة المسكوت عنه للمنطوق في الحكم الثابت
__________________
(١) عوالي اللآلئ ١ : ٣٩٩ .
(٢) التهذيب ١ : ٢٢٤ / ٦٤٢ ، ٦٤٣ .
(٣) لا يخفىٰ أنّ الحديث الذي نقله عن التهذيب مشتمل علىٰ لفظ كلّ ، فتوجيه الشيخ في محلّه ، والظاهر أنّه كان ساقطاً من نسخة صاحب الاستقصاء .
للمنطوق ، وهنا الحكم الثابت للمنطوق الوضوء بسؤر ما يُؤكل لحمه والشرب منه ، وهو لا يدلّ علىٰ أنّ كلّ ما لا يؤكل لحمه لا يتوضّأ منه ولا يشرب ، بل جاز انقسامه إلىٰ قسمين (١) . وأطال الكلام والمحصل ما سبق .
واعترض الوالد (٢) ـ قدسسره ـ علىٰ العلّامة بما ذكرته في حاشية التهذيب وغيرها ، وذكرت ما قد يتوجه عليه ، نظراً إلىٰ أنّ الظاهر وجاهة الإشكال علىٰ الشيخ .
والآن يخطر في البال أنّ كلام الوالد ـ قدسسره ـ لا يخلو من وجه ، لأنّ حاصله : أنّ المنطوق هو مأكول اللحم من كل حيوان ، والحكم الثابت له جواز الوضوء من سؤره والشرب ، وغير محل النطق ما انتفىٰ عنه الوصف ، وهو عبارة عن غير المأكول من كل حيوان ، فيدل علىٰ انتفاء الحكم كلّياً .
فإن قلت : إذا لوحظت الكلّية في المنطوق لا بُدّ أن يراد نفيها في المفهوم ، وهو يتحقق بالجزئي .
قلت : إذا نظرنا إلىٰ مفهوم الوصف وحجّيته يكون الغرض المطلوب من الكلام نفي الحكم الثابت لذي الوصف عمّا عداه ، فلا بُدّ أن يكون جميع ما عداه منتفياً عنه الحكم ، وإلّا لما أفاد المفهوم ما هو المطلوب ؛ وذكر الكلّ في المنطوق لا دخل له في مفهوم الوصف ، بل لبيان شمول الأفراد علىٰ سبيل التأكيد ، وإلّا فالعموم يستفاد من جهة اُخرىٰ .
ولو منع مانع استفادته أمكن أن يقال : إنّ الكلية في المنطوق استفيدت من لفظ كلّ ، والمفهوم يستفاد كلّيته من انتفاء محل الوصف ، فلو فرض للمفهوم قسمان يقال : إنّ تعين أحد القسمين وهو النفي كلّياً لقرينة
__________________
(١) المختلف ١ : ٦٥ .
(٢) معالم الفقه : ١٥٣ .
دلالة الوصف علىٰ النفي عمّا عداه فلا ينافي القاعدة .
اللّهم إلّا أن يقال : إنّ مدخليّة الوصف في النفي عمّا عداه ليست من جهة الوصف لا غير ، بل بالوصف مع ملاحظة ما معه حتىٰ الكلّية ، ومعه لا يتم المطلوب ، والوجه في اعتبار ما معه أنّ الكلام في مفهوم الوصف مع ما يتضمن القضية بشروطها ، ولا ريب أنّ الكلّية داخلة .
فإن قلت : دلالة الوصف علىٰ النفي عمّا عداه لا دخل لها في جميع شرائط القضية .
قلت : بل لا بُدّ من المدخلية ؛ لأنّ الدلالة علىٰ نفي الحكم عمّا عداه يقتضي السلب عمّا عدا القضية المحكوم فيها بالإيجاب ، فلا بُدّ من اعتبار القضية إيجاباً وسلباً .
والحاصل : أنّ مفهوم الوصف لا يكون حجة إلّا مع الدلالة علىٰ الحصر ، ومع الحصر لا بُدّ أن لا يشارك المنطوق المفهوم في الحكم ، ومع المشاركة تنتفي حجّية المفهوم ، واعتبر هذا بقوله : « في سائمة الغنم زكاة » فإنّه لولا الحصر لما أفاد نفي الحكم عن المعلوفة ، فليتأمّل .
وبهذا قد يترجّح اعتراض الوالد ـ قدسسره ـ غير أنّ في البين نوع كلام بعد ، إلّا أنّ الأمر سهل ؛ فإنّ مفهوم الوصف غير ثابت الحجّية ، كما حرّرناه في الاُصول ، وذكرنا ما لا بُدّ منه فيه في حاشية التهذيب في بحث وجوب السورة .
إذا عرفت هذا فما
قاله الشيخ هنا ؛ من أنّ ما تضمنه الخبر من جواز سؤر طيور لا يؤكل لحمها مثل البازي والصقر مخصوص من بين ما لا يؤكل لحمه ؛ لا يخفىٰ أنّه غير مطابق للنص ؛ لأنّ مقتضاه أنّ كلّ شيء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه ، وإنّما ذكر الصقر والبازي في كلام السائل ،
والاعتبار بعموم الجواب لا بخصوص السؤال ، ولعل المراد بقول الشيخ ـ مثل البازي والصقر ـ المثليّة في كونه غير مأكول .
وأمّا رواية إسحاق بن عمار : فهي مرسلة هنا ، وفي التهذيب في باب زيادات الطهارة (١) ، وقد سمعت فيما سبق الأخبار الدالة علىٰ سؤر السنّور والسباع ، بل ظاهر رواية أبي العباس أنّه لم يترك شيئاً إلّا سأل عنه (٢) .
وأنت خبير بأنّ كلام الشيخ هنا في تخصيص الفأرة : لأنّها لا يمكن التحرز عنها ؛ يمكن أن يقال مثله في السنّور .
أمّا السباع وغيرها المستفاد من الخبر المذكور سابقاً فالتخصيص إن وجد فيه فلا وجه لاقتصار الشيخ علىٰ ما ذكره ، وإن لم يخصص فالمعارضة موجودة ، وهذا الكتاب موضوع للجمع بين الأخبار ، وما ذكرناه من المهم في ذلك عند العامل بالجميع كالشيخ ، ومن لا يعمل إلّا بالصحيح فهو في راحة من مشقّة الجمع في المقام .
قوله :
باب ما ليس له نفس سائلة يقع في الماء فيموت فيه
أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيىٰ ، عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سئل عن الخنفساء والذباب
__________________
(١) التهذيب ١ : ٤١٩ / ١٣٢٣ ، الوسائل ١ : ٢٣٩ أبواب الأسآر ب ٩ ح ٢ .
(٢) راجع ص ١٦١ ـ ١٦٢ .
والجراد والنملة وما أشبه ذلك تموت في البئر والزيت والسمن وشبهه ، قال : « كل ما ليس له دم فلا بأس (١) » .
وبهذا الإسناد عن محمّد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن حفص بن غياث ، عن جعفر بن محمّد عليهالسلام قال : « لا يفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة » .
أخبرني الشيخ أبو عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان قال ، قال أبو عبد الله عليهالسلام : « كل شيء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس » .
السند :
أمّا الأوّل : فهو من الموثق كما تكرر القول فيه (٢) .
وأمّا الثاني : فأبو جعفر فيه هو أحمد بن محمّد بن عيسىٰ ، وحاله مشهور ، أمّا أبوه محمّد بن عيسىٰ فغير موثق ، وحفص بن غياث عامي علىٰ ما قاله الشيخ في الفهرست (٣) وكتاب الرجال (٤) ، والنجاشي لم يذكر كونه عامياً ولا مدحه (٥) .
وأمّا الثالث : فحال رجاله قد تكرر القول فيها بما يغني عن
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٢٦ / ٦٦ زيادة : به .
(٢) راجع ص ٦٤ و ٩٣ و ٩٥ .
(٣) الفهرست : ٦١ / ٢٣٢ .
(٤) رجال الطوسي : ١٧٥ / ١٧٦ .
(٥) رجال النجاشي : ١٣٤ / ٣٤٦ .
الإعادة (١) .
أمّا رواية ابن مسكان ـ وهو عبد الله ـ عن أبي عبد الله عليهالسلام بغير واسطة ، فهي تنافي ما قيل من أنّه لم يسمع من أبي عبد الله عليهالسلام إلّا حديث : من أدرك المشعر (٢) ، لكن الحديث كما ترىٰ غير صحيح ، بل وذلك القول محل كلام .
المتن :
في الجميع ظاهر في أنّ ما لا نفس له ينجّس الماء ، والأخبار وإن لم تكن صحيحة ، إلّا أنّ الأصل معها مؤيّد قوي .
وفي المنتهىٰ : اتّفق علماؤنا علىٰ أنّ ما لا نفس له سائله من الحيوانات لا ينجس بالموت ، ولا يؤثّر في نجاسة ما يلاقيه (٣) .
وفي المعتبر : أنّ عدم نجاسة ما هذا شأنه وانتفاء التنجيس به مذهب علمائنا أجمع (٤) .
وحكىٰ الوالد ـ قدسسره ـ عن الشيخ في النهاية أنّه قال : كلّ ما ليس له نفس سائلة من الأموات فإنّه لا ينجّس الثوب ولا البدن ولا الشراب إذا وقع فيه ، سوىٰ الوزغ والعقرب (٥) .
وقد علمت ممّا تقدم نقل العلّامة الاحتجاج لنجاسة العقرب والجواب عنه (٦) .
__________________
(١) راجع ص ٤٠ ، ٤١ ، ٧٠ ، ١٢١ ، ١٧٠ .
(٢) رجال الكشّي ٢ : ٦٨٠ .
(٣) المنتهىٰ ١ : ٢٨ .
(٤) المعتبر ١ : ١٠١ .
(٥) معالم الفقه : ٢٣٣ ، وهو في النهاية : ٦ .
(٦) راجع ص ١٧٦ ـ ١٧٧ .
أمّا الوزغ فقد تقدم الخبر الدال علىٰ أنّه لا يُنتفع بما يقع فيه ، وحمل الشيخ له علىٰ الكراهة (١) .
وفي المعتبر : ما يتولّد في النجاسات كدود الحش وصراصره ففي نجاسته تردّد ، ووجه النجاسة أنّها كائنة عن النجاسة ، فتبقىٰ عليها ، ووجه الطهارة الأحاديث الدالة علىٰ طهارة ما مات فيه حيوان لا نفس له من غير تفصيل ؛ وترك التفصيل دليل إرادة الإطلاق ؛ ولأنّ تولّده في النجاسة معلوم ، أمّا منها فغير معلوم ، فلا يحكم بنجاسته ، وإن لاقىٰ النجاسة إذا خلا من عينها (٢) . انتهىٰ .
ولقائل أن يقول : إنّ ظاهر الكلام ينافي ما قرّروه من أنّ استحالة الصورة النوعية من المطهّرات ؛ فإنّ الاستحالة في ما نحن فيه أظهر الأفراد ، إلّا أنّ الذي صرّح به المحقق في المعتبر ـ علىٰ ما نقله عنه أبي (٣) ـ عدم طهارة الخنزير وشبهه إذا وقع في المملحة وصار ملحاً ، وكذلك العذرة إذا وقعت في البئر واستحالت حمأة (٤) .
وخصوص هذه المذكورات لا وجه له ، وحينئذٍ لا يتوجه علىٰ المحقق شيء .
نعم ذهب جماعة كالمحقق الشيخ فخر الدين (٥) ، والشهيد (٦) ، وجدّي (٧) ـ قدّس سرهم ـ إلىٰ أنّ الاستحالة مطهّرة ؛ واختار ذلك والدي ـ قدسسره ـ
__________________
(١) راجع ص ١٩٢ .
(٢) المعتبر ١ : ١٠٢ .
(٣) معالم الفقه : ٤٠٧ ، وهو في المعتبر ١ : ٤٥١ .
(٤) الحمأة : طين أسود ، المصباح المنير : ١٥٣ .
(٥) إيضاح الفوائد ١ : ٣١ .
(٦) الذكرىٰ ١ : ١٣٠ ، والدروس ١ : ١٢٥ .
(٧) انظر الروضة ١ : ٦٧ وروض الجنان : ١٧٠ .
مستدلاً بأنّ الحكم بالنجاسة منوط بالاسم فيزول بزواله (١) .
وقد ينظر في هذا : بأنّ الاسم إذا تحققت الطهارة بزواله يشكل ، بأنّه يقتضي طهارة كثير من الأشياء وإن لم تحصل الاستحالة ، والأمر لا يخلو من إشكال .
وإرادة زوال الصورة النوعية من الاسم علىٰ تقديرها يوجب تطهير متغيّر الصورة وإن لم يستحل ، ولا أظنّ القائلين يلتزمون ذلك .
وقد احتجّ المحقق (٢) والعلّامة (٣) علىٰ القول بعدم الطهارة : بأنّ ( النجاسة قائمة بالأجزاء لا بالأوصاف ، ولا تزول بتغيّر الأوصاف .
واُجيب : بأنّ قيام ) (٤) النجاسة بالأجزاء مسلّم ، لكن لا مطلقاً ، بل بشرط الوصف ؛ لأنّه المتبادر من تعليق الحكم بالاسم ، والمعهود في الأحكام الشرعية ، ولا ريب في انتفاء المشروط عند انتفاء شرطه (٥) .
والوالد ـ قدسسره ـ ذكر هذا الجواب أيضاً (٦) .
ولا يخلو من تأمّل في نظري القاصر ؛ لأنّ اشتراط الوصف يقتضي بمجرد زواله الطهارة ، وقد سمعت القول فيه .
ومن العجيب أنّ الوالد (٧) ـ قدسسره ـ ارتضىٰ كلام المحقق في الحيوان المتولّد في النجس ، والحال أنّ مذهبه الطهارة بالاستحالة .
__________________
(١) معالم الفقه : ٤٠٧ .
(٢) المعتبر ١ : ٤٥١ .
(٣) المنتهىٰ ١ : ١٧٩ .
(٤) ما بين القوسين ليس في « فض » .
(٥) انظر إيضاح الفوائد ١ : ٣١ .
(٦) معالم الفقه : ٤٠٨ .
(٧) معالم الفقه : ٤٠٧ .
وجوب المحقق ؛ حيث ذكر فيه : أنّ الحيوان تولّد في النجاسة لا منها (١) ؛ لا يوافق كلام الوالد ـ قدسسره ـ في الاستحالة ، ولعلّه ـ قدسسره ـ رأى أنّ الاستحالة لا يخلو فتح بابها من الإشكال ، فالاستدلال بغيرها أنسب وإن قال بها (٢) .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الأخبار المبحوث عنها في الأخير منها حكم البئر خاصة ، والمفهوم من الشرط فيه وإن اقتضىٰ حصول البأس في ذي الدم ، إلّا أنّ حمله علىٰ ما لا ينافي غير عَسِر .
واحتمال اختصاص البئر ـ لكونه جارياً ـ بعدم تأثّره فلا وجه لذكره هنا ؛ لا يخلو من وجه ، إلّا أنّ الظاهر من الشيخ إرادة كون البئر مساوياً للماء القليل غير الجاري ، كما سيأتي في الخبر المنافي .
قوله :
فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسىٰ ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : سألته عن الخنفساء تقع في الماء أيتوضّأ منه ؟ قال : « نعم لا بأس به » قلت : فالعقرب ؟ قال : « أرقه » .
فالوجه في هذا الخبر فيما يتعلق (٣) بإراقة ما يقع فيه العقرب أن نحمله علىٰ الاستحباب دون الحظر والإيجاب .
وأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن محمّد بن
__________________
(١) المعتبر ١ : ١٠٢ .
(٢) في « رض » : قيل بها ، وفي « فض » : قاربها .
(٣) في الاستبصار ١ : ٢٧ زيادة : بالأمر .
عبد الحميد ، عن يونس بن يعقوب ، عن منهال قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : العقرب تخرج من البئر ميتة ، قال : « استق عشر دلاء » قال ، قلت : فغيرها من الجيف ، قال : « الجيف كلّها سواء إلّا جيفة قد اُجيفت ، فإن كانت جيفة قد اُجيفت فاستق منها مائة دلو ، فإن غلب عليه الريح بعد مائة دلو فانزحها كلّها » .
فالوجه في هذا الخبر (١) ضرب من الاستحباب دون الإيجاب .
السند :
في الحديث الأوّل تقدّم ما يغني عن بيانه (٢) .
وأمّا الثاني : ففيه محمّد بن عبد الحميد ، والظاهر أنّه ابن سالم العطّار ؛ لأنّ الراوي عنه أحمد بن أبي عبد الله البرقي في الفهرست (٣) ، وعبد الله بن جعفر الحميري في النجاشي (٤) ، ومرتبة محمّد بن أحمد بن يحيىٰ تناسبه .
وفي رجال الشيخ : محمّد بن عبد الحميد فيمن لم يرو عن أحد من الأئمّة عليهمالسلام روىٰ عنه ابن الوليد (٥) ، ولا يخفىٰ بُعد إرادته هنا .
ثمّ إنّ محمّد بن عبد الحميد اتّفق في النجاشي أنّه قال : محمّد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر ، روىٰ عبد الحميد عن أبي الحسن موسىٰ عليهالسلام وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين (٦) .
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ٢٧ / ٧٠ زيادة : أيضاً .
(٢) راجع ص ٧٠ ، ٧١ ، ٧٣ ، ٨٤ ، ١٣٠ .
(٣) الفهرست : ١٥٣ / ٦٧٥ .
(٤) رجال النجاشي : ٣٣٩ / ٩٠٦ .
(٥) رجال الطوسي : ٤٩٢ / ٦ .
(٦) رجال النجاشي : ٣٣٩ / ٩٠٦ .
فظن جدّي ـ قدسسره ـ أنّ الموثق الأب (١) ، وأراه لا يخلو من بُعد ؛ لأنّ العنوان لمحمّد وذكر الأب بالعارض ، فمن المستبعد توثيق الأب ، إلّا أنّ الأمر لا يخلو من اشتباه .
وفي الخلاصة نقل [ في ] (٢) عبد الحميد ما هذه صورته : روىٰ عن موسىٰ وكان ثقة (٣) .
وكأنّه أخذه من النجاشي ظنّاً بأنّ الموثق الأب ، والذي رأيناه في النجاشي في عبد الحميد من دون توثيق .
وأمّا يونس بن يعقوب : فقد كان فطحياً ورجع ، وهو ثقة ، ذكر ذلك النجاشي (٤) . والتوقف في روايته واضح الوجه ، لعدم العلم بزمن الرواية .
وأمّا منهال : فهو مشترك في الرجال بين من لا يزيد علىٰ الإهمال (٥) .
المتن :
في الأوّل : علىٰ تقدير العمل بالخبر محمول ـ كما ذكره الشيخ ـ علىٰ الاستحباب ، لكن لا لمعارضة الخبر المذكور في هذا الباب ؛ لتضمن الخبر حكم العقرب إذا وقعت في البئر ، ويجوز أن يكون للبئر حكم يغاير غيره من الماء الذي لا يكون له مادة لينافيه الخبر المبحوث عنه ، بل لِما تقدم من الخبر في الباب المتقدم الدال علىٰ أنّه يسكب من الماء ثلاث مرّات ثم
__________________
(١) قال به في فوائده علىٰ خلاصة العلّامة علىٰ ما حكاه عنه في تنقيح المقال ٣ : ١٣٦ .
(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : عن ، والظاهر ما أثبتناه .
(٣) خلاصة العلّامة : ١١٦ / ٣ .
(٤) رجال النجاشي : ٤٤٦ / ١٢٠٧ .
(٥) رجال الطوسي : ٣١٣ / ٥٣٧ ـ ٥٤٠ .
يشرب منه (١) ، مع احتمال أن يقال بالتخيير بين الإراقة والسكب ثلاث مرّات .
وما قد يقال : إنّ الأخبار الدالة علىٰ أنّ ما ليس له دم لا بأس به تتناول العقرب ، فيحتاج الحمل علىٰ الاستحباب في العقرب لذلك .
يمكن الجواب عنه بجواز تخصيص ذلك وتقييده ، مع احتمال أن يراد بنفي البأس عدم النجاسة وعدم التحريم ، فلا يتم المعارضة ، وفي هذا نظر ( ولا يخفىٰ أنّ الجمع فرع العمل بالأخبار ) (٢) .
وأمّا الثاني : فما ذكره الشيخ فيه من الحمل علىٰ الاستحباب لا بأس به بالنسبة إلىٰ غير الشيخ ، أمّا هو علىٰ ما يظهر منه من وجوب النزح تعبّداً فلا مانع له من أن يحمل الخبر المتضمن لنفي البأس علىٰ عدم النجاسة ، والأمر بالنزح علىٰ الوجوب تعبّداً ، أو بزوال النفرة من السم عند غير الشيخ مع الاحتمال المتقدم ؛ إلّا أنّ في مذهب الشيخ بالنسبة إلىٰ النزح نوع خفاء ، كما سنبينه إن شاء الله (٣) .
أمّا ما تضمنه الخبر من قوله : « جيفة قد اُجيفت » فالمراد به ميتة قد اُنتنت ، والحمل علىٰ الاستحباب في بعض الحديث والوجوب في بعض محل إشكال .
وقوله عليهالسلام : « فإن غلب الريح بعد مائة دلو فانزحها كلّها » لا يخلو من إجمال لا يتمّ بيانه إلّا في باب نزح المتغيّر من الآبار .
فإن قلت : ظاهر الخبر في الجيفة الشمول للطاهرة كجيفة ما لا نفس
__________________
(١) راجع ص ١٩٢ .
(٢) ما بين القوسين ليس في « فض » و « د » .
(٣) يأتي في ص ٢٤٤ ـ ٢٤٥ .
له ، والوجوب فيها لا يخلو من إشكال ، بل الاستحباب له وجه ، فلعل الخبر محمول عليها بخصوصها ، فيتم الاستحباب .
قلت : لا يخفىٰ عدم تماميّة هذا ، بل الظاهر أنّ المراد من الجيفة غير العقرب وما ماثلها ممّا ليس له نفس سائلة ، غاية الأمر أنّ الحديث علىٰ نحو بعض الأخبار الواردة في البئر ، من دخوله في حيّز الإجمال ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .
قوله :
بَاب المَاء المستعمل
أخبرني الشيخ أبو عبد الله ـ رحمهالله ـ عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علي ، عن أحمد بن هلال ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « لا بأس بأنّ يتوضّأ بالماء المستعمل » وقال : « الماء الذي يغسل به الثوب ، أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ منه وأشباهه ، وأمّا الذي يتوضّأ به الرجل فيغسل به وجهه ويده في شيء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضّأ به » .
السند :
فيه محمّد بن قولويه وقد تقدم القول فيه (١) ، والحسن بن علي : يحتمل أن يكون ابن النعمان ؛ لأنّ الراوي عنه في النجاشي (٢) الصفار ، وهو
__________________
(١) في ص ١١٤ .
(٢) رجال النجاشي : ٤٠ / ٨١ .
في مرتبة سعد ، وهذا الاحتمال لا يفيد الجزم الذي يعوّل عليه .
واحتمال ابن فضال بعيد ؛ لأنّ الراوي عنه أحمد بن محمّد بن عيسىٰ في الرجال (١) ، وكذلك الوشاء الراوي عنه من ذكر ، وعلىٰ كل حال ـ بعد وجود أحمد بن هلال الذي ذمّه الشيخ (٢) ـ رحمهالله ـ غاية الذم ـ لا ثمرة في تحقيق الحسن بن علي .
والحسن بن محبوب وابن سنان حالهما غنيّة عن البيان .
المتن :
ظاهره جواز الوضوء بالماء المستعمل ، سواء كان مستعملاً في الكبرىٰ أو الصغرىٰ .
وقوله عليهالسلام في آخر الحديث : « فأمّا الذي يتوضّأ به الرجل » إلىٰ آخره ، الظاهر أنّ المراد به غسل الوجه واليدين ، لا الوضوء الشرعي ، واحتمال إرادة الوضوء الشرعي لا يضر بالحال ، إلّا من جهة التخصيص بوضوء غير الغاسل وجهه ويده ، ومقتضىٰ الأوّل جواز الاستعمال مطلقاً ، إلّا أنّ الإجماع قد ادّعي في المنتهىٰ (٣) والمعتبر (٤) ، علىٰ أنّ المستعمل في رفع الأصغر طاهر مطهِّر ، من غير فرق بين الذي رفع به الحدث وغيره ، مؤيّداً بأنّ الاستعمال لا يخرج الماء عن الإطلاق .
وهذا الذي ذكرناه في الخبر علىٰ تقدير العمل به ، وعلىٰ هذا التقدير
__________________
(١) رجال النجاشي : ٣٤ / ٧٢ والفهرست : ٤٨ .
(٢) الفهرست : ٣٦ / ٩٧ .
(٣) المنتهىٰ ١ : ٢٢ .
(٤) المعتبر ١ : ٨٥ .
فيه تخصيص ، لجواز الوضوء بالمستعمل ، أمّا الغُسل بالمستعمل في الوضوء فظاهر النص لا يدلّ عليه .
وقوله عليهالسلام : « الماء الذي يغسل به الثوب » إلىٰ آخره ، لا يخلو من إجمال ، فإنّ ضمّ ما يغسل به الثوب إلىٰ ما يغتسل به من الجنابة يقتضي المشاركة في الحكم ، والحال أنّ ما يغسل به الثوب فيه خلاف في النجاسة وعدمها ، ولم أعلم القول بأنّه يصير مستعملاً ، وكذلك القول بأنّ المستعمل في الجنابة نجس ، فإنّ كانت المشاركة في كون الماءين مستعملان فالحال ما سمعت ، وكذلك إن كانا نجسين ، فالاستدلال علىٰ المطلوب ـ من عدم جواز استعمال المستعمل في رفع الأكبر بالحديث ـ لا يخلو من غرابة .
مضافاً إلىٰ اختصاصه بالوضوء من الرافع للجنابة ، والمدعىٰ أعم .
وبالجملة فالحديث لا يصلح للاستدلال سنداً ومتناً .
فإن قلت : قوله : « وأشباهه » ما المراد به ؟
قلت : هو أيضاً في حيّز الإجمال ؛ إذ يحتمل أنّ يراد أشباه غسل الجنابة من الأغسال المفروضات ، بل ربما يدّعىٰ ظهوره من حيث إنّ « وأشباهه » مرفوعة عطفاً علىٰ الماء .
ويحتمل الجرّ فيه ، عطفاً علىٰ الضمير المجرور ، لكنه مرجوح عند بعض ، والمعنىٰ كالأوّل .
ويحتمل أن يكون عطفاً علىٰ فاعل يجوز ، والمعنىٰ يجوز أن يتوضأ ويجوز أشباه الوضوء ، ويراد المشابهة في الاستعمال لغسل بعض الأعضاء .
وبُعد هذا واضح ، وبه قد يرتفع الإجمال من هذه الجهة .
نعم في الفعل ـ أعني يتوضّأ ـ احتمالان : البناء للمجهول والمعلوم ، ومع الاحتمال نوع إشكال .
وقد استدل علىٰ المنع بصحيح محمّد بن مسلم ، عن أحدهما قال : سألته عن ماء الحمام ، فقال : « اُدخله بإزار ، ولا تغتسل من ماء آخر إلّا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله فلا تدري فيهم جنب أم لا » (١) .
واعترض الوالد ـ قدسسره ـ علىٰ الاستدلال بالرواية بأنّها غير واضحة الدلالة ؛ لتضمنها عدم استعمال ماء الحمام إذا كثر الناس فيه ، ولم يعلم هل فيهم جنب أم لا ، والاتفاق واقع علىٰ أنّ الشك في حصول المقتضي غير موجب للمنع ، فتكون الرواية مصروفة عن ظاهرها ، مراداً بها مرجوحيّة الاستعمال ، ولا ريب أنّ استعمال غير المستعمل أولىٰ ، انتهىٰ (٢) .
ولقائل أن يقول : إنّ الشك في حصول المقتضي إن اُريد به مقتضي المنع فمسلّم ، إلّا أنّ الشرط إذا تحقق من الشارع ، وهو كون الماء المغتسل به غير مستعمل ، فلا بُدّ من حصوله في جواز الاغتسال ، والمفروض ذلك ، والشك في مقتضي المنع لا ينفع .
وإن اُريد بالمقتضي غير ذلك فغير معلوم ، والاتّفاق المذكور في المقام محل كلام ، بل التصريح واقع في الاستدلال بالرواية .
اللّهم إلّا أن يقال : إنّ المفهوم من الشارع جواز الاغتسال بكلّ ماء إلّا إذا علم استعماله ، وظاهر الرواية خلافه ، فكيف ترد الرواية لغير المطلوب ؟
نعم في الرواية ما يدل علىٰ عدم اللزوم ، وهو النهي عن الغُسل من ماء آخر ، فإنّه لا يناسب التحريم .
وفي الخبر أبحاث كثيرة ذكرناها في محل آخر ، ولعل في هذا القدر كفاية .
__________________
(١) التهذيب ١ : ٣٧٩ / ١١٧٥ ، الوسائل ١ : ١٤٩ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٥ .
(٢) معالم الفقه : ١٣٣ .
قوله :
فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، قال : حدثني صاحب لي ثقة أنّه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل ينتهي إلىٰ الماء القليل في الطريق ، فيريد أن يغتسل ، وليس معه إناء ، والماء في وهدة (١) ، فإن هو اغتسل (٢) رجع غسله في الماء ، كيف يصنع ؟ قال : « ينضح بكفٍّ بين يديه ، وكفّاً (٣) من خلفه ، وكفّاً عن يمينه ، وكفّاً عن شماله ثم يغتسل » .
فلا ينافي الخبر الأول ؛ لأنه يجوز أن يكون المراد بالغسل هاهنا غير غسل الجنابة من الأغسال المسنونات ؛ لأنّ الذي لا يجوز استعمال ما (٤) اغتسل به إذا كان الغسل للجنابة فأمّا إذا كان مسنوناً فذلك يجري مجرىٰ الوضوء .
ويجوز أن يكون هذا مختصاً (٥) بمن ليس علىٰ بدنه شيء من النجاسة ؛ لأنّه لو كان هناك نجاسة لنجس الماء ولم يجز استعماله علىٰ حال .
السند :
قد تقدم الكلام فيه بما يغني عن الإعادة (٦) .
__________________
(١) الوهدة : بالفتح فالسكون : المخفض من الارض ـ مجمع البحرين ٣ : ١٦٧ ( وهد ) .
(٢) في الاستبصار ١ : ٢٨ / ٧٢ زيادة : به .
(٣) في الاستبصار ١ : ٢٨ / ٧٢ : وكفٍ .
(٤) في الاستبصار ١ : ٢٨ : ماء .
(٥) في الاستبصار ١ : ٢٨ زيادة : بحال الاضطرار ، ولا بُدّ أيضاً أنّ يكون مختصاً .
(٦) راجع ص ٧٢ ، ١٢١ ، ١٧٠ ، ٢٠٧ ـ ٢٠٨ .
وقول ابن مسكان : حدثني صاحب لي ثقة ، لا يفيد شيئاً بعد ضعف الطريق ، وعلىٰ تقدير الصحة أيضاً ؛ فإنّ الثقة إذا لم يعلم اسمه ليبحث عنه من وجود الجارح وعدمه ( لا يثبت به صحّة الحديث ، كما حرّر ) (١) في الاُصول (٢) .
فإن قلت : ما تقرّر في الاُصول لا يخلو من إشكال ؛ لأنّ توقف التوثيق علىٰ انتفاء الجرح يقتضي أن يكون توثيق أصحاب الرجال إنّما يعتبر إذا لم يعارضه الجرح المعتبر ، والحال أنّ الاستدلال علىٰ قبول توثيق الرجال هو قوله تعالىٰ ( إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ ) (٣) الآية ؛ فإنّ مفهوم الشرط عدم التثبّت عند خبر العدل ، فالتوقف علىٰ انتفاء الجرح يقتضي تخصيص الدليل ، وموجبه غير معلوم .
ولو سلّم فانتفاء الجرح في الرجال لا يعلم الآن إلّا من مراجعة الكشّي ، وهو لا يخلو من تصحيف ، وضعف أسانيده أكثر من صحتها ، وغيره ليس بموجود ليعتمد عليه ، فلو وقف التعديل علىٰ انتفاء الجرح لزم عدم قبول التعديل غالباً ، والتزامه واضح الإشكال .
قلت : أمّا ما ذكرت من جهة الآية فالأمر سهل ، من حيث إمكان التخصيص ، علىٰ أنّ المفهوم من الآية قبول العدل ، والعلم به لا يتحقق إلّا مع انتفاء الجرح .
إلّا أن يقال : إنّ الفرق حاصل بين من ثبتت عدالته بقول العدل كأصحاب الرجال ، وبين من علمت بالمعاشرة .
__________________
(١) بدل ما بين القوسين في « رض » : لا يفيد قول الغير ثبوته ، كما صرّح .
(٢) انظر معالم الاُصول : ٢١٤ ـ ٢١٦ .
(٣) الحجرات : ٦ .